بحث عن دعوى إلغاء القرار الإداري .
فـارس حامـد عبـد الكريـم
تعتبر القرارات الادارية من التصرفات القانونية الحيوية التي تعبر عن سياسات الدولة العامة ونظامها القانوني والاقتصادي والاجتماعي وكل مايتعلق بالحاجات العامة واسلوب تنفيذ ذلك، والقرار الاداري باعتباره تعبير عن ارادة السلطات العامة هو محتوى وجوهر العملية الادارية، لأن مفهوم القيادة الادارية الحديثة لايعدو عن كونه صلاحية اتخاذ القرارات المؤثرة والفاعلة تبعا لمدى الصلاحيات التي خولها اياها المشرع من حيث سلطة التقدير او التقييد،اذ تعكس القرارات الادارية مدى فعالية الادارة وكفاءتها وقدرتها على تحويل التشريعات وخاصة الاصلاحية منها الى واقع عملي ذو اثر ايجابي ملموس على حياة الناس ومستوى الرفاه الاجتماعي، وعلى خلاف ذلك فان الادارة الضعيفة غير الكفؤة تؤثر سلبا على حياة الناس، وكم من التشريعات الاصلاحية العظيمة افرغت من محتواها الانساني الاجتماعي بسبب ضعف الادارة او فسادها، ويرى بعض فقهاء القانون ان القرار الاداري اضحى مصدرا من مصادر الحق لقدرته على انشاء الحقوق العينية والشخصية، تعبيرا عن اهمية القرار الاداري في الحياة المعاصرة.
والقرار الاداري يخضع لمبدأ المشروعية، بمعنى وجوب ان تتم جميع تصرفات السلطات العامة في اطار القواعد الدستورية والقانونية والاكان التصرف معيبا وباطلا يستوي في ذلك ان يكون التصرف ايجابيا كالقيام بعمل اوسلبيا كالامتناع عن عمل يوجبه القانون، وعدم مشروعية القرار قد ترتب المسؤولية الجنائية في حالات معينة. والاصل ان تتمتع القرارات الادارية بقرينة المشروعية، بمعنى انه يفترض فيها انها قد صدرت صحيحة ومشروعة، الا انها قرينة بسيطة تقبل اثبات العكس، اذ بأمكان صاحب المصلحة في الطعن بالقرار الاداري ان يقيم الدليل على ان القرار الاداري مشوب بعيب من عيوب عدم المشروعية. وتنقسم القرارات الادارية من حيث مداها وعموميتها الى نوعين من القرارات, قرارات فردية وقرارات تنظيمية، والقرار الفردي هو القرار الذي يتعلق بفرد او مجموعة من الافراد محددين بذواتهم ومثاله تعيين موظف او نقله او القرار بقبول الطلبة في الجامعات.
اما القرارات التنظيمية وتسمى في العراق بالانظمة والتعليمات وفي مصر باللوائح فهي تلك القرارت الصادرة من السلطة التنفيذية والتي تتضمن قواعد عامة مجردة ملزمة تخاطب الافراد بصفاتهم لابذواتهم وغير محددين سلفا وهي بهذه الحال تشبه القوانين من حيث الخصائص وتصدرحسب الاصل بناءا على قانون صادر من السلطة التشريعية لتسهيل تنفيذه ومن امثلتها انظمة الوزارات والجامعات وتعليمات رخص القيادة وحيازة الاسلحة وغيرها. وكلا نوعي القرارات الادارية يمكن ان تصدر معيبة فتكون محلا للطعن امام القضاء. ويقصد بعيوب القرار الاداري، أو حالات إلغائه، حالات عدم المشروعية التي تصيب القرار الإداري والتي يمكن أن تؤدي الى الغائه عن طريق دعوى الإلغاء.
ولما كانت عناصر القرار الاداري هي الاختصاص والشكل والسبب والمحل والغرض او الغاية،فإن اشكال عدم المشروعية التي تعيب القرار الاداري هي:-
1ـ عدم المشروعية التي تتعلق بالجهة التي تصدر القرار (عدم الاختصاص).
2ـ عدم المشروعية التي تتعلق بالاشكال والاجراءات (عيب الشكل).
3ـ عدم المشروعية التي تتعلق باسباب القرار.
4ـ عدم المشروعية التي تتعلق بمحل القرار. (عيب مخالفة القانون).
5ـ عدم المشروعية التي تتعلق بالغرض(عيب الانحراف بالسلطة). وكلما افتقد القرار الشروط القانونية اللازمة لاصداره بالنسبة لكل عنصر من عناصره فأن ذلك يعد سبباً كافياً لطلب الالغاء امام القضاء.
وينص قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972، على انه)… ويشترط في طلبات الغاء القرار الاداري النهائية ان يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص او عيباً في الشكل او مخالفة القوانين او الانظمة والتعليمات او خطأ في تطبيقها او الاساءة في استعمال السلطة(ويذهب جانب من الفقه المصري الى ان هذا النص يحدد اوجه الالغاء بالاوجه التالية:-
1- عيب الاختصاص.
2- عيب الشكل.
3- مخالفة القانون.
4- اساءة استعمال السلطة. وفي العراق تنص (م- 7 /2/هـ) قانون مجلس شورى الدولة المعدل رقم 65 لسنة 1979 على ما يأتي:- ” يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي “:-
اولا: ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات.
ثانيا: ان يكون الامر او القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص او معيباً في شكله.
ثالثا: ان يتضمن القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعليمات او في تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة”.
وفي تطور قانوني مهم نص المشرع الدستوري في دستور العراق لسنة 2005 في المادة (100) منه على انه (يحظر النص في القوانين على تحصين اي عمل أو قرار اداري من الطعن.)، وهذا يعني الغاء جميع الاستثناءات الواردة على ولاية القضاء الاداري سواء وردت في قانون مجلس شورى الدولة او التي كانت تزخر بها القوانين العراقية والتي قيدت نطاق الطعن الى ابعد الحدود حتى اصبح الاصل هو عدم جواز الطعن والاستثناء جوازه، مما يعني ان الطعن بالقرار الاداري اصبح امر متاحا وممكنا ايا كانت جهة اصدراه ومهما علت مرتبة مصدره في الدولة.
خصائص دعوى الالغاء:-
دعوى الالغاء دعوى قضائية بكل معنى الكلمة وهي من حيث نشأتها وتطورها من خلق القضاء، كما ان لهذه الدعوى صفة عامة، اي انها دعوى القانون العام يمكن ان توجه ضد اي قرار اداري دون حاجة الى نص خاص، واذا نص القانون على ان قراراً ادارياً لا تسمح الدعوى بشأنه فأن ذلك لا يشمل دعوى الالغاء ما لم تستبعد بشكل صريح.
