الموطن في القانون المدني السوري
بحث للدكتور هشام القاسم في كتابه المدخل لعلم القانون نقلته من الحيز الورقي للالكتروني للافادة والله من وراء القصد
——————————————-
الفرع السادس
الموطن
Le domicile
تعريفه وأهميته – تحديد الموطن العادي وتغييره- الموطن القانوني بالنسبة للموظفين العامين ، بالنسبة لكاملي الأهلية الذين يشتغلون عند الغير ويقيمون معه ، بالنسبة للقاصرين ومن في حكمهم – موطن الأعمال – الموطن المختار : تعريفه وأهميته ، آثاره إثباته
تعريف الموطن وأهميته :
يعرف الموطن بأنه ((مكان معين تكون للشخص صلة به تسمح باعتباره موجوداً فيه بصورة دائمة ، بحيث يجوز لمن يريد أن يعامله قانونياً او قضائياً أن يوجه إليه الخطاب في ذلك المكان فيعتبر عالماً بذلك الخطاب ولو لم يعلم به بالفعل ))
أو هو بتعبير آخر ((المقر الذي يكون للشخص بنظر القانون ))
ويقسم الموطن إلى : موطن عام يشمل كافة أمور الشخص ومعاملاته القانونية ، وموطن خاص يقتصر على بعض الأمور والمعاملات كما أن الموطن العام إما أن يكون موطناً عادياً للشخص يحدد استناداً إلى بعض الاعتبارات ، كتحديده بالنظر إلى إقامة هذا الشخص مثلاً ، أو موطناً قانونياً يفرضه القانون بالنسبة لبعض الأشخاص ، بينما يقسم الموطن الخاص إلى موطن أعمال وموطن مختار
ويعتبر الموطن عنصراً هاماً من عناصر الشخصية إذ أنه يمكن من تحديدها بصورة دقيقة وتعيين مقرها وتبدو فائدة الموطن من الوجهة القانونية في نواحي عديدة ، من أهمها مايلي :
1- إن المحكمة المختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالمنقولات أو بالحقوق الشخصية هي في الأصل المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه (المادة 81 من قانون أصول المحاكمات )وعلى هذا لو أراد الدائن مثلاً أن يرفع الدعوى على مدينه فعليه أن يرفعها أمام محكمة موطن هذا المدين
2- إن التبليغات القانونية كالإنذارات ونحوها تبلغ إلى الشخص الموجهة إليه في موطنه فيعتبر عالماً بها ولو لم تسلم إليه بالذات ((المادتان 22و23 من قانون أصول المحاكمات ))
3- وهناك إلى جانب هاتين الفائدتين الرئيسيتين فوائد أخرى للموطن منها مثلاً أن استيفاء الديون وتأديتها يجريان في الأصل في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء (المادة 345 من القانون المدني )وأن التركات والتفليسات يجري فتحها أمام السلطات المختصة التي يقع في دائرتها موطن المتوفى أو موطن أعمال التاجر المفلس ، ونحو ذلك
تحديد الموطن العادي وتغييره :
اختلفت الشرائع في كيفية تحديد الموطن ، وفي جواز تعدده أو عدمه : فالشرائع تعتبر أن لكل شخص موطنا اصليا domicile d’origine) وهو الموطن الذي ينسب إليه بحكم القانون منذ ولادته ، ويظل هذا الشخص محتفظاً بموطنه الأصلي ما لم يتخذ لنفسه موطناً جديداً غيره ، فإذا اتخذ لنفسه موطناً جديداً غيره ، فقد موطنه السابق كما ترى هذه الشرائع أيضاً أنه لا بد لكل شخص من موطن ينسب غليه ، وأن الشخص لا يمكن أن يكون له – إلا في بعض الحالات الاستثنائية – أكثر من موطن
أما الشرائع اللاتينية ، خاصة الفرنسية منها ، فتعتبر أن موطن الشخص هو المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله الرئيسي (son principal establissement)وهي بذلك تفرق بين الموطن من جهة ومحل الإقامة من جهة ومحل الإقامة والسكن من جهة ثانية كما أن هذه الشرائع تعتبر أيضاً أن الشخص لا يمكن أن يكون له أكثر من موطن واحد ن وإن يكن القضاء قد حاول مع ذلك التخفيف من شدة هذه القاعدة والاعتراف بتعدد المواطن في بعض الحالات
