(برنـــارد شو)
“يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال…
ولكني لا أؤمن بالظروف
فالناجحون في هذه الدنيا
أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها
فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم.”
موضوع المذكرة : اجـــراءات العفـــو و طـــرق تــطبيقها
مقدمـــــة
تعتبر العقوبة رد فعل من المجتمع ضد المجرم الذي أخل بفعله العدواني بمصالحه واستقرار أمنه وذلك بالقصاص منه وردعه بالقدر الذي يكفي لإقامة العدالة، وتبعا لذلك تنقضي العقوبة بتنفيذها فعلا على المحكوم عليه، وفقا للحكم الجزائي الصادر بشأنها.
فالتنفيذ هو الطريق الطبيعي لانقضاء العقوبة غير أن هناك أسباب أخرى تنقضي بموجبها العقوبة وتعد الطريق الغير العادي لإنقضائها منها السقوط بالتقادم، وفاة المحكوم عليه والعفو عن العقوبة.
وإذا كان السببين المذكورين سالفا التقادم ووفاة المحكوم عليه تنقضي بموجبهما العقوبة بدون أي إجراء يتخذ بصدد هما فان العفو عن العقوبة لا يتقرر إلا بموجب إجراء قانوني يتخذ من طرف سلطة محددة في الدولة وعادة ما يمنح لرئيس الدولة باعتباره أعلى سلطة في البلاد.
وتعتبر دراسة حق العفو عن العقوبة من أهم الدراسات المستحدثة والتي لا تزال بكرا في الدراسات العربية والغربية نظرا إلى أن أقلام الدارسين وتحاليل الباحثين لم تطلها لا بشيء من التفصيل أو الإيجاز بسبب قصور ونقص القواعد التشريعية و النصوص التنظيمية، إضافة إلى الاختلاف الذي طبع وجهات النظر حول تأصيل أساس ومفهوم العفو عن العقوبة.
والملاحظ أن معظم الدول قد قامت بتكريسه في دساتيرها وقوانينها ولكنها لم تعط له مفهوم محدد وتركت الأمر للفقه ليتولي تعريفه ودراسته.
ففي الفقه الغربي والفرنسي خاصة نجد مفهومه يدور حول فكرة اعتبار العفو عن العقوبة إجراء رأفة وتسامح يخول لرئيس الجمهورية إعفاء بعض المحكوم عليهم جزئيا أو كليا من العقوبة المحكوم بها ضدهم.
كما عرفهالفرنسي بأنه (صلاحية رئيس الجمهورية في إلغاء العقوبة المحكوم بها نهائيا على بعض المحكوم عليهم وهدا الإلغاء قد يكون جزئيا أو كليا).
أما في الأنظمة العربية نجدها كغيرها من الأنظمة الأخرى للدول قامت بتبنيه في دساتيرها وقوانينها ومن بين هذه الدول نجد القانون اللبناني الذي نص في مادته 153/1 في تعريف العفو (هو إنهاء التزام بتنفيذ العقوبة إزاء شخص صدر ضده حكما نهائيا وهذا الإنهاء إما يكون كليا أو جزئيا أو استبدال التزام بالتزام آخر موضوعه عقوبة أخرى و ذلك بناء على مرسوم صادر عن رئيس الدولة ) أما في الفقه نجد التعاريف تدور حول اعتبار العفو عن العقوبة هو إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها بأمر ملكي .
كما عرفه السيد صبري بأنه ًعمل يصدر عن السلطة التنفيذية برفع العقوبة عن المحكوم عليه رفعا كليا أو جزئيا وتوقيع عليه عقوبة أخف من العقوبة المحكوم بها كليا أو جزئيا.
هذا في ظل الأنظمة العربية أما في ظل النظام القانوني الجزائري فقد تم تكريس حق العفو في كل الدساتير بعد الاستقلال، فدستور 1963.12.10 نص في مادته 46 على اختصاص رئيس الجمهورية بمنح حق العفو عن العقوبة بعد إشعار المجلس الأعلى للقضاء، وبالرجوع إلى نص المادة 45 منه نجد رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للقضاء.
أما في 1965 وعلى اثر الوضع الذي فرضه التصحيح الثوري في 19جوان 1965 الذي جاء ببيان يحمل تاريخ الواقعة 19 جوان الذي بموجبه أوقف العمل بالدستور فحل المجلس التأسيسي وشكل مجلس الثورة الذي اضطلع بجميع مهام رئيس الجمهورية ومن بينها ممارسة حق العفو عن العقوبة.
وعلى إثر صدور دستور 22نوفمبر1976 نص في مادته 111 فقرة 13 على اختصاص رئيس الجمهورية بممارسة حق العفو عن العقوبة، كما نصت المادة 182 من نفس الدستور على أن المجلس الأعلى للقضاء يبدي رأيا استشاريا قبل ممارسة الرئيس لحق العفو وقد نصت المادة 181 على أن رئيس الجمهورية يترأس المجلس الأعلى للقضاء وفي ذلك تقول المادة التي وردت تحت عنوان صلاحيات رئيس الجمهورية( له حق إصدار العفو وحق إلغاء العقوبات أو تخفيضها وكذلك حق إزالة كل النتائج القانونية أيا كانت طبيعتها والمترتبة عن الأحكام التي تصدرها المحاكم).
وبصدور دستور 1989 نص في مادته 74فقرة 8 و147 على نفس الأحكام كما نصت المادة 105 من القانون الأساسي للقضاء الصادر في 1989.12.12 على أنه يستشار المجلس الأعلى للقضاء فيما يتعلق بالطلبات والاقتراحات الخاصة بالعفو.
و في ظل الدستور الحالي فقد كرست المادة 77 فقرة 7 حق العفو و منحته لرئيس الجمهورية بنفس الصياغة التي وردت في دستور 1989 بقولها ” له حق إصدار العفو و حق تخفيض العقوبات أو استبدالها ” كما نصت المادة 156 منه على الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء فيما يخص حق العفو الذي يمارسه رئيس الجمهورية.
و الملاحظ في هذه القراءة الموجزة لتطور العفو عن العقوبة في الدساتير الجزائرية أن جميعها قد تضمنته بنفس الأحكام وذلك بتكريسه دوما من صلاحيات رئيس الجمهورية يمارسه وفقا لسلطته التقديرية بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء ولهذا سمي بالعفو الرئاسي.
أما في ظل التشريع الجزائري فلم يتضمنه لا قانون العقوبات و لا قانون الإجراءات الجزائية بأية أحكام على خلاف التشريعات العربية، و إنما وردت كلمة العفو كسبب من أسباب انقضاء العقوبة في المواد 582فقرة 2- 589 فقرة 2 – 677 فقرة 4 من قانون الإجراءات الجزائية.كما نصت الم677/4 منه على أن (الإعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبة يقوم مقام تنفيذها الكلي أو الجزئي).
كما أشار إليه قانون تنظيم السجون بصورة عرضية وذلك في المواد 16/8 .9 –م17 م134- م155 م 156م 168 ، وأهم ما يمكن الإشارة إليه هو ما تضمنته الم 134 من هذا القانون التي نصت على أنه ( تعد المدة التي تم خفضها من العقوبة بموجب عفو رئاسي كأنها مدة حبس قضاها المحبوس فعلا ) هذه الأخيرة التي أعطت بعض الميزات للعفو.
وقد خصته الدراسات الفقهية ببعض الإشارات المحتشمة نجد بين حناياها العفو هو (إجراء أو تدبير يعفى بموجبه المذنب أو المدان من تطبيق العقوبة التي كان يجب عليه قضاءها في السجن سواء كان هذا العفو عاما أو خاصا).
كما عرفه الدكتور “أحسن بوسقيعة” في كتابه شرح القانون الجزائي العام ” العفو عن العقوبة يتضمن معنى صرف النظر عن تنفيذ العقوبةًً.
فلأجل هذه النقائص خصصنا بحثنا لإعطاء نظرة و جيزة عن بعض الجوانب المتعلقة بحق العفو عن العقوبة في ظل الدراسات النظرية والتطبيقات العملية، محاولين معرفة
ما هي خصائص و مميزات العفو وطريقة تطبيقه ؟
وما هي مكانة العفو الرئاسي في السياسة العقابية المنتهجة من الدولة لتنفيذ العقوبة من جهة وإعادة إدماج المحكوم عليهم من جهة أخرى؟
وللإجابة عن جميع تساؤلاتنا ارتأينا معالجة الموضوع وفق الخطة التالية.:
الفصل الأول: الطبيعة القانونية للعفو عن العقوبة وتمييزه عن بعض الصور المشابهة له مع تقديره في ظل المنظومة القانونية.
المبحث الأول: الطبيعة القانونية لعفو عن العقوبة.
المطلب الأول: موقف الفقه من الطبيعة القانونية للعفو
المطلب الثاني: موقف القضاء من الطبيعة القانونية للعفو.
المطلب الثالث: تمييز العفو عن العقوبة عنبعض الصور المشابهة له.
المطلب الأولتمييزبين العفو عن العقوبة والعفو الشامل.
المطلب الثاني تمييزبين العفو عن العقوبة ولعفو القضائي.
المبحث الثالث: تقدير العفو عن العقوبة وسط المنظومة القانونية.
المطلب الأول: الانتقادات الموجهة للعفو عن العقوبة
المطلب الثاني: مزايا العفو عن العقوبة.الفصل الثاني :إجراءات وطريقة تطبيق العفو عن العقوبة والآثار المترتبة عن ذلك .
المبحث الأول: شروط وإجراءات العفو عن العقوبة.
المطلب الأول: شروط الاستفادة من العفو عن العقوبة.
المطلب الثاني:إجراءات صدور مرسوم العفو عن العقوبة.
المبحث الثاني: طريقة تطبيق مرسوم العفو عن العقوبة.المطلب الأول: صدور تعليمة وزارية تبين كيفية تنفيذ مرسوم العفو.
المطلب الثاني: طريقة تنفيذ التعليمة الوزارية على مستوى المؤسسات العقابية.
المبحث الثالث: آثار العفو عن العقوبة.
المطلب الأول: آثار العفو علىالمحكوم عليه.
المطلب الثاني: آثارالعفو على الغير.
الخاتمة.
الفصــل الأول : الطبيعة القانونية للعفو عن العقوبة و تمييزه عن بعض الصور المشابهة له مع تقديره في ظل المنظومة القانونية.
إن دراستنا لهذا الفصل اقتضتها ظروف و ملابسات تطبيق العفو كونه مجهول المعالم في وسط المنظومة القانونية من حيث التكييف القانوني و تحديد طبيعته القانونية، هذه الأخيرة التي يكتنفها الغموض و عدم التوحيد بين آراء الفقهاء خاصة بالنظر إلى خصائصها المعقدة.
[FONT="]إضافة إلى ذلك ارتأينا أن تحديد الطبيعة القانونية لا يكفي وحده لرسم معالمه نظرا لاختلاط صورته ببعض الصور المشابهة والتي تؤدي نفس وظيفته في إطار تنفيذ السياسة العقابية،إلا أن المشرع قيدها ببعض الشروط والقيود التي يتعذر توافرها في بعض الحالات فيعتبر العفو تبعا لذلك مكملا لهذه الأنظمة ، فخصصنا لمحة و جيزة و مختصرة لتمييزه عنها و إظهار مواطن الشبه و الإختلاف.
و أخيرا أنهينا فصلنا بتقدير العفو عن العقوبة من حيث الانتقادات التي وجهت له و مبررات التمسك به منذ القدم وتكريسه في معظم دساتير الدول، الأمر الذي جعله يصمد أمام من نادوا بإلغائه.
المبحث الأول:الطبيعة القانونية للعفو عن العقوبة:
يرى “الفقيه شارل رولو” أن الهدف من معرفة الطبيعة القانونية لحق العفو عن العقوبة هو تحديد الدور الذي يلعبه في الميدان القانوني، وذلك يتطلب منا القيام بعملية تحليل حق العفو من الناحية الموضوعية أي البحث في خصائصه و طبيعته الجوهرية و تحليله من الناحية الشكلية أي الاهتمام بالجهة التي أصدرته.
و من هذا الرأي نستخلص أن تحديد الطبيعة القانونية لها آثارها في الميدان القانوني خاصة فيما يمس بحقوق الأفراد من جهة وما يمس بمصلحة المجتمع من جهة أخرى، و تحديد ذلك يرجع إما إلى الناحية الموضوعية أو الشكلية،و من هذا المنظور اختلفت آراء الفقهاء و اجتهادات القضاء في تحديد الطبيعة القانونية لحق العفو و التي سنتناولها تباعا.
المطــلب الأول: موقف الفقه من الطبيعة القانونية للعفو عن العقوبة:
اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لحق العفو عن العقوبة و أخذت آراؤهم في ذلك مذاهبا مختلفة و ذلك إما بالنظر إلى الجهة التي أصدرته فاعتبر من أعمال السيادة، و هناك من نظر إلى خصائصه فكيفه على أنه عملا إداريا، فيما وصفه البعض الآخر بأنه عمل قضائي كونه مرتبط بتنفيذ عمل قضائي، و لكل اتجاه حججه و مبرراته.
فالاتجاه الأول يرى أن حق العفو عن العقوبة عملا من أعمال السيادة و يعتبر هذا الاتجاه من أقدم الاتجاهات ظهورا وأكثرها تبنيا ، بحيث يرى أنصار هذه النظرية أن معيار السيادة ينبني على أساس التمييز بين أعمال الحكومة و الإدارة، فالسلطة التنفيذية تنقسم طبقا لهذه النظرية إلى إدارة و حكومة، فما صدر منها بصفتها الأولى باعتبارها إدارة اعتبر عملا إداريا و ما صدر بصفتها الثانية باعتبارها حكومة يعتبر عملا من أعمال السيادة.
وتبعا لذلك فإن القرار الإداري الذي يتخذ من أجل تحقيق هدف سياسي يفقد صفته الإدارية و تسبغ عليه الصفة السياسية أو الحكومية التي لا تخضع لرقابة القضاء بجميع أنواعه و درجاته، ويعطى هذا الوصف في أغلب الأحيان للأعمال التي يقصد من ورائها التهرب من الرقابة القضائية .
وبما أن مرسوم العفو يصدر عن رئيس الجمهورية طبقا للاختصاصات المخولة له في الدستور فإنه يعتبر من أعمال السيادة التي لا تخضع إلى المراجعة والطعن من أية جهة كانت.
كما تبنى هذا الاتجاه الفقه العربي الذي أجمع على أن قرار العفو عن العقوبة هو عمل من أعمال السيادة التي بموجبها يمنع على القضاء النظر فيه باعتباره غير مختص في نظر النزاع الذي يمكن أن يثيره.
غير أن هذه النظرية تلقت انتقادات في أوساط الفقه الإداري و الدستوري الذين نادوا بتحديد مفهوم نظرية أعمال السيادة حسب الأسس و المبادئ القانونية، و بالتالي التمييز بين الأعمال الإدارية و الأعمال السياسية، هذه الأخيرة التي لا يمكن لها أن تنشئ مراكز قانونية شخصية ( حقوق ) أو تمس بها و لما كان قرار العفو عن العقوبة يصدر عن السلطة التنفيذية لتخفيف العقوبة أو استبدالها بغيرها،فإنه يمس بحقوق الأفراد وينشأ لهم مراكز جديدة وبالتالي لا يمكن اعتباره من أعمال السياد.
كما ذهب البعض إلى محاولة إعطاء بعض النماذج التي يمكن اعتبارها من أعمال السيادة منها العلاقات الخارجية أي الدولية والتي يمارسها رئيس الجمهورية باعتباره مقررا للسياسة الخارجية وموجها لها.
كما تظهر من خلال علاقة السلطة التنفيذية بالبرلمان من حيث إعداد وتحضير القوانين ومناقشتها أو حل المجلس الشعبي الوطني.
والملاحظ هنا أن العفو عن العقوبة يخرج عن كل هذه المجالات، مما يجعل تكييفه على أنه من أعمال السيادة قولا بدون أي أساس،ولا يوجد ما يبرره قانونا.
و قد زاد نفور الفقهاء من هذا التيار بعد صدور قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 28 مارس 1948 الذي أكد على استبعاد قرار العفو عن العقوبة من عداد أعمال السيادة.
الإتجاه الثاني: اعتبر حق العفو عن العقوبة عملا قضائيا، و يرى “العميد دوجي” أول من قال بتكييف قرار العفو عن العقوبة بأنه عملا قضائيا و تبعه في ذلك تلميذه “شارل رولو”و النتيجة التي توصلا إليها أنه لا فرق بين قرار رئيس الجمهورية الذي يقضي بالعفو عن العقوبة، و الحكم القضائي المقرر لعقوبة نافذة في حق المتهم2.
و قد أجرى الفقيه “شارل رولو” مقارنة بين قرار العفو الصادر عن رئيس الجمهورية و الحكم القضائي و رأى بأنهما متقاربان من حيث كونهما ناتجان عن تحقيق مسبق فالقاضي يصدر حكمه بعد التحقيق في الوقائع و التأكد من أركان الجريمة، فيما يقوم رئيس الجمهورية في التحقيق التأكد من أن المحكمة طبقت عقوبة جنائية على شخص معين خالف قاعدة قانونية أدت إلى وضعه في مركز قانوني معين ( الإعدام – السجن – الحبس- الغرامة ).
كما أن قرار العفو يشبه الحكم القضائي كونه يغير المركز القانوني للمحكوم عليه، إما بإعفائه من العقوبة أو التخفيف منها أو بإستبدالها و لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يتصرف بمعزل عن الهيئة القضائية أي في غياب حكم قضائي، بل أن سلطته مقيدة بمضمون هذا الحكم إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يفرض عقوبة أشد من العقوبة المحكوم بها و لا يمكنه أن يمس بعدم الأهلية و لا بالحجر القانوني الذي يفرضه الحكم القضائي على المحكوم عليه،
و قد وجهت لهذا الاتجاه مجموعة من الانتقادات أهمها ّأن منطق التحليل الذي أتى به الدكتـور “شارل رولو” يرتكز على جانب فلسفي أكثر منه واقعي كونه يقارب بين نوعين من العمل متعارضين و متعاكسين فقرار المحكمة يدين وقرار رئيس الجمهورية يعفي أو يخفف كما أنهما ليسا من طبيعة واحدة كونهما لا يحتويان على نفس الشروط.
كذلك قرار العفو لا يغير من مركز المحكوم عليه بتعديل الحكم الصادر عن المحكمة بل يبقى كما هو و إنما يقوم بتعديل طريقة تنفيذ العقوبة، و الدليل على ذلك أن قرار العفو لا يمس إلا العقوبة الأصلية دون أن يتعدى إلى العقوبات التبعية أو التكميلية كإسقاط الأهلية و الحرمان من الحقوق المدنية و السياسية.
إضافة إلى أن الأحكام القضائية قابلة للطعن فيها و قرار رئيس الجمهورية القاضي بمنح العفو عن العقوبة غير قابل للطعن.
ونظرا إلى هذه الانتقادات التي نادت بتمييز العفو عن العقوبة الذي يصدره رئيس الجمهورية عن صفة و خصائص العمل القضائي أستبعد هذا الاتجاه.
الإتجاه الثالث:يعتبر قرار العفو عن العقوبة عمل إداري و هذا الإتجاه من أحدث الاتجاهات التي نادت بتكييف قرار العفو بأنه قرار إداري، و على رأسهم الفقيه جاور الذي قال في كتابه شرح “قانون العقوبات ” (العفو عن العقوبة هو عمل من أعمال السلطة التنفيذية، بموجبه تقوم بإعفاء المحكوم عليه بعقوبة نهائية من تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه،كليا أو جزئيا أو باستبدالها بعقوبة أخرى مقررة قانونا أقل شدة منها بمقدار أقل أو أكثر اتساعا بالنسبة لكل محكوم عليه، و هو إجراء فردي يمنح لشخص محدد).
و يضيف الفقيه “جارو” أن العفو عن العقوبة يدخل ضمن الصلاحيات الإدارية لرئيس الجمهورية، فباسمه و تحت سلطته تنفذ العقوبات و يمكنه بذلك أن يعفي من تنفيذ العقوبة أي شخص لأنه مكلف بهذه المهمة.
كما أكد على أن قرار العفو عن العقوبة هو من المهام الإدارية الخاصة برئيس الجمهورية و بسبب إعتباره كذلك لا يمكن لقرار العفو عن العقوبة أن يعدل الحكم القضائي بالعقوبة لأن العمل الإداري لا يمكنه أن يعدل من العمل القضائي، و ذلك إستنادا إلى مبدأ الفصل بين السلطات.
وعليه لا يمكن إستبعاد قيام دعوى تجاوز السلطة ضد قرار العفو عن العقوبة في حالة ما إذا فرض رئيس الجمهورية جزاءا إداريا بدلا من تطبيق عقوبة من عقوبات القانون العام على إعتبار أن قرار العفو عمل إداري.
غير أن هذا الإتجاه لم يسلم من الانتقادات خاصة الأفكار التي جاء بها الفقيه “جارو” ذلك أنه أخلط بين تنفيذ العقوبة التي تعتبر عمل مادي، و الحكم بالعقوبة الذي يعتبر عمل قانوني.
فتنفيذ العقوبة لا ينشأ مركز قانوني جديد للمتهم لأن وضعيته القانونية قد أنشئت بالحكم القضائي فهي نهائية، وتنفيذ العقوبة ما هي إلا بداية لتنفيذ الجزاء المنصوص عليه في القانون الذي طبق على المحكوم عليه بواسطة الحكم.
وعليه فإن تنفيذ العقوبة مرتبط بالحكم الذي نطق بها، وبالتالي لا يمكن للعمل المادي الناشئ كنتيجة لعمل قانوني أن ينفصل عنه، و أنه من الثابت أن العقوبة المحكوم بها بصفة قانونية و نهائية يجب أن تنفذ بحسب نص القانون و تفرض على الكل إلا إذا نص القانون على إمكانية تعديلها.
والملاحظ على جميع الآراء الفقهية المعروضة التي تناولت البحث في الطبيعة القانونية للعفو أنها لم توفق إلى حد بعيد في تكييفاتها، فمن حيث اعتباره من أعمال السيادة بدى الأمر أكثر تعقيدا وذلك بالنظر الى الجهة المصدرة و الاختصاصات المخولة لها خاصة أن أعمالها غير محددة ولا توجد أية معايير يمكن الإستناد عليها لاعتبار أي عمل قانوني من أعمال السيادة.
كما أن اعتبارهم قرار العفو من الأعمال الإدارية لصدوره عن هيئة إدارية متمثلة في السلطة التنفيذية واحتوائه على كل خصائص القرارات الإدارية رأي منتقد، كونه يفتقد عنصر الإيذاء أي الإضرار بمراكز الأشخاص بل يسعى الى تحسين وضعيتهم.
أما فيما يخص إعتباره من الأعمال القضائية لاتصاله بالأحكام القضائية اتصالا وثيقا ، فإن ذلك يعتبر مغالطة قانونية ، لاختلاف طبيعة كل واحد منهما عن الآخر وبالتالي لابد من التفرقة بين الحكم القضائي كعمل قانوني يصدر من سلطة مستقلة، وتنفيذ الأحكام الذي يعد عملا ماديا منوطا بالسلطة التنفيذية.
المطلب الثاني: موقف القضاء من الطبيعة القانونية للعفو عن العقوبة.
من خلال هذه الدراسة نحاول التعرف على موقف القضاء من التكييف القانوني لحق أو قرار العفو، لنرى مدى مسايرته لمنحى الفقه في هذا المجال و نركز وجهتنا خاصة على موقف القضاء الفرنسي كونه المنهل الذي تستقي منه معظم المحاكم اجتهاداتها القضائية ثم نعرج إلى موقف القضاء العربي من هذا التكييف.
فالقضاء الفرنسي عرض عليه موضوع العفو عن العقوبة عدة مرات، و كان يتعلق في معظم الأحيان إما بالطعن في قرار رفض طلب العفو و إما برفض المحكوم عليه الإستفادة من العفو عن العقوبة.
[FONT="] وأهم قضية طرحت إشكالات عديدة في الموضوع هي قضية الجندي الفرنسي1 المدعو”
الذي استفاد من العفو عن العقوبة ” الإعـدام ” المحكـوم بها ضده من طرف المحكمـة العسكرية و ذلك باستبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة و لما بلغ بالقرار رفضه و قدم طعنا أمام مجلس الدولة الفرنسي.
وأهم الأوجه التي أثارها في الطعن أن قرار العفو أساء إلى مركزه، وذلك بإبداله عقوبة بدنية بسيطة هي الإعدام بعقوبة بدنية مخلة بالشرف التي يترتب على تنفيذها تجريده من الرتب والنياشين العسكرية وهي عقوبة جديدة لم يتضمنها حكم الإدانة الصادر عن المحكمة العسكرية.
إضافة إلى أن قرار العفو لم يحترم نظام تدرج العقوبات العسكرية لأن الفعل الذي ارتكبه لم يكن معاقبا عليه إلا بإحدى العقوبتين الإعدام أو الأشغال الشاقة، وعليه طلب من مجلس الدولة إلغاء قرار العفو عن العقوبة لعدم مشروعيته.
وكان رد مجلس الدولة الفرنسي على هذا الطلب سلبيا إذ كان تعليله بقوله “وحيث أن الأعمال-القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية عند ممارسة حق العفو عن العقوبة هي من الأعمال الغير قابلة للطعن فيها أمامه، فإنه يتعين عليه رفض طعن السيد “جوجال” لعدم الإختصاص.
أثارت هذه القضية إشكالية قانونية فريدة من نوعها، فمن ناحية تساءل البعض عن جدوى الطعن خاصة أن قرار العفو قد حسن وضعية الطاعن بنجاته من الإعدام واستبداله بعقوبة الأشغال الشاقة.
ومن ناحية أخرى أثار البعض من الفقهاء العيوب التي شابت قرار العفو وذلك بتجريد الطاعن من رتبته العسكرية في حين لم يتضمن حكم المحكمة العسكرية ذلك، إضافة إلى عدم احترام القرار لمبدأ تدرج العقوبات وتسلسلها.
وبالنظر إلى هذا الجانب الأخير رأى البعض إمكانية الطعن في قرار العفو عن العقوبة، وقد نازع آخرون في هذه الإمكانية مبررين اعتراضهم:
بقولهم “ليس للمحكوم عليه الحق في رفض قرار العفو المخفف للعقوبة، وأن قرار العفو عن العقوبة هو حق من اختصاص رئيس الجمهورية وليس حق للمحكوم عليه، ويرجع لرئيس الجمهورية وحده تحديد كيفية وطريقة استعماله وما على المحكوم عليه إلا أن يذعن لإرادة رئيس الجمهورية”.
ولما كان العفو عن العقوبة منحة من الحاكم إلى المحكوم عليه وجب عليه قبوله دون تحفظ، كما يجب عليه أن يتحمل النتيجة مهما كانت، تكفيرا عن ذنبه ثم إن إجراء منح العفو عن العقوبة يهدف إلى إحقاق العدالة وتحقيق المصلحة الإجتماعية.
ولا ننكر على المحكوم عليه حقه في تقديم طلب العفو إلى رئيس الجمهورية دون أن يتعدى هذا الطلب إلى تحقيق نتيجة ,ومما سبق نستنتج أن قرار العفو عن العقوبة لا يعتبر في نظر القضاء الفرنسي عموما، وفي نظر مجلس الدولة الفرنسي عملا من أعمال السيادة وذلك رغم ما يقال عن عدم قابلية الطعن فيه أمامه، ولكن أسباب عدم قبول الطعن ترجع إلى عوامل أخرى وليس لكونه عملا من أعمال السيادة.
بالنسبة لموقف القضاء العربي من تكييف العفو عن العقوبة فالأمر متذبذب في كل من مصر، سوريا ولبنان باعتبار قرار العفو عن العقوبة يعتبر عملا من أعمال السيادة التي لا يجوز للقضاء الإداري النظر فيها.
وقد صدر قرار من مجلس الدولة المصري أقر في حكم من أحكامه أن الأعمال المتخذة تطبيقا أو تنفيذا لنص دستوري أو قانوني لا تعتبر من أعمال السيادة.
ولما كان قرار العفو يصدر عن رئيس الجمهورية تطبيقا لنص دستوري فإنه والحالة هذه لا يعتبر في نظر هذا المجلس عملا من أعمال السيادة وإنه من حيث المبدأ لو عرض عليه أمر النظر في مثل هذا القرار لما تردد بقبول الطعن فيه وبحثه من حيث الموضوع.
مجلس الدولة السوري من جهته ذهب إلى القول أن كل قرار اتخذ تنفيذا لنص قانوني أو لنص لائحي لا يعتبر عملا من أعمال السيادة، إلا أنه لم يتكلم عن القرارات التي تتخذ تنفيذا لنص دستوري مثل هذه الحالة .
من هذا التحليل نعتقد أن قرار العفو عن العقوبة لا يشكل في نظر مجلس الدولة السوري عملا من أعمال السيادة.
أما في لبنان فقد أصدر مجلس الدولة قرارا في 15 أكتوبر 1962 قال فيه “إن قرار العفو الخاص لا يشكل عملا من أعمال السيادة، وهو ليس عملا إداريا ولا عملا قضائيا ومع ذلك فهو غير قابل للطعن فيه أمام المجلس1.
وما يمكن استخلاصه عن موقف القضاء العربي من الطبيعة القانونية لقرار العفو أنه لم يعطه أي وصف أو تكييف ولكنه بخله من حق الطعن فيه، كما أن هذه المسالة لم يتكرر عرضها على القضاء حتى تثير انتباه الدارسين للبحث عن تكييفه ومدى قابليته للمراجعة على اعتبار أن العفو في ُأغلب الأحيان يأتي محسنا لوضع المحكوم عليهم وبالتالي يخدم مصلحتهم الشخصية.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى موقف القضاء والفقه الجزائري من هذه الطبيعة، إذ أن الدكتور نبيل صقر يرى أن العفو عن العقوبة إجراء فردي يصدر لشخص محدد صدر عليه حكما نهائيا بعقوبة ومع ذلك فليس هناك في القانون ما يمنع رئيس الجمهورية من استخدامه في حالات أخرى.
ويعتبر وفقا لقضاء محكمة النقض عملا من أعمال السيادة لا يملك القضاء المساس به أو التعقيب عما صدر العفو عنه، وأن صدوره يخرج الأمر من يد القضاء وتكون محكمة النقض غير مستطيعة المضي في نظر الدعوى ويتعين عليها التقرير بعدم جواز الطعن.
ثم انه ليس حقا للمحكوم عليه بل هو رخصة ممنوحة لرئيس الجمهورية كوسيلة لتدارك ما قد يحدثه تنفيذ العقوبات من تناقض مع مقتضيات المصلحة العامة سواء لخطأ الحكم أو ظلمه واستحالة تصحيحه قضائيا أو لاعتبارات أخرى لا شأن لها بسلامة الحكم، فيجوز لرئيس الجمهورية أن لا يصدره حتى ولو طالب به المحكـوم عليه، وله أن يصدره ولو لم يطلب منه أحـد، فإن أصـدره نفذ وأنتج أثره، ولو رفضه المحكوم عليه أصر على التنفيذ، وسلطة رئيس الجمهورية لإ صدار العفو مطلقة بدون شرط أو رقابة
المبحث الثاني: تمييز العفو عن العقوبة عن بعض الصور المشابهة له
يختلط مفهوم العفو عن العقوبة ببعض الصور و الأنظمة المشابهة له، خاصة من حيث الوظيفة المشتركة بينهم بحيث يعتبر نظاما مكملا إلى جانبها ، ومن بين هذه الأنظمة نجد ظروف التخفيف وقف التنفيذ، الإفراج المشروط و طلب إعادة النظر .
لكن من أهم الصور الأكثر اختلاطا به نجد صورتين: إحداهما تكون أثناء سريان الدعوى العمومية فيؤدي لانقضائها وهو ما سمي بالعفو الشامل والذي يكون صادرا عن السلطة التشريعية، و ثانيهما يكون أثناء نظر الدعوى أمام القضاء وهو ما سمي بالعفو القضائي والذي تقرره السلطة القضائية وذلك على خلاف العفو عن العقوبة الذي يكون أثناء التنفيذ وهو مخول لرئيس الجمهورية .وتبعا لذلك نحاول التمييز بين العفو عن العقوبة و الصورتين المشابهتين له.
المطلب الأول: التمييز بين العفو عن العقوبة والعفو الشامل:
العفو الشامل أو العفو عن الجريمة هو إجراء تشريعي يهدف إلى إزالة صفة الجريمة عن فعل يوصف لكونه كذلك طبقا لأحكام القانون الساري المفعول.2 فالعفو هنا يصدر عن السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان، يعبر المجتمع من خلاله عن تنازله عن متابعة المتهمين المرتكبين لجريمة معينة ويلجأ إليه عادة نتيجة ظروف سياسية أو مناسبات تاريخية، ومن الآثار المترتبة عليه رفع الصفة الإجرامية عن الفعل المرتكب فإذا كانت الدعوى العمومية لم تحرك بعد فإنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء بشأنها وذلك طبقا للمادة 06 من ق إ ج وإذا حركت فإنه يوجب وقف المتابعة والقضاء بانقضاء الدعوى العمومية أمام التحقيق أو الحكم.
[FONT="] أما إذا صدر حكما في الدعوى فإن هذا الحكم يمحى وتسقط جميع آثاره القانونية المترتبة عنه كالإدانة، التسجيل في صحيفة السوابق القضائية وحتى الغرامة والمصاريف إذا كانت قد دفعت فإنها ترد إلى المحكوم عليه.
[FONT="] وقد يصدر العفو الشامل بعد تمام تنفيذ العقوبة ففي هذه الحالة لا يمس إلا العقوبات التبعية أو التكميلية التي نطق بها الحكم المشمول بالعفو الشامل، غير أنه لا يمس الحقوق المدنية والتعويضات المحكوم بها لمن أصابه ضرر من جراء ارتكاب الجريمة أي تظل التعويضات الشخصية قائمة.
وما تجدر الإشارة إليه أن العفو الشامل لا يلغي النص القانوني المجرم للفعل بل يظل قائما كما يبقى الفعل مأثوما من الناحية الجنائية وإنما ينزع الصفة الإجرامية بالنسبة للمستقبل.
أوجه التشابه بين العفو عن العقوبة والعفو الشامل:
تظهر أوجه التشابه من خلال النقاط التالية:
– كلاهما غير مقيد بشرط وكذا غير محدد بنطاق معين فكل منهما متروك للسلطة التقديرية المختصة بإصداره.
– تطبيق أي منهما لا يتوقف على إرادة المستفيد من العفو فكلاهما يفرضان على المحكوم عليه ذلك لأن أسباب إنقضاء الدعوى العمومية والعقوبة من النظام العام.
كلاهما لا يؤثر في حقوق الغير المضرور من الجريمة وصدورهما لا يؤثر على إمكانية المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته.
أوجه الاختلاف بين العفو عن العقوبة والعفو الشامل:
من حيث الجهة المصدرة: العفو عن العقوبة من اختصاص رئيس الدولة مخولا له وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة، أما العفو الشامل من اختصاص البرلمان ويصدر في شكل قانون وعلة ذلك أن العفو الشامل يتضمن إلغاء حكم من أحكام القانون في صورة أو أخرى والقاعدة أن القانون لا يلغيه إلا القانون.
من حيث طريقة منح كل منهما: العفو عن العقوبة لا يمكن منحه إلا بعد صيرورة الحكم نهائيا باتا و حائزا لقوة الشيء المقضي فيه ويسري أثره على المستقبل من تاريخ صدوره، أما العفو الشامل فيمكن صدوره في أي وقت وفي أي حال تكون عليه الدعوى الجنائية ويترتب على صدوره قبل رفع الدعوى عدم جواز رفعها وإذا كانت الدعوى قد تحركت تعين على المحكمة أن تقضي بسقوطها ولو من تلقاء نفسها لأن قواعد انقضاء الدعوى العمومية من النظام العام ،2 وإذا صدر العفو الشامل بعد الحكم في الدعوى أو بعد تنفيذ جزء من العقوبة فإنه يمحو اثر الحكم محوا تاما.
من حيث مبررات كل منهما: العفو عن العقوبة إجراء شخصي يمنح لشخص المحكوم عليه أو لمجموعة من المحكوم عليهم بعقوبة نهائية وليس عن نوع معين من الجرائم وذلك لتخفيف شدة الحكم القضائي، وفي كثير من الأحيان للتخفيف من اكتظاظ السجون ويحرص عادة مرسوم العفو على استبعاد طائفة معينة للمحكوم عليهم من الاستفادة من العفو، وهكذا جرت العادة في الجزائر على إبعاد المحكوم
[FONT="]عليهم بجنايات الإرهاب والأعمال التخريبية ،جنايات القتل العمد، الاغتصاب، المخدرات ،والجنايات الماسة بالاقتصاد الوطني.[/FONT]
[FONT="] – أما العفو الشامل هو إجراء موضوعي ينصب عادة على نوع معين من الجرائم أو على جريمة محددة، إذ يقتصر على تحديد نوع الجريمة أو طائفة من الجرائم وظروف ارتكابها التي تكون عادة ذات طبيعة سياسية1.
من حيث الآثار:العفو عن العقوبة تنعكس آثاره على الإعفاء من تحمل تنفيذ العقوبة كليا أو جزئيا أو باستبدال العقوبة المحكوم بها بعقوبة أخف منها مقررة قانونا ولا تسري آثاره على العقوبات التبعية والتكميلية ولا على الآثار الناتجة عن حكم الإدانة كثبوت الإدانة واعتبارها سابقة في حالة العود ما لم يشمل مرسوم العفو خلاف ذلك.
أما آثار العفو الشامل فهي عامة وشاملة لزوال الصفة الإجرامية عن الفعل أي انقضاء العقوبة الأصلية والتبعية والتكميلية وكل الآثار الناتجة عن الجريمة ولكن دون أن تسقط التعويضات الشخصية وإذا كانت الدعوى المدنية لم تقم بعد فلا يمكن للمتضرر إقامتها أمام القضاء الجزائي ما لم ينص قانون العفو على جواز ذلك.
المطلب الثاني: التمييز بين العفو عن العقوبة والعفو القضائي
إذا كان التشريع الجزائري قد حصر الإعفاء من العقوبة في الأعذار المعفية وحدها المبينة في القانون بحيث أجازت المادة52من قانون العقوبات للقاضي في حالات محددة من القانون على سبيل الحصر إعفاء المتهم من العقوبة مع قيام الجريمة، وهذا النظام يمحو المسؤولية القانونية عن الجاني من العقاب ليس بسبب انعدام الخطأ وإنما لاعتبارات وثيقة الصلة بالسياسة الجنائية وبالمنفعة الاجتماعية.
ومن بين هذه الحالات مانصت عليها المواد 92، 179، 199، 205 من قانون العقوبات التي تخص عذر المبلغ عن الجريمة قبل ارتكابها.
كذلك عذر القرابة العائلية المنصوص عليه بالمادة90من قانون العقوبات وعذر التوبة المنصوص عليه بالمادة 182 من قانون العقوبات.وجميع هذه الأعذار هي محددة قانونا لا يملك القاضي سلطة الإعفاء خارجها، فيما هناك من التشريعات التي تجيز للقاضي الإعفاء من العقوبة بحسب سلطته التقديرية وذلك ماأخذ به قانون العقوبات الفرنسي منذ صدور قانون 1975.07.11.
وبمقتضى هذا النظام لجهات الحكم إعفاء المتهم من العقوبة بعد إثبات إدانته وقد يمنح هذا الاختصاص لقاضي الحكم أو قاضي تطبيق العقوبات وذلك بعد صدور الحكم وقضاء المحكوم عليه جزءا من العقوبة المحكوم بها عليه داخل المؤسسة كما يمكن القضاء به في حكم الإدانة أو في وقت لاحق عنه.
ومن أهم الشروط التي أقرها المشرع الفرنسي لتطبيق هذا النظام الذي يعد بمثابة صفح قضائي:
– أن تكون الجريمة مخالفة أو جنحة.
– أن يتبين أن المتهم قد انصلح.
– أن يكون الضرر الناتج عن الجريمة قد تم تعويضه.
– أن يكون الاضطراب الذي أحدثته الجريمة قد توقف.
فإذا توافرت هذه الشروط مجتمعة جاز لجهات الحكم بعد أن تتأكد من قيام الجريمة في حق المتهم، التصريح في الدعوى العمومية بإذنابه والحكم بإعفائه من العقوبة والجزاءات البديلة لها .
والعفو القضائي كما سبق ذكره قد يمنح قبل الحكم وذلك يرجع للسلطة التقديرية للقاضي بناءا على معطيات التحقيق سواء تعلق الأمر بالمحكوم عليه،أو أن الجريمة قد فقدت خطورتها الاجتماعية ويقع على المحكمة تسبيب هذا الحكم2.
وقد تأكدت فكرة العفو القضائي بصدور المرسوم التشريعي المتعلق بمكافحة الإرهاب والتخريب الصادر في 1992.09.30 خاصة في مادته 40 .
كما يصدر العفو القضائي بعد الحكم ويختص بمنح هذا النوع من العفو عن العقوبة قاضي تنفيذ الأحكام الجزائية، وبموجب اختصاصه يمكن أن يقرر تخفيض العقوبة لأولئك المحكوم عليهم لمدة لا تقل عن ثلاثة اشهر.
كما يمكن له أن يخفض العقوبات التكميلية للمحكوم عليهم بالحبس لمدة ثلاثة سنوات متى قدموا ضمانات قوية على إعادة تكيفهم مع المجتمع.
كما يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أن يمنح تخفيضا استثنائيا للعقوبة للمحكوم عليهم الذين ينجحون في امتحان مدرسي أو جامعي.
وتختلف صور العفو القضائي فقد يكون مطلق يتضمن الإعفاء الكلي للعقوبة أو لمختلف الجرائم والمجرمين دون استثناء. وقد يكون مشروط يتوقف منحه على شرط أو منحة من القانون للقاضي يمنحها في ضوء تقدير ظروف الجريمة الشخصية والموضوعية، ويرى البعض عدم تأييد فكرة قبول قاعدة العفو القضائي كمنحة مطلقة يباح للقاضي منحها في بعض الجرائم، وإنما يرى وجوب قصر جواز منح العفو القضائي على البالغين والأحداث الذين يرتكبون الجرائم البسيطة نسبيا المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة عند توافر عذر قانوني مخفف أو ظرف مخفف على شرط.
أوجه التشابه بين العفو عن العقوبة والعفو القضائي
كل من العفو الرئاسي والعفو القضائي يكون منحة للمحكوم عليه بناء على حسن السيرة والسلوك أو بناء على زوال مبرر الاستمرار في تنفيذ العقوبة.
كل من العفو الرئاسي والعفو القضائي لا يمكن تطبيقهما إلا بعد صدور حكم يقضي بالإدانة.
كل من العفو القضائي والعفو الرئاسي لا يمس بحقوق الغير أي المضرور.
كل من العفو الرئاسي والعفو القضائي لا تمتد آثارهما إلى العقوبات التكميلية والتبعية بل يمس فقط العقوبة الأصلية.
أوجه الاختـلاف بين العفو عن العقوبة والعفو القضائي
[FONT="] 1/ -[/FONT][FONT="]العفو الرئاسي يصدره رئيس الجمهورية أما العفو القضائي فيصدر عن قاضي ا لموضوع أو قاضي تطبيق العقوبات
– العفو القضائي لا يجوز تطبيقه إلا في العقوبات البسيطة أما العفو الرئاسي فإنه يطبق على جميع العقوبات.
– العفو القضائي قد يقرن بشرط أو يعلق على شرط في جميع الحالات لكن العفو الرئاسي فلا يكون بالضرورة مقترنا بشرط أو معلقا عليه2.
من هنا يمكن أن نخلص أن العفو عن العقوبة له خصائصه المتميزة عن باقي صور العفو كما أن له اختلاف واضح عن بعض الأنظمة الأخرى كرد الاعتبار, وقف التنفيذ،وغيرها من الأنظمة المشابهة والتي تناولتها الدراسات ولكننا لم نتطرق إليها نظرا لرؤيتنا عدم وقوع أي التباس بينهما وبين موضوع بحثنا.
المبحث الثالث: تقديــر العفو عن العقوبة
حق العفو عن العقوبة كان ولا زال موضوع جدل من طرف عدد كبير من الفقهاء،بحيثانقسمت آرائهم بين مؤيد ومعارض ولكل فريق حججه ووجهة نظره وذلك من نواحي متعددة مثله كمثل أي نظام قانوني، ولعل انتقادات الموجهة له من الجانب النظري هي الأكثر تبنيا كونهيتعارض مع مجموعة من المبادئ التيتقوم عليها الأنظمة القانونية، ولكن تطبيقاته العملية والفوائد المجناة من تطبيقه هي التي جعلت الدول تتمسك به وتحيطه بسياج من الحصانة التي لم تطلها ألسنة وأيادي الناقدين وعليه نستعرض الوجهين في صورتين مختلفتين ما بين انتقادات الموجهة لهذا الحق والمزايا التي يتمتع بها
المطلب الأول: انتقادات التي وجهت لحق العفو عن العقوبة
أهم تلك الانتقادات التي يجدر بنا البدء بها هي المقولة الشهيرة للفيلسوف “فيلا نجيري”إذا كان العفو عادلا، فالقانون سيء، وإذا كان القانون جيد فالعفو هو انتهاك للقانون، ففي الحالة الأولى يجب إلغاء القانون وفي الحالة الثانية يجب استبعاد العفو”.
ومن هذا الرأي نلتمس وجهة نظر الفيلسوف في التعارض بين وجود العقوبة والعفو عنها في نفس النظام القانوني، إذا كان من الممكن صياغة قواعد قانونية خالية من العيوب والنقائص من الأول دون اللجوء إلى هذا النظام.
غير أن هذا الرأي حمل المشرع فوق طاقته كون الجودة أمر نسبي وكل عمل إنسانيمهما كان نوعه يبقى ناقص وما نراه اليوم جيد ليس بنفس الوصف نلقاه غدا نظرا إلى تغير الظروف والأوضاع في كل مجتمع، وعلى إثر ذلك ارتأينا
أن نهجر هذه انتقادات المبنية على أساس فلسفي[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="]والتي تختلف بين الفقهاء بحسب ا[/FONT][FONT="]لاتجاهات الفكرية للمدرسة التي ينتمون إليها[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] ولهذا جعلنا دراستنا تعتمد أكثر على ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]نتقادات الموجهة لهذا النظام في[/FONT][FONT="]وسط [/FONT][FONT="]المنظومة القانونية [/FONT][FONT="]بالنظرالى[/FONT][FONT="] مدى تعارضه مع بعض المبادئ [/FONT][FONT="]القانونية [/FONT][FONT="]نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="] مدى[/FONT][FONT="] إخلال و[/FONT][FONT="] تعارض الحق في العفو مع مبدأ الفصل بين السلطات و كذا مدى تعارضه مع مبدأ حجية الشيء المقضي فيه للأحكام القضائية.[/FONT]
[FONT="]و[/FONT][FONT="]يعتبر هذين المبدأين من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشرعية الجنائية لذا ارتأينا التركيز عليهما[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]أولا:[/FONT][FONT="] مدى إخلال حق العفو عن العقوبة بمبدأ الفصل بين السلطات:[/FONT]
[FONT="] يقتضي مبدأ الفصل بين السلطات [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]حترام كل سلطة في الدولة أعمال سلطة أخرى[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] كما يجب على كل سلطة ألا تتجاوز الحدود المرسومة [/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]ختصاص[/FONT][FONT="]ات[/FONT][FONT="]ها في الدستور و بحسب ذلك لابد للسلطات الثلاث في الدولة مراعاة ذلك المبدأ في كل تصرفاتها و أعمالها القانونية فمن ناحية لا يملك القاضي ت[/FONT][FONT="]ج[/FONT][FONT="]ريم [/FONT][FONT="]فعل [/FONT][FONT="] لم يرد نص بت[/FONT][FONT="]ج[/FONT][FONT="]ريمه أو توقيع عقوبة[/FONT][FONT="] على [/FONT][FONT="] لم يرد بها نص[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] ومن ناحية أخرى فسلطة التجريم و العقاب تكون من اختصاص السلطة التشريعية[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] و السلطة التنفيذية هي من تتولى تنفيذ الأحكام الصادرة عن [/FONT]
[FONT="]السلطة القضائية[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] و من هذا المنظور فإن السلطة التنفيذية لا يمكن لها تعطيل أحكام القضاء في الوقت الذي تكون هي المكلفة بتنفيذه [/FONT]
[FONT="]كما يرى البعض أن منح العفو عن العقوبة للسلطة التنفيذية يعطي مزيد من السلطات للإدارة العقابية في تنفيذ العقوبة[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] مما قد يعرض حقوق الأفراد و حرياتهم للخطر [/FONT][FONT="]و[/FONT][FONT="] يعصف بالشرعية الجنائية بصفة عامة و [/FONT][FONT="]ب[/FONT][FONT="]شرعية التنفيذ العقابي بصفة خاصة. [/FONT]
[FONT="] و لذلك ارتأى بعض الفقهاء منهم الفقيه “جارو فالو” إخضاع حق العفو عن العقوبة لسلطة العدالة لتمارسه إلى جانب [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]لتماس إعادة النظر[/FONT][FONT="]أو أي طريق آخر للطعن[/FONT][FONT="]كما[/FONT][FONT="] تشرف على دراسة الطلبات جهة قضائية عليا و لا يكون لرئيس الجمهورية [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]ختصاص إلا بموجب تفويض في الحالات التي يقتنع فيها الرأي العام ببراءة المتهم أو عندما تكون العقوبة قاسية جدا.[/FONT]
[FONT="] غير أنه ما أخذ على هذا الرأي أنه اعتبر مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ جامد على خلاف الأصل و هو الفصل المرن المبني على التعاون و التكامل بين جميع السلطات.[/FONT]
[FONT="] كما يمكن القول أن عمل السلطة التنفيذية لا يبدأ إلا عندما تنتهي السلطة القضائية من عملها نهائيا[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] ومن ثم فإن دور السلطة القضائية ينحصر في إصدار الأحكام القضائية فقط أما دور السلطة التنفيذية فيتمثل في ضمان تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية. [/FONT]
[FONT="]و[/FONT][FONT="] ب[/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]عتبار رئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية فلا يصح وصف تصرفه عند إصداره لمرسوم العفو عن العقوبة بأنه اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات بل هو [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]حترام لهذا الفصل على [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]عتبار تنفيذ الأحكام من صميم [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]ختصاص السلطة التنفيذية.[/FONT]
[FONT="] و ما تجدر الإشارة إليه أن مسألة تنفيذ العقوبة من عدمه لا ينقص في شيء من عمل السلطة القضائية بل يبقى عملها قائما و ثابتا كما هو رغم صدور حق العفو عن العقوبة، بحيث يبقى الحكم قائما و منتجا لجميع أثاره القانونية3.[/FONT]
[FONT="] ثم إن السلطة التنفيذية و هي تقوم بتنفيذ وظيفتها لها صلاحية النظر في مدى ملائمة تنفيذ العقوبة و ضرورتها على المصلحة العامة و كذلك مصلحة المحكوم عليه[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] و لهذا لها في سبيل ذلك صلاحية النظر في طريقة تنفيذ العقوبة إما بتعديلها[/FONT][FONT="]أو[/FONT][FONT="]إلغائها إذا اقتضى الأمر إعفاء المحكوم عليه من تنفيذها إما جزئيا أو كليا.[/FONT]
[FONT="]ثانيا:[/FONT][FONT="] مدى إخلال حق العفو عن العقوبة بمبدأ حجية الشيء المقضي فيه:[/FONT]
[FONT="] يعتبر الحكم الحائز لحجية الشيء المقضي فيه عنوان للحقيقة لا يمكن المساس به أو التراجع عنه إلا في حالات نادرة يخولها القانون صراحة في ذلك و هذه الحجية تكتسبها الأحكام بعد استنفاذ طرق الطعن أو سقوطها و بذلك يصبح للحكم قوة و سندا تنفيذيا[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] تقوم بموجبه السلطة التنفيذية بتنفيذ الحكم كما نطقت به السلطة القضائية.[/FONT]
[FONT="] لذلك عد إقدام رئيس الجمهورية على منح العفو عن العقوبة بمثابة إلغاء لحكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه، فيفسد بذلك عمل السلطة القضائية و كل جهودها [/FONT][FONT="]و[/FONT][FONT="]تصبح لاغية و هذا [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]نتهاك صريح لأحكام القضاء ذات الحجية المطلقة.[/FONT]
[FONT="] كما أن إقدام رئيس الجمهورية على هذا العمل يعرض سمعة القضاء إلى ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]هتزاز في الأوساط الشعبية و يشكك في مصداقية العدالة [/FONT][FONT="]كما[/FONT][FONT="] يهدد من جهة أخرى [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]ستقلالية القضاء.[/FONT]
[FONT="] غير أن هذه ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]نتقادات رآها البعض تحتوي على مغالطة قانونية[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] ذلك أن العفو عن العقوبة لا تمتد [/FONT][FONT="]آ[/FONT][FONT="]ثاره إلى الحكم القضائي[/FONT][FONT="] القاضي [/FONT][FONT="]بالإدانة بناء على ثبوت التهمة بأدلتها القانونية[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] بل يبقى الحكم قائما و الإدانة ثابتة و يسجل الحكم كسابقة في صحيفة السوابق القضائية بينما العفو عن العقوبة يعدل من طريقة تنفيذ العقوبة فقط إما بإلغائها أو تخفيضها أو [/FONT][FONT="]إ[/FONT][FONT="]ستبدالها و كل ذلك يتم حسب مقتضيات ظروف تنفيذ العقوبة و حسب [/FONT][FONT="]وضعية [/FONT][FONT="]المحكوم عليه[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="]دون أن [/FONT][FONT="]يؤثر[/FONT][FONT="]ذلك [/FONT][FONT="]في شيء على العمل القضائي. بل إن العمل القضائي رغم صدور العفو عن العقوبة يبقى ثابتا و لا يمكن أن يزول إلا بتدخل أسباب و عوامل أخرى كالعفو الشامل ورد الاعتبار.[/FONT]
[FONT="] كما تجـدر الإشارة أن العفو عن العقوبة هو إجراء رأفة و تسامح يرتبط بمرحلة تنفيذ العقوبة،[/FONT]
[FONT="]و في ذلك سلطة الملائمة لرئيس الجمهورية لمنحه بما يتلاءم و مصلحة المجتمع و المحكوم عليه في نفس الوقت دون أن يحيد عن الهدف المنشود من توقيع العقوبة و هو الردع العام و الخاص الذي تقرره الأحكام القضائية [/FONT]
[FONT="]المطلب الثاني:[/FONT][FONT="] مزايـا العفـو عن العقوبـة:[/FONT]
[FONT="] إذا كان ما ذكرناه سالفا هي أهم ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]نتقادات التي وجهت إلى حق العفو عن العقوبة [/FONT][FONT="]فقد [/FONT][FONT="]تم الرد عليها من بعض الفقهاء[/FONT][FONT="] الذين قدموا مبررات للتمسك به،[/FONT][FONT="]و[/FONT][FONT="]على الرغم من [/FONT][FONT="]تلك الإنتقادات [/FONT][FONT="]ظل هذا الحق ممارس[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] و له صدى معمول[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] به و إذا كان لسبب فإن الأمر يعود للمزايا التي تطبعه و الفوائد التي حققها و لهدا سنحاول استعراض البعض و الأهم منها:[/FONT]
[FONT="] أولها[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="]أن العفو عن العقوبة يعتبر معالج[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] للنقص الموجود في التشريع و[/FONT][FONT="]مصححا[/FONT][FONT="]للأ[/FONT][FONT="]خطاء القضائية[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] ذلك أننا ذكرنا سابقا أن العمل الإنساني لا يخلو من النقص و لهذا لابد من خلق وسائل و آليات لمعالج[/FONT][FONT="]ته[/FONT][FONT="]، و يعتبر العفو عن العقوبة أحد هذه الوسائل فقد يكون القضاة أثناء المحاكمة مقتنعون فعلا بالتهمة المنسوبة للمتهم و بعد ذلك تظهر مستجدات في القضية تزرع بعض الشك حول التهمة و تفترض البراءة للمتهم[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] و لكن الواقع لا يسمح بإعادة النظر في الحكم لعدم توافر جميع الشروط القانونية[/FONT][FONT="] لفتح الباب أمام أي طريق من طرق المراجعة،و[/FONT][FONT="] هنا يكون العفو عن العقوبة الوسيلة الناجعة لمواجهة الوضع بإطلاق سراح المحكوم عليه و هذا نظر[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] لسرعة و بساطة إجراءاته [/FONT][FONT="]في [/FONT][FONT="]معالجة الأوضاع التي تتطلب السرعة و الفعالية.[/FONT]
[FONT="] ثانيا:[/FONT][FONT="] دور العفو عن العقوبة في إلغاء العقوبات التي فقدت مبرر وجودها[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] في غالب الأحيان يضطر المشرع إلى إلغاء بعض الجرائم من قائمة الجرائم المعاقب عليها في قانون العقوبات أو بعبارة أخرى يجرد بعض الأفعال من الصفة التجريمية و يزيح عنها صفة الجريمة و بالتالي تصبح هذه الأفعال مباح ارتكابها دون أن يؤدي ذلك إلى متابعة مرتكب[/FONT][FONT="]ي[/FONT][FONT="]ها أو معاقبتهم[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] و الإشكال في هذه الحالة يقوم عند إلغاء تجريم سبق صدور حكم نهائي بات على مرتكبه. و أمام هذه الحالة تعجز نظم القانون الجنائي عن إيجاد حل للمحكوم عليه و تخليصه من الحكم الذي صدر ضده تماشيا مع السياسة العامة للمشرع و الحكمة التي أرادها من القانون الجديد الذي ألغى به الصفة التجريمية للفعل، فالفعل بعد إلغاء النص الذي كان يجرمه أصبح مباحا مما يدل على أن المشرع قد عدل عن نظرته السابقة و رأى أن مصلحة المجتمع تقتضي عدم تجريمه لانعدام فائدة المجتمع و مصلحته في عقاب شخص عن فعل أصبح مباح[/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="] في نظر المجتمع1[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]بالإضافة إلى ذلك فإن فكرتي النظام العام و المصلحة ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]جتماعية تتطلبان في بعض الأحيان القسوة و الشدة و في أحيان أخرى تفترض الرأفة و التساهل مهما كان مظهر الوسيلة المستعملة للتوفيق بين مصلحة العدالة و مصلحة النظام العام و من ثم يظهر العفو عن العقوبة بمثابة المساعد و الملازم[/FONT][FONT="] للعدالة 2[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="] ثالثا[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="] العفو عن العقوبة كأحد أساليب التفريد العقابي[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] و يظهر هذا الدور من خلال ملائمة تنفيذ العقوبة مع شخصية المحكوم عليه و كذلك مع ظروفه النفسية و ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]جتماعية و مؤهلاته حتى نضمن تنفيذ العقوبة المحكوم بها بطريقة مفيدة.[/FONT]
[FONT="] فالمشرع يحدد العقوبة لكل فعل تحديدا عاما ثم يدعم القاضي بوسيلة فعالة تمكنه من تفريد تنفيذها حسب مقتضيات و متطلبات الحالة المعروضة أمامه[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] و لكن القاضي محدود بالفترة التي تجري فيها المحاكمة و بعدها تنتهي سلطته التقديرية فيما قد تطرأ مستجدات على حالة المحكوم عليه لم يتضمنها الحكم و لم يتوقع حدوثها و قد يتعذر بسبب وجودها ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]ستمرار في تنفيذ العقوبة بالطريقة التي حددها الحكم. من هنا نجد أن العفو عن العقوبة هو النظام الوحيد الذي يمكنه أن يقدم حلا سريعا و مفيدا للمحكوم عليه في مثل هذه الحالات ليقيم بذلك توازنا بين العقوبة المستحقة و العقوبة المنفذة.[/FONT]
[FONT="] كما أن للعفو أهمية في إصلاح و تهذيب المحكوم عليه من خلال [/FONT][FONT="]ا[/FONT][FONT="]عتباره جزاء ل[/FONT][FONT="]ان[/FONT][FONT="]صلاحه داخل المؤسسة العقابية و كمكافأة للندم و التوبة عما اقترفه من جرم[/FONT][FONT="]،[/FONT][FONT="] و بذلك يكون العفو عن العقوبة [/FONT][FONT="]جزاء[/FONT][FONT="]عن هذا التكيف 1و فرصة جديدة لإعادة إدماج المحكوم عليه اجتماعيا.[/FONT]
[FONT="] و ما يمكن استخلاصه في نهاية هذا الفصل أن العفو عن العقوبة هو حق مقرر لرئيس الجمهورية يمنحه وفقا لسلطته التقديرية دون أن يكون عمله معرض للرقابة من أية سلطة في الدولة أو حتى للمراجعة من طرف القضاء. و هذا ما يعطيه طابعا مميزا يختلف به عن بعض الأنظمة المشابهة و ذلك أيضا ما جعله يصمد أمام ا[/FONT][FONT="]لا[/FONT][FONT="]نتقادات التي وجهت إليه منذ بروز أصوله التاريخية التي نشأت مع ظهور دولة القانون [/FONT][FONT="]و ب[/FONT][FONT="]خاصة أمام الأزمة الت[/FONT][FONT="]ي مرت[/FONT][FONT="] بها القاعدة القانونية في التكيف مع متطلبات المجتمع و قيمه الأمر الذي يقتضى مواجهته بصفة دائمة و أن يداوم على التعايش مع تطور المجتمع الذي يحيي فيه ولا يتأتى ذلك إلا بخلق وسيلة تلعب دور المعالج إلى حين تحقيق الهدف المنشود و هو صياغة قوانين جيدة تغطي كل النقائص. و بذلك يكون العفو هو الوسيلة الناجعة لسد الفراغ و معالجة النقص.[/FONT]
اترك تعليقاً