واساس قيام دعوى الالغاء هو فكرة عدم المشروعية والتي تظهر عند مخالفة الادارة لقاعدة قانونية وتوجه نحو القرار الاداري المخالف للقانون بقصد الغائه. وتعد دعوى الالغاء من النظام العام، اي انها قائمة دون حاجة لنص يقررها اذ يمكن رفعها ضد اي قرار اداري معيب، وللقاضي ان يثيرها من تلقاء نفسه ولو رفعت الدعوى بشأن عيب اخر، كما انه لا يقبل من احد ان يتنازل مقدماً عن حقه في استخدام هذه الدعاوي وكل تنازل من هذا القبيل يعتبر باطلاً. كما انها دعوى موضوعية (عينية)،اي انها دعوى القضاء الموضوعي، بمعنى ان هذه الدعوى لا يراد بها اساسا الاعتراف بحق شخصي وحمايته، وانما تهدف الى حماية قواعد قانونية وتعمل على ازالة مخالفتها حتى لو حققت لاصحاب الشأن حماية مراكزهم القانونية ومصالحهم الذاتية، فالهدف الرئيس لدعوى الالغاء هو حماية النظام القانوني ومبدأ المشروعية. وتعرف دعوى الالغاء بأنها: هي تلك الدعوى التي يستطيع كل فرد صاحب مصلحة ان يلتجأ اليها ليطلب من القضاء الاداري الغاء قرار اداري تنفيذي استناداً الى عدم مشروعيته. القرار الاداري محل الالغاء:
الالغاء قد يكون اداريا او الغاءا قضائيا:ـ
1ـ الالغاء الاداري: ينبغي التمييز في هذا المجال بين القرارات التنظيمية (الانظمة،التعليمات، اللوائح) والقرارات الفردية، فللادارة الحق في تعديل او الغاء قراراتها الادارية التنظيمة في اي وقت تراه مناسبا لذلك لأن هذه القرارات انما تنشأ مراكز تنظيمية عامة وتتضمن قواعد عامة مجردة كما هو حال التشريعات.
اما القرارات الفردية، كقاعدة عامة فلايجوز الغاؤها وقد ترتب عليها اكساب الشخص حقا شخصيا او مركزا خاصا، الا خلال ستين يوما من تاريخ صدورها وهي المدة المحدد للطعن امام القضاء الاداري،اذ انها بعد مرور هذه الفترة تتحصن ضد الالغاء القضائي فمن باب اولى ان تتحصن ضد الالغاء الاداري، اما اذا لم يولد القرار حقا خاصا كالقرارات الولائية او الوقتية كقرارات ندب الموظفين ومنح الرخص المؤقتة فان امر الغائها جائز في اي وقت لانها لاترتب حقوقا مكتسبة. واذا كان من المسلم به فقها وقضاءا انه لايجوز الرجوع في القرار الاداري الا ان ذلك لايعني خلود هذا القرار بل ان اثار القرار تنتهي من خلال القرار المضاد وفقا للشروط التي ينص عليها القانون، فقرار تعيين موظف في وظيفة معينة لايتأثر بعد ذلك بتغير الشروط القانونية لشغل هذه الوظيفة حتى لو فقد الموظف بعد تعيينه بعض شروط الوظيفة التي شغلها، الا ان الادارة تستطيع ان تنهي اثار قرار تعيين هذا الموظف من خلال القرار المضاد، مثلا باحالته على التقاعد او فصله او عزله وفقا للقانون.
2ـ الالغاء القضائي: يقصد هنا بألغاء القرار انهاء اثار القرار القانونية بالنسبة للمستقبل وبأثر رجعي. والاثر الرجعي اثر من اثار الحكم بالبطلان وفي هذا يقول فقهاء القانون (ينبغي ان لايضار التقاضي بسبب بطء التقاضي) مما يقتضي اعادة الحال الى ماكانت عليه، وهو محل بحثنا هذا. عدم رجعية القرارات الادارية: الاصل ان القرارات الادارية ايا كان نوعها يجب ان تطبق بأثر مباشر ولاتتضمن اثرا رجعيا. وسبب عدم جواز الرجعية يعود لاعتبارات قانونية ومنطقية، منها:
أ ــ نص الدستور والقوانين النافذة على انه ليس للقوانين اثر رجعي ويترتب على ذلك ان ليس للقرارات الادارية اثر رجعي لانها اداة تنفيذ تلك القوانين وهي ادنى منها درجة في سلم التدرج القانوني فلا يمكن ان يكون لها ماليس للقوانين. فالقاعدة العامة ان القرارات الادارية بكل انواعها يجب ان تطبق بشكل مباشر ولاتتضمن اثرا رجعيا لأنه لايجوز المساس بالحقوق المكتسبة الابقانون يتضمن الاثر الرجعي، اي في حالة نص القانون على الاثر الرجعي لنفاذه وفقا للضوابط الدستورية وجاءت القرارات الادارية تنفيذا لمقتضاه.
ب ـ ان هذا ماتقتضيه العدالة الطبيعية ومبدأ استقرار المعاملات والصالح العام اذ ليس من العدل اهدار الحقوق ولايتفق والمصلحة العامة ان يفقد الناس الثقة والاطمئنان على استقرار حقوقهم مما يقتضي ان يكون التنظيم للمستقبل مع ترك الاثار التي تمت في الماضي على ما هي عليه.
وهذا خلاف الالغاء القضائي الذي يكون بأثر رجعي نتيجة الحكم ببطلان القرارالاداري لمخالفته للقانون فيزال كل اثر له وفي هذا يقول فقهاء القانون (ان التقاضي لايمكن ان يضار بسبب بطء التقاضي)، يتضح ان الاصل الام هو عدم جواز الاثر الرجعي للقرار الاداري الا انه يرد على هذا الاصل استثناءات محدودة منها جواز الاثر الرجعي بنص تشريعي او تنفيذا لحكم قضائي بالالغاء ويرى بعض الفقهاء جواز رجعية القرارات الادارية التنظيمية اذا تضمنت احكاما اصلح للافراد حتى لو لم تتعلق بعقوبة معينة. ونتناول بالبحث تباعا عيوب القرار الاداري:
اولا:ــ عيب عدم الاختصاص:– نظمت دساتير الدولة القانونية الحديثة وتشريعاتها السلطات والاختصاصات داخل الدولة واوكلت ممارستها الى مؤسسات متنوعة، وتتوزع هذه السلطات والاختصاصات بموجب القوانين والانظمة ايضا داخل هذه المؤسسات على مجموعة من الموظفين يعرفون بمتخذي القرارات او صانعي القرارات داخل المؤسسة وهم المخولين بالتعبير عن ارادة الهيئة الرسمية التي يعملون فيها، ولايجوز لغيرهم التعبير عن هذه الارادة، ويتأسس معيار توزيع سلطة الدولة على الاختصاصات المقررة للوظيفة العامة التي يشغلها العضو الاداري بحيث يكون لكل موظف ولاية اصدارها في حدود اختصاصه من حيث الموضوع والزمان والمكان، وعليه فان الإختصاص في القرار الإداري، هو الصلاحية القانونية لفرد او عضو او لهيئة في التنظيم الاداري لاحداث آثار قانونية معينة بإسم شخص اداري عام. ويعتبر عنصر الاختصاص من اهم عناصر القرار الاداري ويترتب على عدم مراعاته بطلان القرار ومن ثم الغائه. وهذا يعني وجوب صدور القرار الاداري عن عضو اداري وان تكون له صلاحية التعبير عن ارادة الدولة او اي شخص اداري آخر. ولايتحقق الوجود القانوني للعضو الاداري الا بوجود سند قانوني بتعينه سواء كان هذا السند قراراً اداريا او عقداً ادارياً اذا كان هذا العضو فرداً، وبالقرار الصادر بتشكيله اذا كان هيئة او لجنة او مجلس. وفي حالة عدم وجود هذا السند القانوني فأن الشخص الطبيعي لا يمكن ان يعبر عن ارادة الدولة والا اعتبر مغتصباً او منتحلاً ومن ثم تكون قراراته من الناحية القانونية لا اثر لها او منعدمة. ومصادر قواعد الاختصاص تستمد من الدستور ومختلف القوانين و الانظمة والتعليمات فضلا عن ان القضاء قد استخلص قواعد الاختصاص على اساس من المباديء العامة للقانون غير المكتوبة من ذلك قاعدة توازي الاختصاصات وهي قاعدة غير مكتوبة اعترف بها القضاء ومقتضاها: انه اذا وجد نص يحدد لهيئة ادارية معينة اختصاص باصدار قرار معين ثم سكت عن بيان الجهة التي تملك تعديله او الغاءه فأن هذا الاختصاص يكون لنفس الهيئة التي تملك اصدار القرار. ومن ذلك ما ذهب اليه القضاء المصري من انه اذا نظم المشرع اختصاصاً بعينه ولم يعهد به الى ادارة معينة او بيان الموظف المنوط حق استعماله فيكون ذلك للموظف الذي يتفق هذا الاختصاص وواجبات وظيفته. قواعد الاختصاص من النظام العام:
قواعد الاختصاص ملزمة للادارة بشكل خاص وتبدو هذه الخاصية من اعتبارها من قبيل النظام العام ويترتب على ذلك مايلي:
1ـ يمكن اثارة الدفع بهذا العيب امام القضاء في اي مرحلة من مراحل نظر الدعوى ولايحتج على المدعي في هذا المقام بأنه قدم طلبات جديدة.
2ـ يجب على القاضي ان يثيره من تلقاء نفسه اذا مابدى له اثناء نظر الدعوى ولو لم يثره صاحب الشأن.
3ـ لا يمكن للادارة ان تتفق مع الافراد على تعديل قواعد الاختصاص، لان قواعد الاختصاص لم تقرر لصالح الادارة بل للصالح العام.
4ـ عدم التوسع في تفسيرقواعد الاختصاص ولابد ان تفسر على نحو من التفسير الضيق، لان التوسع في التفسير يؤدي الى خلق اختصاصات جديدة للادارة.
5ـ كما ان عدم المشروعية الناتجة عن اتخاذ القرار من هيئة غير مختصة لا يمكن ان تصحح بتصديق لاحق من الجهة المختصة، فالبطلان لايزول نتيجة الاجازة او التصحيح اللاحق، الا في حالة الظرورة والظروف الاستثنائية وبصدد ذلك قضت محكمة القضاء الاداري في مصر بأن القرار المطعون فيه (قد صدر من غير الجهة المختصة بأصداره قانونا،ولايغير من هذا الوضع احاطة مدير المصلحة به او اعتماده له لان القرار الباطل بسبب عدم الاختصاص لايصحح بالاعتماد فيما بعد من صاحب الشأن فيه، بل يجب ان يصدر منه انشائيا بمقتضى سلطته المخولة له). ويعرف مجلس الدولة المصري عيب الاختصاص بقوله ” ان عيب الاختصاص في دعوى الالغاء هو عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين جعله المشرع من سلطة او هيئة او فرد اخر”. ولعيب الاختصاص صورتين: الصورة الاولى:-اغتصاب السلطة ” العيوب الجسيمة”. وذلك عندما يكون العيب جسيماً وفي هذه الحالة لا يعتبر القرار مجرد قرار غير مشروع وأنما يعتبر قراراً منعدماً اي انه قرار باطل، ويمكن لصاحب العلاقة بل عليه عدم اطاعته او الالتزام به بل له ان يقاوم تنفيذه، والادارة من جانبها وهي تحاول تنفيذه تنفيذا مباشرا انما ترتكب بذلك اعتداءاً مادياً، كما ان هذا القرار لانعدامه ليس بحاجة حسب الاصل ان يكون موضوعاً لدعوى امام القضاء لأعلان انعدامه، لانه مجرد واقعة مادية ولكن الاوضاع العملية و الواقعية قد تجعل من هذا القرار مع انعدامه عقبة مادية في سبيل ذوى العلاقة لاقتضاء حقوقهم او الوصول اليها لذلك جاز ان يكون محل تظلم او دعوى لإعلان انعدامه ومن دون الالتزام بموعد معين، ومن ثم جاز للادارة سحب قرارها المنعدم بأي وقت وكذلك جاز للقضاء ان يقبل دعوى الالغاء دون ان يلتزم بشرط الميعاد. وعندما يكون القرار منعدماً جاز للقضاء العادي النظر بهذه القرارات ايضاً ولوكان في الدولة قضاء اداري لانه لايعدو عن كونه واقعة مادية. ويطلق اصطلاح اغتصاب السلطة على عيب الاختصاص حينما يكون جسيماً غير ان الفقه لم يتفق على العيوب التي تعتبر من قبيل العيوب الجسيمة، وجاء في قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 13/98ـ99 في 7/10/1998 ان (قرار اعلان اول الخاسرين فائزا بعد اقالة احد الاعضاء يعتبر عديم الوجود لانه يشكل اغتصابا للسلطة التي تعود للشعب وحده) وجاء في حيثيات القرار (ان القرار المطعون فيه صادر عن سلطة غير صالحة بصورة جلية وهو بالتالي عديم الوجود ويعتبر والحال هذه كأنه لم يكن ويمكن الطعن فيه خارج المهلة القانونية فتكون المراجعة مقبولة شكلا). غير ان اغلب اراء فقهاء القانون الاداري واحكام القضاء المستقرة ذهبت الى ان حالات اغتصاب السلطة التي تؤدي للانعدام في حالات معينة هي ما يلي:- اولا- صدور القرار من فرد عادي او بعبارة اخرى من مغتصب وذلك لان الوجود القانوني لاي موظف او مكلف بخدمة عامة يرجع الى صدور قرار بتعينه او بتكليفه وهذا القرار هو الذي يسبغ على شخص ما صفة العضو الاداري او الهيئة التابع للدولة او اي شخص اداري اخر وفي حالة عدم وجود هذا القرار او عدو وجود سند قانوني فان الشخص الطبيعي لا يمكن ان يعبر عن ارادة الدولة واذا فعل يعد مغتصباً ومن ثم تكون قراراته منعدمة ولا اثر لها الا اذا كان مما يصدق عليه وصف الموظف الفعلي ومن ثم يمكن تصحيح النتائج تلك. والموظف الفعلي او الواقعي في الظروف العادية هو ذلك الشخص غير المختص الذي لم يقلد الوظيفة العامة اصلا اوكان قرار تقليده للوظيفة العامة معيباً من الناحية القانونية او كان موظفا وزالت عنه صفته الوظيفية لاي سبب كان، والموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية هو من يباشر الوظيفة العامة تحت الحاح ظروف استثنائية ودوافع سياسية او اجتماعية او بدافع المصلحة الوطنية وعدم توقف المرافق العامة الحيوية وخاصة في اوقات الحروب وغياب السلطات العامة او انحسارها، والاصل اعتبار قراراته التي يتخذها منعدمة وباطلة قانونا لانها صادرة من غير مختص الا ان الفقه والقضاء ولاعتبارات تتعلق باستقرار المراكز القانونية وضرورة سير المرافق العامة بصفة منتظمة اعترف بصحة هذه القرارات ضمن شروط معينة وتتخلص هذه الشروط في قيام فكرة الظاهر بأن تكون عملية تقلد هذا الشخص للوظيفة متسمة بمظهر المعقولية معنى ذلك ان من يتولى وظيفة معينة على اساس من عمل منعدم وهو القرار المتسم بالمخالفة الجسيمة و الصارخة لا يمكن ان يكون موظفاً فعلياً ومن ثم تكون قراراته منعدمة. وقد طبق هذا المبدأ فعلاً في المانيا فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذها مجلس الموفدين ومجالس العمال سنة 1918 في نهاية الحرب العالمية الاولى وقد قرر القضاء فيما بعد ان هذه المجالس كانت قد تصرفت بهدف حماية النظام العام والصالح العام وعلى ذلك فأن قراراتها تعتبر صحيحة ومنتجة لاثارها وتسأل الدولة عنها مدنياً. وذهب القضاء الاداري الفرنسي الى تبني هذه المباديء نفسها حينما قضى بأن المجلس البلدي وقد تولى تطوعاً ادارة المرافق العامة فأن قراراته بهذا الشأن تكون صادرة من سلطة فعلية ومن ثم يصدق عليها وصف القرارات الادارية المنتجة لاثارها ونفس هذا الحكم يصدق بالنسبة للقرارات والتصرفات الصادرة من لجان التحري التي ظهرت عقب الانزال الذي قام به الحلفاء في فرنسا سنة 1944. ثانيا – صدور القرار ممن تتوفر فيه صفة الموظف العام لكنه لا يملك سلطة اصدار قرارات ادارية اطلاقاً. كان يصدر القرار من مستخدمين مناطة بهم امور كتابية او يدوية او صدور القرار من هيئات او مجالس استشارية، من ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي بإعتبار القرار من مدير مكتب الوزير برفض تقرير راتب تقاعدي قراراً منعدماً لصدوره من لا يملك سلطة اصدار قرارات ادارية. ثالثا- صدور القرار من جهة ادارية في نطاق الوظيفة الادارية بصورة عامة ولكنه يتضمن اعتداء على اختصاص جهة ادارية اخرى لا تمت بصلة للجهة مصدرة القرار. كان يصدر قرار من وزير يختص به بشكل واضح وزير اخر دون غيره. ولكن يلاحظ ان القضاء الاداري المصري قد توسع في تطبيقه لهذه الحالة حتى انتهى احياناً لادخال حالات عدم الاختصاص البسيط ضمن حالات اغتصاب السلطة من ذلك القرار الصادر نتيجة تفويض باطل حيث قضت محكمة القضاء الاداري المصري في حكمها الصادر في 5/1/1954 بأن (المرسوم بقانون رقم 24لسنة 1931 اعطى اختصاصات معينة لمدير عام مصلحة السكةالحديد بالنسبة لطائفة من موظفيها، ولايجوز قانونا التفويض في هذا الاختصاص بل يتعين ان يباشر الاختصاص من عينه القانون بالذات، من ثم فيكون القرار المطعون فيه الصادر من سكرتير عام مصلحة السكك الحديد بفصل المدعي ينطوي على نوع من اغتصاب السلطة فهو قرار معدوم لا اثر له) وهذه القرارات في الحقيقة معيبة بعيب اختصاص بسيط لان هؤلاء يملكون ايضاً سلطة اتخاذ قرار فهو معيب وليس منعدم. رابعا- صدور القرارمن جهة ادارية متضمنأ اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية او السلطة القضائية: نصت المادة (61) من دستور العراق لسنة 2005 (يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً: تشريع القوانين الاتحادية.)وبموجب النص فان مجلس النواب هو الجهة المختصة بتشريع القوانين، فان مارست السلطة التنفيذية تشريع القوانين فان تصرفها هذا يكون مشيبا بعيب عدم الاختصاص الجسيم. كان تقوم الادارة بفرض ضريبة بنظام او تعليمات لم يكن قد قررها قانون، باعتبار ان المبدأ العام في هذا المقام ان لاضريبة ولارسم الابقانون حسب ماجاء في المادة (28) من دستور العراق لسنة2005(اولاً: لاتفرض الضرائب والرسوم ولاتعدل ولاتجبى، ولايعفى منها، إلا بقانون.) وكذلك انشاء شخص معنوي عام، كوزارة او مؤسسة، بنظام او تعليمات من دون ان يكون هناك نص قانوني يجيز ذلك. لان السلطة التنفيذية تكون قد حلت نفسها محل السلطة التشريعية في مثل هذه الاحوال المتقدمة. او ان تتولى الادارة اصدار قرارات قضائية او احكام قضائية هي من اختصاص القضاء بموجب الدستور والقانون ولو تحت ستار قرارات ادارية، ويحدث هذا الفرض غالبا في النزاعات الحاصلة بين الادارة ومنتسبيها، حيث نصت المادة (88) من دستور العراق لسنة 2005 على انه (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولايجوز لاية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة). ويذهب مجلس الدولة الفرنسي الى اعتبار مثل هذه القرارات من قبيل القرارات المنعدمة من ذلك مثلاً حكمه بإنعدام قرار مدير الاقليم بابطال عملية انتخاب مجلس مدينة من المدن التابعة للاقليم لان المدير تدخل في موضوع من اختصاص القضاء الاداري لذلك يعتبر قراراًَ باطلاً ولا اثر له. اما القضاء الاداري المصري فقد كان ولا يزال يقرر في احكامه باعتبار اعتداء الادارة في قراراتها على اختصاص السلطة التشريعية او القضائية من قبيل اغتصاب السلطة الذي يؤدي بهذه القرارات للانعدام فقد جاء في احد احكامه (ان العمل الاداري لا يفقد صفة الادارية ولا يكون معدوماً الا اذا كان مشوباً بمخالفة جسيمة ومن صورها ان يصدر القرار من فرد عادي او من سلطة في شأن اختصاص سلطة اخرى كأن تتولى السلطة التنفيذية عملاً من اعمال السلطة القضائية او السلطة التشريعية) ومن ذلك حكمها ايضاً (ان تدخل الادارة في العلاقة بين المالك والمستأجر يجعل قرارها معدوماً). ومن ذلك حكم مجلس الدولة المصري ” ان القرار التأديبي الذي استندت عليه الوزارة في طعنها فيما قضي به من رد المبالغ التي استولى عليها المطعون ضده من اعانة غلاء المعيشة دون وجه حق لم يستحث عقوبة فحسب وانما تعداها الفصل في منازعة لا يملك الفصل فيها فأغتصب بذلك سلطة القضاء واصبح قراره بهذا الشأن منعدماً ” لا اثر له” كذلك الحكم اذ نص القانون على تشكيل لجنة ما على وجه معين فأنه لا يصح تعديل هذا التشكيل الا من يملكه قانوناً وهو المشرع اما السلطة القائمة على تنفيذ القانون فلا تملك اصلاً تعديل التشكيل فأن فعلت كان من قبيل اغتصاب السلطة فيبطل بطلاناً اصلياً. في مثل هذه الحالات المتقدمة يعتبر القرار الذي يصدر منعدما، لانه يفقد مقومات القرار الاداري ولذا فأنه يعد عديم الاثر قانونا ولايتمتع بالحصانة المقررة للقرارات الادارية مما يعني جواز سحبه دون التقيد بالمدد القانونية للطعن كما يمكن رفع دعوى الالغاء دون التقيد بهذه المدة ايضا. الصورة الثانية – عيب الاختصاص العادي ” البسيط”:- اذا لم يكن العيب جسيما في موضوع الاختصاص كما تقدم يتحقق عيب الاختصاص البسيط الذي يؤدي الى بطلان القرار والحكم بالغائه شريطة ان يتم ذلك خلال المدد المحددة للطعن بالقرار الاداري، وهذه الحالات تتمثل في عيب الاختصاص من حيث الموضوع ومن حيث الزمان ومن حيث المكان. اولا – عيب الاختصاص الموضوعي:- ويقصد به ان تصدر جهة ادارية قرارها في موضوع لاتملك قانونا اصدار القرار بشأنه لانه يدخل في اختصاص جهة ادارية اخرى. ويتحقق ذلك عندما يكون الاثر القانوني الذي يترتب على القرار مما لايختص مصدر القرار بترتيبه قانونا. ويفترض في هذا المقام مشروعية محل القرار وان من الممكن احداثه قانونا ولكن بقرار يصدر من الجهة المختصة، وعليه اذا كان محل القرار غير مشروع ولايجوز احداثه من اية سلطة ادارية كانت , فأن القرار لايكون مشوبا بعيب عدم الاختصاص الموضوعي وانما يكون مشوبا بعيب المحل. ذلك ان قواعد الاختصاص تحدد مقدماً الموضوعات التي تدخل في مجال نشاط جهة ادارية معينة ومن ثم عليها ان تلتزم فيما تصدر من قرارات حدود هذه الموضوعات دون ان تعتدي على ما اختص به القانون جهة ادارية اخرى فان فعلت فان قرارها يكون معيباً بعدم الاختصاص من الناحية الموضوعية وهذا هو عيب عدم الاختصاص الايجابي وهناك عدم الاختصاص السلبي وصورته ان تمتنع سلطة ادارية عن مزاولة اختصاصاتها لاعتقادها خطأً انها لا تملك هذا الاختصاص، ويتحقق عيب الاختصاص الموضوعي في عدة اشكال وهي كما يلي:- أ – اعتداء جهة ادارية على اختصاص جهة ادارية موازية. كان يعتدي وزير على اختصاص وزير اخر وقد بينا ان هذه الحالة قد تؤدي الى عيب اغتصاب السلطة التي تؤدي للقرار بالانعدام ولكن عيب الاختصاص البسيط هو الذي يتحقق عندما يكون هناك غموض وتداخل في الاختصاصات. كأن يصدر وزير قرار بترقية موظف اصبح تابعاً لوزارة اخرى بسبب الغموض الذي رافق نقل الموظف. ب- اعتداء جهة ادارية دنيا على اختصاص جهة اعلى منها: اي ان تباشر جهة ادارية الاختصاصات التي اوكلها المشرع لجهةادارية اعلى منها في سلم التدرج الوظيفي. كان يصدر وكيل الوزارة قرار من اختصاص الوزير اوان يصدر الوزير قراراً لا يمكن اتخاذه الا من قبل مجلس الوزراء. وكذلك القرارات الصادرة من سلطة ادارية عليا لا يمكن ولا يجوز لسلطة ادنى منها ان تغيرها او تعدلها الا بتفويض من سلطة عليا. حيث نصت الفقرة (ثالثا) من المادة (80)على انه (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية. ثالثا: اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين). وقد نص الدستور العراقي على اختصاصات السلطة التنفيذية، حيث نصت المادة (67)على انه (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور). وقضت المحكمة الادارية العليا المصرية بشأن الطعن رقم 2600 ـ50 ق. عليا – جلسة 9/4/2005 – الدائرة الأولى عليا ــ أملاك الدولة ـــ ان (المبدأ: التصرف في أراضي طرح النهر من اختصاص وزير الإصلاح الزراعي ـ صدوره من المحافظ يجعله مشوباً بعيب عدم الاختصاص). ج- اعتداء جهة ادارية عليا على اختصاص جهة ادنى منها: قد يحدد القانون لجهة ادارية اختصاصات لاتملكها الجهة الادارية التي تتبعها تلك الجهة وخاصة بالنسبة للهيئات التي تتمتع بقدر من الاستقلالية في عملها كالجامعات، فأن باشرت الجهة الادارية العليا تلك الاختصاصات شاب تصرفها البطلان، وقضى مجلس شورى الدولة اللبناني في قراره ذي الرقم 141 في 23/10/ 1986 بأن (قرار لجنة المعادلات في وزارة التربية لا يلزم الجامعة ما لم يتخذ وفق الاصول بحضور ممثل الكلية أو المعهد المختص – فتكون صلاحية تقييم الشهادة من اختصاص الجامعة تحت رقابة القضاء) وجاء في حيئيات القرار ان (معادلة شهادة الدكتوراه حلقة ثالثة بشهادة دكتوراه دولة الصادرة عن امين سر لجنة المعادلات في وزارة التربية لم تصدر وفقاً للاصول المحددة في المادة 67 من القانون رقم 75/67 سواء اكان لجهة تشكيل اللجنة أم لجهة بحثها في المعادلة في معرض تحققها من شرط الشهادة المطلوبة للتعيين في الجامعة اللبنانية، وبالتالي فان الافادة المذكورة تعتبر غير ملزمة للجامعة اللبنانية لجهة معادلة الشهادة التي يحملها المستدعي بشهادة دكتوراه دولة. وبما ان صلاحية تقييم شهادة المستدعي تعود والحالة هذه للجامعة اللبنانية التي تمارسها على ضوء قوانينها وانظمتها وتحت رقابة هذا المجلس، وذلك في غياب القرار الصادر وفقاً للاصول عن لجنة المعادلات في وزارة التربية الوطنية). وفي اطار جهة ادارية معينة قد يحصل ان يعتدي الرئيس على اختصاص مرؤوسيه. القاعدة ان للرئيس الهيمنة على اعمال المرؤوس، الا انه وفي حالات معينة قد يخول المشرع المرؤوس اختصاصاً معيناً دون ان يكون للرئيس التعقيب عليها ومن ثم اذا فعل ذلك كان منه اعتداءً على اختصاص المرؤوس فيقع قراره معيباً وكذلك اذا منح الاختصاص من قبل القانون مباشرة للمرؤوس او كان له اختصاص معين عن طريق التفويض فلا يجوز في هذه الحالة للرئيس ان يباشر هذه الاختصاصات ابتداءً وان كان له حق التعقيب على قرارات المرؤوس بعد اتخاذها. وجاء في قرار لمجلس شورى الدولةاللبناني رقم107 في 3/12/ 1993 ان (قيام الدولة بهدم الانشاءات المرخص بها من البلدية ومن دون علمها يشكل تعدياً على الملكية الفردية ويدخل ضمن اختصاص القضاء العدلي). وجاء في حيثيات القرار (وبما أنَّ البلدية وبعد أنَّ تلقت مخابرة المحافظ بالطلب اليها تهيئة العمل لتنفيذ الهدم الذي لم يعد قابلاً التأجيل وجهت الى وزارة الداخلية ومحافظ جبل لبنان البرقية رقم 90/ص تاريخ 22/2/1965 والتي جاء فيها: “- لقد تبلغنا قرار مجلس الشورى رقم 30 تاريخ 20/2/1965 بوقف تنفيذ الهدم… ليس لدينا تقرير فني بأن بناء ي.ح. مخالف للقانون…”. وبما أنَّ البلدية تدلي بأن الهدم الحاصل بتاريخ 23/2/1965 قد جرى بدون علمها لأنها كانت بانتظار جواب الدوائر المختصة حول المخالفات لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة. وبما أنَّ المستدعي يصر على ادعائه بأن الدولة قامت من تلقاء نفسها بهدم الإنشاءات دون علم البلدية أو صدور قرار عنها بهذا الشأن. وبما أنَّه إذا كانت الدولة قد قامت بهدم الإنشاءات دون الاستناد الى قرار بالهدم صادر عن السلطة المختصة وهي البلدية لا سيما بعد إتمام كافة الإنشاءات التي تدعي المحافظة مخالفتها للقانون فإن عملها يشكل تعدياً. وبما أنَّ أعمال التعدي تخضع لصلاحية القضاء العدلي. وبما أنَّ مسألة الصلاحية المطلقة تتعلق بالإنتظام العام وتقتضي إثارتها عفواً). د- اعتداء الادارة المركزية على اختصاص الادارة اللامركزية. اذا كان للادارة اللامركزية مباشرة اختصاصاتها المخولة لها قانوناً على نحو من الاستقلال ” لانها تستمد اختصاصها من القانون وليس من السلطة المركزية ” الا ان هذا الاستقلال ليس مطلقاً وانما تباشرالادارة المركزية نوعاً من الرقابـــة (الوصاية) على اعمال الادارة اللامركزية وذلك بموجب ما يعطيها القانون من الاختصاصات المحددة، كالاذن السابق والتصديق اللاحق والالغاء بالنسبة لبعض القرارات اذا كانت غير مشروعة وفي هذه الحالة على الادارة المركزية ان تلتزم حدود هذه الاختصاصات فلا تتجاوزها (لا رقابة بلا نص ولا رقابة خارج حدود النص)(رقابة وليست سلطة رئاسية) فلا تحل نفسها محل الادارات اللامركزية لمباشرة بعض اختصاصاتها الا اذا توفرت شروط الحلول وهي: 1. نص القانون – 2- امتناع الادارات اللامركزية على اتخاذ قرار رغم تنبيهها فتحل السلطة المركزية محلها استثناءً، او ان تقوم بتعديل بعض القرارات التي تصدرها الادارة اللامركزية في حين ان القانون لا يخولها سوى التصديق او عدم التصديق على تلك القرارات. وقد اشار القضاء الاداري المصري في بعض احكامه الى بعض هذه العيوب التي تصيب القرارات الادارية المركزية، ومن ذلك ما ذهبت اليه محكمة القضاء الاداري المصرية، من (ان وزير التربية وان كان الرئيس الاعلى للجامعة الا ان سلطته لا تتجاوز الحدود التي نص عليها القانون صراحةً ومن ثم فأن مباشرة وزارة التربية بداءةً لحق جامعة القاهرة في التقاضي ينطوي على مخالفة لقانون الجامعة وتجاوز من جانبها في أستعمال حقها في الاشراف على الجامعة الى حد مباشرة الحقوق التي تملكها هذه الاخيرة على وجه الاستقلال)وذهبت المحكمة نفسها الى ان (من المسلم به فقهاً وقضاءً ان علاقة الحكومة المركزية بالمجالس البلدية والقروية ان هي الا وصاية ادارية وليست سلطة رئاسية وبناء على ذلك فأن الاصل ان وزير الشؤون البلدية والقروية لا يملك بالنسبة لقرارات هذه المجالس سوى التصديق عليها كما هي او عدم التصديق عليها كما هي دون ان يكون له حق تعديل هذه القرارات). تفويض الاختصاص: المقصود بتفويض الاختصاص في مجال النشاط الاداري هو أن يعهد عضو اداري ببعض أختصاصاته لعضو اداري أخر ليمارس مؤقتاً هذه الاختصاصات بدلاً عنه اذا جاز القانون ذلك. ذلك ان صاحب الاختصاص ليس كمن يملك حقاً يستعمله متى شاء ويتنازل عنه متى رأى ذلك، وانما ينبغي عليه ان يمارسه شخصيا دون ان يكون له التخلي عنه مالم يكن هناك نص قانوني يجيز له التفويض. ان الهدف من التفويض هو للتخفيف عن كاهل بعض الموظفين المنوطة بهم سلطات متعددة ورغبة في تدريب اعضاء الادارة من الكوادر الوسطى على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات. ويوجد نوعان من التفويض:الاول تفويض السلطة (تفويض الاختصاص) والثاني تفويض التوقيع. والنوع الاول يؤدي الى تعديل ترتيب الاختصاص بين اعضاء الادارة ويتثمل بأنتقال الاختصاص من عضو الى أخر. أما النوع الثاني فيهدف الى ان يتخفف صاحب الاختصاص الاصيل من بعض أعباءه المادية والخاصة بمجرد التوقيع ويعهد به الى عضو اخر ليمارسة بدلاً عنه وفي هذه الحالة يتخذ من فوض اليه التوقيع القرار باسم صاحب الاختصاص الاصيل. بما ان تفويض الاختصاص يؤدي الى تعديل ترتيب الاختصاص فمعنى ذلك انه يؤدي الى تخلي المفوض مدة التفويض عن ممارسة اختصاصة، أما تفويض التوقيع فلا يؤدي الى فقدان المفوض لحقه في ممارسة اختصاصه. وتفويض الاختصاص يوجه الى العضو الاداري بصيغة شاغل منصب مهني ومن ثم اذا ما تغير هذا العضو فأن التفويض ينتقل الى خلفة في المنصب، وعلى العكس من ذلك فان تفويض التوقيع ذو طابع شخصي ومن ثم يسقط بتغيير المفوض والمفوض اليه. وتختلف قوة القرارات المتخذه بموجب التفويض في الاختصاص والتفويض في التوقيع من حيث التدرج فالقرار بموجب تفويض الاختصاص يأخذ مرتبة العضو المفوض اليه في السلم الاداري. اما القرار الصادر بموجب التفويض بالتوقيع يأخذ مرتبة العضو صاحب الاختصاص الاصيل في السلم الاداري. وقضى مجلس شورى الدولة اللبناني في قراره 213 في 6/1/1991 (عدم مراعاة صلاحية السلطات التأديبية تتعلق بالانتظام العام،لايمكن تفويض الصلاحيات التأديبية الا بنص صريح يسمح بذلك). وفي اطار نظام تفويض الاختصاص نصت المادة (123)من دستورجمهورية العراق على انه (يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات أو بالعكس، بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون.) ثانيا – عيب الاختصاص المكاني: يقصد بعيب الاختصاص المكاني مباشرة الجهة الادارية الاختصاص خارج النطاق الاقليمي المحدد لها، فأن كان لجهات الادارة المركزية ان تمارس اختصاصها على نطاق اقليم الدولة كله، فأن جهات الادارة المحلية أوالاقليمية يجب ان تمارس اختصاصها في النطاق الاقليمي المحدد لها،ومن ذلك عدم جواز ان يمارس المحافظ اختصاصه الا في نطاق محافظته ومن ثم اذا اتخذ قراراً يمتد اثره الى محافظة اخرى كان قراره معيباً بعيب عدم الاختصاص من حيث المكان. وبموجب دستور العراق لسنة 2005 لايجوز للسلطة الاتحادية ان تمارس صلاحياتها مكانيا في الاقاليم فيما عدا ماخصها بها الدستور، جيث نصت المادة (121)على انه(اولاً: لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.) ثالثا – عيب الاختصاص الزماني: يقصد به مباشرة الجهة الادارية لاختصاصها دون التقيد بالحدود الزمنية له. ومعنى ذلك انه لايجوز للموظف العام مباشرة وظيفته الا خلال الفترة الزمنية التي يتولى فيها هذا المنصب، فاذا قام سبب من اسباب انتهاء الخدمة فيه، كالاحالة على التقاعد او الاستقالة او النقل الى وظيفة اخرى، امتنع عليه مباشرتها، والا كانت قراراته مشوبة بعيب عدم الاختصاص. ويكون الاختصاص مقيداً من حيث الزمن من ثلاث نواحي: أ ـ لايمكن لاية جهة ادارية او عضو اداري ان يمارس ماهو محدد لها من اختصاص الا في الوقت الذي يتقلد فيه المنصب و يحل هذا الوقت بتوقيع القرار الاداري بتعيينه او ابرام العقد بتعيينه او بتوقيع قرار تشكيل اللجنة. ب ـ لايمكن للمجالس الادارية ان تباشر اختصاصها الاخلال انعقاد جلساتها كما ان مباشرة المجلس لاختصاصه مقيد بمدة ولايته ومقيد كذلك بأدوار انعقاده. ج- تفقد الجهة الادارية اختصاصها بانهاء تقلدها للمنصب او انهاء مدة ولايتها، وعلى سبيل الاستثناء في بعض الحالات ولتأمين استمرارية المرفق العام في حالة عدم تعيين خلف لتلك الجهة الادارة يمكن لها الاستمرار مدة اضافية في مباشرة اختصاصاتها الى ان يعين خلفا لها بموجب التشريع اوأستناداً للمباديء العامة. من ذك، ما هو متعارف عليه بالنسبة للوزراء المستقيلين حيث يستطيعون الاستمرار في انجاز الامور المعتادة او الجارية على الرغم من قبول استقالتهم لحين تعيين خلف لهم ويعترف القضاء الفرنسي بحق تحديد ما يعتبر من الامور الجارية وما يخرج عن هذا المعنى ومن ثم يحكم بالغاء القرارات والاجراءات الصادرة من قبل الحكومة المستقيلة او الوزير المستقيل التي تتجاوز مفهوم الشؤون الجارية لانها تكون صادرة من جهة غير مختصة. ومن المقرر فقهاً وقضاءً ان صفة الموظف العام تبقى ملازمة للشخص الى اللحظة التي يتحقق فيها سبب من اسباب انتهاء خدمته ومن ثم اي قرار يتخذه الموظف بعد ذلك يصدق عليه وصف القرار المنعدم لصدوره من المغتصب على النحو التالي:- 1- حالة العزل: تزول صفة الموظف العام بإبلاغ القرار للموظف أو بمضي مدة معينة على النشر عند غيابه. 2- حالة الاستقالة: تزول صفة الموظف العام من تاريخ قبول الاستقالة او بإنقضاء المدة المحدودة قانوناً من تاريخ ايداعه. 3- حالة العزل: كعقوبة تبعية لعقوبة جنائية او كعقوبة تكميلية لعقوبة جنائية تزول صفة الموظف بإصدار الحكم. 4- التعيين المؤقت: بالنسبة للموظف المعين لمدة محددة فصفته تزول بانتهاء المدة. 5- التقاعد: بالنسبة لانهاء الخدمة لبلوغ السن القانونية لانتهاء الخدمة فأن صفة الموظف العام تنتهي بقوة القانون بتاريخ بلوغ هذه السن حتى لو صدر قرار الاحالة الى التقاعد بعد ذلك. اما اذا صدر القرار من الجهة المختصة بمد الخدمة قبل بلوغ السن المقررة لترك الخدمة فتستمر صفة الموظف العام الى نهاية المدة الجديدة وقد يكون القرار المتخذ بمد المدة معيباً وبهذه الحالة تستمر فيه صفة الموظف العام على اساس من نظرية الموظف الفعلي في الظروف الاعتيادية اذا توفرت شروطها. 6- في حالة ان يقوم سبب لانتهاء الخدمة بالنسبة لبعض الموظفين او المجالس مع وجود نص قانوني يسمح لها بالاستمرار في ادائهم لوظائفهم الى ان يعين من يخلفهم فان صفة الموظف العام تبقى ملازمة له وتبقى قراراته منتجة لاثارها الى التاريخ الذي يحل محله فيه شخص اخر او مجلس اخر. 7- في حالة ان يصدر قرار اداري بفصل موظف ثم يصدر بعد ذلك حكم قضائي بالغاء قرار الفصل فان حكم القرارات التي يتخذها الموظف خلال المدة بين قرار الفصل وحكم الالغاء يرجع الى تاريخ اصدار قرار الفصل واعتباره كأن لم يكن. كما ان صفة الموظف العام لا تنقطع بالنسبة للتصرفات والقرارات الداخلة بأختصاصه والتي يأمر بها بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي المقررة. كما انها لا تنقطع في حالة تمتع الموظف باجازة مقررة قانوناً ومن ثم يستطيع الموظف العودة الى ممارسة اختصاصه قبل انتهاء مدة الاجازة ولكن شرط ان يعلن رغبته على نحو كاف من الوضوح وان تكون القرارات مما يملك اتخاذها حتى لو اهمل الموظف تلك الشكلية الخاصة بالاعلان وذلك لان الاعلان يخلق غرضاً داخلياً وهو غير موجه لعامة الناس ومن قبيل القيدود الزمنية لممارسة الاختصاص مانصت عليه المادة (72) من دستور جمهورية العراق من انه (اولاً: تحدد ولاية رئيس الجمهورية باربع سنوات ويجوز اعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب. ثانياً: أ ـ تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب. ب ـ يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى مابعد انتهاء انتخبات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اول انعقاد له. ج ـ في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لاكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية). يتبع….. ……………………………… المراجع العلمية: ــ الدكتور سليمان الطيماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، مطبعة جامعة عين شمس، الطبعة السادسة 1991. ــ الدكتور سليمان الطيماوي، مباديء القانون الاداري، القاهرة 1978. الدكتور ابراهيم عبد العزيز شيحا، القضاء الاداري، منشأة المعارف في الاسكندرية، طبعة 2006. ــ الدكتور شاب توما منصور، القانون الاداري، 1980. ــ د. سمير تناغو، القرار الاداري مصدر للحق، دراسة في القانون المدني، منشأة المعارف ـ الاسكندرية 1972. ـ الدكتور محمود محمد حافظ، القضاء الاداري في القانون المصري والمقارن، دار النهضة العربية 1993. ــ الدكتور عادل سيد فهيم، القوة التنفيذية للقرار الاداري، الدار القومية للطباعة والنشر. الكتور عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها، دار الهناء للطباعة، القاهرة. ــ علي محمد بدير، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى، مباديء واحكام القانون الاداري 1993. ــ الدكتور ثروت بدوي مباديء القانون الاداري 1966. ــ الدكتور طعيمة الجرف – القانون الاداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط السلطات الادارية – دار النهضة العربية 1978. ــ الدكتور عبد الغني بسيوني – القانون الاداري – منشأة المعارف 1991. ــ الدكتور سامي جمال الدين – اللوائح الادارية – منشاة المعارف – الاسكندرية 1984. ــ الدكتور شوقي شحاته – مبادئ القانون الاداري – القاهرة – دار النشر بالجامعات المصرية 1955.
ــ الدكتور عصام البرزنجي، مجموعة محاضرات القيت على طلبة الدراسات العليا ـ الماجستير ـ كلية القانون جامعة بغداد، للعام الدراسي 1998ــ 1999. ــ القرارات الادارية ـ انس جعفر، استاذ القانون العام، الناشر دار النهضة العربية، الطبعة الثانية 2005. مجلة القضاء الاداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ عدد خاص بالقرارات المتعلقة بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص (372). مجلة القضاء الاداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد الثالث سنة 1987 – 1988 ص (191). مجلة القضاء الاداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد الثامن سنة 1994 ص (223). مجلة القضاء الاداري ـ الجمهورية اللبنانية ـ العدد السادس سنة 1991 و1992 ص (302).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً