المبادئ العامة لقانون الإحتلال الحربي وتطبيقاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة
الأستاذة طيبــــي وردة، طالبة دكتوراه وباحثة في القانون الدولي الإنساني
كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة باجي مختار -عنابة – الجزائر
ملخص
تأتي هذه الدراسة في سياق الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تغير الوضع القانوني في القدس المحتلة، بهدف تغيير الطابع العربي الإسلامي للمدينة وطمس هويتها القومية والدينية العربية الإسلامية، واتخاذها عاصمة لدولة الإحتلال، وذلك بمباركة من بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وهو ما تجلى واضحا في قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشرقية المحتلة تمهيدا لإعلانها عاصمة رسمية لدولة الإحتلال الصهيوني، وذلك في محاولة يائسة لدعم الإحتلال الاسرائيلي بتنفيذ مخططاته الصهيونية التي جاءت تجسيدا لوعد بلفور الباطل شرعا وقانوناقبل قرن من الزمن من هذا التاريخ في ذكراه المئوية، وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، والقانون الدولي لا يعترف ولا يقر بهذا الوعد كما لا يعترف ولا يقر ايضا بهذا القرار.
الكلمات المفتاحية: الإحتلال؛ قانون الحرب؛ النزاع المسلح؛ الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ القانون الدولي.
Abstract:
This study comes in the context of the Israeli measures aimed at changing the legal status in occupied Jerusalem, with the aim of changing the Arab Islamic character of the city and blurring its Arab and Islamic national and religious identity and taking it as the capital of the occupying state, with the blessing of some Western powers, foremost of which is the United States of America It is clear in the decision of US President Donald Trump to transfer the US Embassy to the occupied East Jerusalem city in preparation for declaring it the official capital of the Zionist occupation state in a desperate attempt to support the Israeli occupation by implementing its Zionist plans, Hand to the Balfour Declaration of falsehood by law and a century ago from this date in his memory percentage, which is the promise of those who do not have anyone who does not deserve, international law does not recognize nor acknowledge this promise and also does not recognize nor acknowledge this decision.
key words:Occupation; law of war; armed conflict; occupied Palestinian territories; international law
مقدمة
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تتزامن والظروف الدولية المضطربة والتي عادت بنا وبالمجتمع الدولي ككل إلى الازمنة الغابرة يوم كان سلطان القوة هو المبدأ السائد الذي يحكم العلاقات المختلفة بين الدول، عن طريق الاستيلاء على الأقاليم بالقوة عن طريق الإحتلال والغزو واستخدام القوة غير المشروع، وغيرها من الطرق التقليدية التي كانت متفشية لضم الأقاليم وكسب الأراضي والتوسع وبسط النفوذ.
وانطلاقا مما يشهده العالم اليوم، خاصة في الشرق الاوسط وما يحاك ضد أمتنا العربية والإسلامية من انتهاك لسيادة الدول وإحتلال الأراضي تحت ذريعة مكافحة الإهاب تارة كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان غيرها، وتحت ذريعة تسوية بل تصفية القضية الجوهرية والمحورية ليس للعرب والمسلمين بل قضية العالم باسره وهي القضية الفلسطينية قضية القضايا الدولية والقلب النابض للأمن والسلم الدوليين، انطلاقا من هذا وغيرهرأينا تقديم دراسةٍ قانونية متكاملة لنظام الإحتلال الحربي وفقاً لقوانين ومواثيق الحرب الدولية لإبراز طبيعة هذا النظام ومعرفة ما يترتب عليه من حقوق والتزامات بالنسبة لكافة الأطراف المعنية به، وذلك تذكيرا بضرورة احترام القانون الدولي وتنويها بأن قانون القوة لا قوة ولا سلطان له امام قوة القانون مهما طال الزمن واختلفت المفاهيم وتعدد الاهداف والنوايا وحيكت المؤامرات ضد الشعب الفلسطيني الصامد الأبي وضد أراضيه ومقدساته وجميع رموزه الوطنية الضاربة في أعماق التاريخ والحضارات.
وعليه تم طرح جملة من الاشكالات القانونية منها: كيف تعامل القانون الدولي مع حالة الإحتلال؟ وكيف تناول الجوانب القانونية المتعلقة بهذه لحالة الواقعية لا القانونية؟ وما هي المبادئ التي تم وضعها للإحاطة بهذه الظاهرة الدولية؟ وما هي أهم تطبيقات القانون الدولي للإحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟.
وبناء على ما تم طرحه سابقا تناول هذا المقال النقاط الرئيسية التالية:أولا تعريف الإحتلال (المطلب الاول)، ثم طرق اكتساب وفقد الاقليم ( المطلب الثاني)، والطبيعة القانونية للإحتلال الحربي (المطلب الثالث)، وأهم المبادئ التي تحكم قانون الإحتلال الحربي، (المطلب الرابع)، وأخيرا تطبيقات القواعد العامة لقانون الإحتلال الحربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (المطلب الخامس).
المطلب الاول: تعريف الإحتلال
الفرع الاول: التعريف الفقهي للإحتلال الحربي
لقد اختلفت الآراء الفقهية حول تعريف الإحتلال، فهناك من عرفه على أساس انه: “تلك المرحلة من مراحل الحرب أو النزاع المسلح والتي يكون نتاجها اقتحام القوات الغازية إقليم دولة معادية وانتصار قواتها والقيام بالهيمنة على الإقليم أو على جزء منه وإقامة سلطة عسكرية محل السلطة المحلية للحكومة الشرعية أو المنهزمة”.([1]) أو “سيطرة جيش دولة على إقليم دولة أخرى بالقوة أو بالاتفاق سيطرة فعلية بصور مؤقتة”.([2])
كما تم تعريف الإحتلال الحربي أيضا بأنه: “مرحلة من مراحل الحرب تلي الغزو مباشرة وتتمكن فيها القوات المتحاربة من دخول إقليم العدو، ووضعها للإقليم تحت سيطرتها الفعلية بعد أن ترجح كفتها بشكل لامنازعة فيه، ويتوقف النزاع المسلح ويسود الهدوء تمامًا الأراضي التي جرى عليها القتال”.([3])
في حين ذهب رأي آخر إلى تعريفه على أساس “وجود قوات مسلحة ما بإقليم دولة أخرى واستقرارها وفرض السيطرة عليها بقوة السلاح عند توقف القتال بهدنة أو بصلح أو بمقتضى قرار من سلطة تملك إصداره ويكون وقفا على الأقاليم التي فرضت سيطرتها عليها ولا يتعداها”.([4])
وبقراءة سريعة لهذه التعريفات يلاحظ غياب عنصر” عدم المشروعية “، وكذلك غياب دور القانون الدولي الإنساني الذي يجب أن يطبق على الإقليم المحتل، وهذا ما استدركه جانب من الفقه المعاصر فعرف الإحتلال بانه:” مرحلة من العمليات الحربية غير المشروعة تتمكن فيها قوات إحدى الدول من السيطرة الفعلية على كامل إقليم الطرف الأخر المقهور أو جزء منه وتتولى هذه القوات المنتصرة إدارة شؤون الإقليم والسيطرة عليه وفق مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني”.([5])
وأنه: ” حالة واقعية غير مشروعة فرضتها إحدى الدول على إقليم دولة أخرى لانتصارها في النزاع المسلح الذي نشب بينهما وتملك بمقتضاها الدولة المنتصرة من السيطرة الكاملة على إقليم الدولة المنهزمة أو على جزء منه وقامت سلطاتها العسكرية بإدارة الإقليم في إطار الالتزام القانوني بالحقوق والواجبات تجاه السكان المدنيين وممتلكاتهم بالإقليم المحتل”.([6])
إذن فالإحتلال ظاهرة وحالة مؤقتة فعلية أكثر منها قانونية وحتى نكون أمام هذه الحالة الواقعية بالمعنى القانوني الدولي لابد من توافر شرطين أساسين هما: أولاهما القدرة على إنشاء سلطة فعلية وكاملة على الإقليم المحتل، وثانيهما القدرة العسكرية للمحتل على فرض سلطته بالقوة على الإقليم المحتل، وهذا يعني أن تتجسد سيطرة المحتل السيطرة الكاملة على الإقليم المحتل وذلك من خلال إنشاء سلطة فعلية على الأراضي المحتلة لها من القدرة التي تمكنها من مباشرة جميع الاختصاصات المخولة لها بموجب أحكام قانون الإحتلال الحربي من خلال تسيير وإدارة الأراضي المحتلة وكذلك من خلال الوفاء بالتزاماتها الدولية الملقاة على عاتقها تجاه السكان المدنيين بالإقليم، حتى ولو كانت هذه السلطات والاختصاصات محدودة كما سيأتي توضيحه في نقطة لاحقة.([7])
الفرع لثاني: التعريف القانوني
يُدرج النظام القانوني الدولي المتعلق بالإحتلال الحربي، ويُدرس ضمن اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي لعام 1907، الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المتعلقة بحماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب، والبروتوكول الاضافي الاول لعام 1977، الملحق باتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية.([8])
استنادا إلى نص المادة 42 من اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، فإنه تم تعريف الإحتلال الحربي كما يلي: “يعتبر الإقليم محتلا عندما يصبح فعلا خاضعا لسلطة الجيش المعادي ولا يمتد الإحتلال إلا إلى الأقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة، وتكون قادرة على تدعيم نفوذها على الإقليم”.
ويلاحظ على هذه المادة أنها تختزل تعريف الإحتلال من خلال ” سقوط أرض دولة تحت السيطرة أو السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل هذا التعريف سوى الإقليم أو المناطق التي تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها وعليه فان الإحتلال يرتبط ارتباطا وثيقا بالسيطرة الفعلية على الأراضي وليس بمجرد إقامة سلطة عسكرية للإدارة العامة في تلك المناطق المحتلة.([9])
أما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 فلم تتضمن تعريفا للإحتلال، غير أن الاتفاقية الرابعة منها المتعلقة بحماية الاشخاص المدنيين زمن الحرب قد شملت نصوصا يمكن أن تطبق على الإقليم المحتل، وقد جاءت هذه النصوص مكملة للائحة الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 المتعلقة بقوانين وعادات أو أعراف الحرب.([10])
كما وسعت أيضا من هذا التعريف بحيث شملت مجالات تطبيق قانون الإحتلال الحربي على جميع أشكال وصور إحتلال الأراضي مادامت قد وقعت تحت القوة العسكرية وكانت نتاج عمل عسكري، وهي تنطبق على جميع حالات الإحتلال الجزئي أو الكلي للأراضي حتى لو لم يواجه هذا الإحتلال مقاومة مسلحة.([11])
وبخصوص البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977، الملحق باتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية.
وينظم ميثاق الأمم المتحدة والقانون المعروف بقانون اللجوء إلى القوة شرعية أي إحتلال، فحين تسود حالة تتساوى في الواقع مع الإحتلال، يطبق قانون الإحتلال سواء اعتبر الإحتلال شرعياً أم لا، ولا فرق في هذا المجال إن حظي الإحتلال بموافقة مجلس الأمن وما هو هدفه أو هل سمي في الواقع “اجتياحاً” أو “تحريراً” أو “إدارة” أو “إحتلالا” المهم هو الوقائع على الأرض([12]).
المطلب الثاني: طرق اكتساب وفقد الاقليم
ان طرق اكتساب الاقليم وفقا لأحكام القانون الدولي قد تكون بصفة أصلية وذلك إذا كان الاقليم شاغرا، أي ليس مملوكا لأية دولة، وإما نقلا عن الغير، وهذا يكون عند انتقال السيادة على الاقليم محل الاكتساب من دولة إلى أخرى، وقد استقر فقهاء القانون الدولي التقليدي على خمس طرق لاكتساب السيادة على الاقليم هي الاستيلاء والاضافة التنازل وهما من طرائق الاكتساب الأصلية، والتقادم المكسب والفتح وهي من طرائق الاكتساب الناقلة، وفيما يأتي إيجاز لكل من هذه الطرائق.([13])
الفرع الاول: الاستيلاء
الاستيلاء هو إحدى الطرق الاصلية لاكتساب الدولة السيادة على اقليم لا يخضع لسيادة دولة أخرى، أي اقليم مباح، وبممارسة السيادة عليه يصبح هذا الاقليم تابعا لها.([14])
وبالتالي فالاستيلاء هو إدخال الدولة في حيازتها الماديةأراض غير مملوكة، بقصد فرض سيادتها عليها، وهو بذلك يتصل بالأقاليم المشاعة التي لا تتبع أي دولة من الدول، وقد كان الاستيلاء فيما مضى الطريقة الشائعة لكسب ملكية الأقاليم لوجود بقاع كثيرةغير مأهولة أو غير مملوكة، وهو ما ليس عليه الحال اليوم بعد ما تمّ كشف سطح الأرض كله،ولم يعد هناك من الأقاليم مالا يخضع لولايةدولة ما.([15])
الفرع الثاني: الاضافة
الاضافة هي الزيادة التدريجية في اقليم الدولة التي تلحق به سواء كانت طبيعية أو اصطناعية، ولا يكون للدولة الحق المطلق عليها دون أن تكون بحاجة لقيام بأي عمل خاص لإدخالها ضمن نطاق سيادتها.([16])
الفرع الثالث: التنازل
التنازل هو تخليدولة لدولة أخرى عن سيادتها على إقليم معين بمقتضى اتفاق أو معاهدة بينهما، بحيث تنتقل السيادة على الاقليم المتنازل عنه من الدولة المتنازل اليها بطريقة سلمية، وهذا التنازل قديكون بمقابل في صورة مبادلة أو بيع، ومثال ذلك تنازل إيطاليا لفرنسا عن السافواهونيس عام 1860، مقابل تنازل فرنسا لها عن مقاطعة لومبارديا، وتنازل رومانيا لروسيابموجب معاهدة برلين عن إقليم بساربيا مقابل تنازل روسيا لها عن جزر دلتا الدانوبوإقليم دو بروجا.
أما التنازل بالبيع، فمثاله تنازل نابليون عام 1803 عن مقاطعةلويزيانا للولايات المتحدة مقابل ستين مليون فرنك؛ وتنازل روسيا لها عن إقليمألاسكا عام 1867 مقابل سبعة ملايين دولار، وقد يتم التنازل من دون مقابل، وهو عادةجبري يفرضه الغالب على المغلوب في معاهدات الصلح، ومثال ذلك تنازل فرنسالألمانيا عن إقليم الالزاسواللورين عام 1871، كما قد يقع اختيارياًكتنازل فرنسا عام 1764 عن مقاطعة نيو أورليان لإسبانيا، ثم تنازل اسبانيا عنهالفرنسا عام 1801، ويطبق على اتفاق التنازل القواعد الخاصة بالمعاهدات، ولاسيما مايتعلق منها بالشروط الشكلية والموضوعية لصحة المعاهدة، كمايراعى فيها رغبات السكان القاطنين في الإقليم المتنازل عنه، احتراماً لحقهم فيتقرير المصير.([17])
الفرع الرابع: التقادم المكسب
يختلفالتقادم عن الاستيلاء، بأنه وضع اليد مدة طويلة على إقليم يخضع بالفعل لسيادة دولةأخرى، فهو إذن من طرائق الاكتساب الناقلة، ونظرا لعدم وجود قواعد تفصيلية عرفية أواتفاقية تنظّم أحكام التقادم المُكْسِب، أو انقضاء مدة طويلة على الحيازة الفعلية، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إنكار وجود نظام التقادم في القانون الدولي غير أنالغالبية تميل إلى تقرير وجود هذا النظام في القانون الدولي، وهؤلاء يشيرون خاصة إلى ضرورة الأخذ به في المجتمع الدولي، وذلك لتوافر الأساس الذي تسند إليه فكرة التقادم المكسب للملكية في المجتمع الداخلي.
فالنظم القانونية الداخلية تأخذ بفكرة التقادم المكسب إقراراً للوضع القائم الذي مضى عليه زمن طويل، وتفضيلاً لواضع اليدالذي نشط إلى وضع يده على مال معين، واستمر مدة طويلة يباشر حقوق المالك على ذلكالمال من دون اعتراض المالك الحقيقي وتحقيقاً لفكرة الاستقرار في المعاملات، وذلكبوضع حد للنزاع بين المالك الحقيقي والمالك الظاهري أي واضع اليد ويستند غالبية القانونيين في اعتمادهم لنظام التقادم المكسب في القانون الدولي إلى الحجج الآتية:
إن معظم الحدود القائمة بين الأقاليم المختلفة للدول إنما ترتكز في سندها القانوني على مضي المدة الطويلة، فانقضاء زمن طويل على وجودها الفعلي على نحو مستمر وغير منازع فيه إنما هو قرينة على وجودها القانوني على الإقليم.