وأما الشريعة الجرمانية أو الألمانية – وتشابهها في ذلك أيضاً الشريعة الإسلامية – فهي أكثر من واقعية من الشرائع السابقة إذ تعتبر أن موطن الشخص هو المكان الذي يقيم فيه عادة ، أي هو محل الإقامة نفسه وترى هذه الشريعة أيضاً ، خلافاً للشرائع الأنكلو سكسونية واللاتينية ، أنه ليس من المحتم أن يكون لكل شخص موطن معين (فالبدو الرحل مثلاً ليس لهم موطن ثابت )ن وقد تبنى القانون المدني السوري ، وكذلك المصري ،هذا المبدأ الذي أخذت به كل من الشريعيتين الجرمانية والإسلامية ، فنص في المادة 42 منه على أن (( الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ويجوز أن يكون للشخص أكثر من موطن ،كما يجوز أن لايكون له موطن ما ))
وعلى هذا فقانوننا المدني يربط بين الموطن ومحل الإقامة من جهة كما أنه يجيز تعدد المواطن بالنسبة للشخص الواحد من جهة ثانية
ويلاحظ أنه لا يكفي أن يقيم الشخص في مكان ما ليعتبر هذا المكان موطناً له ، بل يجب أن تكون لديه أيضاً نية الاستيطان أو الإقامة فالشخص الذي يذهب لقضاء عطلة الصيف مثلاً في مكان معين لا يعتبر أنه قد اتخذ من هذا المكان موطناً له ما دام لا يبغي فيه سوى الإقامة المؤقتة
غير أن إقامة الشخص بنية الاستيطان في مكان معين لا تعني أن هذا الشخص عليه أن يقيم في ذلك المكان بصورة مستمرة ودائمة دون أن يغادره أبداً فالشخص قد يتغيب عن محل إقامته بين فترة وأخرى ،كالتاجر مثلا الذي قد تضطره تجارته إلى التنقل والأسفار ومع ذلك يظل يعتبر هذا المحل موطنا له بل أن الشخص قد يتخذ لنفسه أكثر من محل إقامة واحد ،كالمزارع مثلاً الذي يقيم تارة في مزرعته وتارة في دار يسكنها في المدينة فيعتبر كل من هذه المحلات التي يقيم فيها موطناً له بالرغم من أنه لا يقيم فيها باستمرار لأن المهم كما ذكرنا هو الإقامة لا الإقامة الدائمة المستمرة
أما إذا لم يعد الشخص يقيم فعلا في المكان الذي كان يقيم فيه ،أو لم تعد لديه نية الاستيطان ، فتزول حينئذ عن هذا المكان صفة الموطن
فتغير الموطن يكون إذن بأن يترك الشخص محل إقامته السابق ،أو يصرف النظر عن الاستيطان فيه وأن ينتقل إلى مكان جديد يقيم فيه بنية الاستيطان 0أما إذا انتقل الشخص إلى موطن جديد ولكن دون أن يصرف النظر عن الاستيطان فيه ، فلا يعتبر أنه قد غير موطنه القديم ن بل يكون قد اتخذ لنفسه موطناً جديداً بالإضافة إلى هذا الموطن السابق
الموطن القانوني :
للشخص كما رأينا ملء الحرية مبدئياً في أن يختار لنفسه الموطن الذي يريده ، وفي أن يغير هذا الموطن كما شاء ، وليس عليه في هذا السبيل إلا أن يحدد محل إقامته فيعتبر هذا المحل موطناً عادياً له
إلا أن القانون قد يتولى أحياناً ، بالنسبة لبعض الأشخاص تحديد مواطن لهم يفرضها عليهم ويلزمهم بها وهذه المواطن لا يستند القانون في تحديدها إلى محل إقامة هؤلاء الأشخاص ، كما أن الأشخاص الذين تفرض عليهم لا يستطيعون تغييرها من تلقاء أنفسهم ، بل تظل هذه المواطن مفروضة عليهم ما داموا في الظروف التي يوجب القانون فيها تحديدها لهم
وتحديد الموطن القانوني (le domicile legal) أمر استثنائي لا يجوز أن تتم إلا بنص صريح في القانون وهذا النص يجب أن يطبق بالنسبة للحالات المذكورة فيه فق دون أن يمكن التوسع فيه أو القياس عليه
وتفرض الشرائع المختلفة المواطن القانونية على الأشخاص استناداً على اعتبارات متعددة ومنها بصورة خاصة ارتباط الشخص بمكان معين (كارتباط الموظف بمكان وظيفته ) أو ارتباطه بشخص آخر يتولى شؤونه (كارتباط القاصر بنائبه الشرعي ) كما أن بعض هذه الشرائع تعتبر أن الموطن القانوني للزوجة هو موطن زوجها
وقد أخذ القانون المدني المصري بفكرة الموطن القانوني للشخص في حالة واحدة فقط هي حالة ارتباطه بشخص آخر ينوب عنه ويتولى شؤونه ، اما القانون السوري فقد أضاف على ذلك حالتين جديدتين تبنى أولاهما على ارتباط الشخص بمكان معين ، وتبنى الثانية على ارتباطه بشخص آخر ومكان معين بنفس الوقت ولم ياخذ أي من القانونين بفكرة اعتبار موطن الزوج بمثابة موطن قانوني لزوجته وبذلك فليس للزوجة – بحسب نظامنا القانوني – موطن قانوني ، وغنما لها موطن عادي فقط يتحدد تبعاً لمكان إقامتها ، وهو بطبيعة الحال موطن زوجها طالما تقيم وإياه في مكان واحد أما إذا انفصلت عنه وأقامت في غير منزل الزوجية فموطنها هو المكان الذي تقيم فيه لا موطن زوجها
والأشخاص الذين فرض عليهم القانون المدني السوري المواطن القانونية هم :
1- الموظفون العامون 2- الأشخاص الحائزون على كامل الأهلية الذين يشتغلون عند الغير ويقيمون معه 3- القاصرون ومن في حكمهم
1- الموطن القانوني بالنسبة للموظفين العامين : نصت الفقرة الثانية من المادة 43 من القانون المدني على أن ((إن موطن الموظفين العامين هو المكان الذي يمارسون فيه وظائفهم.))
ويبنى الموطن في هذه الحالة على ارتباط الموظف بمكان معين ن هو المكان الذي يمارس فيه وظيفته ، ولو لم يكن يقيم فيه بالفعل فالموظف المعين في دوما مثًلاً يعتبر أن موطنه القانوني هو مكان وظيفته فيها ، ولو كان يقطن في دمشق لا في دوما 0
ويلاحظ أن هذا النص لا يشمل إلا الموظفين العامين ، أي موظفي الدولة فقط أما موظفي الشركات والمؤسسات الخاصة فليس لهم موطن قانوني ، وغنما لهم موطن عادي يحدد تبعاً لمحل إقامتهم
كما يلاحظ أيضاً أن من الممكن الاستغناء عن هذا النص ، كما فعل القانون المصري ، باعتبار أن الموظفين العامين غالباً ما يقيمون في نفس المناطق التي يمارسون فيها وظائفهم فتغني بذلك مواطنهم العادية عن مواطنهم القانونية
2- بالنسبة لكاملي الأهلية الذين يشتغلون عند الغير ويقيمون معه : تضمنت الفقرة الثالثة من المادة 43 من القانون المدني المشار إليها آنفاً النص التالي ((الأشخاص الحائزون على كامل الأهلية، الذين يخدمون أو يشتغلون عند الغير،يعتبر موطنهم موطن من يستخدمهم إذا كانوا يقيمون معه في منزل واحد((
ويبنى الموطن في هذه الحالة على ارتباط المستخدم الحائز على الأهلية الكاملة بشخص آخر هو الشخص الذي يشتغل عنده من جهة وعلى إقامته معه في منزل واحد من جهة ثانية ، أما إذا كان هذا المستخدم لا يقيم مع الشخص الذي يشتغل عنده في منزل واحد ، فلا يكون له موطن قانوني عند هذا الشخص ، وغنما يكون له موطن عادي في المحل الذي يقيم فيه
ويلاحظ في هذه الحالة أيضاً ان نص الفقرة الثالثة من المادة 43 من القانون المدني السوري ليست له فائدة كبيرة من الوجهة العملية ومن الممكن الاستغناء عنه كما فعل القانون المصري ،ذلك أن تحديد الموطن القانوني ، بحسب النص المذكور على إقامة المستخدم مع من يعمل عنده في منزل واحد فلو لم نفترض وجود موطن قانوني للمستخدم في هذه الحالة لكان له موطن عادي هو نفس المحل الذي يقيم فيه مع من يشتغل عنده ، ولأغنى هذا الموطن العادي عن الموطن القانوني الذي يحدد له
3- بالنسبة للقاصرين ومن في حكمهم : نصت المادة 44 من القانون المدني على مايلي ((1- موطن القاصر، والمحجور عليه، والمفقود، والغائب، هو موطن من ينوب عن هؤلاءقانوناً.
2- ومع ذلك، يكون للقاصر، الذي بلغ خمس عشرة سنة، ومن في حكمه، موطن خاصبالنسبة إلى الأعمال والتصرفات التي يعتبره القانون أهلاً لمباشرتها((
ويلاحظ من هذا النص أن الأشخاص المذكورين فيه (وهم عديمو الأهلية وناقصوها – سواء أكان انعدام أهليتهم أو نقصها بسبب السن أو بسبب عارض أصابها – وكذلك المفقودون والغائبون ) قد حدد القانون لهم موطناً إلزامياً هو موطن من ينوب عنهم ويمثلهم من ولي أو وصي أوقيم أو وكيل قضائي ، وذلك لارتباط هؤلاء الأشخاص بأولئك الذين ينوبون عنهم ويتولون أمورهم
ولا شك أن هذا الحكم منطقي ومعقول ذلك أن الأشخاص المشار غليهم لا يستطيعون ، كما نعلم ، ممارسة التصرفات بأنفسهم وإنما يتولى إجراء هذه التصرفات عنهم وإدارة أموالهم نائبهم الشرعي 0 ومن الطبيعي أن يعتبر موطن هذا النائب الشرعي موطناً قانونياً لهم تجري إليه التبليغات الموجهة إليهم وترفع أمام محاكمه الدعاوى المقامة عليهم ، ما دام هذا النائب الشرعي هو الذي سيمثلهم في ذلك كله
على أن الفقرة الثانية من المادة 44 المذكورة آنفاً قد تضمنت استثناءاً محدوداً يتعلق بالقاصر الذي بلغ خمس عشرة سنة ومن في حكمه ، حيث اعتبرت أن له موطناً خاصاً بالنسبة للأعمال والتصرفات التي يعتبره القانون أهلاً لمباشرتها
فقد مر معنا سابقاً في بحث الأهلية أن القاصر الذي بلغ الخامسة عشر من عمره قد يؤذن له باستلام أمواله أو بعضها ، وبإجراء بعض التصرفات الدائرة بين النفع والضرر بنفسه مباشرة دون مساعدة نائبه الشرعي فيعتبر أن للقاصر في هذه الحالة ( ولمن في حكمه كالسفيه والمغفل المأذون لهما بتسلم أموالهما ، وكذلك القاصر الذي بلغ الثالثة عشرة من عمره بالنسبة لإدارة أمواله التي اكتسبها من عمله الخاص ) موطناً خاصاً مستقلاً عن موطن نائبه الشرعي فيما يتعلق بهذه الأعمال والتصرفات التي يعتبر أهلاً لمباشرتها بنفسه ، ويقتصر هذا الموطن ، كما هو واضح ، على هذه الأعمال والتصرفات فقط ، ، أما الأعمال والتصرفات الأخرى التي لا يشملها الإذن الشرعي فيظل للقاصر الذي بلغ خمسة عشر سنة من عمره ومن في حكمه موطن قانوني بالنسبة إليها هو موطن نائبه الشرعي
موطن الأعمال :
نصت الفقرة الأولى من المادة 43 من القانون المدني على أنه ((يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة لإدارةالأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة((
ومعنى ذلك أن التجار وأصحاب الحرف لهم ، بالإضافة إلى موطنهم العادي العام الذي يحدد في موطن إقامتهم ، موطن خاص قي المكان الذي يباشرون فيه تجارتهم أو حرفتهم بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة ، وهو ما يسمى بموطن الأعمال أو الموطن التجاري (le domicile d’affaires ou commercial)
فلو فضنا أن شخصاً يقيم في دمشق مثلاً وله متجر في الزبداني ، فيكون لهذا الشخص موطنان ، موطن خاص ، موطن خاص في الزبداني فيما يتعلق بأعمال تجارته فقط ، وموطن عام في دمشق بالنسبة لسائر شؤونه ومعاملاته وعلى هذا فإن القانون المدني لم يجز تعدد الموطن ، بأن يكون للشخص أكثر من موطن واحد ، بل أجاز أيضاً تجزئته بأن جعل بعض المواطن قاصرة على نوع معين من الأعمال دون غيره
ويلاحظ هنا أن موطن الأعمال إنما يثبت بنص القانون بسبب ارتباط الشخص بمكان معين هو المكان الذي يمارس فيه تجارته أو حرفته 0 وهذا الموطن يشابه من هذه الناحية الموطن القانوني ، ولكنه يختلف عنه في أنه ليس موطناً عاماً بالنسبة لجميع شؤون الشخص وأموره ، وإنما هو خاص بنوع معين من الأعمال يقتصر أثره عليها ،ولا يكون له من أثر بالنسبة لغيرها
الموطن المختار :
تعريفه وأهميته : نصت المادة 45 من القانون المدني على أنه ((يجوز اتخاذ موطن مختار لتنفيذ عمل قانوني معين ))
فالموطن المختار (Le domicile elu) عبارة عن موطن خاص يتعلق بعمل معين ، وهو بهذا يشابه موطن الأعمال الذي يعتبر بدوره من المواطن الخاصة ، غير أن الموطن المختار يختلف عن موطن الأعمال في أن صاحبه هو الذي يعينه بمحض إرادته ومشيئته ، ولا يتدخل القانون في تعيينه وفرضه إلا استثناء في بعض الحالات المحددة
وللموطن المختار فائدة كبرى في تسهيل الإجراءات والمعاملات القانونية فقد يعقد شخصان مثلاً صفقة تجارية ، ويخشى احدهما أن يضطر فيما إذا قام نزاع حول هذه الصفقة فيما بعد ، إلى ملاحقة المتعاقد الآخر أمام محاكم موطنه الأصلي أو توجيه التبليغات إليه في هذا الموطن ، فيحتاط للأمر بأن يتفق وإياه حين التعاقد على موطن مختار بالنسبة لهذه الصفقة
فحين يقوم نزاع قانوني فيما بين التاجرين الدمشقي والحلبي حول الصفقة المذكورة لا يكون التاجر الدمشقي مضطراً إلى أن يجري التبليغات القانونية إلى موطن التاجر في حلب أو أن يرفع عليه الدعوى أمام محاكمها ، بل يستطيع أن يجري التبليغات إلى الموطن المختار لدى الشخص المعين في دمشق ، كما يستطيع أن يرفع الدعوى أمام محاكم دمشق باعتبارها المحاكم التي يقع في دائرتها هذا الموطن المختار
آثار الموطن المختار : نصت الفقرة الثالثة من المادة 45 المشار إليها آنفاً على أن ((والموطن المختار لتنفيذ عمل قانوني، يكون هو الموطن بالنسبة إلى كل ما يتعلقبهذا العمل، بما في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري، إلا إذا اشترط صراحة قصر هذاالموطن على أعمال دون أخرى))
فالموطن المختار بالنسبة لعمل معين يشما أثره إذن كل ما يتعلق بهذا العمل إلا ما استثني صراحة منه 0 وأهم آثار الموطن المختار الأثران اللذان لاحظناهما في المثال السابق وهما :
1- إن المحكمة التي يقع في دائرتها الموطن المختار تكون مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالعمل الذي اختير لأجله هذا الموطن
2- إن التبليغات القانونية والقضائية المتعلقة بهذا العمل يمكن أن تجري في الموطن المختار بدلاً من الأصلي
أما بالنسبة للأثر الأول ، فيلاحظ أن الدعاوى المتعلقة بعمل معين يمكن أن ترفع أيضاً أمام محاكم موطن المدعى عليه باعتبار أنها هي المختصة أصلاً للنظر فيها ، ما لم يتبين أن تعيين الموطن المختار كان يقصد به حصر اختصاص النظر في الدعاوى بالمحاكم التي يقع في دائرتها هذا الموطن دون المحاكم التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ففي مثالنا السابق ، يستطيع التاجر الدمشقي إذا شاء أن يرفع الدعوى على التاجر الحلبي في دمشق ، باعتبار أن الموطن المختار يقع فيها أو في حلب ، باعتبار أنها الموطن الأصلي للمدعى عليه ، ما لم يتبين أن تعيين دمشق كموطن مختار قد قصد منه حصر اختصاص النظر في الدعاوى الناشئة عن صفقة القطن في محاكمها وحدها دون محاكم حلب
وبالنسبة للأثر الثاني ، فهو ليس محتم الوقوع دوماً ، بمعنى أن تعيين الموطن المختار قد ينجم عنه إمكان إجراء التبليغات إلى هذا الموطن ، وقد لا ينجم عنه ذلك فيظل من الضروري إجراء هذه التبليغات إلى الموطن الأصلي لمن توجه إليه 0 ففي المثال السابق ، لو عين التاجران الدمشقي والحلبي محلاً معيناً في دمشق موطناً مختاراً ، كأن اعتبرا أن الموطن المختار هو لدى التاجر الفلاني ، والمحامي الفلاني ، فإن من الممكن إجراء التبليغات التي يريد التاجر الدمشقي أن يوجهها إلى التاجر الحلبي في هذا الموطن المختار كما أن من الممكن إقامة الدعاوى أمام محاكم دمشق التي يقع في دائرتها 0 أما لو اكتفى التاجران الدمشقي والحلبي بأن عينا مدينة دمشق موطناً مختاراً دون أن يحددا محلا معينا فيها ،فإن فائدة هذا التعيين تنحصر في أن محاكم دمشق تكون مختصة للنظر في الدعاوى التي يقيمها التاجر الدمشقي على التاجر الحلبي ، وأما التبليغات من إنذارات ومذكرات ونحوها فلا يمكن إجراؤها في مدينة دمشق ، لعدم تعيين من توجه إليه بل يجب توجيهها إلى التاجر الحلبي في موطنه الأصلي في مدينة حلب
هذا ويلاحظ أن من الممكن تعيين الموطن الأصلي للمدين موطناً مختاراً له (كأن يشترط التاجر الدمشقي على التاجر الحلبي مثلاً تعيين مدينة حلب موطناً مختاراً له ) ، وفائدة ذلك أن الدائن لا يكون مضطراً فيما إذا غيّر المدين موطنه الأصلي إلى ملاحقته في موطنه الجديد ، بل يستطيع ملاحقته في موطنه السابق باعتباره موطناً مختاراً (فلو انتقل التاجر الحلبي من مدينة حلب إلى مدينة اللاذقية مثلاً وأقام فيها ، فإن التاجر الدمشقي لا يكون مضطراً – إذا كانا اتفقا على أن حلب هي الموطن المختار – إلى ملاحقته أمام محاكم اللاذقية باعتبار أن موطنه قد أصبح فيها ، بل يستطيع ملاحقته أمام محاكم حلب باعتبارها محاكم الموطن المختار )
والموطن المختار الذي يتم تعيينه باتفاق المتعاقدين لا يمكن العدول عنه إلا باتفاق المتعاقدين لا يمكن العدول عنه إلا باتفاق مماثل بينهما كما لا ينقضي بموت صاحبه ، بل ينتقل إلى ورثته الذين يلتزمون به تبعاً لالتزامهم بعقد مورثهم الذي اشترط فيه هذا الموطن وكذلك لا تؤدي إصابة العاقد بعارض من عوارض الأهلية بعد إجراء العقد الذي تم فيه تعيين الموطن المختار إلى انقضاء هذا الموطن ، لأن العقد الذي نص على تعيينه قد تم إجراؤه حين كان العاقد كامل الأهلية وهو لا يتأثر بما يصيب هذا العاقد بعد ذلك من عوارض
إثبات الموطن المختار :
نصت الفقرة الثانية من المادة 45 من القانون المدني على أنه ((لا يجوز إثبات وجود الموطن المختار إلا بالكتابة ))0 وعلى هذا فلا يثبت الموطن المختار بالشهادة مثلاً كما لا يمكن استنتاجه من الوقائع والظروف ، بل لا بد من وثيقة خطية مهما تكن قيمة العمل الذي اختير لأجله هذا الموطن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً