دراسة وبحث قانوني هام عن التعويــض عن الطـــلاق التعــسفي بين الشريعة الإسلامــية والقانون العراقــي
المــقدمـــــة
لما كانت الاسرة هي النواة الرئيسية في بناء مختلف المجتمعات وإذا كانت هذه الأسرة (النواة) قوية ومتراصة وأفرادها متفاهمون يكون المجتمع قوياً ورصيناً ومتماسكاً ولما كان للعلاقة الزوجية أهمية كبيرة في بناء الأسرة وبالتالي المجتمع فقد اهتمت المجتمعات وعلى مر العصور بالأسرة ورعايتها والعمل على ضمان استقرارها وديمومتها ولما كانت الأسرة تتكون وتنشأ عن طريق التزاوج بين الرجل والمرأة فيعتبر الزواج هو الخطوة الأولى الأساسية في طريق هذا التكوين الذي ينتج عنه السكن والمودة والرحمة لقوله سبحانه وتعالى في سورة الروم الاية (21) ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)).
ومن أهداف ومقاصد الزواج أعفاف الزوجين وضبط شرفهما وصيانة المجتمع من فوضى اختلاط الأنساب وحفظ النسل من خلال الإنجاب وهذه العلاقة الزوجية يظلها الله سبحانه وتعالى ويحكمها الضمير والوجدان .
لكن قد يحدث أثناء الحياة الزوجية أن تحل الجفوة محل المودة والمحبة مما يجعل الحياة الزوجية مصدر للشقاء والخصام ويكون لها مخالفات لذلك وحماية للمجتمع والأسرة فقد شرع المشرع الحكيم الطلاق والفراق للتخلص من زوجية لا جدوى في بقائها وزوالها أهون من استمرارها لقوله عز وجل ((وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً)) (1). وتشريع الخالق للطلاق فيه ضرورة توجيها الحياة الزوجية إذا لم يستقم أمرها وتأكد الزوجان ومن حولهما انه لا سبيل لاستمرارها على الوجه الصحيح.
والطلاق لغة هو حل القيد والإطلاق, وهو اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام بمعنى التسليم والسراح بمعنى التسريح, أو هو رفع الوثاق(2), أما شرعاً فهو رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص صريحاً أو كفاية أو إشارة (3). وهذا يعني انه يرفع قيد الزواج الصحيح في حال أو مال ويمنع استمراره ولا تحل المطلقة لزوجها إذا انتهت عدة الطلاق دون رجعة إلا بعقد ومهر جديدين ما لم يكن الطلاق مكملاً للثلاث فلا تجوز الرجعة فيه إلا بعد نكاح الزوجة من زوج أخر ويتفرق عنها بالطلاق أو الموت.
و ورد في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 في المادة 34 منه على أن ((الطلاق هو رفع قيد الزواج بإيقاع من الزواج أو من الزوجة إذا وكلت به وفوضت أو من القاضي)).
وقد وردت مشروعية الطلاق بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وإجماع فقهاء المسلمين مع الاختلاف في إباحته أو تقييده حيث جاء في كتاب الله العزيز ((وان عزموا الطلاق فأن الله سميع عليم)) (4) وقوله ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ…)) (5) وقوله ((الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)(6) وقوله ((يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم)) (7) وقوله ((يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً)) (Cool .وقوله ((للمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين)) (9) .
و مما جاء في السنة النبوية الشريفة التي تضفي المشروعية على الطلاق في حالات التي يصبح فيها ضرورة قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ابغض الحلال عند الله الطلاق))(10). وروى انه صلى الله عليه وسلم طلق زوجته حفصة بنت عمر (رض) ثم أتاه جبريل عليه السلام فقال له راجع حفصة فأنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة(11) كذلك فأن الرسول صلى الله عليه وسلم اقر لأصحابه تطليقهم زوجاتهم(12). وقوله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله كل ذواق مطلاق)) وقوله أيضاً ((لا تتطلقوا النساء إلا من ريبة فأن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات)).
وقد اجمع الأئمة والفقهاء المسلمين وفي العصور مختلفة منذ نشؤء الدولة الإسلامية انه للرجل حق تطليق زوجته إذا كان لديه سبب يصح شرعاً لإيقاع الطلاق من أجل الخلاص من الحياة الزوجية التي لا مناص من إنهائها بسبب الشقاق والخلاف وعدم المروة وسوء العشرة وتنافر الطباع وغيرها من الأسباب التي تعكر صفو وسمو الحياة الزوجية. بيد إن هذا الإجماع على منح الرجل حق إيقاع الطلاق على زوجته ليس مطلقاً دون ضوابط أو شروط لان هذا الحق يقيد بالضرورة القصوى والحاجة الملحة التي يكون فيها الطلاق خير من استمرار الحياة الزوجية وتبعاً لهذا فأن الزوج الذي يطلق زوجته دون ضرورة قصوى أو حاجة ملحة فأنه يكون قد وقع في فعل محظور ويكون قد تعسف أو أساء استعمال الحق الذي منحه له الله عز وجل نتيجة تسببه بالأضرار المادية والمعنوية للزوجة إذا لم تكن لديه مصلحة جدية ينبغي حمايتها بواسطة الطلاق وعندما يعتبر الزوج متعسفاً في إيقاع الطلاق فأنه يتحمل الآثار المترتبة على هذا التعسف ومن الآثار المترتبة عليه هو التعويض المالي للزوجة عن الضرر المادي والأدبي الذي أصابها بسبب ذلك الطلاق ويطلق تعبير (المتعة) على التعويض في الفقه الشريعة الإسلامية وان المتعة أو التعويض تستحقه الزوجة المطلقة تعسفاً وهو لا يتعارض أو ينقص من الحقوق الأخرى التي تستحقها مثل مؤخر الصداق أو نفقة العدة لان ذلك من مستحقات الزوجة المطلقة أيضاً بعد تطليقها.
وفي قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959 أخذ المشرع بفكرة الطلاق التعسفي والتعويض عنه وهذا النهج يقارب النهج الذي سارت عليه القوانين العربية الأخرى كالقانون المصري والسوري والأردني والتونسي ومشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد, فقد مضت م 39/3 من قانون الأحوال الشخصية العراقي على انه ((إذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة إن الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المالية ودرجة تعسفه يقدر جملة على أن لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقه الثابتة الأخرى)) (13).
وتأسيساً على ما ذكرناه علاه يأتي اختيارنا لموضوع البحث الموسوم ((التعويض عن الطلاق التعسفي بين الشريعة الإسلامية والقانون العراقي)) وهذا البحث في ضوء أحكام المادة (39/3) من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ ولما له أهمية من الناحية الاجتماعية والتطبيقات القضائية وحداثة التعديل وقلة المصادر بهذا الموضوع وفضلاً عن علاقته بنظرية إساءة استعمال الحق والتعويض عنه بجبر الضرر الذي يصيب الزوجة المطلقة وكيفية المطالبة وأسس تقديره. كل هذه الأمور شجعتني على بحث الموضوع والتقصي ومتابعة الأحكام القضائية ذات العلاقة هادفاً الوصول إلى إزالة بعض الغموض في النص فيما يتعلق بكيفية تقدير التعويض ومتى يعتبر الطلاق تعسفياً وإجراءات دعوى التعويض إذا كانت بصورة مستقلة والمدة اللازمة لأقامتها.
وارتأينا أن تتضمن خطة البحث فصلين تسبقهما مقدمة وتعقبه خاتمة وكالاتي.
المـقدمـــة
الفصل الأول: الطلاق التعسفي
المبحث الأول: إساءة استعمال الحق.
المطلب الأول: إساءة استعمال الحق في الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: إساءة استعمال الحق في القانون العراقي.
المبحث الثاني: هل إن الأصل في الطلاق الإباحة أم الحظر.
المطلب الأول: الأصل في طلاق الإباحة.
المطلب الثاني: الأصل في الطلاق الحظر الدياني.
المطلب الثالث: الأصل أن العلاقة من الحقوق الخاضعة لإشراف القضاء.
المبحث الثالث: فكرة الطلاق التعسفي في القانون العراقي.
المطلب الأول: تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه.
المطلب الثاني: صور الطلاق التعسفي.
الفصل الثاني: التعويض عن الطلاق التعسفي.
المبحث الأول: مشروعية التعويض فقهاً وقانونا.
المطلب الأول: مشروعية التعويض فقها.
المطلب الثاني: الأساس القانوني للتعويض.
المبحث الثاني: شروط استحقاقه التعويض.
المبحث الثالث: إثبات التعسف وكيفية تقدير التعويض.
المطلب الأول: إثبات التعسف ودرجته.
المطلب الثاني: كيفية تقدير التعويض.
الخـــاتـمة
الفصل الأول
الطـــلاق التعـسفـي
إن القول بأن الشريعة الإسلامية تجيز الطلاق لمجرد رغبة الزوج في الخلاص من الزوجة ولا تترتب عليه أية أثار سوى التي حددها الشارع للمطلقة من مؤخر الصداق ونفقة العدة والمتعة بحجة إن الطلاق يعود على المطلق بمنفعة شخصية وهي التخلص من زواج لا يجد فيه مودة ولا رحمة.
أن هذا القول ليس صحيحاً على علاته لا في دين الله ولا في سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حيث أوجهت الشريعة الإسلامية والسنة النبوية معاشرة الأزواج بالحسنى ولم تتساهل في إيقاع الطلاق وان فقهاء المسلمين اجمعوا على تحريم الطلاق دون سبب (14).
وحق الطلاق كسائر الحقوق مقيد بعدم الأضرار بالغير عند استعماله فلا يجوز لصاحب الحق استعمال حقه وقت ما شاء أو بدون حجة أو وجه حق وإذا ما استعمل الحق في غير ذلك فهذا يطلق عليه تعبير ((إساءة استعمال الحق)) أو (التعسف في استعمال الحق) وهذا هو موضوع المبحث الأول من هذا الفصل والمقسم إلى مطلبين خصص الأول لنظرية استعمال الحق في الشريعة الإسلامية والثاني إساءة استعمال الحق في القانون العراقي ثم نتطرق في مبحث الثاني إلى الأصل في الطـلاق هل هو الإباحة أم الحظر وعلى مدى ثلاثة مطالب ثم المبحث الثالث الذي تناولنا فيه بمطلبين مفهوم الطلاق التعسفي فقهاء وقانوناً وشروطه وبعض صوره الشائعة.
المبحث الأول
إسـاءة استعـمال الحـق
لتحديد معنى إساءة استعمال الحق بصورة عامة وإساءة استعمال حق الطلاق بصورة خاصة لا بد لنا من إلقاء نظرة سريعة وموجزة على نظرية استعمال الحق حيث إن كل نظام قانوني بموجبها يعترف بحقوق معينة للأفراد ينبغي عليهم استعمالها في الحدود المرسومة لها فكل حق له حدود يجب عدم تجاوزها عند استعمال ذلك الحق وألا يعد الفرد المتجاوز متعسفاً أو مسيئاً في استعمال حقه.
وقد أخذت القوانين العربية ومنها القانون العراقي حيث تطرق القانون العراقي المدني رقم 40 لـ 1951 في المادتين السادسة والسابعة منه على فكرة التعسف في استعمال الحق وهذه الفكرة أو النظرية من الوسائل التي تستخدمها القوانين ذات الاتجاه الاجتماعي والاشتراكي في مواجهة القوانين ذات الاتجاه الفردي.
المطلب الأول
إساءة استعمال الحق في الشريعة الاسلامية
يطلق فقهاء الشريعة الإسلامية تعبير ((المضارة من استعمال الحق)) على إساءة استعمال الحق, والقاعدة في الفقه الإسلامي تقضي بأن ((الجواز الشرعي ينافي الضمان)) أي إن من يستعمل حقه إنما يستعمل ما أعطته الشريعة وأجازته له وهذا ما يزيل عنه كل تبعة أو ضمان ينشأ نتيجة استعمال الحق ضمن الحدود والأغراض المحددة له.
وقد يحدث أن يتضرر الآخرون من جراء استعمال الحق كأن يكون الاستعمال بنية الأضرار بالآخرين أو تكون المصلحة المراد تحقيقها من استعمال الحق محرمة شرعاً لذلك قيد الفقهاء المسلمون استعمال الحق في مثل هذه الحالات حيث أوجهوا تقييد إذا أسيء استعمالها وخرجت عن الأغراض المقدرة لها فأساس الحقوق مقيد بعدم الإضرار بالآخرين لقوله تعالى ((تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين)) (15).
وخلاصة القول انه فقه الشريعة الإسلامية أعطى مجالاً واسعاً لتطبيق فكرة ونظرية التعسف في استعمال الحق واقر أحكامها فأصبحت لها قواعد ثابتة من خلال بعض المعايير التي ترتكز عليها والمتمثلة في:
أ- قصد الإضرار بالغير وهو معيار شخصي يتوصل إليه القاضي من خلال استخلاص نية مستعمل الحق ويعني انه لا يجوز لأي شخص أن يستعمل حقه متقصداً الإضرار بالآخرين.
ب_ انعدام المنفعة وتتحقق إذا كان استعمال الحق لم يحقق أية منفعة لصاحبه وأحدث ضرراً للآخرين.
ج_ تحقق ضرر عام فإذا ما استعمل صاحب الحق حقه وأحدث ضرراً للعموم فيعتبر مسيئاً لاستعمال حقه وان كان الاستعمال فيه منفعة لصاحبه ويطلق على هذا الفكرة أو المعيار بفكرة ((يتحمل الضرر الخاص بدفع الضرر العام)).
د- تحقق ضرر فاحش: إذا نتج عن استعمال الحق ضرر فاحش أصاب الآخرين فيكون صاحب الحق مسيئاً في استعمال ولو تحققت له بعض المنافع من وراء هذا الاستعمال.
هـ- رجحان كفة الضرر على المنفعة: فإذا تسبب صاحب الحق عند استعماله له بالضرر للغير اكبر من المنفعة التي يرمي إليها يعتبر تعسفاً يجب منعه عنه.
والمعايير الأربعة الأخيرة معايير موضوعية ينظر فيها إلى النتائج التي تنجم عن استعمال الحق وليس إلى نية صاحب الحق كما في المعيار الشخصي.
المطلب الثاني
إساءة استعمال الحق في القانون العراقي
لقد استمد القانون المدني العراقي رقم 40 سنة 1951 المعدل أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق من الفقه الإسلامي وأولادها عناية خاصة فأوردها في الباب التمهيدي كنظرية عامة تطبيق على جميع التصرفات لا كتطبيق للخطأ في المسؤولية التقصيرية (16).
فقد جاء في نص المادة السادسة منه على مبدأ هام هو ((الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن أستعمل حقه استعمالاً جائزاً لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر)).
إلا إن المادة السابعة قيدت هذا المبدأ بوجوب عدم التعسف في استعمال الحق فنصت على ما يلي:-
1. من استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان.
2. ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال التالية:
أ- إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير.
ب- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج- إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة.
فصاحب الحق طالما استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا تترتب عليه أية مسؤولية (17), ويغير ذلك يلزم صاحب الحق الضمان وبعد استعمال الحق غير مشروع في الحالات التالية:
اولاً. قصد الإضرار بالغير: إذا كانت نية الإضرار هي التي دفعت صاحب الحق لاستعماله بحيث يكون الإضرار بالغير هو الهدف الوحيد الذي يرمي إلى تحقيقه وان حصل صاحب الحق على بعض المنافع العرضية فأنه لا يمنع من توفر النية فالمعيار هو معيار شخصي يستخلص من خلال نية وقصد صاحب الحق في الإضرار بالغير ويتمتع قاضي الموضوع بسلطة تقديرية واسعة في استخلاص نية الإضرار بالغير من عدمه.
ثانياً. رجحان الضرر على المصلحة: ويعتبر كذلك صاحب الحق متعسفاً في استعمال الحق إذا كانت المنفعة أو المصلحة التي حصل عليها نتيجة الاستعمال اقل بكثير بحيث لا تتناسب مع الضرر الذي سببه للغير, ولغرض التثبت من ذلك يتطلب إجراء موازنة بين الضرر والفائدة والترجيح بينهم وهذا المعيار موضوعي يستند على الوقائع المعروضة.
ثالثاً. عدم مشروعية المصلحة ويتحقق هذا المعيار إذا كانت المصلحة المراد تحقيقها غير مشروعة وهو أيضاً معيار موضوعي يستند على وقائع الدعوى المعروضة .
وبناء على ما تقدم واعتماداً على فكرة التعسف أو إساءة استعمال الحق اخذ المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 وفي المادة (39/3) منه بفكرة التعسف في استعمال حق الطلاق واعتبر الزوج الذي يطلق زوجته دون سبب متعسفاً في التعامل مع حق الطلاق ويترتب عليه تعويض عن الضرر الذي أصاب مطلقته من جراء ذلك ويتناسب هذا التعويض مع حالة الزوج المالية ودرجة التعسف .
المبحث الثاني
هل إن الأصل في الطلاق الإباحة ام الحظر
اختلف الفقهاء في طبيعة الطلاق وهل الأصل فيه الإباحة أم الحظر فيرى قسم من الفقهاء أن الأصل في الطلاق الإباحة ويرى البعض الأخر أن الأصل فيه الحظر ولا يباح إلا لعذر مشروع ووجود مصلحة تستوجب إيقاعه بينما يرى فريق ثالث إن حق الطلاق هو كما في الحقوق يخضع لإشراف القضاء وتبعا الآراء اختلفوا في مدى استعمال الرجل حق الطلاق وهل هو مقيد أم مطلق وهذا ما سنبحثه في المطالب الثلاثة آلاتية:
المطلب الأول
الأصل في طلاق الإباحة
الإباحة هو ما كان المكلف يخير بين فعل الشيء وتركه, وأصحاب هذا الاتجاه (18) يقولون إن الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق بيد الرجل يوقعه بمليء إرادته وحده وهو حر في استعمال هذا الحق وبأي وقت شاء دون أن ترتب عليه أية مسؤولية ولا يجوز فرض الرقابة عليه فيما يفعل وبالتالي فأن الرجل المطلق وفق هذا الاتجاه لا يلزم بالتعويض طالما انه استعمل حقاً من حقوقه منحه إياه الله عز وجل واستدل أصحاب هذا الاتجاه بالآية الكريمة ((ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ))(19). فقالوا إن نفي لاثم ورفع الجناح دليل على الإباحة لان نفي الجناح معناه نفي الإثم (الذنب) وذلك يقتضي إباحة الطلاق (20).
واستدلوا أيضاً بالآية القرآنية ((يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن عدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم))(21).
ومما جاء عن السنة النبوية المطهرة واستندوا عليه في تأييد أرائهم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما طلق زوجته حفصة بنت عمر (رض) ثم أرجعها. فأقدامه على طلاق حفصة هو دليل إباحة للإطلاق لأنه لا يفعل فعلاً محظوراً.
والقضاء في بعض الدول العربية سار بهذا الاتجاه عندما اعتبر حق الطلاق من الحقوق المطلقة للزوج لا يتحمل فيه أية تبعة أو ضمان فيما لو طلق زوجته ولو بدون سبب لأنه يستعمل حقاً من حقوقه المباحة(22).
المطلب الثاني
الأصل في الطلاق الحظر الدياني
وبحسب هذا الاتجاه إن الأصل في الطلاق الحظر (المنع) وهذا الحظر هو حظر دياني و قضائي فالزوج ابتداءاً يمتلك حق الطلاق ولكنه إذا طلق زوجته دون سبب فأنه يكون آثم ديانه, والقاضي لا يستطيع أن يمنعه من إيقاع أو يتدخل فيه إذ قد يشعر الزوج في قرارة نفسه بعدم الميل لزوجته وهذا جانب نفسي ومتروك لضمير الزوج ووجدانه فالقاضي لا يمتلك أن يتدخل لمعرفة الأسباب حرصاً على سمعة الأسرة وخاصة ما يسمى المطلقة من هتك أسرار لا يجوز التعرض لها ولا يجوز للغير معرفتها والإطلاع عليها, فأن الأصل إذن وفق ما تقدم إن الطلاق محظور ولا يباح إلا لحاجة وهذه الحاجة تختلف نسبياً من زوج لأخر فقد تكون نفسية أو مرضية أو أي دافع أخر لا يستطيع الزوج الاستمرار في الحياة الزوجية وقد تكون هذه الحاجة مما يجب ستره وكتمانه ولا يجوز إعلانه بين الناس أو عرضه أمام أنظار القضاء ويكون موضوع تنازع الخصوم ولذا ما وجدت هذه الحاجة و وقع الطلاق على أساسها فليس صحيحاً فرض التعويض على الزوج المطلق(23).
واستدل أصحاب هذا الاتجاه(24). بكتاب الله العزيز و آياته البينات ومنها قوله تعالى ((فأن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا))(25). وقوله تعالى ((عاشروهن بالمعروف فأن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا))(26).
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت بخصوص عدم التسرع في الطلاق والتروي قبل الإقدام عليه, حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا تطلقوا فأن الله لا يحب الذواقين والذواقات)) و ((لا تطلقوا فأن الطلاق يهتز منه العرش)) و ((ابغض الحلال عند الله الطلاق)).
ولدى تتبع آيات أحكام الطلاق في القرآن الكريم فأنها تدعو إلى الحذر والتروي وعدم التسرع في إيقاع الطلاق وانه اذا وقع دونما حاجة تدعو إليه فهو إما حرام أو مكروه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم توصي بما أوصى به القرآن العظيم وتؤكد على إن الطلاق عمل غير محتسب عند الله وإنها تقيد الطلاق بحالة وجود حاجة داعية إليه فالطلاق دون حاجة أو ضرورة فهو بغي وظلم وعدوان ويكون الطلاق بهذه الصورة كفر أن لنعمة الزواج ونكران لهذا الرباط المقدس وكل كفران محظور, فالطلاق محظور لان نظام الزواج مشرع لمصلحة الفرد والأسرة والمجتمع وبقاء نوع بني الإنسان وفي الطلاق إبطال لهذه المصلحة والإبطال مفسدة والمفسدة أساس كل محظور(27).
المطلب الثالث
الطلاق حق من الحقوق الخاضعة لأشراف القضاء
في هذا الاتجاه إن للرجل حق الطلاق يستعمله في أي وقت بإرادته المنفردة إلا انه يخضع في ذلك لإشراف القضاء فمن استعمل حق الطلاق واعتبره القضاء متعسفاً في إيقاعه وجب عليه التعويض للزوجة المطلقة.
وذهبت بعض القوانين العربية (28) إلى ابعد من ذلك فسلبت من الرجل حق الطلاق وجعلته بيد القضاء بدافع إن المصلحة تقضي بذلك بعد أن أساء أكثر الرجال استعمال هذا الحق.
وبعد أن تناولنا الاتجاهات الثلاثة بشأن طبيعة حق الطلاق حيث كان الرأي الأول ينادي بإباحة الطلاق وبموجبية يتمتع الزوج بإرادة حرة في التطليق فله أن يطلق متى شاء ولأي سبب سواء كان جدياً أو لا فالزوجة تحت رحمة الزوج أن شاء امسكها وان شاء سرحها ولا يلوم بأية تبعة أو ضمان عن فعله, والاتجاه الثاني القائل بالحر الدياني ففيه إرادة الزوج مقيدة بقيود لا تتبع له الطلاق إلا لحاجة ماسة وأوقات خاصة لإيقاعه فان خالف ذلك ففعله حرام أو مكروه كراهة تحريم فهو أثم أمام الله وملام أمام الرأي العام وان صح طلاقه(29). وفيه أيضاً لا يلوم الزوج بأية مسؤولية سوى تحمله الإثم الديني (الذنب) في حالة إيقاع الطلاق دون سبب أو ضرورة ملحة. وفي الاتجاه الثالث الذي يبني على الطلاق محضور إلا لسبب يدعو إليه وإذا وقع في هذه الحالة فأنه الرجل يتحمل تبعة عمله وهو التعويض الذي تستحقه المطلقة لتسببه لها بأضرار نتيجة طلاقها دون سبب(30).
ومن خلال هذه الاتجاهات نؤيد الاتجاه الثالث المقبول لأنه يجعل من الطلاق محظوراً ولا يباح إلا لحاجة ماسة فإذا وقع الطلاق تبعاً لهذه الحاجة لا يلزم الزوج بشيء ولكن إذا وقع الطلاق دون حاجة ماسة أو سبب معقول فالزوج يكون قد وقع في المحظور ويتحمل تبعة عمله بتعويض مطلقته عما أصابها من ضرر وهذا التعويض مبني على أساس إساءة استعمال حق الطلاق حتى يجبر خاطر الزوجة عن ألم الحزن والفراق الذي سببه لها الطلاق بالإضافة إلى ما يصيبها من سمعة اجتماعية سيئة ونظرة مزرية وكذلك ما يترتب على الطلاق من سوء الحالة النفسية خصوصاً إذا كان الطلاق دون سبب.
المبحث الثالث
فكرة الطلاق التعسفي في القانون العراقي
من المعلوم إن القانون العراقي استمد أحكامه من الشريعة الإسلامية الغراء ولما كانت الشريعة الإسلامية لم تجز الطلاق لمجرد رغبة الزوج في الخلاص من الزوجية وأنها أوجبت معاشرة الأزواج بالحسنى وعدم التساهل في أمور الطلاق من الزواج دون حاجة ملحة أو ضرورة أو دون سبب أو سوء تصرف من جانب الزوجة فأنه يكون إثما ديانة ويترتب في ذمته حق الزوجة وهو تعويضها مالياً(31). لجبر خاطرها عن الحزن والأسى الناجم عن الطلاق إضافة لحقوقها الشرعية الأخرى الثابتة حيث إن التعويض المالي أو ما يسمى بالمتعة في الفقه الإسلامي لا يعطل استحقاقه المطلقة لحقوقها الأخرى المترتبة عن عقد الزواج(32). كنفقة العدة ومؤجل الصداق وحق السكن في دار الزوجية(33).
لذا فسنتناول تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه وصوره المستمدة من التطبيقات القضائية في فصلين خصص الأول منهما لتحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه والثاني خصص للكلام عن بعض صور الطلاق التعسفي المستنبطة من التطبيقات القضائية في محاكم الأحوال الشخصية.
المطلب الأول
تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه
رأينا في الصفحات السابقة إن المفهوم الفقهي ((الشرعي)) للطلاق بصورة عامة هو رفع قيد الزواج في الحال أو المال بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه. فيحرم الزوج المطلق التمتع بزوجته إذا كان الطلاق يائنا حين يترتب على الطلاق البائن(34), حل عقده النكاح في الحال, أما إذا كان الطلاق رجعياً فيترتب عليه حل عقده النكاح في المال حيث يجوز للزوج مراجعة زوجته أثناء فترة العدة الشرعية سواء كان الرجوع برضى الزوجة أو بدونه ولكن إذا انتهت العدة دون مراجعة من الزوج لزوجته فالطلاق الرجعي ينقلب إلى طلاق بائن بينونة صغرى ما لم يكن مكملاً للثلاث فيكون بائناً بينونة كبرى.
أما الطلاق التعسفي فهو طلاق الذي يقع من الزوج بالمفهوم العام للطلاق ولكن إيقاعه دون سبب معقول يبرر وبدون سوء تصرف من الزوجة وبدون طلبها أو رضاها وإنما يقع لمجرد قصد الإضرار بالزوجة وهنا يعتبر الزوج متعسفاً في استعمال حق الطلاق ويتحمل النتائج المترتبة عليه شرعاً وقانوناً.
واغلب قوانين الدول العربية تكاد تخلو نصوصها من وضع تعريف للطلاق التعسفي ولكنها أوردت بعض المعايير والأسس التي تقوم عليها ونصت في ثنايا موادها القانونية على شروط تحققه وكيفية تقدير التعويض عنه في حالة ثبوت تعسف الزوج.
وقانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959 المعدل اخذ بفكرة التعسف في استعمال حق الطلاق وذلك في القانون رقم 51 لسنة 1985 قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية حيث جاء في الأسباب الموجبة لتشريعه انه حماية للزوجة المطلقة من تعسف زوجها في إيقاع الطلاق لما يلحق بهم من ضرر ينجم عن هذا الطلاق دون سبب من الزوجة إذ يعد الزوج في هذه الأحوال متعسفاً في استعمال حق الطلاق وهذا التعسف أو الإساءة في استعمال الحق يجيز القضاء التدخل من اجل حماية الزوجة التي أصابها الضرر وتعويضها عن ذلك باعتبار إن حق الطلاق يخضع لأشراف القضاء وقد أورد القانون المذكور حالة التعسف في استعمال حق الطلاق حيث جاء في القانون (39/3) منه ((إذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة أن الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه يقدر جملة على أن لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى)) ويظهر من هذا النص أن المشرع وضع بعض الضوابط والمعايير لتحديد حالة التعسف وحسب سلطة المحكمة التقديرية وما يظهر لها من خلال وقائع الدعوى المنظورة واشترط إصابة الزوجة بالضرر بسبب الطلاق وان يحكمها التعويض بناء على طلب الزوجة المطلقة وقد جاءت التطبيقات القضائية لهذا النص بأنه إذا طلق الزوج زوجته دون سبب منها ودون طلبها وان الزوجة أصيبت بضرر ويعد الزوج متعسفاً في الطلاق وبذلك تستحق الزوجة التعويض عنه.
وأخذت بعض القوانين العربية (35). بهذه الفكرة من حيث التعسف والتعويض ووضعت بعض الأسس والمعايير الدالة على التعسف في استعمال حق الطلاق وتحديد مدى استحقاق المطلقة للتعويض واغلب هذه المعايير متفق عليها بين البلاد العربية التي أخذت بفكرة الطلاق التعسفي مع بعض الاختلافات البسيطة في تحديد مقدار التعويض الذي تستحقه المطلقة وكيفية تقديره وتسديده.
أما مشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد فهو الأخر اخذ بفكرة الطلاق التعسفي حيث نصت م (97/ب) منه على أن ((للمطلقة طلب التعويض إذا تعسف المطلق في استعمال حقه في الطلاق ويقدره القاضي بما لا يزيد على نفقة ثلاث سنين )) وجاء في الفقرة (أ) من المادة ذاتها على انه ((تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلق وحال المطلقة)) .
ومن تدقيق نصوص المواد الوارد ذكرها سابقاً والمتعلقة بالطلاق التعسفي تظهر لنا بعض المعايير التي يمكن الركون إليها لاعتبار الطلاق الواقع تعسفياً من عدمه, وهذه المعايير هي:
1- أن يقع الطلاق من قبل الزوج دون سبب مبرر أو ضرورة.
2- أن لا يكون وقوعه بسبب سوء تصرف الزوجة.
3- أن لا يكون بطلبها أو برضاها.
4- أن تصاب الزوجة (المطلقة) بضرر من جراء هذا الطلاق.
فهذه المعايير إذا ما توفرت جميعها بدعوى الطلاق فأن الزوج يكون متعسفاً في استعمال حق الطلاق.
ويبدو لنا مما تقدم أن القانون العراقي والسوري والأردني جاء نصوصها مطابقة فيكون المطلق متعسفاً في طلاقه إذا توفرت شروطه ومعاييره سواء كان الطلاق قبل الدخول أم بعده وهذا هو مذهب الظاهرية (36) الذين استندوا على عمومية الآية الكريمة ((وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين)) بينما القانون المصري ومشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد نص على حالة طلاق الزوجة المدخول بها فقط يعتبر الطلاق تعسفي أما غير مدخول بها فلا يعتبر مطلقها متعسفاً وان توافرت الشروط اللازمة له.
ونرى إن الاتجاه الذي تبناه القانون العراقي والقوانين العربية المشابهة هو الاتجاه الراجح لأنه قد تصاب الزوجة المطلقة غير المدخول بها بالضرر نفسه الذي تصاب به المطلقة المدخول بها وقد يكون ضرراً مادياً أو أدبيا مؤثر على سمعة وشرف الزوجة التي تطلق قبل الدخول بها دون سبب مقنع مما يؤدي إلى تشويه سمعتها, فالضرر الذي يصيبها لا يختلف عن الضرر الذي يصيب المطلقة المدخول بها بل قد يكون اشد منه في بعض الأحيان.
أما بالنسبة للشروط والمعايير فأن القانون العراقي لم يختلف عن القوانين العربية الأخرى خصوصاً فيما يتعلق بوقوع الطلاق دون سبب أو دون تقصير من الزوجة وان لا يكون بطلبها أو رضاها وان يصيبها ضرر عن جراء الطلاق.
المطلب الثاني
صور الطلاق التعسفي
رأينا فيما سبق غالبية التشريعات العربية ومنها قانون الأحوال الشخصية العراقي اكتفت بذكر المعايير التي يمكن الاستئناس بها لتحديد ما إذا كان الطلاق قد استعمل بتعسف من الزوج أم لا وبناء على ذلك لا يمكن تحديد صور أو حالات الطلاق التعسفي على سبيل الحصر لان في ذلك صعوبة تكمن في اختلاف الأعراف والتقاليد الاجتماعية من مكان لأخر وحتى البلد الواحد ومن زمان لأخر ومن شخص الأخر حيث يختلف مفهوم التعسف في إيقاع الطلاق بالنسبة لشخصين وان كانا يقيمان في المكان ذاته والفترة الزمنية ذاتها بحسب اختلاف النشأة الاجتماعية لكل منهما, لا هناك من الأشخاص يعتبرون مجرد خروج زوجاتهم خارج البيت دون إذنهم أو خروجهن دون حجاب إهانة لهم ولمشاعرهم ومساساً بعقيدتهم الدينية والأخلاقية فيكون ذلك مدعاة إلى إيقاع الطلاق على زوجاتهم ومن وجهة نظرهم انه لم يتعسفوا في إيقاع الطلاق بل كان لابد منه وقد تكون تلك الحالات مثل تلك الحالات بالنسبة لأشخاص آخرين فأنها لا تثير فيهم أي إحساس ولا يعتبرونها مساساً لمشاعرهم وفق نشأتهم الاجتماعية وعاداتهم وأخلاقهم ولا يعتبرون من لديهم سبباً مشروعاً لإيقاع الطلاق وإذا ما وقع الطلاق من هذه الفئة من الأزواج يعتبرون متعسفين في استعمال هذا الطلاق.
وعليه يجب أن نجمل بعض صور الطلاق التعسفي على سبيل المثال لا الحصر من خلال التطبيقات القضائية لنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والثلاثين ومنها:
أولاً. دعاوى تصديق الطلاق الواقع خارج المحكمة:
فعندما يقوم الزوج بإيقاع الطلاق على زوجته خارج المحكمة سواء أمام رجل الدين أو الشهود أو بدونهم وسواء كانت الزوجة حاضرة مجلس الطلاق أم لا, ويقع الطلاق دون موافقة الزوجة وليس بناء على طلبها وتصاب بالضرر المادي أو الأدبي من جرائه, فعندما تقام دعوى أمام محاكم الأحوال الشخصية لتصديق الطلاق من قبل الزوج أو الزوجة فالمحكمة في مثل هذه الحالات تفترض تعسف الزوج في استعمال حق الطلاق ما لم يثبت الزوج أن الطلاق وقع بناء على سبب يبرر إيقاعه فإذا اثبت ذلك السبب للمحكمة واقتنعت به فستنفي عن الزوج حالة التعسف وان اعتبار الطلاق الواقع خارج المحكمة طلاقاً تعسفياً ليس قاعدة عامة فهو وان صح في بعض الحالات(37) فقد لا يصح ذلك في الحالات الأخرى(38) فليس كل الطلاق خارج المحكمة هو طلاق تعسفي فقد يطلق الزوج زوجته خارج المحكمة ولديه من الأسباب ما يكفي لإيقاع الطلاق على زوجته ولكنه يرى إن مصلحة الأطفال وسمعته تقتضي أن لا يطرح الموضوع على القضاء حتى لا تطرح أسباب الطلاق خاصة وان بعض الأسباب تتعلق بالقيم الأخلاقية التي يتوجب كتمانها وعدم الكشف عنها حفاظاً على كرامة الإنسان.
هناك قرار تمييزي (غير منشور) برقم 1051 (شخصية) /19991 في 4/8/1996 جاء مخالفاً لقرار التمييزي المنشور في الفقرة (38) من هامش الصفحة السابقة حيث انه نقض الحكم الصادر من محكمة الأحوال الشخصية في الكرخ المرقم 331/ش/1996 في 28/1/1996 من جهة التعويض عن الطلاق التعسفي لان المحكمة المذكورة لم تحكم بالتعويض للمدعى عليها طبقاً للمادة (39/3) أحوال شخصية وان وقائع الدعوى تبين أن المدعى عليها التي طلبت الطلاق وأقام شاهدين خارج المحكمة وأقيمت الدعوى لتصديق الطلاق بناء على طلب المدعي ويستنتج من هذا القرار انه يجوز الحكم للزوجة بالتعويض عن الطلاق التعسفي حتى إذا كانت هي التي طلبت الطلاق بينما القرار التمييزي السابق المرقم 2426/شخصية /96 في 11/8/1996 لم يجيز الحكم للزوجة بالتعويض عن الطلاق التعسفي إذا كانت قد طلبت الطلاق من زوجها .
ونؤيد اتجاه القرار المرقم 2426 في /شخصية /96 المذكور أعلاه لأنه إذا وقع الطلاق بناء على طلب زوجته فأنها أسقطت حقها بالمطالبة عن التعويض لأنها تكون السبب في الطلاق ولا يكون الزوج متعسفاً في استعمال حق الطلاق.
ثانياً:- إصرار الزوج على الطلاق/-
في هذه الصورة قد يحصل أن يقيم الزوج دعوى الطلاق أمام المحكمة المختصة وعند التحقيق يظهر أن الزوج هو المقصر ولكنه يصر على الطلاق رغم ذلك بواسطة المحكمة خصوصاً إذا كانت الزوجة متمسكة بالرابطة الزوجية(39).
ثالثاً:- مفاجأة الزوج للمحكمة وإيقاعه الطلاق.
يحصل أن تنظر المحكمة في دعوى الطلاق وفي خلال الإجراءات وقبل أن تتم المحكمة تحقيقاتها حول موضوع الدعوى يقوم الزوج بمفاجأة المحكمة ويتلفظ بلفظ الطلاق على زوجته سواء كانت حاضرة المجلس أم لا خصوصاً وان الزوجة ترفض الطلاق أو التفريق(40).
وهنا يظهر التسأول فيما إذا كانت الزوجة مفوضة بتطليق نفسها من زوجها (صاحبة العصمة) أثناء انعقاد الزواج وطلقت نفسها من زوجها دون أسباب لمجرد رغبتها بالخلاص منه والإضرار به وانه لم يوافق على ذلك فهل يمكن تصور التعسف بأستعمال حق الطلاق من جانب الزوجة المفوضة تطليق نفسها؟.
إن نص المادة (39/3) أحوال شخصية قيد حالة التعسف بأستعمال حق الطلاق على الزوج فقط فذكرت ((إذا طلق الزوج زوجته…………)) فالنص تطرق إلى التعسف الصادر من جانب الزوج رغم أن القانون ذاته أعطى للزوجة حق تطليق زوجها إذا كانت مفوضة به موكلة من قبل زوجها(41).
وهناك من يرى(42), وجوب شمول الزوجة أيضاً بالتعسف في استعمال حق الطلاق إذا كانت موكلة به أو مفوضة وأساءت استعماله بتطليق نفسها من زوجها دون سبب أو مصلحة جدية وإنما فقط يقصد الإضرار بالزوج فعليها تحمل التعويض أيضاً لان أساسه استعمال الحق.
ونؤيد اتجاه القانون العراقي بتقييد حالة التعسف على الزوج فقط في استعمال حق الطلاق لأنه وان لم يكن هناك مانع من شمول الزوجة بهذا التعسف بناءاً على إساءة استعمال الحق إذا كان الاستعمال يقصد الإضرار فقط, ولكن قد تكون مصلحة الزوجة في الفراق عن زوجها أجدى أو انفع من استمرار الزواج أي أن المنفعة متوخاة من الفراق اكبر من الضرر خلال الحياة الزوجية بالإضافة إلى أن الزوج عندما يفوض زوجته تطليق نفسها منه متى شاءت يكون على علم بأن زوجته قد تلجأ إلى هذا الحق المكتسب للخلاص منه بناء على ذلك التفويض أو التوكيل ولو بدون موافقة الزوج.
الفصل الثاني
التعويض عن الطلاق التعسفي
عندما يقع الطلاق عموماً تترتب عليه جملة من لأثار القانونية منها نفقة العدة والمهر المؤجل وأجرة الحضانة والرضاعة وحق السكن وبذلك وبالنسبة لوقوع الطلاق التعسفي فينفرد بميزة استحقاق الزوجة المطلقة التعويض المالي إضافة لحقوقها الأخرى الثابتة التي ذكرت أعلاه. وان التعويض عن الطلاق التعسفي هو مدار بحث هذا الفصل وفقاً للفقرة (3) من المادة (39) أحوال شخصية وسنتناول دراسة التعويض المالي من حيث مشروعية فقهاً وقانوناً في المبحث الأول ونتكلم عن شروط استحقاقه في المبحث الثاني أما المبحث الثالث فخصص للكلام عن إثبات التعسف ودرجة وكيفية تقدير التعويض:
المبحث الأول
مشروعية التعويض فقهاً وقانوناً
سنتناول في هذا المبحث مشروعية التعويض (المتعة) في الشريعة الإسلامية ضمن المطلب الأول والأساس القانوني للتعويض ضمن المطلب الثاني.
المطلب الأول
مشروعية التعويض (المتعة) في الشريعة الإسلامية
إن الله سبحانه وتعالى عندما شرع الطلاق حتى يستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزواج إذا تحقق لهما أن استمرار الرابطة بينهما مستحيلاً وان الخلاف قد استفحل بينهما حينئذ يكون الطلاق لابد منه , ولكن قد يقع الطلاق بلا مسببات فيكون الزوج متعسفاً ويلزم بالتعويض (المتعة) للزوجة والمتعة في الشريعة الإسلامية ترادف التعويض في القوانين الوضعية ومفهومها هو ما يعطيه الزوج لمطلقته ليجبر بذلك الألم الذي حصل لها بسبب الفراق وهي بمثابة تعويض عما يلحق الزوجة من ضرر ولغرض الترفيه عنها بسبب الآلام التي أصابتها.
وردت مشروعية التعويض (المتعة) في كتاب الله العزيز في الآية الكريمة ((وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين))(43). وكذلك ((ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع وزره وعلى المغتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين))(44) وقوله ((يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعدونها فمتعوهن وسرحوهن سرحاً جميلا))(45) وقوله تعالى ((فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا))(46).
وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أمر أسامة أو أنساً بأن يمتع مطلقته بثلاثة أثواب رازقية(47).
وللفقهاء المسلمين أرائهم في المتعة وحكمها (48), فعند الأحناف المشهور عند الحنابل أن المتعة قسمان واجبة ومستحبة فالواجبة هي متعة الطلاق قبل الدخول إذا لم يسم للمرأة مهر عند العقد وهذه يقضي بها القاضي ويلزم لها الزوج المطلق. وأما المستحبة فهي المتعة التي تستحقها المطلقة بعد الدخول سواء سمي لها مهر أو لا وللمطلقة قبل الدخول إذا سمي لها مهر ويلزم بها الزوج ديانة لا قضاءا.
وقال الشافعية والحنابلة في رواية أن المتعة واجبة لكل مطلقة إلا إذا طلقت قبل الدخول وقد فرض لها مهر تستحق نصف المهر المسمى.
وعند المالكية أن المتعة مستحبة في جميع الحالات ولا يجبر عليها الزوج المطلق وإنما يتطوع لها تطوعاً.
ويرى الظاهرية أن المتعة واجبة لكل مطلقة مطلقاً سواء كان الطلاق قبل الدخول أم بعده وسواء فرض لها مهر أثناء العقد أم لم يفرض ودليلهم عموم الآية الكريمة ((وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين)) حيث جاءت مطلقة لم تفرق بين مطلقة مدخول بها أم لا, سمي لها مهر أم لا.
وقال الجعفرية لا تجب المتعة إلا للمطلقة قبل الدخول التي لم يفرض لها(49) مهر ومقدار المتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها وهي درع وخمار وملحفة وهذا التقدير روى عن عائشة وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي (رض) حيث قدورها به وقدرها الإمام الشافعي (رض) بثلاثين درهماً حيث منع الشافعي اعتبار المتعة بمهر المثل لأنه سقط بالطلاق قبل الدخول وهذا يتناقض بما قيل أن المتعة لا تزيد على نصف مهر المثل لأنها خلقه فأن كانا سواء فالواجب المتعة لأنها الفريضة بالكتاب العزيز وان كان نصف المثل اقل من المتعة فالواجب الأقل.
وتجب المتعة إذ كانت الفرقة من جهة الزوج كالفرقة بالطلاق والايلاء واللعان والجب والعفة و ردة الزوج ورفضه, وان جاءت الفرقة من جهة الزوجة فلا تجب لها المتعة كردتها وإبائها الإسلام وضياء البلوغ والعنق وعدم الكفاءة(50).
وان أحكام المتعة في الشريعة الإسلامية الغراء أنصفت المرأة وحددت ما لها من حقوق وما عليها من واجبات ضمن البيت المسلم وحافظ الإسلام عليها و رتبت على مطلقها عقاباً دينياً هو الإثم وعقاباً دنيوياً هو التعويض فقد تكون الزوجة المطلقة فقيرة الحال ليس لها معيل من ذويها أو كبيرة السن ولا ترجوا زواجاً أخراً فجاء التشريع الإسلامي حفاظاً لكرامتها وشرفها وعمل الكثير من الصحابة والتابعين بهذه الأحكام الشرعية للمتعة(51).
المطلب الثاني
الأساس القانوني للتعويض
قبل الدخول في الأساس القانوني للتعويض عن الطلاق التعسفي من المفيد أن نبين مصادر الالتزام في القانون المدني العراقي المتمثلة بالعقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والكسب دون سبب والقانون وان هذه المصادر نشأة أما عن العمل القانوني (التصرف) أو الواقعة القانونية(52). والقانون كمصدر مباشر للالتزامات لا يلزم أخذه اعتباطاً وإنما مبنياً على الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية فتقوم على مبدأ الضمان الاجتماعي(53). مثل التزام النفقة بين الأهل والأقارب والأصول والفروع, كذلك التعويض عن الطلاق التعسفي وغيرها من الالتزامات القانونية ومن ذلك نجد أن التعويض عن الطلاق التعسفي هو مسؤولية قانونية أي التزام مصدره القانون وفقاً لفكرة إساءة استعمال الحق(54) وليس التزاماً عقدياً ناتجاً عن إخلال الزوج بعقد الزواج.
والتعويض الذي تستحقه الزوجة وفقاً لأحكام المادة (39/3) من قانون الأحوال الشخصية النافذ هو تعويضاً مادياً يتناسب وحالة الزوج المالية ودرجة تعسفه في إيقاع الطلاق وهو لا يتعارض مع الحقوق الشرعية الأخرى للمطلقة ويفرض التعويض بمبلغ لا يتجاوز نفقة الزوجة لمدة سنتين والتعويض حيث النص جاء مطلقاً ليشمل نوعي القدر المادي والأدبي الذين تلحق بها الزوجة لان المُطْلق يجري على طلاقه ما لم يقيد بنص.
كذلك الحال تسري صفة الطلاق بخصوص المطلقة التي تستحق التعويض هل هي المطلقة قبل الدخول أم بعده وتطبيقاً لقاعدة المُطْلق يجري على إطلاقه فأن النص يشمل كلتا الحالتين قبل الدخول إذا أصيبت المطلقة بضرر من جراء الطلاق التعسفي, وان حدوث الطلاق قبل الدخول أم بعده يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير التعويض.
ونتسأل هنا هل يجوز التعويض عينياً للزوجة المطلقة تعسفياً أم أن التعويض يجب أن يكون نقدياً فمثلاً إذا طلبت الزوجة المطلقة بيتاً او سيارة كتعويض لها عن الأضرار التي لحقتها عن الطلاق التعسفي ؟ نرى من خلال النص موضوع البحث انه ذكر التعويض وربطه بحالة الزوج المالية يسراً أو عسراً ويقدر جملة لا يتجاوز نفقة الزوجة لمدة سنتين والمعروف أن نفقة الزوجة تحتسب على أساس المبالغ النقدية كما جرى عليه القضاء العراقي الشرعي وليس على أساس التعويض العيني, رغم أن الشريعة الإسلامية الغراء والسنة النبوية الشريفة لم تمنعنا أن يكون التعويض أشياء عينية كما مر بنا عندما أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم احد الناس بأن يمتع زوجته المطلقة بثلاثة أثواب رازقية.
اترك تعليقاً