بحث نظرية الأشغال العمومية في القانون الإداري
لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
1 – تمهيد:
من نتائج اعتراف القانون للدولة وللأشخاص الإدارية الأخرى بالشخصية المعنوية أن يصبح لها ذمة مالية بمعنى أنه في وسعها أن تكون دائنة ومدينة فتتعاقد مع الأفراد أو مع بعضها ويترتب على مثل هذه العقود آثارها الطبيعية ومن بينها عقود شراء العقارات اللازمة لها.
كما أنه من نتائج اعتراف القانون الإداري للشخص الإداري أي الدولة والأشخاص الإدارية الأخرى بالسلطة العامة La puissance publique أن خول لها حق نزع ملكية عقارات الأفراد للمنفعة العامة.
إلا أنه في أغلب الأحيان تكون تلك العقارات التي تشتريها الدولة بالرضاء أو تنزع ملكيتها جبرًا عن الأفراد – غير متمشية مع الفرض الذي تنتوي الدولة استعمالها من أجله فيتعين عليها إجراء بعض أشغال travaux على هذه العقارات من تعديل أو إصلاح أو بناء، كما أن المشروعات العامة المنشأة يجب صيانتها.
ولقد خصص القانون الإداري لمثل هذه الأشغال من بناء وتعديل وإصلاح وصيانة نظامًا قانونيًا يختلف عن النظام القانوني المقرر في القانون الخاص كما سمي هذا النظام بنظام الأشغال العمومية.
2 – فكرة التخصيص:
ولكن ما السبب الذي دعا القانون إلى تخصيص الأشغال العمومية بنظام قانوني غير النظام المطبق بين الأفراد ؟ إنها فكرة المصلحة العامة فالمعروف أن للفرد حرية مطلقة في اختيار الطريقة التي تروق له في إجراء أشغال على عقاراته الخاصة فله أن يجريها بنفسه أو بمعرفة مقاول entrepreneur يتعاقد معه بالشروط التي يراها ذلك أنه وحده الذي يتحمل التكاليف المالية لنتيجة اختياره وتقديره – أما الشخص العام إذا أجرى مثل هذه الأشغال بشروط مجحفة فإن مجموع الممولين هم الذين يستحملون نتيجة هذا الإجحاف وقد يكون كبيرًا بصدد أشغال عمومية واسعة النطاق لأجل هذا ألزم القانون الإداري الشخص العام أساسًا باتباع طريقة معينة هي طريقة المزاد L’adjudication الذي هو اختياري للأفراد، وفي هذا أول اختلاف بين القانون الإداري والقانون الخاص.
كما أن ضمان حسن تنفيذ تلك الأشغال التي قد تكون أشغالاً في غاية كبيرة من الأهمية كبناء كوبري يقتضي أن يخول القانون الإداري للشخص العام سلطة الرقابة والإشراف على المقاول الذي يباشر تلك الأشغال التي قد تمكنه من إلزام المقاول بإجراء أعمال لا تدخل في قائمة الشروط وفي هذا اختلاف أيضًا مع القانون المدني الذي لا يعترف بذلك في إعلانات الأفراد ويكفي لتبرير ذلك أن نتصور النتيجة الصارخة لتهدم كوبري بعد بنائه بسبب سوء تنفيذ الأشغال العمومية.
وأخيرًا فإن المشروع العام إذا ما تم إنشاؤه لا يمكن للملاك المجاورين له أن يطالبوا بهدمه إذا ما أوجد ضررًا لهم بسبب عيوب في إنشائه وكل ما لهم أن يطلبوا تعويضًا عما لحقهم من ضرر تقدره المحاكم على أسس تخالف الأسس المقررة في القانون المدني.
3 – تعريف:
يخلص مما تقدم أنه يتعين علينا أن نعرف ما هي الأشغال العمومية Les travaux publics حتى يكون هناك مجال لتطبيق هذا النظام القانوني الخاص المستمد من القانون العام دون القانون الخاص.
ويمكن تعريف الأشغال العمومية بأنها تملك الأشغال التي تجري لصالح الأشخاص الإدارية العامة بصدد بناء أو تعديل أو إصلاح أو صيانة مال عقاري في سبيل المصلحة العامة.
ويقصد بالأشخاص الإدارية العامة تلك الأشخاص المتمتعة بالشخصية المعنوية وهي الدولة والمديريات والمدن والقرى والمؤسسات العامة فيخرج من ذلك الأشغال التي تجري لصالح الهيئات الخاصة ولو كانت في سبيل المصلحة العامة
ولا يهم ما إذا كانت تلك الأعمال تجري لصالح الشخص العام مباشرةً أو لصالحه بطريق غير مباشر بسبب تدخل أفراد مثل الملتزمين أو المقاولين الذين يعملون لصالح الشخص العام ويخضعون لإشرافه ورقابته ويجب أن تكون تلك الأشغال واقعة على عقار سواء لبنائه أو تعديله أو إصلاحه أو صيانته أما إذا كانت بصدد منقول كما إذا أرادت الإدارة صنع أشياء منقولة فالعقد الذي تبرمه مع الغير يسمى بعقد التوريد أو مقاولة التوريد marché de fournitures الذي يخضع لنظام قانوني خاص يختلف عن عقد التوريد في القانون الخاص وإن كان يشابه الأشغال العمومية من بعض نواحيه، ومثال الأشغال العمومية الواقعة على عقار بناء كوبري، رصف شارع أو طريق، بناء مستشفى أو مدرسة، صيانة قناطر، تقوية خزانات مياه إلخ…
إلا أنه يجب أخيرًا أن تكون هذه الأشغال لتحقيق المصلحة العامة لا مصلحة مالية فحسب ولعل في اشتراط وجوب المصلحة العامة تبريرًا كافيًا لتلك السلطات الاستثنائية المخولة للإدارة في هذا النظام.
وفكرة المصلحة العامة كافية وحدها بالانضمام إلى الركنين السابقين لتحقيق الأشغال العمومية دون اشتراط أن تكون هذه الأشغال لعقارات الدومين العام فيمكن إجراء أشغال تعتبر عمومية على عقارات الدومين الخاص للشخص الإداري العام كما لا يشترط أن تكون هذه الأشغال بصدد مرفق عام service public فيمكن إجراء أشغال تعتبر عمومية على عقارات مرافق لا تمت إلى العمومية بصلة كإنشاء أو إصلاح دور العبادة وهي ليست من المرافق العامة.
4 – وسائل تنفيذ الأشغال العمومية:
ووسائل إجراء الأشغال العمومية ثلاثة هي الريجي La régie والالتزام أو الامتياز La concession والمقاولة Marché des travaux publics وتلجأ الدولة إلى الوسيلة الأولى في حالات نادرة إذ ليس لديها المواد الأولية اللازمة كما تنقصها القدرة الكائنة لإدارة مثل هذه الأشغال، أما وسيلة الالتزام فتستعمل في الأشغال التي يصحبها استغلال للمشروع العام entreprise publique استغلالاً قد يتعرض فيه الملتزم لمخاطر مالية أما طريقة المقاولة فهي أكثرها شيوعًا، وكي تتمكن الإدارة من مباشرة الأشغال العمومية في نظام الريجي وكي تمارس حقها في الرقابة والإشراف على تلك الأشغال التي يجريها الملتزم أو المقاول يجب أن يكون لديها هيئة من الفنيين هم المهندسون.
5 – الريجي:
وهي وسيلة تلجأ إليها الإدارة في حالات نادرة كحالة عدم العثور على مقاول لأداء الأشغال العمومية أو حالة عجز المقاول عن تنفيذ التزاماته أو في حالات الاستعجال التي لا تسمح بإجراء مزاد أو حالة الأشغال العامة التي لا يعرف بداية تكاليفها المالية على وجه التحديد، كما تلجأ إليها الإدارة في أشغال صيانة العقارات وعلى العموم المرافق التي تحتاج دائمًا لأشغال عمومية، وطريقة تنفيذ هذه الوسيلة بمعرفة عمال الإدارة نفسها الذين تستأجرهم لهذا الغرض وبواسطة المواد التي تشتريها لهذه الأشغال.
6 – الالتزام:
وهو عبارة عن أن الملتزم يباشر الأشغال العمومية فيستأجر العمال ويشتري المواد الأولية إلا أنه لا يتقاضى مبلغًا معينًا من الإدارة نظير ذلك كما في حالة المقاولة وإنما يحصل على ثمار عمله ورأسماله وتنظيمه من المنتفعين بالمشروع العام أي المستعملين للمرفق العام الذي أنشأ مشروعه وأداره بمعنى أنه يستغل المشروع لمدة معينة من الزمن وهذا النظام يحتوي في نفس الوقت التزامًا لمرفق عام إذ أن الملتزم يأخذ على عاتقه إنشاء المشروع العام وإدارة المرفق العام كما في التزام شركة ترام القاهرة.
7 – المقاولة:
والمقاولة اتفاق بين الشخص الإداري والمقاول يلتزم الثاني بموجبه بإجراء أشغال معينة نظير مبلغ معين، وهذه الوسيلة تستعمل عادةً لتنفيذ الأشغال العمومية الهامة مثل بناء مستشفى أو مدرسة، والمقاولة عقد إداري يحتوي على كافة أركان العقد إلا أنها ليست من عقود القانون الخاص وإنما هي عقد من عقود القانون العام تتميز بأحكام خاصة في طريقة إبرامها وفي الآثار المترتبة عليها.
8 – خاتمة:
هذه نظرة سريعة حول نظرية الأشغال العمومية في القانون الإداري من حيث فكرتها وتعريفها ووسائل تنفيذها وسنبحث في الأعداد القادمة – إن شاء الله – عقدي الالتزام والمقاولة باعتبارهما من العقود الإدارية contrats administratifs وكذا مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناشئة من إجراء الأشغال العمومية والله ولي التوفيق.
اترك تعليقاً