تفسير النصوص القانونية في ضوء التشريع والاجتهاد القضائي السوداني
( دراسة حول الظاهر والمعنى )
د/ محمد المدني صالح الشريف ، استاذ القانون المدني
رئيس قسم القانون الخاص– كلية الحقوق – جامعة ظفار – سلطنة عمان
Abstract
This research aims to know how statute is interpreted in a way that complies with the linguistic rules and the fundamental rules of interpretation. This compliance will be determined in light of the apparent content of these rules and in view of its deep meaning, without exaggeration or neglecting any factor that may influence the interpretation.
This interpretation will be carried out by discussing the nature of the relation between the statute, which is characterized by its fixity, its generality and its abstraction, and its application cases, which are characterized by their form diversity, their non-fixity, and their divergence. In the light of these considerations, the purpose of the statute interpretation must be the realization of justice as a supreme value.
That is why this research dealt with the problem of the unbalanced interpretation approach of the statute which focuses only on the statutes without considering their purpose, and which also focuses on the other side on their purpose without considering their substances and their meaning. This research dealt with the general problem related to the criteria determining the jurisprudential interpretation of the of the confused statutes for justice purpose
With this goal in view, we have concluded that the Interpretation based on a single dimension, such as that which is based solely on the apparent meaning of the statute (literal meaning), or that based solely on its implicit meaning, alters the meaning of justice in many cases.
For such reasons, I have recommended that the interpretation of the statute must take into account the factual and actual circumstances of the dispute, and must show the same interest in these circumstances as that shown in the statute itself and in its special interpretation rules. It is by doing this that we can deduce solutions from statute that would better reveal its deeper meaning.
ملخص
عالج هذا البحث مسألة تفسير النصوص القانونية تفسيراً يتفق مع القواعد اللغوية والأصولية من حيث الالتزام بظاهرها ومن حيث النظر في معناها ومقصدها دون افراط أو تفريط ومناقشة طبيعة العلاقة بين النص القانوني الذي يتسم بالثبات والعموم والتجريد وبين مشخصاته التي تتسم بعدم الثبات وبالتعدد والاختلاف في صورها وأثر ذلك على تفسير النصوص القانونية تفسيراً يحقق العدل ويجعل منه القيمة الأسمى والأشمل, ولذلك فقد عالج هذا البحث اشكالية الاعتماد في تفسير النصوص القانونية على النظرة غير المتوازنة التي تحيل إلى النصوص دون النظر في مقاصدها, أو تحيل إلى المقاصد دون الاعتماد على النصوص ومدلولاتها كما عالج الاشكالية المتعلقة بالمعايير الضابطة للاجتهاد القضائي فيما يتعلق بتفسير النصوص الظنية وتأويلها تحقيقاً للعدل, مستخدماً المنهج الاستقرائي والمنهج المقارن, وقد خلصت إلى عدد منالنتائج من أهمها : أنَّالتفسير الذي يستند إلى نظرة أحادية فيراعي ظاهر اللفظ دون معناه أو يراعي المعنى دون الظاهر يخل بميزان العدالة في كثير من الأحيان . كما أوصيت بضرورة احاطة الوقائع والظروف الملابسة عند النظر في النزاع والفصل فيه القدر اللاَّزم من الاهتمام بما لا يقل عن الاهتمام الذي يجب أن تحظى به النصوص من حيث فهم مدلولها وفقاً للقواعد الخاصة بتفسيرها لاستنباط الأحكام التي تدل عليها .
كلمات مفتاحيه :
الظاهر, المعنى, التفسير, مناط الحكم, التأويل .
مقدمة
فهم النص القانوني وإدراك العلاقة بين المعنى والظاهر يتطلب نظراً سليماً يحفظ لهذه العلاقة توازنها المطلوب دون إفراط أو تفريط, على أنَّ حفظ هذا التوازن لا يتم إلا بالوقوف على ما يبنى عليه كل منهما, لذلك يستهدف هذا البحث معرفة الأحوال التي يمكن فيها الالتزام بظاهر اللفظ دون الالتفات إلى المعنى, وكذلك معرفة الأحوال التي يجب فيها الالتزام بالمعنى دون ظاهر اللفظ, لكون الالتزام المطلق بأي طرف دون الالتفات إلى الطرف الآخر يهدر الآخر بالكلية,الأمر الذي يؤدي إلى الانحراف عن قصد المشرع من التشريع ,أو مناقضته, أو الخطأ في الفهم والاستنباط, وغير ذلك من وجوه الانحراف, وهي معادلة صعبه إذا نظرنا إليها من جهة البناء على المعنى؛ لأنَّ للظاهر مادته التي يمكن إدراكها حساً من خلال اللغة وعلومها كالنحو , والصرف, والبيان, والبلاغة والعوم والخصوص, والإطلاق والتقييد, خلافاً للمعنى الذي يلتمس في العلل والأسباب ومقاصد المتكلم, ووجوه المصالح والمفاسد, وما شابه ذلك مما ليس له مشخصات في الواقع, ولذلك كان تلمس المعاني بحاجة إلى نظر أدق وفهم سديد وقدر من الذكاء والفطنة, فمسايرة المعاني المتجددة, والمصالح المتغيرة أشد عسراً من الإلمام بالقواعد اللغوية التي تحكم ظاهر الألفاظ والنصوص, مع أنَّ إدراك معاني النصوص والنظر في الحكمة منها, والوقوف على غاياتها والبحث عن المصالح التي ترعاها يجب أن يتم من خلال ظاهر النص, والظروف المصاحبة لتقريره, وواقع الحال, والسياق الذي ورد فيه, وغير ذلك من العوامل .
, وقبل الولوج في ثنايا البحث من خلال هيكله المرسوم , هنالك بعض الأمور لا بد من الاشارة إليها بما يلي :
أولاً/ أسباب اختيار الموضوع :
هنالك عدد من الأسباب دعت لاختيار هذا الموضوع وهي :
1/ بيان الأهمية التي يتمتع بها تفسير النص القانوني وما يتضمنه من ظاهر ومعنى , وما تثيره الوقائع من انعكاسات للوجهة التي يجب أن يوليها القاضي اهتمامه تحقيقاً للعدل الذي يشمل التزامه المهني بجانب التزامه في إحقاق الحقوق ورد المظالم وإقامة العدل في آن واحد .
2/التعرف على المنهج الذي سلكه المشرع السوداني في فهمه للعلاقة بين ظاهر النصوص القانونية وما تدل عليه من معان من خلال النظر في النصوص القانونية ثم النظر في الأحكام القضائية ومدى توافقها مع نهج المشرع .
3/ بيان الأثر المترتب على الإحالة إلى اللفظ والتمسك بظاهره , أو الإحالة إلى المعنى وإهمال اللفظ على إقامة ميزان القسط والعدل عند تفسير نصوص القانون .
ثانياً/ أهميته الموضوع:
يستمد هذا البحث أهميته من كونه يستهدف قضية تفسير النص القانوني للوقوف على مبناه ومعناه عند تطبيقه على مشخصاته وما يثيره من إشكاليات بسبب ثبات النص وحركة المشخصات واختلافها في واقع الحياة.
ثالثاً / مشكلة البحث :
تتمثل مشكلة البحث في تلك العلاقة التي تربط بين النص القانوني من حيث هو ألفاظ مركبه وفقاً لقواعد اللغة , وبين المعنى الذي يدل عليه وكيفية إعمال حكم النص القانوني بما يدل عليه ظاهره دون التفريط في مقصده , والعلل والأسباب التي دعت إلى سنه وتشريعه , وأعمال حكم المعنى تحقيقاً لحكم النص دون التفريط في ظاهر اللفظ .
رابعاً / تساؤلات البحث :
يسعى هذا البحث للإجابة على التساؤلات الآتية :
1/ هل حمل اللفظ على ظاهره أو على معناه بإطلاق يتجافى مع العدل ويتعارض مع قصد المشرع من التشريع؟
2/ بما أن قواعد القانون كلية وعامة , فهل هذا العموم مطلق أم نسبي ؟ وما هو أثر ذلك على تفسير النصوص القانونية وتطبيقها على مشخصاتها ؟
3/ ماهي المعايير العلمية التي تعتمد عليها المحكمة عند تفسيرها وتطبيقها لنصوص القانون في الواقع حينما تتمسك بظاهر النص وحينما تعمل على تأويله ؟
4/ ما هو أثر تعدد واختلاف مشخصات الوقائع وتأثرها بالظروف والملابسات على تفسير النص القانوني وتطبيقه على الوقائع بما يتفق مع مقصد المشرع من التشريع ؟
5/ ماهي المهارات اللازمة التي يجب أن يتحلى بها القاضي حتى يمكنه التمسك بعمومية العدل وشموليته عند تطبيقه لنصوص القانون على الوقائع دون أن يخل بمبدأ الفصل بين السلطات ويتوغل على سلطات المشرع؟
رابعاً / أهداف البحث :
يهدف هذا البحث لتحقيق ما يلي :
1/ التعرف على مفهوم النص القانوني , وبيان أهمية الالتزام بظاهره ودور ذلك في تحقيق الاستقرار في المجتمع باعتباره أحد الأهداف العامة للقانون , وإقامة العدل كدعامة أساسية لتحقيق هذا الهدف وما يتطلبه في بعض الأحيان من الحيدة عن ظاهر النص بمسوغات تتفق مع قواعد تفسير النصوص المتعارف عليها ويقرها العقل والمنطق السليم .
2/ كشف وبيان القواعد العلمية الضابطةالتي تحفظ للعلاقة بين النص القانوني ومقصده توازنها المطلوب خدمة للعدل كقيمة ساميه تعلو فوق كل الاعتبارات .
3/ الوقوف على أثر الإحالة إلى ظاهر النص , أو الإحالة إلى المعنى عند تفسير القواعد القانونية على معالجة قضايا الواقع بعدالة دون أن يخل ذلك بالمبادئ العامة التي تحكم العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية من حيث الاختصاص في سن التشريع وفي تطبيقه .
خامساً / منهجية البحث وخطته :
اقتضت طبيعة البحث إتباع المنهج الاستقرائي الذي يقوم على ملاحظة الجزئيات للوصول إلى وضع نظريات وأحكام كلية عامة , بالإضافة إلى المنهج الاستنباطي الذي يبدأ بالحقائق الكلية ثم ينتقل إلى الحقائق الجزئية باعتباره مكملاً للمنهج الأول , ثم المنهج المقارن, حيث قارنت بين التشريع السوداني المتأثر بالمدرسة الانجلو ساكسونية, وبين المدرسة الحقوقية الإسلامية من خلال الفقه الإسلامي .
أما بخصوص خطة البحث فقد اشتملت على أربعة مباحث , مبحث أول تمهيدي عن : الإطار المفاهيمي لتفسير النص القانوني ثم يليه المبحث الثاني تناولت فيه بناء الأحكام على الظاهر والأثر المترتب عليه ثم المبحث الثالث وخصصته للحديث عن العدول عما يدل عليه ظاهر النص وفي المبحث الرابع والأخير تحدثت عن العلاقة بين الظاهر والمعنىثم خاتمة تضمنت أهم النتائج والتوصيات .
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي لتفسير النص القانوني
يتناول هذا المبحث التعريف بمفهوم التفسير في اللغة وفي الاصطلاح القانوني , وأنواع التفاسير بحسب مجالات العمل القانوني والجهة التي تقوم بالتفسير مع الإشارة إلى الفوارق بينها بشيء من الإيجاز .
المطلب الأول / ماهية التفسير:
الفرع الأول / مفهوم التفسير :
يقال في اللغة فَسَرَ الشيء فسراً وضحه , وفسَّر بمعنى وضح , واستفسره عن كذا سأله أنَّ يفسره له , والتفسرة الشرح والبيان , يقال فسر القرآن الكريم , يقصد به توضيح معاني القرآن الكريم وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام ([1]) .
أما التفسير في الاصطلاح فيقصد به بيان معنى الألفاظ ودلالتها على الأحكام للعمل بالنص على وضع يفهم من النص ([2])
فالتفسير يهدف إلى تحديد المضمون الحقيقي للقاعدة القانونية وبيان نطاقها وتوضيح الغموض الذي قد يلابسها ومعرفة ما يشوبها من نقص , أو قصور والسعي إلى حل التناقض بين مختلف النصوص القانونية وتصحيح الأخطاء المادية التي تعتريها([3]) ومن هذا المنطلق تبرز الأهمية التي تتمتع بها قضية تفسير النصوص لكون القاضي لا يعرف مدى انطباق حكم النص على الوقائع إلا بعد تفسير النص القانوني وادراك معناه والقصد منه والحكمة من سنه وتشريعه والمصلحة التي يتغياها أو المفسدة التي يرمي إلى دفعها .
الفرع الثاني / أنواع التفاسير
يقسم فقهاء القانون ([4]) التفسير إلى عدة أقسام , وذلك بحسب الجهة التي تتولى عملية التفسير , سواء كانت المشرع أم القضاء أم فقهاء القانون وشراحه , وسوف نتعرض لتعريف كل نوع بصورة موجزة فيما يلي :
أولاً / التفسير التشريعي :
هو ذلك التفسير الذي يضعه المشرع لبيان المقصود من تشريع سابق بسبب ما أحاطه به من غموض وإبهام خلال تطبيقه([5]) .
وبهذا يتبين أنَّ الدافع إلى التفسير التشريعي هو ضمان وحدة تطبيق القانون وعدم اختلاف الفهم المؤدي إلى اختلاف الأحكام القضائية الذي قد يهدد استقرار المجتمع , ولذلك يتدخل المشرع عند ظهور بوادر اختلاف في فهم القانون فيضع تفسير يبين فيه المراد بجلاء لضمان وحدة تطبيق القانون .
والتفسير التشريعي إما أن يصدر عن السلطة التشريعية التي سبق لها سن التشريع وإما أن يصدر عن سلطة أُخرى بتفويض من السلطة التشريعية كالسلطة التنفيذية أو جهة الإدارة , كأن يفوض المشرع لجنة عليا محددة أن تفسر قانوناً معيناً كقانون الزراعة أو قانون العاملين بالخدمة المدنية ([6]) وفي جميع هذه الحالات يعد التفسير ملزماً للمحاكم ولا يجوز لها مخالفته .
ولكن من جهة أُخرى يجب التحقق مما إذا كان ما قام به المشرع تفسيراً للتشريع وليس تعديلاً أو إلغاء للقانون, لأنَّ مثل هذا العمل يؤثر في على سريان تطبيق القانون من حيث الزمان فتفسير التشريع يسري بأثر رجعي فينطبق على جميع الحالات التي وقعت قبل إصداره ولم يصدر فيها حكم نهائي , لكون تفسير التشريع في هذه الحالة يعد جزءاً لا يتجزأ من نصوص القانون محل التفسير , أما إذا أدت عملية التفسير إلى تعديل النص القانوني فإنَّه لا يسري إلا بأثر فوري ومن ثم لا ينطبق إلا على الوقائع التي حدثت في ظله فقط باعتباره نصاً جديداً ([7]) .
ثانياً / التفسير القضائي :
هو التفسير الذي يقوم به القاضي عند نظره في الدعاوى المعروضة أمامه بغرض الفصل فيها عن طريق تطبيق حكم القانون على الوقائع محل الدعوى ([8]) .
وتعد مرحلة التفسير القضائي للنصوص القانونية من المراحل السابقة لتطبيقها على الوقائع محل النزاع بصورة صحيحة تتفق مع غرض المشرع من التشريع , فعلى القاضي أن يقوم بتكييف الوقائع المعروضة أمامه ثم يبحث عن القاعدة أو القواعد القانونية واجبة التطبيق بحسب ما توصل إليه من تكييف لإدخال هذه الوقائع في فرضيات إحدى هذه القواعد , وأثناء قيام القاضي بهذه العملية يقوم بتفسير القواعد القانونية, وهذا التفسير ذو طابع عملي لتأثره بظروف كل دعوى كالحاجات العملية أو السكوت في معرض الحاجة إلى البيان وطريقة التعامل بين المتعاقدين , أو العرف المتبع في بلد معين , أو بين أصحاب حرفة أو مهنة معينة وغير ذلك , وفي هذه الحالة قد يتجاوز القاضي الأخذ بحرفية النصوص القانونية إلى روح التشريع , بل عندما لا يجد القاضي ما يحكم الواقعة التي أمامه في نصوص القانون , أو العرف أو المبادئ العامة له أن يلجأ إلى استنباط قاعدة قانونية يكون مصدرها مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة والوجدان السليم ([9]) .
ثالثاً / التفسير الفقهي :
التفسير الفقهي هو ما يقوم به شراح القانون من الفقهاء في بحوثهم ومؤلفاتهم التي تحتوي عادة على نقدهم وتعليقاتهم وتوضيحاتهم للقانون مما يضفي على عملهم الكثير من الأهمية لكونه ييسر السبيل أمام القضاة للاستعانة بشروحاتهم في فهم القانون والاستفادة من آرائهم , ولذلك من الممكن القول أنَّ هنالك تعاون وثيق وصلة قوية بين التفسير الفقهي والتفسير القضائي على الرغم من أنَّ التفسير الفقهي لا يعتبر من المصادر الرسمية للقواعد القانونية وأنه يتعلق بمبادئ عامة وليس بحالات فردية ([10]) .
وعلى الرغم من أنَّ التفسير الفقهي ذو طابع نظري خلافاً للتفسير القضائي , إلا أنَّ التفسير الفقهي قد اتجه أخيراً إلى وجه تتسم بالطابع العملي إذ لم يعد يكتفي بالأبحاث النظرية وإنَّما أصبح يشمل دراسة الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم ليكون على علم بالاعتبارات العملية التي تتأثر بها المحاكم عند تطبيقها للقانون في واقع الحياة.
رابعاً / التفسير الإداري :
يقصد بالتفسير الإداري مجموعة البلاغات والتعليمات التي تصدرها جهة الإدارة العامة إلى موظفيها لتفسر لهم فيها أحكام القانون وتبين لهم طرق تطبيقها السليم .
ويلاحظ أنَّ تفسير الإدارة للقانون لا يكون ملزماً إلا للموظفين المعنيين به, ولذلك فهو غير ملزم للمحاكم إلا إذا صدر عن جهة رسمية فوضها المشرع بتفسير أحد النصوص القانونية فإن كان الأمر كذلك أصبح التفسير ملزماً للمحاكم لكونه في قوة التفسير التشريعي .
كذلك نجد أن الطبيعة الخاصة لقواعد القانون الاداري وظروف نشأته التاريخية وعدم تقنيين كل قواعده وزيادة وتعدد مجالات النشاط الاداري أدى إلى أن يصبح للقضاء الاداري دوراً متميزاً في ابتداع قواعد قانونية في حالة عدم وجود نص يحكم واقعة محددة بالقدر الذي يفوق دور القضاء العادي في هذا المجال ([11]) .
المطلب الثاني : مفهوم ظاهر النص ومعناه
الفرع الأول /مفهوم الظاهر :
أولاً / تعريف الظاهر في اللغة :
يقال ظهر ظهوراً برز بعد الخفاء , وظهر ظهوراً على السر اطلع والظاهر خلاف الباطن وعند النحويين : هو الاسم الذي ليس بضمير ويقال له المُظهِر أيضاً , والظواهر أعالي الأودية وأشراف الأرض ([12]) .
ثانياً / تعريف الظاهر في الاصطلاح :
المراد بالظاهر في الاصطلاح ما يتعلق بفهم النص لغة , من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد , وأَمرٌ ونهىٌ , وحقيقةٌ ومجاز , وكذا كل ما كان معيناً على فهم النص من المعاني العربية كالمعاني النحوية والصرفية والبيانية والبلاغية ([13]) .
ثالثاً /تعريف الظاهر في الفقه والقضاء :
يعرف فقهاء القانون الظاهر بأنَّه : اللفظ الذي يفيد المعنى الذي وضع له مع احتمال غيره , مما يعنى أن دلالته على معناه دلالة ظنية وهو بهذا يقبل التأويل, ([14])وباستقراء السوابق القضائية التي ارستها المحاكم السودانية يتبين أن القضاء يذهب في تعريف الظاهر إلى نفس المعنى الذي عرَّفه به الفقه([15]) .
الفرع الثاني /مفهوم المعنى :
المراد بالمعنى في الاصطلاح : ما يتعلق بدلالة النص على العلل , والأسباب , ومقاصد المتكلم , والأشباه , والنظائر, ووجوه المصالح في الطاعات , والمفاسد في المخالفات ([16]) .
من خلال تعريف الظاهر , والمعنى , يمكن القول إنَّ الظاهر يرتبط بالمعرفة اللغوية البحتة للنص , لتعلقه بالعموم والخصوص , والاطلاق والتقييد , وغير ذلك من القواعد اللغوية , بينما المعنى يتعلق بما هو مقصود من النص باستجلاء علله , وسببه , والحكمة المقصودة منه , وإذا كان الظاهر يعلمه كل من يعرف لغة العرب , فإنَّ المعنى لا يعلمه إلا أهل الاستنباط لارتباطه بلازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم من كلامه بحيث لا يدخل فيه غير المراد ولا يخرج منه شيء من المعنى المراد ([17]) , وبذلك يتضح مدى العلاقة بينهما , على أنَّ البحث والتنقيب عن هذه الروابط يتوقف على أمور عديدة يمكن استجلاءها من خلال الحديث عن البناء الذي تقوم عليه الأحكام , والعلاقة بين الظاهر والمعنى .
المبحث الثاني: بناء الأحكام على الظاهر والأثر المترتب عليه
المطلب الأول / بناء الأحكام على ظاهر النص :
الطبيعة البشرية القاصرة عن إدراك الغيب الذي خص به الله تعالى ذاته العلية تقتضي بناء الأحكام على الظواهر لا على البواطن , ومن ثم برزت أهمية أن تكون مناطات الأحكام ظاهرة ومنضبطة , لضمان وجود معيار ثابت لإحقاق الحقوق ورد المظالم وإقامة العدل بين الناس يتفق مع هذه الطبيعة ذات الإدراك المحدود , ويتلاءم مع قدراتها وإمكانياتهامن أجل ذلك قال علماء الشريعة الإسلامية أنّ العلة في إباحة الفطر للمسافر في شهر رمضان وفي قصر الصلاة هي السفر ؛ لكونه أقرب مظان وجود المشقة , إذ ليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد في جميع الناس , وهو من باب اقامة السبب مقام العلة , ([18]) وفي هذا المعنى يقول الدكتور الريسوني في كتابه نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي , وهو بصدد تحرير معنى الحكمة والعلة عند علماء الاصول , أنَّ : الأوصاف والأمارات الظاهرة المنضبطة يطلق عليها العلل , وقد يطلق عليها في بعض الأحيان الأسباب , وبصرف النظر عن دقة هذا الاطلاق ؛ لكون العلة الحقيقية , والسبب الحقيقي يتمثل في مقصود الحكم وحكمته من جلب مصلحة أو دفع مفسدة , أو الاثنين معاً , ولكن يبقى القول : إنَّ الشارع يربط الأحكام بأمارات ظاهرة ومنضبطة , تجنباً للميوعة والفوضى في التشريع ([19]) , وإذا كانت مناطات الأحكام بهذه الأهمية فإنَّ جودة النص القانوني وقوته تتوقف على تأسيسه بناءً على مناط ظاهر ومنضبطعند صياغته, فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنَّ أكثر النظريات استقامة فيما يتعلق بتطابق الايجاب مع القبول ومن ثم انعقاد العقد , تلك النظرية التي تجعل من استلام الموجب لقبول الموجب له دليلاً على العلم به , ومن ثم الحكم بانعقاد العقد ما لم يتم اثبات عكس هذه القرينة ([20]) , وذلك لإمكانية اثبات واقعة الاستلام, والتحقق منها بالوسائل المادية القابلة للقياس والتقويم, كذلك الحكم على اتجاه نية الجاني إلى ازهاق روح المجنى عليه يستنبط من مظاهر خارجية ملموسة ومحسوسة فيكون مناط الحكم حينئذ تبعاً للظاهر لاتبعاً للنوايا والمقاصد , ومن القواعد الفقهية التي تشهد لاعتبار الظاهر عند جريان الأحكام وتعد أصلاً في القضاء قاعدة 🙁 دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه ) ويرجع السبب في تقرير هذه القاعدة إلى أنّ كثيراً من الأحكام قد تكون عللها خفية يعسر الاطلاع عليها , ولا مناص حينئذ من اقامة الامارات الدالة عليها مقامها , فيثبت الحكم بثبوت الامارات الدالة على العلة الحقيقة) ([21]) , قال الامام السرخسي , وهو بصدد بيان هذا الأصل : ( يقام السبب الظاهر الدال على مراده وهو صيغة العموم مقام حقيقة الباطن الذي لا يتوصل إليه إلا بحرج , ألا ترى أنَّ خطاب الشارع يتوجه على المرء إذا اعتدل حاله ؛ ولكن اعتدال الحال أمر باطن وله سبب ظاهر من حيث العادة وهو البلوغ عن العقل , فأقام الشارع هذا السبب الظاهر مقام ذلك المعنى للتيسير , ثم دار الحكم معه وجوداً وعدماً , حتى إنّه وإن اعتدل حاله قبل البلوغ , يجعل ذلك كالمعدوم حكماً في حق توجه الخطاب عليه ؛ ولو لم يعتدل حاله بعد البلوغ عن عقل كان الخطاب متوجهاً أيضاً لهذا المعنى …) ([22]) ومن تطبيقات هذه القاعدة أنَّ الرضا بالعيب علة للحكم بسقوط حق المشتري في رد المبيع , وبما أنّ الرضا من الأمور الباطنة التي ليس في وسع أحد الاطلاع عليها جعل المشرع من استعمال المشتري للمبيع قائماً مقام الرضا المسقط لخيار الرد , كذلك الأمر أنّ علة القصاص تعمد القاتل لارتكاب جريمته , وبما أنّ النية من الامور الباطنية التي لا يمكن الاطلاع عليها , جعل المشرع من استعمال الجاني لأداة تفضي إلى القتل في الغالب دليلاً على ثبوت علة الحكم بالقصاص , وهذا كله وأشباهه من باب اقامة دليل العلة مقام العلة في إثبات المعلول ([23]) , ولذلك جعل المشرع السوداني قاعدة : ( الأصل صحة الظاهر والبينة على من يدعى خلاف ذلك ) من ضمن المبادئ الأساسية والقواعد العامة التي تستهدى بها المحاكم في اثبات الحقوق وبخاصة الحق المدني وقد ذكرها المشرع السوداني بالمادة (5) من قانون الإثبات لسنة 1983م , بجانب جملة من القواعد الفقهية الكلية , والقواعد الاصولية التي يجب على المحكمة استصحابها عند تطبيق القانون .
المطلب الثاني / ما يترتب على الغلو في التمسك بظاهر النصوص :
على قدر الأهمية التي تتعلق بإجراء النصوص القانونية على ظاهرها ؛ إلا أنَّ الغلو في ذلك , قد يؤدي إلى العديد من المثالب , نذكر منها ما يلي :
أولاً / مناقضة قصد المشرع من التشريع :
ينبغي أن يكون البحث والتنقيب عن إرادة المشرع من التشريع من أهم أولويات المحكمة عند تفسيرها لنصوص القانون , حتى لا تقرر بناءً على ظاهر النصوص ما يتناقض مع قصد المشرع , ويمكن تلمس إرادة المشرع من خلال عوامل متعددة كالأعمال التحضيرية , والظروف التي شهدت ولادة التشريع ودعت إلى سنه , والمشكلات المراد معالجتها , وغيرها , فالغفلة أو الجهل بمقاصد التشريع , وروحه , والحكمة منه تؤدي بلا شك إلى الحرفية في تطبيق القانون التي تزري بالعدالة , فقد جاء في قرار بالنقض أصدرته المحكمة العليا السودانية بمناسبة إحدى القضايا أنَّ : ( الأعمال التحضيرية التي صاحبت هذا التشريع فيها دلالة كافية لتأييد هذا التفسير … الأعمال التحضيرية موجودة بالمكتب الفني في شكل محاضر الجلسات والمناقشات ) ([24]) وفي هذا الكلام اشارة واضحة إلى تلك العلاقة الوثيقة بين الأعمال التحضيرية التي تصاحب سن التشريع كالمذكرات التفسيرية وتقارير اللجان ومناقشات الهيئة التي قامت بتحضيره بما تتضمنه من بيان للأهداف من سنه وتقريره وبين تفسيره لمعرفة غاياته وأهدافه ورفع التناقض بين أحكامه وتكملة النقص الذي يصاحبه, مع الاشارة إلى أنَّ الأعمال التحضيرية ليست ملزمة للقاضي لكونها تتضمن آراء شخصيه لأعضاء اللجان ؛ ولكن يمكنه الاستئناس بها والاستنارة بهديها , كما أنَّه لا يجوز الرجوع إليها إذا كان النص واضحا لا غموض يعتريه ([25]) , ومما يؤكد ذلك أيضا ما جاء في حيثيات إحدى القضايا المنظورة أمام محكمة الاستئناف قولها : ( ولتفسير نصوص المعاهدة ([26]) وما لحقها من برتوكولات وتعديلات وتطبيقها تطبيقاً صحيحاً يتسق مع مقاصد المشرع فيما أورده فيها من قواعد وأُسس للتعويض لا بد من الرجوع للتاريخ التشريعي للاتفاقية للإحاطة بالظروف والأسباب التي دعت لإنشائها وتوقيعها والغرض من إبرامها وسنها كقانون يعالج مسائل معينة ورؤى توحد قواعدها دولياً …) ([27]) . ولذلك فإنَّ تفسير النصوص القانونية مجردة عن أسباب سنها وتقريرها يعد أحد الأسباب الرئيسية في انحراف الأحكام القضائية عن الجادة , وهذا ما يفسر لنا مدى الأهمية التي يوليها علماء الشريعة الإسلامية لأسباب النزول في آيات القرآن الكريم حتى غدت علماً قائماً بذاته تناوله الكثير من العلماء بمؤلفاتهم .
أما أثر الظروف التي صاحبت التشريع ودورها في بيان واستجلاء قصد المشرع من التشريع فيمكن أن نشير بشأنها إلى الدواعي التي حملت المشرع السوداني لاستحداثالمادة (33/1) من قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م التي تنص على ضرورة إرفاق كشف بالمستندات التي يعتمد عليها في الدعوى أو صور منها وكشف بأسماء الشهود وعناوينهم وملخص بياناتهم مع عريضة الدعوى , وكذلك المادة (74/4) التي تنصعلى ضرورة إرفاق المستندات وكشف بأسماء الشهود مع مذكرة الدفاع , مع الفقرة (2) من المادة (33) والتي تنص على أنَّه لا يسمح بتقديم أي مستندات أو سماع أي شهود لا يقدم بهم كشف وفق حكم البند (1) ويتمثل الغرض من المادة (33/1) والمادة (74/4) في إلزام الخصوم بالكشف عن الأدلة التي يعتمدون عليها في إثبات دعواهم أو دفاعهم لتفادي الكثير من المعوقات , والسبب في ذلك أنَّ كثير من المتقاضين كانوا يستغلون سماح القانونبتقديم طلب للمحكمة في أي مرحلة من مراحل الدعوى بغرض سماع شاهد جديد في عرقلة سير الدعوى وبما أنَّ هذا الغرض ليس شريفاً وأنَّ العدالة الناجزة ضرورة من الضرورات فقد عمل المشرع على تقرير هذه المادة لمحاربة هذه الظاهرة , يدل على ذلك ما نصت عليه المادة (69) من الجدول الثاني الملحقبقانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م بأنَّ : ( على الخصوم أن يبين كل منهم أسماء الشهود الذين يريدون الاستشهاد بهم على دعواهم ومحال اقاماتهم وعلى المحكمة اثبات ذلك بمحضر الجلسة الأولى , ولا يجوز قبول شهود سوى هؤلاء إلا إذا قدم الخصم عذراً مقبولاً في عدم ذكرهم أولاً ) .حيث منحت هذه المادة المحاكم سلطة تقديرية لقبول سماع أي شاهد يتقدم به أي طرف من أطراف الدعوى بعد تقديم العريضة ترى أنّ في شهادته بياناً لوجه الحق في القضية , وبناءً على ذلك عملت المحكمة العليا على نقض الكثير من الأحكام القضائية ([28]) التي حادت فيها المحكمة عن هذا القصد وعملت على تفسير نص الفقرة الثانية من المادة (33) والمادة (74/4) من قانون الإجراءات المدنية تفسيراً حرفياً ومن ثم امتنعت عن سماع بعض الشهود على الرغم من أنَّ لشهادتهمأثراً كبيراً في بيان وجهة الحق في الدعوى , وفي إحدى هذه القضايا أبدى السيد الدكتور علي ابراهيم الإمام قاضي محكمة الاستئناف رأيه في التفسير الذي ذهبت إليه بعض المحاكمبقوله : ( إنَّ المادة (33/2) من قانون الإجراءات المدنية استحدثها قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م والغرض منها هو تقليل فرص المماطلة وتعطيل القضايا بأساليب المطل ولم يكن ولن يكون من أهدافها إجهاض العدالة أو تفويت الفرصة المعقولة للخصوم من عرض قضاياهم وتقديم حججهم وشهودهم وأسانيدهم , إنَّ النص الجامد الوارد في المادة (33) هو سيف للمحكمة تشهره في وجه من يبقى المطل والتسويف لا أكثر ؛ ولكن لا يجوز الاستناد عليه لحرمان الخصم الجاد تمسكاً بحرفية النص والشكل والذي قصد منه تحقيق العدالة الناجزة وليس الإجهاز على الحقوق مضيعه بذلك الجوهر والمضمون من أجل الشكل ) ([29]) . ولعل فيما تضمنته المادة (69) من الجدول الملحق بقانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1983م التي سبقت الإشارة إليها , وكذلك المادة (303/2 ) من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على أنَّه : ( لا يعتبر ما جاء في هذا القانون ماساً أو مقيداً لسلطات المحكمة الطبيعية في إصدار الأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة أو منع سوء استغلال إجراءات المحكمة ) , ما يسند هذا التأويل ([30]) الذي ذهبت إليه المحكمة العليا بأنَّ المشرع لم يقصد من الفقرة الثانية بالمادة (33) ما يدل عليه ظاهرها من حرمان أطراف الدعوى من تقديم أي شهود لم يردوا في عريضة الدعوى بصورة مطلقة , وبحسب علماء الأصول قد يكون الدافع إلى تأويل النص بصرفه عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله هو المصلحة أو الحاجة أو غير ذلك مما يستنتجه القاضي أو الفقيه من طبيعة الواقعة وظروفها وملابساتها وخلفياتها ونتائجها ([31]) .
كما أنَّ القاضي وهو بصدد تفسير النص القانوني قد يتأثر بالظروف التي تحتف بالنزاع , ولهذا السبب قد يقوم بتفسير عبارات القانون ونصوصه بطريقة تختلف من قضية إلى أُخرى , ولا يمكن اعتبار ذلك تناقضاً في التفسير أو اختلافاً في حكم القانون لكون العدل يقتضي ذلك , وهذا الضرب من التفسير جارٍ في القوانين الموضوعية , والإجرائية على حدٍ سواء , من الأمثلة عليه , ما جاء في إحدى قرارات النقض ([32])أن (المعيار الذي يجب على المحكمة النظر إليه في شرعية منزل الزوجية هو مناسبته مع حالة الزوج المادية يساراً وإعساراً كقاعدة عامة يقررها الفقه وجرى عليها القضاء … ) , ومن الأمثلة عليه كذلك المسوغ الشرعي , ووسيلة التعبير عن الإيجاب والقبول والحاجة الماسة وغيرها الكثير من معاني النصوص التي تتأثر في تفسيرها بظروف الواقع, فلا يكون لها معنى واحد لا يتغير ولا يتبدل في كل الأحوال والظروف .
ثانياً / تعارض الأدلة وتناقضها بين يدى المحكمة :
يتحقق التعارض بين الأدلة عندما يتقابل دليلان يوجب كل منهما ضد ما يوجبه الآخر كأن يكون حكم أحدهما الاباحة وحكم الآخر الحظر والمنع , أو يكون أحد الدليلين يفيد الإثبات بينما الآخر يفيد النفي ([33]) , وهكذا , وقد يكون التعارض والتناقض ليس في الأدلة ذاتها , ولكن لعدم فهم الناظر في الأدلة لحقيقتها , وبما أنّ قانون أصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1983م قد اخضع تفسير كل القوانين إلى القواعد التي قعدها علماء الشريعة الإسلامية , بما نص عليه في المادة (2) الفقرة (ج) بقوله : ( يفسر القاضي المصطلحات والألفاظ على ضوء القواعد الأصولية واللغوية في الفقه الإسلامي ) فبالرجوع إلى هذه القواعد نجد أنَّ علماء الأصول قد بينوا طرقاً ثابته وراسخة في رفع التعارض بين الأدلة , فعلى سبيل المثال إذا نص المشرع على حكم عام فلا يجوز الأخذ بمعناه الظاهر العام حتى ينظر فيما إذا كان هنالك ما يخصصه أم لا , والنص العام وما يخصصه قد يكونان في قانون واحد , وقد يكون كل واحد منهما في قانون مستقل بذاته ([34]) كذلك إذا كان النص مطلقاً فيجب النظر فيما إذا كان له ما يقيده أم لا([35]) , وإذا دل النص بمفهومه على حكم محدد فيجب النظر فيما إذا كان هنالك نص آخر يعارضه بمنطوقه أم لا , فتقدم دلالة المنطوق على دلالة المفهوم في الترجيح بين حكم النصين ([36]) , فعلى سبيل المثال نجد أنَّه إذا استندتالمحكمة في حكمها بناءًعلى اجتهاد استقته من مبدأ عام من مبادئ القانون مخالفة في ذلك نصاً صريحاً في منطوقه لا يجيز لها ذلك فإنَّ حكمها يكون معيباً يتعين نقضه لاعتمادها على ما يدل عليه المبدأ في ظاهر مفهومه العام دون النظر في ما يعارضه , وتطبيقاً لذلك لا يجوز للمحاكم السودانية الاجتهاد بالرأي في الدعاوى الجنائية مثلاً مع وجود نص يحصر هذا الضرب من الاجتهاد القضائي في غير الدعاوى الجنائية كما أشارت إلى ذلك المادة (3) من قانون أُصول الأحكام القضائية المذكورة آنفاً .
هذا ومن السوابق القضائية التي قدمت فيها المحكمة دلالة المفهوم على دلالة المنطوق ([37]) ماقضت به المحكمة الاتحادية الألمانية مخالفة منطوق القانون استناداً على المبدأ العام المنصوص عليه بالدستور الألماني الذي يقضي بضرورة أن تتقيد السلطة القضائية بالقانون والحقالأمر الذي طرح التساؤل حول مدى مشروعية هذا الحكم المخالف لنص القانون , فطبقاً للمادة (253) من القانون المدني الألماني أنَّه لا يجوز الحكم بالتعويض النقدي عن الأضرار غير المادية ” الأضرار المعنوية ” إلا في حالات ضيقة محدودة , إلا أنَّ المحكمة الاتحادية لم تتقيد بما تنص عليه هذه المادة فحكمت في حالات كثيرة بالتعويض النقدي عند المساس الخطير بالحق في الحياة الخاصة , , منها قضية الأميرة ثريا مطلقة شاه ايران السابق حيث حكمت لها المحكمة بمبلغ قدره خمسة عشر ألفاً من الماركات الألمانية لقاء الأضرار التي لحقت بها من جراء مقابلة مبتدعه نشرتها مجلة اسبوعيه تمس الحياة الخاصة لهذه الأميرة , مخالفة في ذلك نص المادة (253) من القانون المدني الألماني التي تجيز الحكم بالتعويض النقدي عن الأضرار المعنوية في حالات محددة حصرياً في القانون ليس من بينها حالة الأميرة ثريا وقد وافقت المحكمة الدستورية الألمانية قضاء المحكمة الاتحادية , وقد عللت تأييدها لهذا الحكمبقولها : ( إن الارتباط التقليدي للقاضي بالقانون والجانب الأساسي في مبدأ فصل السلطات , ومبدأ الشرعية الدستورية قد تجسدت صياغته في الفقرة الثالثة من المادة (20) من الدستور الاتحادي الألماني , بأنَّ على السلطة القضائية أن تتقيد بالقانون والحق , وبذلك فقد رفض طبقاً للرأي السائد المذهب الوضعي بمفهومه الضيق ([38]) , فقد دلت الصياغة على أنَّ القانون والحق يتطابقان عملياً بشكل عام ؛ ولكن ليس دائماً وبشكل لازم , فالحق لا يتطابق مع مجموعة القوانين المكتوبة , ففي مقابل القوانين واللوائح الموضوعة من قبل سلطات الدولة يمكن أن ينشأ في ظل الوقائع أكثر من حق يكون مصدره النظام القانوني الموافق للدستور “النظام العام ” باعتباره مفهوماً كلياً عاماً ويؤثر في المقابل على القانون المكتوب بمجمله , وعلى القضاء تقع مهمة إيجاده ووضعه موضع التنفيذ في الأحكام ) ([39])
ولعل المنطق الذي استندت عليه المحكمة الألمانية في حكمها هذا شبيه بما ذهبت إليه بعض المحاكم السودانية في فترة من الفترات عندما عاقبت على جرائم لم يكن منصوصاً عليها في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م مخالفة في ذلك حكم المادة (3) من قانون أُصول الأحكام القضائية التي لا تجيز للمحاكم السودانية الاجتهاد بالرأي في الدعاوى الجنائية في حالة غياب النص القانوني , مستنده في ذلك على المبادئ العامة التي تقضي بأنَّ أصول القانون السوداني مردها إلى الشريعة الإسلامية وأنَّ المشرع لم يقصد مخالفتها , وأن هذه الدعاوى التي نظرت فيها وأصدرت فيها أحكاماً اجتهادية تشكل مخالفة صريحة لأحكام الشريعة الإسلامية القطعية ([40]) خاصة أنَّ المشرع السوداني نص في الفقرة (أ) من المادة (3) من القانون المشار إليه على أن : (يستصحب القاضي أنَّ المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية تعطيلاً لواجب قطعي أو إباحة لمحرم بين وأنَّه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة ) ؛ ولكن استناداً على القواعد الحاكمة لتفسير النصوص القانونية التي أمر المشرع السوداني المحاكم بالرجوع إليها لمعرفة معاني النصوص ودلالاتها نجد أنَّ هذه الاجتهادات لم يحالفها التوفيقلإعراضها عن الأخذ بمنطوق النص الصريح والعمل بدلالة المفهوم فيما يعارضه ,وبذلك أَخلت بإحدىالمرجحات التي يعتمد عليها عند تعارض النصوص أعنى بذلك أنَّ دلالة المنطوق الصريح ترجح على دلالة المفهوم عند تعارضهما , بل تتقدم على جميع أنواع الدلالات الأخرى كدلالة الاقتضاء , ودلالة الايماء , لكون المنطوق الصريح يدل على معناه بالمطابقة والتضمن بخلاف الدلالات الأخرى فإنَّها التزاميه([41]), ولذلك إذا عمد القاضي إلى الأخذ بظاهر النصوص على وجه الإطلاق تعارضت وتناقضت الأدلة بين يديه بين دليل يقضي بالإباحة وآخر يقضي بالحظر كما هو الحال فيما سبقت الإشارة إليه , وحينئذٍ يلتبس عليه وجه الحق ويحار فيما يسعفه في حل القضية.
وأخيراً يستحسن أن نورد ما ذكره الأمام الشاطبي محذراً من الغلو في اعتبار الظاهر , والانشغال بالألفاظ إلى الحد الذي تنقلب فيه الوسائل إلى غايات , وما يترتب عليه من الغفلة عن مقصود الخطاب إذ يقول هذا الامام الجليل : ( أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم بناءً على أنَّ العرب إنَّما كانت عنايتها بالمعاني , وإنَّما أصلحت الألفاظ من أجلها , وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية , فاللفظ إنَّما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد , والمعنى هو المقصود … فاللاَّزم الاعتناء بفهم معاني الخطاب , لأنَّه المقصود والمراد , وعليه يُبنى الخطاب ابتداءً , وكثيراً ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة , فتلتمس غرائبه , ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي , فتستبهم على الملتمس , وتستعجم على من لم يفهم مقاصد العرب …) ([42] ) .
ثالثاً / التحايل على أحكام القانون :
عرَّف الامام ابن القيم الحيلة بقوله : ( الحيلة مشتقة من التحول .., وهي نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه , بحيث لا يفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة ؛ فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة , وسواء كان المقصود أمراً جائزاً أو محرماً , وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعاً أو عقلاً أو عادة فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس , فإنَّهم يقولون : فلان من أرباب الحيل , ولا تعاملوه فإنَّه متحيل , وفلان يعلم الناس الحيل , وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة والحيوان وغيرها ) ([43]) ويستفاد من هذا الكلام أنَّ الحيل الممنوعة شرعاًهي ما يقصد بها الوصول إلى ممنوع بفعل ظاهره الجواز , ولذلك فإنَّ أحكام الشريعة الإسلامية لاتجيز الإتيان بأي فعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزاً في نفسه سداً للذريعة ([44]) , وقد قال ابن القيم بخصوص سد الذرائع أنَّ ( باب سد الذرائع أحد أرباع التكليف , فأنَّه أمر ونهي , والأمر نوعان أحدهما : مقصود لنفسه , والثاني : وسيلة إلى المقصود , والنهي نوعان : أحدهما : ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه , والثاني : ما يكون وسيلة إلى المفسدة , فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين .. وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة , فإنَّ الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن والمحتال يفتح الطريق إليها بحيله ) ([45]) , ولهذا فإنَّالحكم على معاملات الأفراد بحسب ظاهرها, يؤدي بلا شك إلى مساعدتهم في التهرب والانفلات من حكم القانون ويفتح الباب واسعاً للتحايل عليه, ولذلك نجد أنَّالقضاء السوداني قد عمل على محاربة كل الافعال والتصرفات غير المشروعة التي لا يراد بها ظاهرها وإن جاءت موافقة للقانون في ظاهرها, سواء كان القصد منها التهرب مما يفرضه القانون من أحكام أم مخالفة أحكام النظام العام , أم كان لها قصد آخر خاص ,فأصبحت المحاكم تتحقق فيما يتم بين الأفراد من معاملات محل اختلاف بين أطرافها دون أنَّ تتوقف عند ظاهر النصوص وما تدل عليه من كلمات وعبارات وفقاً لقالبها الشكلي العام , ومتى ما وجدت فيها ما يخالف القانون عملت على ابطاله ولا يحول بينها وبين ذلك موافقة ظاهر المعاملة للقانون طالما تأكد لها أنَّ الهدف الأساسي منها في جوهرة الحقيقي واتجاه قصد الأطرافونيتهم هو مخالفة القانون والتحايل عليه بغرض الوصول إلى أمر لا يقره القانون , وهذا لا يعني أن الاتفاقات التي تتم بين الافراد في معاملاتهم يحب اهدارها باعتبارها مجرد قواعد شكلية وفنية غير ملزمة للمحكمة بل يجب إهدارها عندما تكون كذلك ,فعلى سبيل المثال الأصل العام في العقد الصوري ألا يرتب آثاراً قانونية فيما بين المتعاقدين لأنَّ إرادتهم لم تتجه لذلك ولم تهدف إلى خلق علاقة تعاقديه بينهما ([46]) , وإن جاء مستوفياً لما يطلبه القانون في ظاهر الأمر ([47])
ومن التطبيقات القضائية التي ذهبت فيها المحكمة العليا إلى إبطال التصرف باعتباره تحايلاً على القانون ومخالفة لأحكام النظام العام ما قضت به في سابقة بخيت شكري ضد فوزي فانوس وتتلخص وقائعها في أنَّ المدعي قد أبرم عقداً مع المدعى عليه ليعمل بموجبه مديراً لأعماله بالسودان المتعلقة بحياكة الملابس الثقيلة (البدل ) وفي الحقيقة أنَّ الطرفان قصدا من العقد أن يكون مسوغاً لدخول المدعي إلى السودان والإقامة فيه بصورة مشروعة للبحث عن عمل , ولكن المدعي قام برفع دعوي بعد عام من دخوله السودان مطالباً المدعى عليه براتب عام كامل , ولذلك قضت العليا بإبطال هذه العلاقة بين الطرفين , وقد جاء في حيثيات حكمها أنَّه : ( لما كان طرفا العقد قد أرادا بتحريره _ أي العقد _ ايهام السلطات الحكومية بأنَّ المقصود من حضور المطعون ضده من القاهرة إلى الخرطوم هو العمل على تدريب السودانيين على صنع الملابس الثقيلة ” البدل ” لقلة الأيدي الماهرة في هذا الفرع من فروع الحياكة في حين أنَّ قصدهما قد انصرف إلى إيجاد وسيلة للمطعون ضده لكسب العيش من العمل في السودان فإنَّ ما ساهم فيه كل من الطاعن والمطعون ضده يعتبر تحايلاً على القانون قصد به الاحتيال عليه ولم يقصد أي منهما الاحتيال أو غش الآخر ومن ثم يجوز لكل منهما اثبات بطلان العقد لمخالفته للنظام العام وبكل الطرق بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن كما يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقضي بذلك ) ([48]) .
وبما أنَّ التحايل على القانون يعد ضرباً من ضروب الصورية فإنَّ الصورية قد تكون مشروعة وقد تكون غير مشروعة ؛ لذلك فإنَّ المحكمة تنظر في تقرير ذلك إلى السبب الباعث عليها , فعلى سبيل المثال من الجائز أن يشتري شخص شيئاً بواسطة شخص آخر لاعتقاده أنَّ البائع إذا علم بأنَّه المشتري فقد يزيد في ثمن المبيع , فهذا التصرف مع أنَّه نوع من أنواع الصورية ولكنه لا يستند إلى سبب غير مشروع يحتم إبطاله , أما إذا كان الباعث غير مشروع فحينئذ تكون الصورية مخالفة لأحكام القانون ([49]) , وهنالك الكثير من الأمثلة على الصورية غير المشروعة لكون المقصود منها مخالفة أحكام القانون وعدم الالتزام بما تقتضيه , ولو أخذ القانون بظاهرها لعمل على اسباغ حمايته على المعاملات التي تكمن في باطنها كيف كانتولأدي ذلك إلى إفراغ قواعد القانون الحاكمة لهذه المعاملات والتصرفات من مضمونها فأصبحت بلا معنى , ومن الأمثلة على الصورية غير المشروعة نذكر ما يلي :
أولاً / التهرب من أحكام القانون :
في كثير من الأحيان يسعى الأفراد إلى تغليب مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة ومن ثم يلجؤون إلى الاحتيال على أحكام القانون بتصرفات ظاهرها الصحة وباطنها البطلان , من ذلك مثلاً أن يكون الشخص ممنوعاً من شراء مال معين فيستعير اسم شخص آخر غير ممنوع من الشراء ليشتري المال باسمه , ومنها أن يتفق شخص مع آخر على ارتكاب جريمة بمقابل محدد فيكتبان سنداً يذكران فيه أنَّ سداد المبلغ الملتزم به المدين في مقابل قرض أو تعامل تجاري , وكذلك قد يتخذ المرابون الصورية للتغطية على معاملاتهم الممنوعة شرعاً وقانوناً تحت ستار معاملات جائزة كالبيع والاجارة ([50]) .
ثانياً / الإضرار بحق الغير :
من هذه الحالة أن يعمل المدين على نقل ملكية أمواله غير المنقولة إلى أحد اقربائه كالأبناء والزوجة والأخ تهرباً من المدين الذي بيده سند تنفيذ من المحكمة على أموال هذا المدين , وذلك بموجب عقد وهمي يحرص على تسجيله في الدوائر المختصة , ومن صورة ذلك أيضاً أن يتفق البائع والمشتري على كتابة عقد البيع في شكل عقد هبه لكون الهبة لا شفعة فيها , أو يغاليان في قيمة المبيع عند كتابته اضراراً بالشفيع حتى يكون عاجز عن المطالبة بحقه في نزع المبيع من تحت يد المشتري استناداً على حقه في الشفعة ([51]) .
ثالثاً / الإضرار بحقوق الخزانة العامة للدولة :
من الأمثلة على التصرفات الصورية التي يلجأ إليها الأفراد تهرباً من مستحقات الدولة الواجبة عليهم , أن يعمد طرفا عقد البيع في العقار إلى اظهاره في صورة قسمة لكون الرسوم المستحقة في القسمة أقل من الرسوم المستحقة في البيع ونقل الملكية , أو أن يتفق البائع والمشتري على أن يذكرا في عقد البيع ثمناً يقل كثيراً عن الثمن الحقيقي للعقار المبيع لأجل التهرب من دفع الرسوم المستحقة على معاملتهم في الحقيقة ([52]) .
رابعاً /الانحراف عن قصد المتعاقدين عند تفسير العقد .
قد يؤدي التمسك بظاهر النصوص بإطلاق في تفسير العقود والمشارطات التي تتم بين الأفراد إلى تقرير نتيجة لا تتفق مع قصد المتعاقدين من إبرام العقد فيكونا ملزمين بما لم تتجه إليه إرادتهما أو إرادة أحدهما, ولذلك نص المشرع السوداني في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م في المادة (96) على قاعدة : ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني والأصل في الكلام الحقيقة فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز , إلا إذا تعذر حمله على الحقيقة ) لتستهدي وتسترشد بها المحكمة في تفسير العقد الذي ينطوي على عبارات غامضه بحاجة إلى تفسير , أما إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز للمحكمة أن تنحرف عن ظاهرها بحثاً عن إرادة مفترضة للمتعاقدين , فقد نص المشرع في المادة (101) من ذات القانون إلى أنَّه : ( إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة الطرفين ) ولذلك رسم المشرع السوداني طريقاً لتفسير العقود ليس استناداً على ظاهر ألفاظها وعباراتها فحسب بل أضاف إلى ذلك عوامل أخرى , ومن السوابق التي تؤكد على إعارة المحاكم السودانية للمقاصد دون التمسك بالظاهر في مجال العقود والمعاملاتما قضت به محكمة الموضوع في إحدى القضايا ([53]) من قبول بينات شفهية تناقض ما هو مكتوب بالعقد حينما تبين لها بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ قصد المتعاقدين لم يتجه إلى ما هو مكتوب بالعقد فردت المنزل الذي سجله المطعون ضده باسم الطاعن تطبيقاً لمبدأ الائتمان العائد وكان المطعون ضده قد سجل المنزل باسم الطاعن تفادياً لإشكالات كثيره حملته إلى ذلك , ولم يكن قصده ولا قصد الطاعن قد اتجها إلى أنَّ المنزل هبة من المطعون ضده إلى الطاعن, وفي قضية أُخرى ([54]) , جاء في حكم المحكمة العليا أنَّه ليس هنالك ما يمنع المحكمة من سماع بينات شفهية إذا توصلت إلى أنَّ العقد المكتوب لم يحتو على كل الشروط المتفق عليها طالما أنَّها كانت محل اعتبار قبل التعاقد , أو عنده , ويعد ما ذكرته هذه المحكمة تطبيق لما جاء في القانون الإنجليزي ففي هذا القانون ليس بالضرورة اعتبار كل الكلمات والتعبيرات الصادرة من الطرفين جزءاً من العقد وإنَّما يعتبر جزءاً من العقد ما قصده الطرفان ([55]) .
وبما أنَّ القاعدة العامة أنَّ المعاني العادية الظاهرة هي التي يجب أن تسود وأن يؤخذ بها عندتفسير العقود والاتفاقاتإلا أنَّه قد يكون للألفاظ معنى عادي, أو معنى نشأ بحكم العرف أو التعامل التجاري ومع ذلك لا تأخذ به المحكمة عند تفسيرها لبنود العقد وشروطه إذا تضح لها أنَّ المتعاقدين قد انصرفت نيتهما إلى أن يكون لهذه الألفاظ معنى آخر يختلف عن المعنى الظاهر , وهو أمر كثيراً ما يحدث في الواقع عندما يزعم أحد طرفي العقد أنهما اتفقا على شيء آخر ([56]) , وبما أنَّ المحكمة تكون قد انحرفت عن الظاهر في هذه الحالة فلذلك يجب عليها أن تبين في أسباب حكمها ما حملها على العدول عن الأخذ بظاهر الألفاظ حسب ما هو متعارف عليه , فإذا باع شخص لآخر مثلاً انتاج مزرعته وكان معنى هذه الكلمة يعني الانتاج الزراعي حسب ما هو متعارف عليه , فإنّها تشمل بمعناه الانتاج الحيواني أيضاً إذا تبين للمحكمة أن نية المتعاقدين قد انصرفت لإعطاء الكلمة هذا المعنى ([57]) .
وكان القضاء الإنجليزي في القرن الثامن عشر لا بسمح بتقديم بينات شفوية تضيف , أو تعدل , أو تنتقص من العقد المكتوب تمسكاً بالتطبيق الحرفي لنصوص القانون والفهم الذي يطفى صفة الكلية المطلقة لمبدأ الفصل بين السلطات فكانت المحاكم ترفض اكمال العقد بما لم يرد فيه معتبرة أنَّ المتعاقدين مسؤولين عن كل ما يرد في العقد وعلى كل متعاقد أن يعمل على حماية نفسه بتضمين العقد الشروط التي تضمن له ذلك , ثم ما لبث أن تغير هذا الفهم عن طريق ما يعرف بالشروط الضمنية فأصبحت المحاكم تقوم بنفسها بافتراض شروط معينة أي شروط لم يتم الاتفاق عليها صراحة من قبل الطرفين لكى تقوم بما يطلبه مقتضى العقل والعدل ([58]) .
يقول الامام ابن القيم بشأن اعتبار المقاصد في العقود : ( فهذا الذي وقع فيه النزاع … وقد تضافرت أدلة الشرع وقواعده على أنَّ القصود في العقود معتبرة وأنَّها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وحرمته …) ([59]) .
المطلب الثالث / ما يترتب على الغلو في التمسك بالمعاني :
بما أنَّ المشرع أراد أن تبنى الأحكام القضائية على معان حقيقية مستمدة من النصوص القانونية فإنَّ أي تفسيرات تخرج عن ذلك تعد ضرباً من الاجتهاد غير المعتبر, فالبحث عن المعاني المصلحية مثلاً, دون إعارة الالفاظ ومعانيها الاعتبار اللازم وفقاً لقواعد التفسير المتعارف عليها مؤدٍ بلا شك إلى الانفلات عن حكم النص , وتحكيم الهوى , والفوضى في التشريع بلا ضابط ولا رقيب يمكن الاحتكام إليه , فإذا تبين مما سبق ذكره أن اعتبار المقاصد في عملية استنباط الأحكام من النصوص أمر بالغ الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنه , لكون الحكم الذي لا يلتفت إلى مقصده وغايته وعلته يظل جسماً بلا روح وهيكلاً خالياً من جوهره وحقيقته , إلا أنَّ التأكيد على هذه الأهمية في استصحاب المقاصد في تفسير النصوص لا يعنى المبالغة والإفراط في الركون إليها والاعتماد عليها على حساب النصوص وضوابطها وشروط اعمالها المقررة قانوناً , وإنَّما يفيد الاعتدال ويدعو إلى التوسط والنظر في المقاصد والأخذ بها في حدود لا يجب تجاوزها وتعديها وبهذا يتحاشى المفسر المزالق التي وقع فيها غلاة الظاهرية والحرفية , الذين أهدروا الأقيسة والتعليل والمصلحة والأعراف واختلاف البيئات والأزمان وما يتعلق بالنصوص من حيثيات وقرائن وأمارات وملابسات وأبعدوها من دائرة الاجتهاد ([60]) .
من الحالات التي ذهبت فيها المحاكم السودانية مذهباً بعيداً واشتطت في اعتبار المصلحة معرضه عن منهج التوسط المقاصدي والاعتدال المصلحي ما قضت به محكمة الموضوع في إحدى قضايا الأحوال الشخصية ([61]) باستبعاد النص القانوني قطعي الدلالة لكونه لا يحقق المصلحة المرجوة كما بدأ لها حيث امتنعت عن العمل بالمنشور الصادر عن رئيس القضاء وعللت استبعادها لحكم النص بكونه استغل استغلالاً بشعاً في التفريق بين الأزواج وحدوث الكثير من حالات الطلاق في المجتمع , وأنَّها لم تطمئن إليه ولذلك لا يصح لها أن تصدر حكماً لا تطمئن إليه , وقد عملت المحكمة العليا على نقض هذا الحكم الذي حادت فيه محكمة الموضوع عن صريح القانون مبينه في حيثيات حكمها أنَّ : ( مهمة القاضي هي تطبيق القانون سواء اقتنع بعدالته أم لم يقتنع ولا يشكل عدم اطمئنانه الشخصي سبباً مانعاً لتطبيقه وله أن يبدي رأيه في تدوين أسباب حكمه , أو في مقترحات للجهة التي لها حق التشريع ) ([62]) ومما لاشك فيه أنَّ الذي ذهبت إليه محكمة الموضوع يعد ضرباً من ضروب الغلو في التفسير المصلحي الذي يهدر معه النص بالكلية .
المبحث الثالث: العدول عما يدل عليه ظاهر النص
إذا كانت القاعدة العامة أنّ الأحكام تبنى على الظاهر وأنَّه يجب الأخذ بما يدل عليها ظاهرها عند تطبيقها , فإنَّ هذه القاعدة ليست على اطلاقها , فقد يظهر للمحكمة في بعض الحالات أنَّ الحكم بناءً على ما يدل عليه ظاهر النص قد لا يحقق العدالة ومن ثم لا يتفق مع إرادة المشرع من التشريع , وفي هذه الحالة يجب عليها صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر , وهو ما يسمى بالتأويل , ولذلك سوف يتناول هذا المبحث تعريف التأويل وشروط صحته وبعض الأحكام القضائية التي لجأت فيها المحاكم السودانية لصرف اللفظ عن ما يدل عليه ظاهره لبعض المسوغات التي يقرها العدل ويسندها المنطق السليم .
المطلب الأول /تفسير النصعن طريق صرفه عما يدل عليه ظاهره .
يتخذ الاجتهاد القضائي عدة أشكال منها البيان والتفسير , ومنها القياس , ومنها استنباط حكم جديد في حالة عدم وجود نص يحكم الواقعة , وما يعنينا هنا اجتهاد القاضي في تفسير النص وبيان حكمه , وفي هذه الحالة إما أن يكون النص قطعي في دلالته على معناه , أو ظني , فإن كان قطعياً فلا مجال للاجتهاد فيه إذ القاعدة العامة في هذا الخصوص تقضي بأن : ( لا اجتهاد مع النص ) والمقصود من النص في مفهوم هذه القاعدة ما يدل على معناه دلالة قطعية لا تحتمل التأويل ؛ ولكن يبقى على القاضي أن يجتهد بالنظر فيه لمعرفة مدى انطباقه على حكم الواقعة أو الوقائع أم لا كأن يجتهد في معرفة ما إذا كان الشخص بالغ سن الرشد ومتمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه وما شابهه , فإذا وجد القاضي إنَّ حكم النص ينطبق على الواقعة أو الوقائع عمل على تطبيقه عليها وإلا بحث عن نص آخر من بين نصوص القانون ينتظم الواقعة أو الوقائع بحكمه ([63]).
وقد حرم المشرع السوداني المحاكم من الاجتهاد مع النص قطعي الدلالة أو المفسر , وأباح لها في الوقت نفسه الاجتهاد في استنباط الأحكام من النصوص الظنية مبيناً الطرق التي يجب على القاضي أن يتبعها بشأن تفسيرها وقد نص على ذلك في المادة (2) من قانون أُصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1983م بقوله : ( … مالم يكن النص مفسراً أو قطعي الدلالة :
يستصحب القاضي أنَّ المشرع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية تعطيلاً لواجب قطعي أو إباحة لمحرم بين وأنَّه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة .
يفسر القاضي المجملات والعبارات التقديرية بما يوافق أحكام الشريعة ومبادئها وروحها العامة .
يفسر القاضي المصطلحات والألفاظ الفقهية على ضوء القواعد الأصولية واللغوية في الفقه الإسلامي .
من خلال ما نصت عليه هذه المادة يتبين أنَّ على المحاكم أنَّ تطبق ما يدل عليه النص القطعي من حكم دون محاولة النظر في تفسيره لكونه واضح في دلالته على معناه ليس بحاجة إلى تفسير ولم يحل المشرع السوداني بين المحاكم والاجتهاد مع النصوص القطعية فحسب بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث اعتبر الاجتهاد في مورد النص الواضح في بعض الأحيان من قبيل الاضرار الوظيفية فقد نص في الفقرة الثانية من المادة (162) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م على أنَّه ودون المساس بعموم البند (1) من هذه المادة : ( يعتبر إضراراً وظيفياً أو مهنياً الأفعال الآتية …إصدار الأحكام ضد صريح النص استهتاراً بالقانون أو استهتاراً بقصد المشرع وخروجاً على ضوابط الاجتهاد الفقهي أو استخفافاً بحقوق المتقاضين ) , وفي هذا تأكيد قوي من المشرع على ضرورة التزام المحاكم بما تدل عليه ظواهر النصوص القطعية فلا يبقى إلا الاجتهاد في فهمها وفهم الوقائع للوصول إلى التكييف الصحيح ومن ثم تطبيقها على الوقائع , وهذا ما تقضي به القواعد الاصولية واللغوية في الفقه الإسلامي التي احال إليها المشرع السوداني في تفسير القوانين , قال الإمام الشاطبي وهو بصدد الحديث عن مجال الاجتهاد المعتبر شرعاً بعد أن قسم خطاب الشارع إلى ما يظهر فيه قصد للشارع وما لا يظهر فيه قصد : ( وإن ظهر – أي قصد الشارع – فتارة يكون قطعي وتارة يكون ظني , فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق …وليس محلاً للاجتهاد وهو قسم الواضحات , لأنَّه واضح الحكم حقيقة والخارج عنه مخطي قطعاً …) ([64]) .
أما إن كان النص ظني الدلالة على معناه وكان تطبيقه على الوقائع استناداً على ظاهره لا يحقق العدل فيجب حينئذ الاجتهاد في تفسيره للبحث عن حكمته أو الغرض منه و من دواعي تشريعه استخلاصاً لقصد المشرع منه , وذلك بصرفه عن ظاهره الذي يدل عليه إلى معنى آخر يحتمله , وهو ما يسمى بالتأويل .
المطلب الثاني /تعريف التأويل:
1/ تعريف التأويل في اللغة :
التأويل في اللغة مصدر على وزن تفعيل فعله الماضي رباعي مضعف أوَّل وهو من آل يؤول تأويلاً , ومادة الكلمة (أول) وقد وردت هذه اللكمة في المعاجم اللغوية بعدة معان منها : ابتداء الأمر وانتهاؤه , وتأويل الكلام عاقبته وما يؤول وينتهي إليه , ومنها الرجوع يقال آل الشيء يؤول ومآلاً رجع , وأوَّل إليه الشيء رَجَعَه وأُلت عن الشيء ارتددت , يقال طبخت النبيذ حتى آل إلى الثلث أو الربع أي رجع , فالتأويل لفظ قد يعني الرجوع أي العودة بالأمور إلى بدايتها وأصولها الأُولى , وقد يعني العاقبة بمعنى الوصول بالأمور إلى خواتيمها ([65]) .
2/ تعريف التأويل في الاصطلاح :
يعرف علماء الاصول التأويل بأنَّه :عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب إلى الظن من المعنى الذي يدل عليه الظاهر ([66]) , كما عرَّفه البعض بأنَّه : حمل الظاهر على المحتمل المرجوح ([67]) وقيل عنه أيضاً أنَّه : صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ([68]) .
من خلال هذه التعاريف يتضح أنَّ الظاهر هو لفظ يحتمل أكثر من معنى , ولكن أحدهما أظهر من الآخر , وحكمه أن يصار إلى معناه الظاهر ولا يجوز تركه أو صرفه إلى المعنى المرجوح إلا بتأويل سائغ , ومن الأمثلة عليه مطلق صيغة الأمر في قوله تعالى : )وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ[ ([69]) فظاهر صيغة الأمر في الآية الوجوب , ولكن العلماء أولوها إلى الندب بدليل قوله :)فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ[ ([70]) وكذلك قوله تعالى : )وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [ ([71]) , فظاهرها يفيد الوجوب أيضاً ولكنها أولت إلى الاباحة بقرينة أن أصل الصيد مباح بدليل قوله تعالى : ) قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ[([72]).
وبما أنَّ في التأويل صرف للفظ عن ظاهره الذي يدل عليه إلى معنى آخر , فإنَّه قد يكون صحيحاً وقد يكون غير صحيح , ولذلك قسم العلماء التأويل إلى صحيح , وفاسد , وباطل , فالتأويل الصحيح هو الذي يصار إليه بحمل ظاهر اللفظ إلى المحتمل المرجوح بدليل يصيره راجحاً ([73]) , بينما التأويل الفاسد هو كالذي يستند إلى دليل مساوي أو مرجوح, أما التأويل الباطل فهو الذي لا يستند إلى دليل ([74]) .
ومن المناسب ونحن بصدد الحديث عن التأويل أن نذكر بعض اقوال العلماء في العلاقة بين التفسير والتأويل فمن العلماء من لا يفرق بينهما كالإمام الطبري ([75]) , ومنهم من يري أنَّ التفسير هو القطع بمراد المتكلم بينما التأويل ترجيح أحد محتملات اللفظ من دون قطع ([76]) بينما ذهب البعض إلى التفريق بينهما من حيث العموم والخصوص فقالوا أنَّ التفسير أعم من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها والتأويل يستعمل في المعاني والجمل ([77]) .
لكن على الرغم من أنَّ التفسير والتأويل يشتركان في أن كلاهما يهدف إلى كشف المراد من النص إلا أنَّ هنالك فرق بينهما لكون التفسير قطعي في دلالته فالنص المفسر لا يدخله التأويل وصيغته لا تحتمل إلا وجهاً واحداً يكون مكشوفاً ببيان الصيغة أو بقرينة من غير الصيغة ([78]) بينما التأويل لا يكون إلا ظنياً في دلالته على المراد .
المطلب الثالث / دواعي تأويل النص ومجاله وشروط صحته .
سبق القول إنَّ التأويل يكون في النصوص الظنية لدواعي محددة كالتعارض الظاهري بين النصوص القانونية مع بعضها البعض أو مع قصد المشرع وحكمة التشريع([79])كما قد يكون الداعي إلى التأويل هو المصلحة , أو الحاجة, أو العدل والانصاف أو العرف ([80]) أما مجال التأويل في النصوص القانونية فيمكن القول فيما عدا النص القطعي أو النص المفسر فإنَّ جميع النصوص تقبل التأويل , ولذلك أباح المشرع السوداني للمحاكم الاجتهاد في تفسير النصوص القانونية فيما عدا النص المفسر أو القطعي وفق موجهات حددها في المادة (2) من قانون أصول الأحكام القضائية 1983م التي سبقت الإشارة إليها .
وحاصل القول أَنَّمحاولة استخراج تفسيرات باطنية لأيّ قانون أو شريعة دون الرجوع إلى مداليل اللغة وطبيعة استعمال التراكيب , ومتطلبات النّحو والبلاغة , وقواعد الأُصول , ومقاييس العقل , وما ينطبق على الواقع , تعني مسخ ذلك القانون أو تلك الشريعة ؛ لأنّ التأويل بلا ضوابط يؤدي إلى تعدد النظر وتباين الآراء دون الاستناد على قاعدة معلومة وفي هذا تتبع للأهواء والرغبات التي يضيع معها الحق أو تتشوه معالمه …) ([81]) ولهذا السبب وضع العلماء العديد من الأسس والضوابط التي تضمن صحة التأويل ([82]) كطريق من طرق استنباط الأحكام من النصوص دون أن يؤدي ذلك إلى تحكم الهوي وسيادة الرغبات ,يمكن الإشارة إليها بالإيجاز التالي: ([83]) :
أولاً /أن يوجد دليل يقتضي التأويل , لأنَّ الأصل حمل النص القانوني على معناه الظاهر الذي يتبادر إلى الذهن , عند قرأه صيغته ولا يجوز صرفه عن ظاهره ألا بدليل يقتضي العدول عن الظاهر .
ثانياً /أنَّ يكون النص القانوني دالاً على معناه دلالة ظنية مما يعني أن دلالته تحتمل أكثر من معنى , بخلاف ما إذا كانت دلالته قطعيه فإنَّه في هذه الحالة لا يقبل الاحتمال إذ ليس له إلا معنى واحد ومن ثم لا يجوز تأويله .
ثالثاً /أن يكون المعنى الذي أوّل إليه النص من المعاني التي يحتملها اللفظويدل عليها .
رابعاً /أن يستند القاضي في تأوله للنص القانوني بصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى آخر إلى دليل صحيح أي أن يكون هذا الدليل راجحاً على المدلول الظاهر للنص .
وبناء على ذلك فإنَّ التأويل الصحيح ما يعتمد فيه القاضي على دليل قادر أن يصير المرجوح في نفسه راجحاً , ويسمى أيضاً بالمقبول والسائغ والقريب ([84]) .
المبحث الرابع: العلاقة بين الظاهر والمعنى
على الرغم من أنَّ العلاقة بين المعنى والظاهر قد أثارت جدلاً واسعاً منذ عهد بعيد في جميع المدارس المعنية بتفسير النصوص وما زالت , إلا أنّ ما عليه جمهور الفقهاء هو الالتزامبالمنهج المعتدل البعيد عن النظرة المتطرفة لجانب منهما , ولذلك سوف أقوم ببيان معالم هذا المنهج , من خلال الحديث عن أقول العلماء الراسخين في كيفية الجمع بين الظاهر والمعنى , وبيان اختيار المشرع السوداني في هذا الخصوص والشواهد الدالة على ذلك بإيراد بعض النصوص القانونية والتطبيقات القضائية المتعلقة بها .
المطلب الأول / الجمع بين الظاهر والمعنى .
الحياة وغاياتها ومصالحها مبنية على الأسباب ومسبباتها , وفقاً للسنن الكونية التي وضعها الله تعالى وأمر بإتباعها , ومن هذه الحيثية يمكن النظر إلى الألفاظ باعتبارها أسباب , وأنَّ الغايات والمقاصد مسببات لها , ولذلك فإنَّ النظر الصائب يقضي بمراعاة الطرفين , والموازنة بين التمسك بالنصوص كوسائل , وبين غاياتها ومقاصدها التي سويت من أجلها , وركبت لتدل عليها , قال ابن جني في الخصائص : ( إنَّ الالفاظ أوعية المعاني) ([85]) , وقال في موضع آخر : ( إنَّ الالفاظ للمعاني ازمة وعليها أدلة , وإليها موصلة , وعلى المراد منها محصله ) ([86]) , فوجوب المحافظة علي الألفاظ يستمد أهميته ومشروعيته من هذه الناحية ؛ ولكن مع هذه الأهمية البالغة التي تتمتع بها الألفاظ فإنَّ الوسيلة لن تكون أولى بالرعاية من الغاية , وقد يكون إهدار الغاية من أجل المحافظة على الوسيلة أشبه باعتبار التكملة التي يؤدي اعتبارها إلى ابطال أصلها ([87]) وهو مالم يقل به أحد , وحينئذٍ لن تكون الوسيلة وسيلة في حقيقة الأمر وإن تراءت في الظاهر إنّها كذلك , ولذلك يجب النظر إلى الألفاظ وصيانتها واعتبارها , بنفس القدر الذي يجب فيه النظر إلى المقاصد وصيانتها واعتبارها عند تطبيق أحكام القانون على الواقع العملي , ومن الخطأ إهدار أحدهما أو تفضيله على الآخر , لأنّ المشرع إنَّما جعل الألفاظ وسيلة للتعبير عن إرادته في إنفاذ سياسته التشريعية , كما جعل من أهداف التشريع , ومقاصده الكلية والجزئية غايته الأسمى , وهذا النهج التفسيري المبنى على الموازنة بين اللفظ ومقصده , والظاهر والمعنى , ضارب بجذوره في عرف اللغة العربية منذ العهد الجاهلي , وقد سار على نهجه القرآن الكريم باعتباره نزل وفقاً لعرف العرب في خطابها , وقد أشار الامام أبو اسحاق الشاطبي إلى ذلك في كتابه الموافقات في أصول الشريعة , في باب – أمية الشريعة وما يتفرع على كونها شريعة أُمية – حيث أورد عدد من الشواهد على عرف العرب في خطابهم منها : ( أنَّه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأُميين – وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم – فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر , فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة , وإن لم يكن عرف فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه, وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب , مثال ذلك أنَّ معهود العرب أن لا ترى في الألفاظ تعبداً عند محافظتها على المعاني , وإن كانت تراعيها أيضاً , فليس أحد الأمرين عندها بملتزم , بل قد تبني على أحدهما مرة , وعلى الآخر أُخرى , ولا يكون ذلك قادحاً في صحة كلامها واستقامته ) ([88]) , فكثيراً ما تخرج العرب في كلامها عن قوانينها المطردة , وضوابطها المستمرة , في نثرها وشعرها , وتستغنى عن بعض الألفاظ لو جود ما يرادفها , وقد نزل القرآن نفسه على سبعة أحرف , ومما ينبني على هذا الأصل أي كون الشريعة أُمية : ( إنَّ الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم بناءً على أنَّ العرب إنَّما كانت عنايتها بالمعاني , وإنَّما أَصلحت الألفاظ من أَجلها, وهذا الأصل معلوم عند أَهل العربية , فاللفظ إنَّما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد , والمعنى هو المقصود , ولا أَيضاً كل المعاني , فإنَّ المعنى الافرادي قد لا يعبأ به إذا كان المعنى التركيبي مفهوماً دونه ) ([89]) , وقد أكد هذا العرف أيضاً الإمام السيوطي في كتابه المزهر في علوم اللغة ([90]) , وخلاصة ما تقدم أنّ الميل غير المبرر إلى أحدهما دون الآخر قد يؤدي إلى الإخلال بميزان العدالة ؛ لكون الانفلات عن حكم النص يفتح الباب إلى تحكيم الهوى وحدوث الفوضى في التشريع , وبالمقابل قد يؤدي التمسك بظاهر النصوص دون الالتفات إلى مقاصدها إلى الانحراف عن قصد المشرع من التشريع إذا تعلق الأمر بتفسير التشريع , أو عن قصد المتعاقدين عندما يتعلق الأمر بتفسير عقد من العقود .
المطلب الثاني / منهج المشرع السوداني في نظرته للعلاقة بين الظاهر والمعنى .
أكد المشرع السوداني على أهمية مراعاة قصده عند تفسير القوانين في المادة (6) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974م حيث نص على أن : ( تُفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع لأجله ويُفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على ما سواه ) , ومع أنَّ القاعدة العامة أنَّ المشرع عادة ما يضع الالفاظ للالتزام بظواهرها وعدم الانحراف عنها أو استبدالها عند وضوح دلالتها ؛ ولكنه قد ندب القضاة في الوقت نفسهإلى ضرورة الالتفات إلى المعاني والمقاصد عند تفسير النصوص بصفة عامة , وفي ذلك دعوة صريحة للموازنة بينهما , وقد أورد المشرع السودانيفي المادة (5) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م جملة من القواعد الفقهية الكلية بغرض أن يستهدي ويسترشد بها القاضي عند تطبيقه لقواعد القانون , منها قاعدة : ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني , والأصل في الكلام الحقيقة , فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز إلا إذا تعذر حمله على معناه المجازي ) , وقاعدة : ( المطلق يجري على إطلاقه مالم يقم دليل التقييد نصاً أو دلالة ) , وقاعدة : ( لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح ) , وقاعدة : ( ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله ) , وغير ذلك من القواعد المرتبطة بتفسير النص القانوني وتطبيقه على الوقائع , والتي ترسم وتبين الطرق الراجحة , والمعقولة في اعمال الكلام ([91]) , ولهذه القواعد الكثير من الفروع التي تؤكد على ضرورة تحكيم مقتضى المعنى دون الالتفات إلى ظاهر النصوص عندما تستبين الشواهد التي ترتفع إلى مستوى اليقين أو إلى مستوى غلبة الظن على أنَّ المراد حكم المعنى دون حكم الظاهر , منها : الهبة بشرط المقابل تعد بيعاً فتأخذ حكم البيع , والكفالة إذا اشترط فيها عدم مطالبة الدائن للمدين المكفول تصير حوالة فتأخذ حكمها , والحوالة إذا اشترط فيها للدائن الحق في أن يطالب كلاً من المدين المحيل , والشخص المحال عليه معاً انقلبت كفالة , وغير ذلك من الفروع والتطبيقات التي يمكن الرجوع إليها في مظانها من كتب الأشباه والنظائر ([92]) مما يؤكد أنَّ نظرة المشرع السوداني للنصوص ودلالاتها لم تكن نظرة جامدة , لافتاً نظر المحاكم إلى عدم اعتبار النص هو الوسيلة الوحيدة المعبرة عن الإرادة إذ قد يكمن المعنى الحقيقي وراء دلالة غير لفظية , ولذلك فمن الخطأ البين تفضيل أحدهما على الآخر في ضرورة الالتزام بما يقتضيه , فالالتزام بالألفاظ دون مراعاة مقاصدها تفضي إلى التفسير الحرفي الذي يجعل من النصوص وظواهرها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الإرادة ويجعل من الألفاظ هي الوعاء الأوحد للمعاني معرضاً عن الكثير من العوامل ذات الأثر في توجيه النص في دلالته على معناه , والتي تمنح النص الحياة وتبث فيه الروح وتمده بالقدرة على التطور واستيعاب القضايا المستجدة بالحلول اللازمة , وهي عوامل لا يستطيع النص إعطاء المعالجة الناجعة لقضايا الواقع المتغير وملابساتها من دونها , كالسياق بنوعيه الزماني والمكاني , وظروف الحال , وملابسات سن التشريع ودواعيه , وغيرها , كما أن ّاتباع المقاصد دون مراعاة معاني الألفاظ ودلالتها المتعارف عليها بحسب قواعد اللغة وقواعد الفهم والاستنباط ادعاء فارغ لا يقره عقل ولا يشفع له منطق , ونتيجته الحتمية الانفلات التشريعي المفضي إلى الفوضى , إذ يستطيع الكل أن يقرر ما يروق له دون ضابط أو معيار تقاس به النتائج , ويصبح المشرع مصدراً للنص من حيث هو ألفاظ وتراكيب , بينما تظل معاني النص متجاذبة بين الأهواء المتباينة و الآراء المختلفة , فمن المعلوم أنّ معرفة المقاصد تستند على الفهم الظاهري للنصوص , من خلال القواعد اللغوية والقواعد الأصولية , ومسالك التعليل والتقصيد , وهي معرفة مكتسبة من خلال الجهد العقلي والفكري القائم على الحس والإدراك والتحليل والاستنباط في حكم إطار النصوص دون الخروج عليها ([93]), وبالنظر إلى جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية نجد أنَّ مذهبهم يتمثل في اعتقادهم : أنَّ مقصد الشارع في الجمع بين ظاهر النص ومعناه دون إفراط أو تفريط , وبناءً عليه لا يجوز التقصير في فهم الظاهر إلى درجة إلغاء المعنى , ولا التعمق في المعنى إلى حد إلغاء الظاهر بالكلية ومخالفته ([94]) , وهذا يعني الجمع بينهما في اعتدال , وقد عبر الإمام الشاطبي عن منهج الجمهور هذا , بقوله : ( والثالث : أن يقال باعتبار الأمرين جميعاً – الظاهر , والمعنى – على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص , ولا بالعكس , لتجري أحكام الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض , وهو الذي أمه أكثر العلماء الراسخين , فعليه الاعتماد في الضابط الذي يُعرف به مقصد الشارع ) ([95]) , وقد مدح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أهل المعاني الذين لا يقفون عند ظواهر النصوص , وإنَّما يبحثون عن عللها , وأسبابها , ومقاصدها , في قوله تعالى : و)وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[ ([96]) , وفي هذا يقول ابن القيم : ( فإنَّ الواجب فيما علق عليه الشارع الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يتجاوز بألفاظها ومعانيها ولا يقصر بها , ويعطي اللفظ حقه , والمعني حقه ) ( [97]) .
وإذا كانت هنالك مدارس ذات مناهج مختلفة في تفسير النصوص القانونية , فمن المهم أن نشير إلى أن مجال العمل القانوني لم يعان من النزعة الباطنية في تفسير النصوص بقدر معاناته من المدارس ذات النزعة الظاهرية والتفسير الحرفي , ويرجع السبب في عدم ظهور المدارس الباطنية في مجال العمل القانوني لطبيعة القواعد القانونية وتميزها عن قواعد الدين ([98]) , وقد مرت فترة من الفترات في خلال القرن التاسع عشر اعتاد فيها القضاة في بعض النظم القانونية كالقانون الإنجليزي مثلا على أن يحصروا أنفسهم عند تفسيرهم للنصوص القانونية في حدود الكلمات والعبارات المجردة فيكون غاية ما يقومون به أن يعطوا الكلمات والعبارات الدلالة اللغوية العادية , دون محاولة بذل أي مجهود آخر مهما كانت أهميته , ثم ما لبثت أن تغيرت هذه النظرة بسيادة المنهج المتوازن في تفسير النصوص القانونية الذي يعير معنى التشريع اهميته كما يعير لفظه ومبناه ([99]) , وقد ترتب على اعتماد هذا المنهج الحرفي في تفسير النصوص الكثير من المظالم , يتجلى ذلك من خلال الاطلاع على العديد من الأحكام القضائية التي أوردها اللورد ديينج في كتابه ترشيد الفكر القانوني ([100]) , وهو يحكي عن ذلك الصراع الذي كان محتدماً بين اتجاه التفسير المضيق , وبين اتجاه التفسير الموسع , وفهم كل اتجاه لدور القاضي في تفسير وتطبيق النصوص القانونية على ضوء مبدأ الفصل بين السلطات .
الخاتمة :
في ختام هذا البحث توصلت إلى عدد من النتائج والتوصيات يمكن الاشارة إلي ابرزها بما يلي :
أولاً / النتائج:
1/ التفسير الذي يستند إلى نظرة أحادية فيراعي ظاهر اللفظ دون معناه أو يراعي المعنى دون الظاهر يخل بميزان العدالة في كثير من الأحيان .
2/ نظراً لكون القاعدة القانونية تتصف بصفة العموم والتجريد وأنَّ مشخصاتها في الواقع متعددة ومتغيرة فإنَّ الوقائع تقوم بدور كبير في توجيه تفسير النص القانوني الوجه التي تتفق مع مقتضيات العدل .
3/ عند تطبيق النصوص القانونية على الوقائع قد يجد القاضي في كثير من الأحيان أنَّ العدل والمصلحة تقتضيان صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر مرجوح تدل عليه القرائن .
4/ العلاقة بين القاعدة القانونية ومشخصاتها في واقع الحياة , وبين الظاهر والمعنى , قضيه أزليه دائمة , وتحد مستمر , ومعالجة الاشكالات التي تفرزها تعتمد على جهد القاضي أكثر مما تعتمد على جهد المشرع في صياغته لنصوص القانون .
5/التجاذب بين النص القانوني ومبناه وفحواه ومعناها عند تفسيره من أجل وأكبر مهام القضاء التي أفرزت عصفاً ذهني واتجاهات فقهيه ورؤي مختلفة ومتباينة عند المهتمين بتفسير النصوص القانونية قديماً وحديثاً في جميع المدارس الحقوقية والفقهية على مر العصور .
ثانياً / التوصيات :
بناءً على ما تم التوصل إليه من نتائج يمكن التوصية بما يلي :
1/ على الرغم من أهمية الالتزام بما تدل عليه النصوص القانونية في ظاهرها إلا أنَّ هذا الالتزام يجب ألا يكون التزاماً مطلقاً تهدر معه المقاصد والمعاني أو الألفاظ والمباني حتى لا يؤدي إلى الحرفية في فهم قواعد القانون وفي تطبيقها على الوقائع أو إلى التقصيد الذي لا يستند إلى النصوص ودلالاتها .
2/ احاطة الوقائع والظروف الملابسة عند النظر في النزاع والفصل فيه القدر اللاَّم من الاهتمام بما لا يقل عن الاهتمام الذي يجب أن تحظى به النصوص من حيث فهم مدلولها وفقاً للقواعد الخاصة بتفسيرها واستنباط الأحكام التي تدل عليها واعطاء الاعتبار لمتغيرات الواقع ومدى تأثيرها على انتظام بعض الجزئيات تحت حكم القاعدة الكلي, وانعكاس ذلك على تفسير النص .
3/ عند تفسير القواعد القانونية ذات الدلالة الظنية بصرفها عما يدل عليه ظاهرها يجب الالتزام بالضوابط المتعلقة بهذا الضرب من ضروب التفسير بحسب ما تدل عليه القواعد اللغوية والأصولية التي أحال إليها المشرع السوداني في تفسير القواعد القانونية ذات الدلالة الظنية .
4/ التوسع فيمنح القضاة سلطات تقديرية بالقدر الذي يعينهم على تفسير النصوص القانونية بمرونة وحرية تمكنهم من الموازنة بين التقييد بظاهر النص وبين تحقيق العدل استجابة لقصد المشرع من التشريع تحقيقاً لمبدأ سمو العدل وشموليته, إذ لا عدالة بلا قانون ولا قانون بلا عدالة .
5/ من الضروري الالتزام بالمنهج المعتدل الذي لا يخل بظاهر النصوص وما تتضمنه من أحكام ولا بمقاصدها ومعانيها واهدافها العامة والخاصة .
المصادر والمراجع .
أولاً / القرآن الكريم .
ثانياً /كتب اللغة .
أ/ ابن جني, عثمان أبو الفتح , الخصائص , تحقيق محمد علي النجار , دار الكتاب العربي , بيروت لبنان .
ب/السيوطي, جلال الدين , المزهر في علوم اللغة وأنواعها , شرحه , وطبعه , وصححه , وعنون موضوعاته , وعلق على حواشيه , علي محمد البجاوي , ومحمد أحمد أبو الفضل ابراهيم , مطبعة دار الفقه
ت/ مصطفى, ابراهيم مصطفى ,والزيات , أحمد حسن الزيات , حامد عبد القادر , محمد علي النجار , المعجم الوسيط , المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع , استانبول , تركيا بدون تاريخ أو رقم طبعة
ث/المنجد في اللغة والاعلام , طبعة المئوية الأُولى , دار المشرق , بيروت , الطبعة الثالثة والأربعون .
ج/ ابن فارس, مقايس اللغة , تحقيق عبد السلام هارون , دار الفكر .
ثالثاً / كتب الفقه .
أ/ ابن القيم, محمد بن أبي بكر بن القيم , أعلام الموقعين , بيروت , دار الجيل , بدون تاريخ طبعة .
ب/ الزرقاء, مصطفى أحمد الزرقاء , المدخل الفقهي العام , الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد , مطبعة دار الفكر.
ت/ ابن تيمية, أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني , رسائل وفتاوى ابن تيمية , تحقيق عبد الرحمن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي , مكتبة ابن تيمية , بدون رقم طبعة .
ث/عبد الحميد, محسن عبد الحميد , البابية , والبهائية , الطبعة الخامسة , القاهرة , دار الصحوة , للنشر , 1985م .
ج/ القطان, مناع , مباحث في علوم القرآن , مكتبة المعارف للنشر والتوزيع 200م .
ح/ الزرقاني, محمد عبد العظيم , مناهل العرفان في علوم القرآن , دار احياء الكتب العربية , عيسى البابي الحلبي وشركاه
خ/ السيوطي, الامام جلال الدين السيوطي , الاتقان في علوم القرآن تحقيق حامد أحمد طاهر البسيوني , الطبعة الأولى , دار الفجر للتراث 2006 م .
رابعاً / كتب أصول الفقه و مقاصد الشريعة .
أ/ الشاطبي, ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي أبو اسحاق , شرح عبد الله دراز , عني بطبعه وترقيمه ووضع تراجمه محمد عبد الله دراز , الطبعة الثانية , المكتبة التجارية الكبرى , مصر , 1975, دار الكتب العلمية , بيروت .
ب/ الريسوني, أحمد الريسوني , نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي , تقديم طه جابر العلواني , المعهد العالمي للفكر الاسلامي , الولايات المتحدة الأمريكية , 1995م , فيرجينيا .
ت/ السرخسي, أبو بكر محمد بن أحمد , أُصول السرخسي , تحقيق أبو الوفاء الافغاني , بيروت دار المعرفة للطباعة والنشر , 1973م .
ث/ الأتاسي, محمد طاهر , محمد خالد , شرح مجلة الأحكام , الطبعة الأولى مطبعة حمص , 1930م .
ج/ الزلمي, مصطفى ابراهيم الزلمي , أُصول الفقه في نسيجه الحديد , الطبعة العاشرة , شركة الخنساء للطباعة المحدودة , العراق , بغداد .
ح/البخاري, علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري , كشف الأسرار عن أُصول فخر الإسلام البزدوي , وضع حواشيه عبد الله محمود محمد عمر , دار الكتب العلمية بيروت .
خ/ البرزنجي, عبد اللطيف عبد الله عزيز البرزنجي , التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية , دار الكتب العلمية بيروت
د/ الشوكاني, محمد علي بن محمد الشوكاني , نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار , علق عليه عصام الدين الصبابطي , دار الحديث القاهرة .
ذ/ الحسن, خليفه بابكر الحسن , مناهج الأُصوليين في طرق دلالات الألفاظ على الأحكام , الطبعة الأُولى , 1989م دار الاتحاد الأخوي للطباعة .
ر/ علوان, فهمي محمد, القيم الضرورية ومقاصد التشريع , مطبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1989م .
ز/ الآمدي, أبو الحسن سيف الدين علي بن علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي , الإحكام في أُصول الأحكام, مطبعة دار الكتب العلمية , بيروت 1983م .
س/ الشوكاني, محمد بن علي بن محمد , ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول , الطبعة الأولى , مطبعة مصطفى البابي الحلبي , 1037م , مصر .
ش/ الغزالي, محمد بن محمد بن محمد الغزالي , المستصفى من علم الأصول , دار احياء التراث العربي , لبنان , بيروت .
ص/ الشنقيطي, محمد الأمين الشنقيطي , مذكرة في أصول الفقه , الطبعة الخامسة , مكتبة العلوم والحكم , المدينة المنورة 2001م .
خامساً / كتب قواعد الفقه الكلية .
أ/ الندوي, علي أحمد , تقديم العلامة الجليل الفقيه مصطفى الزرقاء , القواعد الفقهية , مفهومها , نشأتها , تطورها ,دراسة مؤلفاتها , أدلتها , مهمتها , تطبيقاتها , دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع , دمشق , الطبعة الثانية , 1991م .
سادساً / الكتب القانونية
أ/ بشير , أبو ذر الغفاري , العقد والارادة المنفردة في القانون السوداني , الطبعة السادسة , الخرطوم .
ب/ على,مولانا محمد صالح , شرح قانون العقود السوداني لسنة 1971م, بدون تاريخ طبعة , وجهة طابعة .
ت/ ألكسي, رُوبرت ألكسي , فلسفة القانون , مفهوم القانون وسريانه , تعريب الدكتور / كامل فريد السالك , منشورات الحلبي الحقوقية , الطبعة الثانية , 2013م .
ث/ الكباشي, المكاشفي طه الكباشي , تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان بين الحقيقة والاثارة , مطبعة الزهراء للإعلام العربي , الرياض 1986م .
ج/ زيدان, عبد الكريم زيدان , المدخل لدراسة الشريعة , بيروت , مؤسسة الرسالة , 1999م .
ح/ ديننج, اللورد ديننج , كتاب ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود , ترجمة هنري رياض , دار الجيل , بيروت , الطبعة الأُولى , 1981م .
خ/منصور, محمد حسين منصور , المدخل إلى القانون , دار النهضة للطباعة والنشر , لبنان , بيروت 1995م
د/ القوتلي, عدنان القوتلي , الوجيز في شرح القانون المدني , الطبعة الرابعة 1959م .
ز/ كيرة , حسن كيرة , محاضرات في المدخل للعلوم القانونية , طبعة 1951م .
ر/ مرزوق, أحمد , في نظرية الصورية في التشريع المصري , مطبعة نهضة مصر .
ز/ عبد الله, سامي عبد الله , نظرية الصورية في القانون المدني , دراسة مقارنة , طبعة بيروت , دون ناشر 1977م
س/ الديب , محمود عبد الرحيم الديب , الحيل في القانون المدني ( في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ) طبعة دار الجامعة الجديدة للنشر 2004م , الإسكندرية .
ش/ أبو السعود, رمضان أبو السعود , الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني الجديد , المدخل إلى القانون وبخاصة المصري واللبناني , الدار الجامعية للطباعة والنشر , لبنان , بيروت .
ص/ كيرة , حسن كيرة , المدخل إلى القانون , الطبعة الخامسة الإسكندرية منشأة المعارف 1974م .
ض/ الفتلاوي, سهيل الفتلاوي , المدخل لدراسة علم القانون , الطبعة الثانية , بغداد , مكتبة الذاكرة بغداد .
ظ/بو ضياف , عمار بو ضياف , الوسيط في النظرية العامة للقانون , الطبعة الأُولى عمان , دار الثقافة للنشر والتوزيع .
ع/ السرحان, بكر السرحان , المدخل إلى علم القانون , دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة , عمان
غ/ يحي, يس محمد يحي , مبادئ العلوم القانونية , الناشر وحدة الطباعة والتصوير جامعة القاهرة فرع الخرطوم .
ف/ السنهوري, وأبو ستيت , أُصول القانون , تفسير النصوص في الفقه الاسلامي , طبع لجنة التأليف 1952 م .
ق/ /صالح, محمد أديب صالح , تفسير النصوص في الفقه الاسلامي , دراسة مقارنة لمناهج العلماء في استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة , الطبعة الثالثة , المكتب الاسلامي , 1984م .
ك/ الشفيع, ساميه عوض النور الشفيع, الدليل المصنف في موسوعة السوابق القضائية السودانية المنشورة في الفترة من 1970م- 2001م, القضايا المدنية, الطبعة الثالثة, مطبعة نضر, سوريا, 2006م .
م/ صبرة , محمود محمد علي , صياغة العقود بالعربية والانجليزية وأثر ذلك في كسب الدعاوي , , بدون تاريخ طبعة وبدون جهة طابعة .
ن/ جمال الدين, سامي جمال الدين, الرقابة على أعمال الادارة, منشأة المعارف, الإسكندرية 1992م ص 75 .
ه/ ابراهيمي, منصور اسحق, نظريتا القانون والحق, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, 2001م ص 190 .
سابعاً / البحوث والرسائل الجامعية .
أ/ العجلوني, عبد المهدي محمد سعيد العجلوني , قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الاجتهاد الأردني , دراسة أصولية مقارنة , الجامعة الأردنية , عمان 205م .
ثامناً / القوانين
أ/ قانون أصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1983م
ب/قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1983 م , وزارة العدل .
تاسعاً / المجلات والدوريات : .
أ/حامدي, عبد الكريم حامدي , ضوابط فهم النص , كتاب الأُمة , سلسلة دورية تصدر كل شهر عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية , قطر , العدد 108 , السنة الخامسة , رجب 1426ه .
ب/ الخادمي, نور الدين بن مختار الخادمي , الاجتهاد المقاصدي , حجيته .. ضوابطه .. مجالاته , كتاب الأُمة , سلسلة دورية تصدر كل شهرين عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية , قطر , العدد 61 , السنة الثالثة عشر , الجزء الثاني , الطبعة الأولى اكتوبر 1998م .
ت/ خلاف, الشيخ عبد الوهاب خلاف , تفسير النصوص القانونية وتأويلها , مجلة المحاماة المصرية العدد الأول 1950م
ث/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1984م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم.
ج/نشرة الأحكام القضائية , يونيو , يوليو 1978 , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
ح/مجلة الأحكام القضائية لسنة1975 , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
خ/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983 , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
د/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1987م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
ذ/ مجلة الأحكام القضائية , لسنة 1972م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم
ر/ نشرة الأحكام الشهرية يوليو 1976 , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
ز/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1962م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم .
[1]/ إبراهيم مصطفى , أحمد حسن الزيات , حامد عبد القادر , محمد علي النجار , المعجم الوسيط, المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع , استانبول , تركيا بدون رقم طبع و تاريخ نشر .(1/ 688)
[2]/ صالح , محمد أديب صالح , تفسير النصوص في الفقه الإسلامي , دراسة مقارنة لمناهج العلماء في استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة الطبعة الثالثة , المكتب الاسلامي , 1984, الجزء الأول ص 59 .
[3]/ بو ضياف , عمار بو ضياف , الوسيط في النظرية العامة للقانون , , دار الثقافة للنشر والتوزيع , الطبعة الأُولى عمان ص 248 , السرحان , بكر السرحان , المدخل إلى علم القانون , دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة , عمان , ص 151. , خلاف الشيخ عبد الوهاب خلاف , تفسير النصوص القانونية وتأويلها , مجلة المحاماة المصرية العدد الأول 1950 ص 3 .
[4]/ فقهاء القانون العرب, مثل رمضان أبو السعود أنظر : الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني , المدخل إلى القانون , وبخاصة المصري واللبناني , دار الجامعة للطباعة والنشر, بيروت ص 395, وانظر كذلك زهرة / محمد المرسي زهرة, وأبو زيد, محمد أبوزيد, المدخل لدراسة القانون وفقاً للقانون العماني, دار الكتاب الجامعي, الطبعة الثالثة , 2015م ص 67 . وانظر أيضاً : كيرة, حسن كيرة, المدخل إلى القانون, النظرية العامة للقاعدة القانونية, الطبعة السادسة منشأة المعارف الإسكندرية ص 228.
[5]/ أبو السعود , مرجع سابق ص 387 .
[6]/ كيرة, حسن كيرة , المدخل إلى القانون , الطبعة الخامسة الإسكندرية منشأة المعارف 1974م ص 400 , الفتلاوي , سهيل الفتلاوي, المدخل لدراسة علم القانون, بغداد , مكتبة الذاكرة بغداد, الطبعة الثانية, ص 235
[7]/ منصور , محمد حسين منصور , المدخل إلى القانون , دار النهضة للطباعة والنشر , لبنان , بيروت 1995م ص 245 -246 .
[8]/ بو ضياف, مرجع سابق ص 251 .
[9]/ يحي , يس محمد يحي , مبادئ العلوم القانونية , الناشر وحدة الطباعة والتصوير جامعة القاهرة فرع الخرطوم ص 149 .
[10]/ السنهوري , وأبو ستيت , أُصول القانون , تفسير النصوص في الفقه الإسلامي, طبع لجنة التأليف 1952 م (1/116) .
[11]/ جمال الدين, سامي جمال الدين, الرقابة على أعمال الادارة, منشأة المعارف, الإسكندرية 1992م ص 75 . ابراهيمي, منصور اسحق, نظريتا القانون والحق, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, 2001م ص 190 .
[12]/ المنجد في اللغة والاعلام , طبعة المئوية الأُولى , دار المشرق , بيروت , الطبعة الثالثة والأربعون ص 482 .
[13]/ ابن القيم , محمد بن أبو بكر بن القيم , أعلام الموقعين , بيروت , دار الجيل , بدون تاريخ طبعة , (1/255) – الشاطبي , ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي أبو اسحاق , شرح عبد الله دراز , عني بطبعه وترقيمه ووضع تراجمه محمد عبد الله دراز , الطبعة الثانية , المكتبة التجارية الكبرى , مصر , دار الكتب العلمية , بيروت , 1975م (3/ 386) – حامدي , عبد الكريم حامدي , ضوابط فهم النص , كتاب الأُمة , سلسلة دورية تصدر كل شهر عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية , قطر , العدد 108 , السنة الخامسة , رجب 1426ه ص 93 .
[14]/أحمد, محمد شريف, نظرية تفسيرالنصوص المدنية, دراسة مقارنه بين الفقهين المدني والإسلامي, مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية, العراق ص 46 .
[15]/ منها على سبيل المثال سابقة : ورثة الزاكي حاج عمر ضد علي العوض , وسابقة انظر : ص 11 من هذا البحث , وسابقة علي عثمان النو ضد محمد عثمان النو انظر : صفحة 19 من هذا البحث .
[16]/ الحامدي , مرجع سابق ص 93 .
[17]/ الشاطبي , مرجع سابق (3/ 385-388) ابن القيم , أعلام الموقعين, مرجع سابق (1/ 255) .
[18]/ الشاطبي , مرجع سابق (1/485) .
[19]/ الريسوني , أحمد الريسوني , نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي , تقديم طه جابر العلواني , المعهد العالمي للفكر الاسلامي , الولايات المتحدة الأمريكية , 1995م فيرجينيا ص 23 – 24.
[20]/ بشير , أبو ذر الغفاري , العقد والارادة المنفردة في القانون السوداني , الطبعة السادسة , الخرطوم , ص 21.
[21]/ الندوي , علي أحمد , تقديم العلامة الجليل الفقيه مصطفى الزرقاء , القواعد الفقهية , مفهومها , نشأتها , تطورها , دراسة مؤلفاتها , أدلتها , مهمتها , تطبيقاتها , دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع , دمشق , الطبعة الثانية , 1991م ص 370 .
[22]/ السرخسي , أبو بكر محمد بن أحمد , أُصول السرخسي , (1/ 140) , تحقيق أبو الوفاء الافغاني , بيروت دار المعرفة للطباعة والنشر , 1973.
[23]/ الأتاسي , محمد طاهر , محمد خالد , شرح مجلة الأحكام , (1/ 185 – 186 ) , الطبعة الأولى مطبعة حمص , 1930م .
[24]/ قرار نقض 253/ 1994م الصادر في 15/11/1994م انظر : مجلة الأحكام القضائية لسنة 1994م السلطة القضائية المكتب الفني الخرطوم ص 176 .
[25]/ منصور , محمد حسين منصور , المدخل للعلوم القانونية طبعة 1960 م ص 260 – كيرة , حسن كيرة , محاضرات في المدخل للعلوم القانونية , طبعة 1951 ص 519 – القوتلي , عدنان القوتلي , الوجيز في شرح القانون المدني , الطبعة الرابعة 1959م ص 194 .
[26]/ معاهدة أو رسول .
[27]/ قضية علي الخضر ابراهيم ” مستأنف ” ضد الخطوط الجوية التونسية ” مستأنف صدها ” انظر: مجلة الأحكام القضائية لسنة 1987م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم ص 312 . انظر كذلك الشفيع, ساميه عوض النور الشفيع, الدليل المصنف في موسوعة السوابق القضائية السودانية المنشورة في الفترة من 1970م- 2001م, القضايا المدنية, الطبعة الثالثة, مطبعة نضر, سوريا, 2006م ص 332 .
[28]/ منها سابقة ورثة الزاكي حاج عمر ضد علي العوض , نشرة الأحكام القضائية , يونيو , يوليو 1978 ص 28 , وسابقة عمر علي عثمان ضد حمد أحمد درفيل مجلة الأحكام القضائية 1975 ص 75 , وسابقة أحمد عبد الحميد المساوي ضد يوسف التجاني , مجلة الأحكام القضائية 1983 ص 247 .
[29]/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1987م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم , ص 296 .
[30]/ يعرف علماء الأصول التأويل بأنَّه :صرف النص عن معناه الظاهر أو الراجح إلى معنى غير ظاهر أو مرجوح لدليل يقتضيه , أنظر الزلمي , مصطفى ابراهيم ص 447.
[31]/ الزلمي , مصطفى ابراهيم الزلمي , أُصول الفقه في نسيجه الحديد, الطبعة العاشرة , شركة الخنساء للطباعة المحدودة , العراق , بغداد (1/ 449) .
[32]/ قرار النقض نمرة 12/ 1972م , الصادر في يوم 13/11/1972م , مجلة الأحكام القضائية , لسنة 1972م السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم , ص 24 – 25 .
[33]/ السرخسي , الإمام أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي , أُصول السرخسي , تحقيق أبي الوفاء الأفغاني , دار المعارف الرياض (2/ 12) – البخاري , علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري , كشف الأسرار عن أُصول فخر الإسلام البزدوي , وضع حواشيه عبد الله محمود محمد عمر , دار الكتب العلمية بيروت (3/ 19) – البرزنجي , عبد اللطيف عبد الله عزيز البرزنجي , التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية , دار الكتب العلمية بيروت (1/ 163) .
[34]/ الزلمي , مصطفى ابراهيم ,مرجع سابق (1/365) .
[35]/ الزلمي , مصطفى ابراهيم, مرجع سابق (1/316) .
[36]/ الشوكاني , محمد علي بن محمد الشوكاني , نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار , علق عليه عصام الدين الصبابطي , دار الحديث القاهرة (8/614) .
[37]/ المفهوم هو دلالة اللفظ على معنى غير وارد في اللفظ نطقاً , انظر : الحسن , خليفه بابكر الحسن , مناهج الأُصوليين في طرق دلالات الألفاظ على الأحكام , الطبعة الأُولى , 1989م دار الاتحاد الأخوي للطباعة , ص 125, أما المنطوق فهو دلالة اللفظ على ما وضع له بحسب اللغة . انظر : الحسن , خليفه بابكر مرجع سابق, ص 71 .
[38]/ أحد المذاهب الفلسفية القانونية الذي يرى أنصاره ضرورة الفصل بين القانون والأخلاق انظر : ألكسي , روبرت ألكسي , فلسفة القانون , مفهوم القانون وسريانه , تعريب الدكتور كامل فريد السالك , منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت , لبنان , الطبعة الثانية , 2013م .
[39]/ ألكسي , رُوبرت ألكسي , فلسفة القانون , مفهوم القانون وسريانه , تعريب الدكتور / كامل فريد السالك , منشورات الحلبي الحقوقية , الطبعة الثانية , 2013م ص 29 – 30 .
[40]/ الكباشي , المكاشفي طه الكباشي , تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان بين الحقيقة والاثارة , مطبعة الزهراء للإعلام العربي- الرياض 1986م ص 27 .
[41]/ الآمدي , أبو الحسن سيف الدين علي بن علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي , الإحكام في أُصول الأحكام, مطبعة دار الكتب العلمية , بيروت 1983م (4/334) – الايجي , عضد الملة والدين , شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب (2/214) , طبعة مكتبة الكليات الأزهرية .
[42]/ الشاطبي , مرجع سابق (2/ 87 – 88) , حامدي عبد الكريم , ضوابط فهم النص, مرجع سابق ص 95 .
[43]/ ابن القيم اعلام الموقعين, مرجع سابق (5/ 188).
[44]/ يعرف علماء الشريعة الاسلامية الذرائع بأنَّها : المسألة التي ظاهرها الاباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور أو هي اعطاء الوسيلة حكم غايتها , انظر : مصطفى ابراهيم الزلمي , أصول الفقه في نسيجه الجديد, الطبعة العاشرة , شركة الخنساء للطباعة المحدودة , بغداد (1/175).
[45]/ ابن القيم, مرجع سابق(5/ 66).
[46]/ بشير , أبو ذر الغفاري, مرجع سابق ص 123 .
[47]/ مع ذلك فقد يترتب على العقد الصوري أثره القانوني ليس اعترافاً من المشرع بصوريته , ولكن حماية للغير من أن يضر بهم العقد الصوري , ولذلك نص قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م على أنَّه :
1/ إذا ابرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم .
[48]/ سابقة نجيب شكري ( مدعي ) ضد فوزي فانوس ( مدعى عليه ) م ع / ط م / 72 / 5 / ومن المبادئ التي ارستها المحكمة السودانية العليا في هذه السابقة قولها : ( إذا تعاقد أطراف العقد على شيء وكان اتفاقهما سليماً قانوناً ولكن القصد من ذلك لم يكن ما اتفقا عليه, وانصرف القصد إلى شيء آخر يجوز لأي من الأطراف إبطاله كما يجوز للمحكمة أن تبطله من تلقاء نفسها ) انظر :مجلة الأحكام القضائية, السلطة القضائية لسنة 1972, المكتب الفني, الخرطوم ص 150.
[49]/ مرزوق , أحمد , في نظرية الصورية في التشريع المصري , مطبعة نهضة مصر , ص 102 .
[50]/ عبد الله , سامي , نظرية الصورية في القانون المدني , دراسة مقارنة , طبعة بيروت , دون ناشر 1977م ص 224 – الديب محمود عبد الرحيم , الحيل في القانون المدني, ص 274 – مرزوق , أحمد , في نظرية الصورية في التشريع المصري , مطبعة نهضة مصر ص 8 .
[51]/ عبد الله , سامي , مرجع سابق ص 226.
[52]/ مرزوق , أحمد, مرجع سابق , ص 8 .
[53]/ قضية علي عثمان النو ضد محمد عثمان النو (م أ ع / ط م / 53/ 173) نشرة الأحكام الشهرية يوليو 1976 , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم , ص 1 .
[54]/ قضية آدم عبد القادر ضد محمد عبد القادر وآخر , انظر : مجلة الأحكام القضائية لسنة 1962م , السلطة القضائية , المكتب الفني , الخرطوم , 131 .
[55]/ علي , مولانا / محمد صالح علي (2/ 13) . مرجع سابق .
[56]/ صبرة , محمود محمد علي , صياغة العقود بالعربية والانجليزية وأثر ذلك في كسب الدعاوي, بدون تاريخ طبعة وبدون جهة طابعة ص 25.
[57]/علي , مولانا / محمد صالح علي شرح قانون العقود السوداني لسنة 1971م , (2/73) , بدون تاريخ طبعة , وجهة طابعة .
[58]/ ديننج , اللورد ديننج , كتاب ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود , اللورد, ترجمة هنري رياض , دار الجيل , بيروت , الطبعة الأُولى , 1981م . ص 58 .
[59]/ اعلام الموقعين (2/111) مرجع سابق .
[60]/ الخادمي , نور الدين بن مختار , الاجتهاد المقاصدي , حجيته .. ضوابطه .. مجالاته , كتاب الأُمة, سلسلة دورية تصدر كل شهرين عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية , قطر , العدد 61 , السنة الثالثة عشر , الجزء الثاني , الطبعة الأولى اكتوبر 1998م ص 109 .
[61]/ قضية فسخ زواج – قرار النقض رقم 7/ 72/ الصادر في 12 ذو العقدة 1392ه الموافق 18/ 12/ 1972م, مجلة الأحكام القضائية , السلطة القضائية لسنة 1972 المكتب الفني , الخرطوم ص 35 .
[62]/ قضية فسخ زواج – قرار النقض رقم 7/ 72/ الصادر في 12 ذو العقدة 1392ه الموافق 18/ 12/ 1972م مجلة الأحكام القضائية , السلطة القضائية لسنة 1972مرجع سابق ص 36
[63]/ العجلوني , عبد المهدي محمد سعيد , قواعد تفسير النصوص وتطبيقاتها في الإجتهاد الأردني – دراسة أُصوليه مقارنة – الجامعة الأردنية , عمان 205م ص 22 .
[64]/ الشاطبي, ¸أبو اسحاق مرجع سابق (4/113) .
[65]/ ابن فارس , مقايس اللغة , تحقيق عبد السلام هارون , دار الفكر (1/98-100) . ابن منظور , لسان العرب, دار صادر , بيروت , الطبعة الأُولى 1997م (1/134) .
[66]/ الغزالي , محمد بن محمد بن محمد الغزالي , المستصفى من علم الأصول, دار احياء التراث العربي , لبنان , بيروت (1/245).
[67]/ الشوكاني , محمد بن علي بن محمد , ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول, الطبعة الأولى , مطبعة مصطفى البابي الحلبي , 1037م , مصر, ص 176 .
[68]/ ابن تيمية , أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني , رسائل وفتاوى ابن تيمية , تحقيق عبد الرحمن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي, مكتبة ابن تيمية , بدون رقم طبعة, ص 184 .
[69]/ سورة البقرة : الآية 282 .
[70]سورة البقرة : الآية : 283.
[71]/ سورة المائدة : الآية : 2 .
[72]/ سورة المائدة : الآية 4 .
[73]/ الشوكاني, مرجع سابق ص 176.
[74]/ الشنقيطي , محمد الأمين الشنقيطي , مذكرة في أصول الفقه, الطبعة الخامسة, مكتبة العلوم والحكم , المدينة المنورة 2001م, 212 , الشوكاني, مرجع سابق ص 176.
[75]/ القطان , مناع , مباحث في علوم القرآن , مكتبة المعارف للنشر والتوزيع 200م .
[76]/ الزرقاني , محمد عبد العظيم , مناهل العرفان في علوم القرآن , دار احياء الكتب العربية , عيسى البابي الحلبي وشركاه ( 1/ 473) .
[77]/ السيوطي , الامام جلال الدين السيوطي , الاتقان في علوم القرآن, تحقيق حامد أحمد طاهر البسيوني , الطبعة الأولى , دار الفجر للتراث 2006 م (2/ 460) .
[78]/ السرخسي, مرجع سابق, ص 130 .
[79]/ راجع السابقة الألمانية التي اجتهدت فيها المحكمة الاتحادية مع وجود النص القطعي مرجحة الدلالة الضمنية على الدلالة التصريحية في ص من هذا البحث .
[80]/ الزلمي, مرجع سابق, ص 449.
[81]/ عبد الحميد , محسن , البابية , والبهائية , مطبعة دار الصحوة للنشر , القاهرة , الطبعة الخامسة , 1985م ص 22 .
[82]/ قد يكون التأويل بعيداً وهو الذي يعتمد فيه القاضي على دليل قاصر لم يكن بالقوة التي تجعل من صرف اللفظ عن ظاهرة أمراً محتملاً , وهذا الضرب من التأويل غير جائز .
[83]/ العجلوني, مرجع سابق “بتصرف ” .ص 163 – 164.
[84]/ العجلوني, مرجع سابق, ص 164.
[85]/ ابن جني , عثمان أبو الفتح , الخصائص , تحقيق محمد علي النجار , دار الكتاب العربي , بيروت لبنان , (1/ 47) .
[86]/ ابن جني, مرجع سابق, (1/47) .
[87]/ انظر : الشاطبي , كتاب المقاصد, مرجع سابق .
[88]/ الشاطبي, مرجع سابق (2/62) .
[89]/ الشاطبي, مرجع سابق (2/66) .
[90]/ السيوطي , جلال الدين , المزهر في علوم اللغة وأنواعها , شرحه , وطبعه , وصححه , وعنون موضوعاته , وعلق على حواشيه , علي محمد البجاوي , ومحمد أحمد أبو الفضل ابراهيم , مطبعة دار الفقه .
[91]/ الزرقاء , مصطفى أحمد , المدخل الفقهي العام , الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد, مطبعة دار الفكر (2/ 1002) .
[92]/ راجع الأشباه والنظائر لابن نجيم , والاشباه والنظائر للسيوطي, ومجلة الأحكام العدلية .
[93]/ فهمي محمد علوان , القيم الضرورية ومقاصد التشريع , مطبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1989م ص 79 , حامدي ,. مرجع سابق ص 49.
[94]/ حامدي, مرجع سابق ص 49 .
[95]/ الشاطبي, مرجع سابق (2/393) .
[96]/ سورة : النساء , الآية : 83 .
[97]/ ابن القيم, مرجع سابق (1/255).
[98]/ ظهرت فرق تسمى بالباطنية في التاريخ الاسلامي , وسبب هذه التسمية اشارة إلى مذهبهم , وهو القول بالإمام المستور يزعمون أنَّ للشريعة ظاهراً وباطناً , وأنَّ الناس يعلمون علم الظاهر , والإمام يعلم علم الباطن , أنظر : محسن عبد الحميد , البابية , والبهائية , الطبعة الخامسة , القاهرة , دار الصحوة , للنشر , 1985م ص 22- 23 . , كما ظهر في التاريخ الاسلامي أيضاً المذهب الظاهري الذي يقوم على الأخذ بظواهر الكتاب والسنة والاجماع , ويرفض الأخذ بالقياس , والاستحسان , والتعليل , وسائر أوجه الراي , وسمى بهذا الاسم نسبة لمؤسسه دواد بن علي بن خلف الظاهري , أنظر : زيدان , عبد الكريم زيدان , المدخل لدراسة الشريعة , بيروت , مؤسسة الرسالة , 1999م ص 150 .
[99]/ أنظر كتاب ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود , اللورد ديننج, ترجمة هنري رياض , دار الجيل, بيروت, الطبعة الأُولى , 1981م .
[100]/ راجع اللورد ديننج, مرجع سابق .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً