دراسة تصف أوجه التشابه و التباين الأساسية بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان
القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان:
أوجه التشابه والتباين كشف يصف أوجه التشابه والتباين الأساسية بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
يرمي كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى حماية أرواح الأفراد وصحتهم وكرامتهم، وإن يكن من زاويتين مختلفتين. لا غرابة إذا أن جوهر بعض القواعد متشابه، إن لم يكن متطابقاً، رغم أن ثمة اختلافات كبيرة في صياغة هذه القواعد. وعلى سبيل المثال، تهدف كلا المجموعتين من القوانين إلى حماية الحياة الإنسانية وحظر التعذيب أو المعاملة القاسية وكفالة الحقوق الأساسية للأشخاص الخاضعين لإجراءات قضائية جنائية، كما تضم كل منهما أحكاماً تكفل حماية النساء والأطفال وأخرى تعالج جوانب من الحق في الغذاء والصحة. وعلى الجانب الآخر، فإن قواعد القانون الدولي الإنساني تعالج قضايا كثيرة تخرج عن نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان مثل سير الأعمال العدائية والوضع القانوني للمقاتلين وأسرى الحرب وحماية شارتيّ الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وبالمثل يعالج القانون الدولي لحقوق الإنسان جوانب للحياة في زمن السلم لا يغطيها القانون الدولي الإنساني كحرية الصحافة والحق في الاجتماع والتصويت والإضراب.
ما هو القانون الدولي الإنساني؟
القانون الدولي الإنساني هو جملة من القواعد الدولية التعاهدية أو العرفية الرامية تحديداً إلى حل المشكلات الناشئة مباشرةً عن النزاعات المسلّحة الدولية وعير الدولية. يحمي هذا القانون الأشخاص الذين يتأثرون أو قد يتأثرون والممتلكات التي تتأثر أو قد تتأثر بالنزاع المسلّح، كما يقيّد حق أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال.
وتتمثّل أهم مصادر القانون الدولي الإنساني المنطبقة في النزاعات المسلّحة الدولية في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الأول الإضافي إليها لعام 1977. أما المصادر التعاهدية الأساسية المنطبقة في النزاعات المسلّحة غير الدولية فهي المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني.
…وما هو القانون الدولي لحقوق الإنسان؟
القانون الدولي لحقوق الإنسان هو جملة من القواعد الدولية التعاهدية أو العرفية بوسع الأفراد والجماعات استناداً إليها أن يتوقعوا سلوكاً معيّناً من جانب الحكومات أو يدّعوا لأنفسهم الحق في مكاسب معيًنة من تلك الحكومات (أو يتوقعوا ذلك السلوك ويدّعوا لأنفسهم تلك المكاسب معاً). وتعد حقوق الإنسان بمثابة حقوق أصيلة يمتلكها الأشخاص كافة نتيجة لتمتعهم بالصفة الإنسانية. كما تضم جملة المعايير الدولية لحقوق الإنسان العديد من المبادئ والخطوط التوجيهية غير المستندة إلى معاهدات (“القانون اللين”).
وتتمثّل أهم المصادر التعاهدية للقانون الدولي لحقوق الإنسان في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والثقافية (1966)، فضلاً عن الاتفاقيات بشأن الإبادة الجماعية (1948) والتمييز العنصري (1965) والتمييز ضد المرأة
(1979) والتعذيب (1984) وحقوق الطفل (1989). أما أهم الصكوك الإقليمية فهي الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (1950) والإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته (1948) واتفاقية حقوق الإنسان
(1969) والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981).
وبينما تطوّر كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان تاريخياً على نحو منفصل، فإن المعاهدات الصادرة حديثاً تضم أحكاماً تتبع من كلا المجموعتين من القوانين. وتتمثّل أبرز الأمثلة في اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلّحة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
متى ينطبقان؟
ينطبق القانون الدولي الإنساني في زمن النزاعات المسلّحة، سواء كانت دولية أو غير دولية. والنزاعات الدولية هي الحروب التي تشمل دولتين أو أكثر وحروب التحريرـ بغض النظر عما إذا كانت الحرب قد أُعلنت أو ما إذا كانت الأطراف المشتركة تعترف بوجود حالة حرب.
أما النزاعات المسلّحة غير الدولية فهي تلك التي تشهد قتالاً بين القوات الحكومية ومتمردين مسلّحين، أو تتقاتل خلالها جماعات متمردة فيما بينها. ولما كان القانون الدولي الإنساني يعالج ظرفاً استثنائياً -النزاع المسلّح- فإنه لا يسمح بأي استثناء من أي نوع لأحكامه.
ومن حيث المبدأ، ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في كل الأوقات، أي في زمن السلم كما في حالات النزاع المسلّح. غير أن بعض معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان تسمح للحكومات بتعليق بعض الحقوق في حالات الطوارئ العامة التي تهدّد حياة الأمة. غير أن الاستثناءات يتعيّن مع ذلك أن تناسب مع الأزمة القائمة وألا يُعمل بها على أساس من التمييز، كما يتعيّن ألا تناقض قواعد أخرى للقانون الدولي – بما في ذلك قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولا تخضع بعض حقوق الإنسان لأي استثناء مهما كانت الظروف، وهي تشمل حق الحياة ومنع التعذيب والمعاملة أو العقوبات القاسية والمهينة واللاإنسانية وحظر الرق والاستعباد وحظر القوانين الجنائية الرجعية.
من المُلزم بهاتين المجموعتين من القوانين؟
يُلْزِم القانون الدولي الإنساني جميع أطراف النزاع المسلّح : في النزاعات الدولية يتعيّن أن تلتزم به الدول المشتركة في النزاع، أما في النزاعات غير الدولية فإنه يُلْزم الحكومات فضلاً عن الجماعات التي تقاتل ضدها أو تقاتل فيما بينها. ومن ثم فإن القانون الدولي الإنساني ينص على قواعد تسري على الدول كما على الأطراف الأخرى من غير الدول.
وينص القانون الدولي لحقوق الإنسان على قواعد مُلْزمة للحكومات في علاقاتها بالأفراد. وعلى حين أن ثمة رأياً متنامياً يذهب إلى أن الأطراف الأخرى من غير الدول -وخاصة إذا كانت تمارس وظائف شبه حكومية- يتعيّن أن تحترم أيضاً أعراف حقوق الإنسان فإن هذه القضية لم تُحْسم بعد.
هل الأفراد أيضاً مُلْزمون؟
يفرض القانون الدولي الإنساني واجبات على الأفراد كما ينص على إمكان مساءلة الأشخاص جنائياً بشأن “المخالفات الجسيمة” لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول والانتهاكات الجسيمة الأخرى لقوانين الحرب وأعرافها (جرائم الحرب). وينص القانون الدولي الإنساني على الاختصاص العالمي إزاء الأشخاص المشتبه في ارتكابهم مثل تلك الأعمال. ومع دخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ سوف يكون الأفراد أيضاً عرضة للمساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلّحة غير الدولية.
وعلى حين لا توجد واجبات محدّدة للأفراد بموجب معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن هذا القانون ينص أيضاً على المسؤولية الجنائية الفردية عن الانتهاكات التي قد تشكّل جرائم دولية، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتعذيب. وتخضع هذه الجرائم للاختصاص القضائي العالمي.
إن المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغسلافيا السابقة ورواندا المنشأتين مؤخراً، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنتظر قيامها، لديها أو سيكون لديها الاختصاص بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على السواء.
من يحظى بالحماية؟
يرمي القانون الدولي الإنساني إلى حماية الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية أو كفوا عن المشاركة فيها. وتعالج اتفاقيات جنيف الأربع المنطبقة في النزاعات المسلّحة الدولية معاملة جرحى ومرضى القوات المسلّحة في الميدان (الاتفاقية الأولى) والجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلّحة في البحار (الاتفاقية الثانية) وأسرى الحرب (الاتفاقية الثالثة) والأشخاص المدنيين (الاتفاقية الرابعة). ويشمل الأشخاص المدنيون النازحين داخلياً والنساء والأطفال واللاجئين والأشخاص غير المنتمين لأية دولة والصحفيين وغير ذلك من فئات الأفراد (الاتفاقية الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول).
وبالمثل، تعالج القواعد المنطبقة في النزاعات المسلّحة غير الدولية (المادة 3 المشتركة والبروتوكول الإضافي الثاني) معاملة الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية أو كفوا عن المشاركة فيها.
كما يحمي القانون الدولي الإنساني المدنيين من خلال القواعد الخاصة بسير الأعمال العدائية. وعلى سبيل المثال، يتعيّن على أطراف النزاع في كل الأوقات التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين وبين الأهداف العسكرية وغير العسكرية. ولا يجوز أن يكون السكان المدنيون ككل أو المدنيون من الأفراد محلاً للهجوم. وتُحْظر أيضاً مهاجمة الأهداف العسكرية إذا ما كان من شأن ذلك أن يلحق أضراراً مفرطة بالمدنيين أو الأعيان المدنية.
ولما كان القانون الدولي لحقوق الإنسان مصمّماً بالأساس لزمن السلم، فإنه يسري على الأشخاص كافة.
ما هو نظام التنفيذ…
…على الصعيد الوطني؟
تقع مسؤولية تنفيذ كلٍ من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان على عاتق الدول في المقام الأول.
ويجب على الدول أن تتّخذ عدداً من التدابير القانونية والعملية -في زمن السلم كما في حالات النزاع المسلّح- ترمي إلى كفالة الالتزام الكامل بالقانون الدولي الإنساني، وتشمل هذه التدابير :
• ترجمة معاهدات القانون الدولي الإنساني،
• منع جرائم الحرب والمعاقبة عليها، من خلال سن التشريعات الجنائية،
• حماية شارتيّ الصليب الأحمر والهلال الأحمر،
• تطبيق الضمانات الأساسية والقضائية،
• نشر القانون الدولي الإنساني،
• تدريب أشخاص مؤهلين في القانون الدولي الإنساني وتعيين مستشارين قانونيين لدى القوات المسلّحة.
ويحوي القانون الدولي لحقوق الإنسان كذلك أحكاماً تُلْزم الدول بتنفيذ قواعده، على الفور أو تدريجياً. ويتعيّن على الدول اعتماد العديد من التدابير التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها مما قد يكون ضرورياً لإعمال الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات، وقد يتضمن ذلك سن التشريعات الجنائية من أجل تجريم الأعمال المحظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقمعها، أو إتاحة طلب التعويض أمام المحاكم الجنائية بشأن انتهاكات حقوق معيّنة وكفالة فعالية التعويض.
…على الصعيد الدولي؟
أما بالنسبة للتنفيذ على الصعيد الدولي، فإن الدول عليها مسؤولية جماعية بموجب المادة الأولى المشتركة لاتفاقيات جنيف التي تنص على احترام وكفالة احترام الاتفاقيات في جميع الأوقات. ويشمل نظام الإشراف أيضاً آلية الدولة الحامية وإجراءات التحقيق واللجنة الدولية لتقصّي الحقائق المنصوص عليها في المادة 90 من البروتوكول الأول الإضافي. كما تتعهد الدول الأطراف في البروتوكول الإضافي الأول بأن تتعاون مع الأمم المتحدة في حالات الانتهاكات الخطيرة للبروتوكول الإضافي الأول أو اتفاقيات جنيف.
وتعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر مكوّناً رئيسياً لهذا النظام، وذلك بحكم التفويض الممنوح لها بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول والنظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وتكفل اللجنة الدولية الحماية والمساعدة لضحايا الحرب وتشجّع الدول على تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وتعمل على ترويج هذا القانون وتطويره.
كما أن حق المبادرة الذي تتمتع به اللجنة الدولية يتيح لها أن تعرض خدماتها أو تتولى أي عمل تراه ضرورياً لكفالة التطبيق الوافي للقانون الدولي الإنساني.
ويشمل نظام الإشراف الخاص بالقانون الدولي لحقوق الإنسان هيئات أُنشئت بموجب ميثاق الأمم المتحدة أو معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان الرئيسية. والهيئة الأساسية المنشأة بموجب الميثاق هي لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ولجنتها الفرعية الخاصة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان. كما طوّرت اللجنة “تدابير خاصة” خلال العقدين الأخيرين، مثل المقررين الخاصين المعنيين بقضايا أو بلداناً بعينها، ومجموعات العمل المكلّفة بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل إطار مهامها وتقديم تقارير عن تلك الأوضاع.
كما تنص ست من معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان الرئيسية على إنشاء لجان من الخبراء المستقلين المكلفين بمراقبة تنفيذها.
ويلعب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان دوراً رئيسياً إذ يتولى المسؤولية الأساسية عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان عامة. ويرمي المكتب إلى دعم فعّالية آلية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وزيادة النشاط المتّصل بتنفيذ حقوق الإنسان والتنسيق بشأنها على مستوى نظام الأمم المتحدة ككل، وبناء القدرات الوطنية والإقليمية والدولية اللازمة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ونشر نصوص حقوق الإنسان والمعلومات المتّصلة بهذه الحقوق.
…وعلى المستوى الإقليمي؟
يعد عمل محاكم ولجان حقوق الإنسان الإقليمية المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان الإقليمية الرئيسية في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا سمة مميّزة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يوجد ما يقابلها في القانون الدولي الإنساني. بيد أن آليات حقوق الإنسان الإقليمية تبحث على نحو متزايد في انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي القلب النابض للنظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان في ظل الاتفاقية الأوروبية لعام 1950. أما أبرز هيئات الإشراف في الأمريكتين فهي اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، على حين أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان هي هيئة الإشراف المنصوص عليها في الميثاق الأفريقي لعام 1981. ولم تدخل حيز التنفيذ بعد معاهدة تُنشئ محكمة أفريقية لحقوق الإنسان.
——————————————-
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.
اترك تعليقاً