نصت الفقرة (الأولى) من المادة (51 ) من قانون المرافعات المدنية العراقي على انه “(في اليوم المحدد للمرافعة يجب على المحكمة ان تتحقق من اتمام التبليغات وصفات الخصوم، ويحضر الخصوم بانفسهم أو بمن يوكلونه من المحامين وللمحكمة ان تقبل من يوكلونه عنهم من أزواجهم وأصهارهم وأقاربهم حتى الدرجة الرابعة…)، كما نصت الفقرة (الأولى) من المادة (22) من قانون المحاماة العراقي على أنه: (لايجوز لغير المحامين المسجلين في جدول المحامين ابداء المشورة القانونية أو التوكل عن الغير للادعاء بالحقوق والدفاع عنها أمام المحاكم العامة والخاصة ودوائر التحقيق والشرطة واللجان التي خصها القانون بالتحقيق أو الفصل في منازعات قضائية). يفهم من هذين النصين أن القانون العراقي أجاز للخصوم مباشرة خصوماتهم بأنفسهم أو يفوضون عنهم غيرهم للحضور نيابة ولتمثيلهم أمام القضاء ان تمثيل الغير يتم من خلال الوكالة بالخصومة. كما نستنج مما تقدم ان القانون العراقي اجاز التوكيل بالخصومة ولم يقصره بمرحلة معينة من مراحل التقاضي بل أجازه في مراحل التقاضي كافة وعده حقاً للخصوم ان شاؤوا استعملوه وان شاؤوا باشروا خصوماتم بأنفسهم.
اما موقف القانون(1) المصري من مسالة جواز التوكل بالخصومات فانه موافق للقانون العراقي ، اذ نصت المادة (72 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري على انه (في اليوم المعين لنظر الدعوى يحضر الخصوم بأنفسهم او يحضر عنهم من يوكلونه من المحامين وللمحكمة ان تقبل في النيابة عنهم من يوكلونه من أزواجهم وأقاربهم أو أصهارهم إلى الدرجة الثالثة). إلاّ أن الملاحظ على القانون المصري انه لايسمح للخصوم مباشرة خصوماتهم في مرحلة النقض عكس ما هو عليه الحال في القانون العراقي إذ الزم(2) قانون المحاماة المصري ان يكون تقديم الطعن امام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا من قبل المحامين المقيدين بجدول محامي محكمة النقض ، ورتب على كل طعن يقدمه الخصوم بالذات او بواسطة وكلائهم من المحامين غير المقيدين بجدول محامي محكمة النقض عدم قبول هذا الطعن، كما قيد قانون المحاماة المصري حق الحضور والمرافعة أمام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا بمحامي النقض فقط.
أما القانون الأردني(3) فقد أجاز الوكالة بالخصومة، وايمانا منه بأهميتها وبدورها في سرعة حسم النزاع والتخفيف عن كاهل القضاء فقد قيد حق الحضور أمام المحاكم كافة بالمحامين دون غيرهم بصفتهم وكلاء بالخصومة عن الخصوم اذ نصت الفقرة أولاً من المادة (63 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني على انه (لا يجوز للمتداعين – من غير المحامين – ان يحضروا أمام المحاكم لنظر الدعوى الا بواسطة محامين يمثلونهم بمقتضى سند توكيل). ولئن كان الأصل في القانون الأردني عدم جواز حضور الخصوم بأنفسهم لمباشرة خصومتهم امام القاضي ، الا انه ترد استثناءات على هذا الأصل فيما يتعلق ببعض الدعاوى وفيما يتعلق ببعض الأشخاص. ففيما يتعلق ببعض الدعاوى أعطى قانون(4) نقابة المحامين النظاميين الأردني الحق للخصوم بمباشرة خصوماتهم بأنفسهم او بوساطة وكلاء الخصومة وذلك في دعاوى محاكم الصلح والتسوية وتصحيح قيد النفوس والقضايا الجزئية . اما فيما يتعلق بالأشخاص فقد اجاز(5) قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني للخصوم ان كانوا من المحامين المزاولين للمهنة او المحالين على التقاعد والقضاة والأشخاص المعفوين من التدريب على أعمال المحاماة حق الحضور للمرافعة ومباشرة خصومتهم بانفسهم أو يوكلوا عنهم من اجاز القانون توكيله من وكلاء الخصومة ، كما(6) اجاز القانون الأردني للمصالح الحكومية او الهيئات العامة او دوائر الاوقاف ان تنيب عنها احد موظفيها الحاصلين على اجازة ( شهادة ) بالحقوق في المرافعة امام القضاء.
وأما القانون الفرنسي فان موقفه مشابه للقانون الأردني، اذ اجاز(7) الوكالة بالخصومة، والزم ان يكون التمثيل للمحامين دون الخصوم لدى محاكم البداءة والاستئناف والنقض ومجلس الدولة(8)، وبمعنى آخر ان القانون الفرنسي يمنع مباشرة الخصوم لخصوماتهم بأنفسهم أو حضور المرافعة وإنما ينبغي لهم توكيل المحامين لهذه المهمة ليباشروا خصوماتهم نيابة عنهم. أن حق مباشرة الخصومة بالمحامين ليس مطلقا إذ أجاز(9) القانون الفرنسي مباشرة الخصومة من قبل الخصوم أنفسهم او من قبل وكلائهم من المحامين او من قبل وكلائهم من الأزواج او الوالدين او الأقارب من الخط المباشر من النسب أو الأقارب من خط الحواشي إلى حد الدرجة الثالثة وذلك أمام المحاكم التجارية(10) ومحاكم الايجار الزراعي(11). ان اجازة الوكالة بالخصومة في القوانين المقارنة أمرٌ مؤكدٌ ولا يعقل حظرها وذلك لحاجة الناس الشديدة اليها ، فقد يكون من بينهم الضعيف في مواجهة الخصم او المريض الذي يعجزه مرضه عن حضور المرافعة او يعيقه عن مواصلة إجراءات التقاضي ومتابعتها، كما ان الفكر القانوني والنظم القانونية شهدت تطوراً هائلاً وتغيراً رهيباً حتى ان بعض المختصين بالقانون يتعذر عليهم اليوم الإحاطة بكل العلم القانوني فيعجزون عن مباشرة خصوماتهم بأنفسهم فضلاً عن أن سلامة إجراءات التقاضي وإتقان فن الترافع الذي له الدور الفعال في حماية الحقوق وضمانها يقتضي أن توكل هذه المهمة إلى المختص الضليع ذي الخبرة والاختصاص وهو الوكيل بالخصومة. وأثير التساؤل(12) عما إذا كان من الأفضل لحسن سير العدالة والقضاء وضمان حقوق المتقاضين جعل الوكالة بالخصومة واجبة على الخصوم في نطاق الدعاوى المدنية من عدمه؟ إذ ان إلزام الخصوم بالاستعانة بوكيل الخصومة بصورة مطلقة يؤدي إلى إرهاق الخصوم ويكلفهم نفقات باهظة مما سيجعل العدل سلعة غالية المنال تحيطه التعقيدات المادية -وليس هذا شان العدل- إذ ان من مقتضيات العدل وجوب وصول المتداعين إلى حقوقهم دون موانع وتعقيدات مادية، كما ان صاحب الخصومة قد يكون على علم بكيفية مباشرة الخصومة وطرق الدفاع عنها لذا يحسن ترك الخصم هو الذي يقدر مدى حاجته إلى الوكالة بالخصومة دون فرضها عليه(13).
ونرى ان حصر نطاق الحضور امام المحكمة المدنية بوكلاء الخصومة من المحامين وعدم السماح للخصوم بالحضور إلى المرافعة أمر لابد منه ، وان موقف القانون الأردني الذي حدا بهذا الصوب جدير بالتأييد اذ في حضور الخصوم إلى المرافعة لتوليهم خصوماتهم بأنفسهم له من الآثار السلبية على الخصوم وعلى المحكمة التي تنظر في النزاع. فبالنسبة إلى الآثار السلبية على الخصوم ، فالغالب انهم يجهلون اجراءات الخصومة او يصعب عليهم الالمام والاحاطة بها نظرا لتعددها وتشعبها ، وانهم- الخصوم- ليست لديهم الدراية بما ينجم من اثار عن كل اجراء من اجراءات الخصومة بينما وكلاء الخصوم الذين يفترض فيهم العلم بكل إجراءات الخصومة وإحاطتهم علما بالاثار الناجمة عن كل اجراء من لحظة مباشرتهم للخصومة وحتى نهايتها . اما بالنسبة إلى الآثار السلبية على المحكمة ، فانه نتيجة جهلهم باجراءات الخصومة وفن المرافعة تراهم يكثرون الطلبات على المحكمة والتي غالبيتها طلبات غير قانونية ومعظم دفوعهم دفوع عاطفية يسعون من خلالها إلى كسب عطف المحكمة ورأفتها عليهم ، مما يعرقل عمل المحكمة ويؤدي إلى تأخير حسم الدعاوى وإطالة امد النزاع ويجعل المحكمة امام هذه الحالة مضطرة إلى عدم التقيد بالسقف الزمني المقرر لحسم الدعاوى(14) .
ان من الصحيح القول ان حضور وكلاء بالخصومة نيابة عن الخصوم امام المحكمة المدنية فيه من الفائدة للخصوم والقضاء، فبالنسبة إلى فائدة الخصوم من حضور وكلاء الخصومة نيابة عنهم فانه يشكل ضماناً للحصول على حقوقهم كاملة وبسرعة ودون نقصان ، اما بالنسبة إلى فائدة المحكمة فان حضور الوكلاء يسهل الكثير من الإجراءات على المحكمة ويوضح الغموض الذي قد يعتري موضوع الخصومة ويعمل على تفادي الوقوع في الأعمال المخالفة للقانون والتي يكون مصيرها النهائي البطلان، مما يوفر الوقت والجهد على المحكمة، لذا نلاحظ(15) ان الكثير من القضاة يفضلون حضور وكلاء الخصومة من المحامين للترافع أمامهم على حضور ذوي الخصومات. واذا كان تبني هذا الاتجاه قد يؤدي إلى زيادة الأعباء المادية على الخصوم ويجعل العدل سلعة غالية المنال ويوضع العقبات المادية امام الطريق الموصل اليه كما زعم البعض(16)، فان القواعد القانونية المحددة للحد الأعلى للأتعاب والمنصوص عليها في القوانين المقارنة(17) هي الكفيلة بالقضاء على ظاهرة المغالاة في أتعاب وكلاء الخصومة التي من المتوقع ظهورها في حالة حصر نطاق الترافع بالمحامين. ان الفكرة التي ننادي بتطبيقها و المتمثلة بحصر نطاق الحضور إلى المرافعة بالمحامين دون الخصوم ليست مطلقة ، اذ يمكن السماح للخصوم حضور المرافعة لمباشرة خصومتهم بأنفسهم في دعاوى الأحوال الشخصية لتميز هذه الدعاوى بالبساطة والوضوح ولكن بشرط إلزام صاحب الخصومة بالتقيد بالأصول السليمة للمرافعة واحترام وقت المحكمة وعدم قيامه بما يؤدي إلى أرباك عمل المحكمة ، وإذا ما صدر منه ما يخل بهذا الشرط جاز للمحكمة رفض حضوره وتكليفه بتوكيل من ينوب عنه من وكلاء الخصومة وذلك بقرار مسبب يصدر عن المحكمة ، وفي حالة عدم امتثاله لقرار المحكمة فان من حق المحكمة ان تجري المرافعة حضوريا بحقه ، وبمعنى آخر تعطي المحكمة المدنية سلطة تقديرية فيما يتعلق بحضور الخصم بذاته إلى المرافعة لمباشرة خصومته بنفسه من عدمه وذلك في دعاوى الأحوال الشخصية حصرا ابتداءً وفي أثناء المرافعة إلى أن يخرج النزاع من ولايتها. لهذا ندعو المشرع العراقي إلى تبني هذا الموقف وتعديل نص الفقرة (أولاً) من المادة (51) من قانون المرافعات المدنية بما ينسجم مع هذا الرأي.
_______________________
– وكذلك أجاز القانون اليمني الوكالة بالخصومة وذلك في المادة (87 ) من قانون المرافعات
والتنفيذ اليمني.
2- لاحظ المادة ( 41 ) والفقرة (الأولى) من المادة ( 58 ) من قانون المحاماة المصري.
3- كذلك الحال بالنسبة إلى القانون اللبناني اذ قيد حضور الخصوم في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها عن (300000) ليرة أو غير محددة القيمة وحصر حق الحضور بالمحامين فقط راجع المادة ( 378 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني.
4- راجع البند ( ا ) من الفقرة (أولاً) من المادة ( 41 ) من قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني والمادة (13) من قانون المحاكم الصلح الأردني اذ اجازت المادة الأخيرة التوكيل في الخصومة لازواج او احد أصول او فروع الخصوم بعد الحصول على موافقة واذن قاضي الصلح وذلك في الدعاوي الصلحية .
5- راجع البند (ب) من الفقرة اولا من المادة (41 ) من قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني.
6- راجع الفقرة (ثالثاً) من المادة ( 41 ) من قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني.
7- راجع المادة ( 414 ) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي .
(8) Gerard Gauchez et Jaen –pierre Lanplade et Daniel le beau ،procedure civile، Dalloz ، 1998 .P 111.
9- راجع المادة ( 828 ) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي.
0- راجع المادة ( 853 ) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي .
1- راجع المادة ( 884 ) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي .
2- جليل الساعدي، كفالة حق الدفاع أثناء نظر الدعوى المدنية ، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية القانون والسياسة جامعة بغداد، 1993، ص93 .
3- المصدر السابق، ص97 .
4- لاحظ قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم 669 الخاص بالسقوف الزمنية لحسم الدعاوى والمنشور في الوقائع العراقية العدد 3165 في 31/8/1987 وتعليمات السقوف الزمنية الخاصة بحسم الدعاوى في المحاكم والمرقمة 4 لسنة 1987 والمنشورة في جريدة الوقائع العراقية العدد 3181 في 21/12/1987 .
5- بتاريخ 1/12/2003 أجرى الباحث استبياناً حول هذا الموضوع ووزعه على قضاة محكمتي استئناف نينوى والتأميم وكان من نتائج الاستبيان ان 95% من القضاة يفضلون حضور المحامين للترافع أمامهم في الدعاوى المدنية على حضور الخصوم بالذات .
6- جليل الساعدي ، مصدر سابق ، ص93 .
7- انظر الفقرة (أولاً) من المادة ( 56 ) من قانون المحاماة العرقي و الفقرة اولا من المادة ( 46 ) من قانون نقابة المحامين النظامين الأردني والفقرة (ثالثاً) من المادة ( 82 ) من قانون المحاماة المصري أما في فرنسا فهناك مرسوم خاص بتحديد أتعاب المحاماة للمزيد راجع:
Ro Ger Perrot ، Institutions Judiciaires ، edition ، Paris II ، 1999 ، P 346 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً