دراسة وبحث قانوني عن تقسيم الجرائم وفق طبيعتها في القانون الجزائري
بالإضافة إلى تقسيم الجرائم بحسب جسامتها وخطورتها، فتعد الجرائم من حيث طبيعتها عنصرا مهما في تحديد الصبغة التي تتميز بها هذه الجرائم:
حيث انه من السهل التعرف على جرائم القانون العام أو الجرائم العادية في تحديد طبيعتها لأنها جرائم تقع على الأشخاص وأموالهم ويعتبر مرتكبها مجرد أشرار، بينما هناك جرائم ذات الصبغة السياسية عسكرية تحتاج إلى تعريف لأن في الغالب مرتكبيها ينتمون إلى الطبقة المتقدمة أو الارستقراطية، وفي النهاية القرن العشرين ظهر نوع آخر من الجرائم وهي الجرائم الإرهابية وعليه تعد كل من الجرائم السياسية والعسكرية والإرهابية من الجرائم التي تهدد كيان المجتمع ككل فلهذا إن دراسة هذا التقسيم تتطلب التعرف على هذه الجرائم وتوضيح الفرق بين طبيعة كل جريمة:
الفرع الأول: الجرائم السياسية والجرائم العادية والفرق بينهما.
سنتناول في هذا الفرع تحديد مفهوم الجرائم السياسية أو الجرائم ذات الطبيعة السياسية وفي هذا النطاق تنازع الفقهاء بين مذهبين مذهب موضوعي ومذهب شخصي.
أ- المذهب الموضوعي:
فأنصار هذا المذهب عرفوا الجريمة على أنها:« اعتداء على مصلحة يحميها القانون بجزاء عندما تكون المصلحة المعتدي عليها ذات طبيعة سياسية»(1)
وبمعنى أن كل الأفعال التي يقصد منها الاعتداء العدواني على التنظيم السياسي للدولة وما فيها من مصالح سياسية مثلا جرائم الاعتداء على امن الدولة ومؤامرات التمرد، أو الاعتداء على حقوق الأفراد السياسية كحق الانتخاب وبالتالي تعتبر طبيعة الحق المعتدي عليه هو تحديد للجريمة سواء كانت سياسية أو عادية أو غيرها.
ب- المذهب الشخصي:
أساس رأي هذا الاتجاه على الغاية أو الباعث الذي يدفع الشخص لارتكاب الجريمة، بحيث إذا كان الباعث لارتكاب الجريمة أو الغرض من تنفيذها ذو طبيعة سياسية في هذه الحالة يكون تحديد الباعث أو الدافع سياسي ومسألة التحديد في غاية الدقة مثلا قد يكون الباعث من اجل تحقيق غاية سياسية كإزالة حاكم متعسف في استعمال السلطة مستبد في حكمه وفي هذه الحالة قد تكون الغاية من أجل انقاد البلد من ظلم الحاكم أو لتحقيق نظام سياسي جديد، في نظر الفاعل قد يتضمن الاستقرار والعدل وبالتالي تكون الغاية من اجل مصلحة المجتمع والوطن، بغض النظر عن مصلحة الفاعل الشخصية.
فكان من معتنقي المذهب الموضوعي للجريمة القضاء الفرنسي، بحيث قضت محكمة النقض الفرنسية على أن كل الجرائم التي تمس بالمصلحة الخاصة أو بحياة شخص أو بسلامته الجسدية وكذلك أعمال التخريب والهدم المادي تعد جرائم من القانون العام حتى وإن كان دافعها سياسي، وقد صدر هذا القرار في قضية متعلقة بالضرب والجرح العمدي ومخالف التشريع الخاص بالأسلحة(1)
أما المشرع الجزائري لم يعطي تعريف محدد للجريمة السياسية ولكن يبدو أنه أخد بالمذهب الموضوعي وذلك من خلال ما ورد في أقسام قانون العقوبات في الفصل الأول من الباب الأول من كتاب الثالث تحت عنوان ( الجنايات والجنح ضد أمن الدولة) جرائم الخيانة والتجسس، جرائم التعدي الأخرى على الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني، الاعتداءات والمؤامرات والجرائم الأخرى ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن وجنايات التقتيل والتخريب المخلة بالدولة والجنايات المساهمة في حركات التمرد وإضافة إلى ذلك الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريب التي ظهرت مؤخرا فكل هذه الجرائم تدخل ضمن نظام مفهوم الجريمة السياسية.
– وبالتمييز بين الجرائم السياسية والجرائم العادية.
– من حيث العقوبــة في جنايات الجرائم العــادية تطبق عقوبـة الإعدام، السجن المؤبد أو المؤقت.
أما الجرائم السياسية تطبق عقوبة الحبس المؤبد أو الحبس الجنائي المؤقت ويستبعد المشرع عقوبة الإعدام بحيث أن المجرمين السياسيين لا يعدمون بل يتم نفيهم.
– لا يجوز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه في الجرائم السياسية نص المادة 600 ف1.
– لا يجوز تطبيق إجراء التلبس في الجنح ذات طبيعة سياسية أو جنح الصحافة وفقا لنص المادة 59 قانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004) ق4 ق إ ج
– يمنع تسليم المجرمين السياسيين المتواطئين في جريمة أو جنحة ذات صبغة سياسية أو إذا تبين من الظروف التسليم مطلوب لغرض سياسي نص المادة 698 ق2 ق.ج.
– من حيث الاختصاص
تخضع الجرائم السياسية لقواعد خاصة وغالبا تختص المحاكم العسكرية بالنظر في الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة والجدير بالإشارة أنه قبل تعديل 1989 كانت الجرائم ضد أمن الدولة من اختصاصا مجلس أمن الدولة:
الفرع الثاني: الجرائم العسكرية واهم ما يميزها.
هي الجرائم المخالفة لقواعد ونظام العسكري الذي يفرضها قانون القضاء العسكري على الأشخاص الخاضعين له، ويحدد هذا القانون نوع الجرائم ذات الصيغة العسكرية والعقوبات المقررة لها ويحدد الأشخاص الذين تطبق عليهم وفي الغالب الأعباء تطبق العقوبات التأديبية على مرتكبي الجرائم العسكرية بصفتهم ينتمون إلى هيئة من الهيئات العسكرية وهذه الجرائم هي الإخلال بالواجبات العسكرية مما يترتب عنها عقوبة تأديبية مثل عصيان الأوامر الفرار داخـل أو خارج البلاد، تحريض على الفرار، أو الجرائم المخلة بالشرف والواجب العسكري مثل الاستسلام- الخيانة – التجسس – والمؤامرات العسكرية – ومخالفة التعليمات العسكرية.
وأهم ما يميز الجرائم العسكرية عن الجرائم العادية.
هو أن مصدرها قانون خاص وهو قانون القضاء العسكري وتختص المحاكم العسكرية في النظر إلى الجرائم العسكرية كما ينظم قانون القضاء العسكري إجراءات تطبيق على العسكريين والشبه العسكريين والمنتمين للهيئات العسكرية.
من حيث العقوبات: فن العقوبات المقررة على الجرائم العسكرية فهي عقوبات تأديبية رادعة بحيث قد تتمثل في فصل الفاعل من الجيش أو حرمانه من الرتبة أو فقدان الرتبة وبعقوبة العزل.
إلا أن هناك جرائم عادية كالسرقة وأعمال العنف تخضع لقانون العام إذا كـان مرتكبها عسكري أو شبه عسكري وترتكب خارج الهيئات العسكرية أو الثكنات.
الفرع الثالث: جرائم إرهابية أو تخريبية وأهم ما يضرها.
بالإضافة إلى الجرائم السياسية والعسكرية ظهرت الجرائم الإرهابية والتي نص عليها المشرع الجزائري في الجزء الثاني من أقسام قانون العقوبات الكتاب الثالث الباب الأول الفصل الأول، القسم الرابع مكرر، والذي حرفه المشرع من خلال نص المادة 87 مكرر الأمر رقم 95-11 المؤرخ في 250 فبراير 1995 على أنه ( كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية والاستقرار المؤسسات) وسيرها العادي، ويكون ذلك الفعـــل غرضه ترعيب السكان أو الاعتداء على السلامة المعنوية أو الجسدية وزعزعة الأمن أو عرقلـة حركة وحريات التنقل أو عمل السلطات العمومية أو عرقلة سير المؤسسات وكل الاعتداءات التي تهز أمن واستقرار العام) تأخذ صبغة الجريمة الإرهابيـة أو التخريبيـة. وأيضـا كل نشاط أو انخراط في جمعيـة أو منظمة يكون فيها جزائري ويشتبه بها كمنظمة إرهابية مهما كان شكلها أو تسميتها وفقا لنص المادة 87 مكرر 6 ق ع.
واهم ما يميز الجرائم الإرهابية عن الجرائم العادية العقوبات المقررة لها وهي عقوبات أصلية مستردة.
– الإعدام بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤبد.
– السجن المؤبد بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤقت.
– السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 بدلا من العقوبة المنصوص عليها في القانون بالسجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات.
كما يخضع المجرم لعقوبات تبعية كالحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية وفقا لنص المادة 87 مكرر 9 ق ع.
أما من حيث الاختصاص والإجراءات:
تختص المحاكم العسكرية ومحاكم القانون العام النظر في الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية
فعندما يتعلق الأمر بهذا النوع من الجرائم. يجوز تفتيش المنازل حتى في غياب صاحبه وفي أي وقت يأمر به قاضي التحقيق ضابط الشرطة القضائية للقيام بهذه المهمة كما يجوز له القيام بهذه المهمة بنفسه
– ويجوز تمديد أجال توقيف النظر إلى 5 مرات وفقا لنص المادة 51 ( قانون رقم 06-23 المؤرخ في ديسمبر 2006) ق.9 ق.إ.ج.
– بينما في الجرائم العادية لا يجوز أن تتجاوز مدة التوقيف 48 ساعة.
– وتعتبر محكمة الجنايات الجهة القضائية المختصة بالفصل في الأفعال الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية المحالة ليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام نص المادة 248 الأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فبراير 1995)
– كما تختص في الحكم جزائيا على الأشخاص البالغين والقصر اللذين اكتمل سنهم 16 سنة والمحالين إليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام نص المادة 249 الأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فبراير 1995.
– ومن حيث التقادم:
لا تنقضي الدعــوى العموميـة أبـدا في الجرائـم الجنايات والجنح الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية وبتلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية كما لا تتقادم الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن هذه الأفعال وفقا لنص المادة 8 مكرر القانون 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004
اترك تعليقاً