إن السند القانوني لسيادة كل دولة على إقليمها هو في الواقع وضع اليد الطويل الأجل، فالتقادم كما يقول الفقيه الإنكليزي برايرليBrirerly، هو أكثر طرائق اكتساب السيادة الإقليمية شيوعاً، غير أنه قلّما يثور في الواقع العملي نزاع دولي يقتضي من الدولة أن تثبت سند سيادتها على إقليمها إذا كان ذلك السند هو انقضاء مدة طويلة، ومن أجل ذلك فإن التقادم لا يثير الاهتمام.
إن عدم وجود قواعد تفصيلية تحدد المدة اللازم انقضاؤها على وضع اليد الهادئ المستمر ليس معناه عدم وجود نظام التقادم في العلاقات بين الدول، والظاهر أن الدول لم تجد نفسها في حاجة إلى الاتفاق على قاعدة عامة لتحديد مدة وضع اليد الطويل، وفضَّلت أن تدع الأمر للأوضاع الخاصة بكل حالة، وعمدت الدول في الحالات القليلة التي ثار النزاع بينها حول شروط التقادم إلى الاتفاق مقدّماً أي قبل إحالة النزاع للحكم فيه قضائياً على مقدار المدة اللازمة لتوافر وضع اليد.
مثال ذلك المعاهدة المعقودة بين بريطانيا وفنزويلا في عام 1897 الخاصة بإحالة الخلاف الناشئ بينهما حول الحدود بين غيانا البريطانية وفنزويلا على التحكيم، فقد تضمنت المعاهدة التي فصلت في شروط التحكيم نصاً يقضي بأن مرور خمسين عاماً يعدّ كافياً في تحديد وضع اليد الطويل، وبالتالي سنداً مثبتاً للسيادة على المساحات المتنازع عليها.
وعلى هذا تم تعريف التقادم المكسب بأنه «اكتساب السيادة على إقليم ما عن طريق ممارسة السيادة الفعلية عليه على نحو مستمر وغير متنازع فيه لمدة من الزمن تكفي لتبعث الشعور العام بأن هذا الوضع القائم هو الوضع الذي يتفق مع النظام الدولي».
وعليه يشترط في وضع اليد الطويل كي يعدّ سنداً مكسباً للملكية على الإقليم بالتقادم أن تضع الدولة يدها على إقليم معيّن تابع لإحدى الدول الأخرى بصفتها صاحبة السيادة عليه، وأن تصدر على هذا الأساس جميع التصرفات التي تجريها بشأن هذا الإقليم وسلطاتها التي تباشرها فيه، ويترتب على ذلك أن الدولة التي تدير إقليماً معيناً نيابة عن دولة أخرى بمقتضى اتفاقية معقودة بين الدولتين تعترف فيها الدولة الأولى بسيادة الثانية على الإقليم لا يمكن أن تكتسب السيادة على ذلك الإقليم عن طريق وضع اليد مهما طالت مدة إدارتها لذلك الإقليم. مثال ذلك أن بريطانيا عقدت معاهدة مع تركيا في 4/6/1878 اتفق فيها على أن تقوم بريطانيا بإدارة قبرص، على أن تظل الجزيرة تحت السيادة التركية. ([18])
كما يترتب على ذلك أن الدولة صاحبة السيادة على ذلك الإقليم لا تملك الادعاء باكتسابها السيادة عليه نتيجة لوضع اليد الطويل لأن الدولة التي تدير الإقليم، وإن كانت تباشر السيادة فعلاً على ذلك الإقليم، فإنها تفعل ذلك بصفتها مستأجرة له ونيابة عن الدولة صاحبة السيادة القانونية عليه أي الدولة المؤجرة، ومثال ذلك مركز الولايات المتحدة الأمريكية في الجزء الذي استأجرته من جمهورية بنما عام 1903، وكذلك مركز المملكة المتحدة في إقليم هونغ كونغ المستأجر من الصين عام 1898 لمدة تنتهي عام 1997، والشيء ذاته يقال في الأراضي الأردنية في وادي الأردن التي انسحبت منها إسرائيل بموجب اتفاقية «وادي عربة» عام 1994، واستأجرتها من المملكة الأردنية الهاشمية مدة خمسة وعشرين عاماً.([19])
أن يكون وضع اليد هادئاً، بمعنى إلا يكون متنازعاً عليه. أما إذا كانت دولة الأصل قد احتجت على وضع اليد قبل الدولة التي تدّعي مباشرة حقوق السيادة على الإقليم، واستمرت في احتجاجها عليه فإن وضع اليد لا يعد في هذه الحالة هادئاً. ولا يكفي «الاحتجاج الورقي» على تلك الممارسة بل لابد من احتجاج فعلي، وهذا ما ذهب إليه الفقيه البريطاني فيتنرموريس في مرافعته في قضية جزر مينكويروايكريهوس أمام محكمة العدل الدولية، أما إذا لم تبد دولة الأصل احتجاجاً فعلياً وعملياً وجدياً أو كانت احتجت ثم توانت أو وقفت موقفاً سلبياً، فإن وضع اليد يصبح في هذه الحالة هادئاً لا غبار عليه.
الفرع الخامس: الفتح
الفتح هو الاستيلاء بالقوة على إقليم أو جزء من اقليم تابع لدولة أخرى، ويتولد عن هذا الوضع القضاء على مظاهر سيادتها تماما في أنحاء الاقليم، وتلجأ الدولة الفاتحة إلى اكتساب هذا الاقليم عن طريق الفتح”.([20])
كما تم تعريفه ايضا بانه: “اخضاع أو ضم اقليم الدولة المنتصرة عسكريا اثر حرب بينهما وهو بذلك يعني القضاء على الدولة المهزومة في الحرب وسيادة الدولة المنتصرة على اقليمها،([21]) وإخضاع الإقليم المحتل إخضاعا دائما لسيادة المحتل وتوافر نية ضمه واعتباره جزءا من أقاليمه.([22])
واستقر الفقه الدولي على وجوب توافر ثلاثة عناصر لكي تقوم بموجبها حالة الإحتلال الحربي وهي، قيام حالة حرب أو نزاع مسلح بين قوات دولتين أو أكثر، وقيام حالة إحتلال فعلية مؤقتة تحتل فيها قوات مسلحة أجنبية أراضي دولة أخرى وتضعها تحت سيطرتها، وأني كون الإحتلال مؤثرًا.
ومن هنا يتضح الفارق الأساسي بين مفهوم الفتح ومفهوم الإحتلال، من حيث كون الفتح ينقل السيادة في حين يبقى الإحتلال الحربي غير ناقل للسيادة، وهو يقوم على أساس الاعتداء على سيادة إقليم دولة تتميز وتتمتع بمكانة مستقلة كغيرها من أقاليم العالم، وهو واقعة فعلية أكثر منها قانونية، وهذه الواقعة قد وجدت لها الاهتمام القانوني الدولي وذلك لما يترتب عليها من نتائج وأثار قانونية ليس فقط على مستوى طرفيه وهما دولة الإحتلال والدولة المحتلة وإنما على المجتمع الدولي بأسره، وهذا ما سنتناوله في نقطة جد أساسية وهي الطبيعة القانونية للإحتلال الحربي.
المطلب الثالث :الطبيعة القانونية للإحتلال الحربي
هنا لابد من التمييز بين ثلاث مراحل تاريخية لتطور مبدا تحريم وتجريم استخدام القوة في العلاقات الدولية وهي مرحلة ما قبل الحرب العالمية الاولى ثم في ظل عهد عصبة الامم لعام 1919، واخيرا في ظل ميثاق الامم المتحدة لعام 1945.
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للإحتلال الحربي قبل صدور ميثاق الأمم المتحدة
أولا: استخدام القوة قبل الحرب العالمية الاولى
الحرب هي قتال مسلح بين الدول يهدف إلى تحقيق اهداف سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو عسكرية وتخضع لقواعد معينة يطلق عليها قانون الحرب.([23])كما يقصد بالحرب الدولية ايضا، استخدام القوة بين دولتين أو أكثر مما يتطلب تطبيق قواعد القانون الدولي المنظمة لحالة الحرب التي تتحدد بتنظيم المنازعات الدولية المسلحة وتطبيق القانون الدولي الإنساني. ([24])
هذا وقد ظلت الحرب إلى عهد قريب هي الوسيلة الحاسمة لتسوية النزاعات الدولية وهي بذلك كانت تعد وسيلة قانونية من وسائل تسوية المنازعات لأنها الاكثر نجاحا لإنهاء النزاع وحصول الطرف المنتصر على جميع حقوقه كاملة.([25])
فكانت الحرب حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا مشروعة وكان يحق للدولة المنتصرة في الحرب والتي تتمكن من إحتلال إقليم معين إمكانية ضم هذا الإقليم إلى أراضيها أو التنازل عنه إلى دولة أخرى أو إقامة شخص دولي جديد فيه، ثم بدأت المناداة بقدسية سيادة الدولة على أقاليمها الوطنية، وعدم جواز المساس بهذه السيادة نتيجة لقيام حالة فعلية مثل حالة الإحتلال الحربي، فبدأت فكرة سيادة الدولةتتبلور بسرعة خصوصا بعد مؤتمر بروكسل لعام 1874م الذي قرر بأن الإحتلال الحربي لا ينقل ملكية الإقليم المحتل إلى الدولة القائمة بالإحتلال.([26])
ثانيا: استخدام القوة في عهد عصبة الامم
يعتبر استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية من اقدم وسائل القانون الدولي لإنهاء المنازعات بين الدول، ويعتبر عهد عصبة الأمم أول تطوير لقواعد القانون الدولي التقليدي المتعلقة بالحرب، فقد أصبحت الحرب طبقًا لنصوص العهد أمرًا يهم المجتمع الدولي بأسره ويظهر ذلك واضحًا من ديباجة العهد.
ولم يتضمن عهد العصبة نصا صريحًا يحرم اللجوء إلى الحرب ولم يأخذ بالتفرقة التقليدية بين الحرب العادلة وغير العادلة، إنما أخذ بتفرقة أخرى هي الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة، ولم تقتصر هذه التفرقة على أعضاء عصبة الأمم وحدهم وإنما تمتد هذه التفرقة إلى جميع الدول الأخرى.([27])
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للإحتلال الحربي في ظل ميثاق الأمم المتحدة
لقد تغير الوضع بعد ما تغيرت نظرة المجتمع الدولي للحرب وتحريم اللجوء إليها بمقتضى ميثاق باريس لعام1929، وتجسد ذلك من خلال ميثاق الامم المتحدة الذي نص صراحة على واجب الدول بالامتناع عن استعمال القوة أو التهديد باستعمالها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأي دولة.([28])
والميثاق بذلك يختلف عن العهد الذي اكتفى فقط بتحريم اللجوء للحرب، بينا التزم الميثاق بعدم اللجوء للحرب كوسيلة لتحقيق السياسة الوطنية.([29])
ويكاد يجمع الفقه الدولي على اعتبار القواعد التي تحرم اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية من قبيل القواعد الدولية الامرة وذلك اعترافا بدورها في المحافظة على اسس تنظيم المجتمع الدولي.([30])وبعد ان تأكدت عدم مشروعية الحرب في جميع المعاهدات والمواثيق والاعراف الدولية، فان جميع ما ينتج عنها من اثار كاستعمال القوة المسلحة وغزو الأراضي وإحتلالها يعد غير مشروع بل الاكثر من ذلك يعد جريمة عدوان يجرمها القانون الجنائي الدولي بفرعيه الاتفاقي والعرفي.([31])
ولقد تأكد عدم مشروعية الإحتلال بمقتضى ميثاق الامم المتحدة،([32]) فبعد ماكان عهد عصبة الأمم المتحدة لم يحرم اللجوء إلى الحرب بشكل قاطع وتغافل عن كونها آلية لتنفيذ مطالب حقوقية فان ميثاق الأمم المتحدة حظر على الدول الأعضاء بشكل عاماللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة سواء أكان ذلك ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو بأي شكل أخر يتنافى ومبادئ الأمم المتحدة.([33])
وهذا ما يسجل لميثاق الامم المتحدة الذي كان احد افرازات الحرب العالمية الثانية حيث انه لم يحرم الحرب بمعناها القانوني فقط بل حرم كل صور استخدام القوة في العلاقات الدولية وتجسد ذلك عمليا على اثر صدور لائحة محكمة نور مبرغ العسكرية في 8 اوت 1945 ولائحة محكمة طوكيو الدولية في 19 جانفي 1946.([34])
ووفقا لهذا المبدأ فان أي إحتلال دولة لأراضي دولة اخرى بالقوة أو الاعتراف القانوني بهذا الحق يعد جريمة في حق المجتمع الدولي وانتهاك صارخا للسلام والامن الدوليين ولحقوق الشعوب.([35])
وعليه نخلص إلى القول، بان الإحتلال الحربي اصبح اليوم جريمة دولية بوصفه جريمة ضد الإنسانية تهدد السلم والامن الدوليين وبوصفه جريمة عدوان وهو ما يرفضه القانون الدولي، إلا انه وعلى الرغم من الحضور المكثف للنصوص القانونية التي تحرم وتحظر اللجوء إلى استخدام القوة وتقي بتحريم الحرب بشتى صورها واشكالها إلا ان الواقع يبقى بعيدا عن ذلك فتُغيب النصوص ويتم تجاهلها وضربها عرض الحائط، وفي كثير من الحالات الاخرى يتم تفسيرها في غير ما وضعت له تماشيا مع المصلحة الضيقة لبعض الاطراف الدولية فيجد القانون الدولي نفسه قاصرا عن التطبيق فالحروب اليوم في استمرار كبير، ويبقى العالم الغربي صاحب اكبر الجيوش العسكرية والاسلحة المتطورة هو المحرك الرئيسي لجميع حروب العالم وهذا ما نشاهده وما نعيشه اليوم من كثرة الحروب الدولية والتسابق نحو التسلح والادهى من ذلك والامر ان معظم هذه الحروب تجرى في إطار قانوني دولي محكم وتحت مظلة الامم المتحدة ومجلس الأمن.
المطلب الرابع: أهم المبادئ التي تحكم قانون الإحتلال الحربي
تتمثل اهم المبادئ التي تحكم قانون الإحتلال الحربي فيمبدأ الطبيعة المؤقتة للإحتلال، ومبدأ السلطة الفعلية لدولة الإحتلال، إضافة إلى مبدأ حظر ضم الاقليم، وكذلك مبدأوجوباحترام وحماية حقوقالمدنيين في الأقاليم المحتلة، وفي ما يلي سنتعرض لكل مبدأ بشيء من التفصيل على النحو التالي:
مبدأ حظر ضم الاقليم: يعتبر مبدأ “حظر ضم الإقليم المحتل” من أهم مبادئ قانون الإحتلال التي نشأت وتطورت وكرست في كنف الفقه والعرف الدوليين، فإذا ما حدث وتم ضم الإقليم قبل انتهاء الحرب فان هذا يعد عملا غير مشروع في نظر القانون الدولي وكذلك الأمر ولو تم الاعتراف به من قبل دولة أخرى،([36])لأن الاقليم هو المكان المميز دوليا الذي تمارس فيه الدولة سيادتها،([37]) وهذه السيادة تحول دون تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدولة إلا في إطار منظمة الامم المتحدة وعن طريق قرار صادر عن مجلس الامن هذا في الحالات السلم، كما تحول دون ضم الاقليم المحتل في حالة الإحتلال أو النزاع المسلح، وهذا هو اكبر التزام يقع على عاتق القوات المحتلة بعد تمكنها من السيطرة على الاقليم.([38])
مبدأ الطبيعة المؤقتة للإحتلال: الإحتلال حالة مؤقتة تدخل ضمن إطار النزاع المسلح الدولي، وهو حالة فعلية لا تترتب عليها نقل السيادة على الإقليم المحتل ولا إكسابها للمحتل،([39]) وسلطة دولة الإحتلال تعد سلطة انتقالية ومحدودة تقتصر على تقديم الحماية والمساعدة إلى السكان الواقعين تحت الإحتلال في حالات الطوارئ التي تحدثها الحرب، وعلى سلطات الإحتلال بصفتها الجهة الإدارية المؤقتة للأراضي المحتلة أن تدعم الخدمات العامة وتقوم بإدارة الخدمات المؤقتة لصالح السكان أولا وبدون تمييز”.([40])
هذا وقد نصت اتفاقيات جنيف لعام 1949 على حالة الإحتلال، وهو يدخل ضمن إطار النزاع المسلح الدولــي وأيا كان مدى الإحتلال، يطال كامل تراب أحد الأطراف المتعاقدة أو بعضه وسواء اصطدم بمقاومة مسلحة أو لم يصطدم بها فإن الاتفاقيات تطبق في حالات الإحتلال التي وضعت الاتفاقية الرابعة أهم أحكامها.([41])
وعليه فانه ومهما كان مدى الإحتلال كلي على كامل الإقليم أو جزئي يطال جزء منه فقط وسواء اصطدم بمقاومة مسلحة أو لا فانه يظل خاضعا لأحكام القانون الدولي الإنساني هذا من جهة ومن جهة ثانية يبقى الإحتلال أيضا ظرف أو وضع خاص ومؤقت في العلاقات الدولية تتولى وتتبنى مبادئ وأحكام القانون الدولي تنظيمه خاصة تلك المتعلقة بقانون الإحتلال والنزاعات المسلحة الدولية. ويجب أن تبقى أطراف النزاع فيه ملتزمة بما جاءت به الاتفاقيات الدولية سواء ما تعلق بجانب الحماية أو بجانب بالعمليات الحربية بين الطرفين كطبيعة الأسلحة وحق المقاومة وغيرها من المبادئ المعروفة في هذا الصدد.
مبدأ السلطة الفعلية لدولة الإحتلال: كما سبق وتمت الإشارة إليه فان الإحتلال هو حالة طارئة ووضع مؤقت وغير اعتيادي في العلاقات الدولية ولكن في حال وان وقعت هذه الحالة وأصبحت ظاهرة فعلية فانه يترتب على عاتق المحتل بموجب قانون الإحتلال جملة من الاختصاصات أو السلطات داخل الإقليم المحتل وذلك مراعاة للاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها بالنسبة للسكان المدنيين والأهالي، هذا من جهة ومن جهة ثانية مراعاة لمصالح قوات لإحتلال نفسها قصد ضبط الأوضاع والتحكم في الأمور العامة داخل الإقليم المحتل بما يخدم مصالحه.
وكما هو معلوم فانه في الحالات العادية وفي زمن الحكومات المحلية الشرعية وحتى الاستثنائية فان الاختصاصات المدنية داخل الدولة تنحصر في ثلاثة أنواع؛ اختصاصات إدارية وأخرى قضائية وثالثة تشريعية وجميع هذه الاختصاصات تنتقل إلى سلطة الإحتلال وان كان ذلك بوجه مغاير وبنسب مختلفة كما ونوعا إذا ما وقع الإحتلال الحربي، ويمكن ذكر جملة منها فيما يلي:
أ ـ الاختصاصات الإدارية: بمجرد ان تتمكن قوات الإحتلال من فرض سيطرتها تماماً على الإقليم المحتل، يقع عليها واجب اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن واستقرار النظام، فلا يجوز لها أن تسمح لأفرادها باستباحة أرواح أو أموال أو أعراض السكان، أو الإساءة إليهم بأي شكلٍ كان، وفي الوقت نفسه عليها أن تفرض واجب الطاعة على هؤلاء السكان من أجل إقامة إدارة منظمة في الإقليم المحتل.([42])
فإذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الإحتلال , يتعين على هذه الأخيرة قدر الإمكان تحقيق الأمن والنظام العام وضمانه مع احترام القوانين السارية في البلاد إلا في حالات الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك.([43])ومن واجب دولة الإحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية.([44])
ولا يجوز لدولة الإحتلال أن تستولي على أغذية أو إمدادات أو مهمات طبية مما هو موجود في الأراضي المحتلة إلا لحاجة قوات الإحتلال وأفراد الإدارة، وعليها أن تراعي احتياجات السكان المدنيين. ومع مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية الأخرى، تتخذ دولة الإحتلال الإجراءات التي تكفل سداد قيمة عادلة عن كل ما تستولي عليه، وللدولة الحامية أن تتحقق دون أي عائق في أي وقت من حالة إمدادات الأغذية والأدوية في الأراضي المحتلة، إلا إذا فرضت قيود مؤقتة تستدعيها ضرورات حربية قهرية.([45])
ب ـ الاختصاصات التشريعية: إن العمل التشريعي هو احد أهم سمات عمل السيادة في الدولة وبما أن الإحتلال الحربي لا ينقل السيادة للمحتل فان هذا الاختصاص يظل اختصاصا أصيلا للدولة الأصلية وبالتالي لا يجوز للمحتل مباشرته.([46]) إلا انه في اغلب حالات الإحتلال وبجرد انتهاء العمليات الحربية والسيطرة على الإقليم يتم إيقاف العمل بالدستور وكذلك إيقاف العمل بالكثير من القوانين الداخلية خاصة السياسية منها أثناء فترة الإحتلال بما يتماشى وامن المحتل ومصالحه كقوانين الخدمة العسكرية والانتخاب وحرية الصحافة.([47])
وعليه فان القانون الدولي أجاز للمحتل إيجاد بعض القوانين الجديدة كحد أدنى لاستمرار الحياة العامة في الإقليم المحتل، وقد نظمت اتفاقية جنيف الرابعة العلاقة بين دولة الإحتلال والدولة المحتلة فيما يخص الجانب التشريعي في الإقليم المحتل،([48])
وأكدت على أن التشريعات الوطنية أو المحلية في الدولة المحتلة تظل سارية المفعول نافذة ولا يجوز لدولة الإحتلال إلغاؤها أو تعطيلها ما لم تكن هذه التشريعات تمثل خطرا على امن ومصالح سلطة الإحتلال، وفي حالت ما أصدرت دولة الإحتلال قوانين فإنها لا تصبح نافذة إلا بعد نشرها وإبلاغها باللغة المحلية التي يفهمها سكان الإقليم المحتل على أساس مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية على الماضي أو بأثر رجعي.([49])
ج ـ الاختصاصات القضائية: تبقى المحاكم الوطنية مستمرة في مباشرة وظائفها القضائية، وفي نظر الجرائم المنصوص عليها في القوانين الأصلية في الإقليم المحتل، وتصدر هذه المحاكم أحكامها باسم الدولة صاحبة الإقليم وليس باسم الدولة القائمة بالإحتلال، ولا تملك سلطات الإحتلال إجبار القضاة الوطنيين على إصدار أحكامهم بغير اسم دولتهم.([50]) ولكونه من مظاهر السيادة يظل الاختصاص القضائي في الدولة الواقعة تحت الإحتلال مستمرا وتظل القوانين الداخلية العادية قبل الإحتلال سارية المفعول في الإقليم المحتل وتبقى المحاكم العادية مستمرة في تطبيق هذه القوانين, خصوصا وانه ليس من مصلحة قوات الإحتلال عرقلة سير تلك المحاكم المحلية،
إلا انه إلى جانب ذلك يمكن للمحتل أن يمارس الاختصاص القضائي داخل الإقليم المحتل من خلال تنصيب محاكم عسكرية تختص بالنظر في جرائم قوات الإحتلال والأشخاص العاملين في خدمة سلطات الإحتلال وشركاؤهم في الجرائم التي يرتكبها الأهالي ضد امن المحتل وقواته، ضد القانون العرفي للمحتل الذي يصدره في نطاق أحكام قانون الإحتلال الحربي.([51]) ويبقى للسكان الحق في الالتجاء إلى محاكمهم لاقتضاء الحقوق أو لرفع المظالم؛ ولا يجوز لسلطات الإحتلال ان تمنعهم من ذلك ومع ذلك لا يجوز لهؤلاء السكان رفع دعاوى أمام محاكمهم ضد سلطات الإحتلال حتى ولو كانت دعاوى مدنية لأن هذه السلطات أصلاً لا تخضع لقوانين الإقليم المحتل ولا تدخل في دائرة اختصاص محاكمه الوطنية.([52])
وفي حالة توقف القضاة المحليون عن العمل القضائي فانه يتعين على المحتل إقامة سلطات قضائية قصد استمرار تطبيق القوانين الداخلية التي كانت سارية المفعول قبل الإحتلال وخلاله، أما فيما يخص حقوق المتهم اتجاه سلطات الإحتلال فانه يبقى مستفيدا من المبادئ القانونية والقضائية المعروفة في القوانين الداخلية خصوصا وكذلك القوانين الدولية كمبدأ عدم رجعية القوانين بأثر رجعي فلا تطبق عليه إلا القوانين التي كانت سارية قبل وقوع المخالفة أو الجريمة، مع الأخذ بعين الاعتبار بمبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة، وكذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن المتهم يبقى أجنبيا عن دولة الإحتلال وليس من رعاياه،([53]) فالمحاكم لا تطبق إلا القوانين التي كانت سارية قبل وقوع المخالفة والتي تكون مطابقة للمبادئ القانونية العامة، وعلى الأخص المبدأ الذي يقضي بأن تكون العقوبة متناسبة مع الذنب، ويجب أن تضع في الاعتبار أن المتهم ليس من رعايا دولة الإحتلال.([54])
كما يبقى للمعتقل حق التمتع بالحقوق المقررة له في القانون الدولي الإنساني خصوصا الحق في محاكمة عادلة وفق للإجراءات القانونية المفترض العمل بها في مثل هذه الحالات.
ويلاحظ على اتفاقية جنيف الرابعة أنها جعلت المجال واسعا فيما يخص هذه الاختصاصات التشريعية في الإقليم المحتل، وهذا ما يجعل قوات الإحتلال تسيء استخدام هذه الإجازة القانونية إن صح القول، وفي كثير من الأحيان تتخذه ذريعة للتغيير المجاني للقوانين الداخلية بما يخدم أمنها ومصالحها وبما يكبح جماح المقاومة والعمليات التحررية ضدها، وهذا ما حدث مثلا أثناء الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003م، حيث عمدت قوات الإحتلال الأمريكي على إبطال الدستور العراقي وحل الجيش العراقي وإصدار أوامر عسكرية باعتقال السياسيين العراقيين خصوص من لهم انتماء سياسي لحزب البعث العراقي الحاكم تحت مظلة الرئيس الراحل صدام حسين وكذلك اعتقال العلماء العراقيين، ثم قامت بتنصيب حاكم عسكري أمريكي وفرضت قوانين عسكرية أمريكية محكمة ومطبقة ضد كل ما هو عراقي وما يقال على العراق يقال على أفغانستان، والأمر أسوأ من ذلك في الأراضي العربية المحتلة في الأراضي الفلسطينية كما سيأتي التطرق إليه لاحقا.
ومهما طال زمن الإحتلال لا يجوز للدولة المحتلة ضم الإقليم المحتل إلى أراضيها أو إقامة حكم مدني فيه، ولذلك فان إدارة الإقليم المحتل يجب إن تتم باسم قائد جيش الإحتلال وليس باسم رئيس الدولة أو الحكومة التي يتبعها الجيش المذكور، ومعنى هذا إن دولة الإحتلال عليها ” أن تدير لا أن تحكم” ومن الخطأ التفتيش على أساس قانوني للصلاحيات التي يمارسها قائد جيش الإحتلال عبر نوع من الوكالة الضمنية، نيابة عن الدولة صاحبة الإقليم الأصلي لان مستندها القانوني هو أحكام القانون الدولي العام بالذات سواء كانت هذه الأحكام عرفية كاتفاقات لاهاي أو اتفاقية كأحكام اتفاقات جنيف.
مبدأ وجوب احترام وحماية حقوق المدنيين في الإقليم المحتل: طبقا لأحكام قانون الإحتلال فانه يحظر على المحتل إجبار الأهالي أو إكراههم على أداء قسم الولاء للمحتل، وقسم الولاء هو القسم الذي يلتزم به الأفراد قبل جهة السيادة في كل دولة، وذلك لكون المحتل لا يمثل جهة سيادة لأهالي الإقليم المحتل والشيء نفسه بالنسبة لواجب الطاعة، فلا يلتزم الأهالي بواجب طاعة المحتل ويبقى لهم حق المقاومة من اجل استعادة حقهم في الإقليم وكرامتهم وجميع حقوقهم المشروعة.([55])
كما يلتزم المحتل أيضا أمام القانون الدولي أيضا بعدم إلزام السكان بالاشتراك في العمليات الحربية وهذا الالتزام هو نتيجة للالتزامين السابقين؛ ففي غياب واجبي الولاء والطاعة يحظر على المحتل إشراك الأهالي في العمليات الحربية ضد دولتهم، فقد نصت لائحة لاهاي على انه ” يمنع على المحارب كذلك إجبار رعايا الطرف الخصم على المشاركة في العمليات العسكرية ضد دولتهم حتى في الحالة التي يكونون مستخدمين لديه قبل بدء الحرب”.([56])كما يحظر على الأطراف المتحاربين إجبار سكان الإقليم المحتل على تقديم معلومات عن جيش المحارب الأخر أو عن وسائل دفاعه.([57])
هذا وقد نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية على حظر القيام بأعمال القسر المادي والمعنوي ضد الأشخاص الواقعين تحت سلطة الإحتلال والتي يدخل منها الاشتراك في الأعمال الحربية أو أعمال الاستعدادات لها.([58])
ليس من حق سلطات الإحتلال إرغام السكان على الانضمام إلى قواتها المسلحة أو إلى قوات أخرى مساعدة لها؛ وقد قررت هذا الحكم المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة، وأضافت هذه المادة حكماً آخر مفاده: عدم جواز لجوء سلطات الإحتلال إلى مباشرة أي نوع من الضغط على السكان، أو حملهم طوعاً بوسائل الدعاية على الانخراط في سلك الجندية لصالح جيش الإحتلال.
ويفهم من نص المادة 52 من لائحة لاهاي للحرب البرية بأنه لا يجوز لسلطات الإحتلال تحصيل أموال عينية من السكان أو استحصال خدمات منهم تحتم طبيعتها أي طبيعة هذه الأموال والخدمات توريط هؤلاء السكان في الأعمال الحربية أو العسكرية الموجهة ضد بلادهم، ووفقاً لهذا النص لا يجوز مثلاً، إجبار السكان على تسليم سياراتهم أو شاحناتهم إلى سلطات الإحتلال لاستخدامها في نقل الجنود إلى جبهات القتال أو تشغيلهم هم أنفسهم في إقامة الطرق والجسور العسكرية، أو إنشاء القواعد الجوية، أو حراسة مستودعات الأسلحة والذخائر. ولا يقف حظر إشراك السكان في العمليات الحربية فقط عند هذا الحد، وإنما كذلك يتعداه إلى تحريم إكراه السكان على الإدلاء بمعلومات عن جيش بلادهم أو عن تحصيناته ووسائله الدفاعية.
المطلب الخامس: تطبيقات القواعد العامة لقانون الإحتلال الحربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة
كما سبق وان تمت الاشارة اليه أعلاه، فإن اتفاقيات جنيف الأربع تنص على انطباق الاتفاقيات على جميع حالات الإحتلال الجزئي أو الكلي حتى لو لم يواجه الإحتلال مقاومة مسلحة أو لم تكن إحدى دول النزاع طرفًا في الاتفاقيات، فالأراضي الفلسطينية تخضع لإحتلال كلي في جميع مدن الضفة الغربية وغزة مما يؤكد انطباق اتفاقيات جنيف الأربع عليها حتى لو لم تكن فلسطين طرفًا فيها وخاصةً اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، فالأراضي الفلسطينية أراضي محتلة بما يعني معه أن إسرائيل قوة إحتلال في تلك الأراضي، وبالتالي تنطبق عليها جميع أحكام وقواعد القانون الدولي للإحتلال بما فيها اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907، واتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949، والبروتوكولات الملحقة بها([59]).
وبموجب قواعد المسئولية الدولية يترتب على إسرائيل بصفتها قوة إحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 المسئولية الدولية عن كافة الأضرار الناجمة عن عدوانها وجرائمها المستمرة ضد المدنيين وضد الممتلكات في الأراضي الفلسطينية، والمسئولية الجنائية بمحاكمة الأشخاص المسئولين عن هذه الجرائم من قادتها وأفراد قواتها المسلحة والمستوطنين.
وبثبوت انطباق اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية عام 1907، واتفاقيات جنيف لعام 1949، وجميع المواثيق الدولية كالبروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنطبق على إسرائيل السلطة القائمة بالإحتلال نظام المسئولية الجنائية الدولية باعتبارها المسئولة عن جرائم الحرب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، فالمسئولية الجنائية الفردية التي أقرتها معاهدة فرساي لعام 1919، وكرستها كمبدأ من مبادئ القانون الدولي محكمتا نور مبرج وطوكيو وطبقتها عمليًا بحق مجرمي الحرب الألمان واليابانيين هي نفسها ما يّستند عليها كسوابق قضائية لإدانة الإحتلال الإسرائيلي غير المشروع دوليًا لجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته الدينية وجميع ممتلكاته المدنية.([60])
الخاتمة
من خلال ما تم التطرق إليه في هذا البحث المتعلق بالمفهوم العام للإحتلال الحربي وبعض القواعد والأحكام التي جاء بها يمكن أن نخلص إلى بعض النتائج كما يلي:
-لقد كان الإحتلال الحربي شأنه في ذلك شأن الحرب مفهوما مشروعا في القانون الدولي التقليدي يوم كانت الحرب مظهرا من مظاهر قوة وسيادة الدولة، بحيث كان اللجوء لاستخدام القوة المسلحة أمر طبيعي وقانوني لفرض السيطرة، وقصد التوسع وإحتلال الأقاليم وضمها بإسم مبدأ سيادة الدولة ولكن ومع تطور القانون الدولي من حيث الأشخاص والقواعد تطور هذا المفهوم وأصبحت الحرب غير مشروعة ولا يجوز اللجوء إليها كوسيلة لحل المنازعات الدولية بين الدول، وهذا تطبيقا لمبدأ حظر استخدام القوة الوارد في ميثاق الأمم المتحدة.
-على الرغم من عدم مشروعية الحرب فقد يترتب على نشوبها بين دولتين أو أكثر إحتلال إقليم إحداها للأخرى وجزء منه وانتقال مقاليد السلطة إلى يد المحتل. ففي مثل هذه الحالة نجد أن قانون الإحتلال الحربي قد اوجب على المحتل جملة من المبادئ والأحكام التي يجب احترامها ساء ما تعلق منها تجاه الإقليم المحتل ومؤسسات الدولة العامة أو تجاه السكان المدنيين من أهالي الإقليم وممتلكاتهم الخاصة والذين وجدوا أنفسهم تحت مظلة قوات أجنبية معادية وقوانين غير عادية .
-يقع على دولة الإحتلال الالتزام باحترام هذه المبادئ من خلال عدم المساس بالنظم القانونية الداخلية للدولة المحتلة أو الإقليم المحتل إدارية كانت أو تشريعية أو قضائية وعدم المساس بمؤسسات الدولة أو القيام بالنقل الإجباري للأفراد والجماعات أو إبعادهم من أرضهم كما يحظر على المحتل أيضا تدمير العقارات والممتلكات العامة التابعة للدولة أو الشخصية التابعة للأفراد أو إصدار تشريعات جديدة.
-وبخصوص تطبيق هذه الخروقات لقواعد والأحكام على الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن الشواهد على ذلك نذكر مثلا، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهير رقم 3525 الصادر بتاريخ 15-12-1975، والذي جاء فيه على وجه الدقة إدانة المحتل الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة على تصرفاته غير المشروعة وغير الإنسانية، بحيث أدانت الجمعية العامة بصفة خاصة السياسات والممارسات الإسرائيلية المتعلقة بضم أجزاء من الأراضي المحتلة وإنشاء مستعمرات يهودية فيها وتدمير المنازل العربية ومصادرة الممتلكات العربية وترحيل وطرد وتشريد السكان العرب وإنكار حقهم في العودة إلى وطنهم والقيام باعتقالات جماعية ونهب الممتلكات الأثرية والثقافية والتعرض للحريات والشعائر الدينية والاستغلال غير المشروع للثروة الطبيعية للأراضي المحتلة. وأعلنت الجمعية العامة في القرار ذاته “أن تلك السياسات والممارسات الإسرائيلية تشكل انتهاكات خطيرة لميثاق الأمم المتحدة، ولاسيما لمبدأ السيادة والسلامة الإقليمية ولمبادئ وأحكام القانون الدولي المتعلقة بالإحتلال، وأكدت من جديد أن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الطابع المادي للأراضي المحتلة هي تدابير باطلة ولاغية”.
-وفي الاخير نخلص إلى القول بأن الإحتلال الحربي اصبح اليوم جريمة دولية بوصفه جريمة ضد الإنسانية تهدد السلم والامن الدوليين وبوصفه جريمة عدوان وهو ما يرفضه القانون الدولي، وعلى الرغم من الحضور المكثف للنصوص القانونية التي تحرم وتحظر اللجوء إلى استخدام القوة وتقي بتحريم الحرب بشتى صورها واشكالها إلا ان الواقع يبقى بعيدا عن ذلك فتُغيب النصوص ويتم تجاهلها وضربها عرض الحائط، وفي كثير من الحالات الاخرى يتم تفسيرها في غير ما وضعت له تماشيا مع المصلحة الضيقة لبعض الاطراف الدولية، فيجد القانون الدولي نفسه قاصرا عن التطبيق فالحروب اليوم في استمرار كبير، ويبقى العالم الغربي صاحب اكبر الجيوش العسكرية والاسلحة المتطورة هو المحرك الرئيسي لجميع حروب العالم وهذا ما نشاهده وما نعيشه اليوم من كثرة الحروب الدولية والتسابق نحو التسلح والادهى من ذلك والامر ان معظم هذه الحروب تجرى في إطار قانوني دولي محكم وتحت مظلة الامم المتحدة ومجلس الأمن.
وهذه هي أهم المبادئ والأحكام القانونية النظرية التي يمكن إيرادها على سبيل الذكر وهي تبقى كذلك بعيدة كثيرا عن التطبيق في كثير من حالات الإحتلال إن لم نقل جميعها وإلا كيف نفسر ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس المحتلة وما تتنكر له قوات الإحتلال الإسرائيلية وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة الامريكية، من قرارات دولية، ضاربة بذلك القانون الدولي عرض الحائط لتعلن ضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني متجاهلة بذلك الحقيقة التاريخية والقانونية لعروبة القدس وإسلامية المسجد الاقصى التي لا يمكن تجاهلها ولا يمكن تغييرها على مر التاريخ والعصور.
قائمة المراجع:
أولا: النصوص القانونية:
اتفاقية لاهاي لعام 1907 حول حقوق وواجبات الدول المحايدة.
لائحة لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية.
معاهدة فرساي 1919.
ميثاقاممالمتحدة
الاعلانالعالمي لحقوق الإنسان 1948.
اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977.
النظامالاساسيللمحكمةالجنائيةالدولية 1998.
ثانيا: قائمة المراجع باللغة العربية
بوكرا ادريس، مبدا عدم التدخل في القانون الدلي المعاصر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990.
جمال عبد الناصر مانع، القانون الدولي العام، الجزء الثاني، المجال الوطني للدولة، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، الجزائر، 2009.
حسام أحمد محمد هنداوي، التدخل الدولي الإنساني، دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء قواعد القانون الدولي، كلية الحقوق بني سويف، جامعة القاهرة.
رينه جان دوبوي ترجمة سموحي فوق العدة، القانون الدولي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1973.
زياد عبد اللطيف القريشي، الإحتلال في القانون الدولي، الحقوق والواجبات، دراسة تطبيقية لحالة العراق، درا النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2007.
سهيل الفتلاوي وعماد محمد ربيع، موسوعة القانون الدولي الإنساني، القانون الدولي الإنساني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، جرش، الاردن، 2007.
عامر الزمالي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، تونس 1997.
عبد الرحمن لحرش، المجتمع الدولي التطور والاشخاص، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، الجزائر، 2007.
علي يوسف الشكري، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير، محكمة ليبزج ـنورمبرغ ـ طوكيو ـ يوغسلافيا ـ روندا ـ المحكمة الجنائية الدولية وفقا لأحكام نظام روما الاساسي، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الاولى، 2005.
عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والابعاد السياسية، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، القاهرة، مصر.
عمر سعد الله، حقوف الإنسان وحقوق الشعوب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005 .
عمر سعد الله، أحمد بن ناصر، قانون المجتمع الدولي، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
فراس زهير جعفر الحسيني، الحماية الدولية لموارد المياه والمنشئات المائية اثناء النزاعات المسلحة، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان 2009.
فرنسوا بونيون، نشأة الحماية القانونية للممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح ضمن إطار القانون الدولي الإنساني التعاقدي والعرفي، اجتماع الذكرى الخمسين لاتفاقية لاهاي لعام 1954 بتاريخ 14-11-2004 على الموقع الالكتروني: icrc.org
كمال حماد، النزاع المسلح الدولي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1997.
محمد أحمد داود، الحماية الأمنية للمدنيين تحت الإحتلال في القانون الدولي الإنساني، مطابع أخبار اليوم، 2008.
محمد عزيز شكري، كسب الإقليم في القانون الدولي، الموسوعة العربية، المجلد السادس عشر.
مصطفى كامل شحاتة، الإحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصرة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981.
ثالثا: المراجع باللغة الاجنبية
Amos s hersby .the essentalsof international public law and organization .7th new york.
Le statut juridique de l’état d’occupation militaire et responsabilité dans les territoires occupés, Série du droit international humanitaire n ° 5, 2008 . mezan.org
Sylvain Vite, La possibilité de l’application du droit international relatif à l’occupation militaire sur les activités des organisations internationales, Département de l’Université du Centre de recherche pour le droit international humanitaire, International Université Réseau privé à Genève, 2004
([1])مصطفى كامل شحاتة، الإحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصرة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر، 1981 م، ص105.
([2])سهيل الفتلاوي وعماد محمد ربيع، موسوعة القانون الدولي الإنساني، القانون الدولي الإنساني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، جرش، الاردن، 2007، ص14.
([3])Le statutjuridique de l’état d’occupation militaire et responsabilité dans les territoires occupés,Série du droit international humanitaire n ° 5, 2008 .page 3. www.mezan.org
([4]) محمد أحمد داود، الحماية الأمنية للمدنيين تحت الإحتلال في القانون الدولي الإنساني، مطابع أخبار اليوم، 2008،ص 106.
([5])فراس زهير جعفر الحسيني، الحماية الدولية لموارد المياه والمنشئات المائية اثناء النزاعات المسلحة، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان 2009، ص 60.
([6])محمد أحمد داود، المرجع السابق ص107.
([7])محمد أحمد داود، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه، ص107 وما بعدها.
([8])Sylvain Vite, La possibilité de l’application du droit international relatif à l’occupation militaire sur les activités des organisations internationales,Département de l’Université du Centre de recherche pour le droit international humanitaire, International Université Réseau privé à Genève, 2004, page 2.
([9])زياد عبد اللطيف القريشي، الإحتلال في القانون الدولي، الحقوق والواجبات، دراسة تطبيقية لحالة العراق، درا النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2007، ص 28.
([10])وهذا ما تضمنته المواد من المادة 27 إلى المادة 34 وكذلك المادتان 47، و48 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهي تلك النصوص التي تنطبق على الأراضي المحتلة.
([11])المادة الثانية المشتركة لاتفاقيات جنيف الاربع تنص على أنه: “علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الإحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الإحتلال مقاومة مسلحة.وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقتها”.
([12])فرنسوابونيون، نشأةالحمايةالقانونيةللممتلكاتالثقافيةفيحالةالنزاعالمسلح ضمنإطارالقانونالدوليالإنسانيالتعاقديوالعرفي، اجتماعالذكرىالخمسينلاتفاقيةلاهايلعام 1954 بتاريخ 14-11-2004 على الموقع الالكتروني: www.icrc.org
([13]) جمال عبد الناصر مانع ،القانون الدولي العام، الجزء الثاني، المجال الوطني للدولة، دار العلوم للنشر والتوزيع،عنابة، الجزائر،2009، ص80.
([14])جمالعبدالناصرمانع، المرجع نفسه ص82.
([15])محمد عزيز شكري، كسب الإقليم في القانون الدولي، الموسوعة العربية، المجلد السادس عشر، ص 262.
([16])جمال عبد الناصر مانع، المرجع نفسه، ص92.
([17])جمال عبد الناصر مانع ، المرجع نفسه، ص94.
([18]) محمد عزيز شكري، المرجع السابق.
([19]) محمد عزيز شكري، المرجع السابق.
([20])جمال عبد الناصر مانع ،المرجع السابق، ص101.
([21])عبد الرحمن لحرش، المجتمع الدولي التطور والاشخاص، دار العلوم للنشر والتوزيع،عنابة، الجزائر، 2007، ص52.
([22])مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، ص 111.
([23])Amos s hersby .the essentalsof international public law and organization .7th new york. 1930.p545.
([24])سهيل الفتلاوي وعماد محمد ربيع، المرجع السابق، ص62.
([25])كمال حماد، النزاع المسلح الدولي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1997، ص26.
([26])الطبيعة القانونية للإحتلال الحربي،على الموقع الالكتروني السابق.
([27])المواد (12، 13، 15) منالعهد
([28])تنص المادة الأولى من الميثاق على: ” إن الدول المتعاقدة تعلن في صراحة وتأكيد باسم شعوبها المختلفة اشد استنكارها للالتجاء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية، كما تعلن نبذها للحرب في علاقاتها المتبادلة باعتبارها أداة لسياسة قومية “.
([29])بوكراادريس، مبداعدمالتدخلفيالقانونالدليالمعاصر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990، ص123
([30])حسام أحمد محمد هنداوي، التدخل الدولي الإنساني، دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء قواعد القانون الدولي، كلية الحقوق بني سويف، جامعة القاهرة، ص234
([31])محمد أحمد امين، المرجع السابق، ص112
([32])المادة الثانية فقرة4.
([33])رينه جان دوبوي ترجمة سموحي فوق العدة، القانون الدولي، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1973، ص139.
([34])علي يوسف الشكري، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير، محكمة ليبزج ـنورمبرغ ـ طوكيو ـ يوغسلافيا ـ روندا ـ المحكمة الجنائية الدولية وفقا لأحكام نظام روما الاساسي، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الاولى، 2005، ص 171.
([35])عمرسعدالله، حقوفالإنسانوحقوقالشعوب،ديوانالمطبوعاتالجامعية، الجزائر، 2005، ص199.
([36])مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، ص 131.
([37])عمر سعد الله، أحمد بن ناصر، قانون المجتمع الدولي، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص65.
([38]) عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والابعاد السياسية، مركز الدراسات السياسية الاستراتيجية، القاهرة، مصر، ص34.
([39])مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، 131.
([40])الفقرة الثانية من المادة الثانية المشتركة لاتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949.
([41])عامر الزمالي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، تونس 1997، ص( 32 +33).
([42])حسب الرسول شيخ الفزاري، النظام القانوني للإحتلال الحربي، مجلةكلية الملك خالد العسكرية، العدد 74، لعام 2003.
([43])المادة 43 من لائحة لاهاي.
([44]) المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
([45]) الفقرة الثانية من المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة.
([46])المادة 43 لائحة لاهاي لعام 1907.
([47]) مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، ص 174.
([48])المواد 64+65+66اتفاقية جنيف الرابعة.
([49])سهيل الفتلاوي وعماد محمد ربيع، المرجع السابق، ص151.
([50])حسب الرسول الشيخ الفزاري ، المرجع السابق.
([51]) مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، ص 173 .
([52]) حسب الرسول الشيخ الفزاري، المرجع السابق.
([53])سهيل الفتلاوي وعماد محمد ربيع، المرجع السابق، ص 153.
([54]) المادة 67 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
([55]) مصطفى كامل شحاتة، المرجع، ص 139.
([56]) المادة 23 فقرة 2 من لائحة لاهاي لعام 1907.
([57])نص المادة 44.
([58]) مصطفى كامل شحاتة، المرجع السابق، ص 147.
([59])المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
([60])المادة 227 من معاهدة فرساي لعام 1919.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً