دور النيابة لدى المحاكم التجارية في صعوبات المقاولة
مقدمة
مما لا شك فيه أن موضوع دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية قد أخد حيزا كبيرا من النقاش و الحوار و الدراسة من لدن الباحثين و المهتمين بالحقل القانوني الممارسين منهم و غير الممارسين، و لعل السبب يعزى في ذلك إلى القانون المحدث للمحاكم التجارية و التنظيم القضائي للمملكة كلاهما لم يخصصا لدور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية الكم الضروري و الكافي من الفصول القانونية فيما يتعلق بمهامها و اختصاصاتها على غرار ما خصصه للقضاء الواقف لدى نفس المحاكم أو على غرار ما فعله مع نفس الجهاز لدى المحاكم العادية. فكان من نتيجة هذا الفراغ تباين و غموض في الرأي و الرؤيا و اختلاف العمل بين هذه النيابة و تلك نظرا الى عدم التدقيق و التفصيل في الاختصاصات بما يميزها عن جهاز النيابة العامة لدى القضاء الزجري[1].
فقصور المواد المنظمة لهذه المؤسسة و تحديد اختصاصاتها في التشريع المغربي، جعل الموضوع يطرح أكثر من تساؤل يتمحور حول حقيقة تواجد جهاز النيابة العامة بالمحاكم التجارية و حدود اختصاصاتها من جهة، و عدم احالة قانون المحاكم التجارية على قانون المسطرة الجنائية و احداث غرفة جنحية لديها من جهة ثانية[2].
و بالنظر الى طبيعة عملها داخل هذه المحاكم فإنه ثمة سؤال يثار مؤداه هل يقتصر دورها على مجرد تقديم مستنتجاتها الكتابية أو المشاركة و الحضور في الجلسات؟ و هل هي طرف رئيسي او طرف منظم[3] ؟
و مهما يكن من تساؤلات و إشكالات مثارة[4] ، فإن تواجد جهاز النيابة العامة لدى المحاكم التجارية له اساسه القانوني و ذلك بموجب المادة الثانية من القانون 53.95 القاضي بأحداث المحاكم التجارية[5] و ذلك على خلاف المشرع الفرنسي الذي لم يجعل هذا الجهاز ضمن تركيبة المحاكم التجارية الفرنسية.
و أول ما يلاحظ على القانون 53.95 المحدث للمحاكم التجارية انه لم يمنح لجهاز النيابة العامة الاختصاص للبث في القضايا الجنائية المنصوص عليها بمقتضى مدونة التجارة و غيرها بنص صريح، مما يستفاد منه استبعاد تطبيق مقتضيات المسطرة الجنائية و الاقتصار على ما له طابع مدني صرف من الناحية المسطرية و ذلك إعمالا لمقتضيات و اجراءات المسطرة المدنية.
و بالرجوع الى النصوص القانونية فليس هناك أي مقتضى قانوني صريح ينص على ان النيابة العامة لدى المحاكم التجارية تعتبر طرفا رئيسيا في قضية معينة او في أخرى، كما ليس هناك أي نص يحدد بدقة الحالة و الشروط التي من شأن توفرها ان تكون النيابة طرفا أصليا.
و في المقابل نجد ان المشرع يتدخل بنصوص صريحة لإضفاء صفة النظام العام على قانون معين او نص معين وفي حالات أخرى يحجم عن ذلك مما جعل الاتجاه السائد فقها و قضاء على ان يعتبر أن قانونا ما يكون من النظام العام كلما صيغت نصوصه و مبادئه بعبارات ملزمة و آمرة و رتب على مخالفتها البطلان او عقاب جنائي.
و لعل ما فرض هذا التحول في طبيعة دور النيابة العامة مرده بالخصوص الى اتساع مفهوم و نطاق فكرة النظام العام ليشمل جوانب اجتماعية و اخرى اقتصادية فبرز بذلك إلى الوجود مصطلح النظام العام الاقتصادي و الاجتماعي للتسيير[6] القائم على تشجيع الاستثمار و دعم النشاط الاقتصادي و الوقاية من صعوبات المقاولة، حيث يعتبر اصدار المشرع المغربي لقانون معالجة صعوبات المقاولة ترجمة فعلية و حية للتحول الذي عرفه دور النيابة العامة من مجرد حارس للمشروعية القانونية كدور تقليدي الى دور جديد أكثر فعالية و قوة بصفتها كمتدخل اساسي في مساطر صعوبات المقاولة و كجهاز مشارك للمحكمة في إدارة و تسيير هذه المساطر.
و في هذا الصدد فإن ارتباط المصلحة العامة بالنظام العام الاقتصادي قد أدى إلى عمل النيابة العامة امام المحاكم التجارية وفق تصور و مفهوم جديد يتعدى مجرد تبليغها بالمساطر الجماعية للقيام بدورها في الردع الزجري الخاص بالتفالس و الجرائم الاخرى المرتبطة به، ليصبح دورا تدخليا و مشاركا في المساطر الجماعية من زاوية مفهوم المصلحة العامة، و هو نفس الاتجاه الذي تبناه المشرع الفرنسي حيث عمل على توسيع صلاحيات النيابة العامة في مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة و منحها صلاحيات رقابية و تدبيرية سواء بصفة قطعية أو كمشاركة مع أجهزة أخرى.[7]
و لتسليط الضوء على طبيعة دور النيابة العامة امام المحاكم التجارية ارتأينا أن نتناول هذا الموضوع بالدراسة و التحليل و ذلك وفق مبحثين اثنين :
المبحث الاول : دور النيابة العامة قبل افتتاح مسطرة المعالجة
المبحث الثاني : دور النيابة العامة بعد افتتاح مسطرة المعالجة
المبحث الاول : دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية قبل افتتاح مسطرة المعالجة
تحتل النيابة العامة مركزا متميزا داخل جهاز المحكمة باعتبارها ذات صلة وثيقة بجميع أجهزة المحكمة الاخرى، مما يجعلها على دراية بجميع المعطيات التي تهم وضعية المقاولة ز كذلك باعتبارها ملمة بجميع مصادر المعلومات المتمثلة في المعنيين بمصير المقاولة، إضافة إلى توفرها على كافة المعلومات حول دورة الحياة الاقتصادية في دائرة نفوذها، مما يؤهلها لان تلعب دورا اساسيا كمصدر للمعلومات يعكس الصورة الحقيقية للوضعية الاقتصادية بصفة عامة، و الوضعية المالية و الاجتماعية للمقاولة بصفة خاصة باعتبارها الجهاز المكلف و الساهر على حماية المصلحة العامة.
و تجسيدا لذلك و لارتباط مساطر المعالجة من صعوبات المقاولة بالنظام العام، اعطى المشرع المغربي للنيابة العامة صلاحية تحريك مسطرة التسوية القضائية التي تهدف الى تصحيح مسار المقاولة التي تعتبر وضعيتها غير مختلة بشكل لا رجعة فيه و الى تصفية تلك التي أصبحت مختلة بشكل لا رجعة فيه.
و عليه ، فإنه يثور التساؤل التالي : ما هو الدور الذي تلعبه النيابة العامة كجهاز مساعد لباقي الاجهزة المسؤولة عن معالجة صعوبات المقاولة ؟ و ما هي الصلاحيات التي خولها اياها المشرع؟
للإجابة عن هاته التساؤلات سنقسم هذا المبحث الى مطلبين، نخصص الاول منهما للحديث عن دور النيابة العامة في حماية النظام العام الاقتصادي، و نخصص الثاني لدورها في انطلاق مسطرة المعالجة.
المطلب الاول : النيابة العامة و حماية النظام العام الاقتصادي
يعتبر جهاز النيابة العامة جزءا لا يتجزأ من المحاكم التجارية و من اهم أجهزتها، و هو ما يجعلها الاكثر إلماما بجميع المعطيات الخاصة بوضعية المقاولات الموجودة بدائرة نفوذها.
و في هذا الاطار يعطي القانون[8] للنيابة العامة الحق في طلب مختلف المعلومات عن طريق الاطلاع على الملفات المعروضة على المحكمة، كما فرض المشرع إطلاع النيابة العامة على القضايا الرائجة إما وجوبا او جوازا، و ذلك من أجل الادلاء فيها بمستنتجاتها عند الاقتضاء، و هو المقتضى الذي يخول للنيابة العامة إمكانية جمع معطيات كافية بخصوص الحياة الاقتصادية في دائرة اختصاصها عامة و ما يتعلق بصعوبات المقاولة بصفة خاصة، من خلال الاطلاع على محاضر الاحتجاج بعدم الدفع المقدمة في مواجهتها أو من خلال طلبات الامر بالأداء الموجهة ضدها.
كما أنه يمكن للنيابة العامة عن طريق السجلات التجارية الوقوف على الوضعية المالية الحقيقية لمعظم المقاولات عن طريق تبادل المعلومات و فتح قناة الاتصال بين النيابة العامة و بين رئيس المحكمة التجارية تطبيقا لمقتضيات للمادة 11 من المرسوم المؤرخ في 18/01/1997 بشأن تطبيق الباب الثاني (المتعلق بالسجل التجاري) من الكتاب الاول من مدونة التجارة الذي جاء فيه :” إذا افترض رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بمراقبة السجل التجاري أن تصريحا يقع تحت طائلة المادة 65 من القانون 15.95 وجب عليه ان يبلغ ذلك إلى النيابة العامة”.
و في هذا الصدد، و من خلال التنسيق بين جهاز النيابة العامة و رئيس المحكمة التجارية يخلق تعاون بين الجهازين، عن طريق تبادل المعلومات اثناء مسطرة الوقاية الخارجية التي يشرف عليها رئيس المحكمة التجارية، بالرغم من مساطر الوقاية لا تتضمن اي مقتضى يتعلق بدور النيابة العامة اثناء هذه المرحلة حيث لا يمكن لها ان تطلب من رئيس المحكمة تعيين المصالح او التدخل في إطار اتفاق التسوية الودية و ذلك خلافا للمشرع الفرنسي[9] الذي ألزم وجوب اعلام النيابة العامة بطلب التسوية الودية و على ضرورة تلقيها اخبارا بقرار الخبرة في حالة ما إذا تم إنجازه[10].
و بالرغم من عدم وجود نص قانوني ينص على دور النيابة العامة في مرحلة الوقاية الخارجية من الصعوبات، فإن ذلك لا يمنع من تدخل هذا الجهاز في إطار التعاون بهدف خدمة مصالح المقاولة خاصة ان هذه المساطر يطبع عليها الطابع الحواري أكثر منه القضائي، حيث يمكن للنيابة العامة ان تزود رئيس المحكمة بمعلومات دقيقة حول وضعية المقاولة من الناحية المالية و كذا حول وضعية مسيريها مما يكون لديه الصورة الحقيقية و قد يعفيه في بعض الاحيان من إضاعة الوقت في مساطر الوقاية الخارجية و الانتقال مباشرة الى مسطرة التسوية القضائية.
و في نفس الاطار تستطيع النيابة العامة لعب دور اساسي في إنقاذ المقاولة و الذي يتمثل في نقل المعلومات التي يتم تبليغها من طرف الاطراف الذين تربطهم علاقة بالمقاولة و مصيرها، و ذلك في حالة تقاعس رئيسها مثلا عن القيام بواجبه في الاشعار بجميع الوقائع التي من شأنها الاخلال باستمرارية نشاط المقاولة ، حيث يمكن لممثلي الاجراء إخبار النيابة العامة بكل واقعة من شأنها أن تثبت التوقف عن الدفع ، ليؤسس كشرط لفتح مسطرة السوية القضائية، و هو نفس موقف المشرع الفرنسي[11] الذي نص صراحة على صلاحية لجنة المقاولة أو مندوب العمال القيام بإخبار رئيس المحكمة أو وكيل الجمهورية بكل الوقائع التي تفيد التوقف عن الدفع، و هذه الامكانية هي مفتوحة أيضا لكل الأغيار الذين ليست لهم الصفة لطلب فتح مسطرة المعالجة ، ولكل العموم أيضا الذين يهمهم شأن الصالح العام[12] .
وارتباطا بنفس الموضوع ، فبالرغم من فراغ قانون معالجة صعوبات المقاولة المغربي من أي مقتضى ينص على إمكانية تدخل النيابة العامة في مرحلة تهيئ اتفاق التسوية الودية أو تنفيذه ، فهناك من أعضائها من يرى أنها تعتبر مكونا من مكونات السلطة القضائية وهو ما يؤهلها لان تتمتع بحق الاطلاع على الاتفاق الودي وعلى الخبرة القضائية الخاصين بمسطرة التسوية الودية[13] ، وذلك اعتمادا على الصيغة العامة التي جاءت بها المادة 559 من مدونة التجارة التي جاء فيها ما يلي : “باستثناء السلطة القضائية التي يمكن أن تبلغ بالاتفاق وبتقرير الخبرة ، لا تطلع على الاتفاق سوى الأطراف الموقعة ، ولا يطلع على تقرير الخبرة سوى رئيس المقاولة” باعتبار النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية .
وفي هذا الباب فالانفصال الوظيفي والشكلي بين النيابة العامة في المحاكم التجارية والنيابة العامة في المحاكم العادية يعتبر من المعيقات التي تحول دون وصول العديد من المعلومات للنيابة العامة بالمحاكم التجارية ، حيث لا يجوز لأية واحدة منهما أن تحل محل الأخرى آو تتعدى على اختصاصها[14] وهو ما يعني غياب الارتباط العضوي بينهما وبالتالي غياب اطلاع النيابة العامة بالمحاكم التجارية على المساطر القضائية الجنائية ، مما يؤدي الى عدم تبادل المعلومات بخصوص المخالفات والجرائم وهو ما يمنع النيابة العامة في المحاكم التجارية من القيام بدورها الأساسي في خدمة مسطرة صعوبات المقاولة، ومن تم حماية مصلحة المقاولة ، فالنيابة العامة تعتمد في الحصول على المعلومات على ما تتضمنه محاضر الضابطة القضائية ومحاضر التحقيق والأحكام القضائية الجنائية كذلك ، ومن خلال التدخل الانضمامي لهذه الأخيرة في القضايا الرائجة أمام المحكمة حسب القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ، إما عن طريق الملفات التي تحال عليها من المحكمة أو عن طريق الاطلاع عليها بناء على طلب منها بهدف تقديم مستنتجاتها ، مما يخول لها الاطلاع على مختلف القضايا .
لذلك على النيابة العامة من جهة سواء بالمحاكم التجارية أو بالمحاكم الابتدائية أو بمحاكم الاستئناف خلق روابط التعاون المهني بينها لخدمة حسن سير العدالة ، وبينها وبين المحكمة من جهة أخرى ، وذلك لتسهيل التواصل وتداول المعلومات على شكل شبكة منظمة من العلاقات تجمع بينهم .
المطلب الثاني: النيابة العامة وطلب فتح مسطرة المعالجة
منح المشرع[15] النيابة العامة صلاحية فتح مسطرة المعالجة القضائية لفائدتها ، وذلك بناء على طلب من وكيل الملك لدى المحكمة التجارية إن توافرت شروطها وهو نفس موقف المشرع الفرنسي[16] حيث خول فتح مسطرة المعالجة القضائية لوكيل الجمهورية بفرنسا كما منحه أيضا حق إلتماس نقل المسطرة إلى محكمة أخرى إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك[17].
وهو ما يشير الى نية المشرع المتجلية في كون مصير المقاولة أصبح يعد من المصلحة العامة وبالتالي يهم المجتمع ككل ، فلم تعد مسألة بقاء المقاولة واستمراريتها تهم فقط الدائن والمدين .
وفي هذا الإطار يمكن للنيابة العامة طلب افتتاح المسطرة في جميع الحالات التي تعاني فيها المقاولة من صعوبات وتتوقف عن الأداء، مع العلم أن المشرع له يحصر هذه الحالات وإنما اكتفى بذكر حالة واحدة منها وهي حالة تنفيذ الالتزامات المالية في الاتفاق الودي[18]، فالمشرع لم يحدد بشكل واضح الحالات التي يحق فيها للنيابة العامة طلب فتح مسطرة المعالجة، ويمكن تحديد هذه الحالات من خلال الإمكانية المخولة لوكيل الملك بطلب فتح المسطرة حتى في الحالة التي يكون فيها ذلك من حق الدائن[19]، وذلك باعتبار ه يملك جميع وسائل البحث والتحري التي تؤهله للحصول على مختلف المعطيات الخاصة بوضعية المقاولة، عن طريق الإشعار والتبليغ بأن مقاولة ما تعاني من صعوبات وليس بمقدورها سداد الديون المستحقة عند الحلول .
وفي نفس هذا السياق وبالرجوع إلى مدونة التجارة ، فالحالات التي يمكن فيها للنيابة العامة طلب فتح مسطرة المعالجة تتمثل في الحالة التي يحق فيها للدائن أن يطلب فاتح المسطرة بناء على توقف المقاولة عن الدفع كيفما كانت طبيعة الدين مدنيا أو تجاريا، وفي حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي، كما أن النيابة العامة من حقها طلب فتح مسطرة التصفية القضائية إذا اتضح لها أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، هذا بالإضافة إلى أن هناك من الفقه من يضيف الحالة التي يحق فيها للدائن طلب فتح مسطرة التصفية القضائية لعدم تنفيذ المقاولة لالتزاماتها المحددة في مخطط الاستمرارية[20] حيث تقضي المحكمة في هذه الحالة بفسخ المخطط وإعلان التصفية القضائية[21].
وفي إطار الحالات المشار إليها أعلاه، فالنيابة العامة تتقدم بطلب فتح المسطرة باعتبارها طرفا رئيسيا في الخصومة وهي تملك كافة الحقوق وتتحمل جميع الالتزامات المنصوص عليها في القواعد المسطرية العامة التي تنظم العلاقة بين أطراف الدعوى ، حيث يجب عليها الحضور حتميا بقوة القانون وعليها أيضا أن تؤسس طلباتها تأسيسا قانونيا معززا بسائر الحجج والبراهين[22]، إضافة الى أن النيابة العامة لا تملك حق الاستفادة من الامتياز المخول لها والذي يعطيها الحق في التدخل في الجلسة كآخر طرف يتكلم دون إمكانية التعقيب عليه من قبل باقي الأطراف حيث يطبق عليها نفس القواعد المطبقة على الخصوم[23].
كما أنها لا تتوفر على الحق في القيام بطلب تمديد المسطرة الى مسيري المقاولة ، حيث إن المشرع لم ينص على هذه الإمكانية مما يعني أن النيابة العامة لا تتوفر على الأساس القانوني للقيام بذلك[24] ، كما أن هذه الأخيرة لا يمكنها طلب وقف المقاولة عن مزاولة نشاطها جزئيا أو كليا أثناء الفترة الانتقالية وطلب إخضاعها للتصفية القضائية[25] ، لأن هذه الإمكانية مخولة فقط للمحكمة تلقائيا – بناء على تقرير القاضي المنتدب- وللسنديك وللمراقب ولرئيس المقاولة وفي مقابل ذلك فالنيابة العامة تملك حق الطعن في الحكم بعد أن تبلغ تبليغا قانونيا[26]، كما خولها القانون[27] كذلك حق طلب سقوط الأهلية التجارية .
وتطبيقا لذلك فالنيابة العامة عندما تحرك المسطرة كما هو الشأن عند وضع اليد التلقائي على المسطرة من طرف المحكمة، لا يجوز لها البث في طلب فتح المسطرة إلا بعد الاستماع لرئيس المقاولة أو باستدعائه قانونيا للمثول أمام غرفة المشورة ، وأما في الحالة التي تعتبر فيها النيابة العامة مدعية في طلب فتح المسطرة فتأخذ هذه الأخيرة الكلمة أولا فيقوم المدعى عليه بالتعقيب ثانيا، وذلك بعد استدعائه من طرف المحكمة مع إرفاق الاستدعاء بنسخة من عريضة وكيل الملك وإعلام النيابة العامة بتاريخ الجلسة[28] .
وأهم ما يميز المسطرة التي تعتمدها النيابة العامة عن المسطرة التي سلكها المدين ،هو أن حق النيابة في طلب فتح المسطرة لا يتقيد بأي أجل حيث أنه يظل مستمرا ما دامت حالة التوقف عن الدفع مستمرة ما لم تتقادم الديون، في حين أن رئيس المقاولة لا يمكن له طلب فتح مسطرة المعالجة إذا تجاوز الأجل المحدد لذلك وهو 15 يوما تلي يوم توقفه عن الدفع ، غير أن وكيل الملك يتقيد هو الآخر بأجل السنة من تاريخ الوفاة أو الاعتزال إذا تعلق الأمر بطلب فتح المسطرة ضد التاجر المتوفى أو المعتزل إذا كان التوقف عن الدفع سابقا للوفاة أو الاعتزال أو ضد الشريك المتضامن المعتزل عندما يكون توقف الشركة عن الدفع سابقا لهذا الاعتزال.
كما أن المسطرة التي يسلكها وكيل الملك تختلف عن تلك التي يخضع لها الدائن حيث أن هذا الأخير يمارس حقه في تحريك مسطرة المعالجة بناء على مقال افتتاحي للدعوى تطبق عليه المسطرة التجارية واحتياطيا يخضع للمسطرة المدنية[29]، أما فيما يتعلق بوكيل الملك فيمارس حقه في تحريك المسطرة بناء على طلب لفتحها يتضمن الوقائع المبررة للملتمسات الواردة فيه[30]، و لعل ما يفسر ذلك هو كون النيابة العامة في إطار ممارستها لهذه الصلاحية تحقق المصلحة العامة أما الدائن فيلجا إلى هذه المسطرة تحقيقا لمصلحته الخاصة .
وتجدر الإشارة إلى إن قانون معالجة صعوبات المقاولة يعطي الكلمة الفصل للسلطة القضائية ،حيث بالرغم من تقديم النيابة العامة للطلب فإن المحكمة ليست ملزمة في جميع الأحوال بإتباع ما ورد بمذكرة النيابة العامة[31]، فهذه الأخيرة من واجبها الإدلاء بالحجج والبراهين وتبقى للمحكمة سلطة التقدير ، فللمحكمة الإمكانية التلقائية لفتحها في الوقت الذي خول فيه القانون للنيابة العامة إمكانية طلب فتح المسطرة ، حيث تملك هذه الأخيرة فقط حق التقدم بالطلب ويبقى للمحكمة حق الاستجابة أو حق الرفض أو الحق في وضع يدها ومباشرة على المسطرة .
وبالنسبة للنيابة العامة التي يعود لها حق تحريك المسطرة فهي النيابة العامة لدى المحكمة التجارية الواقع في دائرتها مقر المؤسسة الرئيسية للتاجر المتوقف عن الدفع أو المقر الاجتماعي للشركة أو للمجموعة ذات النفع الاقتصادي المتوقفة عن الدفع ، إلا أنه يمكن للنيابة العامة بباقي المحاكم التجارية وبالمحاكم الابتدائية والاستئنافية أن تساهم بشكل غير مباشر في تحريك مسطرة المعالجة من خلال إخبار النيابة العامة بالمحكمة التجارية المختصة بأن المدين في الأوراق التجارية المعد بشأنها الاحتجاج بعدم الوفاء يوجد في حالة توقف عن دفع ديونه[32]، مما يحرك النيابة المختصة ويجعلها تطلب فتح المسطرة المعالجة .
وتعتبر هذه الإمكانية المخولة للنيابة العامة في طلب فتح مسطرة المعالجة وسيلة تدخلية لحماية النظام العام الاقتصادي ومراقبة سير الحركة الاقتصادية والمالية ، ومصدر إخباري مهم يمكن المحكمة من التدخل لإنقاذ المقاولات التي تعاني من الصعوبات في الوقت المناسب[33] .
على خلاف ما تقوم به النيابة العامة في فرنسا حيث تستعمل حقها في تحريك المسطرة بطريق غير مباشر ، فرغم اتصال الدائنين بها لإخبارها بعدم توصلهم بديونهم أو إخبارها من طرف مراقب الحسابات أو ممثل الأجراء باختلالات معينة في وضعية المقاولة تقوم غالبا النيابة العامة بنقل هذه المعلومات إلى رئيس المحكمة لتفتتح المسطرة من طرف المحكمة تلقائيا[34].
المبحث الثاني : دور النيابة العامة بعد افتتاح مسطرة المعالجة
يعتبر الدور الذي تلعبه النيابة العامة في طلب فتح مسطرة المعالجة من أهم الأدوار التي تقوم بها في إطار قانون معالجة صعوبات المقاولة ، باعتبار الحق الذي خوله لها المشرع في مسطرة المعالجة وسيلة لحماية النظام الاقتصادي ومراقبة سير الحركة الاقتصادية والمالية ، كما يشكل تدخل النيابة العامة في هذا الإطار مصدر إخباري يمكن المحكمة من التدخل وإنقاذ المقاولات التي تعاني من الصعوبات في نفس الوقت المناسب ، باعتبار بقاء المقاولة واستمراريتها من النظام العام ويخدم المصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية ، وهو ما يزيد تدخل النيابة العامة في تحريك مسطرة المعالجة أهمية من جهة ، ويشكل مؤشرا قويا على تطور الأدوار المنوطة بالنيابة العامة كجهاز مساهم في الدور القضائي الجديد من جهة أخرى .
وبالنظر إلى أهمية دور النيابة في مرحلة تحريك مسطرة معالجة صعوبة المقاولة يتضح محدودية الدور الذي تلعبه في تسيير المسطرة ، حيث لا تتمتع النيابة العامة بصلاحيات حقيقية تجعلها طرفا فاعلا وأساسيا في المشاركة في تسيير المسطرة .
فما هي طبيعة الدور الذي تلعبه النيابة العامة أثناء سير مسطرة المعالجة ( المطلب الأول ) ؟ وما هي الحالات التي يمكن فيها لهذه الأخيرة ممارسة حق الطعن ( المطلب الثاني ) ؟
المطلب الاول : طبيعة دور النيابة العامة بعد انطلاق مسطرة المعالجة
تلعب النيابة العامة أثناء سير مسطرة المعالجة دورا إخباريا اتجاه باقي أجهزة المسطرة حيث جاء في مدونة التجارة ما يلي : ” يطلع وكيل الملك القاضي المنتدب بناء على طلب هذا الأخير أو تلقائيا على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة على جميع المعلومات المتوفرة لديه والتي يمكن أن تكون مفيدة في المسطرة، حيث أكد المشرع على كون النيابة العامة مركز لتجميع المعلومات و المعطيات الكفيلة بمساعدة باقي الاجهزة المتدخلة في المسطرة”.[35]
وفي هذا الاطار فالدور الاخباري الذي تقوم به النيابة العامة كجامعة للمعلومات و منظمة لتداولها من جهاز لآخر هو دور يشهد له بالأهمية و التأثير في مصير المقاولة، حيث تشكل المعلومات التي توفرها النيابة العامة نقطا دقيقة تساعد على إعداد و حصر مخطط إنقاذ المقاولة، إلا أن هذا الدور و رغم أهميته يظل لا يرقى إلى مستوى التدخل الذي كان يجب أن يسمح به القانون للنيابة العامة في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة.
فالمشرع المغربي لم يمنح لهذه الاخيرة و لا لباقي أجهزة المسطرة أي دور رقابي أثناء انطلاق مسطرة المعالجة، حيث لا تملك النيابة العامة الحق في طلب وقف نشاط المقاولة اثناء الفترة الانتقالية و إخضاعها للتصفية القضائية إذا توفرت لديها معلومات تدل على كون وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، و هي صلاحية أعطاها المشرع إضافة للمحكمة إلى كل من السنديك والمراقب ورئيس المقاولة[36]، وذلك على خلاف نظيره الفرنسي[37] الذي منح النيابة العامة صلاحيات رقابية جد مهمة خاصة بمراقبة مساعدي القضاء ومسيري المقاولة، حيث تملك في هذا الاطار الحق في طلب استبدالهم وتغيير مهامهم.
كما اعطى القانون الفرنسي للنيابة العامة الحق في طلب فسخ مخطط الاستمرارية في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الواردة فيه في إطار مرحلة تنفيذ المخطط، حيث يمكن لها طلب تعيين وكيل خاص في حالة عدم اداء ثمن التفويت وطلب فسخ عقد التسيير الحر، و كذلك طلب فتح مسطرة المعالجة في حق المسير الحر في حالة رفض هذا الاخير تنفيذ التزامه باقتناء المقاولة.
كما تتمتع النيابة العامة في اطار القانون الفرنسي بصلاحيات واسعة اثناء سير مسطرة المعالجة، حيث تملك وحدها طلب إبرام عقد التسيير الحر للمقاولة أثناء فترة الملاحظة ، كما أنها تستطيع طلب تمديد هذه الفترة من 12 إلى 18 شهرا ، و هي صلاحيات تمكنها من التدخل في الشؤون الاقتصادية للمقاولة ، فعقد التسيير الحر هو تقنية تمكن هذه الاخيرة من توفير الأصول الضرورية لتصحيح وضعيتها، كما يشكل التدخل عن طريق طلب تمديد فترة الملاحظة تدخلا مباشرا في تسيير المسطرة ومشاركة في اتخاذ القرارات القضائية المتخذة بشأنها.
وعلى خلاف ذلك ، فالنيابة العامة في ظل القانون المغربي لا تملك حق طلب استمرار نشاط المقاولة باستثناء حالة واحدة نصت عليها مدونة التجارة وهي حالة المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية اذا اقتضت المصلحة العامة او مصلحة الدائنين ذلك، حيث جاء فيها ما يلي: ” إذا اقتضت المصلحة العامة او مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، جاز للمحكمة ان تأذن بذلك لمدة تحددها إما تلقائيا او بطلب من السنديك أو وكيل الملك “، كما ان النيابة العامة لا يمكنها كذلك طلب إخضاع المسيرين للعقوبات المدنية والاقتصادية باستثناء طلب سقوط الأهلية التجارية لاحدهم وذلك على خلاف القانون الفرنسي الذي أعطى للنيابة العامة الحق في طلب إجراء تدابير الإفلاس الشخصي في حق احد المسيرين او أن يتحمل جزءا من خصوم للمقاولة[38].
و هناك من يرى ان الأمر يرجع فيما ينص تقليص المشرع المغربي لدور النيابة العامة أثناء تسيير مساطر صعوبات المقاولة إلى “روح المفاهيم السائدة أواخر التسعينات وبداية الألفية الثالثة والمتميزة بتقليص نفوذ الدولة في قانون الاعمال عموما والتخفيف من دور الدولة في الميدان الاقتصادي”[39].
حيث أن تقليص دور النيابة العامة في مجال مساطر المعالجة في القانون المغربي لا يتلاءم وتضخيم الوجود القانوني والجسدي للنيابة العامة بالمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، فالتواجد الدائم للنيابة العامة بهذه المحاكم يعطي انطباعا مخالفا وعكسيا لما ترغب فيه الدولة من تقليص مجال تدخلها في ميدان الأعمال بواسطة أداتها النيابة العامة، ومن تشجيع للتجار والمستثمرين الخواص على ولوج قضاء ارحب دون توجس او خوف. فرغبة الدولة في هذا المجال يمكن ملامستها من خلال الروح التي تطبع مدونة التجارة والتي تميل إلى تقليص دور النيابة العامة في مساطر صعوبات المقاولة إلى حدودها الدنيا، ومن تم يمكن القول أنه لم يكن هناك انسجام وتنسيق بين لجنة إعداد مشروع قانون المحاكم التجارية ولجان إعداد مشاريع القوانين التجارية، علما بأنها قوانين مترابطة فيما بينها عضويا ومن المرغوب فيه إن لم يكن من اللازم أن تكون مترابطة فكريا ومذهبيا.
ورغم أن الدور التدخلي للنيابة العامة بعد انطلاق مسطرة معالجة صعوبات المقاولة يظل محدودا إلا أنها تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا التي يفرض القانون تبليغها إليها، وأهمها: القضايا المتعلقة بالنظام العام ونقصد به النظام العام الذي تتولى النيابة العام الدفاع عنه أمام المحاكم التجارية وهو النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، فالغاية من تدخل النيابة العامة في هذا السياق هي حماية الاقتصاد الوطني او الجهوي أو المحلي والعمل على استمرارية المقاولات والحفاظ على مناصب الشغل، وبما أن قضايا صعوبات المقاولة من النظام العام فإن المحكمة من واجبها إبلاغ النيابة العامة عندما لا تكون طرفا أصليا ، وذلك في الأحوال التي ينص عليها القانون.
فإذا لم تستعمل النيابة العامة مثلا حقها في طلب فتح المسطرة وتم تقديم الطلب من طرف أحد الدائنين، وجب إبلاغ الملف للنيابة العامة لتقديم مستنتجاتها، وهي الحالة التي تسمى في فقه المسطرة المدنية بالتدخل الانضمامي الإجباري للنيابة العامة عند النظر في قضية كان بالإمكان أن تكون النيابة العامة طرفا أصليا فيها، أو لم يسمح لها القانون أن تكون طرفا أصليا فيها، كما يجب إبلاغ النيابة العامة بمقتضى القانون بالقضايا التي تمس جانبا من جوانب مساطر معالجة صعوبات المقاولة، وهي القضايا المتعلقة بعدم الاختصاص النوعي والقضايا المتعلقة بتنازع الاختصاص، حيث يعتبر دعوة النيابة العامة بمثابة رأي استشاري يشار إليه في حكم المحكمة تحت طائلة البطلان، ويتم تبليغ النيابة العامة في هذه الحالات بالحضور قبل الجلسة بثلاثة ايام على الأقل بواسطة كتابة الضبط، إلا أنه يمكن أن يتم هذا التبليغ أمام المحكمة في الجلسة المدرجة فيها القضية، ويمكن للنيابة العامة في هذه الحالة الأخيرة أن تطلب تأخير القضية إلى أقرب جلسة لتقديم مستنتجاتها، ويجب على المحكمة الاستجابة لهذا الملتمس[40].
وبالإضافة إلى حالة الانضمام الإجباري للنيابة العامة المشار إليها سابقا نجد إمكانية تدخل النيابة العامة اختياريا وهو ما يطلق عليه الانضمام الاختياري[41] ، وهي تقنية يتم تدخل النيابة العامة من خلالها في الحالات التي لا يوجب القانون اطلاعها عليها، وفي هذه الحالة تأتي المبادرة هنا إما من المحكمة حيث تأمر تلقائيا باطلاع النيابة العامة على الملف أو في الحالة التي تطلب النيابة العامة الاطلاع على أي ملف ترى أن تدخلها فيه ضروري، وفي الحالتين يجب أن يشار في الحكم إلى ايداع مستنتجات النيابة العامة أو تلاوتها في الجلسة وإلا كان الحكم باطلا.
وتعتبر طرق التدخل هذه الخاصة بالنيابة العامة تقنيات تدخلية هامة توفرها القواعد العامة أثناء سير مسطرة المعالجة، تهدف إلى مساعدة المحكمة في اداء مهامها المتجسدة في حسن تطبيق القانون وهي طرق عادية تبدي النيابة العامة رأيها من خلالها سواء في الخصومة المدنية او التجارية على خلاف الطرق الاستثنائية والمتمثلة في الادعاء أو الطعن، ويبقى تدخل النيابة العامة من خلال التدخل الاختياري يحمل طابعا استشاريا ليس له اي تأثير على سير المسطرة أو على قرار المحكمة.
ومن أجل توسيع نطاق تدخل النيابة العامة أثناء سير مسطرة معالجة المقاولة يتعين على قضاة هذا الجهاز لدى المحاكم التجارية الاعتماد على القواعد العامة وذلك من خلال التأثير على المحكمة واقناعها ولفت انتباهها إلى مختلف جوانب الملف والقضية حتى تحقق النيابة العامة الغاية المرجوة من تدخلها في سير المسطرة وهي حماية النظام العام الاقتصادي وتحقيق الشرعية القانونية في مجال المال والأعمال، وذلك دون التعسف في استعمال الحق أي دون التمسك بضرورة التدخل في جميع أطوار مسطرة المعالجة ومراحلها عن طريق استغلال إمكانية التدخل الانضمامي، التي يخوله لها قانون المسطرة المدنية مما قد يؤدي إلى تعقيد إجراءات المسطرة وتأخيرها.
المطلب الثاني: النيابة العامة وممارسة حق الطعن.
نصت مدونة التجارة في المادة 730 على أنه: “يتم استئناف المقررات المشار إليها في المادة السابقة بتصريح لدى كتابة ضبط المحكمة داخل اجل 10 ايام ابتداء من تاريخ تبليغ المقرر القضائي، ما لم يوجد مقتضى مخالف لذلك في هذا القانون ” ويقصد بالمقررات تلك الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية، و قد جاء في الفقرة الاخيرة من نفس المادة أعلاه ” يسري الأجل في مواجهة السنديك ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر ” أما بالنسبة للطعن بالنقض فقد نصت المادة 731 على أنه يتم داخل أجل10 ايام ابتداء من تاريخ تبليغ القرار.
ولم يتطرق قانون معالجة صعوبات المقاولة إلى حق النيابة العامة في الطعن ضد المقررات الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية وسقوط الاهلية التجارية، وكذا الحالات التي يجوز فيها للنيابة العامة الطعن والحالات التي لا يجوز لها القيام بذلك.
وبالرجوع إلى قواعد المسطرة المدنية نجدها تنص على أنه: يحق للنيابة العامة استعمال كافة طرق الطعن عدا التعرض، عندما تتدخل تلقائيا مدعية أو مدعى عليها في الأحوال المحددة بمقتضى القانون” ، وطبقا لذلك فالنيابة العامة لا يمكنها ممارسة حق الطعن إلا إذا كانت طرفا رئيسيا في الدعوى بصفتها مدعية أو مدعى عليها، وهو ما يعني أن النيابة العامة في إطار مادة معالجة صعوبات المقاولة يمكنها استعمال طرق الطعن المسموح بها في الحوال التي تكون فيها هي صاحبة الطلب المقدم الى المحكمة، وهي حالات محددة في قانون معالجة صعوبات المقاولة المغربي وهي حالة طلب فتح مسطرة التسوية القضائية او مسطرة التصفية القضائية ، وحالة طلب استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية لمدة معينة وطلب سقوط الأهلية التجارية في الأحوال المنصوص عليها قانونا.
حيث إن الأحكام الابتدائية الصادرة بشأن هذه الطلبات تقبل الطعن بالاستئناف من طرف وكيل الملك بالمحكمة التجارية أمام محكمة الاستئناف التجارية في أجل 10 أيام ابتداء من تاريخ تبليغ المقرر القضائي ما عدا في الحالات التي يوجد فيها مقتضيات مخالفة لذلك.
وفي القانون الفرنسي يحق للنيابة العامة ممارسة جميع أنواع الطعون المنصوص عليها في الكتاب الرابع من قانون 25/1/1985 بدون استثناء، حيث يمكن لها الطعن بالاستئناف في كل القرارات المتعلقة بفتح مسطرة التسوية والتصفية، والمتعلقة بحصر أو فرض مخطط التسوية أو تغييره، وفي قرارات تعيين اجهزة المسطرة والقرارات المتعلقة بفترة الملاحظة، وبالقرارات المتعلقة بمخطط التفويت أو تغييره، والطعن في القرارات الصادرة دون تبليغ القضية إلى النيابة إلى النيابة العامة وهي حالة الطعن بالنقض الخاص بهذه الأخيرة في حالة عدم اطلاعها، كما أن القانون الفرنسي منح في احوال محددة إمكانية الطعن للنيابة العامة وحدها على سبيل الاستئثار دون الأطراف الأخرى، خاصة منها الحكم المحدد لمدة فترة الملاحظة والحكم البات في متابعة أو وقف النشاط، والحكم البات في الاذن بالتسيير الحر، والحكم المحدد أو الرافض او المغير لمخطط التفويت ، إضافة الى حق التعرض على أوامر القاضي المنتدب بالمساواة مع باقي الطراف، وحق الطعن بالإلغاء إذا كانت طرفا رئيسيا في الحالات التي يسمح فيها بهذا الطعن.
و في هذا الصدد فقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 28/02/1995 على أن النيابة العامة، الحريصة على احترام المساواة و النظام العام الاقتصادي، يسمح لها بمقتضى المادة 171 من قانون 05/01/1985 بممارسة حق الطعن، ولو لم تكن طرفا رئيسيا، ولها الصلاحية في إثارة كل إخلال بالقانون.[42]
ومما سبق يتضح أن المقتضيات التي جاء بها القانون الفرنسي تمكن النيابة العامة من مراقبة فعلية لسير مسطرة المعالجة ولعملية إعادة هيكلة المقاولة، وذلك ومن خلال توسيع حقها في ممارسة طرق الطعن المختلفة وهو ما يؤسس لحق آخر وهو حق التدخل في جميع أطوار المسطرة من طرف النيابة العامة دون ان تتوفر هذه الأخيرة على صفة المتقاضي، وهو ما يعني التدخل المباشر في المسطرة من منطلق مفهوم المصلحة العامة دون الاعتراف بضرورة النيابة العامة طرفا اساسيا أو طرفا منضما في مساطر المعالجة ، وهو دور جديد تتمتع به هذه الأخيرة يلغي المفاهيم السابقة التي كان يتطلبها الدور التقليدي للنيابة العامة والذي كان يقتضى تبليغها بالمساطر الرائجة أمام المحكمة ، مع ذلك فالتجربة الفرنسية في ظل قانون 1985 عرفت ممارسة محدودة لطرق الطعن من طرف النيابة العامة[43].
بل إن قرارات محكمة النقض قد دفعت بالمشرع الفرنسي إلى تعديل قانون المسطرة المدنية و جعل النيابة العامة طرفا منضما في جميع مقتضيات مساطر صعوبات المقاولة.[44]
وفي نفس الاطار يتعين على المشرع المغربي توضيح موقفه من مجال تدخل النيابة العامة في ممارسة طرق الطعن في مساطر المعالجة ، وذلك حتى يفتح الباب أمام القضاء لتأسيس ممارسة واضحة في هذا الباب خاصة في الحالة التي يكون فيها تدخل النيابة العامة بصفتها طرفا رئيسيا لكنها تفضل التدخل عن طريق الانضمام وتقديم المستنتجات فقط.
ومع ذلك يمكن القول إن النيابة العامة ورغم دورها الجديد الذي اصبح مرتبطا بحماية النظام الاقتصادي، فإن طلب فتح مساطر معالجة صعوبات المقاولة خلال الفترة الزمنية يجد صعوبة في الميدان العملي من جهة اولى: فإن الاشكالية مرتبطة بطبيعة دور النيابة العامة، حيث تميل أكثر إلى معاينة ورصد جرائم التفالس وكذا الجرائم المرتبطة بالجوانب الاقتصادية ، مما يؤثر على عمل النيابة في إجراء المطلوب منها حيث يكون ضبطها لحالة التوقف عن الدفع غالبا ما يتم بعد تدهور وضع المقاولة ، ومن جهة ثانية نذكر مسالة جوهرية تتعلق بتأهيل قضاة النيابة العامة في المادة التجارية ، خاصة في مساطر معالجة صعوبات المقاولة وهو ما دفع المعهد الوطني للقضاء بفرنسا إلى تنظيم دورات تدريبية سنوية ، للتكوين المستمر لقضاة النيابة العامة في المجال الاقتصادي والمحاسبتي لتمكينهم من انجاز المهمة الجديدة الموكولة إليهم في إطار معالجة الصعوبات التي تعترض المقاولة وإنقاذها من إغلاق .
ويضاف إلى ضعف موقع النيابة العامة تجاه طرق الطعن في قانون معالجة صعوبات المقاولة المغربي ضعف موقعها تجاه طرق تنفيذ الأحكام حيث أن قانون المحاكم التجارية يعرف فراغا بخصوص تسخير القوة العمومية[45] مما سيؤثر على تطبيق المقتضيات المتعلقة بالتنفيذ للأحكام التي تتوقف على تسخير القوة العمومية، كما أن النيابة العامة لدى المحاكم التجارية ستعرف صعوبات بخصوص تطبيق مسطرة الإكراه البدني التي تتم بتوجيه طلب إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية[46].
وتبقى الإشارة واجبة إلى أن المشرع بإشراكه النيابة العامة في حراسة وحماية المادة الاقتصادية قد أغفل طرفا آخر في المعادلة ، يتعلق الأمر بالأجراء ، ونلفت الانتباه إلى أن هذه الفئة تدرك أكثر من غيرها مدى حجم الصعوبة التي تعترض المقاولة باعتبارها تواكب التطور اليومي لاستغلال التجاري من حيث المواد والآلات المستعملة ومن حيث التسيير والتدبير[47].
خاتمة
وهكذا ونظرا للأهمية التي يتحلى بها دور النيابة العامة في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة، فإنه يجب على النيابة العامة لدى المحاكم التجارية أن تلعب دورها كاملا غير منقوص في المحافظة على النظام العام الاقتصادي بإشاعة الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمقاولين والمنعشين الاقتصادين، وبضمان الاستقرار في المعاملات التجارية ليكون ذلك كله حافزا على التنمية الدائمة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي.
فالواقع أن دور النيابة العامة فيما ذكر يمكن أن يكون أكثر فعالية ومصداقية من باقي الفاعلين الآخرين، خاصة عندما تكون المقاولة في أزمة مالية ومعروضة على المحكمة في نطاق معالجة هذه الأزمة، وفق الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربي، وذلك لكون النيابة العامة خصم شريف و جميع تدخلاتها وملتمساتها لا تلتمس الحكم لها بشيء معين مثل باقي الخصوم ، بل إن ما تلتمسه في مداخلاتها الكتابية والشفوية يكون هدفه المصلحة العامة وهي الأمن الاقتصادي والتنمية، في نطاق القانون بخلاف باقي الخصوم دائنين ومدينين والذين يكون هدفهم مصلحتهم الخاصة في اغب الأحيان.
[1] – عائشة بلقاضي، وظيفة القضاء التجاري في مساطر صعوبات المقاولة بين القانون و الممارسة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الاول كلية الحقوق بوجدة، 2013-2014، ص:65.
[2] – محمد عبد المحسن البقالي الحسني، مقال بعنوان :” دور النيابة العامة في صعوبات المقاولة ” منشور بموقع وزارة العدل المغربية، العنوان:
http://adala.justice.gov.ma/production/Etudes_Ouvrages/ar/Etudes/commercial/etude30052012.pdf
[3] – عبد المجيد غميجة، المفهوم الجديد لدور النيابة العامة أمام المحاكم التجارية ، مجلة الحدث القانوني، عدد 12، يناير 1999، ص:3.
[4] – محمد المجدوبي الادريسي ، عمل المحاكم التجارية (بدايته-اشكاليته)، الطبعة الاولى، مكتبة دار السلام الرباط، شركة بابل للطباعة و النشر و التوزيع 1999، ص: 34 و ما يليها.
[5] – ظهير شريف رقم 1.97.65 صادر في 4 شوال (12 فبراير 1997) بتنفيذ القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية – منشور بالجريدة الرسمية عدد 4482 في 15/05/1997
[6] – CHAMPAUD (M), LA PLACE DES INTERETS PUBLICS DANS LES PROCEDURES COLLECTIVES IN (LA REFORME DU DROIT DE LA FAILLITE), COLLOQUE UNIVERSITE DE LILLE, 1978, P : 109.
[7] – SOINNE, L’INTERVENTION DU MINISTERE PUBLIC DANS LES PROCEDURES COLLECTIVES, DALLOZ 1983, P : 11.
[8] – الفصلين 8 و 9 من قانون المسطرة المدنية.
[9] – الفصلين 37 و 39 من مرسوم 01/03/1985.
[10] – عبد المجيد غميجة، م س، ص:10.
[11] – BOURGNINAUD (A), DROIT DES ENTREPRISES EN DIFFICULTES, ECONOMICA, PARIS, 2EME EDITION 1995, P :33.
[12] – المادة 4 من قانون 25/01/1985 الفرنسي.
[13] – PERDRIAV (A), LA COMMUNICATION AU MINISTERE PUBLIC DES AFFAIRES DE FAILLITE, JCP, ED, G, 1986,I, 3228.
[14] – محمد المجدوبي الادريسي، م س ، ص:39.
[15] – المادة 563 من مدونة التجارة.
[16] – الفصل 4 من قانون 25/01/1985 الفرنسي.
[17] – الفقرة 3 من الفصل 7 من نفس القانون.
[18] – المجدوبي الادريسي، م.س، ص: 53.
[19] – عبد المجيد غميجة، م.س، ص:9.
[20] – عبد المجيد غميجة، م.س، ص:9.
[21] – المادة 609 من مدونة التجارة.
[22] – المادة 10 من ق.م.م.
[23] – نور الدين الشرقاوي الغزواني، تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق الرباط، نشر المعهد الوطني للدراسات القانونية، 1995، ص:72 و73.
[24] – محمد الفروجي، صعوبات المقاولة و المساطر الكفيلة بمعالجتها، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الاولى، فبراير 2000، ص:92 و 93.
[25] – في إطار المادة 572 من مدونة التجارة.
[26] – الفصل 7 من ق.م.م
[27] – المادة 716 من مدونة التجارة.
[28] – عبد المجيد غميجة ، م س، ص:9.
[29] – شكري السباعي، الوسيط في الوقاية من الصعوبات و المساطر الكفيلة بمعالجتها، دار نشر المعرفة، الرباط 1999، ص:198.
[30] – الفقرة الثانية من المادة 563 من مدونة التجارة.
[31] – DERRIDA.F – GODE,P-SORTAIS. J-P : RESDRESSEMENT ET LIQUIDATION JUDICAIRE DES ENTREPRISES,3EME ED, ED :D1991, P :55.
[32] – محمد الفروجي، م س، ص:195.
[33] – عائشة بلقاضي، م س ، ص:70.
[34] – JEANNEROT.PH, L’INTERVENTION JUDUCIARE DANS LES PROCEDURES DE REDRESSEMENT JUDICAIRE, THESE, PARIS I-1992,P :266.
THIERRY MONTERAN : L’IMPARTIALITE DU JUGE ET LES PROCEDURES COLLECTIVES : REV.PRO.COLLNN°4-DECEMBRE
[35] – المادة 563 من مدونة التجارة.
[36] – المادة 572 من مدونة التجارة.
[37] – الفصل 23 و 67 من قانون 25/01/1985.
[38] – عبد الحميد أخريف، الدور القضائي الجديد في القانون المغربي لصعوبات المقاولة، ص:358.
[39] – المجدوبي الادريسي، م س، ص:47 و 48.
[40] – الفقرة 2 من الفصل 9 من ق.م.م
[41] – الفقرتين 3 و 4 من الفصل 9 من ق.م.م
[42] – قرار لمحكمة النقض الفرنسية، الغرفة التجارية ، أورده محمد عطاف :” دور النيابة العامة لدى المحاكم التجارية في قضايا صعوبات المقاولة” ، مجلة المحاكم المغربية، عدد 112، ص:86 و ما بعدها.
[43] – JENNEROT, OP CIT ; P : 263 ET 265.
[44] – تعديل الفصلين 424 و 425 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي بتاريخ 28/12/2005، نور الاعرج، مساطر صعوبات المقاولة، طبعة 2016، ص:111.
[45] – المنصوص عليهما في الفصلين 42 و 47 من ق.م.ج
[46] – عبد الله درميش، مقالة بعنوان:” الاشكالات التي يطرحها قانون المحاكم التجارية، مجلة المحاكم المغربية، مارس، أبريل، عدد 86، 2011 ص: 96.
[47] – فاتحة المشماشي، مدى نجاعة الوسائل القضائية في تقويم صعوبات المقاولة، أشغال اليوم الدراسي المنظم من قبل شعبة القانون الخاص يوم 24 ماي 1997، كلية الحقوق الرباط، منشورات كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي، سلسلة الندوات رقم 2، ص: 159.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
محمد قدار طالب باحث بسلك الماستر
اترك تعليقاً