تفسير و توضيح لالية برنامج مراقب الحسابات و الشركة و أهميته وخصائصه
المقدّمـــة
تمثل الشركات التجاريّة أهميّة كبرى باعتبارها ركيزة اقتصاديّة هامّة ومعيارا تقييميا لمدى قوّة الدّول وتقدّمها خاصّة في مثل هذه الظرفيّة التاريخيّة التي تتميّز بتبلور نظام عالمي جديد حتّم على الدّول المنصهرة أن تطوّع منظومتها التشريعيّة بشكل يتلاءم والتوجهات الحديثة ويساعد على تحقيق الرهانات المطروحة.
كان لهذا الغزو الرأسمالي أثره في الاقتصاد التونسي الذي توجه نحو ليبراليّة تعتمد تشجيع المبادرة الحرّة في إنشاء الشركات خفية الاسم وتدعيم الإدّخار بوصفه وسيلة لتركيز الموارد الماليّة ومصدر خلق ثروات قادرة على تحقيق المشاريع الكبرى التي تتطلبها التنمية الاقتصاديّة والاجتماعية للبلاد.
مواكبة للتطوّرات المذكورة اتّبع المشرّع التونسي سياسة إصلاح شاملة لمنظومته القانونية لمست عديد الميادين غير أنّ أبرزها يبقى الميدان الاقتصادي الّذي شهد إصدار العديد من القوانين وأخيرا تمّ تتويج هذه الإصلاحات التشريعيّة بإصدار مجلّة الشركات التجاريّة بالقانون عدد 93 لسنة 2000 المؤرّخ في 13-11-2000 والّتي أضفت نفسا جديدا على تكوين وتسيير الشركات. ركّز المشرّع، في إطار هذا المناخ المدعّم للانفتاح الاقتصادي عنايته بالشّركات خفيّة الاسم لأنّها تعتبر الأنموذج الأمثل لشركات الأموال لما لها من قدرة على تجميع رؤوس الأموال( ) فهي وحسب ما نصّ عليه الفصل 160 م.ش.ت، « شركة أسهم تتكوّن من سبعة مساهمين على الأقل يكونون مسؤولين في حدود مساهمتهم وتتمتّع بالشخصيّة المعنويّة.
وتعرّف الشركة الخفيّة الاسم بتسمية اجتماعيّة مسبوقة أو ملحقة بشكل الشركة ومبلغ رأس مالها. ويجب أن تكون هذه التسمية مختلفة عن كلّ تسمية لكلّ شركة سابقة الوجود».
وتدعيما للدّور الفعّال لهذا النّوع من الشركات التجاريّة، أخضع المشرّع التونسي الشركة خفيّة الاسم لرقابة متعدّدة الأبعاد وذات مفهوم موسّع بغاية تحقيق الهدف المنشود من وراء بعث هذا الصنف، وإنّ المقصود بالرقابة هو ذلك الحقّ الممنوح في الإشراف على كيفيّة تأسيس وتسيير الشركة حماية لمصالحها ومصالح المساهمين.
لقد ربط بعض الباحثين مسألة الرقابة بالحسابات والمسائل الماليّة في بدايات ظهورها وذلك يعود إلى مال قبل المسيح غير أنّ البعض الآخر وسّع في مجال الرقابة لتشتمل كامل مراحل الشركة من تأسيس وتسيير وانحلال.
استرعت مسألة الرقابة اهتمام رجال القانون فأولوها عناية الدّرس، كما أنّ جلّ التشاريع حرصت على إقرارها فتباينت نظم الرقابة منها ما تبنّى نظام الرقابة المزدوجة على غرار التّشريع الفرنسي وفي المقابل تبنت دول أخرى نظام وحدة هيكل الرقابة على غرار المشرّع البلجيكي والإيطالي.
إلاّ أنّه يلاحظ في السنوات الأخيرة تأثير القانون الألماني على عديد التّشاريع المقارنة من أهمّها القانون الفرنسي الّذي يعتبر المصدر الأساسي لقانون الشّركات في تونس لذلك أقرّ المشرّع ازدواجيّة المراقبة على الشركات التجاريّة وبالخصوص شركات الأموال. وما يمكن ملاحظته في خصوص إقرار هذه الرقابة، هو أنّ المشرّع ولئن أقرّ ازدواجيّتها إذ ركّز رقابة سابقة لتأسيس الشركة ورقابة لاحقة لها، فقد كرّس بشكل واضح مبدأ جوهريّا هو مبدأ تخصّص هياكل الرقابة وتكاملها بحكم تقاسم الأدوار والمهام بينها.
و لهذا الغرض، خوّل المشرّع إلى الشركاء الحقّ بممارسة رقابة مباشرة لسير الشركة عن طريق الجلسة العامّة ومجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة ومجلس الرقابة إذا اختار الشركاء هذا النّمط الجديد من الشركة خفية الاسم. إلاّ أنّ الواقع أثبت قصور هذه الهياكل عن تحقيق حماية ناجعة للشركاء( ) ومن ذلك كان الالتجاء إلى آليّة الرقابة غير المباشرة المجسّمة في جهاز مراقب الحسابات بحيث يتّجه معه البحث في ظروف ظهوره على السّاحة القانونيّة للشركة خفيّة الاسم، وذلك كضرورة حتميّة لحماية هذه الشركة باعتبارها نموذجا لشركات الأموال.
لقد أدّت التطوّرات الاقتصاديّة الّتي شاهدتها المجتمعات الإنسانيّة إلى حصول تغيّرات عميقة، فرضتها قوانين التطوّر الرأسمالي والاكتشافات العلمية المتتابعة والقفزة الصناعيّة الهائلة.
إلاّ أنّه نتج عن هذا الواقع الفوضوي ظهور اتجاه سياسي واقتصادي جديد جاء متأثـّرا بالانتقادات الموجّهة لنظام الحريّة المطلقة وما أفرزه من أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة.
وينادي هذا الاتّجاه بتدخّل السّلط العامّة في ميدان النّشاط الاقتصادي من خلال سياسة مرنة تهدف لتحديد طبيعة الإطار الّذي يتطلّبه العمل الحرّ للقوى الاقتصاديّة، وترتكز هذه السياسة أساسا على الإعلام الحسابي الصادق والصحيح خاصّة وقد أجمع المحلّلون الاقتصاديّون على أنّ الأزمة الاقتصاديّة التي شهدها العالم الغربي وخصوصا الولايات المتّحدة الأمريكيّة خلال سنة 1929 كان سببها الأساسي التسيّب في المحاسبة.
لذلك اتّجهت التّشاريع لوضع نظام مراقبة متشدّد يسهر على حسن سير الشركات وذلك عبر هياكل قسّمتها لصنفين. يتجسّد الصنف الأوّل في المراقبة الخارجيّة الّتي يقوم بها البنك المركزي بالنّسبة لبعض الشركات إضافة للسّوق الماليّة.أمّا الصنف الثاني فيتمثّل في المراقبة الدّاخليّة وهو دور مناط بصفة مباشرة بعهدة المساهمين والشركاء أو حاملي الرقاع، و بصفة غير مباشرة، يقوم بهذه الرقابة الداخلية مراقب الحسابات. وتمثّل هذه المؤسّسة الأخيرة “سلطة من سلط الشركة خفيّة الإسم” على حدّ تعبير مونتسكيو.
ولقد عرّف الفصل 5 من القانون المتعلّق بتنظيم مهنة الخبراء المحاسبين مراقب المحاسبات( ) على أنّه، “الشخص الّذي يمارس بآسمه الخاص وتحت مسؤوليّته الخاصّة مهنة معتادة تتمثـّل في المصادقة على صدق وسلامة حسابات الشركة طبقا لتراتيب المجلّة التجاريّة المتعلّقة بالشركات خفية الاسم”. كما عرّفه الفصل 266 من مجلّة الشركات التجاريّة بكونه، “الشّخص أو الأشخاص الّذين توكل لهم مهمّة مراجعة الدفاتر والخزانة والأوراق التجاريّة والقيم الماليّة للشّركة ومراقبة صحّة وصدق الإحصاءات والقوائم الماليّة والتحقّق من صحّة المعلومات الّتي تضمّنها تقرير مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة عن حسابات الشركة”. ولذا يعتبر مراقب الحسابات على حدّ عبارات هذا النصّ وكيلا، إذ يقع تعيينه من طرف جمهور المساهمين (الفصل 260 م.ش.ت)، وهذا التعيين يمثل الإرادة الصريحة للموكّل في قبول وكيله، فيكون مبدئيا مراقب الحسابات كأيّ وكيل قابل للعزل من طرف المساهمين.
إلاّ أنّ واجب إعلام النّيابة العموميّة بالجرائم الّتي يبلغ العلم بها لمراقب الحسابات، كذلك جريمة إعطاء أو تأييد معلومة كاذبة ثمّ تحديد طرق تعيينه، هي كلّها حجج تدلّ على طبيعة مهمّة مراقب الحسابات بوصفه عضوا في الشركة لا وكيلا لها أو للمساهمين.
وفي إطار تعريف مراقب الحسابات لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المؤسّسة تختلف عن مؤسّسات أخرى متشابهة لها فهي تتمّيز عن المحاسب الّذي يربطه بالشّركة عقد شغل ويقوم بحسابيّات الشّركة مقابل أجر شهري ويكون تحت سلطة مجلس الإدارة على خلاف مراقب الحسابات الّذي يهتمّ
بمراجعة الحسابات ويقوم بمراقبة لاحقة للحسابيات ويتحصّل في مقابل ذلك على أجرة حسب ما نصّ عليه الفصل 265 م. ش.ت ولكنّه في الواقع يتقاضاها في شكل أتعاب( ).
كما تختلف مهمّة المراقب أيضا عن مهمّة الخبير المحاسب، إذ يهتمّ هذا الأخير بتنظيم ومراجعة وتعديل وتقدير حسابيّات الشركة والمؤسّسات الّتي يكون مرتبطا معها بعقد شغل، فهو شخص تابع لسلطة المسيرين.
كما لا يقوم مراقب الحسابات أيضا بدور مراقب الحصص العينيّة إذ يهتمّ هذا الأخير بمراجعة وتقييم الحصص العينيّة الّتي قدمت للمساهمين خلال تكوين الشركة أو خلال الزيادة في رأسمالها.
ولا تعتبر مؤسّسة مراقبي الحسابات حديثة العهد، إذ يعود وجودها في التّشريع الفرنسي مثلا إلى ما يقارب القرن، وظهرت ملامحها منذ ظهور الاقتصاد الليبرالي سنة 1863. ولم يتدخّل القانون الجنائي في تنظيم القواعد المتعلّقة بمراقب الحسابات إلاّ إثر الأزمات الاقتصاديّة والماليّة الكبرى الّتي حصلت في الثلاثينات حيث صدر قانون 8 أوت 1935 الّذي وقع الاهتمام فيه بحماية المساهمين والمدخّرين. وأصبح دور مراقب الحسابات وفق هذا القانون أكثر نجاعة واستقلاليّة من خلال تجريم بعض أعماله أثناء ممارسته لمهامه.
ولقد استوحى التّشريع التّونسي قواعده المنظّمة لمؤسّسة مراقبي الحسابات من قواعد القانون الفرنسي، وانحصر ميدان هذه القواعد في الشّركة خفيّة الاسم وتحديدا بالفصول 83 إلى 88 من المجلّة التجاريّة. كما قام بتنظيم مهنة مراقبي الحسابات بإحداث هيئة الخبراء المحاسبين ومراقبي الحسابات بتونس وقد وقع تنظيمها بالأمر عـ59-541ــدد المؤرّخ في 25 ماي 1989، كما أصدر وزير الماليّة في تاريخ 26 جويلية 1991 قرار يتعلّق بالتّنظيم الدّاخلي للهيئة. هذا ورسّخت مجلّة الشّركات التجاريّة الصّادرة بالقانون عـ93ـدد لسنة 2000 هذا التوجّه فتبنّت لهذا الغرض مؤسّسة المراقبة الموجودة بالمجلّة التجاريّة ودعمتها من حيث استقلاليّة القائمين عليها ومضمون مهمتهم( ) وكذلك تحديد مسؤوليّاتهم، إذ أسندت لمراقب الحسابات دورا خطيرا وحسّاسا، بل أخضعت الشركات التجاريّة بكلّ أشكالها إلى الرقابة المحاسبيّة (الفصل 13 من القانون المتعلّق بإصدار المجلّة).
وتبدو مكانة الشركة خفية الاسم في ميدان الاستثمار متأكّدة ذلك أنّ أهمّ القطاعات الحيويّة التي تغذّي الاقتصاد الوطني تنشط في شكل شركات خفيّة الاسم راهنت عليها السلطات العموميّة ولا تزال، لمجابهة المنافسة الدوليّة واختراق الأسواق( ). لئن تبرز مكانة الشركات خفيّة الاسم بشكل واضح، فهي لا تخفي طابعها المعقّد وتشابك المصالح الاقتصاديّة داخلها، لذلك كان تدخّل القانون أكثر من ضروري لتكريس حماية كفيلة بصيانة حقوق مختلف الأطراف وبثّ الثّقة بينهم، ولكن طبيعة تلك الحماية هي الّتي أثارت جدلا فقهيّا حيث أنّه وإن تمّ قبول تكريس حماية مدنيّة وتجاريّة، فإنّ تدخّل القانون الجزائي في قانون الشّركات أفرز معارضة فقهيّة شديدة.
يرى بعض الفقهاء، وأنّ مبرّرات استبعاد تدخّل القانون الجزائي في مجال الشّركات تستند إلى خصوصيّة النّشاط التجاري القائم على السّرعة والتغيّر المستمرّ، في حين أنّ مبدأ الشرعيّة يفترض الثبات والاستقرار على مستوى تحديد الأفعال المجرّمة، وبالتالي يصبح كلّ تنصيص على عقوبة جزائيّة في هذا المجال من شأنه أن يحدّ من حريّة المبادرة ويعرقل النّشاط الاقتصادي ككلّ وهو ما تبنّاه مشروع تنقيح لقانون الشّركات التجاريّة الفرنسي، إذ يدعو هذا المشروع إلى التخلّي عن القانون الجنائي والإقرار بكفاية الجزاءات المدنيّة لحماية الشركة التجاريّة.
ويعتبر شقّ ثاني من الباحثين و أنّه لا يوجد تناقض بين اعتماد أنشطة اقتصاديّة تحرّريّة وبين تدخّل القانون الجنائي طالما وأنّ هذا الفرع من القانون لم يوظّف ليعرقل روح المبادرة وإنّما لحماية الشركات من كلّ من تخوّل له نفسه التّلاعب بمصالحها أو مصالح المساهمين ممّا يبعث الثقة في نفوس أصحاب رؤوس الأموال ويشجّع العموم على المساهمة في هذه الشركات( ).
و تأسيسا على هذه المبرّرات، وقع اعتماد قانون جنائي خاص بالشّركات التجاريّة وذلك اعتبارا لخصوصيّة الأطراف المعنيّة بالتّجريم باعتبارهم يمثّلون صنفا خاصّا من المجرمين اعتبرهم الفقه “مجرمي الياقات البيضاء” إضافة إلى احترام خصوصيّة النّشاط التّجاري ومميّزات الشركات التجاريّة.
سيقع داخل إطار الإقرار برقابة شاملة على الشركات التجاريّة، التّناول بالدّرس الرّقابة المنوطة إلى جهاز مراقب الحسابات بالشركة الخفيّة الاسم والتّي دعّمها المشرّع بحماية جزائيّة.
إنّ الدّواعي التّي تفرض معالجة هذا الموضوع تبدو بارزة، فلئن مثلت الرّقابة في شكلها الشّامل وسيلة مجدية في حماية الشّركات من كلّ تعدّي، فإن رقابة مراقب الحسابات تبقى ذات شأن لأنّها تسهر على تسيير الشركة على أسس الشفافيّة، إذ أنّ القواعد الصحيحة من شأنها أن تساهم في استقرار واستمرار نشاطها وبالتّالي تحافظ على دورة الحياة الاقتصاديّة. كما أنّ الأهميّة النظريّة لهذا الموضوع تبدو أكيدة وذلك لتحديد الدّور الحقيقي لمراقب الحسابات في ظلّ التّشريع الجديد للشّركة خفيّة الاسم وبالتالي تحديد مناط مسؤوليته.
إنّ المتصفح لأحكام مجلّة الشّركات يلاحظ أنّ المشرّع لم يعد يعامل الشركة على أساس أنّها عقد حسب الفصل 1245 م ا ع، بل أصبح يتعامل معهما على أساس مفهومها الاقتصادي أي اعتبارها مؤسّسة تنظّمها أحكام تشريعيّة وكلّ خرق لهذه الأحكام وتجاوز لها يتصدّى له المشرّع بإقرار عقوبات مدنيّة وجزائيّة. لكن الإشكال الذي يبدو ملحّا حين التطرّق لموضوع مراقب الحسابات و الشركة خفيّة الاسم هو تحديد مدى نجاعة وأهميّة دور مراقب الحسابات في حماية الشركة خفيّة الاسم ؟
تبدو هذه الإشكاليّة ذات أهميّة كبرى نظرا لخطورة أفعال التّدليس في حسابات الشركة واستمرارها وبالتّالي نموّ الاقتصاد بصورة عامّة، هذه الخطورة أملت التشدّد سواء مع أفعال التّأسيس أو التّسيير وحماية الرّقابة التّي تمارس عليها. يفترض هذا الأمر إرساء قواعد جزائيّة صارمة من شأنها أن تمنع كلّ من يقصد الإضرار بالشّركة عن طريق الإخلال بقواعد النّزاهة تهدف إلى الوقاية من وقوعها أكثر ممّا هي قواعد عقابيّة رادعة حتّى تتمكّن السياسة التشريعيّة من تحقيق أهداف السياسة الاقتصاديّة وحماية السّوق الماليّة.
تعتمد هذه السياسة التشريعيّة إحاطة كلّ القواعد المنظّمة لرقابة مراقب الحسابات في إطار الشركة خفيّة الاسم بنصوص تجريميّة حتّى يقع توفير الضّمانات اللاّزمة لهذه الشّركة باعتبارها خليّة أساسيّة للإنتاج والاستثمار والتّسويق. كما أنّه من شأن هذه الآلية القانونيّة والتّي هي مراقب الحسابات، حماية المساهمين في الشركة خفيّة الاسم، والغير سواء منهم الدّائنين أو من تمّ التّعامل معهم بأيّ صفة كانت من خطر التّلاعب بالوضعيّة الماليّة للشّركة.
ممّا لا شكّ فيه، هو أنّ الشركة خفيّة الاسم أصبحت من الوسائل الهامّة التّي تجسّم الرأسماليّة ونجاعة التّجارة فيها، غير أنّه ونظرا لشساعة حجم هذه الشركات وتعدّد أسهمها ممّا يصعب الاقتصار على وسائل القانون المدني لتوفير الرّقابة النّاجعة على أعمال المسيّرين، التجأ المشرّع إلى القانون الجنائي لتنظيم ميدان مراقبة الحسابات بقواعد زجريّة خاصّة بهذا النّوع من الشّركات.
إلاّ أنّ هذا الهيكل المراقب قد يكون هو نفسه مصدر ارتكاب الجريمة وذلك بالإخلال بالتزامات حسن الرّقابة، الأمر الذي دعا المشرّع إلى زجر كلّ الأفعال التّي يرتكبها مراقب الحسابات إخلالا بواجباته والتّي من شأنها أن تمسّ بمصالح الشّركاء والمتعاملين مع الشّركة( ).
ولن يتأتّى لنا معالجة هذا الإشكال إلاّ من خلال الإحاطة بميدان المسؤوليّة لمراقب الحسابات في (جزء II) والذي يتطلّب أوّلا البحث في النّظام القانوني لهذه المؤسّسة الرقابيّة (جزء I ).
الجزء الأوّل : النّظام القانوني لمؤسّسة مراقب الحسابات في إطار الشركة خفيّة الاسم
يخضع مراقب الحسابات في إطار رقابته للشركة خفيّة الاسم إلى الفصول 258 وما يليها من مجلّة الشّركات التجاريّة.
وبالرّجوع إلى هذا الباب يتّضح جليّا وأنّ المشرّع أرسى منظومة قانونيّة متكاملة لمراقب الحسابات، ترسم الخطوط العريضة والدقيقة لهذا الجهاز، بحيث يمكن الحديث معها عن مؤسّسة مراقب الحسابات.
لقد سعى المشرّع إلى تفادي النّقائص المسجّلة بالمجلّة التجاريّة الخاصّة بالرّقابة غير المباشرة للشركاء، والتّي تتجسّم طبعا في جهاز مراقب الحسابات، وذلك بأن حدّد مجال وآليات تدخّل هذا “الجهاز”، (الفصل الأوّل) بطريقة تبرز بوضوح الدّور الفعّال لمراقب الحسابات في تحقيق الحفاظ على سير الشركة خفيّة الاسم بكلّ نزاهة وشفافيّة( ).
لقد احتلّت رقابة تسيير الشركة أهميّة بالغة بحيث يقع معها إعطاء معلومات صحيحة وكافية للشّركاء، ممّا يخوّل لهم إمكانيّة الاطّلاع على الوضعيّة الماليّة القانونيّة والواقعيّة للشّركة التّي ينتمون إليها، الشّيء الذي يسمح لهم من أخذ القرارات التّي في مصلحتهم على أساس المعرفة والدّراية.
إنّ هذه الرّقابة اللاّحقة لتأسيس الشركة خفيّة الاسم هي كفيلة بأن تضمن استمراريّة الشركة ونموّها، إلاّ أنّ الوقاية تبقى دوما خير من العلاج، ولهذا الغرض، أولى المشرّع إلى مراقب الحسابات مهمّة مراقبة الشركة خفيّة الاسم في طور يتزامن مع تأسيس الشركة حتّى يسهر على نشأة هذه الخليّة على أسس وقواعد صحيحة، خاصّة وأنّنا نلاحظ كثرة التّجاوزات والإخلالات في هذا الطّور من التّكوين، بما يعبّر عن الرّغبة الجامحة في تأسيس الشركة دون قيد أو شرط، ولذا فإنّ تدعيم دور مراقب الحسابات في إطار رقابة الشركة خفيّة الاسم، ما هو إلاّ تكريس للنّزعة الحمائيّة للشّركة من خلال التّشريع الجديد (الفصل الثاني).
الفصل الأوّل : مجال وآليات تدخّل مراقب الحسابات في إطار الشركة خفيّة الاسم
إنّ الحديث عن مجال تدخّل مراقب الحسابات يفرز آليّا البحث في تعيين هذا الجهاز ( الفقرة الأولى)، حتّى يتمكّن من ممارسة الصلاحيّات الأساسيّة الموكولة إليه والمتمثّلة في مراقبة سير الشركة خفيّة الاسم (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : تعيين مراقب الحسابات
إنّ الحديث عن تعيين مراقب الحسابات سيجرّنا حتما إلى البحث في شروطه (أ) وفي حالة التّعيين تطرح مسألة الطبيعة القانونيّة لعلاقة مراقب الحسابات بالشركة خفيّة الاسم (ب).
أ- شروط تعيين مراقب الحسابات:
إنّ الشركة خفيّة الاسم سواء كانت ذات مساهمة خاصّة أو مساهمة عامّة، يجب عليها تعيين مراقب حسابات، وبالتّالي وبقطع النّظر عن مقدار أو هيكلة رأس المال، أو عن مقدار رقم المعاملات، ومهما كان قطاع نشاط الشركة أو حتّى مقدار مديونيتها… فهي مطالبة دوما بتسميّة مراقب أو عدّة مراقبي حسابات، يقع اختيارهم من ضمن مراقبي الحسابات المرسّمين بجداول هيئة الخبراء المحاسبين.
غير أنّه في الواقع غالبا ما يقع الإخلال بهذا الواجب و تأكيدا لضرورة تكريس مراقب الحسابات كجهاز رقابي داخل الشركة خفية الاسم، جاء الفصل 256 مكرّر م. ش. ت بإرساء لجنة دائمة للتدقيق لدى شركات المساهمة العامة حيث تسهر هذه اللجنة على التأكد من احترام الشركة للأنظمة الرقابة الداخلية بطريق مجدية من شأنها تطوير الكفاءة و النجاعة و حماية أصول الشركة و ضمان أمانة المعلومة المالية واحترام الأحكام القانونية و الترتيبية.
و تتولّى هذه اللجنة متابعة أعمال أجهزة الرقابة لدى الشركة و تقوم باقتراح مراقب أو مراقبي الحسابات و بالمصادقة على تعيين المدققين الداخليين. و تدعيما لاستقلالية هذه اللجنة، فإنّه يقع تعيين الأعضاء من قبل مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة على أنّه لا يمكن أن يكون عضوا فيها الرئيس المدير العام أو المدير العام أو المدير العام المساعد. و يمكن منح أعضاء هذه اللجنة منحة حضور تدفعها لهم الجلسة العامة بناءا على مبلغ سنوي يقع تحديده و من طبيعة هذه المنحة أن توفر نوعا من الاستقلالية المالية لها.
إلاّ أنّه، ويمكن للشّركات التّي يكون رقم معاملاتها أقلّ من مبلغ يقع تحديده بقرار من الوزير المكلّف بالماليّة، أن تختار مراقبا أو عدّة مراقبي حسابات سواء من بين المرسّمين بجدول الهيئة أو من أحد المختصّين في الحسابيّة( ) ، وفي هذا المجال، يتّجه ملاحظة وأنّ مجلّة الشّركات التّجاريّة مقارنة بالمجلّة التجاريّة التّي تضمّنت خمس أو ستّ فصول متعلّقة بمراقب الحسابات، نصّت لهذا الأخير قرابة 30 فصلا ينظمّ بصفة دقيقة ومعمّقة كلّ المسائل المتعلّقة بنظام وقواعد تعيين هذا الجهاز الرّقابي. ولقد استحوذت الشّركة خفيّة الاسم على الكمّ الأوفر من عناية المشرّع، الشّيء الذي يؤكّد أهميّة هذه الخليّة ودورها الفعّال في القطاع الاقتصادي..
وتماشيا مع التطوّرات الاقتصاديّة بات النّسيج القانوني الخاصّ بمراقب الحساب في إطار هذه الشّركة أكثر دقّة وشموليّة ومرونة، فنذكر في هذا الإطار إمكانيّة أن يتولّى مهمّة مراقب الحسابات أشخاص طبيعيّون أو شركات مراقبي الحسابات( ) وفق أحكام القانون المتعلّق بمهنة الخبراء المحاسبين ويمسك مراقب الحسابات دفترا خاصّا طبق أحكام القانون المذكور.
و يكون تعيين مراقب الحسابات وجوبا لمدّة لا تقلّ عن ثلاث سنوات قابلة للتّجديد، مع مراعاة ما جاء بالفصل 13 مكرر من نفس المجلة. إنّ الجدير بالملاحظة هنا، وهو أنّ التشريع الجديد الخاص بالشركات التجاريّة أدخل تجديدات عميقة دعّمت في دور مراقب الحسابات كمّا وكيفا، وركّزت على إعطاء إستقلاليّة واقعيّة وقانونيّة لهذا الجهاز، لما لهذه الصّفة من تأثير في مدى نجاعة ونجاح مهمّة هذه الرّقابة اللاّحقة.
وفي هذا الغرض، تضمّنت المجلّة الجديدة، نظاما متكاملا لشروط تعيين مراقب الحسابات، فأرست عديد الموانع التّي تتعارض ونزاهة هذه المهنة( ).
فلقد نصّ الفصل 262 م. ش.ت، على أنّه « لا يجوز تعيين مراقبي الحسابات من بين أعضاء مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة أو مقدّمي الحصص العينيّة وأقارب هؤلاء جميعا لغاية الدّرجة الرابعة»( )، في حين أنّ هذا المنع كان لا يتجاوز الدّرجة الثانية في إطار التّنصيصات القديمة بالمجلّة التّجاريّة.
كما حجّر هذا الفصل المذكور على « الأشخاص الذين يتقاضون بأيّ وجه من الوجوه بموجب المهام التّي يباشرونها عدا مهمّة مراقب، أجرا أو مكافأة من أعضاء مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة أو الشركة أو من أيّة مؤسّسة تملك عشر رأس مال الشّركة على الأقلّ من رأس مالها».
يمكن الإشارة هنا، إلى أنّ هذا الفصل يؤسّس الاستقلاليّة الماليّة لمراقب الحسابات، ويكون بذلك متجانسا مع أحكام الفصل 265 من نفس المجلّة والذي ينصّ على أنّه « لا يمكن لمراقبي الحسابات قبض أيّ أجرة أخرى زائدة عن أجرتهم القانونيّة أو الاستفادة من أيّ امتياز بواسطة أيّ اتّفاق». وبما أنّه لا معنى للاستقلاليّة الماليّة دون الاستقلاليّة الوظائفيّة، فإنّ المشرّع أقصى من دائرة مراقبي الحسابات «الأشخاص الذين يحجّر عليهم تولّي وظيفة عضو مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة أو الأشخاص الذين فقدوا مؤهّلاتهم لمباشرة هذه المهام( )، وأزواج الأشخاص المذكورين( )».
وإصرارا منه على توفير نزاهة وحياد مراقب الحسابات، رتّب المشرّع على فرضيّة توفّر الجمع في شخص أثناء قيامه بمهمّة الرّقابة بين صفته تلك وإحدى الصّفات المحجّرة، ضرورة وواجب التخلّي فورا عن مباشرة وظائفه وإعلام مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة بذلك خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من حدوث السّبب المانع( ).
وإضافة إلى ذلك، حجّر المشرّع على مراقبي الحسابات أن يقبل مسؤوليّة عضو بمجلس إدارة أو بهيئة إدارة جماعيّة بالشّركات التّي يراقبونها طيلة الخمس سنوات المواليّة لنهاية مباشرتهم لمهامهم بالشّركة، وكلّ تعيين مخالف للأحكام الواردة بالفصول 13، 258، 259 و 260 م.ش.ت يعدّ باطلا وملغى، ويسلّط على الشّركة المخالفة خطيّة ماليّة قيمتها ألفي دينار على الأقلّ وعشرين ألف دينار على الأكثر، كما تسلّط نفس العقوبة على الشّركة في صورة عدم تعيين مراقب للحسابات من قبل جلستها العامّة( ).
إلاّ أنّه، يمكن للقاضي الاستعجالي إعفاء مراقب أو مراقبي الحسابات المعيّنين لسبب مشروع بطلب من النّيابة العموميّة، أو مجلس الإدارة أو مساهم أو عدّة مساهمين حائزين على خمسة عشر بالمائة من رأس مال الشركة على الأقلّ، أو هيئة السوق الماليّة بالنّسبة إلى الشّركات المساهمة. وعند الإعفاء يتمّ تعويض المراقب المعفى من قبل الجلسة العامّة أو القاضي بحسب الحالات( ).
وفي جميع الأحوال، « يجب إعلام هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسيّة بكلّ تعيين لمراقب أو مراقبين مهما كانت طرق التّعيين وذلك بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ من قبل الرّئيس المدير العام أو هيئة الإدارة بالتّعيين إلى الرّئيس المدير العام أو هيئة الإدارة الجماعيّة وابتداء من تاريخ القبول بالنّسبة إلى المراقب أو مراقبي الحسابات.» ( ) و في حالة التخلّف عن هذا الإعلام هل يمكن للجنة التدقيق تفادي هذه الإخلالات ؟
و يطرح التّساؤل هنا أيضا عن فرضيّة عدم القيام بهذا الإعلام، فما هو العقاب المقرّر للمخلّين بهذا الواجب ؟ كان على المشرّع ترتيب جزاء على هذا الإخلال، لما لهذا الإعلام من أهميّة في رقابة مراقب الحسابات نفسه وما وجوب نشر كلّ تعيين أو تجديد لنيابة مراقب الحسابات بالرّائد الرّسمي وبجريدتين يوميّتين إحداهما باللّغة العربيّة، إلاّ تأكيدا على الأهميّة البالغة لهذا الإشهار، فيكون عدم التّنصيص على عقوبة الإخلال بهذا الواجب مقلّصا لغاية تحقيق منظومة متكاملة لمؤسّسة مراقب الحسابات( )، الشّيء الّذي سيزيد في غموض الطّبيعة القانونيّة لهذه المؤسّسة.
ب- الطبيعة القانونيّة لمؤسّسة مراقب الحسابات:
تطفو معضلة تحديد هذه الطبيعة القانونيّة على سطح النّقاش، وذلك خاصّة في حالة عدم تعيين مراقبين من قبل الجلسة العامّة أو إذا تعذّر على واحد منهم أو أكثر أداء مهمّته أو امتنع عن أدائها إذ يقع تعيينهم أو تعويضهم بمقتضى قرار من القاضي الاستعجالي بالمحكمة الّتي بدائرتها مقرّ الشّركة وذلك بطلب من كلّ من يهمّه الأمر مع وجوب استدعاء أعضاء مجلس الإدارة. ولا يبقى المراقب الّتي تعيّنه الجلسة العامّة أو القاضي الاستعجالي عوضا عن غيره في مهامة إلاّّ المدّة المتبقّية( ).
إنّ التمعّن في نصّ هذا الفصل السّابق الذّكر، يعود بنا إلى التّساؤل حول طبيعة العلاقة الرّابطة بين مراقب الحسابات والشّركة خفيّة الاسم ؟
ما تجدر ملاحظته هنا، هو أنّ استعمال المشرع لعبارات مختلفة لوصف مهمّة مراقب الحسابات يسقطنا في غموض هذه العلاقة، فتارة يشير إلى الوكالة من خلال الحديث عن “الأعمال الموكولة له”، و طورا يثير إمكانية التمسك بالعلاقة الشغليّة من خلال استعماله للفظ أجرة في أكثر من فصل، و في مواطن أخرى يركّز المشرّع على الصبغة المؤسّساتية لعمل مراقب الحسابات ليجعل منه عضوا قارّا بالشركة.
فهل أنّ مراقب الحسابات هو وكيل للشركاء، ويكون بالتّالي خاضعا لأحكام الوكالة المنظّمة بمجلّة الالتزامات والعقود ؟( )
إنّ هذا التّساؤل يفرض نفسه من خلال استعمال المشّرع للّفظ التّعيين، فالتّعيين يمثّل الإرادة الصّريحة للموكّل في قبول وكيله و الوكالة هي، عملا بأحكام الفصل 1104 م.إ.ع « عقد يكلّف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حقّ المنوّب وقد يتعلّق بالتّوكيل أيضا، حقّ الموكّل والوكيل أو حتّى الموكّل والغير أو حقّ الغير فقط.»
وتطبيقا لأحكام عقد الوكالة، يشترط في تعيين الجلسة العامّة لمراقب الحسابات بوصفه وكيلا عن الشّركاء، وجوب تطابق الإيجاب بالقبول أيّ برضا الطرفين.
وعلى هذا الأساس، يجوز للموكّل عزل الوكيل في أيّ وقت كان، إلاّ أنّه بالرّجوع إلى أحكام الفصل 260 م.ش.ت في فقرته الثانية، يتّضح وأنّه لا يجوز « ولا يمكن للجلسة العامّة أن تعزل مراقب أو مراقبي الحسابات قبل انتهاء مدّة تعيينهم، إلاّ إذا ثبت ارتكابهم خطأ فادحا أثناء ممارستهم لمهامهم»، ممّا يبعدنا نوعا ما عن أحكام الوكالة.
فإذا كان المشرّع واضحا في حجره لعزل مراقب الحسابات، فإنّه تناسى عن التنصيص على أيّ جزاء عند الإخلال بهذا المنع تجاه آخذي قرار العزل، فهل يمكن في هذه الحالة تطبيق أحكام الوكالة أي إذا تمّ عزل الوكيل بلا سبب معتبر وفي وقت غير مناسب؟( )
إنّ هذا الحلّ المقترح يفرض تساؤل الالتجاء إليه أيضا، و ذلك في حالة ما إذا رفض مراقب الحسابات القيام بمهامّه، إذ نصّ الفصل 261 م.ش.ت على أنّ القاضي الاستعجالي له تعيين مراقب حسابات آخر إذا ما امتنع الشّخص المعيّن من قبل الجلسة أداء مهمّته الرقابيّة وذلك بطلب من كلّ من يهمّه الأمر.
إنّه بتطبيق أحكام الوكالة على هاتين الحالتين، يكون لمراقب الحسابات حقّ القيام على من قام بعزله، أي الجلسة العامّة بما تسبّب له فيه من خسارة( ).
غير أنّ السّؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار، هل يقع تطبيق الخسارة الناتجة عن عزل وكيل أو عن طرد تعسّفي لأجير يربطه بالشّركة عقد محدّد المدّة أي ثلاث سنوات حسب الفصل 260 م.ش.ت؟
لقد كان على المشرّع الاحتفاظ بالفصل 87 قديم من المجلّة التجاريّة و الذي كان ينصّ على أنّ “مدى و نتائج مسؤولية المراقبين إزاء الشركة محدودة بما تقتضيه أحكام الوكالة”، و ذلك حتّى يتفادى فتح المجال لنقاش متزيّد حول إمكانية تطبيق أحكام مجلّة الشغل على مهام و مسؤوليات مراقب الحسابات، إذ اختلق المشرع هذه الإشكالية حينما تحدّث عن الأجرة التّي يتقاضاها هذا الرّقيب، في حين أنّ الواقع هو غير ذلك، فهذا الأخير يتقاضى أتعابا سنويّة أو نصف سنويّة تكون مؤسّسة على نسبة مئوية من رقم معاملات الشركة، ومحدّدة طبقا لمعايير و مقاييس أنموذجيّة مضمّنة بقرارات وزارّية منظّمة لجدول مرتّبات مدقّقي الحسابات.
ومن زاوية أخرى، وعلى خلاف صمت المجلّة التجاريّة السّابقة فيما يخصّ إمكانيّة عزل مراقب الحسابات، فإنّ مجلّة الشّركات التجاريّة أرست بالفصل 264 إمكانيّة إعفاء مراقب الحسابات من مهامه، وذلك بطلب من النّيابة العموميّة أو مجلس الإدارة أو مساهم أو عدّة مساهمين حائزين على خمسة عشر بالمائة من رأس مال الشّركة على الأقلّ أو هيئة السّوق الماليّة بالنّسبة للشّركات المساهمة العامّة إلى القاضي الاستعجالي ولسبب مشروع.
والجدير بالملاحظة هنا، هو أنّ المشرّع استعمل لفظ “إعفاء” ولا عزل، وذلك ربّما ليؤكّد على طابع المسؤوليّة لمراقب الحسابات ويقوّي بذلك النّزعة التحسيسيّة لدوره “كعين للدّولة”.
إلاّ أنّ هذا “الإعفاء”، لا يكون إلاّ قضائيّا ولسبب مشروع، وعلى هذا الأساس، فإذا قام مجلس الإدارة أو أحد المساهمين بعزل مراقب الحسابات دون اللّجوء إلى القضاء ولو لسبب مشروع يمكن أن نتمسّك بأنّ هذا العزل ملغى عملا بقاعدة توازي الشكليّات، إذ أنّ تعيين مراقب الحسابات دون احترام للشّروط الواردة بالمجلّة، يكون لا ملغى فقط، بل أيضا تنجرّ عنه تأدية خطيّة ماليّة ضدّ الشّركة.
وفي غياب نصّ صريح بالإلغاء، يكون الحلّ مبدئيّا اللّجوء إلى القضاء( )، فمراقب الحسابات الّذي وقع عزله بدون مبرّر أو حتّى بسبب مشروع دون احترام القانون، يفتح له باب الدّعاوى ضدّ صاحب القرار، ونتساءل هنا عن إمكانيّة مساءلة الشّركة أيضا على غرار ما جاء بالفصل 263 من م.ش.ت ؟
أمّا إذا اعتبرنا و أنّ مراقب الحسابات هو بمثابة أجير يربطه بالشّركة عقد شغل محدّد المدّة، فهل أنّ عزله قبل انتهاء هذه الفترة و دون سبب شرعيّ يفتح له باب الطلب بمنحة الطرد التعسّفي؟ وفي المقابل وفي حالة ما إذا تنحّى عن مهامه بدون سبب شرعي، هل يكون القيام عليه طبقا لأحكام مجلّة الشّغل؟
كان على المشرّع استعمال عبارة أتعاب عوض عبارة أجرة حتّى لا نقع في مثل هذا الخلط الذي فتح الباب عريضا أمام هذه الإشكاليّات و التّي هي في الواقع شبه إشكاليّات كان بالإمكان تفاديها بمجرّد التنسيق، حين سنّ أحكام مجلّة الشركات التّجارية بين مختلف القوانين والقرارات الوزارية والقواعد العرفيّة المنظمة لمهنة مراقبي الحسابات.
بيد أنّ أحكام الفصل 267 م.ش.ت، تعود بنا إلى أحكام الوكالة وتقصي إمكانيّة اعتبار مراقب الحسابات أجيرا، حيث أنّه يمكن لمراقبي الحسابات لإنجاز مهامهم وتحت مسؤوليّتهم أن يستعينوا أو يوكلوا تمثيلهم لمساعد أو لعدّة مساعدين من اختيارهم ومن المحرزين على شهادة في الأستاذيّة( ) على أن يتولّوا الإدلاء بأسمائهم للشركة ويكون لهؤلاء نفس حقوق التحرّي الّتي تكون لمراقبي الحسابات ».
لقد أعطى الفصل 261 م.ش.ت، الحقّ في تعيين مراقب حسابات « لكلّ من يهمّه الأمر » برفع الطّلب إلى القاضي الاستعجالي، وبالتّالي هل يصبح لكلّ من الشّركات والغير باعتبارهم دائنين للشّركة، إمكانيّة القيام على مراقب الحسابات بمجرّد التنحّي عن مهامه، أم يجب أن تكون هناك خسارة حاصلة للمتضرّر من التنحّي، ويكون بالتّالي إثبات الخسارة وتقديرها موكول لاجتهاد القاضي( ) على معنى الفصل 1171 م.إ.ع ؟
إنّ المتمعّن في النّصوص المتعلّقة بمهمّة مراقب الحسابات، يتّضح له وأنّ طبيعة هذا الجهاز الرّقابي تتمتّع بالخصوصيّة وتخرج به عن دائرة العلاقة الشغليّة لتجعل منه عضوا في الشّركة( ) وإن كان في الآن نفسه وكيلا لها أو للمساهمين. ويتأكّد هذا الموقف، بالواجبات المحمولة على مراقب الحسابات والّتي تجعله مسؤولا عن الجرائم الصّادرة عن أعضاء مجلس الإدارة، فبمجرّد علمه بذلك التّجاوز وعدم كشفه وإعلامه للنّيابة العموميّة بهذه الإخلالات، يقع تحت طائلة جريمة الفصل 271 م.ش.ت.
كما أنّ الصّلاحيات الممنوحة لمراقب الحسابات للقيام بمهامه( ) تجعله يعلو عن مرتبة الوكيل، رغم أنّه يمكن أن يقوم في إطار ممارسة عمله بأعمال وكالة تجاه الأشخاص الّذين وقع استعانته بهم، ورغم أنّ مهامه في مراقبة الحسابات تدخل في إطار الوكالة( ). و يتأكّد هذا التمشّي القانوني من خلال ما جاء بالقاعدة العاشرة و الصّادرة عن هيئة الخبراء المحاسبين في أفريل 1987 و المتعلّقة بتحديد مفهوم واجب إعلام مراقب الحسابات بالجرائم المخلّة بمصلحة الشركة، و التي أقرّت بأنّه ” لم تعد مهمّة المراقب حماية المساهمين بل أصبحت تشمل الأجراء و الدّائنين و أصبح له مهمّة تمثيل المصلحة العامّة للشّركة و تطوير المحيط الاقتصادي.”
إنّ البحث في الطّبيعة القانونيّة لمؤسّسة مراقب الحسابات، هي من الأهميّة بمكان، بحيث أنّ مسؤوليّة مراقب الحسابات سواء منها المدنيّة أو الجزائيّة( ) تتأسّس على نتيجة تكييفها.
ومقابل تحميل مراقب الحسابات مثل هذه المسؤوليّة الخطيرة، فقد منحه صلاحيّات واسعة للقيام بمهامه في إطار رقابة سير الشّركة خفيّة الاسم.
الفقرة الثانية : دور وصلاحيّات مراقب الحسابات في رقابة سير الشّركة خفيّة الاسم
إلى جانب مهمّته الأساسيّة والقارّة والمتمثّلة في مراقبة صحّة الحسابات (أ)، يقوم مراقب الحسابات بمهامّ أخرى متّصلة بسير الشّركة، والّتي تتمثّل كتواصل ضروري لمهمّته الأساسيّة (ب).
أ- مهمّة مراقبة الحسابات مهمّة أصليّة :
محافظا على الأحكام القديمة للفصل 83 من المجلّة التجاريّة، جاء الفصل 266 م.ش.ت ليمنح لمراقب الحسابات توكيلا( ) « لمراجعة الدّفاتر والخزانة والأوراق التجاريّة والقيم الماليّة للشّركة ومراقبة صحّة وصدق الإحصاءات والقوائم الماليّة والتحقّق من صحّة المعلومات الّتي تضمّنها تقرير مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة عن حسابات الشّركة. »( )
من خلال هذا الفصل، يتبيّن جليّا الصلاحيّات الواسعة الّتي يتمتّع بها مراقب الحسابات ويعطيه حق وواجب التمحص والبحث في صحّة المعلومات الحسابيّة سواء في جانب الشّركة المعنيّة بالأمر أو الشركات الأم أو الفروع( ).
فيكون لمراقبي الحسابات إمكانيّة إجراء عمليّات المراقبة بناء على الوثائق الّتي يعتبرونها ضروريّة لمباشرة مهامهم وخاصّة منها العقود والدّفاتر ومستندات المحاسبة وسجّلات المحاضر والجداول البنكيّة.
كما يمكن لهم جمع جميع المعلومات اللازمة من الغير ممّن قام بعمليّات تمّ التّعاقد فيها مع الشّركة أو لحسابها بعد الحصول على إذن في ذلك من القاضي المختصّ.
إنّ ما يمكن ملاحظته هنا هو أنّ هذه الصّلاحيّات الممنوحة لمراقب الحسابات إن كانت من شأنها أن تعطي إليه مساحة واسعة للمراقبة على أحسن وجه، فهي في المقابل تؤكّد الدّور الحسّاس الّذي يلعبه هذا الجهاز، ولهذه الأسباب فرض عليه المشرّع واجبات مهنيّة صارمة تتمثّل في قيام مراقب الحسابات لأعمال المراقبة بكلّ حرص وكفاءة وحياد واستقلاليّة( ) يمكن أن تنتظرها من محترف مختصّ في الميدان المنسوب إليه، طبقا لما جاء في السّياسة التشريعيّة الجديدة في ميدان الحسابات من خلال الفصل 18 من قانون 1 أوت 1988 وقانون فيفري 2002 الخاصّ بتنظيم مهنة الخبراء المحاسبين و خاصة قانون سلامة العلاقات المالية السابق الذكر و الذي يمثل الأساس النظري الذي يقع اعتماده كركيزة و دليل لإعداد المعايير الحسابية .
وعلاوة على ذلك، يكون مراقب الحسابات مطالبا بعدم إفشاء السرّ المهني، وعدم التدخّل في إدارة الشّركة.
إنّ الهدف من مهمّة مراقبة الحسابات هي التّقرير بالمصادقة والّذي يعبّر فيه عن وجهة نظره تجاه صحّة ومصداقيّة الحسابات السنويّة طبقا للقانون المتعلّق بنظام المحاسبة للمؤسّسات الجاري به العمل. كما أنّ الصلاحيّات الممنوحة له في جمع المعلومات اللازمة لمهمّة المراقبة، تخوّل له إمكانيّة المصادقة على وضعيّة الشّركة ومؤهّلاتها الماليّة والاقتصاديّة وسمعتها في خضمّ الدّورة الاقتصاديّة خاصّة إذا كانت من الشّركات المساهمة( ).
لا من شكّ في أنّ مراقب الحسابات يلعب دورا أساسيّا في “الضّمان”، ولئن أطلق عليه بعض الفقهاء بأنّه « مزوّد الضّمان والثّقة »، فذلك ليس من وليد الصّدفة أو المجاملة من ذلك فإنّ مصادقة مراقب الحسابات على الوضعيّة الماليّة للشّركة يمثّل شهادة واقعيّة وقانونيّة قاطعة بـ :
صحّة عمليّات التصرّف.
الترجمة الواقعيّة والوفيّة للوضعيّة الماليّة للشّركة، وكذلك مؤهّلاتها الاقتصاديّة.
صحّة وسلامة المعلومات الماليّة المتحصّل عليها.( )
قرينة غياب تصرّفات ضارّة بالتصرّف في الشّركة أو تصرّفات تدخل في طائلة التعسّف في استعمال الحقّ مهما كان نوعه.
إذا كان المشرّع استعمل بكثرة عبارات مراقبة صدق وسلامة وصحّة المعلومات أو الإحصاءات وغيرها … فإنّه لم يعرّف المقصود بالصحّة والصّدق الّتي يجب على مراقب الحسابات المصادقة عليها رغم أنّه تعرض بإطناب إلى المعايير و المفاهيم الأساسية لإعداد تقرير مراقب الحسابات من خلال الأمر الخاص بالمصادقة على الإطار المرجعي للمحاسبة الصادر في 30/12/1996.
و في غياب حلّ في القانون التونسي يكون الرّجوع إلى القانون المقارن لا بدّ منه.
لقد عرّف الفقهاء في القانون الفرنسي الصحّة « بأنّها المطابقة للقوانين بصفة عامّة وللنّصوص المنظّمة لمهنة المحاسبة بصفة خاصّة( ).
أمّا عن الصّدق، فيتمثّل في “تحديد القواعد الّتي وقع إتّباعها عند القيام بتحرير المراجع الحسابيّة» وذلك باتّباع الأمانة وحسن النيّة( ).
إلاّ أنّه في الواقع، يمكن أن نسجّل صدق دفاتر الحسابات دون أن تمت إلى الصحّة بأيّ صلة، وذلك بأن تكون محرّرة بحسن نيّة وأمانة من طرف مراقب الحسابات، الّذي بدوره يبني مصادقته على أساس تقارير مجلس الإدارة، الّتي يمكن أن تكون غير صحيحة ومغلوطة، دون أن يكون مراقب الحسابات تفطّن إلى تلك الإخلالات.
جدير بالملاحظة هنا، أنّ توسيع مهام مراقب الحسابات عند مراقبته لصحّة وصدق المعلومات المقدّمة له بشتّى أنواعها، هو بالأهميّة بمكان، لكنّه في المقابل يمثّل خطورة على سير المؤسّسة،
باعتبار أنّ شهادة المصادقة هي بمثابة “التأشيرة” بالنّسبة للشّركات الخاصّة ذات المساهمة العامّة( ).
وتماشيا مع متطلّبات السّوق الماليّة والواقع الاقتصادي، أخضع المشرّع مراقب الحسابات إلى رقابة هيئة السّوق الماليّة والّتي يمكن أن تبحث حتّى في صحّة طرق تعيين مراقب الحسابات والتحقّق من كونها مستوفية للشروط الواجبة بمجلّة الشّركات التجاريّة، باعتبار وأنّ مصادقة مراقبة الحسابات والمبنيّة على المعلومات الممنوحة من طرف مجلس الإدارة، تمثل الحجر الأساسي عند قيام هيئة السّوق الماليّة لإعطائها “تأشيرة” الدّخول إلى السّوق الماليّة المعنيّة بالأمر( ).
كما أصبح على مراقب الحسابات بمقتضى قانون سلامة العلاقات المالية ، إعلام هيئة السوق المالية بكل أمر من شأنه أن يشكّل خطرا على مصالح الشركة أو حاملي أوراقها المالية، فور علمه به و موافاة هذه الهيئة بنسخة من كل تقرير يوجهه للجلسة العامة و ذلك في نفس الوقت.
و بعد القيام بمهامه في رقابة الحسابات، يجب على مراقب الحسابات بأن يقدّم تقريره في أجل شهر ابتداء من تاريخ تبليغ القوائم الماليّة للشّركة وفي صورة تعدّد مراقبي الحسابات وعند اختلافهم في الرأي، يجب إعداد تقرير مشترك يتضمّن وجهة نظر كلّ واحد منهم.
و بغضّ النظر عن التزاماتهم القانونية، يتعيّن على مراقبي الحسابات موافاة البنك المركزي التونسي بنسخة من كل تقرير يوجهونه للجلسات العامة و ذلك بالنسبة لشركات المساهمة العامة طبقا لأحكام الفصل 13 (رابعا) المضاف إلى مجلة الشركات التجارية.
وكما بيّنا سابقا، إنّ الغرض من المراقبة هو بصفة أكيدة، الحصول على تقرير مراقب الحسابات ينصّ فيه على « رأيه الصّريح بكونه قام بمراقبة مدقّقة والتّنصيص صراحة إمّا على المصادقة على الحسابات أو على المصادقة المضمّنة باحتراز أو على رفض المصادقة، ويعتبر باطلا وملغى كلّ تقرير يحتوي على قرار غير صريح أو إذا كانت الاحترازات غير واضحة»( ).
إنّ ما يمكن ملاحظته في خصوص هذا النصّ القانوني، هو أنّه أحدث عدّة آحترازات ونقاشات بين الفقهاء، والّتي تعيب على المشرّع الغموض والتّناقض على مستوى رأي مراقب الحسابات.
فبالنّسبة إلى مهمّة مراقب الحسابات في المراجعة، يرى الأستاذ فيصل دربال( ) وأنّها تشتمل حتما على رأيه في صدق وصحّة أو سلامة الحسابات وإبداء رأيه سواء بالرّفض أو بالمصادقة، بينما، حسب رأيه، كان على المشرّع المحافظة على الأحكام القديمة المضمّنة بالمجلّة التجاريّة والّتي تخوّل لمراقب الحسابات مراقبة الـ « L’image fidèle » للشّركة، وذلك تماشيا مع القوانين المقارنة (كالقانون الفرنسي أو البريطاني وغيره …) وأيضا مع القواعد العالميّة للفيدراليّة العالميّة للمحاسبين.
غير أنّه وحسب رأينا الخاص، تكون مراقبة « الصّورة الوفيّة أو الحقيقيّة » للشّركة هي من الصّعوبة بمكان، فتعريف هذه الصّفة هو في حدّ ذاته غير واضح وغامض( ) وفي كلّ الحالات، فإنّ مراقبة صدق وصحّة وسلامة حسابات الشّركة طبقا لأهداف القوائم المالية و المفاهيم الأساسية المنظمة لها و الواردة بالأمر المتعلق بالإطار المرجعي للمحاسبة، هي مبدئيّا كفيلة بأن تعطي الصّورة الحقيقيّة لمؤهّلات الشّركة خفيّة الاسم، فتكون بالتّالي متطابقة مع الغرض المنشود.
أمّا عن الاحتراز الأخير فيما يخصّ مراقبة الحسابات، فهو يتبنّى فكرة وأنّ المصادقة أو عدم المصادقة على الحسابات ترجع بالأساس وبصفة حصريّة إلى الجلسة العامّة للشركاء ولا داعي يوجد من وراء إعطاء هذه الصلاحيّة إلى مراقب الحسابات.
هـذا الاحتراز، يدفعنا إلى التّساؤل عن فاعليّة دور مراقب الحسابات في حماية الشّركة خفيّة الاسم ؟ خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار وأنّ الشّركة ليست ملكا للشّركاء فحسب، بل هي خليّة تتناسج فيها عدّة مصالح مهمّة، وإن تفاوتت في الأهميّة، فهي أحرزت على اهتمام بالغ في السياسة التشريعيّة الجديدة. فعلا، إنّ الشركة خفية الاسم تشمل إضافة إلى مصالح الشركاء، مصالح الغير سواء منهم الدّائنين أو العملة فلقد أثبت الواقع الاقتصادي وأنّ الشركة خفيّة الاسم هي أفضل تقنية قانونيّة لتأطير المؤسّسة ( ). و يمكن تأكيد هذا التمشي لما جاء بالفصل 269 م ش ت إذ يمكّن أعضاء مجلس الإدارة من تعديل الحسابات السنوية للشركة بناءا على ملاحظة المراقبين، فإن كان مبدئيا يحجّر على مراقب الحسابات التدخل في إدارة الشركة فإنّه ضمنيا يصبح له التأثير الفعّال على هذه الإدارة.
و في هذا السّياق، يرى شقّ آخر من الفقهاء عند دراسة دور مراقب الحسابات في مراقبة الشّركة خفيّة الاسم في ظلّ المجلّة التجاريّة القديمة، وأنّ هذا الدّور أثبت واقع الشّركة وواقع السوق الماليّة، بأنّه وهمي ومحدود جدّا، نظرا لحدود الصلاحيّات الّتي يتمتّع بها مراقب الحسابات( ).
ولذلك، نادى العديد منهم بضرورة إصلاح منظومة مراقبة الحسابات وعلاقته مع الشّركة خفيّة الاسم( ) حتّى تكون السياسة التشريعيّة في مستوى التطوّرات الاقتصاديّة داخل البلاد وخارجه، من ذلك وقع تطوير دور مراقب الحسابات، وإعطائه مهمّة مراقبة سير الشركة ولكن خارج إطار الحسابات.
ب- المهمّة التبعيّة لمراقب الحسابات :
إنّ ما يمكن ملاحظته في خصوص هذه المهمّة المنوطة بعهدة مراقب الحسابات، هو أنّها تتميّز بتطوير فعّال لا سابق له، حيث أنّها تتّصف بعدم علاقتها بتاتا بالحسابات أو بالمراجعة الماليّة، وإنّما وقع تكريسها بغاية حماية الشركاء والغير المتعاقدين مع الشّركة.
إنّ أوّل المهام غير الحسابيّة الموكولة لمراقب الحسابات هي تلك المتعلّقة بمراقبة المعلومات الموجّهة للشركاء ضمن التّقرير السّنوي المحرّر من قبل مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة، إذ تقع وجوبا دعوته للحضور في كل اجتماعات مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة و هيئة الإدارة الجماعية المتعلقة بضبط القوائم المالية السنوية أو بالنظر في القوائم المالية الوسيطة و كذلك في كل الجلسات العامة، طبقا لنصّ الفصل 266 مكرر م ش ت.
ومحاولة منه لإرساء منظومة متناسقة لعمل مراقب الحسابات، نصّ المشرّع في الفصل 275 م.ش.ت على أنّه « يكون باطلا قرار الجلسة العامّة المتضمّن المصادقة على الموازنة والحسابات إذا لم يكن مسبوقا بتقديم تقارير المراقبين في الحالات الّتي يوجب وجود المراقب أو المراقبين. »
كما يتأكّد دور مراقب الحسابات في حماية مصالح الشركاء من خلال أحكام الفصل 277 م.ش.ت إذ يعطي له إمكانيّة دعوة الجلسة العامّة.
أمّا عن المهمّة الأخرى الموكولة لمراقب الحسابات فهي تلك الّتي وقع تنظيمها بالفصل 203 م.ش.ت، والّذي ينصّ على أنّه : « يسهر مراقبوا الحسابات وتحت مسؤوليّتهم على احترام الأحكام الواردة بالفصول 200 و201 و202 من هذه المجلّة. »
إنّ عبارات « يسهر» « وتحت مسؤوليتهم» الواردة بالفصل المذكور، تعكس بكلّ وضوح خطورة دور مراقب الحسابات، سواء كان تجاه الخاضعين للمراقبة أو تجاهه هو نفسه، إذ أنّ كلمة «السّهر على» هي أعمق وأدقّ من كلمة مراقبة، ويتدعّم هذا التعهّد بتحميل مراقب الحسابات « أخطاء الغير» فهو يتعهّد عن نتائج تصرّفات الغير والأشخاص المطالب بمراقبة أعمالهم القانونيّة وغير القانونيّة، مّما يفتح المجال للتّساؤل عن نطاق مسؤوليّة مراقب الحسابات( ).
بالرّجوع إلى الفصل 200 م.ش.ت، يتبيّن وأنّه بغاية توفير الشفافيّة اللازمة للتعاملات بين الشركة ومديرها، إضافة إلى الحرص على احترام قاعدة المساواة بين الشركاء، أخضع المشرّع صحّة الاتّفاقات المذكورة بالفصل إلى إجراء صارم ألا وهو مراقبة ومصادقة( ) مراقب الحسابات.
إنّ من شأن هذا الشّرط أن يحفظ حقوق الأقليّة من الشّركاء، كما يساهم في مراقبة تجاوزات المديرين والّتي غالبا ما يقع تسجيلها في الواقع نظرا للمكانة الخاصّة الّتي يحتلّونها داخل الشّركة.
أما النّمط الثاني من التقارير الخاصّة الّتي يحرّرها مراقب الحسابات، فهي تلك المضمّنة بالفصل 201 والمتعلّقة بمراقبة إعداد الموازنة من طرف مجلس الإدارة،و إذا كان مراقب الحسابات لا يتدخّل في إدارة الشّركة، فإنّه بناء على هذا الفصل، يخوّل له الإطّلاع على تصرّفات الشّركة ومن ثمّ تقييمها وذلك بالمصادقة أو بالرّفض.
ويتأكّد الدّور الرّيادي لمراقب الحسابات في مراقبة أعمال سير الشّركة خفيّة الاسم من خلال الفصل 202 م.ش.ت والّذي يعطي لمراقب الحسابات سلاحا هامّا ألا وهو تقنية التّسوية القانونيّة، إذ نصّ على أنّه يمكن تلافي بطلان تلك الاتفاقات المبرمة والمشار إليها في الفص 200 دون احترام الأحكام المنظّمة لها، وذلك بواسطة تصويت الجلسة العامّة الّذي يقع بناء على تقرير خاصّ يعدّه مراقب الحسابات ويعرض فيه الأسباب الّتي حالت دون إتّباع إجراءات التّرخيص.
لقد أراد المشرّع حماية الشّركة خفيّة الاسم و ذلك عبر تأطير مؤسّسة مراقب الحسابات كجهاز قارّ بها، و في تبنّيه لهذا الاتّجاه أخذ بعين الاعتبار التركيبة الجديدة لهذه الشّركة، إذ ينصّ الفصل 248 م.ش.ت على أنّ « كلّ اتّفاق واقع بين الشّركة وأحد أعضاء هيئة الإدارة الجماعيّة أو مجلس المراقبة، يخضع وجوبا لأحكام الفصل 200 من هذه المجلّة »، أي يخضع لرقابة مراقب الحسابات.
وفي نفس السّياق، كلّف المشرّع مراقب الحسابات بالقيام بالأبحاث اللاّزمة وإعداد تقرير للغرض، في حالة قيام الشّركة ببعض العمليّات القانونيّة والّتي من شأنها الإضرار بحقوق الشّركاء والغير( ) من ذلك عمليّة الزّيادة في رأس المال مع حذف حقّ الأفضليّة في الاكتتاب( ). كذلك الزيادة في رأس المال عن طريق إصدار رقاع قابلة للتّحويل إلى أسهم( ) أو على العكس التّخفيض في رأس مال الشّركة الّتي بلغت الخسائر نصف أموالها الذاتيّة( ). وتمتدّ مهمّة مراقب الحسابات إلى رقابة العمليّات أو إلى الاتفاقات الّتي ترمي إلى اندماج أو انقسام الشّركات أو تحوّل شكل الشّركة.
ومن زاوية أخرى، أناط المشرّع مراقب الحسابات بمسؤوليّة إشعار وكيل الجمهوريّة بما يبلغ إلى علمه من أفعال مكوّنة لجرائم دون أن يترتّب عن ذلك أيّ مسؤوليّة من أجل إفشاء السرّ المهني( ).
وفي الأخير، وليس آخرا، يجب على مراقب الحسابات أن يقوم بإجراء الإشعار ببوادر الصّعوبات الاقتصاديّة عندما يتفطّن إلى أنّ الخسائر بلغت نصف رأس مال الشّركة، إنّ هذه المهمّة منصوص عليها بالقانون عدد 95-34، الخاص بإنقاذ المؤسّسات( ) والّتي لم يقع إدراجها بمجلّة الشّركات التجاريّة.
إنّ دور مراقب الحسابات في مراقبة سير الشّركة خفيّة الاسم ما فتئ يتأكّد ويتّضح كلّما تقدّمنا في هذا البحث، وتتمثّل مهمّة هذه المؤسّسة القارّة في الحفاظ على حسن سير نشاط الشّركة، مّما يفترض قيامها وولادتها على السّاحة القانونيّة، وهو الدّور الأساسي واللّصيق بمنظومة الحسابيّات بصفة عامّة، فلا رقابة دون نشاط وسير معاملات الشّركة.
غير أنّه وحرصا منه على توفير الضّمانات الكافية والممكنة لحسن سير الشّركة خفيّة الاسم، كان لا بدّ على المشرّع أن يضمن
أوّلا الظّروف القانونيّة والواقعيّة الملائمة لتأسيس الشّركة وفقا للأحكام الواجب احترامها، إذ أنّه لا مجال للحديث عن نشاط موفّق وقانوني، إذا كانت النّشأة مبنيّة على أسس مغلوطة وخارقة للقواعد الجاري بها العمل في ميدان الشّركات التجاريّة عموما والشّركة خفيّة الاسم خصوصا.
ولهذا الغرض، أسند المشرّع لمراقب الحسابات من خلال الفقرة 1 من الفصل 258 م.ش.ت مهمّة مراقبة تأسيس الشّركة خفيّة الاسم، فإن كان ذلك من الغرابة، فإنّه بغرض النّجاعة.
الفصل الثاني : التشريع الجديد للشركة خفيّة الاسم وتدعيم دور مراقب الحسابات
لقد أسند المشرّع إلى مراقب الحسابات مهمّة مراقبة تأسيس الشّركة خفيّة الاسم وهي من أهمّ وأخطر المراحل في حياة الشّركة( ).
وبالرّجوع إلى الفصل 258 م.ش.ت والفصل من 12 إلى 16 من نفس المجلّة، نجد وأنّ مراقب الحسابات مكلّف بالسّهر على احترام أحكام التّأسيس (الفقرة الأولى) وهو ما يولي لهذا الجهاز دورا أكبر وأهمّ ألا وهو حماية الشّركة خفيّة الاسم كمؤسّسة اقتصاديّة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : السّهر على احترام أحكام تأسيس الشركة خفيّة الاسم :
بالرّجوع إلى أحكام الفصول المنصوص عليها بالفصل 258 م.ش.ت، تتحدّد مسؤوليّة مراقب الحسابات لتنصبّ من ناحية على السّهر على منع الشّركة خفيّة الاسم من إصدار السّندات (أ) ومن ناحية أخرى على مراقبة احترام إجراءات تسجيل وإشهار الشّركة (ب).
أ- مراقب الحسابات وجرائم الإصدار :
بالنّسبة لهذه المهمّة الأولى، فهي مناط الفصل 12 م. ش. ت، والذي يحجّر على الشركات، بما فيها الشركة خفيّة الاسم، التّي لم تحرّر رأس مالها بكامله إصدار سندات ديون.
يعتبر هذا التّحجير في مرحلة التأسيس، مواصلة في السياسة الحمائيّة للشركة خفيّة الاسم( )، وذلك بضمان تكوينها تكوينا سليما ومؤسّسا على مبدأ النّزاهة، لذلك فإنّ إصدار سندات الدّين لا يعتبر جريمة في حدّ ذاته إلاّ بتوفّر شرط عدم تحرير كامل لرأس مال الشركة.
إنّ الغاية من وضع هذا الشّرط، هي تجنيب الشركة تحمّل أعباء ديون هي لا قدرة لها على تسديدها، وخاصّة حماية حقّ الغير الذي يتعامل معها والذي يعتقد في صحّة رأس مالها، إذ أنّ هذا الأخير هو ضمانهم الوحيد والأكيد في حالة عسر الشركة( ).
إلاّ أنّ هذا الحجر يزول إذا ما كان المبلغ المتحصّل عليه بموجبه مخصّصا لخلاص مقدار القيمة الاسميّة لقروض سابقة بذمّتها ما زالت باقية في التّداول( ).
إنّ ما تجدر ملاحظته في خصوص هذا النصّ، هو أنّه يفترض ضمنيّا وجود الشركة قبلا ممّا يعني مباشرة نشاطها، وهو ما نستشفّه من خلال عبارات « قروض سابقة» « باقية في التداول»، فيكون بالتّالي دور مراقب الحسابات في السّهر على الزيادة في رأس المال أثناء سير السير ولا في مرحلة التأسيس.
ونطرح التّساؤل في هذا الإطار، عن جدوى تضمين هذا الفصل في هذا الباب، عوضا عن التّنصيص عليه ضمن الباب المخصّص لمراقب الحسابات، باعتبار وأنّه يدخل في إطار مهمّته الأصليّة ألا وهي مراقبة سير الشركة خفيّة الاسم؟
لقد نصّ الفصل 12 على أنّه « يحجّر على الشّركات، وبالرّبط مع أحكام الفصل 258 م.ش.ت والتّي ينصّ على « أنّ مراقب الحسابات يسهر على احترام الأحكام الواردة بالفصل المذكور»، نتساءل عن طبيعة هذه المهمّة وتحديد نطاقها( ) ويمكن أن نطرح السّؤال بطريقة أخرى، هو هل أنّ لمراقب الحسابات السلطة اللاّزمة ليستطيع منع الشركة من القيام بإصدار مثل تلك السندات، خاصّة وأنّ المشرّع وإن حجّر هذا الفعل، فإنّه لم ينصّ على أيّة عقوبة في حالة ارتكابها، مثل ما نصّ عليه مثلا في حالة جريمة الفصل 183 م.ش.ت. فهل نكتفي هنا بتطبيق أحكام الفصل 258 م.ش.ت. بحيث لا يصبح على مراقب الحسابات إلاّ إعلام الجلسة العامّة لكلّ خرق لهذه الأحكام؟
إنّ من شأن الحدّ من مسؤوليّة مراقب الحسابات في إطار الفصل 258، أن يفرغ دور هذا الجهاز من كلّ معنى وجدوى، وبالتّالي يصبح اللّجوء إلى أحكام الفصلين 270 و 271 ضروريّا حيث يكون على مراقب الحسابات إعلام وكيل الجمهوريّة بما يبلغ إلى علمه من أفعال مكوّنة لجرائم دون أن يترتّب عن ذلك أيّة مسؤوليّة من أجل إفشاء السرّ المهني.
لكن، هل المقصود في إطار واجب الإعلام كلّ المخالفات والجرائم دون حصر ؟ فكيف لمراقب الحسابات أن يكيّف الفعل المرتكب بأنّه جريمة في حين أنّ المشرّع لم يخصّص له أيّ نوع من جزاء، فما فائدة التّجريم بدون عقاب ؟ وهو حالة إصدار سندات دين لشركة لم تحرّر رأس مالها بكامله.
كما يثير واجب الإعلام هذا سؤالا لا يقلّ أهميّة، ألا وهو هل أنّ مراقب الحسابات مجبر على التثبّت من توفّر الرّكن المعنوي من عدمه لدى الفاعل حتّى يتولّى الإعلام عنه ؟ خاصّة وانّ المشرّع منحه سلطة واسعة من خلال « السّهر على احترام الأحكام» الواجب إتباعها.
غير أنّ هذه الثّغرات يمكن البحث عن حلّ تلافيها، من خلال النّصوص المنظّمة لمراقب الحسابات و خاصّة الأمر المتعلّق بالإطار المرجعي للمحاسبة و يتحتّم البحث من جهة أخرى في تعدّد أجهزة الرّقابة على الشّركة خفيّة الاسم.
لقد وسّع المشرّع في نطاق مهام أجهزة الرّقابة بغاية سدّ المنافذ التّي يمكن أن تكون سببا في عدم الكشف عن الجرائم والتّي من شأنها أن تحدث بمناسبة تأسيس الشركة، ويمكن أن نخصّ بالذّكر في هذا الإطار دور قاضي السجّل التّجاري وهيئة السّوق الماليّة و كذلك إحداث اللجنة الدائمة للتدقيق.
بالنّسبة لهيئة السوق المالية، نصّ الفصل 23 من القانون عدد 117 لسنة 1994 المتعلّق بإعادة تنظيم السّوق الماليّة على أنّه « تكلّف هيئة السّوق الماليّة بالسّهر على حماية الادخار المستثمر في الأوراق المالية القابلة للتّداول بالبورصة، وفي كلّ توظيف للأموال، يتمّ عن طريق المساهمة العامّة».
إنّ ما تسيطر عليه هيئة السّوق الماليّة من وثائق محاسبية كالقوائم الماليّة وتقارير مراقبي الحسابات، يسمح لها بأنّ تكتشف كلّ انحراف مالي غير أنّ الرّقابة التّي تجريها هيئة السّوق الماليّة لا تهدف فقط إلى الكشف عن جرائم البورصة كجرائم استغلال المعلومات الممتازة أو جرائم ترويج المعلومات الزائفة التّي ترمي إلى حماية تأسيس الشركة وإنّما يمكن لهيئة السّوق الماليّة بمناسبة إجراء رقابتها على هذا الكمّ الهائل من الوثائق الماليّة المتوفّر لها أن تكشف عن جرائم أخرى كتوزيع أرباح صوريّة أو سوء استعمال مكاسب الشركة( ).
و تدعّم هذا الدور الرقابي الذي يرتكز على التعاون بين مراقب الحسابات و هيئة السوق المالية، و ذلك بإعادة تنظيم واجبات الإفصاح المحمولة على شركات المساهمة العامة و المساهمين في رأس مالها و الشركات المدرجة بالبورصة طبقا لما جاء بالفصل 3 جديد و الفصل 3 (خامسا) المضمّن بقانون البورصة المنقح في 2005 من خلال قانون سلامة العلاقات المالية.
تعتبر هذه الرّقابة وسيلة وقائيّة هامّة( ) وذلك بفضل التدخّل السّريع الذي تقوم به الهيئة والذي قد يؤدّي إلى إنهاء الحالة الإجراميّة دون حاجة للقيام بتتبّعات قضائيّة. و تتأكّد أهميّة الرّقابة المجراة من طرف هيئة السّوق الماليّة بالنّظر إلى تركيبة الهيئة التّي تتّسم بتنوّع الاختصاصات من سلك قضائي ومالي ومحاسبي (الفصل 25) قادر على كشف كلّ انحراف وهذا ما يبرز الدّور المرن لمراقب الحسابات بحيث يعمل بالتّعاون والتناسق مع عدّة أجهزة أخرى قانونيّة، تجعله يحتلّ مكانة قانونيّة هامّة.
كما أنّ إضافة رقابة البنك المركزي من شأنها أن تدعم هيكلة الرقابة بما يتماشى و الأبعاد الاقتصادية للمشرع( ).
أمّا في خصوص قاضي السجّل التجاري، وهو الجهاز الآخر المكلّف برقابة تأسيس الشركة خفيّة الاسم، فهو يحيلنا للحديث عن إشهار الشركة ودور مراقب الحسابات في ذلك.
ب- مراقب الحسابات ومراقبة تسجيل وإشهار الشركة خفيّة الاسم :
لقد جاء العنوان الثاني في الكتاب الأوّل من مجلّة الشركات بأحكام وشكليّات التّسجيل والإشهار وهي تلك الواردة بالفصول 14 إلى 16، ولقد منح المشرّع لمراقب الحسابات مهمّة مراقبة احترام هذه الإجراءات.
لإمكانيّة الخوض في تحديد دور مراقب الحسابات في هذا المجال، يتحتّم أوّلا تحديد مناط الإشهار.
تنقسم الأحكام الواردة تحت ذلك العنوان إلى جزئين، أحدهما متعلّق بالتّسجيل والآخر بالإشهار، وذلك رجوعا إلى عنونة العنوان الثاني. إلاّ أنّ الفصول 15 و16 لم تتعرّض إلاّ لمصطلح الإشهار أمّا بالنّسبة لمصطلح التّسجيل فقد ورد بلا عنوان واستغنى عنه المشرّع مستبدلا إيّاه بمصطلح الترسيم و«الإيداع »، فإذا واصلنا في هذا الاتّجاه التفسيري، فإنّه يمكن القول بأنّ مناط مراقبة مراقب الحسابات هو عدم احترام إجراءات الإشهار من طرف المسؤولين على ذلك بمعزل عن إجراءات التّسجيل، إذ لا بدّ من التمييز بين الإشهار والتسجيل.
لقد قصد المشرّع بإجراءات الإشهار « الإجراء الّذي يقع من خلاله إعلام العموم من خلال الرّائد الرّسمي للجمهوريّة التونسيّة وجريدتين يوميّتين إحدهما صادرة باللغة العربيّة »( ).
أمّا بالنّسبة للتّسجيل فقصد به المشرّع الترسيم بالسجّل التجاري وذلك بإيداع العقد التأسيسي للشّركة أو الأعمال والمداولات المنصوص عليها بالفصل 16، ولقد حدّد أجل شهر للقيام بالتّرسيم بداية من تأسيس الشركة وتلك حسب ما ورد بالفصل 14 في حين أنّ الفصل 16( ) حدّد نفس الأجل للقيام بإجراءات الإشهار.
إلاّ أنّ هناك من يعتبر أنّ الترسيم بالسجّل التجاري، إنّما هو شكل من أشكال الإشهار بمفهومه الضيق خاصّة وأنّ الفصل 20 ورد فيه وأنّه « زيادة عن المقتضيات الواردة بالفصول 14 و18 و19 من هذه المجلّة يترتّب عن عدم احترام إجراءات الإشهار »( )، وبالتّالي فإنّ أحكام الفصل 20 تنطبق ممّا يقودنا إلى القول بأنّ الفصل 14 الّذي تضمّن أحكام التسجيل وقع جمعه في نفس الإطار مع مقتضيات الفصل 15 الخاص بالإشهار، ممّا يدعو إلى التّساؤل، هل أنّ المشرّع قصد في كلتا الحالتين نفس الإجراءات ؟ وهو ما يتعارض مع القاعدة التأويليّة التّي مفادها أنّ المشرّع لا يبرّر نفسه.
ومن ناحية أخرى، فإنّه بالرّجوع إلى الفصل 17، نقع في نفس التّساؤل إذ أنّه تضمّن عقوبة مدنيّة تتمثّل في بطلان الشّركة في حالة عدم احترام شكليّات الإشهار المشار إليها بالفصول السابقة أي 14 و15 و 16 م.ش.ت.
إلاّ أنّه رغم هذا الغموض في تبويب النّصوص المذكورة، فلقد ذهب الفقه إلى ضرورة التّفريق بين إجراء التّسجيل وإجراء الإشهار، فيكون مجال الفصل 14 هو الترسيم بالسجل التجاري والخاضع لقانون السجل التجاري والنصوص الواردة بم.ش.ت والخاصّة بجزاء الإخلال لإجراءات الترسيم، في حين تخضع إجراءات الإشهار الواردة بالفصول 15 و16 إلى أحكام المجلّة المضمّنة بها، وتكون بالتّالي مهمّة مراقب الحسابات مراقبة احترام إجراءات التّرسيم بالسجّل التجاري من ناحية وإجراءات الإشهار من ناحية أخرى.
إنّ صياغة هذه الفصول، لئن أحدث جدلا كبيرا وإشكالات وتساؤلات في صفوف رجال القانون، فكيف إذن بوضعيّة مراقب الحسابات إزاء هذا الغموض؟ خاصّة وأنّه سيجري رقابة على كلّ الأعمال الملتصقة بالتّرسيم( ) والإشهار.
فهل أنّ لمراقب الحسابات الزّاد القانوني الكافي حتّى يقوم بتلك المهمّة على أحسن وجه ؟ فهو مطالب بالسّهر على احترام تلك الإجراءات وتحت مسؤوليّته.
بالرّجوع إلى الفصول 15 و 16، يتبيّن أنّ الإخلالات الواجب عليه مراقبتها تخصّ الآجال من جهة والوثائق اللازمة وكذلك كيفيّة الإشهار من جهة ثانية.
وتشتدّ صعوبة مهمّة مراقب الحسابات في هذا المجال، بالرّجوع إلى أحكام قانون السجّل التجاري، إذ أنّ هذا الأخير يعهد إلى قاضي السجّل التجاري( ) مهمّة رقابة التّرسيم بالسجّل التجاري، فهل أنّ المشرّع أرسى اتّحادا وظيفيّا بين مراقب الحسابات والقاضي المختصّ ؟
في خصوص قانون السجّل التجاري، فإنّه أقرّ جهاز مراقبة قانونيّة متمثّلة في قاضي السجّل التجاري وهو مكلّف بمراقبة أصليّة للسجّل التجاري بالمحكمة الابتدائيّة وقد نصّ المشرّع على أنّه يمكن له أن يتفطّن بنفسه إلى جرائم عدم التسجيل أثناء قيامه بعمليّة المراقبة العاديّة للسجّل أو إذا أحال له كاتب المحكمة أمرا في خصوص التّسجيل( ).
كما يمكن أن ينظر قاضي السجّل التجاري في إجراءات التسجيل بطلب من النّيابة العموميّة أو من كلّ شخص له مصلحة أن يصدر قرارا يلزمها بذلك.
لحلّ هذا الإشكال، يمكن اعتبار أنّ أصل التكليف موكول للرّقابة الخارجيّة المجسّدة في قاضي السّجل التجاري لاختصاصه في الميدان، وهي رقابة أوليّة، وتكون بالتّالي مهمّة مراقب الحسابات تبعيّة أو بالأدقّ مكمّلة في حالة السّهو مثلا و يمكـن استنتاج هذا التعاون من خلال تضمين الأحكام الجديدة المنقحة للسجل التجاري و الخاصة ”بتفعيل هذه المنظومة ” في إطار نفس القانون المنقح لبعض أحكام مجلة الشركات التجارية و كذلك قانون البورصة. و هذا من شأنه أن يؤكّد ترابط هذه الميادين ببعضها و التي أضفى عليها المشرع اسم ”سلامة العلاقات المالية”، فهذه التسمية في حدّ ذاتها معبرة عن أهداف المشرع الاقتصادية و التي يرمي إلى حمايتها عبر رقابة مراقب الحسابات للشركة خفية الاسم و خاصة منها ذات المساهمة العامة.
وهكذا، يعكس إدماج مراقب الحسابات في سياسة حماية تأسيس الشركات، الأهميّة البالغة الّتي يوليها المشرّع إلى تلك المؤسّسة الرقابيّة إلى حدّ اعتباره على حدّ أحد الفقهاء « كعين للدّولة » في إطار حماية الشركة خفيّة الاسم باعتبارها مؤسّسة اقتصاديّة هامّة.
الفقرة الثانية : مراقب الحسابات وحماية الشركة خفيّة الاسم « كمؤسّسة اقتصاديّة»
تحتلّ الشركات التجاريّة أهميّة كبرى في الدّورة الاقتصاديّة ممّا يفسّر اعتناء جلّ المشّرعين بتنظيم تكوينها وضبط قواعد سيرها وتحديد مسؤوليّات مسيّريها.
وكما يقول الأستاذ توفيق بن نصر، « إنّ الشّركات التجاريّة هي أحسن أداة لتوفير الثّروات وإيجاد مواطن شغل …فهي أقوم إطار للتّعامل لما فيها من ضمانات للشّركاء والغير المتعامل معها»( ).
إنّ هذا القول له اليوم ما يبرّره خاصّة وأنّ السياسة الاقتصاديّة قائمة على اعتماد الاقتصاد الوطني على هذه الشركات من أجل دفع نسق النموّ وتأمين الاندماج السّريع والفعّال في اقتصاد السّوق.
واقتصاد السّوق ولئن اتّسم بطغيان المبادرة الفرديّة وانسحاب الدّولة التّدريجي عبر تصفية القطاع العام فإنّ ذلك لا يعني انعدام أيّ دور للدّولة بل حافظت هذه الأخيرة على دورها الحمائي والتّوجيهي وذلك عبر إيجاد محيط تشريعي متكامل يعتني بهذه الشّركات في مختلف مراحلها.
وهو ما يمكن أن يمثّل تفسيرا أو رفعا لغرابة التدخّل الواسع لمراقب الحسابات في حياة الشّركة خفيّة الاسم سواء في مرحلة السير وهي المهمّة الأصليّة له، أو سواء في مرحلة التأسيس وفي الاتفاقات الخاصّة بمرحلة التّصفية والانحلال( ) فالمعاملات التجاريّة تتّسم غالبا بالتحرّر المبالغ فيه ممّا يبرّر ضرورة معالجة لبعض التجاوزات في القانون الجنائي لما له من طبيعة : قهريّة وردعيّة.
وبالتّالي، فإنّ تدخّل الدّولة هنا من خلال التّشريع بمختلف فروعه أمر ضروري لحماية القطاع التجاري عموما وتحقيق حسن سير الشركات التجاريّة بصفة أخصّ.
وإذا كانت الشركة تعدّ عقدا « يتّفق بمقتضاه شخصان أو أكثر على تجميع مساهماتهم قصد اقتسام الأرباح أو الانتفاع بما قد يحصل من نشاط الشّركة من اقتصاد »( ) ، فإنّ هذا العقد يمثّل في الواقع أداة أساسيّة لتحقيق الحاجيات الاقتصاديّة إذ أنّ نظامه يتأثّر حتما بالسّياسة الاقتصاديّة والقانونيّة الّتي تسطّرها الدّولة. وبذلك تصبح الشّركة خفية الاسم آليّة قانونيّة بين أيدي « السّلط العموميّة » لتحقيق أهداف وطنيّة، اقتصاديّة، واجتماعيّة( ) ، ولم تعد الشّركة بأي حال من الأحوال ملكا خاصّا للشّركاء( ) ولضمان هذه الخليّة، أعطى المشرّع لمراقب الحسابات دورا مهمّا على مستوى رقابة سير وتأسيس الشركة خفيّة الاسم.
فإذا رجعنا إلى القصد من إرساء نظام الإشهار، سيتّضح حتما وبأكثر سهولة، خطورة الدّور الّذي يلعبه مراقب الحسابات في حماية الدّورة الاقتصاديّة إذا لم نقل النّظام العام الاقتصادي.
إنّ مفهوم الإشهار في القانون التّجاري، كان مرتبطا أساسا بالشّركات والتصرّفات القانونيّة المتعلّقة بها، لذلك يكون الإخلال بإجراءات الإشهار بمثابة الاعتداء على الحقوق الشخصيّة أي حقوق الغير والإضرار بمصالحهم وبالاقتصاد عموما.
ومن شأن هذه الرّقابة المجسّدة في مؤسّسة مراقب الحسابات أن تمكّننا من الوقوف على عديد الجرائم والّتي أقرّ لها المشرّع عقوبات صارمة سواء كانت مدنيّة أو جزائيّة، والّتي تهدف في الحقيقة بالإضافة إلى ردع السّلوك الإجرامي، إلى الدّفع خاصّة إلى إتمام الإجراءات اللازمة وبالتّالي حماية الشّركة من نتائج جزاء البطلان المنصوص عليه بالفصل 17 م.ش.ت لارتباطها الوطيد بالنّظام العام الاقتصادي( ).
لذا، فإنّ الشّركة خفيّة الاسم أصيح المشرّع يرصدها كعنصر فعّال في الاقتصاد، وتكليف مراقب الحسابات بمراقبتها وبالتّالي حمايتها يعكس توجّه المشرّع في اعتبار جهاز مراقب الحسابات «كوسيلة قانونيّة » لتوجيه الاقتصاد، فيكون مراقب الحسابات كآليّة تأثير( ) بجانب عدّة آليّات أخرى مثل القانون الجبائي، أو حتّى القانون الجنائي.
وإذا كانت مصلحة الشّركة مرتبطة بمصلحة الشركاء، فإنّ الوجه الجديد للنّظام العام الاقتصادي يفرض علينا أن نقرّ بأنّ مصلحة الشّركاء أصبحت مرتبطة هي أيضا وأساسا بمصلحة الشّركة بمعناه الواسع( ). فمراقب الحسابات يكون بالتّالي مكلّفا بتحقيق المصلحة الجماعيّة للشّركاء وضمنيّا بحماية القواعد الأساسيّة المسيّرة للشّركة خفية الاسم، كهدف الشّركة، المساواة بين الشركاء،…
فتوخّى المشرّع سياسة تشريعيّة حمائيّة، تتّسم خاصّة بالمرونة من ذلك إرساؤه لإمكانيّة «التسوية» في حالة تأسيس الشّركة خفيّة الاسم دون احترام بعض الإجراءات.
إنّ الهدف من إقرار نظام التّسوية بصفة عامّة في السّياسة التشريعيّة الجديدة للشّركات( ) هو بالأساس الحفاظ على سير المؤسّسة الاقتصاديّة في شكل الشّركة خفيّة الاسم، وتوفير فرص استمراريّتها، نظرا للدّور الفعّال والخطير الّذي تلعبه في تطعيم الدّورة الاقتصاديّة للبلاد.
وبالتّالي يكون إدماج مراقب الحسابات كجهاز أو مؤسّسة قانونيّة في خضمّ هذه السياسة التشريعيّة الحمائيّة، يزيد في الأهميّة القانونيّة والواقعيّة له و خاصّة بالنظر إلى تنوع مستعملي القوائم المالية و التي تمثل الوسيلة الأساسية لتبليغ المعلومة المالية إليهم حتى يتمكنوا من أخذ القرارات الاقتصادية المتماشية مع مصالحهم( ).
إنّ هذه المسؤوليّة الجسيمة الّتي حمّلها المشرّع إلى مراقب الحسابات، عزّزها بحماية جزائيّة مشدّدة حتّى يكون لمهمّة هذا الجهاز جدوى عمليّة، يصل بها إلى الحدّ من محاولات التلاعب والتحايل في حسابات الشّركة أو في تأسيس الشّركة الخفيّة خلافا للصّيغ القانونيّة وذلك بغرض حماية كلّ الأطراف المتعلّقة بنشأة الشّركة.
وتماشيا مع متطلّبات النّظام العام الاقتصادي، فلقد نصّ المشرّع على مسؤوليّة مدنيّة و جزائية تجاه القائمين بالأفعال المخلّة بنشأة ونشاط الشّركة.
فهل نجح المشرّع في الوصول إلى غاية حماية الشّركة حين نظّم مسؤوليّة مراقب الحسابات تجاهها ؟
الجزء الثاني :نظــام المسؤوليّــة بين مراقب الحسابات والشركــة خفيّة الاسـم
لقد أولى المشرّع اهتماما خاصّا بالمعلومة في إطار رقابة سير الشركة خفيّة الاسم. فحرص على ضمان نزاهتها وشفافيتها لما لها من تأثير على الاختيارات والتوجّهات الماليّة لهذه الخليّة وعلى الاقتصاد عموما، ويبرز هذا الحرص من خلال إقرار مسؤوليّة جزائيّة مشدّدة تجاه مراقب الحسابات ( الفصل الأوّل).
وإن كانت المسؤوليّة الجزائيّة هي الغالبة على أحكام المجلّة التجاريّة وعلى القوانين الخاصّة بهذا الميدان والمتّصلة بميدان رقابة الشركة خفيّة الاسم، فإنّ القانون الجنائي الاقتصادي، أخذا منه بخصوصيّة طبيعة مهمّة هذا الجهاز الرّقابي، رتّب مسؤوليّة مدنيّة تجاهه.
غير أنّه ونظرا للمسؤوليّة الجسيمة التّي يتحمّلها مراقب الحسابات فإنّ التّساؤل يطرح نفسه عن مدى توفير الضمانات الكافية حين تعامله مع الشركة خفيّة الاسم، ممّا يحيلنا للحديث عن مدى إمكانيّة إرساء مسؤوليّة مدنيّة عن فعل الغير تجاه مراقب الحسابات، خاصّة في غياب نصّ تجريمي إزاء الأفعال الصادرة عن الغير والمضرّة به. وبالتالي، تكون دراسة نطاق المسؤوليّة المدنيّة من خلال رقابة الشركة خفيّة الاسم، هي من الأهميّة بمكان ( الفصل الثاني).
الفصل الأوّل : إقرار المسؤوليّة الجزائيّة تجاه مراقب الحسابات :
إنّ الحديث عن المسؤوليّة الجزائيّة لمراقب الحسابات، يؤول بنا حتما إلى التطرّق إلى صرامة هذه المسؤوليّة النّاتجة عن الأفعال الصادرة عنه ( الفقرة الأولى)، غير أنّ المهمّة الموكولة لمراقب الحسابات بالسّهر على احترام أحكام بعض إجراءات التأسيس على معنى الفصل 258 م. ش. ت، تحيلنا إلى البحث في مدى إقرار مسؤوليّة جزائيّة له عن أفعال الغير ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : صرامة المسؤوليّة الجزائيّة لمراقب الحسابات
أخصّ المشرّع حماية جزائيّة مشدّدة ” للمعلومة” فرتّب جريمة خاصّة بصحّة المعلومة (أ)، مدعّما إيّاها بجريمة متعلّقة بنشر المعلومة (ب)، غير أنّه أقرّ عقوبة واحدة لكلتا الجريمتين، يتّجه البحث في نجاعتها وواقعيتها (ج).
أ- المسؤوليّة الناتجة عن الجرائم المتعلّقة بصحّة المعلومة :
إنّ المهمّة الأساسيّة لمراقب الحسابات هي دون شكّ مراقبة محاسباتية إذ ينصّ الفصل 266 م.ش. ت على أنّه، « على مراقب الحسابات مراجعة الدفاتر والخزانة والأوراق التجاريّة أو القيم المالية للشركة ومراقبة صحّة وصدق الإحصاءات والموازنات والتحقّق من صحّة المعلومات التّي تضمنها تقرير مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعيّة عن حسابات الشركة».
لقد أوكل المشرّع إلى مراقب الحسابات مهمّة حسابيّة تقنيّة صرفة بحيث لا يمكنه التدخل في التصرّف ولا انتقاده( ) ، غير أن الفقرة الثانية من الفصل 269 جاءت لتلزمه بالمصادقة أو عدم المصادقة على الحسابات وقد وقع انتقاد هذه الصلاحيّة من طرف العديد من الفقهاء معتبرين وأنّ هذه المهمّة موكولة إلى الجمعيّة العامّة مع أنّه متّفق عليه عالميّا بمهنة المراجعة، وأنّ المراقب يدلي برأيه في ما يخصّ مصداقيّة القوائم ومدى مطابقتها للمعايير المحاسبية دون التدخّل في التصرّف الذي يبقى راجعا إلى هياكل الإدارة. (فصل 266)( ).
إلاّ أنّه يمكن القول بأنّ مراقب الحسابات، بإبداء رأيه حول القوائم الماليّة السّنوية، يصبح مزوّدا ولا مستعملا للمعلومة المالية( )، فيضفي عليها الثقة اللاّزمة عند أخذ القرار و بذلك يطمئّن المساهم، معتقدا في صدق و سلامة الأرقام المالية التي تحت أنظاره و غالبا، إن لم نقل دائما، يقوم باعتمادها في مجملها سواء كانت تلك القوائم سنوية أو نصف سنوية ( الفصل 11 من قانون البورصة).
وبالتالي و نظرا للدور الخطير والحسّاس الذي أنيط بعهدة مراقب الحسابات سعى المشرع لتجريم أبسط الإخلالات من طرف المراقب إذ نصّت م. ش. ت. في الفصل 271 على أنّه « يعاقب بالسّجن من عام واحد إلى خمسة أعوام وبخطيّة من ألف ومائتين إلى خمسة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل مراقب حسابات يتعمّد إعطاء أو تأييد معلومات كاذبة عن حالة الشركة…».
فنحن هنا أمام جريمتين ” جريمة إعطاء” (1) و “جريمة تأييد” معلومات كاذبة عن حالة الشركة (2).
1- إعطاء بيانات مغلوطة عن وضعيّة الشركة :
في هذه الصّورة، يكون مراقب الحسابات الفاعل الأصلي والمكوّن للجريمة، إذ يعمد إلى خلق بيانات مغلوطة وذلك بوضع موازنات غير صحيحة أو جداول مزيّفة أو أي كتابة محاسبية غير مطابقة للواقع، وهذه الأفعال قد توهم بتحقّق أرباح أو أنّ الشركة في حالة انتعاش والحال أنّها في وضعيّة إفلاس أو تكاد تكون.
ويقصد بالبيانات المغلوطة هي كلّ الحسابات المتعلّقة بسير عمل الشركة والتّي تعطى للغير صورة غير حقيقيّة عن واقعها الحالي ومركزها التجاري في السّوق وهو ما يضرّ بالشّركاء بل وحتّى المتعاملين مع الشركة في حالة اتّضح معها فيما بعد وأن البيانات المقدّمة مغلوطة في حين أن المراهنة التجاريّة تقوم أساسا بناء على هذه المعلومات.
ونلاحظ أنّه قد تمّ استعمال لفظ ” تعمد” في الفصل 271 م. ش .ت. وهو ما يدلّ على أن هذه الجريمة ليست مادّية وإنّما هي جريمة قصديّة تفترض سوء النيّة أي علم مراقب الحسابات بالطبيعة الخاطئة للبيانات المعطاة. وقد ذهب جانب من الفقه إلى أنّه غير ضروري البحث عن هدف مرتكب الجريمة فالعبرة بالقصد الجنائي والذي يتمثّل في اتّجاه إرادة الجاني إلى وضع بيانات غير صحيحة مع العلم بعدم صحّتها( ).
ومن ناحية أخرى، اعتبر جانب آخر من الفقهاء أنّه لا يشفع التعذر بالخطأ للتّفصّي من الجريمة لأنّ مراقب الحسابات، باعتباره هيئة رقابة قانونيّة على حسن سير عمل الشركة وبحكم تكوينه، لا يعذر عليه بالخطأ خاصّة وأن وجوده بهذه الصفة هو منع وجود الخطأ ومنع وجود الكذب في البيانات المقدّمة، وبالتالي فإنّ مجرّد إنشاء البيانات الكاذبة يكوّن هذه الجريمة دون حاجة إلى إثبات عنصر العمد في إحداثه( ).
2- تأييد بيانات كاذبة :
إن أوّل الالتزامات التّي تقع على عاتق مراقب الحسابات هي دقّة مراقبة حسابات الشركة والوثائق المثبتة لها من بيانات وموازنات وجداول وكلّ الكتابات المحاسبية والمالية للشركة وعليه أن يرفض المصادقة على كل بيان من هذه البيانات إذ تبيّن له تزييفها وعدم مطابقتها للأصل، فإن تولّى المصادقة رغم ذلك، فإنّه يكون قد ارتكب جريمة المصادقة على بيانات مزيّفة وهي جريمة تقوم بمجرّد إمضاء مراقب الحسابات عليها، إذ هو بهذا الفعل، يساعد على خداع الشركاء والمتعاملين مع الشركة لأنّ هؤلاء ليس لهم من رقيب مباشر على حسن سير عمل وإدارة الشركة سوى هذا المراقب باعتباره هيئة مراقبة قانونيّة. كما أنّه ملزم بإعلام الشركاء بكل ما يكشف عن تزييف ومغالطة في البيانات المحاسبية التّي يقدّمها إليه مسيرو الشركة فضلا عن وضع كلّ البيانات تحت تصرّفهم للاطلاع عليها لكشف الوضعيّة الحقيقيّة للشركة، إذ عادة ما يقع إعداد هذه البيانات من طرف سلطة الإشراف الإداري للشركة ثمّ يقع عرضها على مراقب الحسابات ويكون هذا الأخير ملزما إمّا بتزكيتها أو برفضها إن ظهر له أنّها تتوفّر فيها بيانات مزيّفة.
وقد ذهب قسم كبير من فقه القضاء والفقه الفرنسي إلى أنّ مجرّد إمضاء المراقب على هذه البيانات المزيّفة يثير مسؤوليّته الجزائيّة فهذه الجريمة حسب اعتبارهم، هي من الجرائم المادية التّي تقوم بمجرّد ارتكاب الفعل المادي المكوّن للجريمة دون حاجة إلى حصول النّتيجة الإجراميّة وهي مغالطة الشركاء والمتعاملين مع الشركة.
هذا واعتبر جانب آخر من رجال القانون وأنّ سكوت المراقب يعتبر أيضا تأييدا لعمل سلبي اطّلع عليه وذهب Pinoteau بالقول أنّه، « في بعض الحالات يمكن أن يمثل صمت مراقب الحسابات تأييدا لمعلومة أصدرها شخص آخر مثل مجلس الإدارة»( ). وقد اتّفق عموم الفقهاء على أنّ الجريمة قائمة سواء تعلّق الأمر بفعل إيجابي أو بفعل سلبي.
إلاّ أنّ الإشكال الذي يطرح هنا هو هل أن هذه البيانات التّي يقع إعدادها من طرف المسؤولين على تسيير إدارة الشركة وعند ثبوت زورها تشكّل جريمة في حقّ من أعدّها ؟
فهل يعتبر مراقب الحسابات شريكا أم فاعلا أصليّا في الجريمة الأصليّة التّي يرتكبها واضعي هذه البيانات ؟( )
في الواقع، إنّ الفصل 32 من المجلّة الجنائيّة التونسيّة جرّم فعل المشاركة وذلك بأيّ وسيلة تمكّن الجناة الأصليّون من الاستفادة من الجريمة أو عدم معاقبة مرتكبيها، ومراقب الحسابات بمصادقته على هذه البيانات المزوّرة يكون قد ساعد الفاعلين الأصليين على الاستفادة من جريمتهم.
إلاّ أنّ المشرّع اعتبر فعل المصادقة على هذه البيانات المكذوبة يشكّل جريمة مستقلّة لمراقب الحسابات وهي جريمة أصليّة.
و من ناحية أخرى، وحماية للمراقب وضمانا لنزاهة عمله، نصّت هيئة الخبراء المحاسبين على جملة من القواعد المهنيّة العرفية من بينها القاعدة عدد 6 التّي تلزم المراقب بتكوين ملفيّن لكلّ شركة مراقبة على أن يكون الأوّل دائما والثاني سنويّا( ).
ويشتمل الملفّ الدائم على الوثائق ذات الطابع الدائم أي التي تصاحب الشركة طيلة حياتها كالقانون الأساسي ومحاضر الجلسات لمجلس الإدارة والجمعيّة العامّة وكلّ وثيقة تتعلّق بهيكلة الشركة من النّاحية الإداريّة والماليّة والتجاريّة.
أمّا الملفّ السنوي، فيشتمل على برنامج المراقبة السنوية المتعلّق بالموازنات والحسابات، ولا شكّ في أنّه بهذين الملفيّن يتمكّن مراقب الحسابات من إثبات قيامه بالعناية اللاّزمة للمراجعة.
وقد رسّخ المشرّع هذا الإجراء الأخير بأن مكّن لجنة المراقبة المنبثقة عن هيئة الخبراء المحاسبين من حقّ الاطّلاع على هذين الملفين( ).
ومن ناحية أخرى وإضافة لما أوردته م. ش. ت من تجريم تأييد أو إعطاء مراقب الحسابات لبيانات كاذبة، تستوقفنا مجلّة الضريبة على الشركات التي تعدد في الفصل 82 مراقب الحسابات من ضمن الأشخاص المعنيين بالمؤاخذة إذ « يعاقب زيادة على سحب رخصة العمل بخطية تتراوح بين 500 و 10000 دينار أو بالسجن من 16 يوما إلى 5 سنوات، وكلاء الأعمال والمستشارون الجبائيّون والخبراء وكل الأشخاص الذين يتعاطون مهنة حرّة في مسك دفاتر المحاسبة أو للمساعدة على مسكها والذين تعمّدوا إعداد أو ساعدوا عمدا على إعداد حسابات ووثائق محاسبة مغلوطة قصد التنقيص من أساس الضريبة أو من الضريبة نفسها»( ).
وما يلاحظ هنا، هو أن المشرّع خصّ هؤلاء الأشخاص ومن بينهم مراقب الحسابات بنصّ مستقلّ، فاعتبرهم فاعلين أصليين وقد هدف المشرّع الجبائي من هذا النصّ إلى تجريم كلّ ما من شأنه المساس من حقّ الدولة والتصدّي لخزعبلات الحرفيين المختصّين في المحاسبة الذين يستغلّون خبرتهم وموقعهم للقيام بمثل هذه الجرائم.
ب- المسؤوليّة الناتجة عن الجرائم المتعلّقة بنشر المعلومة :
تنقسم هذه الجرائم إلى جرائم ناتجة عن واجب الإعلام وأخرى ناتجة عن واجب السكوت.
في خصوص النوع الأوّل من الجرائم، يعاقب الفصل 271 م.ش.ت كلّ مراقب حسابات لم يعلم وكيل الجمهوريّة بالجرائم الّتي بلغ له العلم بها ونلاحظ هنا، أنّ عبارة « الجرائم » جاءت مطلقة فيجب أخذها على إطلاقها لتشمل كلّ الجرائم الّتي تهمّ الشركة التجاريّة التي يعمل بها مهما كانت طبيعتها سواء كانت قمرقية أو صرفية أو تتعلّق بالأسعار وهذا ما أقرّّته الدائرة الجناحيّة بالمحكمة الابتدائيّة بتونس بصفة غير مباشرة في قرار 22/03/1981 (غير منشور)، وذلك بعدم رفضها الإعلام الّذي قام به مراقب الحسابات والموجّه لوكيل الجمهوريّة في خصوص جريمة سوء التصرّف ومخالفة قوانين الصرف وبذلك فهي مكّنته من إعلام وكيل الجمهوريّة بكلّ مخالفة للقوانين والتّراتيب، حتّى تلك الّتي لا تتعلّق مباشرة بمهمّته أو تلك التي يتسبّب عدم الإعلام بها في الإضرار بالشّركة والمساهمين والصالح العام( ).
ولكنّ هذا التوجّه التّشريعي الموسّع، تعرّض للنقد بمقولة أنّ الأفعال المجرّمة يجب حصرها في تلك التي تتعلّق بتكوين وسير الشركة، ذلك أنّ واجب الإعلام هو نتيجة لصيقة الواجبات المسندة للمراقب ودوره في الشّركة. ولكن هذا النقد لم يعد له جدوى مع تطوّر مؤسّسة مراقب الحسابات الّذي لم يعد مجرّد وكيل، عليه واجب تجاه موكله الّذي يستطيع في كلّ وقت أن يحدّد له ميدان تفتيشه، وإنّما أصبح عضوا ضمن مؤسسة الشّركة خفيّة الاسم ولا يمكن بذلك اعتبار علاقته بالمسيّرين علاقة تعاقديّة، وإنّما هي علاقة مؤسّساتيّة تفرض تدخّل القانون الجزائي، و في هذا السياق، نصّت القاعدة 10 المتعلّقة بإعلام مراقب الحسابات بالجرائم والصادرة عن هيئة الخبراء المحاسبين بتونس في أفريل 1987 في فصلها 2، على أنّه « لم تعد مهمّة المراقب حماية المساهمين بل أصبحت تشمل الأجراء والدّائنين وأصبح له مهمّة تمثيل المصلحة العامّة للشركة وتطوير المحيط الاقتصادي ». وهذا الاتجاه الموسّع للإعلام يتأكّد من خلال قانون 17/04/1995 المتعلّق بإنقاذ المؤسّسات الّتي تمرّ بصعوبات اقتصاديّة حيث يلزم المراقب باستفسار مسيريها كتابيّا عن كلّ ما يلاحظه بمناسبة قيامه من أعمال تهدّد استمرار نشاط المؤسّسة، وفي حالة استمرار نفس المخاطر يرفع تقريرا كتابيّا إلى لجنة متابعة المؤسّسات الاقتصاديّة( ).
ولقد أخذ القانون الفرنسي بهذا الاتّجاه الموسّع في الإعلام وذلك من خلال منشور 12 سبتمبر 1985 الصادر عن وزير العدل والمتعلّق بواجب إعلام النيابة العموميّة من قبل مراقب الحسابات بكلّ جرائم قانون 24 جويلية 1966 وكلّ الجرائم الّتي لها تأثير بالغ الأهميّة على حسابات الشّركة فلا يمكن إقصاء جرائم مجلّة الشّغل وقانون الضّمان الاجتماعي أو مجلّة الصحّة العموميّة. كما يشمل واجب الإعلام في فرنسا حتّى جريمة تبييض الأموال المتأتّية من تجارة المخدّرات فأصبحت مسؤوليّة مراقب الحسابات في القانون الفرنسي وعلى غراره التّونسي تتجاوز مجّرد حماية الشّركة والمساهمين لحماية الصالح العام( ).
ورغم أنّ هذه الجريمة تتمثّل في الإخلال بواجب إعلام النّيابة العموميّة، نلاحظ أنّ المشرّع عند تحديده للرّكن المادي لم يتعرّض لشكل الإعلام وتاريخه، ويمكن سدّ هذا الفراغ بالرّجوع إلى القاعدة 10 السابقة الذكر حيث أنّها تلزم المراقب بالكشف العادي دون التكييف القانوني الّذي يبقى من مهام وكيل الجمهوريّة حسب الفصل 19 من القاعدة. كما مكّن الفصل 39 من نفس القاعدة المراقب من تبادل الآراء مع النيابة العموميّة قبل الإعلام بالجرائم سواء كتابة أو شفاهة.
ويلزم الفصل 33 من القاعدة المذكورة بضرورة أن يكون الإعلام في أسرع وقت ممكن من تيقّنه بالطّبيعة المجرّمة للفعل ولا يجب أن تتعدّى المدّة الثلاث أسابيع وذلك لسببين، وهما إمكانيّة تعرّض المراقب لتأثيرات وضغوطات خارجيّة أو خشية اعتبار صمته إهمالا منه لواجبه، وفي كلّ الأحوال نصّ الفصل 34 من القاعدة على أنّه يجب أن يكون الإعلام قبل تاريخ إيداع تقريره السنوي أي قبل انعقاد الجمعيّة العامّة.
وفي النهاية، تبقى مدّة الإعلام مسألة واقعيّة تتغيّر حسب الظّروف ومن الصّعب اعتماد مبادئ محدّدة وهذا ما يظهر من خلال قرار المحكمة الجناحيّة بباريس الصّادر في 24/11/1978 حيث اعتبرت الإعلام « متأخّرا والّذي وقع أثناء التحقيق الأوّلي ومرور مدّة ثلاث سنوات عن مدّة الإعلام لا يجعل منه إعلاما تلقائيّا». إضافة إلى محكمة التّعقيب الفرنسيّة الّتي قرّرت في 15/02/1979 معاقبة مراقب الحسابات الّذي تجاوز ثلاثة أشهر عند قيامه بالإعلام.
أمّا في خصوص الرّكن المعنوي لهذه الجريمة نلاحظ أنّ الفصل 271 م.ش.ت. لم ينصّ صراحة على ضرورة توفّره، والأمر نفسه بالنّسبة للفصل 85 من المجلّة التجاريّة السابق، فمجرّد الإهمال أو عدم المراقبة لا يفترض فيه سوء النيّة. ولكن أيضا، ليس للمراقب أن يتفصّى من مسؤوليّته
بمجرّد تعلله باعتقاده أنّ الأفعال لا تمثّل جريمة على اعتبار أنّ طبيعة مهنته( ) تفترض عليه معرفة القانون إضافة إلى أنّه لا يعذر أحد بجهله للقانون.
و يجدرهنا، تمييز الرّكن المعنوي لجريمة عدم الإعلام عن الرّكن المعنوي لجريمة المشارك الّذي عرفته محكمة باريس سنة 1976 بأنّه « لا يقتصر على مجرّد العلم بالفعل الأصلي بل لا بدّ من علمه بنتائج مصادقته على الوضعيّة الماليّة للشّركة وعلمه بمآل تقريره كذلك بمشاركته بالإعانة والمساعدة في الجريمة » ولكن إذا علم المراقب بالجريمة الأصليّة دون أن تتّجه إرادته إلى تلك النّتائج ولم يعلم بها النّيابة العموميّة، فلا يعتبر عمله مشاركة و إنّما تنشأ جريمة مستقلّة وهي جريمة عدم إعلام النّيابة العموميّة.
إنّ هذه الجريمة هي ليست بالوحيدة المعاقب عليها صلب الفصل 271 م.ش.ت إذ تعرّضت فقرته الأخيرة إلى خرق مراقب الحسابات للسرّ المهني فنصّ على أنّه « تنطبق على المراقبين أحكام القانون الجنائي المتعلّقة بإفشاء السرّ المهني ». ويحيل هذا الفصل إلى المجلّة الجنائيّة وخاصّة الفصل 25 وكذلك 254 منها، بحيث يعاقب بالسّجن الأشخاص المؤتمنين على الأسرار الّتي تودع عندهم نظرا لحالهم أو حرفتهم، ويفشون هذه الأسرار، سواء بدون رخصة من صاحبها ”أو في غير الصّورة الّتي أوجب أو رخّص لهم فيها القانون بالوشاية”( ).
كما نصّ على أهميّة المحافظة على السرّ المهني، قانون 18 أوت 1988 المنظّم لمهنة الخبراء المحاسبين ومراقبي الحسابات في فصله 8 ويعرّف السرّ المهني « بأنّه فعل غير شائع عند الكافّة ويحدث إفشاؤه ضررا لشرف أو لمصلحة أو لإحساس المعني به حتّى ولو كان هذا الفعل معروفا من قبل العموم ودعمه بإعطائه صبغة تأكيديّة وتفسيريّة »، وبالرّجوع إلى الفصل 254 م.ج يتبيّن وأنّ عبارته جاءت مطلقة لذلك يجب أن تأخذ على إطلاقها، ممّا يدلّ على أنّ كلّ الأفعال المعروفة من طرف مراقب الحسابات خاضعة لحماية السرّ المهني ويمكن أن تتمحور حول طبيعة السرّ المهني ويعتبر بذلك سرّا إذا ما تلقّاه مراقب الحسابات بعنوان «الإيداع ».
وهو ما نصّ عليه الفصل 254 م.ج إذ أنّه « يؤاخذ الأشخاص المؤتمنين على الأسرار الّتي تودع عندهم نظرا لحالتهم أو حرفتهم »، كما يمكن أن تتعلّق بمصدر الأفعال ذات الطّبيعة السريّة والمقصود بها الأفعال الّتي عرفها « نظرا لحالته أو حرفته » فلا يمكن تتبّع مراقب الحسابات الذي عرف سرّا بصفته مساهما وليس بصفته مراقب حسابات. ولكن و في الآن نفسه، استثنى المشرّع تطبيق ذلك العقاب في « الصورة الّتي رخص لهم فيها القانون بالقيام بالوشاية » وهذا يتماشى مع صريح الفصل 270 م.ش.ت الّذي أكّد وأنّ مراقب الحسابات لا يمكن أن يعارض بالسرّ المهني، الجمعيّة العامّة فنصّ على أنّه « يجب على مراقبي الحسابات أن يلفتوا نظر الجلسة العامّة إلى ما وقفوا عليه من الإخلالات بالتّراتيب أو بأشياء غير صحيحة خلال تأدية مهامهم ».
إلاّ أنّه يمكنهم معارضة الجلسة العامّة بالسرّ المهني إذ تعلّق الأمر بمعلومات عرفها خلال مراقبته لحسابات شركة أخرى من نفس المجموعة أو في صورة ما إذا طالبته الجمعيّة العامّة بمعلومات دقيقة حول الاختبارات الصناعيّة والتجاريّة للشّركة مثال مدّ أحد المساهمين بقائمة حاملي الأسهم الجديدة في عمليّة جمع الأسهم( ).
كما أنّ واجب عدم إفشاء السرّ المهني ينعدم في صورة إعلام المدير العام أو الرّئيس المدير العام في صورة ما إذا كان أحدهما المسؤول الوحيد على إدارة الشركة فلا يمكنه أن يعارضهما بالسرّ المهني في هذه الحالة.
ونلاحظ و أنّ الفصل 270 م.ش.ت نصّ على أنّ مراقبي الحسابات « مطالبون أيضا بإعلام وكيل الجمهوريّة بما يبلغ إلى علمهم من أفعال مكوّنة لجرائم دون أن يترتّب عن ذلك أي مسؤوليّة من أجل إفشاء السرّ المهني » ولا يمكن لمراقب الحسابات أن يعارض بالسرّ المهني بقيّة مراقبي الحسابات المعينين في نفس الشّركة لأنّهم يقدّمون تقريرا موحّدا ونفس الأمر إذا تعلّق الأمر بشركة مراقبي الحسابات، بالإضافة إلى أنّه ليس له أن يواجه لجنة المراقبة أو الدّائرة التأديبيّة بالسرّ المهني.
وفي غير هذه الصّور، فإنّ مراقب الحسابات يمكن تتبّعه من أجل جريمة إفشاء السرّ المهني وخاصّة أنّ الفصل 270 م.ش.ن ينصّ على « أنّ مراقبي الحسابات وكذلك مساعديهم والخبراء ملزمون بعدم إفشاء السرّ المهني بخصوص الوقائع والأعمال والمعلومات الّتي يحصل لهم العلم بها بسبب مباشرتهم لمهامهم » وعلى هذا الأساس يمكن أن يقع تتبّع مراقب الحسابات الّذي يقوم بتسريب معلومة ممتازة على معنى قانون 14/11/1994 المتعلّق بتنظيم السّوق الماليّة بشرط أن تكون هذه المعلومة الممتازة تتعلّق بالشّركة الّتي يعمل بها وذلك قبل انتشارها بين العموم.
وبعد تحديد الجرائم الّتي تتعلّق بمسؤوليّة مراقب الحسابات يتّجه البحث عن تقييم هذه العقوبة.
ج- العقاب :
تنحصر العقوبات المسلّطة ضدّ مراقب الحسابات في عقوبتين، إحداهما سجنيّة والأخرى ماليّة.
وفقا لما نصّ عليه الفصل 271 م.ش.ت ، يعاقب مراقب الحسابات بالسّجن من عام واحد إلى 5 أعوام، كما نصّ الفصل 85 الملغى من المجلّة التجاريّة والمتعلّق بجريمتي عدم إعلام النّيابة العموميّة وجريمة إعطاء معلومة كاذبة «…يعاقب مراقب الحسابات بالسّجن من سنة إلى خمسة سنوات ». وجريمة إفشاء السرّ المهني الّتي يتراوح بالسّجن فيها بين 16 يوما و 6 أشهر، نجد في هذا الصّدد خصوصيّة في العقوبة السّجنية و التّي لم نعهدها في عقوبة الجرائم التقليديّة، ففي جلّ النّصوص أورد المشرّع حدّين للعقوبة، يرى البعض وأنّها وضعت بطريقة اعتباطيّة، حيث يبدو أنّ هذه الخصوصيّة في العقاب السجني لا تتلاءم مع خطورة الجرائم الّتي يرتكبها مراقب الحسابات ومدى انعكاساتها على الشّركة.
قد يبدو وللوهلة الأولى، أنّ المشرّع يحثّ من خلال رفعه للحدّ الأقصى للعقاب انتحاء منحى الشدّة في العقاب، إلاّ أنّ هذا الرأي لا يخلو من النّقد ذلك أنّ المشرّع قد بحث على الأثر الواقي للعقوبة السّجنية أكثر من البحث عن تطبيقها بصورة فعليّة.
ولئن جعل المشرّع عقوبة السّجن اختياريّة مع الخطيّة أو أقرّ الجمع بينهما، فإنّه واقعيّا عادة ما يقع تطبيق عقوبة الخطيّة فقط، إلاّ أنّ هذه الخصوصيّة في عقاب مراقب الحسابات قد تشكّل خطورة على وضع الشّركات إذ لا يمكن أن يكون العقاب ناجعا إذا علم مراقب الحسابات بوجود احتمال في عدم تطبيق العقاب عليه. كما أن وضع المشرّع لحديّن متباعدين للعقوبة السجنية وجعلها لا تتجاوز الجنحة هو موقف لا يتماشى مع سياسة تمنح المراقب دورا حيويّا في تنمية الاقتصاد خصوصا وأنّه لا شيء يمنع القاضي من إمكانيّة تطبيق ظروف التخفيف مثلما هو مبيّن في أحكام المجلّة الجنائيّة.
كما ينصّ نفس الفصل السّابق الذّكر من مجلّة الشّركات على عقوبة الخطيّة التّي تتراوح من ألف ومائتين إلى خمسة آلاف دينار إزاء كلّ مراقب حسابات يتعمّد إعطاء أو تأييد معلومات كاذبة عن حالة الشّركة أو لم يعلم وكيل الجمهوريّة بالجرائم الّتي بلغ له العلم بها، ونشير هنا إلى أنّ هذه الخطيّة البسيطة لا تتلاءم مع خطورة الجرائم المرتكبة و لا تتماشى مع الميدان الّتي ارتكبت فيه هذه الجرائم الاقتصاديّة.
و يرى البعض و أنّه كان من الأجدر بالمشرّع أن يشدّد على العقاب المالي خصوصا وأنّ الواقع الاجتماعي لمراقب الحسابات وهو انتماؤه لمهنة حرّة يخوّل له دفع هذه المبالغ.
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار، هو أنّه ومقارنة مع جرائم مسيّري الشّركة، فقد خصّ المشرّع مراقب الحسابات بعقوبات خاصّة حيث خيّر القاضي بين تسليط نوعين من العقاب، إمّا العقوبة السجنيّة والعقوبة الماليّة معا أو تطبيق إحداهما أي العقوبة السجنية أو العقوبة الماليّة في حين كان متشدّدا أكثر على مسيّري الشّركة فلم يمنحهم هذا الامتياز بل ألزم القاضي بتطبيق العقابين معا.
إن كان هذا التمييز بين مراقبي الحسابات والمسيرين على مستوى العقوبات غير مبرّر طالما أنّ كلا هاتين الفئتين لهما دورا هاما وأساسيا في الشّركة، فإنّ صعوبة تحديد مهمّة مراقب الحسابات حين القيام بمهامه، وعدم إرساء نظام مسؤوليّة واضحة تجاه القائمين ببعض الإخلالات المضرّة بمصالحه (الفقرة الثانية) ربّما تكون الدّافع إلى تقليص العقوبة مقارنة خاصّة بالاتّساع المبالغ فيه لميدان مسؤوليّته والصّرامة الواضحة لدوره في الرّقابة.
الفقرة الثانية : مدى ثبوت المسؤوليّة الجزائيّة لمراقب الحسابات عن الأفعال الصادرة عن الغير
لا تقتصر مراقبة الحسابات على تجريم أفعاله المخلّة بالقواعد القانونيّة فحسب، بل أقرّ له المشرّع مسؤوليّة ناتجة عن الفصل 258 م.ش.ت، حيث ينصّ وأنّه « يحقّق وتحت مسؤوليّته في سلامة حسابات الشّركة هو يضمن نزاهتهما، ويسهر على احترام الأحكام المنصوص عليها بالفصول من 12 إلى 16 … »
يتضمّن هذا الفصل، إقرارا لمسؤوليّة مراقب الحسابات ناتجة عن عدم ضمان سلامة الحسابات والإخلال بواجب السّهر، وتحديد هذه المسؤوليّة يرتكز أساسا على التوقّف على شروط تتبّع مراقب الحسابات والّتي تخصّ من ناحية إثارة الدّعوى العموميّة (أ) ومن ناحية أخرى تهتمّ بتحديد صفة مراقب الحسابات الواقع تتبّعه (ب).
أ- اختصاص إثارة الدّعوى العموميّة :
إنّ الحديث عن التتّبع يحيلنا أساسا إلى الخوض في مسألة إثارة الدّعوى العموميّة.
تثار الدّعوى العموميّة لجرائم مراقب الحسابات عن طريق نوعين من السّلط وهما النيابة العموميّة أساسا والإدارة في بعض الحالات.
بالرّجوع إلى التطبيق القضائي في بلادنا، يلاحظ وأنّه رغم تعدّد القضايا المتعلّقة بالشّركات، فإنّ التتبّع لا يسلّط إلاّ على المسيّرين فقط سواء كان رئيس مجلس الإدارة أو أحد أعضاء المجلس أو الهيئة، أمّا مؤاخذة مراقب الحسابات فهي نادرة ممّا دفع ببعض رجال القانون( ) إلى المناداة بإحداث هيكل للنّيابة العموميّة مختصّ في الشّؤون الماليّة وذلك للتدخّل السّريع في الحالات الّتي تستوجب ذلك بما يضمن الوقاية من الجريمة أو زجرها إذا لم يتسنّى لها الوقاية حيث أنّ وجود نيابة عموميّة مختصّة متهيّئة لتقويم الانحرافات الماليّة والمحاسباتيّة يعدّ خير وازع لمراقب الحسابات على توخى تصرّف سليم للقانون.
أمّا عن إثارة الدّعوى العموميّة من قبل الإدارة، فقد وردت أحكام مجلّة الضّريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضّريبة على الشركات وكذلك القانون المتعلّق بتنظيم السّوق الماليّة مكمّلا لأحكام مجلّة الشّركات التجاريّة والقوانين الخاصّة المتعلّقة بمراقب الحسابات. طبقا لما ورد في الفصل 94 من مجلّة الضّريبة « يقوم وزير التخطيط والماليّة أو من ينوبه بإثارة الدّعوى العموميّة بالنّسبة للمخالفات المنصوص عليها بالفصول 81 و82 و83 من هذه المجلّة بعد أخذ رأي لجنة إداريّة يقع ضبط مهامها وتركيبتها تقرّر من وزير التخطيط والماليّة. »
يظهر جليّا من هذا النصّ وأنّه لا حقّ للنّيابة العموميّة في إثارة الدّعوى العموميّة إذا تعلّق الأمر بهذه الجرائم وإنّما اتّخاذ قرار فتح الدّعوى من اختصاص إدارة الجباية يتّخذ في كنف الاستقلاليّة باستثناء عن رأي النّيابة. ونتيجة ذلك إذا قرّرت الإدارة تتبّع مراقب الحسابات فليس لوكيل الجمهوريّة الحقّ في منعها عملا بمبدأ ملائمة التتبّعات.
ويطبّق هذا الإجراء، في صورة تتبّع مراقب الحسابات عند اقترافه لجريمة الإخبار أو إعطاء معلومة ممتازة فيخوّل لهيئة السوق الماليّة تلقّي العرائض والشّكاوى الصّادرة عن كلّ من يهمّه الأمر، إذ تدخل بحكم موضوعها ضمن صلاحيّاتها وتتّخذ في شأنها القرارات اللازمة وذلك في ظرف شهرين ابتداء من تاريخ إبلاغها( ) ، و إضافة إلى ذلك، مكّن المشرّع هذه الهيئة بمهمّة البحث والكشف عن الممارسات المخالفة اعتبارا لكفاءتها واختصاصها في ميدان السّوق الماليّة. ولم يكتف المشرّع بأن خوّل لها سلطة البحث والاستقصاء بل عهد لها أيضا بسلطة الاعتراض عن جميع الممارسات المهدّدة لسلامة سير السّوق الماليّة ومكّنها من إمكانية طلب الإذن استعجاليّا، من رئيس المحكمة الابتدائيّة بإنهاء مهمّة مراقب الحسابات وتعيين من يعوّضه (الفصل 264 م.ش.ت)، وذلك بالنّسبة إلى شركات المساهمة لذلك يمكن أن نستنتج أن مشاركة الإدارة صلاحيّات النيابة العموميّة أصبح أمرا ضروريّا يفرضه الطابع التقني للميدان الاقتصادي خصوصا وأنّ عمل مراقب الحسابات هو ميدان محاسبي يتّسم بأكثر تقنيّة وأكثر خصوصيّة ممّا يستوجب مجهودا إضافيّا لكشف أسراره.
ولكن بصفة عامّة، لا يمكن للنّيابة العموميّة أو للإدارة القيام بالتتبع إلاّ إذا توصّلت إلى إثبات هذا النّوع من الجرائم.
غير أنّه قد يعترض النيابة العموميّة أو الإدارة عند تتبّعها للجرائم صعوبة في إثباتها فلا يمكن تتبّع المراقب إلاّ بإثبات النيابة العموميّة تواجد كلّ أركان الجريمة، لكن ولئن يسهل أحيانا إثبات الرّكن المادّي لهذه الجرائم، فإنّ إثبات القصد الجنائي يطرح إشكالات عديدة على الفقه وفقه القضاء، فيثبت قصد مراقب الحسابات باعتراف الجاني نفسه أو ظهر بصفة واضحة عند مشاركته شخصيّا في إعداد موازنة خاطئة.
في أحيان أخرى يصعب إثبات هذا الرّكن فلا يكون ذلك إلاّ بالبحث في الوقائع ووجود عدد هام وكبير من الإخلالات المحاسبيّة تعطي بالضّرورة لمراقب الحسابات الإحساس بوجود كذب في الوثائق. وامتدّ الفقه التونسي عند البحث في إثبات جرائم مراقب الحسابات إلى أبعد من ذلك، فاعتمد الكسل والإهمال كقرينة على سوء النيّة ولكن لا يمكن أن يعتبر الإهمال في جلّ الحالات قرينة على ذلك لأنّه رغم سلبيّة مراقب الحسابات فإنّه يظلّ أجنبيّا عن الجرائم الّتي لم يشارك فيها بأيّ عمل ولا سبيل حينئذ لمساءلته عن خطأ لا يمتّ إلى الجريمة بصلة السببيّة.
ويثير تجريم الإهمال وبصفة عامّة « الامتناع » صعوبات هامّة من النّاحية العمليّة فهي جرائم يحوطها الغموض ويعوز أركانها الوضوح، ولذلك فإنّ المحكمة سوف تحدّد ما كان يجب على الممتنع أن يقوم به وما كانت تفرضه عليه الظّروف، ويصبح بالتّالي تجريم الامتناع غير قانوني بل موكول لمشيئة الحاكم وقد يكون مدعاة للتعسّف باعتبارخصوصيّة عمل المراقبين وطبيعة واجبهم التقني الّتي تجعل من الصّعب على رجال القانون إثبات عنصر القصد الجنائي في جرائم مراقبي الحسابات وخصوصا مشاركته جرائم المسيرين. ولا بدّ من الإشارة أنّ قيام النيابة العموميّة أو الإدارة بالتتّبع لا يفرض عليهما إثبات الجرائم فحسب بل أيضا لا بدّ لهما من معرفة صفة مراقبي الحسابات الّذين يجوز تتبّعهم( ).
ب- تحديد صفة مراقب الحسابات :
إذا كان من البديهي نظريّا تتبّع مراقب الحسابات، فإنّه على مستوى الواقع نجد تعدّدا وصفيّا لهذا المراقب، ممّا يحتّم علينا البحث في إثبات صفة الفاعل الحقيقي، تماشيا مع مبدأ شخصيّة الجرائم والعقوبات.
1- مراقب الحسابات الفعلي :
يتّجه تحديد مراقب الحسابات الفعلي ومدى مسؤوليّته الجزائيّة وكذلك مدى شرعيّة العقوبة الجزائيّة المسلّطة عليه إذ غالبا ما يمكن لشخص أن يمارس فعليّا مهمّة المراقبة بالاعتماد على مراقب الحسابات الّذي يعمل ظاهريّا لحسابه لكن واقعيّا يكون خاضعا وتابعا لمراقب الحسابات الفعلي. فيمكن أن نفترض في هذه الصّورة بمناسبة قيام مراقب الحسابات بمهامه سواء العاديّة أو الاستثنائيّة، يفرض عليه أخذ تعليمات وتوجيهات من مراقب الحسابات الفعلي، في هذه الصّورة يكون من المنطقي أن يعاقب الشّخص الّذي أوحى له القيام بالفعل والّذي قدّم له المساعدة.
لكن ما هو أساس المسؤوليّة الجزائيّة وهل يمكن اعتباره شريكا أو فاعلا أصليّا في غياب نصّ يعاقب مراقب الحسابات الفعلي ؟
مبدئيّا، لا يمكن لهذا الأخير أن يقع تتبّعه بصفته فاعلا أصليّا أو مساهما نظرا لتعارض ذلك مع مبدأ شرعيّة العقوبات.
وثانيا ونظرا لأنّه لا يمكن تجاهل ما أورده القانون من جرائم خاصّة بمراقب الحسابات مثل جريمة عدم إعلام النّيابة العموميّة، فالشّخص الذي لم يحمّله القانون هذا الواجب لا يمكن تتبّعه، بالإضافة إلى أنّ القانون قد وضع جملة من الضّمانات لحماية مراقب الحسابات سواء على المستوى المدني أو الجزائي وهذه الضّمانات لا يمكن لمراقب الحسابات الفعلي التمتّع بها ولهذه الأسباب تصبح مقارنة مراقب الحسابات الفعلي بمراقب الحسابات القانوني غير جائزة.
2- صور مراقب الحسابات القانوني :
يطرح التّساؤل إذا ما تعلّق الأمر بصورة مراقب الحسابات القانوني عن مدى إمكانيّة تتبّع مختلف أصناف مراقبي الحسابات سواء كان معوّضا أو في صورة تعدّد مراقبي الحسابات أو مستقيلا.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المشرع، بإلغائه لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 258 م ش ت، يكون قد ألغى الإشكال الذي طرح في خصوص مسائلة مراقب الحسابات الذي يقع تعيينه من بين المختصين في الحسابية و غير المرسمين. و حرصا منه على تدعيم شفافية المعلومة المالية، عوّض المشرع في الفقرة الملغاة بنصّ الفصل 13 جديد حيث أوجب ضرورة تعيين مراقب حسابات امّا من بين الخبراء المحاسبين المرسّمين بالجدول أو من بين المختصّين في الحسابية و المرسمّين أيضا بجدول مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية.
مراقب الحسابات المعوّض : رغم أنّ مراقب الحسابات المعوّض لا يمارس مهمّته إلاّ في حالة موت المراقب الأصلي أو تعذره عن ذلك أو إعفائه أو امتناعه أو في حالة إيقافه وتشطيب اسمه من الجدول من طرف الدّائرة التأديبية فهو يخضع لنفس القواعد المتعلّقة بالمراقب الأصلي.
صور تعدّد مراقبي الحسابات : يتعدّد مراقبي الحسابات في شركة واحدة لكن تنقسم بينهم المهام، فلا يمكن للمراقب التعلّل برأي جماعة المراقبين للتخلّص من المسؤوليّة فكلّ شخص ملزم بمفرده بواجب إعلام النّيابة العموميّة بالجرائم الّتي بلغه العلم بها. لكن رغم قيام كلّ مراقب بجزء من العمل بمفرده فإنّ التّقرير يجب أن يكون موحّدا بإمضاء كلّ المراقبين لتحمّل المسؤوليّة وغياب إمضاء أحدهم لا يعفيهم من المسؤوليّة( ). فهل تقرّ هنا بالطّبيعة التضامنية لهذه المسؤوليّة ؟
مراقب الحسابات المستقيل : تثار تتبّع مراقب الحسابات المستقيل بالخصوص في جريمة عدم إعلام النيابة العموميّة، فيعتبر خاضعا للتتبّع إذا علم بالجرائم زمن ممارسته لمهنته ولو بعد استقالته وعلى خلاف ذلك فهو غير ملزم بالإخبار عن الأفعال الّتي لها طبيعة مجرمة والّتي علم بها بعد تقديمه لاستقالته( ).
وبالتّالي، وتطبيقا لنظريّة مساءلة المراقب القانوني عن الإخلال بواجباته الرقابيّة، يجوز التّساؤل حول مدى تطبيق الفصل 20
م.ش.ت على مراقب الحسابات ؟
لقد توخّى المشرّع طريقة الإسناد القضائي فيما يتعلّق بجريمة الإدلاء ببيان غير صحيح أو ناقص بقصد التّسجيل أو التّكميل أو التّقسيم أو التّشطيب بالسجّل التجاري. وعرّف الفقه هذه الطريقة بأنّها قيام كيان الجريمة كلّما توافرت أركانها القانونيّة بغضّ النّظر عن القيام بها، وهذا الحلّ اعتمده المشرّع بالفصل 15 م.ش.ت الّذي جاء به بأنّ واجب إشهار عقود التّأسيس يتحمّله الممثّل القانوني للشّركة و« تحت مسؤوليّته». وهذه الصفة تتوافر لدى المؤسّسين والمسيّرين والوكلاء.
وهذه الصّفة الأخيرة تتوفّر في مراقب الحسابات بموجب تطبيق الفصل 258 من نفس المجلّة.
ولكن هل يعني هذا وأنّ عقاب المسيّر باعتباره المطلوب الأساسي بالقيام بإجراءات الإشهار والتّسجيل سيطبّق برمتّه على مراقب الحسابات الّتي تتحدّد مهمّته في السّهر على احترام هذه الشكليّات؟
إنّ كلمة « السّهر » تحيلنا إلى البحث عن طبيعة هذه المهمّة والّتي هي بالأساس الالتزام ببذل عناية والّتي لا يمكن أن تستوي مع الواجب المحمول على المسيّرين للشّركة خفيّة الاسم و إضافة إلى ذلك، فإنّ عقوبة مراقب الحسابات ستصبح جدّ قاسية إذا ما اقترنت مع عقوبة الفصل 271 م.ش.ت، والّذي يستوجب إعادة الإشارة فيه وأنّ المشرّع اشترط « التعمّد » أي الرّكن المعنوي والّذي لا يتماشى ومعنى بذل العناية.
أثارت الإجابة عن هذه الأسئلة خلافات بين الفقهاء فانقسموا إلى شقين، يرى الشق الأوّل، أنّه ليس من مهام مراقب الحسابات الأصليّة أن يقوم بالبحث عن الجرائم والكشف عنها بل أنّ واجبه هو مراقبة البيانات المحاسبتيّة وإصلاح ما يمكن إصلاحه وإن تفطّن إلى وجود جريمة فعليه، أن يقوم بإعلام النّيابة العموميّة، في حين يرى جانب آخر وأنّ مراقب الحسابات مجبر بالبحث عن هذه الجرائم وكشفها والإعلام عنها حتّى يتسنّى مساءلته عند عدم الإعلام ولا يعذر بعدم تفطّنه إليها.
غير أنّ زير العدل وردّا على تساؤل لجنة الماليّة والتخطيط والتنمية الجهويّة، اعتبر أنّ تقدير مدى ملائمة التتبع الجزائي من عدمه راجع إلى النّيابة العموميّة وحدها. وعليه فإنّ على مراقب الحسابات الإعلام بكلّ حالة توجد فيها قرائن على وجود جريمة مهما كان نوعها ولو لم تكن لها علاقة مباشرة بالمحاسبة، كما أنّ الفصل 271 م.ش.ت يشير إلى الجرائم الّتي حصل لمراقب الحسابات علم بها وهو أمر طبيعي إذ لا يمكن للشخص أن يخبر عن شيء يجهله تماما ولكن شرط العلم بالشّيء لا يجب أن يستعمل كمطيّة للتفصّي من واجب الإخبار إذ على مراقب الحسابات أن لا يكتفي بما يعلمه به المسيّرون وعليه أن يسعى إلى البحث والتحرّي بنفسه كاشفا ما يمكن أن يخفي من تجاوزات وهكذا فمراقب الحسابات لا يمكن له وبالنّظر إلى الشّروط العلميّة المطلوب توفّرها فيه لمباشرة وظيفته أن يدّعي جهله بالطبيعة الإجراميّة لبعض التصرّفات، وهو ما يتماشى مع هدف المشرّع الرّامي من وراء وضع هذه الرّقابة القانونيّة ألا وهو حماية الصالح العام الاقتصادي.
ولكن في المقابل، فإنّه لا تجريم بدون نصّ، وإذا تمسّكنا بأحكام الفصل 20 والّذي ينصّ على «المسؤولين المكلّفين بإتمام الإجراءات المذكورة »، فإنّ مسؤوليّة مراقب الحسابات تتأسّس إذا لم يقم بالاحتياطات اللازمة عن قصد منه، أو أنّه علم بتلك الإخلالات الواقعة من المكلّفين بإجراءات التّسجيل والإشهار، ولم يعلم النّيابة العموميّة بذلك، حيث نعود بالتّالي، إلى جريمة الإعلام والّتي تطبّق عليه أحكام الفصل 271 م.ش.ت. إنّ هذا التمشّي يجوز التمسّك به نظـرا لصعوبة تحديد مسؤولية مراقب الحسابات من جهة، كما نسجّل من جهة أخرى غياب أيّ حماية لهذا الجهاز في حالة عزله مثلا خارج إطار الشرعيّة وحقوقه بالتّالي سواء تجاه المرتكبين لهذا العزل المحجّر( ) أو تجاه الشّركة خفيّة الاسم كشخص معنوي.
ومن هذا المنطلق، تتأكّد أهميّة البحث في نطاق المسؤوليّة المدنيّة النّاتجة عن الإخلال بقواعد رقابة الشّركة خفية الاسم.
الفصل الثاني : نطــاق المسؤوليّــة المدنيّــة لمراقـب الحسابــات في الشّركــة خفيّــة الاسـم
إنّ الخوض في المسؤوليّة المدنيّة النّاتجة عن رقابة الشركة خفيّة الاسم، تأخذنا إلى التطرّق إلى مسؤوليّة مراقب الحسابات تجاه الشركة و الغير ( الفقرة الأولى) و التّي تحيلنا إلى البحث في مدى إقرار حقوق مراقب الحسابات تجاه الشركة. ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : إقرار المسؤوليّة المدنيّة لمراقب الحسابات :
تصنّف هذه المسؤوليّة إلى نوعين، النّوع الأوّل منها، هو ذلك المتعلّق بمسؤوليّة مراقب الحسابات عن فعله الخاص (أ)، أمّا الثاني فيمتدّ إلى مساءلة مراقب الحسابات عن الجرائم التي يرتكبها أعضاء مجلس الإدارة أو أعضاء هيئة الإدارة الجماعيّة، أو عن المراقبين الذين يمكن لمراقب الحسابات تعيينهم لإعانته على القيام بمهمّة رقابة سير الشركة على معنى الفصل 267 م. ش. ت. وهو ما يؤسّس المسؤوليّة المدنيّة لمراقب الحسابات الناتجة عن فعل الغير (ب).
أ- المسؤوليّة المدنيّة لمراقب الحسابات عن الأفعال الصادرة عنه :
ينصّر الفصل 272 م. ش. ت في فقرته الأولى على أنّ مراقبو الحسابات يكونون « مسؤولين تجاه الشركة والغير عن النتائج الضارّة النّاجمة عن الأخطاء أو الإهمال المرتكب من قبلهم أثناء تأدية مهامهم ».
بالرّجوع إلى أحكام الفصل الرابع من قانون 18 أوت 1988 الخاص بمهنة الخبراء المحاسبين، يكون مراقب الحسابات المسجّل بالجدول مسؤولا عن تصرّفاته.
ومن ناحية أخرى تضمّن الفصل 87 قديم من المجلّة التجاريّة على « أنّ مدى ونتائج مسؤوليّة المراقبين إزاء الشركة محدودة بما تقتضيه الأحكام العامة للوكالة ».
بالجمع بين هذه الفصول تتّضح طبيعة مسؤوليّة مراقب الحسابات من النّاحية المدنيّة، وتتحدّد نتائجها مع ضرورة الرّجوع إلى الأحكام المتعلّقة بالالتزامات الناشئة من الجنح وما ينزل منزلتها( ).
و إنّه يكون من المؤسف، تسجيل عدم احتفاظ المشرّع بنصّ الفصل 87 قديم م. ش. ت ضمن المجلّة الجديدة، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة تحديد مهمّة مراقب الحسابات والتّي تجعل منه أحيانا وكيلا عن الشركة وأحيانا أخرى عضوا قانونيّا فيها( ).
ولكن و في كلّ الحالات، يمكن تطبيق أحكام الفصل 87 المذكور على مسؤوليّة مراقب الحسابات خاصّة و أنّ التشديد في المساءلة الجزائيّة يفرض علينا تتبّع هذا التمشّي حتّى لا نحمّل مراقب الحسابات أكثر من طاقته، إذ أنّ هذه المسؤوليّة تكون على هذا الأساس التزاما بجبر الضّرر النّاشئ عن فعله إذ ثبت أنّ ذلك الفعل هو الموجب للضّرر مباشرة( ) وسواء كان هذا الفعل النّاتج عنه الضّرر صادرا عن عمد واختيار منه أو عن طريق الخطأ، والخطأ هو ترك ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه بغير قصد الضّرر( ).
إنّ البحث في كيفيّة تطبيق هذه الفصول على مسؤوليّة مراقب الحسابات، لا يستقيم دون إعادة الإشارة إلى طبيعة الالتزامات الناشئة عن مهمّة هذا الجهاز، أي بعبارة أخرى هل أنّه يقوم بالالتزام بنتيجة أو ببذل عناية ؟( ).
وبقطع النّظر عن بعض المهام الخاصّة الموكولة لمراقب الحسابات والتّي تنطوي تحت طائلة الالتزام بنتيجة مثل القيام بتحرير التقارير اللاّزمة في الغرض، أو إعلام الجلسة العامّة أو إعلام وكيل الجمهوريّة بما سجّله من إخلالات بأحكام المجلّة من قبل المسيّرين،… فإنّ المهمّة الأصليّة لمراقب الحسابات والتي أثارت الجانب الأكبر من الانتقادات والإشكالات التطبيقيّة، هي بذل العناية للتأكّد من صحّة وسلامة الحسابات.
غير أنّه و في إطار البحث في ممارسة الرقابة من قبل مراقب الحسابات سجّلنا توفير بعض الضمانات لهذا الجهاز، إذ وضع المشرّع آليات تساعده على إتمام مهامه والتّي من شأنها أن تؤمّن بلوغ النّجاعة المرجوّة.
وتتجسّم هذه الضمانات في تجريم أفعال العرقلة( ) التّي إن حدثت، من شأنها أن تجعل من أجهزة الرّقابة عموما وجهاز مراقب الحسابات خصوصا، مجرّد هيكل شكلي دون جدوى وفاعليّة.
وإضافة إلى ذلك، تنبني مهمّة مراقب الحسابات المتمثّلة في التحقّق من صحّة وسلامة الوثائق المقدّمة له من قبل مجلس الإدارة، على التسليم الفعلي للوثائق اللازمة والضروريّة لمباشرة مهامهم وخاصّة منها العقود والدفاتر ومستندات المحاسبة وسجلات المحاضر والجداول البنكيّة( ) ، ولقد نصّ المشرّع على ضرورة تسليم الشركة الوثائق الضروريّة للمراقب و أخضع المسيّرين إلى عقاب بالسجن إن امتنعوا عن تسليم هذه الوثائق أو تسليمها منقوصة أو غير مطابقة للواقع.
وبالتّالي فإنّ مسؤولية مراقب الحسابات تأسّس في حالة غياب تقصير أو خطأ المسيرين. و في كل الحالات التي تسجّل فيها المسؤولية المدنية لمراقب الحسابات، يكون عبء الإثبات منصبّا على ثلاثة عناصر ألا وهي، الخطأ، الضّرر والعلاقة السببيّة بينهما.
بالنّسبة للخطأ، فهو يفترض أنّ مراقب الحسابات لم يقم بالالتزامات المحمولة على عاتقه أثناء تأدية لمهام الرقابة( ) سواء كان ذلك عمدا منه أو إهمالا، أو أنّه لم يقم بتلك المهمّة بتمام الأمانة والكفاءة باعتباره محترفا في المهنة ولا يجوز الحديث عن عدم معرفته بواجباته.
فإذا وقع إثبات الضّرر دون إثبات الخطأ، تنتفي مسؤولية مراقب الحسابات، وفي الحالة العكسيّة أي إذا وقع إثبات الخطأ دون تسجيل ضرر حاصل، يتدعّم هذا الإعفاء من المسؤوليّة، إذ أنّ هذه المسؤوليّة ليست بماديّة أي أنّها تتحقّق بمجرّد تحقق الفعل الواجب تركه أو ترك الفعل الواجب القيام به. وفي النهاية يجب إثبات العلاقة السببيّة بين الخطأ والضّرر إذا ما سجّل وجودهما معا، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن يكون خطأ مراقب الحسابات هو السبب المباشر للضّرر الحاصل.
و لكن في الواقع، غالبا ما يصعب إثبات هذه المسألة باعتبار التداخل أحيانا بين مهمّة مراقب الحسابات وأجهزة رقابة أخرى كقاضي السجّل التجاري وهيئة السوق الماليّة… وتعدّد الأشخاص المسؤولين عن الضّرر أحيانا أخرى ممّا يزيد في صعوبة تحديد مناط مسؤوليّة كلّ منهم على حدة. ويطرح التساؤل هنا حول إمكانية مساءلة اللجنة الدائمة للتدقيق في حالة عدم قيامها بمهامها إذ قد تكون المسؤولية هنا مبنية على خطأ مقترن بينها و بن مراقب الحسابات؟
و يمكن أن نلاحظ في هذا الصّدد و أنّه عادة ما يقترن خطأ مراقب الحسابات وخطأ رئيس مجلس الإدارة أو أحد أعضائه، ممّا يصعب تحديد السّبب المباشر في الضّرر( ). أمّا إذا وقع إثبات هذه المسؤوليّة التّي ترجع بالنّظر إلى اجتهاد القاضي، وفي حالة تعدّد مراقبي الحسابات، فإنّه يمكن مساءلتهم بالتضامن وذلك بالرّجوع إلى أحكام الفصل 177 م. ش. ت و ذلك بالجمع بين الفصلين 269 و 272 من نفس المجلّة، إذ يقع معاملة مراقب الحسابات كوكيل عن الشركة ويمكن القياس بالتالي على مسؤوليّة المسيّرين( ) ، ومن هذا المنطلق، يكون لكلّ من الجلسة العامّة والغير المتعاقدين مع الشركة الحقّ في مساءلة مراقب الحسابات عن الضّرر الحاصل لهم( ) حتّى في حالة صدور الفعل الضارّ عن غير مراقب الحسابات.
ب- مسؤولية مراقب الحسابات عن الأفعال الضارّة وغير الصّادرة عنه :
يجب علينا التمييز في هذا الإطار بين الأخطاء المرتكبة من قبل أعضاء مجلس الإدارة وتلك المرتكبة من قبل مساعدي مراقب الحسابات.
بالنّسبة للصّنف الأوّل، ينصّ الفصل 272 م. ش. ت. في فقرته الثانية على أنّ مراقبو الحسابات « لا يكونوا مدنيا مسؤولين عن الجرائم التّي يرتكبها أعضاء مجلس الإدارة أو أعضاء هيئة الإدارة الجماعيّة إلاّ إذا لم يكشفوا عنها في تقريرهم للجلسة العامّة بعد علمهم بها ».
ولإثبات هذه المسؤوليّة، يجب أن يكون هناك جريمة معاقب عليها في جانب المسيّرين، حتّى يقع البحث في خطأ المراقب أي عدم القيام بواجب الإعلام وبعد العلم بذلك الإخلال.
فعلى افتراض أنّ مراقب الحسابات سجّل تصرّفا لأحد أعضاء مجلس الإدارة والذي يتعارض مع المصلحة العامّة للشركة، رغم أنّه لا ينطوي تحت طائلة التّجريم، هل يمكن مسائلته عن عدم إعلام الجلسة العامة بذلك؟
إذا تمسّكنا حرفيّا بأحكام هذا النصّ، فإنّه لا يمكن مسائلة مراقب الحسابات لعدم الإعلام، غير أنّ ذلك سيفرغ محتوى مهمّة الرقابة من كلّ جدوى عمليّة، خاصّة وأنّ المشرّع أولى، اهتماما خاصّا “بالمعلومة” عموما ويمكن أن نستنتج ذلك من قانون الأوراق الماليّة والذي تبنّاه المشرّع ضمن التّشريع الجديد للشركة خفيّة الاسم.
وعلى هذا الأساس، تكون مهمّة مراقب الحسابات مرتبطة بمفهوم “مصلحة المؤسّسة” عند “السّهر” على احترام الأحكام الخاصّة بتسيير أو بتأسيس الشركة خفيّة الاسم في كنف مسؤوليّة الوكيل المحترف، غير أنّه يجب احترام قاعدة “لا تجريم بدون نصّ ” خاصّة و أنّ “وجدان مراقب الحسابات” في اكتشاف الأفعال المخلّة بمصلحة الشّركة كخليّة اقتصاديّة، لا يمكن أن يعوّض بأيّ حال من الأحوال وجدان القاضي في تكييف الأفعال بكونها جرائم “اقتصاديّة”، فتبقى مسألة التجريم و العقاب موكولة لاجتهاد القاضي ويكون بالتّالي إثبات علم مراقب الحسابات بمثل ذلك الإخلال، من الأمور الواقعيّة و الذي يقع على عاتق المتضرّر كما سبق وأن بيّنا ذلك و تبقى المسألة بكلّ جوانبها خاضعة بالطبع إلى رقابة القضاء.
و يطرح التساؤل هنا عن دور رقابة محكمة القانون حين التعسّف في تطبيق مفهوم المؤسّسة والذي يخضع هو نفسه إلى مفهوم أوسع و نقصد بذلك نظريّة أو بالأحرى آليّة النظام العام الاقتصادي؟ و نلاحظ بالتّالي أهميّة و خطورة الطّابع المؤسّساتي الذي تتّصف به العلاقة القائمة بين مراقب الحسابات و الشّركة خفيّة الاسم.
أمّا بالنّسبة للمساعدين الذي عيّنهم مراقب الحسابات لإعانته في أداء مهمّته و ” تحت مسؤوليته”، فيكون مراقب الحسابات مسؤولا عنهم بصفته موكّلا بمقتضى عقد وكالة، فتصبح بالتّالي المسؤوليّة هنا خاضعة لأحكام عقد الوكالة كما وقع التّنصيص عليها بمجلّة الالتزامات والعقود.
ونتيجة لذلك، يمكن للجلسة العامّة أو للغير والذي تعاقد مع الشركة بأي صفة كانت، وفي حالة حصول ضرر من جرّاء تصرّفات مساعدي مراقب الحسابات، الرّجوع بالتعويض على هذا الأخير الّذي يكون ملزما بجبر ذلك الضّرر وله أن يعود على وكلائه لتعويض ما تحمّله من تبعات.
وفي كلّ الحالات، يقع إعفاء مراقب الحسابات من المسؤوليّة بسقوط الدّعوى تجاهه بمرور الزّمن( ).
وإزاء هذه المسؤوليّة المحمولة على عاتق مراقب الحسابات يفرض التساؤل نفسه، حول الضمانات الممنوحة له إذا ما حصل له ضرر ؟ وهو الوجه الآخر لنظام المسؤوليّة عموما.
الفقرة الثانية : الضمانات الممنوحة لمراقب الحسابات :
لقد نصّ الفصل 13 (سادسا) و المضاف إلى م.ش.ت على أنّه ”يعاقب بالسجن مدّة ستة أشهر و بخطية قدرها خمسة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين كل مسيّر شركة تجارية أو تجمع مصالح اقتصادية يعرقل أعمال مراقب أو مراقبي الحسابات أو يرفض مدّهم عند طلب ذلك بأي واسطة تترك أثرا كتابيا بالوثائق اللازمة لقيامهم بمهامهم”. و هكذا و بعد مرور خمس سنوات من صدور م.ش.ت، تدخّل المشرع أخيرا لضمان سير الرقابة المنوطة بعهدة مراقب الحسابات، إذ أنّ الواجبات المحمولة على عاتق هذا الأخير لم تكن متماشية مع عدم تجريم أعمال العرقلة، و يلاحظ هنا و أنّ تدخل القانون الجنائي يفرض نفسه لتحقيق الحماية الناجعة من وراء إرساء جهاز مراقب الحسابات كرقابة قانونية.
غير أنّه من الغرابة بمكان، أن يترك المشرّع دون جزاء، أعمال العرقلة الصّادرة عن الغير، والتّي هي في الواقع تعطي أكثر جدوى ومصداقيّة لمهمّة مراقب الحسابات في التحرّي عن أعمال الشّركة و مسيّريها و التي يمكن له من خلالها، اكتشاف بعض التصرّفات الماسّة بمصلحة الشّركة وربّما تكون ناشئة عن تواطؤ الغير و المسيّرين، دون أن تكون لها علاقة بميدان الحسابات.
و من زاوية أخرى وبالرّجوع إلى أحكام الفصل 260 م. ش. ت، يتّضح جليّا وأنّه يحجّر على الجلسة العامّة أن تعزل مراقب الحسابات قبل نهاية مدّة التعيين إلاّ في حالة إثبات ارتكابه لخطأ فادح أثناء ممارسته لمهامه.
وإذا كان الفصل المذكور يتضمّن تحجيرا صريحا لعزل مراقب الحسابات، فهو لم يرتّب على الإخلال بذلك أي تجريم يتطلّب عقابا رادعا لذلك، ففي حالة عزله قبل انتهاء المدّة ودون ارتكاب خطأ ما، أو في حالة عزله لأنّه ارتكب خطأ غير فادح، وقبل انتهاء المدّة المعيّن لها أي ثلاث سنوات قابلة للتجديد، هل يمكن لمراقب الحسابات الرّجوع على الجلسة العامة لجبر الضّرر الحاصل له من جرّاء ذلك العزل والذي يتجسّد واقعا في حرمان مراقب الحسابات من المستحقات المالية المخصّصة له ؟
و في الآن نفسه، نتساءل عن مدى السلطة المخوّلة للجنة التدقيق حتى تتمكّن من منع هذا العزل غير المشروع ؟ لقد كان على المشرّع تحديد صلاحيات و سلطات هذه اللجنة و إرساء نظام مسؤولية واضح لها في ميدان ”ضمان أمانة المعلومة المالية و احترام الأحكام القانونية و الترتيبية” و ذلك لكي تؤدي الغاية المرجوة من تكريسها.
لقد خوّل المشرّع للقاضي الاستعجالي مهمّة السّهر على تعيين مراقب الحسابات في الشركة خفيّة الاسم بطلب من كلّ من يهمّه الأمر، وإذا ما احترمنا قاعدة توازي الشكليّات، فهل يكون لمراقب الحسابات الحقّ في الرّجوع على الجلسة العامة في جبر الضّرر الحاصل له مباشرة أو بصفة غير مباشرة، أي إذا ما قام الرّجوع عليه من الغير بأي طريقة كانت وذلك بالالتجاء إلى القضاء المختصّ في إطار دعوى أصليّة في التعويض؟
ويتعزّز هذا التمشّي بما جاء في نصّ الفصل 264 م. ش. ت حيث عهد إلى القاضي الاستعجالي صلاحيّة إعفاء مراقب الحسابات لسبب مشروع بطلب من مجلس الإدارة أو مساهم أو عدّة مساهمين حائزين على خمسة عشر بالمائة من رأس مال الشركة على الأقلّ.
ولكن وبقراءة أحكام الفصل 263 م. ش. ت في فقرته الثانية، يصبح السؤال ملحّا حول معرفة ما إذا كان قرار العزل الغير مشروع، يكون باطلا وملغى إذا ما كان مخالفا لأحكام الفصلين 259 و260 من نفس المجلّة ؟
غير أنّ قاعدة لا بطلان بدون نصّ، لا تقبل الاستثناء، ولكن يبقى السؤال مطروحا عن سكوت المشرّع في هذا المجال، والذي يتعارض مع الغاية الّتي جعلته يتشدّد في فلسفة التّجريم عند التنصيص على مهام مراقب الحسابات، كما أنّه لا يتلاءم وقاعدة توازي الشكليّات، إضافة إلى معاملة غير عادلة لهذا الجهاز، إن يحمّله مسؤوليّة جزائيّة صارمة ومسؤوليّة مدنيّة موسّعة، دون تقديم أيّ ضمانات له، ممّا يقلّص من نجاعة وجدوى هذه المؤسّسة الرقابيّة.
والغريب في الأمر، أنّ المشرّع ذهب إلى حدّ إقرار مبدأ مسؤوليّة الشّخص المعنوي في حالة تعيين مراقب الحسابات على خلاف الصّيغ القانونيّة وتحميل الشّركة بخطيّة قيمتها ألفي دينار على الأقلّ وعشرين ألف دينار على الأكثر. وما يزيد الأمر غرابة، هو تسليط نفس العقوبة على الشّركة في حالة عدم تعيين مراقب الحسابات من قبل جلستها العامّة، في حين ترك عزل مراقب الحسابات على خلاف مقتضيات الفصل 260 م.ش.ت، دون أيّ عقاب سواء كان مدنيّا أو جزائيّا، خاصّة و أنّ قانون سلامة العلاقات المالية جاء بتدعيم مسؤولية هياكل المراقبة بأن جرّم أعمال العرقلة الصادرة عن المسيرين.
كما أوجب الفصل 13 (خامسا) على الهيئات المديرة، التوقيع على تصريح سنوي يقدّم إلى مراقب الحسابات يقرّون فيه بأنّهم بذلوا العناية اللازمة لضمان شمولية و مطابقة القوائم المالية للتشريع المحاسبي. و بالتالي تأسّس المسؤولية المدنية لهذه الهيئات الإدارية، إلاّ أنّ إثبات عدم بذل العناية هو من الصعوبة بمكان، الشيء الذي من شأنه أن يذلّل من الضمانات الممنوحة لمراقب الحسابات في حالة حصول ضرر للغير إذ يمكن أن تتداخل في هذه الحالة مسؤوليته مع مسؤولية المسيرين، و تبقى هذه المسألة موكولة إلى اجتهاد القاضي.
ومن ناحية أخرى، وفي حالة عرقلة مهمّة مراقب الحسابات والصّادرة من الغير على معنى الفصل 266 م.ش.ت، في فقرته السادسة، والّتي آلت إلى عزله أو خطئه أو تقصيره في القيام بمهامه، هل يمكن له الرّجوع على هذا الغير للمطالبة بجبر الضّرر الحاصل له ؟
الخلاصة :
إنّ كلّ هذه التّساؤلات الّتي تحمل في طيّاتها إشكاليّات تتجاوز النظريّات لتمسّ من نجاعة دور مراقب الحسابات على مستوى التطبيق، من شأنها أن تؤكّد على أهميّة هذا البحث والّذي حاولنا من خلاله وضع الموضوع في إطاره الواقعي والقانوني وتقييم السياسة الحمائيّة للمشرّع من وراء تكريسه لمؤسّسة مراقب الحسابات، بوصفه « رقابة قانونيّة »، تمثّل « عين الدّولة »، في السّعي إلى حماية الشّركة خفيّة الاسم كخليّة اقتصاديّة هامّة تحمل في طيّاتها تجانس عدّة مصالح اجتماعيّة واقتصاديّة وماليّة، والّتي تدخل في منظومة النّظام العام الاقتصادي، وتخضع في الآن نفسه لروح ومبادئ القانون الجنائي الاقتصادي.
فإن كانت مجلّة الشّركات التجاريّة، من خلال تدعيم دور مراقب الحسابات في الشّركة خفيّة الاسم، أدخلت تجديدات على دور وصلاحيّات مراقب الحسابات، فإنّ هذا المجهود لا يمكن اعتباره ثورة تشريعيّة كما ذهب إليه بعض الفقهاء، وذلك للنقائص العديدة المسجّلة من خلال دراستنا هذه، إذا لم نقل تسرّب الغموض والتناقض بين العديد من الأحكام المنظّمة لمهمّة مراقب الحسابات، تجعلنا نذهب إلى أقصى حدود التساؤل، فهل فعلا نجح المشرّع في حماية الشركة خفيّة الاسم بتبنّيه لمؤسسة مراقب الحسابات كجهاز رقابي، أو أنّه بالعكس، أضاف إلى رواسب القانون القديم للشركات التجاريّة إشكاليّات ومعضلات قانونيّة، فعمليّة بقيت دون حلّ واضح ؟
بيد أنّه، قد يكون من المجحف إنكار التجديدات الهامّة و الموسّعة في الأحكام المتعلّقة بدور مراقب الحسابات من خلال رقابته للشّركة خفيّة الاسم، إذ لا جدال في أنّ المشرّع أنجز خطوة عميقة وذلك عبر تدعيم دور مراقب الحسابات كيفا و كمّا.
ولكن، ربّما يكون هذا التّضخّم التشريعي هو السبب الرّئيسي في قصور هذه المنظومة عن تحقيق الأهداف المرجوّة من وراء تكريسها و التّي تتمثّل في حماية المعلومة الماليّة و خاصة تسهيل اكتشاف الجرائم المتعلّقة بها، ممّا ذهب بالبعض إلى الحديث عن” حمّى تشريعيّة” ، أدّت إلى »قتل القانون، « Trop de lois tue la loi و ذلك على حدّ تعبير مجلس الدّولة الفرنسي عندما تعرّض في أحد نشريّاته للحديث عن “السّلامة القانونيّة”، فكانت النّتيجة العكسيّة هي المسجّلة في الواقع، أي التشجيع على طمس معالم الجريمة الحسابيّة و الذّي يتجسّد عبر تسجيل شبه غياب تام لفقه القضاء في هذا الميدان.
و في كلّ الأحوال، و إن سجّلنا بعض النّقائص أحيانا والغموض أحيانا أخرى في إطار المنظومة التشريعيّة الخاصّة بمراقب الحسابات و الشّركة خفيّة الاسم، فهذا لا يقصي عنها كلّ جدوى عمليّة و نظريّةّ، و هنا تتأكّد أهميّة التطبيق ويبرز دور الفقه في تفسير وتوضيح بعض الإشكاليّات الّتي بقيت عالقة على محكّ النّقاش.
وفي الأخير، ودون أن يكون في استطاعتنا الإلمام بكلّ جوانب الموضوع، يمكن أن نستخلص بأنّه : « سواء عارضنا أو وافقنا هذا الواقع، فإنّ كلّ القانون الحديث تطغى عليه صبغة وظائفيّة حادة»( ) تفسّر انتهاج المشرّع لتحميل مؤسّسة مراقب الحسابات دورا هامّا في حماية الشّركة خفيّة الاسم، يحمل في طيّاته السياسيّة التشريعيّة الحمائيّة للاقتصاد بصفة عامّة، لتجعل منه “آليّة قانونيّة لإنجاز أهداف اقتصاديّة واجتماعيّة وهنا يتّضح أساسا العمل العلمي لرجل القانون، والّذي يجد نفسه مجبرا على مواكبة التطوّرات الاقتصاديّة، فيبرز بالتّالي العمل التقني له”( ).
المقدّمـــة 1
الجزء الأوّل : النّظام القانوني لمؤسّسة مراقب الحسابات في إطار الشركة خفيّة الاسم 7
الفصل الأوّل : مجال وآليات تدخّل مراقب الحسابات في إطار الشركة خفيّة الاسم 8
الفقرة الأولى : تعيين مراقب الحسابات 8
أ- شروط تعيين مراقب الحسابات 8
ب- الطبيعة القانونيّة لمؤسّسة مراقب الحسابات 11
الفقرة الثانية : دور وصلاحيّات مراقب الحسابات في رقابة سير الشّركة خفيّة الاسم 14
أ- مهمّة مراقبة الحسابات مهمّة أصليّة 14
ب- المهمّة التبعيّة لمراقب الحسابات 19
الفصل الثاني : التشريع الجديد للشركة خفيّة الاسم وتدعيم دور مراقب الحسابات 22
الفقرة الأولى : السّهر على احترام أحكام تأسيس الشركة خفيّة الاسم 22
أ- مراقب الحسابات وجرائم الإصدار 22
ب- مراقب الحسابات ومراقبة تسجيل وإشهار الشركة خفيّة الاسم 25
الفقرة الثانية : مراقب الحسابات وحماية الشركة خفيّة الاسم « كمؤسّسة اقتصاديّة» 28
الجزء الثاني : نظــام المسؤوليّــة بين مراقب الحسابات والشركــة خفيّة الاسـم 31
الفصل الأوّل : إقرار المسؤوليّة الجزائيّة تجاه مراقب الحسابات 31
الفقرة الأولى : صرامة المسؤوليّة الجزائيّة لمراقب الحسابات 32
أ- المسؤوليّة الناتجة عن الجرائم المتعلّقة بصحّة المعلومة 32
1- إعطاء بيانات مغلوطة عن وضعيّة الشركة 33
2- تأييد بيانات كاذبة 33
ب- المسؤوليّة الناتجة عن الجرائم المتعلّقة بنشر المعلومة 36
ج- العقاب 39
الفقرة الثانية : مدى ثبوت المسؤوليّة الجزائيّة لمراقب الحسابات عن الأفعال الصادرة عن الغير 41
أ- اختصاص إثارة الدّعوى العموميّة 41
ب- تحديد صفة مراقب الحسابات 43
1- مراقب الحسابات الفعلي 43
2- صور مراقب الحسابات القانوني 44
الفصل الثاني : نطــاق المسؤوليّة المدنيّة لمراقـب الحسابات في الشّركة خفيّة الاسـم 47
الفقرة الأولى : إقرار المسؤوليّة المدنيّة لمراقب الحسابات 47
أ- المسؤوليّة المدنيّة لمراقب الحسابات عن الأفعال الصادرة عنه 47
ب- مسؤولية مراقب الحسابات عن الأفعال الضارّة وغير الصّادرة عنه 50
الفقرة الثانية : الضمانات الممنوحة لمراقب الحسابات 51
الخلاصة 53
– المراجع باللغة العربيّة :
– أحمد الورفلي : « الرقابة على الشركة خفيّة الاسم » ملتقى دولي حول مجلّة الشركات التجاريّة، أفريل 2001، منشورات مركز الدّراسات القانونيّة والقضائيّة، 2003.
– آزر زين العابدين : « دعاوى الغير تجاه مسيّري الشركا ت التجاريّة»، ملتقى علمي حول “الجديد في قانون الشركات التجارية”، المركز التونسي للمصالحة والتحكيم،26 و27 فيفري 2001.
– توفيق بن نصر : « تعليق على قانون الشركات التجارية » دار الميزان للنشر 1996.
– ثامر دمّق، « انقضاء الوكالة »، رسالة تخرّج من المعهد الأعلى للقضاء، 2000، منشورات المعهد الأعلى للقضاء.
– حسني أحمد الجندي : « القانون الجنائي للمعاملات التجاريّة : القانون الجنائي للشركات ».
– رشيد تمر : ” دور مراقب الحسابات في الشركات التجارية” الملتقى الدولي حول مجلّة الشركات التجاريّة، تونس أفريل 2000.
– كريد بلقاسم : « مراقب الحسابات في الشركة خفيّة الاسم، دوره ومسؤوليّته وعلاقته بالنّيابة العموميّة»، م. ق. ت. جانفي 1988.
– كوثر الحمدي : « جرائم الكذب في الشركات التجاريّة »، مذكرة لنيل شهادة الدّراسات المعمّقة في العلوم الجنائيّة، 2001-2002، كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس.
– محمود دواد يعقوب، « المسؤوليّة في القانون الجنائي الاقتصادي»، مذكّرة لنيل شهادة الدّراسات المعمّقة شعبة العلوم الجنائيّة، كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس، 1995-1996.
– نجلاء الزين : ” المسؤولية الجزائية لمراقب الحسابات”، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمّقة في العلوم الجنائيّة، كليّة الحقوق والعلوم السياسة بتونس، 1998.
– المراجع باللغة الفرنسية
– Charles Albert Morand, « Le droit néo-moderne des politiques publiques », droit et sociétés, 1999.
– D. Vidal : « Le commissaire aux comptes dans la société anonyme », LGDJ, 1985.
– F. Geny, « Science et technique en droit positif », Paris, Sirey, 1914.
– Fadoua Meddeb, « L’orientation de l’épargne et le droit des sociétés commerciales », mémoire DEA, 2000, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis.
– Fayçal Derbel,
* « Le commissariat aux comptes dans le cadre de la nouvelle législation des sociétés commerciales : Apports et limites », séminaire sur le nouveau code des sociétés commerciales, janvier 2001, Tunis, Centre de Conciliation et d’Arbitrage de Tunis.
* Le commissaire aux comptes, le maillon essentiel du processus de transparence de l’entreprise », séminaire sur « la transparence des entreprises au Magrheb, mai 2006.
– George Ripert, « Les aspects juridiques du capitalisme moderne », L.G.D.J, 2ème édition, Paris, 1951.
– H. Tuili, « Les attributions du C.M.F », mémoire DEA, Faculté de droit et des Sciences politiques de Tunis, 1996-1997.
– H.Corvest, « L’émergence de la dimension de l’entreprise en droit positif », Revue sociétaire, 1986, p207, n°14.
– J. Pradel : « Droit pénal économique », 2ème édition, Dalloz, Paris, 1950.
– J. Robert, « Les délits en matière des sociétés : droit pénal des sociétés comemrciales », Dalloz, 2ème édition, 1986.
– J.Gavalda, « Les secrets des affaires », Mélanges Savatier, 1964.
– J.Paillusseau,
* « L’entreprise et le droit commercial », publié sous la direction de Claude Champaud, Librairie Armand Colin, Paris V, 1970.
* « La société anonyme : techniques d’organisation de l’entreprise », Bibliothèque de droit commerciale, Tome 18, Sirey, Paris, 1967.
– Khouildi : « Chronique Jurisprudentielle de droit bancaire et boursier », RJL, Juin 1989.
– M.Hélène. Monserie, « Présentation des projets de réforme », Colloque international sur « Le code des sociétés commerciales », avril 2001.
– P.Gauthier et B.Lauret, « Droit pénal des affaires »
– A.Viandier, « Droit comptable », précis Dalloz, 1984.
– Y. Guyon, « Le rôle de la COB dans l’évolution du droit des sociétés commerciales », R.T.D Com, 1975, p 450.
————————————-
تمت اعادة النشر بواسطة محاماة نت.
اترك تعليقاً