مدى توافق النصوص القانونية مع تسمية القطاعات الحكومية
عبد الحكيم زروق
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة
تعتبر الصياغة التشريعية من المسائل الفّنية الضرورية لإنشاء القاعدة القانونية، وذلك وفق أسس ومبادئ سليمة وخالية من الثغرات والتعقيد، مع اشتراط أن تكون سهلة الفهم بالنسبة لكافة المخاطبين بالنص القانوني، وقادرة على استيعاب التحولات والتطورات المستقبلية( أولا). كما أن تركيبة الحكومة وهيكلتها يخضعان لمجموعة من المبادئ أهمها مرجعية وإيديولوجية الحزب أو الأحزاب المشكلة للحكومة، والبرنامج الانتخابي للحزب أو لأحزاب الائتلاف الحكومي، والذي بالاعتماد عليه أقنعت هذه الحكومة الناخبين بالتصويت عليها، ومنطق الحسابات السياسية أو السياسوية في بعض الأحيان، التي تهدف إلى إرضاء بعض التيارات والأجنحة الحزبية، من أجل ضمان مرور آمن للمشاريع المقدمة من طرف الحكومة داخل قبة البرلمان. ومن تم فإن عدم استقرار هيكلة القطاعات الحكومية من حكومة لأخرى يحد من فعالية بعض النصوص القانونية، ويترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام التأويلات والتفسيرات المختلفة وغير الموحدة بين جميع الإدارات المعنية بذلك (ثانيا).
أولا: صياغة النصوص القانونية
إن الاهتمام بمسألة صياغة القوانين ليس الهدف منه مجرد الاعتناء بالجانب الشكلي فحسب، وإنما هو تذليل الصعاب التي تعرقل إمكانية تطبيق القانون وتنفيذه، من خلال سن تشريع جيد ومتطور، في منتهى الوضوح والدقة، متطابق مع الدستور وغير متعارض مع القوانين الأخرى، ومفهوم عند عامة الناس على اعتبار أن الكل مخاطب به وليس أهل الاختصاص فقط.
ولتحقيق ذلك يجب استخدام مناهج وأساليب في الصياغة تمكن قدر الإمكان من احتواء كافة الوقائع أو على الأقل جلها في مجال القواعد القانونية. رغم أنه يصعب على المشرع أن يصوغ مبادئ وقواعد قانونية وضعية تصلح لكل زمان ومكان. إلا أن هناك أشياء ومسائل يمكن معها استعمال عبارات قانونية قد تسعفنا في احتواء الكثير من التغيرات والتحولات التي قد تطرأ مستقبلا. أي ينبغي على المشرع أن يجمع في الصياغة القانونية بين كمال التحديد ومرونة الاتساع للاستجابة للتطور والتجديد.
وفي مجال القانون نفرق بين نوعين من الصياغة: الصياغة الجامدة والصياغة المرنة، بحيث يستعمل المشرع الصياغة الجامدة في الحالة التي يواجه فيها فرضا معينا أو وقائع محددة وتتضمن حلا ثابتا لا يتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات. ويكون القاضي مجبرا على تطبيق الحل أو الحكم المنصوص عليه بمجرد توافر الفرض بطريقة آلية وبشكل حرفي. وينطبق ذلك على القواعد التي تتضمن آجال أو أرقام أو أنصبة قانونية، كما هو الحال في سن الرشد مثلا. في حين يلجأ المشرع للصياغة المرنة عندما يهدف من وراء وضع القاعدة القانونية إعطاء معيارا مرنا يتجاوب مع الظروف التي يصعب ضبطها والتي ستعرف تغيرات وتحولات لا محالة في المستقبل تستهدي به المحكمة أو الجهة الادارية المسؤولة في وضع الحلول المناسبة لكل حالة على حدة من القضايا المعروضة عليه طبقا للظروف والملابسات المختلفة.
ثانيا: تأثير هيكلة الحكومة على النصوص القانونية.
وبمناسبة تعيين الحكومة التي ترأسها السيد عبد الإله بنكيران بتاريخ 03 يناير 2012، يتضح أن سبع وزارات عرفت بعض التغيير في التسمية، بالمقارنة مع حكومة السيد عباس الفاسي وهي: وزارة العدل والحريات التي كانت تسمى سابقا بوزارة العدل فقط، والوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، حيث أضيف لها المجتمع المدني، ووزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، التي كانت تسمى في الحكومة السابقة بوزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، ووزارة السياحة،حيث كانت تضم في الحكومة السابقة إليها قطاع الصناعة التقليدية، ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، التي أضيف إلى تسميتها كلمة المرأة مقارنة مع التسمية السابقة، ثم وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، حيث تم فصلهما بعدما كانا يشكلان وزارة واحدة في الحكومة السابقة.
وبعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، لاحظنا أثناء تعيين حكومة السيد عبد الإله بنكيران الجديدة بتاريخ 10 أكتوبر 2013 أن عدد الوزارات قد ارتفع إلى 39 وزارة، وأنه تم تغيير أسماء بعض الوزارات عن طريق إضافة بعض المصطلحات وإقصاء أخرى كما هو الحال بمصطلح الاقتصاد الرقمي الذي حل محل التكنولوجيات الحديثة بوزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، كما تم فصل قطاع التكوين المهني عن وزارة التشغيل وإلحاقه بوزارة التربية الوطنية، وتقسيم وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة إلى وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني ووزارة السكنى وسياسة المدينة.
وهذا الأمر ليس حكرا على هاتين الحكومتين فقط، بل إنه بالإطلاع على هيكلة جميع الحكومات التي عرفها المغرب بعد الاستقلال، نجد أن مجموعة من القطاعات يتم حذفها، وأخرى يتم خلقها من جديد، في حين تعرف تسمية بعض القطاعات نوع من التغيير.
ومن بين الوزارات التي كانت موجودة في حكومات سابقة، ولم يعد لها وجود، بحيث تم إلحاق قطاعاتها بوزارات أخرى، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: وزارة العلوم والمعارف والفنون الجميلة، ووزارة التهذيب الوطني، ووزارة البريد والتلغراف والتلفون، ووزارة التنمية، ووزارة التخطيط والإنعاش الوطني، ووزارة الأنباء، ووزارة البيئة، ووزارة حقوق الإنسان.
وإذا أخدنا وزارة التجارة والصناعة، وتتبعنا مسار القطاعات التي كانت تابعة لها في كل الحكومات السابقة. يتبين أنها كانت تسمى في الحكومة الأولى التي ترأسها السيد البكاي بن مبارك الهبيل بوزارة التجارة والصناعة التقليدية والسياحة والملاحة التجارية، وفي كل الحكومات المتاعقبة كان يضاف إليها قطاع آخر، أو يفصل عنها ليشكل وزارة مستقلة، أو يلحق بوزارة أخرى، ثم ما يلبث أن يعود إليها. وهكذا دواليك إلى أن أصبحت تسمى في الحكومة الحالية بوزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي.
وبالرجوع إلى بعض النصوص القانونية، وهي كثيرة، التي لا يزال العمل بها جاريا، خصوصا تلك التي تنص في مقتضياتها على تركيبة لجان مكونة من ممثلين عن عدة وزارات نجدها تنص على ممثلين لوزارات تم حذفها، أو تم إلحاق قطاعاتها بوزارة أخرى، أو تم دمجها مع وزارة أخرى، مما يخلق نوع من اللبس في تركيبة هذه اللجان من الناحية العملية، حيث نكون أمام وزارات لم يعد لها وجود أو أمام وزارتين أو أكثر، مما يطرح التساؤل من هي الوزارة التي لها حق الثمتيلية في مجلسما أو في لجنة مختلطة ما.
وبالرجوع للقوانين المغربية نجد الأمثلة كثيرة جدا، ونوضح لذلك بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 350-76-1 بتاريخ 20 شتنبر 1976، المتعلق بتنظيم مساهمة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي[1]، الذي تم بموجبه إحداث مجلس وطني للغابات ومجالس إقليمية لتنسيق وتعزيز عمل الدولة والمستعملين في تنمية الملك الغابوي للدولة وصيانته وتوسيع نطاقه، حيث ينص الفصل الرابع منه على انه ” يتألف المجلس الوطني للغابات تحت رئاسة وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي من الأعضاء الآتي ذكرهم:
– وزير الداخلية؛
– وزير المالية؛
– وزير الأشغال العمومية والمواصلات؛
– وزير التجارة والصناعة العصرية والمناجم والبحرية التجارية؛
– وزير العدل؛
– وزير الشؤون الإدارية، الأمين العام للحكومة؛
-….”
وهكذا، فمن سيحضر في اجتماعات المجلس الوطني للغابات؟ هل وزير الأشغال العمومية الذي هو وزير التجهيز والنقل واللوجستيك؟ أم وزير المواصلات أي وزير الاتصال؟ أم هما معا؟ ومن سيحضر أيضا هل وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي؟ أم وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة باعتبار قطاع المناجم تابعا له؟ أم هما معا؟.
وهذا الأمر لا يهم النصوص القانونية فحسب، بل حتى النصوص التنظيمية لها نصيب في ذلك. ولتفادي هذا الإشكال فإننا نرى ضرورة استعمال بعض العبارات من قبيل ” السلطة الحكومية المكلفة ب…” أو ” الوزير المكلف ب…” أو ” ممثل عن الوزارة الوصية على…” أو “ممثل عن الجهة الحكومية المكلفة ب…” وهذا الأمر ليس بالغريب عن المشرع المغربي حيث استعمل مثل هذه العبارات في مجموعة من النصوص وما عليه سوى تعميمه، وذلك لتفادي التضارب الذي يقع كلما تم تشكيل حكومة جديدة.
[1] – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.76.350 بتاريخ 20 شتنبر 1976 يتعلق بتنظيم مساهمة السكان فس تنمية الاقتصاد الغابوي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3334 بتاريخ 22 شتنبر 1976.
اترك تعليقاً