كان نابليون بونابرت يرد بثلاث على ثلاث
من قال لا اقدر .. قال له حاول
ومن قال لا اعرف .. قال له تعلم
ومن قال مستحيل .. قال له جرب

وقيل لنابليون بونابرت يوما ان جبال الالب شاهقة تمنع تقدمك … فقال يجب ان تزول من الارض !!!!

ان كلمة مستحيل لا توجد الا في قواميس المجانين ..

(نابليون)

عنوان المذكرة :خصوصيات المنازعات الجمركية من حيث تحديد المسؤولية و الجزاء

 المقـــدمة

إن الهدف الأساسي للقانون الجمركي هو ضمان الاقتصاد الداخلي وتمويـل الخزينة العمومية بالمواد المالية بواسطة الضرائب المفروضة على عمليات الاستيراد والتصديـر كما يهـدف إلى حماية الصحة والأمن العمومي والتراث الثقافي.

وتكريسا لهذه الأهداف تتولى إدارة الجمارك تطبيق أحكام القانون الجمركي الذي جاء بأحكام خاصة جعلته يصنف ضمن القوانين الخاصة لمحاربة كل مخالفة للنصوص أو الأنظمة الجمركية، ولا يرجع هذا التصنيف لمجرد طبيعة المصلحة محل الحماية، ولا إلى مجرد كون هذا النوع من الجرائم خارج قانون العقوبات، وإنما يرجع إلى استقلالية أحكامه ، وخضوعه لقانون العقوبات العام إلا استثناء وذلك عند النقص في أحكامه، أو الإحالة عليه .

فخروج القانون الجمركي عن القانون العام أضفى عليه الطابع الصارم والمتشدد لاعتبارات حمائية وذلك بفرض رقابة خاصة على أصناف من البضائع ، واتخاذ إجراءات معينة بغرض تحقيق أهداف اجتماعية وسياسية واقتصادية وبالتالي فإن أي تحلل من المنع أو القيد يشكل مخالفة للتشريع الجمركي ومن واجب الدولة زجره .

ونظرا لتعاطف المجتمع مع مرتكبي الجرائم الجمركية برزت بصفة جلية الصرامة والتشدد أضفى على قانون الجمارك خصوصية تتأتى في مدى تحقيق التوازن بين أهدافه الرامية إلى حماية البنية الاقتصادية للدولة، وتحقيق الحريات والحقوق الفردية من خلال قواعد المسؤولية والجزاء المترتب عنها.

وتجسيدا لهذه الأهداف فأي خروج عن هذه القواعد يعد منطلقا لأي منازعة جمركية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتنوع المهام الموكلة إلى إدارة الجمارك والتي اعتبرها كلا من الفقيهين ” جان كلود بار ” ، و ” تريمو ” أن المنازعة الجمركية هي مجموع النزاعات التي تكون إدارة الجمارك طرفا فيها، وهذا ما يعطي مجال واسع للنزاع الجمركي يشمل المجال الإداري كون إدارة الجمارك مؤسسة عمومية إلا أن هذا يخرج عن إطار دراستنا باعتبارها ترتكز أساسا على المسؤولية الجزائية وما ينتج عنها من جزاء إضافة إلى المسؤولية المدنية، ويرجع ذلك إلى أن أغلب المنازعات الجمركية هي منازعات ذات طابع جزائي تمثل 90% من مجموع المنازعات المطروحة .

ونظرا لكون قواعد القانون العام لا تسع لتحوي صور التجريم الجمركي ولا ترقى لتوفير الصرامة والتشدد الطابع المميز للقانون الجمركي فهذا الخروج يشكل خصوصية بارزة لهذا القانون سواء من حيث إجراءات المتابعة وطرق إثبات الجريمة الجمركية وكذا قواعد تحديد المسؤولية والجزاء .

فدراستنا تنحصر في مجال تحديد المسؤولية والجزاء وتبرر أهميتها في حصر القواعد المميزة للطابع الجمركي ، دون التطرق إلى القواعد المشتركة بين القانون الجمركـي والقانون العام .

نخلص من خلالها إلى إبراز مجرد القواعد الخاصة بالقانون الجمركـي في ظل التغيرات التي عرفها انطلاقا من أول تعديل لسنة 1998 بموجب القانون 98/10 وصدور الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب الذي جاء بعدة تغييرات وفصل أعمال التهريب عن باقي الأفعال المجرمة في القانون الجمركي، كما جاءت في ظل التعديل الأخير لقانون العقوبات 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 مس جانب من دراستنا، ومن خلال ما سبق ولبلوغ الهدف المرجو ، طرحنا إشكاليات تشكل منطلق لموضوعنا تتمثل في :

ما هي الأسس القانونية التي تقوم عليها المسؤولية الجنائية و المدنية في المجال الجمركي؟ و ما هي الأحكام القانونية المميزة لهـاتيـن المسؤوليتين في المجال الجمركي ؟ ما هي الطبيعة القانونية للقصد الجنائي في المجال الجمركي؟ و ما هي خصوصيات نظام التضامن في المجال الجمركي ؟ من جهة أخرى ما مدى خروج قواعد الجزاء الجمركي عن القواعد المقررة في القانون العام ؟

إجابة على هذه الإشكالات إنتهجنا منهج المقارنة لإبراز الخصوصية، كما إعتمدنا المنهج التحليلي من جهة أخرى ، للوصول إلى الهدف المرجو من هذه الخصوصية.و من أجل بلوغ الغاية من دراستنا إعتمدنا خطة بحث تتجسد في فصلين إنطلقنا من خصوصيات المنازعة الجمركية من حيث المسؤولية، كون أول إشكال يطرح بصدد المنازعة الجمركية هو إسناد الفعل المجرم إلى الشخص ، و قيام مسؤولية الفاعل إتجاه الفعل المرتكب، فقيام المسؤولية يؤدي إلى ترتيب جزاء يطبق على المسؤول و هذا ما يشكل عنوان الفصل الثاني ،و تتمثل الخطة فيما يلي:

الفصل الأول: خصوصيات المنازعات الجمركية من حيث تحديد المسؤولية

من الواضح أن من يقدم على إنتهاك أو خرق القانون بارتكابه الفعل الإجرامي, فإنه يتحمل تبعة فعله ومن ثمة يعتبر مسؤولا, و يعاقب على ذلك, فأي شخص يمكن أن يصبح مسؤولا, و هذا غما على أساس مسؤوليته الجزائية أو على أساس مسؤوليته المدنية, فالمسؤولية الجزائية تتميز خاصة بوجود قرائن قانونية عليها بالتوازي مع وجود قرائن قانونية للتهريب بالنسبة لقانون الجمارك, و أكثر من ذلك, فإن إدارة الجمارك غير مطالبة بالبحث عن المسؤول الحقيقي, فالمسئول الظاهر “l’auteur apparent ” هو وحده الذي يتابع جزائيا, و يبقى أمام هذا الأخير سوى الرجوع على الفاعل الأصلي

و بالتالي فإن ما يميز المسؤولية الجزائية في المجال الجمركي هو أن المسؤولين معددين قانونا و من ثمة المشاركين أو المساهمين بطريقة غير مباشرة في ارتكاب الجريمة و هؤلاء تطبق عليهم عقوبات فردية بالمقابل و هذا ما يبرر فكرة مادية الجريمة الجمركية تميزا بينها و بين الجرائم الأخرى التي تحكمها قواعد القانون العام . و هو ما سوف تتطرق إليه في الفصل الأول.

المبحث الأول: المسؤولية الجنائية الجمركية

المطلب الأول :المسؤولية الجنائية بحكم المساهمة في الجريمة الجمركية

الأصل أن المسؤولية الجزائية شخصية كما أشرنا في تمهيدنا للفصل الأول، و ما يميز التشريع الجمركي الجزائي هو عدم تقيده في بعض أحكامه بالقاعدة المذكورة، و أضاف إلى المسؤولية الشخصية صنفا من المسؤولية تقوم على الحيازة المادية أو على القيام بأنشطة مهنية معينة و هو ما يعبر عنه بالمسؤولية الجزائية التامة، وهي تلك الناتجة عن المساهمة في الجريمة و التي يندرج ضمنها مسؤولية كل من الفاعل سوءا الفاعل الأصلي أو المعنوي, و كذا مسؤولية الشريك و المستفيد من الغش, أما النوع الثاني من المسؤولية المتمثل في المسؤولية الجنائية الناقصة فنترك الحديث عنها في حينها.

الفرع الأول : المسؤولية الجنائية للفاعل في الجريمة الجمركية.

يعرف الفاعل على أنه من يقوم بالأعمال المادية التي لها طابعا إجراميا في نظر التشريع الجمركي أو حرض عليها.

و المادة 41 من قانون العقوبات تنص :” كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على إرتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة إستعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي” و هذا يعني أن الفاعل إما أن يكون فاعلا ماديا و ذلك بمساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة و إما فاعلا معنويا حمل غيره على إرتكابها ( الفاعل المعنوي).

و هو المفهوم الذي ينطبق بدوره على مرتكب الجريمة الجمركية بما فيها أعمال التهريب و على من يكشف له الطريق
و يعتبر مسؤولا و فاعلا أصليا ما جاء في المواد 303 من قانون الجمارك و المواد 304-305 هذا و يشمل مفهوم الفاعل أشخاصا آخرين هم : الحائز و الناقل و المصرح.و الوكيل لدى الجمارك والموكل و الوكيل طبقا للمواد 306 و 307 والمادة 315 من قانون الجمارك و هو ما سنوضحه في حينه.و تجدر الإشارة إلى أن الفاعل قد يكون مرتكبا للجريمة أو يكون قد شرع فيها فقط دون أن ترتكب, و هو ما جاء في نص المادة 30 من قانون العقوبات في تعريفها للمحاولة على ” إنها البدء في التنفيذ أو القيام بأفعال لا لبس فيها تؤدي إلى إرتكاب الجريمة إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها “.

و بذلك فإن الجريمة تمرعموما بثلاثة مراحل :
1– مرحلة التفكير : القانون لا يعاقب على مجرد التفكير في الجريمة.
2-مرحلة التحضير : و هي تتوسط مرحلة التفكير و مرحلة البدء في التنفيذ و هي مرحلة.

يسعى من خلالها المجرم على خلق الوسط الملائم لتنفيذ الجريمة و هي مجرد أفعال مبهمة لا تكشف عن نية الجاني بصورة قاطعة و القاعدة أنه لا عقاب على المرحلة التحضيرية.

إذا لا تعد شروعا في الجريمة كما حرصت على توضيحه المادة 45/02 من قانون العقوبات المصري إذا نصت بدورها ” لا يعد شروعا في الجناية أوالجنحة مجرد العزم على إرتكابها و الأعمال التحضيرية لذلك”

3-مرحلة التنفيذ:هي المرحلة التي من خلالها يبدأ الشخص في تجسيد الركن المادي للجريمة التي فكر فيها ووفر لها الجو الملائم لتنفيذها، و في الوقت نفسه قد يتمكن الشخص الجاني من إرتكاب الجريمة فتكون تامة كما قد لا يتمكن من تنفيذها فتكون بصدد شروع

و هذه المرحلة يعاقب عليها القانون و هو ما يتضح من نص المادة 30 من قانون العقوبات بنصها على الشروع في إرتكاب الجناية يعتبر كالجناية نفسها، أما في الجنح فلا عقاب على الشروع فيها إلا بناءا على نص صريح في القانون كما لا عقاب على الشروع في المخالفة إطلاقا.

فهذا نص صريح في قاعدة قانونية من قواعد القانون العام تجسدت في المادة 30 أعلاه.

و هنا يطرح السؤال الأتي : هل أن القانون أو التشريع الجمركي ينسجم و أحكام قواعد القانون العام في العقاب على الشروع في الجريمة الجمركية من عدمه؟

– بداية نشير على أن الجرائم الجمركية لم تعد منذ صدور الأمر رقم : 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 مقصورة على الجنح و المخالفات و إنما ضاف الجنايات.

و الإجابة على السؤال هو أن قانون الجمارك الجزائري لم يخرج عن الأحكام المقررة في القواعد العامة, و بالرجوع إلى نص المادة 318 مكرر من قانون الجمارك نصت على أن محاولة إرتكاب جنحة جمركية تعد كالجنحة ذاتها إلا انه سكت عن الشروع في المخالفة.

فهل أن سكوت المشرع يحمل على أنه يتبنى الأحكام المشار إليها أعلاه؟
في الواقع نجد من خلال بعض أحكام قانون الجمارك أن المشرع قد خرج عن تلك الأحكام و ذلك بورود بعض الحالات اعتبرها محاولة تهريب خاصة منها نقل و حيازة البضائع المحظورة داخل المنطقة البرية من النطاق الجمركي دون أن تصحب بمستندات قانونية و تجاوز مكتب الجمارك عندما تكون البضائع مصحوبة بسند يتضمن إلتزاما بتأشيرة لدى مكتب المرور دون قيام بهذا الإلتزام ، كذلك فقد اعتبر المشرع الجمركي خرق أحكام المواد 221 ،222 ،225 قانون الجمارك من قبيل أعمال التــهريب و التي تخضع وتفرض على ناقلي البضائع الخاضعة لرخصة التنقل داخل المنطقة البرية من النطاق الجمركي إحضارها إلى أقرب مكتب جمركي للتصريح بها و الإلتزام بالتعليمات الواردة في رخصة التنقل .على عكس ما يراه الدكتور بوسقيعة ا حسن أنها ليست سوى أعمال تحضيرية يتعدر القول معها بأنها تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة.

كما أن الأمر رقم 05/06 المتعلق بالتهريب نصت المادة 25 منه على ” أن محاولة إرتكاب جنح التهريب تعاقب بنفس العقوبات المقررة الجريمة التامة”
أما بالنسبة للمحاولة في الجنايات فإنها تخضع للقانون العام الذي يعاقب عليها كالجناية التامة دون حاجة إلى وجود نص خاص.

– هذا و نرى من جانبنا أن تلك الأفعال التي اعتبرها المشرع الجمركي من قبيل المحاولة التهريب أو تلك التي رفعها إلى مصاف التهريب، خروجا منه عن القواعد العامة فإنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون طريقا مباشرا لتنفيذ الجريمة بقدر ما هي طريقا أو مرحلة من المراحل التي يهيئ فيها الجاني نفسه لتنفيذ الجريمة و لكنها لا تعتبر منفذة أو بمثابة أنها تصل إلى وصف الجريمة التامة.

ومن جهة أخرى حتى لا يكون هناك نوع من التعسف و الإجحاد في المساس بالعقاب للأشخاص و يشكل يتعارض والحقوق والحريات.

الفرع الثاني :المسؤولية الجنائية للشريك في الجريمة الجمركية

تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الإشراك يكتسي في مجال الجريمة الجمركية مفهوما خاصا يخرج عن نطاق القواعد العامة.
و بالرجوع إلى المادة 309 من قانون الجمارك قبل إلغائها,تحيل بخصوص تحديد مفهوم الشريك في الجريمة الجمركية لأحكام المادتين 42 و 43 من قانون العقوبات، و من ثمة فإن المادة 42 من قانون العقوبات عرفت الشريك بأنه : ” كل من لم يشترك اشتركا مباشرا في إرتكاب الجريمة و لكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على إرتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك”.

و هو المفهوم الذي طبقته المحكمة العليا حتى على من ساعد الفاعل على إخراج البضاعة محل الغش من الميناء دون المرور على المكتب الجمركي

– غير انه يعتبر فاعلا من حرض على إرتكاب الجريمة بالهبة أو الوعد أو التهديد أو التحايل أو التدليس الإجرامي، خلافا لما تنص عليه معظم التشريعات كالتشريع الفرنسي أو التشريع المصري وتشريعات بلدان المغرب العربي التي تعتبر المحرض على إرتكاب الجريمة شريكا و ليس فاعلا.

فبالرجوع إلى نص المادة 41 من قانون العقوبات فاشترطت لقيام الإشتراك توافر الركن المعنوي بنصها ” مع علمه بذلك” مما يجعل التساؤل يثور ما إذا كان جائز للشريك في جريمة جمركية الدفع بحسن نيته بينما المادة 281 (282 سابقا) من قانون الجمارك تمنع مسامحة المخالف على نية .

هذا من جهة و من جهة أخرى فإن القانون العام لا يعاقب على إشتراك في المخالفة على الإطلاق فهل يمكن تطبيق هذه الأحكام في المجال الجمركي خاصة و أن قانون الجمارك و الأمر المتعلق بمكافحة التهريب إلتزاما الصمت حيال هذه المسألة ؟

فالبرجوع إلى القضاء الفرنسي فإنه استقر على وجوب تطبيق الأحكام العامة حيث قضى بضرورة إثبات سوء نية الشريك كما قضى أيضا بإستبعاد معاقبة الشريك عندما تكتسي الجريمة الجمركية طابع المخالفة
في الواقع و تماشيا مع هده المبادئ الأساسية التي يكن لها قانون الجمارك و المتمثلة بالذات في إستبعاد حسن نية المتهم سيفقد كثيرا من قوته لو تم التسليم بالإجابة على السؤال المطروح بخصوص إمكانية الأخذ بعنصر العلم المنصوص عليه طبقا للقواعد العامة لقيام مسؤولية الشريك فإن ذلك من شأنه إدخال نوع من التناقض في بنية القانون الجمركي بوجه عام و نظرا للدور الذي يلعبه المساهمون الثانويون.في الجرائم الجمركية

و يرى الدكتور أحسن بوسقيعة بخصوص إمكانية معاقبة الشريك عندما تكتسي الجريمة الجمركية طابع المخالفة ، و هو عدم موافقة حول ما نص عليه القضاء في فرنسا بالنسبة للإشتراك في المخالفة و ذلك من باب فني قانوني محض أولا و من باب الملائمة ثانيا فمن باب القانون أن المخالفة في قانون الجمارك تختلف عن المخالفة.في قانون العقوبات من حيث الطبيعة إذا تكتسي المخالفة في قانون الجمارك طابعا جنائيا يختلط فيه الجزء بالتعويض و من تم يصعب تسويتيها بالمخالفة في قانون العقوبات التي تكتسي طابعا جزائيا محضا.

أما من باب الملائمة, فانه بالنظر إلى طابع المخالفة الغالب في الجرائم الجمركية سيؤدي تطبيق القواعد المقررة في قانون العقوبات بشان الإشتراك في مخالفة إلى إفلات نسبة معتبرة من المجرمين من الجزاء الجمركي بما يؤثر سلبا على الخزينة العمومية

و رأينا في هذه المسالة يأتي مدعما لرأي الأستاذ الدكتور أحسن بوسقيقة و هذا من منطقين إثنين أولهما يرجع أساسا إلى كون القواعدالتقليدية للإشتراك لا تستجيب لكل متطلبات القمع في المجال الجمركي نظرا لكون نظرية الاشتراك تتميز بمجالها الضيق المحدد في نصوص القـانون وهو ما يظهر من خلال تحديد القانون بدقة الأشكال المساهمة المادية للشريك, حيث يشترط ضرورة إثبات نشاط إيجابي و أن مجرد الامتناع يتعارض مع مختلف مظاهر الركن المادي المحدد قانونا إضافة إلى ضرورة أن يكون هذا النشاط سابقا أو معاصرا لإرتكاب الجريمة مما يخرج أعمال المساهمة اللاحقة على تمام الجريمة من حكم قواعد الإشتراك و هذه الحدود و عن كانت لا تمنع من عقاب بعض المساهمين في الغش الجمركي باعتبارهم شركاء فيه إلا أنها لا تسمح في كثير من الحالات بتسليط العقاب على بعض المستفيدين الحقيقيين من هذا الغش.

و من منطق أخر و بخصوص عنصر القصد في الإشتراك في الجريمة الجمركية فإن ذلك من شأنه التعارض مع مبدأ إستبعاد حسن نية المخالف طبقا النص المادة 281 من قانون الجمارك و كذلك إنقاصا كبير من دور النشاط الذي يقوم به المساهمون الثانويون في الجرائم الجمركية مما قد لا يتحقق معه تحقيق القمع الفعال في الجريمة الجمركية.

و عليه و تحقيقا لرغبة المشرع في تفادي كل هذه النتائج السلبية من اجل تحقيق قمع فعال في المجال الجمركي تظهر أكثر خصوصية للمسؤولية الجنائية في الجريمة الجمركية تم تكوين منذ زمن بعيد نظرية في الإشتراك خاصة بالمجال الجمركي تم تطويرها بصفة مستمرة إلى أن وصلت إلى ما هو معروف بنظرية الإستفادة من الغش و هو ما ستطرق إليه بالتفصيل في الفرع الموالي.

أهم الإجتهادات القضائية في هدا الصدد:
بالرغم من أن الفاعل الأصلي غير متابع فإن هذا لا يمنع أن المتهمين قد شاركوا في الغش طبقا للمادة 310 من قانون الجمارك.
– إن مساعدة المهربين يقع تحت طائلة أحكام المادة 311 من قانون الجمارك و يعتبر الناقل مسؤولا عن الغش طبقا للمادة 303 من ق.ج
– حيث انه بخصوص متابعة مالك العربة و بصفة عامة مفهوم الإشتراك فإنه يكتسي في مجال الجريمة الجمركية مفهوما خاصا و يخرج عن نطاق القواعد العامة.

– فالمادة 287 من قانون الجمارك لا تلزم إدارة الجمارك بإدخال في الخصام مالك البضاعة محل الغش من جهة و من جهة أخرى فإن المواد 303, 306, 310 من قانون الجمارك تسمح بمتابعة الوكيل الذي ارتكب الفعل الجنحي.أي التصريح المروربخصوص القوة الضريبية للعربة بهدف الاستفادة من إمتيازات ليست من حقه حيث أنه مادام لم يتم متابعة المالك على مستوى الجزائي, فلا يمكن الحكم بعقوبات ضريبية و بالنتيجة فلا يمكن تطبيق عليه المواد 315, 316, 317 من قانون الجمارك

الفرع الثالث : المسؤولية الجنائية للمستفيد من الغش

تجدر الإشارة إلى أن مفهوم المستفيد من الغش مفهوم دخيل عن قـواعد القانون العام فهو خاص بقانون الجمارك ( من خصوصيات قانون الجمارك), و هو مفهوم يتضمن في أن واحد الإشتراك بدون نية إجرامية و كذا الإشتراك مع توافر النية الإجرامية.إلا أن الإشتراك في المجال الجمركي أوسع من الإشتراك المقرر في القانون العام بحيث انه يمتد ليشمل السلوك اللاحق لتمام الجريمة.

و بالرجوع إلى قانون الجمارك الجزائي لم يورد تعريفا دقيق لنظام الإستفادة من الغش وإنما اكتفى خلافا للمشرع الفرنسي بالصياغة العامة في تحديد صفة المستفيد من الغش و ذلك بالإشارة إلى الأفعال التي يعتبر مرتكبها مستفيدا من الغش بوجه عام و خص بالتعداد البعض منها.

و بدلك تنص المادة 310 من قانون الجمارك الجزائري على ” يعتبر مستفيدا من الغش الشخص الذي شارك بصفة ما في جنحة التهريب و الذي يستفيد مباشرة من هذا الغش”

و تجدر الإشارة بأن مفهوم الإستفادة من الغش أوسع من مفهوم الإشتراك كونها تمتد إلى السلوك اللاحق لتمام الجريمة و لا تشترط سوء النية عكس أحكام الإشتراك المقررة وفق القواعد العامة و أكثر من ذلك فهي أضيق من حيث التطبيق كونها تقتصر في جنحة التهريب فقط.
فمن هم الأشخاص الذين هم في حكم المستفيدين من الغش و تقررت مسؤوليتهم في المجال الجمركي؟ بمعنى ما هي الحالات التي يعد فيها الشخص مستفيدا من الغش هذا من جهة و من جهة أخرى ما هي الشروط الواجب توافرها للقول بقيام الإستفادة من الغش؟
أولا : للشروط الواجب توافرها لقيام الإستفادة من الغش

بالرجوع إلى نص المادة من قانون الجمارك تنصت على 03 شروط المتمثلة في :

أ- أن تكون الجريمة جنحة تهريب, و بذلك تستبعد من مجال الإستفادة من الغش كل من المخالفات و الجنح التي تضبط بمناسبة استيراد أو تصدير البضائع عبر المكاتب الجمركية طبقا لنص المادة 325 من قانون الجمارك، إلا أن التساؤل يطرح منذ صدور الأمر رقم : 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بالتهريب بخصوص الجناية فهل تستبعد جناية التهريب من مجال الإستفادة من الغش بإعتبار أن المادة 310 من قانون الجمارك المحال إليه تحصر الإستفادة من الغش في جنحة التهريب؟

ففي الواقع نرى أن نص المادة 310 من قانون الجمارك واضح بالنص صراحة على ” الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب…..”
و من هنا نرى أن مقصود المشرع هو اقتصار الإستفادة من الغش في جنحة التهريب دون المخالفة و جناية التهريب ، و إدا كان الأمر مخالف لذلك، فما على المشرع الجمركي إعادة صياغة المادة 310 من ق .ج و ذلك من خلال تعديل القانون الجمركي لسنة 1998 لتفادي أي تأويل طبقا للمبدأ القانوني المعروف ” لا إجتهاد مع وجود النص القانوني و وضوحه”
ب– أن يشارك المستفيد من الغش بصفة ما في إرتكاب الجنحة فهنا يتضح أن المشرع لم يشترط سلوكا معينا للإشتراك كما هو الحال بالنسبة للشريك مما يحمل على الفهم بأن ما ورد في تعريف الشريك يصلح شرطا لقيام الإستفادة من الغش

ج- أن يستفيد الحاني من الغش مباشرة ، رغم أن المشرع لم يوضح الكيفية التي تتم بها الإستفادة من الغش و هذا ما يجعل عبء الإثبات للإستفادة المباشرة على عاتق إدارة الجمارك.

و بالرجوع إلى القضاء الفرنسي فقد عمل على توضيح مفهوم الكيفية التي تتم بها الإستفادة من الغش حيث قضىبما يلي :

أن المحرض على التهريب بغرض ضمان التموين من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها بعد مستفيدا مباشرا من الغش
أنه ليس من الضروري أن يستفيد المتهم شخصيا من الغش و قضي كذلك بان مسير الشركة الذي ساهم في التخطيط للغش يعد مستفيدا مباشرة منه

أما بالنسبة للسؤال المتعلق بحالات الإستفادة من الغش فلقد وردت في نص المادة 31 من قانون الجمارك قبل إلغاءها (أي أن هذه المادة ألغيت بموجب قانون الجمارك لسنة 1998) و هي ثلاثة حالات :

الحالة الأولى:محاولة منح مرتكبي الغش إمكانية الإفلات من العقاب عن دارية، و تشكل هذه الصورة مظهرا أخر من خطة المشرع المستهدفة الحد من التفاصيل لتحديد أشكال الإستفادة من الغش, و تضم هذه الصياغة كل أعمال المساعدة اللاحقة بما فيها التي عبر عنها المشرع الفرنسي بتغطية تصرفات مرتكبي الغش و التي يتحقق بها منح إمكانية الإفلات من العقاب لمرتكبي الغش.

كما يشترط في نص المادة 311 من قانون الجمارك قبل التعديل أن يقوم الفاعل بسلوك إيجابي يتمثل في البدء في التنفيذ فطبقا للقواعد العامة لا تقوم المسؤولية الجنائية على أساس الامتناع إلا إذا ترتب عنه خرق إلتزام يقع على عاتق الممتنع و لا يشترط أن يكون هذا السلوك قد حقق النتيجة المرجوة

الحالة الثانية :حيازة بضائع مهربة بمكان ماعن دراية: فيشترط القانون في هذه الحالة أن تكون البضائع مهربة فقط دون الحديث عن البضائع التي تكون محل استيراد بدون تصريح, و نشير إلى أن المقصود من الحيازة مجرد الإحراز كما سبق توضيحه .

الحالة الثالثة: شراء بضائع مهربة عن دارية : ويشترط القانون في هذه الحالة أن يتم شراء البضاعة و أن تكون تلك البضاعة مهربة.

و في هذا الاتجاه قضى في فرنسا بان شراء بضائع مستوردة من الخارج مصدرة عن طريق التهريب يعد فعلا مكونا للاستفادة من الغش متى تبت أن الشراء تم عن دراية, كما قضى أيضا و في فرنسا دائما بأنه لا يكفي أن تكون البضائع محل الإخفاء ناتجة عن جنحة من القانون العام, بل يجب أن تكون مصدرها تهريبا أو استيراد بدون تصريح.

إلا أن الشخص الذي اشترى أو حاز بضائع مهربة دون أن تثبت سوء نيته لا يتحلل من المسؤولية الجنائية.

و من أجل ذلك وضع المشرع المادة 312 من قانون الجمارك، و لتطبيق هذه المادة يكفي إثبات أن البضائع التي حازها المتهمون بالغش أو اشتروها بعد استيرادها عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها و تتجاوز كمياتها حاجيات استهلاكهم العائلي، و طبقا لهذا النص لا تكون سلطات المتابعة ملزمة بإثبات القصد و لا بإثبات أن الجريمة الرئيسة جنحة و هما الشرطان الواجب إثباتهما في حالة المادة 311 من قانون الجمارك و يأتي ذلك إستثناءا للقاعدة العامة التي تحصر استفادة من الغش في جنحة التهريب.

و يظهر الفرق بين النصين المشار إليهما 311-312 من ق.ج على الصعيد العقوبات المطبقة التي هي في المادة 312 من ق .ج مجرد عقوبات المخالفات من الدرجة الثانية للفئة الثانية و هذا النوع من المخالفات تم إلغائها بموجب قانون الجمارك لسنة 1998, و من ثمة نلاحظ أن المشرع لم يتفطن إلى تعديل المادة 312 ق.ج لتنسجم و الأحكام المعدلة في القانون الجديد.

فإلغاء نص المادة 311 من قانون الجمارك بموجب القانون الجديد الذي جاء في عرض أسبابه المرفق بهذا النص أن هذه الصورة من الاستفادة من الغش مندمجة في أحكام المادة 310 من قانون الجمارك و يعني ذلك جعل التدخل اللاحق في الغش صورة من صور “المساهمة بصفة ما في الغش”
دون اشتراط علم الفاعل بوجود الغش و هذا يشكل تراجعا صارحا في حماية حقوق الأفراد بخصوص أحكام المسؤولية، كما انه غير جائز من الناحية القانونية اعتبار التدخل اللاحق لا يتوافق مع أحكام القواعد العامة أو نظام الإستفادة من الغش إلا إذا تم عن دراية و بالنص عليه صراحة في القانون لكونه صورة استثنائية في الاشتراك

أما عن الحالات الإعفاء من المسؤولية في الاستفادة من الغش فهي غير منصوص عليها في التشريع الجمركي الجزائري بصفة صريحة و واضحة إلا انه بالرجوع إلى التشريع الفرنسي فإنه نص على حالتين للإعفاء من المسؤولية في هذه الحالة و هما :

– حالة الضرورة و هي تلك التي يكون فيها الشخص مضطرا لإرتكاب جريمة و ذلك بدافع سلامة نفسه أو غيره أو للحفاظ عن ملك أساسي.
– حالة الغلط المبرر وقد عرفته محكمة النقض الفرنسية بأنه ذلك الذي لا يمكن تجنبه بقدر من الفحص و الحذر .