بحث قانوني حول تملك صاحب الأرض لما يلتحق بها من بناء أو غراس
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تملك صاحب الأرض لما يلتحق بها من بناءً أو غراس [(1)]
تمهيد: مالك الأرض له ملكية ما فوقها وما تحتها:
ومن مقتضى ذلك أن يكون له حق التعلية بإقامة المباني بالغًا ما بلغ ارتفاعها، كما أن له حق التنقيب في جوفها، أو حفر آبار بها مهما بلغ عمقها دون أن يكون لأحد حق الاعتراض عليه طالما أنه يتصرف في حدود ما تتطلبه مصلحته الذاتية.
على أن ذلك ليس مؤداه أن ملكية الأرض لا تنفصل عن ملكية العلو والسفل بحيث يتعين أن تجتمع ملكية هذه العناصر الثلاثة في يد مالك واحد، بل قد يصح، وكثيرًا ما يحصل، أن يكون مالك الأرض غير مالك البناء القائم عليها، كأن يبيع مالك الأرض حقه في التعلية لآخر مع احتفاظه بملكية الأرض نفسها، كما قد يحصل أن يكون مالك السفل شخصًا ثالثًا كمشتري المنجم أو المحجر دون الأرض ذاتها.
لكن الغالب أن تجتمع هذه العناصر الثلاثة لنفس الشخص، إذ يندر أن يتنازل مالك الأرض عن حقه في العلو أو في السفل لما يترتب على ذلك من تضييق الخناق على ملكيته وحرمانه الفعلي من الاستفادة منها.
وطالما أن المالك لم يجزّئ ملكيته على هذا النحو فإن كل ما يلحق بأرضه يدخل في ملكه، بل ويفترض أنه هو محدثه، وأنه أنفق عليه بمصاريف من عنده، إذ أن ذلك هو الوضع الطبيعي للأشياء وما عداه شذوذ واستثناء (م 553 فرنسي).
ولما كان وجود هذه الاستثناءات محتملاً، كان من الجائز إثبات عكس هذا الوضع الطبيعي، وإثبات العكس لا يؤدي إلا إلى نتيجة من ثلاث:
الأولى: أن يكون المالك هو محدث البناء بملكه أو الغراس، ولكن باستعمال مهمات وأدوات مملوكة لغيره (المادة (64)).
الثانية: أن يكون الغير هو محدث البناء أو الغراس، كما أنه أنفق عليه بمصاريف من عنده (المادة (65)).
الثالثة: أن من أحدث البناء أو الغراس في أرض الغير يكون قد استعمل مهمات وأدوات مملوكة لشخص ثالث (المادة (66)).
فما حكم كل حالة من هذه الحالات الثلاث ؟
ذلك ما نحاول الإجابة عليه في المباحث الثلاثة الآتية:
1 – إلحاق مهمات وأدوات الغير بأرض المالك بفعله:
المادة (64) – (نصت المادة (64) من القانون المدني على أنه (إذا جدد المالك أبنية أو غراسًا أو غير ذلك من الأعمال بمهمات وأدوات كانت ملكًا لغيره وجب عليه دفع قيمة المهمات والأدوات المذكورة لمالكها، ويجوز الحكم عليه أيضًا بتعويضات إذا فعل ذلك بطريق الغش والتدليس، ولا يسوغ لمالك المهمات أن ينتزعها من محل وضعها).
شروط تملك المالك لهذه الملحقات
لا يشترط لكي تمتد ملكية مالك الأرض إلى هذه الملحقات إلا أن تكون تلك المهمات أو الأدوات التي استعملها في إحداثها قد اتصلت بأرضه اتصال قرار يجعل منها عقارًا بطبيعته بحكم الالتصاق.
ولا عبرة بعد ذلك بما إذا كان المالك حسن النية، أي يجهل كون هذه الأدوات والمهمات مملوكة لغيره، أم أنه كان بالعكس سيء النية، أي على بينة من هذا الأمر.
حالة حسن النية
إنما يلاحظ أنه قلما يحتاج إلى تحكيم المادة (64) مدني في حالة ما إذا كان المالك حسن النية وقت إلحاق مهمات وأدوات الغير بعقاره، إذ من مقتضى حسن نيته أن يجهل كونها غير مملوكة له، وفي هذه الحالة لا يكون قد استعمل مهمات وأدوات غيره، إذ أنه يصبح بمقتضى قاعدة (الحيازة في المنقول سند الحائز) مالكًا لهذه المهمات والأدوات.
على أن ذلك ليس معناه عدم إمكان تطبيق نص المادة (64) في حالة كون المالك حسن النية، إذ هناك فروض لا يمكن فيها الاحتجاج بقاعدة (الحيازة في المنقول سند الحائز) مع كون الحائز حسن النية، وذلك كأن يكون مالك هذه المهمات قد أراد إيداعها عند الحائز فتلقاها على أنها هبة، أو أنه وجدها في تركة مورثة فظن أنها كانت ملكًا له وكان الواقع غير ذلك، لأن الحيازة لا تكون مدعمة بسند صحيح في مثل هذه الحالات فلا تؤدي لذلك إلى تملك الحائز للمنقولات التي في حيازته.
حق مالك المهمات والأدوات
ومهما يكن من أمر نية المالك فإن ذلك لا يؤثر في تملكه لهذه الملحقات بمجرد التصاقها بأرضه على أن يدفع قيمة المهمات والأدوات التي استعملها لمالكها، ولا يكون لهذا المالك حق انتزاعها من محل وضعها، كما أنه لا تكون له حق المطالبة بدفع تعويضات إلا إذا أثبت سوء نية مالك الأرض وقت استعماله إياها، فإذا عجز عن ذلك كان عليه أن يكتفي برد قيمتها مهما كانت الأضرار التي لحقته من جراء حرمانه منها (قارن المادة (64) مدني بالمادة (554) فرنسي).
انفصال المهمات والأدوات عن الأرض قبل دفع قيمته
ويلاحظ أن حق مالك المهمات والأدوات في طلب استردادها يسقط بمجرد التحاقها بالأرض بحيث لا يصبح له أي حق إلا على قيمتها، فإذا تصادف وانفصلت هذه المهمات والأدوات عن الأرض بقوة قاهرة أو بفعل المالك قبل دفع قيمتها فإنه لا يجوز لمالكها أن يطالب بها، إذ أنها تكون قد دخلت في ملك مالك الأرض بالالتحاق، فلا يمكن أن تعود إلى ملك مالكها الأصلي إلا لسبب من أسباب التمليك وليس مجرد انفصالها عن الأرض بعد سبق التحاقها بها واحدًا منها [(2)].
هل للمالك حق رد المهمات والأدوات تفاديًا لدفع قيمته
على أنه إذا لم يكن لمالك المهمات والأدوات حق إجبار المالك على ردها، فإنه لا يجوز للمالك كذلك أن يجبره على قبولها تفاديًا لدفع قيمتها، وهذا الحل منطقي وطبيعي إذ أن هذه المهمات والأدوات تفقد جزءًا كبيرًا من قيمتها إذا فصلت عن العقار بعد إلحاقها به، فلا يجوز عدلاً إجبار مالكها على قبولها، ثم إن القانون يوجب على المالك دفع قيمتها ولا يخيره بين ذلك وبين ردها.
ولا يشترط أن يكون المالك قد استعمل مهمات وأدوات الغير لإحداث بناءً أو غراس فحسب،بل إن النص ينصرف إلى (غير ذلك من الأعمال) كإنشاء القنوات أو المصارف أو تغطية أراضي الحجرات بالبلاط أو بالخشب أو سقف أسطح المنازل أو المحلات التجارية أو أعمال البياض إلخ، فأي نوع من الأعمال يؤدي إلى إلحاق المنقول بالعقار يكفي لجعله ملكًا لمالكه بشرط أن يكون من مقتضى هذا الالتحاق صيروة المنقول عقارًا بطبيعته.
مجرد تخصيص المنقول لخدمة العقار لا يكفي
فإذا لم يصيًر المالك المهمات والأدوات عقارًا بطبيعته بل ألحقها بالعقار لخدمته أو استغلاله فإن ذلك لا يكسبه ملكيتها نظرًا لاحتفاظها بذاتيتها فيستطيع المالك استردادها، كما أنه لا يصيرها عقارًا بالتخصيص، إذ من شروط صيرورة المنقول عقارًا بالتخصيص أن يكون ملكًا لمالك العقار، وهذا الشرط غير متوفر في الفرض الذي نحن بصدده.
2 – إلحاق مهمات شخص وأدواته بملك غيره:
المادة (65) – نصت المادة (65) على حكم هذه الحالة بقولها:
(فإذا حصل الغراس أو البناء أو غير ذلك من الأعمال من شخص بمهمات وأدوات نفسه في ملك غيره فالمالك مخير بين إبقاء هذه الأشياء بأرضه وبين إلزام فاعلها بنزعها، ففي حالة ما إذا اختار صاحب الأرض نزع هذه الأشياء تكون مصاريف انتزاعها أو هدمها على فاعلها بدون إعطائه تعويضًا ما، ويجوز زيادة على ذلك أن يحكم على الفاعل المذكور بتعويض الخسارة التي تنشأ عن فعله لصاحب الأرض، أما إذا اختار صاحب الأرض بقاء تلك الأشياء فيكون مخيرًا بين دفع قيمة الغراس أو البناء مستحق القلع، وبين دفع مبلغ مساوٍ لما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث بها).
(إنما إذا كان البناء أو الغراس حصل من شخص في أرض تحت يده على زعم أنها ملكه ثم رفعت يده عنها بحكم تقرر فيه عدم وقوع غش منه في وضع يده عليها، فليس لمالك الأرض أن يطلب إزالة شيء مما ذكر، بل يكون مخيرًا بين دفع قيمة المهمات والأدوات وأجرة العملة وبين دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث بها).
مما لا جدال فيه أن مالك الأرض يصبح مالكًا لما أحدثه الغير فيها من بناءً أو غراس أو غير ذلك من الأعمال بحكم الالتحاق، ولذلك لا يكون لمحدثها أي حق في نزعها بدون رغبة المالك، وإن فعل ذلك كان متعديًا على ملك غيره ومسؤولاً عما يستتبعه ذلك من تعويضات.
على أنه إن كان للمالك أن يحتفظ بما أحدثه غيره عليها باعتباره من ملحقات ملكه فهل له دوامًا حق إلزام فاعلها بنزعها ؟ وإن اختار المالك إبقاء هذه الملحقات أو أكره على ذلك، فهل يلزم بدفع تعويض إلى فاعلها ؟ وما هو مقدار هذا التعويض؟
ذلك ما تكلفت المادة (65) من القانون المدني بتوضيحه والإجابة عليه بأن فرقت في معاملة الحائز بحسب ما إذا كان سيء النية أو بالعكس حسن النية.
الحائز سيء النية
فإذا كنا بصدد شخص سيء النية، أي بنى أو غرس في أرض غيره وهو على بينة من الأمر نجد أن القانون قد وضعه تحت رحمة المالك جزاء له على سوء نيته، فأجاز للمالك أن يلزمه بإزالة ما أحدثه في أرضه بمصاريف من عنده [(3)]، بل وجعل للمالك حق مطالبته بالتعويضات إذا ترتب على نزع هذه الملحقات إضرار بملكه.
أما إذا اختار المالك إبقاء الملحقات من مبانٍ أو غيرها فإن المشرع لم ينشأ أن يمكنه من ذلك بدون مقابل رغم سوء نية فاعلها، إذ في تخويل المالك سلطة إلزامه بنزعها جزاءً كافيًا، فإن هو آثر إبقاءها والاحتفاظ بها، فإن ذلك يكون بمثابة اعتراف منه بفائدتها وبأن فاعلها قد أحسن بإيجادها فيتعين تعويضه عما أنفق فيها، إلا أنه نظرًا لأن سوء النية يفسد على الشخص حقه في المطالبة بالتعويض عما لحقه من جراء سوء نيته فإن المشرع لم يشأ أن يعوضه عن كل ما خسره، بل عاد فجعل المالك مخيرًا بين أن يدفع له قيمة البناء أو الغراس مستحق الهدم أو القلع، أي قيمة المهمات والأدوات التي استعملها في البناء أو الغراس بصرف النظر عما أنفقه من مصاريف في سبيل البناء أو الغراس، أو أن يدفع مبلغًا مساويًا لما زاد في قيمة الأرض بسبب ما أحدث فيها.
الحائز حسن النية
أما الشخص حسن النية فإنه يتمتع دائمًا برعاية القانون إذ لا يمكن توجيه أي لوم إليه لذلك أجبر القانون المالك على الاحتفاظ بما أحدثه في أرضه من بناءً أو غراس أو غير ذلك من الأعمال، بل وشاء أن يعوضه عما أنفق فيها في حدود عدم الإضرار بالمال فجعل على هذا الأخير أن يدفع قيمة المهمات والأدوات مضافًا إليها أجرة العملة، أي مصاريف البناء والغراس le prise de la main d’ocuvre أو أن يختار ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث فيها إن كان ذلك أهون عليه [(4)].
مقارنة بالتشريعين الفرنسي والمختل
وقد كان المشرع المصري فيما أجراه من الأحكام المتقدمة أكثر مجاراة للمنطق وتمشيًا مع المبادئ العامة من المشرعين الفرنسي والمختلط، إذ بالرجوع إلى أحكام هذين القانونين (م 90) و (91) مدني مختلط، (555) مدني فرنسي) يتبين لنا عدم رجحانها فيما يتعلق بمقدار ما يلزم به المالك من التعويض في مواجهة الباني أو الغارس، فبينا يلتزم المالك بأن يدفع للباني أو الغارس سيء النية قيمة المهمات والأدوات مضافًا إليها مصاريف البناء أو الغراس إذا اختار إبقاءها، نجده لا يلزم في مواجهة الباني أو الغارس حسن النية إلا بدفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما حدث فيها.
وقد حاول الشراح أن يعيدوا التوازن بين أحكام القانون وأن يبرروا موقف المشرع هذا الشاذ فقالوا بأن الإفراط في تعويض الحائز سيء النية يفسده حق المالك في أن يلزمه بنزع ما أحدثه من بناءً أو غراس مع تعرضه للحكم عليه بالتعويضات عما قد يصيب الأرض من أضرار ذلك بأن الحائز سيحاول حتمًا أن يجد طريقة للتفاهم مع المالك لتفادي الخسارة التي ستلحق به، وبذلك يجد المالك فرصة لبخسه حقه والاستفادة من حرج موقفه.
ثم إنه ليس هناك ما يمنع المالك من اعتبار الحائز حسن النية فيما يتعلق بدفع التعويضات إذا رغب الاحتفاظ بالبناء أو الغراس، ولن يكون في وسع الحائز أن يقيم الدليل على سوء نيته إذ يجوز لشخص أن يتخذ من سوء نيته سندًا لحقه.
على أنه مهما يكن من أمر هذه الملطفات فإنها لا تحول دون نقض هذا التعارض الذي وقع فيه المشرع الفرنسي ولم يحاول المشرع المختلط تفاديه.
العبرة في تقدير نية الحائز بوقت إجراء الأعمال
لا شك أن العبرة في تقدير نية الحائز بوقت إجراء الأعمال التي أحدثها على أرض الغير، وليس بوقت استحقاق العقار، فإذا كان الحائز حسن النية وقت البناء أو الغراس ثم طرأ بعد ذلك ما يفسد حسن نيته فإن ذلك لا يؤدي إلى اعتباره سيء النية عند تقدير ما يستحقه من التعويضات عما أحدثه في أرض الغير، كما أنه إذا قام الدليل على سوء نية الحائز وقت البناء أو الغراس فإنه لا يعفيه من أن يعامل على هذا الاعتبار احتجاجه بحسن نيته وقت الدخول في حيازة العقار [(5)].
على أننا نرى أنه يتعين على الحائز أن يكف عن الاستمرار فيما بدأه من الأعمال فوق أرض الغير بحسن نية إذ أنذره المالك الحقيقي، أثناء العمل، بوجوب وقف الأعمال التي بدأها وعزمه على رفع دعوى الاستحقاق لاسترداد الأرض منه، فإن استمر الحائز مع ذلك في إنجاز ما بدأه فإنه إنما يفعل ذلك على مسؤوليته [(6)].
لا تستحق تعويضات إلا عن أعمال باقية وقت الاستحقاق
من البديهي أن المالك المسترد لا يلزم بدفع شيء للحائز إلا إذا كان البناء أو الغراس الذي أجراه في أرضه باقيًا وقت استردادها، فإذا هلك البناء أو الغراس بقوة قاهرة فإنه يهلك على الحائز لأن المالك إنما يلتزم في مواجهته بدفع ما زاد في قيمة العقار بسبب ما حدث فيها من أعمال، وظاهر أن المالك يسترد أرضه بغير زيادة في قيمتها في الغرض الذي نحن بصدده.
على أنه إذا تسبب الحائز في إزالة ما أحدثه في أرض الغير من مبانٍ ونحوها بعد مطالبته باستردادها فإنه يكون متعديًا على ملك غيره، إذ أن هذه المباني أصبحت ملكًا لصاحب الأرض بمجرد الالتحاق، ويسأل عما يترتب على فعله هذا الخاطئ من التعويضات.
خصم قيمة الثمار التي حصلها الحائز سيء النية من مبلغ التعويض
ويلاحظ أنه في حالة الحائز سيء النية يخصم من مبلغ التعويض الذي يستحقه من المالك قيمة الثمار التي حصلها من المباني أو المزروعات التي أحدثها في أرضه من وقت انتهاء العمل فيها إلى وقت تسليمها للمالك [(7)]، وذلك راجع إلى أن هذه الملحقات تعتبر ملكًا لمالك الأرض بمجرد التحاقها بأرضه، فيحاسب من يستغلها بسوء نية عما يحصله من ثمارها ولو كان هو محدثها، لأنه لا يكتسب بإحداثها أي حق عليها.
أما في حالة الحائز حسن النية فإن الثمار التي حصلها حتى وقت رفع الدعوى تكون ملكًا له [(Cool]، ولا يحاسب إلا عن الثمار التي يحصلها من هذا التاريخ.
كيفية تقدير التعويض
يغلب في حالة الحائز سيء النية أن يختار المالك دفع قيمة المباني أو الغراس مستحق الهدم أو القلع إذ أنها تكون في الغالب أقل مما زاد في قيمة العقار بسببها، أما في حالة الحائز حسن النية فإن المالك يفضل – على العكس – دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما أحدثه الحائز فيه تهربًا من دفع كل ما أنفقه الحائز لإحداث البناء أو الغراس.
على أن ذلك الغالب لا يمنع من أن يجد المالك من مصلحته أن يدفع للباني أو الغارس سيء النية ما زاد في قيمة عقاره بسبب ما أحدثه فيها، ويتصور ذلك في حالة ما إذا كانت قيمة المهمات والأدوات قد زادت أضعافًا مضاعفة بسبب ندرتها أو صعوبة الحصول عليها كما هو مشاهد في الظروف الحاضرة.
والعبرة في تقدير الزيادة الناشئة في قيمة الأرض بسبب البناء والغراس بوقت الاستحقاق لا بوقت إنشاء هذه الأعمال [(9)]، إذ يتعين ألا يلزم المالك بأن يدفع للباني أو الغارس في أرضه أكثر مما أفاده فعلاً من ذلك البناء أو الغراس، وظاهر أن العبرة في تقدير ما أفاده المالك فعلاً هي بتقدير هذه الفائدة وقت استرداد العقار [(10).
الحائز في حبس العقار حتى وفاء مبلغ التعويض
قد يحدث الشخص في أرض غيره مبانٍ أو مزروعات تساوي أضعاف قيمتها، ثم يأتي المالك فيطالب باسترداد الأرض بما عليها من بناءً أو غراس في نظير التزامه بدفع ما يستحقه الحائز من تعويضات، فإذا قيل بوجوب تخلي الحائز عن حيازة العقار بمجرد الحكم للمالك بالاستحقاق وبصرف النظر عما إذا كان قد وفى إليه ما يستحقه من التعويضات، فإن ذلك يعرض الحائز لتحمل نتائج إعسار المالك الذي قد يسارع إلى بيع العقار ليستفيد من ثمنه فيصبح حق الحائز في استيفاء مبلغ التعويض صوريًا بحتًا نظرًا لإعسار المالك المدين به، لذلك وجب التفكير في طريقة لحماية الحائز ضد إعسار المالك.
في القانون الفرنسي
ويري غالبية الشراح الفرنسيين أن للحائز – سواء أكان حسن النية أو سيء النية – حق حبس العقار تحت يده حتى يسدد إليه المالك مبلغ التعويض [(11)].
أما القضاء الفرنسي – مؤيدًا في ذلك ببعض الشراح [(12)] فإنه جرى على التفرقة بين ما إذا كان الحائز حسن النية أو سيء النية، وآثر الأول بحق الحبس دون الثاني [(13)].
وينتقد الشراح هذه التفرقة التي يجريها القضاء ويرون أنها تعسفية [(14)] والواقع أنه ليس بين نصوص القانون الفرنسي ما يبرر هذه التفرقة، بل إن التزام حرفية النصوص يؤدي إلى حرمان الحائز إطلاقًا من التمتع بحق الحبس [(15)] في حين أن تقاليد القانون الفرنسي القديم تنمح هذا الحق لكل حائز طالما أنه يداين المالك.
حكم القانون المصري
أما حكم القانون المصري فظاهر في نص المادة (605) فقرة (2) التي تمنح من أوجد تحسينًا في العين الحق في حبسها، ومن المتفق عليه أن لفظة تحسينات Améliorations تشمل البناء أو الغراس أو غير ذلك من الأعمال التي أضافت شيئًا جديدًا إلى العقار، لذلك يتعين القول – في نظرنا – بوجوب أن يكون للحائز سواء أكان حسن النية أو سيء النية حق حبس العقار حتى يسدد له المالك ما يستحقه من تعويضات [(16)].
نطاق تطبيق أحكام المادة (65)
يستدعي تحديد نطاق تطبيق نص المادة (65) بحث مسألتين هامتين هما:
أولاً: أي الأعمال يدخل تحت حكم هذه المادة ؟
ثانيًا: من هم الأشخاص الذين يعاملون بمقتضاها؟
أولاً: الأعمال التي تنطوي تحت هذه المادة:
( أ ) الإنشاءات الجديدة.
أجمع الشراح واستقر القضاء على أن حكم المادة (65) لا يسري إلا على الإنشاءات الجديدة التي تنشأ في أرض الغير، فلا يكفي مجرد الإضافة إلى أعمال كان قد أنشأها المالك في أرضه ولم يتمها، فإذا اقتصر عمل الحائز على سقف منزل كان المالك قد أقام جدرانه، أو قام بأعمال النجارة اللازمة له كتركيب الشبابيك والأبواب، أو اقتصر على مجرد طلاء جدرانه وزخرفتها [(17)] أو وضع أشجارًا في غابة أو بستان بدل تلك التي اقتلعها… إلخ فمثل هذه الأعمال وما شابهها لا تدخل تحت حكم المادة (65) التي تتطلب إنشاء أعمال جديدة.
إنما يعتبر من قبيل إنشاء الأعمال الجديدة إضافة طابق جديد أو عدة طبقات إلى منزل قائم فعلاً، إذ أن هذا العمل يعتبر من قبيل الإنشاء ويخضع لذلك لحكم المادة (65) [(18)].
(ب) الأعمال التي يمكن نزعها
ولا يكفي مجرد كون الأعمال التي أحدثها الشخص في أرض غيره جديدة لا جزاء حكم المادة (65) بل يشترط كذلك أن تكون هذه الأعمال مما يمكن نزعها، وأن يحدث من نزعها فائدة لمحدثها، وذلك ظاهر من نص المادة (65) التي تجيز للمالك أن يأمر الحائز سيء النية بنزع ما أحدثه في أرضه من بناءً أو غراس، فإذا لم تكن الأعمال التي أنشأها الحائز مما تقبل نزعها من الأرض، كأن يكون قد أنشأ قنوات أو مصارف لتيسير ري أرض زراعية، أو حفر بئر لجلب المياه منها… إلخ فمثل هذه الأعمال لا تدخل تحت حكم المادة (65) [(19)].
إجراء حكم القواعد العامة على هذه الأعمال
يترتب على عدم تطبيق نص المادة (65) لعدم توافر شروط تطبيقها وجوب إجراء حكم القواعد العامة لتسوية العلاقة التي قد تنشأ بين المالك وبين من أجرى في ملكه أعمالاً لا تخضع لحكم هذا النص.
عدم جواز نزعه
ومن مقتضى هذه القواعد العامة أنه لا يجوز للمالك أن يأمر منشئ هذه الأعمال بنزعها ولو كان سيء النية إذ أن مثل هذه الأعمال غالبًا ما تكون في منفعة المالك بحيث يفترض أنه كان يقوم حتمًا بإجرائها إذا لم يكن الحائز قد قام بها، كما أنه لا يجوز للحائز – في رأينا – أن يفسد على المالك الانتفاع بما قام به من الأعمال في ملكه بأن يعمد إلى نزعها إذا قضى بعدم استحقاقه لأي تعويض في مقابلها، إذ أن مثل هذا العمل يعتبر من جانبه تعديًا على ملك غيره ويعرضه للحكم عليه بالتعويضات [(20)].
كيفية تقدير التعويض مداه
على أنه إن كان لا يجوز الحكم بنزع هذه الأعمال فإنه لا يسوغ كذلك تمكين المالك من الاحتفاظ بها بدون مقابل، إذ أن ذلك يمكنه من أن يثري على حساب غيره وهذا ما يحرمه القانون لذلك وجب التفكير في كيفية تقدير ما يستحقه منشئ هذه الأعمال من التعويض، ومدى هذا التعويض وفقًا للقواعد العامة.
التفرقة بين المصاريف الضرورية والنافعة ومصاريف الزخرفة
والقواعد العامة تقضي بالتفرقة في هذا الصدد بين المصاريف الضرورية والنافعة ومصاريف الزخرفة، أما المصاريف الضرورية وهي التي كان حتمًا على المالك أن يصرفها لصيانة ملكه وحفظه فإنه يلزم بدفعها برمتها إلى من قام بصرفها، في حين أنه لا يلزم بدفع شيء ما من مصاريف الزخرفة التي لم تؤدِ إلى زيادة في قيمة العقار، أما المصاريف النافعة فإنه يخير بين ردها إلى من أنفقها أو رد ما أدت إليه من زيادة في قيمة ملكه.
ويلاحظ أن للقاضي عند تقدير التعويض اللازم عن المصاريف النافعة أن يدخل في حسابه نية الحائز ومقدرة المالك ومقدار حاجته إلى صرف هذه المصاريف حتى لا يضطر المالك إلى دفع مبالغ جسيمة نتيجة عمل قام به غيره في وقت غير ملائم له، فإن تبين أن في ذلك إرهاقًا له عمد إلى التخفيف عنه بإمهاله في الدفع أو بالتقسيط أو بأي وسيلة أخرى يبيح له القانون الالتجاء إليها.
ثانيًا: الأشخاص الخاضعين لحكم المادة (65)
وثمة بحث آخر لا يقل في الأهمية عن سالفه وهو متعلق بتحديد الأشخاص الذين ينطبق عليهم نص المادة (65)، وقد جرينا فيما تقدم على التعبير بلفظ الحائز للدلالة على من يبني أو يغرس في أرض غيره، على أن هذا اللفظ إذا أخذ بمعناه الجاري فإنه يمتد إلى كل واضع يد على ملك غيره، سواء أكانت يده عارضة كالمستأجر والمنتفع، أم أنه كان يحوز بنية التملك، في حين أن هذا اللفظ بمعناه القانوني لا ينصرف إلا إلى من يحوز بنية التملك.
موقف الفقه والقضاء في فرنسا
وقد أثارت هذه المسألة جدلاً شديدًا في فرنسا أوقف فيه الفقه موقف المعارض للقضاء إذ يكاد ينعقد إجماع الشراح الفرنسيين [(21)] على أن المادة (555) من القانون الفرنسي لا تنطبق إلا على الحائز القانوني، لأن هذه المادة عبرت في فقرتها الأخيرة عن الحائز باصطلاح (Tiers évineé) ولا يمكن أن ينطبق هذا الوصف إلا على من انتزع العقار من تحت يده بموجب حكم يقضي باستحقاق غيره له، وهو ما لا يتحقق بالنسبة لمجرد حائز عرضي [(22)].
أما القضاء الفرنسي فإنه يرى – على العكس من ذلك – وجوب تطبيق نص المادة (555) على كل الحالات التي يحصل فيها البناء أو الغراس في أرض الغير من واضع اليد عليها بدون إذن سابق مع المالك، فيدخل تحت حكم هذه المادة – مستهدفًا في ذلك لنقد الشراح – كل من يبني أو يغرس في أرض غيره بدون اتفاق سابق معه ولو كان مالكًا تحت شرط فاسخ، أو كان مجرد حائز عرضي (كالمستأجر والمزارع والمستحكر)، استنادًا إلى أن نص الفقرة الأولى من المادة (555) عام ويشمل كل من يبني أو يغرس في أرض غير مملوكة له بصرف النظر عن طبيعة وضع يده، وأن التحديد بواضع اليد بنية التملك لم يرد إلا في عجز هذه المادة بالنسبة للحائز حسن النية.
على أن القضاء الفرنسي لم يكن منسجمًا مع نفسه ومتمشيًا إلى النهاية مع منطق نظريته عندما قرر حرمان المنتفع من التمسك بنص المادة (555) ومنعه من مطالبة المالك بأي تعويض في مقابل ما أنشأه في أرضه من بناء أو غراس، بل وزاد على ذلك أن حرمه من حق نزع هذه المنشآت وأرغمه على تركها للمالك بدون مقابل فوضعه بذلك في مركز أسوأ من مركز المغتصب مدعمًا موقفه هذا بما نصت عليه المادة (599) من القانون المدني الفرنسي من حرمان المنتفع من حق مطالبة المالك بأي تعويض عن التحسينات التي أجراها في ملكه ولو تسبب عنها زيادة في قيمته…، وقد وصل القضاء في تشدده مع المنتفع إلى حد أنه اعتبر من ضمن التحسينات (Améliorations) مبانٍ بلغت قيمتها مئات الآلاف من الفرنكات [(23)] مع أن المنتفع كان أجدر بالحماية من المستأجر.
كما أنه استبعد تطبيق حكم المادة (555) على المباني والمزروعات التي يحدثها المالك على الشيوع كالشريك أو الوارث أو غيرهما – أثناء قيام حالة الشيوع على أرض وقعت بعد القسمة في نصيب مشتاع غيره [(24)] مع أن هذه الحالة تشبه إلى حد بعيد حالة المالك تحت شرط فاسخ، وقد رأينا أن القضاء الفرنسي يخضع ما يحدثه هذا الأخير من مبانٍ أو غراس لحكم المادة (555).
الجزء الأول: رأينا في صدد هذه المسألة
لذلك تجدنا أميل إلى تأييد ما ذهب إليه غالبية شراح القانون الفرنسي، ونرى وجوب قصر حكم المادة (65) من القانون المدني المصري على البناء والغراس الذي يحدثه الحائز لملك الغير بنية التملك، ونشترط لتطبيق أحكام هذا النص أن يكون البناء أو الغراس قد حصل من شخص في أرض تحت يده على زعم أنها ملكه، ثم رفعت يده عنها بحكم تقرر فيه استحقاق غيره لهذه الأرض، وبذلك لا تنطبق المادة (65) – في رأينا على الحالات الآتية:
الوكيل والفضولي
أولاً: إذا كان البناء أو الغراس قد حصل من شخص باعتباره وكيلاً عن صاحب الأرض أو مجرد فضولي فيرجع في حكم الرابطة التي تنشأ بينه وبين المالك بسبب ما أحدثه من بناءً أو غراس في أرضه إلى قواعد الواكلة أو الفضالة لا إلى نص المادة (65) لأن الباني لا يعمل في هذه الحالة لحسابه بل لحسابه غيره [(25)] ويقدر ما يستحقه الوكيل أو الفضولي من التعويض قبل المالك على أساس المادة (144) [(26)].
المستأجر: حكم بنائه في الأرض المؤجرة
ثانيًا: إذا كان البناء أو الغراس حاصلاً من مستأجر بدون إذن المالك فلا محل للرجوع إلى نص المادة (65) بل المرجع إلي النصوص المنظمة لعلاقة المالك بالمستأجر (م 376 و 394) وهي تقضي على المستأجر بألا يحدث أي تغيير في العقار المؤجر بدون إذن المالك (م 376) فإن بنى بدون إذن المالك فإنه يكون مخطئًا ومقصرًا في نفس الوقت [(27)] ويكون للمالك حق الاحتفاظ بهذه الأبنية بدون أن يطالب بدفع تعويض ما للمستأجر، ولا يقبل الاعتراض على هذا الرأي بأن المستأجر ليس أكثر افتئاتًا من المغتصب [(28)]، لأن المغتصب إنما يبني لنفسه ولديه أمل الاحتفاظ بالبناء عندما تؤول إليه ملكية الأرض بمضي المدة القانونية على وضع يده من جهة، وهو من جهة أخرى لا يمكن مطالبته بالحصول على إذن المالك، أما المستأجر فإنه مطالب بذلك، فإذا لم يفعل فهو مقصر وجزاء تقصيره الحرمان، ثم إنكم يمكن افتراض أن المستأجر أراد أن يترك هذه الأبنية للمؤجر عند نهاية مدة الإيجار، وهذا ما لا يمكن افتراضه بالنسبة للحائز سيء النية [(29)].
على أننا نلاحظ أن ملكية هذه المباني لا تؤول للمؤجر بالفعل إلا عند انتهاء عقد الإيجار، أما في خلال مدة الإيجار فإن حق المستأجر في أن يخلي بينه وبين الانتفاع بالعقار يجعل استعمال حق المالك على هذه المباني قبل انتهاء مدة الإيجار معطلاً، لأن حق المالك لا يتحدد إلا بالنظر إلى حالة العقار المؤجر في هذا التاريخ [(30)]، ولذلك يكون في وسع المستأجر أن يزيل ما أحدثه من البناء في الأرض المؤجرة قبل انتهاء مدة الإيجارة بشرط إعادتها إلى حالتها الأصلية.
حكم الغراس
أما إذا كان موضوع عقد الإيجار أرضًا زراعية وغرس فيها المستأجر أشجارًا فقد نصت المادة (394) على حكم هذه الحالة بأن حرمت على المستأجر قلعها إلا إذا كانت شجيرات معدة للنقل (pépiniéres) [(31)] وجعلت (للمؤجر الخيار بين قلع الأشجار المغروسة بدون إذنه وإلزام المستأجر بمصاريف القلع وبين إبقائها ودفع قيمتها للمستأجر حسب التقويم) (en payant l’estimation).
صاحب حق الانتفاع
ثالثًا: كما أن حكم المادة (65) لا ينطبق كذلك على ما ينشئه المنتفع في الأرض التي يباشرعليها حقه من بناءً وغراس، ونحن وإن كنا نؤيد القضاء الفرنسي في هذا الصدد فإننا لا نستهدف لما تعرض له هذا القضاء من نقد إذ أن نص المادة (599) الذي ذكر حكم التحسينات التي يحدثها المنتفع كما يمكن تفسيره ضد مصلحة المنتفع – وهو ما ذهب إليه القضاء الفرنسي – يمكن كذلك أن يفسر في مصلحته كما فعل الشراح [(32)]، في حين أن الصيغة التي أفرغ فيها نص المادة (26) من القانون المدني تجعل رأينا هذا لا يحتمل الجدل، فهي تنص على أنه (لا يجوز للمنتفع أن يبني بناءً أو يغرس غرسًا بدون رضا المالك، وعليه أن يثبت ذلك الرضاء بالكتابة أو بإقرار المالك أو بامتناعه عن اليمين(فإذا أغفل المنتفع مع ذلك نص القانون وبنى أو غرس بدون إذن المالك فإنه يجبر على ترك ما بناه أو غرسه للمالك بدون مقابل [(33)] كما لا يكون له حق انتزاعه إذ أنه يصبح ملكًا للمالك بالالتحاق، فإن فعل ذلك فإنه يكون متعديًا ويسأل قبل المالك عن التعويضات.
المالك تحت شرط فاسخ
رابعًا: أما البناء أو الغراس الذي يحدثه مالك الأرض تحت شرط فاسخ فإنه لا يخضع كذلك لحكم المادة (65)، إنما يخضع لحكم القانون الخاص بالنسبة لبعض الحالات ولحكم القواعد العامة بالنسبة للحالات التي لم يرد بصددها نص خاص.
ففي حالة البناء أو الغراس الذي يحدثه المشتري وفاءً يطبق حكم المادة (344) التي تقضي بأن يدفع له البائع عند الاسترداد المصاريف اللازمة التي صرفها ثم (يؤدي أيضًا ما زاد في قيمة المبيع بسبب المصاريف الأخرى التي صرفها المشتري بشرط ألا تكون فاحشة)، فإذا تعمد المشتري إرهاق البائع بصرف مصاريف فاحشة على بناءً أو غراس ليحول بينه وبين استرداد العقار فإنه يكون سيء القصد فيرد عليه كيده، ويلزم بالتخلي عن البناء أو الغراس للبائع في سبيل تعويض معقول في حدود طاقته.
كما يرجع في صدد البناء أو الغراس الذي يحدثه حائز العقار المرهون إلى حكم المادة (588) وهي تقضي على من رسا عليه المزاد (أن يدفع إلى الحائز المذكور مقدار ما صرفه من المصاريف الضرورية ومقدار المصاريف النافعة بقدر ما ترتب عليها من الزيادة في قيمة العقار).
أما في سائر الحالات الأخرى التي لم يرد بحكمها نص خاص في القانون وذلك كحالة المشتري الذي يحكم بفسخ عقده لعدم الوفاء بالثمن [(34)] أو المالك على الشيوع الذي يرى الجزء من الأرض المشاعة الذي كان في حوزته وقد وقع في حصة غيره نتيجة القسمة بعد أن بنى أو غرس فيه [(35)] في كل هذه الحالات وما شابهها نرى وجوب تطبيق القواعد العامة لاعتقادنا أنها لا تدخل تحت حكم المادة (65) ذلك لأن هذه المادة أتت بحكم البناء أو الغراس الذي يحصل من شخص في ملك غيره [(36)] ولا يمكن أن يقال بانطباق هذا الوصف على الملاك المذكورين الذين زالت عنهم الملكية بسبب آخر غير استحقاق العقار.
وتقضي القواعد العامة في هذا الصدد بأنه لا يسوغ أن يثري شخص على حساب غيره بلا سبب مشروع، ومن مقتضى ذلك أنه يتعين على من آلت إليه ملكية الأرض التي أحدث فيها المالك السابق بناءً أو غراسًا أن يعطي مقابل ما أخذ، وله في ذلك الخيار بين أن يؤدي ما زاد في قيمة الأرض بسبب ما أحدثه فيها المالك السابق من بناءً أو غراس، وبين أن يدفع له ما صرفه من المصاريف ولكن ليس له على أي حال أن يأمر بنزع ما أحدثه من بناءً أو غراس، (راجع كابيتان ص (893)).
بناء البائع قبل التسجيل
خامسًا: كما أننا نستبعد بدون أدنى تردد تطبيق حكم المادة (65) على البائع الذي يحدث في الأرض المبيعة في ظل أحكام قانون التسجيل – بناءً أو غراسًا في الفترة ما بين انعقاد العقد وتسجيله، وذلك لسببين جوهريين هما:
أولاً: أن المادة (65) تتكلم عمن يبني في ملك غيره، ولا يمكن – طبقًا لأحكام قانون التسجيل – اعتبار البائع في هذا الفرض بانيًا في ملك غيره، إذ أن الملكية لا تزول عنه إلا بحصول التسجيل [(37)].
ثانيًا: أنه لا يمكن تطبيق أحكام الالتحاق على المشتري بعد تسجيل عقد البيع، وإسناد ملكية البناء تبعًا لذلك، إذ أن ذلك يستدعي القول بأن للتسجيل أثرًا رجعيًا من مقتضاه اعتبار المشتري مالكًا من وقت العقد وهي نظرية لم تجد رواجًا في الفقه ولا في القضاء، وقد قضت عليها محكمة النقض صراحة بما لا تفتأ تردده في أحكامها بأن الملكية لا تنتقل إلا من يوم التسجيل [(38)] كما سبق لنا مهاجمتها وتفنيدها [(39)] على أن محكمة النقض عادت فناقضت نفسها بأن جارت محكمة استئناف مصر فيما ذهبت إليه بقولها (فإذا أحدث البائع بناءً جديدًا أو زيادة في المبيع قبل التسليم فيعتبر كأنه قد أقامه في غير ملكه ولو كان ذلك قبل تسجيل العقد) [(40)] ويظهر ارتباك محكمة النقض وما لقيته من عنت في سبيل تأييد هذا الرأي من تلك الحيثية التي تتناقض عباراتها والتي يكفينا مجرد نقلها لتبرير عدم تأييد رأيها.
(وبما أن المحكمة الاستئنافية قد اعتبرت البائع الملزم بمقتضى عقد البيع بتسلمي المبيع بحالته التي كان عليها وقت تحرير العقد بلا زيادة عليها ولا نقص فيها – إذا أحدث زيادة في المبيع وهو يعلم أن المشتري يطالبه ويقاضيه لتنفيذ تعهده – كأنه أحدث تلك الزيادة في أرض مملوكة لغيره، أي يفصل في أمرها قياسًا على حالة من أحدث غراسًا أو بناءً في ملك غيره، وهذا لا يناقض قانون التسجيل، لأن ملكية الأرض انتقلت إلى المشتري من تاريخ تسجيل الحكم بصحة التعاقد، والبناء الجديد حصل قبل ذلك، أي في زمن كانت ملكية الأرض باقية للبائع، ولكن سوء نية البائع في البناء تجعل كأنه بني في ملك غيره، لأن مآل الأرض أن تصير مملوكة للمشتري بعد تسجيل عقده وحكم صحة التعاقد، ولم تقل المحكمة بأن البائع وهو يبني قد بنى حقيقة في ملك غيره [(41)]….)
وليس عسيرًا أن نجد في حكم محكمة النقض مآخذ جمة منها:
أولاً: أن الأخذ بحكم المادة (65) على سبيل القياس لا يجوز، لأن هذا النص أتى بحكم استثنائي فلا يجوز التوسع فيه.
ثانيًا: أن القول بأن سوء نية البائع في البناء تجعل كأنه بنى في ملك غيره غير مفهوم إطلاقًا إذ أن الشخص لا يعاقب بزوال ملكيته وإنما بفرض تعويض مدني متناسب مع خطأه.
ثالثًا: أن هناك تناقضًا ظاهرًا بين تقرير أن البناء الجديد حصل في زمن كانت ملكية الأرض باقية للبائع وبين تقرير تمليك هذا البناء للمشتري بطريق الالتحاق بأرض لم تكن مملوكة له.
لذلك يتعين – في اعتقادنا – تسوية العلاقة بين البائع والمشتري في مثل هذا الفرض على غير مقتضى المادة (65) التي تتطلب كشرط أساسي لتطبيقها أن يحصل البناء أو الغراس في ملك الغير حكمًا وفعلاً، لا افتراضًا وتعسفًا، وذلك يقتضينا تحكيم القواعد العامة في حدود الأحكام الخاصة بعقد البيع.
وليس في هذه القواعد ما يمنع من أن تكون الأرض ملكًا لشخص ويكون ما عليها من بناءً أو شجر ملكًا لشخص آخر، لذلك تنتقل ملكية الأرض للمشتري بالتسجيل ويظل البناء على ملك البائع طالما أنه لم يرد أصلاً في الاتفاق، وليس هذا الوضع شاذًا، بل إن في القانون ما يماثله، وأقرب مثل له تعدد ملاك الطبقات في المنزل الواحد.
وإلى هنا يقف حكم القواعد العامة وتبرز أمامنا القواعد الخاصة بعقد البيع وهي تفرض على البائع أن يعمل على نقل الملكية للمشتري، وأن يمتنع بمجرد التعهد بالبيع عن كل ما يزيد أو ينقص في المبيع، وهو التزام يقتضيه الالتزام بتسليم المبيع كما هو وقت التعهد المذكور.
فلا نزاع إذن في أن للمشتري حق إلزام البائع بهدم البناء الذي أقامه مخالفًا بذلك التزامه بالامتناع بمجرد البيع عن كل ما يزيد في المبيع، ولا سبيل إلى إجبار المشتري على الاحتفاظ بهذا البناء.
لكن إلى هنا يقف حق المشتري، فلا يكون له – بالعكس – أن يجبر البائع على ترك هذا البناء له ولو في مقابل التعهد بدفع ما يقابله من التعويضات، بل إن للبائع بدوره حق إزالة هذا البناء إذا وجد أن مصلحته في ذلك – وهو إذ يصر على ذلك لا يعتبر متعسفًا في استعمال حقه، وإنما زائدًا عن مصلحته، وذلك موقف جد مشروع [(42)].
وليس للمشتري أن يتضرر من ذلك طالما أن إزالة البناء ستحصل بمعرفة البائع وبمصاريف من عنده، وبشرط إعادة حالة الأرض إلى ما كانت عليها وقت التعاقد، مع أحقيته في مطالبة البائع بتعويض الخسارة التي قد تنشأ عن فعله.
وبهذه الكيفية لا نجعل البائع تحت رحمة المشتري يهدده بإجباره على إزالة البناء إذا لم يقبل تركه له بأبخس الأثمان، كما أننا لا نضر بالمشتري الذي لم يتعاقد إلا على أرض عارية خالية من البناء، وبذلك يكون كلا الطرفين في مركز متعادل مع مركز الآخر فيمكن بذلك أن يتم بينهما اتفاق عادل على شراء البناء، على أن مثل هذا الاتفاق – إن تم – لا ينقل الملكية إلى المشتري إلا بتسجيل جديد.
بناءً المشتري في العقار المشفوع
سادسًا: ولا يخضع كذلك لحكم المادة (65) بناء المشتري في العقار المشفوع قبل الحكم للشفيع في دعوى الشفعة، بل يرجع في ذلك إلى حكم المادة العاشرة من قانون الشفعة، وهي تنص على أنه (إذا بنى المشتري في العقار المشفوع أو غرس فيه أشجارًا قبل طلب الأخذ بالشفعة يكون الشفيع ملزمًا بناءً على رغبة المشتري إما أن يدفع له ما صرفه أو ما زاد في قيمة العقار بسبب البناء أو الغراس.
أما إذا حصل البناء أو الغراس بعد طلب الأخذ بالشفعة، فللشفيع الخيار إن شاء طلب إزالتهما وإن شاء طلب بقاءهما، وفي هذه الحالة لا يلزم إلا بدفع قيمة الأدوات وأجرة العمل أو مصاريف الغراس).
ويلاحظ أن حكم هذه المادة مخالف لحكم المادة (65) من وجهين:
في اختيار التعويض
الأول: أنها تجعل خيار التعويض للمشتري لا للشفيع الذي ستئول إليه ملكية البناء، إذا حصل البناء أو الغراس قبل طلب الأخذ بالشفعة.
الثاني: أنه في حالة ما إذا بنى المشتري أو غرس بعد طلب الأخذ بالشفعة فيكون على الشفيع إذا اختار بقاء البناء أو الغراس أن يدفع قيمة الأدوات وأجرة العمل أو مصاريف الغراس، لا أن يدفع قيمة الغراس أو البناء مستحق القلع كما تقضي بذلك المادة (65).
كون البناء أو الغراس في أرض موقوفة لا يمنع من تطبيق المادة (65)
إذا توافرت شروط تطبيق المادة (65) وأخصها – في رأينا – كون واضع اليد حائزًا بنية التملك فإنه يستوي بعد ذلك كون البناء أو الغراس قد حدث في أرض مملوكة أو موقوفة.
فالنزاع فيما زاده واضع اليد في الأرض الموقوفة من مثل بناءً أو شجر هو نزاع في أمر مدني صرف خاضع لأحكام القانون المدني لا لأحكام الشريعة الغراء [(43)].
حكم بناءً الناظر أو المستحق في دار الوقف
على أنه إذ حصل البناء في دار الوقف من أحد المستحقين أو من ناظر الوقف فإنه يرجع في حكم هذا البناء إلى أحكام الشريعة الغراء، لأن المادة (65) لا تنطبق – كما بينا – إلا في حالة ما إذا حصل البناء أو الغراس من واضع اليد بنية التملك، ولا يصدق هذا الوصف على المستحق في الوقف أو الناظر [(44)].
ويفرق فقهاء الشرع في هذا الصدد بين ما إذا كانت الدار موقوفة للسكنى وبين ما إذا كانت موقوفة للاستغلال، فإن كانت موقوفة للسكنى وبناها مستحق سكناها من ماله كان البناء ملكًا له ولورثته من بعده [(45)] (المادتان 27 من مرشد الحيران و (435) من قانون العدل والإنصاف)، أما إن كانت الدار موقوفة للاستغلال فإن المكلف بملاحظتها وصيانتها وعمارتها واستخراج غلتها هو الناظر، ولا تدخل في هذا للمستحقين، فإن بنى المستحق مع ذلك في دار الوقف فهو متبرع لا حق له ولا لورثته في شيء من الملكية، أما البناء الذي يقيمه الناظر بمال نفسه فإنه يرجع في حكمه إلي القواعد الشرعية الخاصة بتصرفات النظار، والحكم الشرعي في هذا يتحصل في أنه يتعين على الناظر أن يستأذن القاضي الشرعي في البناء قبل مباشرته حتى يكون له الرجوع في مال الوقف بما أنفق، وإن ألجأته الضرورة إلى البناء بدون استئذان فإنه يقوم مقام الإذن أن يشهد عند الإنفاق أنه ينوي الرجوع على الوقف وإلا اعتبر متبرعًا ولا رجوع له، ولا يغني الإشهاد عن استئذان القاضي إذا كانت الأبنية زائدة على الصفة التي كانت عليها الأعيان في زمن الواقف، إذ لا بد للناظر في هذه الحالة من استئذان القاضي الشرعي، كما لا بد من رضاء المستحقين بها أيضًا، وإلا اعتبر الناظر الذي أنفق على هذه المباني من مال نفسه متبرعًا ولا رجوع له على الوقف بما أنفق، سواء أشهد على نية الرجوع أو لم يشهد [(46)].
ويؤيد هذا الاتجاه الذي اتجهته محكمة النقض بصدد البناء الحاصل من المستحق للسكنى أو من ناظر الوقف في أرض الوقف ما ذهبنا إليه من أنه لا يكفي لتطبيق حكم المادة (65) من القانون المدني أن يحدث البناء أو الغراس من شخص في أرض غير مملوكة له، بل ويتعين كذلك أن يكون محدث البناء أو الغراس حائزًا بالمعنى الضيق لهذا اللفظ.
تعدي الباني على جزء من ملك الجار
انصرف اهتمام المشروع في نص المادة (65) إلى تحديد حكم البناء أو الغراس في ملك الغير، أي إلى الحالة التي يقام فيها البناء برمته أو ينتشر فيها الغراس بجملته على أرض الغير، ولم يعنَ المشرع بإيراد حكم حالة أخرى ليست أقل ذيوعًا في العمل، بل لعلها أكثر توقعًا من تلك التي أورد حكمها بنص المادة (65) من القانون المدني وهي حالة من يحدث جل البناء أو الغراس في أرضه وبعضه في أرض جاره، لذلك كثر الجدل حول حكم هذه الحالة التي تتنازع حكمها قواعد القانون ومقتضيات العدالة، فقد يحدث ألا يجاوز الباني حدود ملكه إلا بما تعادل مساحته سمك حائط أو أقل من ذلك أو أكثر بقليل، وقد يقع في ذلك غير متعمد ولا متنبه إلى تعديه كما قد يكون غير مقصر في تفادي ما وقع فيه إذ أن حدود الملك عندنا غير ظاهرة بل وغامضة، وكثيرًا ما يتعذر على أكثر الأشخاص تحريًا لحدود ملكه أن يتوصل إلى تحديد هذه الحدود بالدقة والضبط، فإذا ثبت تعدي الباني أو الغارس حدود ملكه فعلى أي أساس نعامله ما دام أن من المتفق عليه أن حكم المادة (65) لا يمتد إلى مثل هذه الحالة؟
أثارت هذه الحالة اهتمام الشراح واضطربت بصددها أحكام القضاء، وهم مع ذلك يجمعون على تقرير المبادئ الآتية:
أولاً: يصبح مالك الأرض المعتدي عليها مالكًا لما أقيم عليها من بناءً أو ما حدث فيها من غراس بحكم الالتحاق.
ثانيًا: أن هذه الملكية لا يترتب عليها قيام حالة الشيوع بينه وبين الباني إذ أن كلا منهما يصبح مالكًا لحصة مفرزة محددة بالجزء القائم على أرضه من البناء [(47)].
ثالثًا: لا نزاع في أنه إذا كان الباني سيء النية بأن ثبت تعديه على ملك غيره وهو على بينة من أمره، كأن يكون الجار قد نبهه إلى تعديه وتمادي رغم ذلك فيه، فإنه يجبر على إزالة ما أحدثه في أرض غيره من بناءً بصرف النظر عن مبلغ ما يلحقه من جراء ذلك من أضرار [(48)].
لكن إلى هنا يقف الإجماع ويبدأ النزاع حول تحديد مركز الباني الذي لم يثبت سوء نيته لدى تعديه على ملك جاره، فمن الشراح من يغلب حكم القانون، ومنهم من يزكي مقتضيات العدالة التي يجب أن يهتدي بهديها عند تطبيق القانون.
أما الذين يغلبون حكم القانون فيرون أن اعتداء الباني على ملك غيره لا يتأتى أن يكسبه أي حق في مواجهته، وأن في هذا التعدي معنى التقصير والإهمال فيتعين إزالة البناء على أي حال [(49)] ولا يتأتى إجبار المالك على أن يتنازل للباني عن الجزء الذي انشغل بالبناء لأن ذلك يكون من قبيل نزع الملكية لمصلحة خاصة وهو ما تنفر منه أبسط قواعد القانون [(50)].
والواقع أن ظاهر القانون يملي مثل هذا الحل إلا أن العدالة، وهي روح القانون تنفر من الأخذ به، فالضرر الذي يلحق بالمالك من جراء تخلية عن جزء يسير من أرضه قد لا يزيد في أغلب الحالات عن بضع عشرات من السنتيمترات، لا يقاس إلى جانب النكبة التي تحل بالباني، رغم حسن نيته، إذا أجبر على إزالة البناء الذي أقامه غير متعمد فوق هذا القدر اليسير من أرض جاره، وما ذنب هذا الباني إذا كانت الحدود غير واضحة المعالم! وهلا يعتبر إصرار مالك الأرض على إزالة البناء رغم ما يصيب صاحبه من ضرر ليسترد جزءًا يسيرًا من أرضه لن يستشعر الحرمان منه مع بذل التعويض له، أقول هلا يعتبر ذلك من قبيل التعسف في استعمال الحق لغير ما فائدة تعود على المالك مع تيقن حدوث الضرر للباني؟ وإذا كانت هذه الاعتبارات كلها قائمة إلى جانب ما عودنا القانون إياه من رعاية حسن النية وإحلالها محل الاعتبار عند تطبيق أحكامه، أفلا يكون أجدر بنا أن نفكر في التعويض بدلاً من التخريب !
لم يثبت القضاء الفرنسي على رأي معين إزاء هذا الحرج، بل يلوح من أحكام محكمة النقض الفرنسية أنها تعالج كل موقف بحسب ظروفه وملابساته فهي تقر تارة حق القضاة في أن يأمروا ببيع البناء دفعة واحدة (Vente simultancée) ما دام أنه لا تمكن قسمته من غير إتلافه ومن غير ما فائدة تعود على مالكية [(51)] وهي تقرر تارة أخرى إبقاء البناء على أن يصبح الجار مالكًا للجزء القائم على أرضه منه في مقابل دفع ثمن المهمات والأدوات ومصاريف البناء أو دفع ما زاد في قيمة أرضه بسبب البناء [(52)].
على أن مثل هذه الحلول تواجهها عند العمل بمقتضاها صعوبات جمة، إذ كيف يمكن حمل الشخص على بيع ملكه رغمًا عنه لغير دين عليه ودون أن تقتضي ذلك مصلحة عامة ؟ ثم إذا قلنا – من جهة أخرى – بإبقاء ملكية البناء لمالك الأرض في مقابل دفع ما زاد في قيمة أرضه بسبب هذا البناء فإن هذه الزيادة قد تساوي صفرًا في أغلب الأحيان لأن الأرض لا يزيد من قيمتها بناءً حائط عليها، بل قد يؤدي ذلك بالعكس إلى الانتقاص من قيمتها بحسب ما نقص من مساحتها بسبب بناءً الحائط المذكور، وإذا ذهبنا أخيرًا إلى القول بإبقاء ملكية هذا الجزء من البناء لمالك الأرض بدون مقابل فإن ذلك يثير إشكالات عديدة فيما يتعلق بأعمال الإدارة التي تتعلق بهذا البناء: كيفية تأجيره وطر
اترك تعليقاً