ورقة بحثية بعنوان دور و مهام المحكمة الدستورية
بقلم القاضي أ.د محمد الغزوي
قدم القاضي العضو في المحكمه الدستوريه الاردنيه الاستاذ الدكتور محمد الغزوي ورقة خلال ندوه اقيمت حول ( دور ومهام المحكمه الدستوريه) اقيمت خلال يومي 6-7 شباط 2013 بالتعاون بين وزارة العدل / المعهد القضائي الاردني و المؤسسه الالمانيه للتعاون القانوني الدولي بالاشتراك مع وزارة العدل في جمهورية المانيا الاتحاديه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الساده الحضور
لان هذا اللقاء الذي ينظمه المعهد القضائي الاردني والمؤسسه الالمانيه للتعاون القانوني الدولي ينصب حول ” دور ومهام المحكمه الدستوريه ” فقد اسعدنا هذا الانجاز لمدير عام المعهد القضائي الاردني الاخ منصور بك الحديدي لما لهذه الاطلاله من فائده كبيره علي واحد من النظم القانونيه المقارنه المتقدمه لجمهورية المانيا الاتحاديه ذات المخزون العظيم في مجال الرقابه علي دستورية القوانين واسعدتنا الدعوه للاشتراك في هذه الندوه في موضوع ” صلاحيات ومهام المحكمه الدستوريه في الاردن “
وقبل ان اذهب ايها الاخوه الي بيان صلاحيات ومهام المحكمه الدستوريه في المملكه لا بد ان امهد مذكرا بثلاثة مسائل هامه جدا … الا وهي :
1- ان جمود الدستور وعلوه او سموه هو العامل الاساسي والحقيقي في قيام الرقابه القضائيه علي دستورية القوانين ذلك لان سهولة تعديل الدستور كما يري الفقه الدستوري يقود الي ان يقل شعور السلطه التشريعيه بالتقيد والخضوع للدستور طالما احست انها تملك تعديله
2- ويذهب الفقه الدستوري الي وصف الدساتير الصعبة التعديل ولكنها تخلو ولا تحتوي علي نظام للرقابه علي دستورية القوانين بالدساتيرشبه الجامده
3- وان حماية علو الدستور تعني حتما حماية ما يتضمنه من قواعد بما فيه الحقوق والحريات الفرديه .
هذا ولما كان دستور 1952 عندنا دستورا جامدا ويعلو علي ما عداه من الناحيتين الشكليه والموضوعيه فقد كان يجب ان لا يخلو من تنظيم امر حمايته ولكن لماذا خلا من ذلك في الفتره السابقه لعام 2011 ” كان ذلك قصورا من واضعي دستور 1952 ” قننوا مبدأ العلو والسمو واغفلوا تقنين ما يضمن هذا العلو والسمو ” واذا تجاوزنا كل الجدل حول الرقابه علي دستورية القوانين عندنا فقد كان الاول من تشرين اول عام 2011 تاريخ نشر التعديلات الدستوريه فاصلا بين مرحلتين ثم نقطة تحول كبيره عندما امرت الماده 58 من الدستور ان تنشأ بقانون محكمه دستوريه يكون مقرها العاصمه وتعتبر هيئه فضائيه مستقله قائمه بذاتها.
وقبل ان نذهب الي مهام وصلاحيات المحكمه الدستوريه لا بد من وقفه لنقول اننا اذا اضفنا الي انشاء المحكمه الدستوريه وصدورقانونها رقم 15 لسنة 2012 ” مجموعة القوانين التي تنظم القضاء العادي زائدا القانون الذي سيصدر حتما لينظم القضاء الاداري زائدا مجموعة القواعد القانونيه التي تنظم الطعن غير القضائي ” قانون ديوان المظالم لعام 2008 ” زائدا القانون رقم 51 لسنة 2006 الخاص بالمركز الوطني لحقوق الانسان ” فاننا نلمس تفوقا لنظامنا القانوني نفخر به ونعتز وبالعوده الي ” صلاحيات المحكمه الدستوريه ومهامها “.
نقطة البدء ان اختصاصات المحاكم الدستوريه تتفاوت اذ تتسع في بعض الدول وتضيق في بعضها الاخر:
يقول الفقه الدستوري ان اختصاص القضاء الدستوري يشمل:
” قضاء الانتخابات البرلمانيه والرئاسه والاستفتاء كما هو الحال في كل من اليونان والبرتغال والمانيا الاتحاديه وفرنسا ”
” ويشمل تحديد الاختصاص ووحداتها الاقليميه كما هو الحال في المانيا الاتحاديه والنمسا وايطاليا وبلجيكا ”
” ويشمل ضمان حسن سير السلطات العامه للدوله وتوزيع الاختصاصات بينها كالمانيا الاتحاديه وفرنسا وايطاليا ”
” وحماية حق المواطن االذي اعتدي علي حقوقه الاساسيه ان يلجا مباشرة الي المحكمه الدستوريه كما في المانيا الاتحاديه والنمسا وسويسرا ”
” ويشمل قضاء العقاب اي العقاب السياسي كحظر الاحزاب السياسيه التي تتعارض مع الدستور واسقاط الحقوق السياسيه عن الافراد الذين يسيئون استخدام حرية التعبير كما في المانيا الاتحاديه وايطاليا “
كما يشمل رقابة الدستوريه الذي يختلف من دوله لاخرى
ففي مصر / تختص المحكمه الدستوريه في الرقابه علي دستورية القوانين, وفي الفصل في تنازع الاختصاص, وفي الفصل في النزاع الذي يقوم بشان تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين, وتفسير نصوص القوانين الصادره من السلطه التشريعيه والقرارات بقوانين الصادره من رئيس الجمهوريه ” .
وفي المملكه المغربيه وفقا لدستور 2011/ فقد وسع من اختصاصات المحكمه الدستوريه ومكن المواطن المغربي من حق اللجوء الي المحكمه للدفع بعدم دستورية القوانين كما اسند لها العديد من الاختصاصات الاستشاريه, واحتفظ للمحكمه الدستوريه بالاختصاصات الاصيله والوجوبيه من التجربه الفرنسيه .
هذا وبين هذين الاتجاهين ذهبت الماده 59 من الدستور عندنا والماده الرابعه من القانون الذي نص على ان تختص المحكمه الدستوريه بالرقابه علي دستورية القوانين والانظمه النافذه وتختص بتفسير نصوص الدستور
وهنا لا بد من وقفه : لنذكر بامر هام اتسع له نظامنا القانوني دون نص صريح الا وهو ” الرقابه العامه التي تم ربطها باجراءات وضع القانون ذاته , فبجمع هذه الرقابه العامه غير المنصوص عليها صراحة مع الرقابه على دستورية القوانين والانظمه النافذه المنصوص عليها صراحة ستنتج حتما امرا هاما ومهما الا وهو تعميق المبادئ التي قامت عليها دولة القانون ثم الدوله الاردنيه وبخاصه مبدا سمو الدستور ومبدا تسلسل القواعد القانونيه ومبدا الرقابه علي دستورية القوانين الذي اخذ يؤسس عندنا لتوازن وتعاون بين السلطات تحت سقف الدستور ويدفع باتجاه التمييز الواضح بين الاكثريه والمعارضه .
وبالعوده الي الماده 59 ماذا عن الاختصاصين سالفي الذكر وكيف تتحرك الرقابه ؟
اولا: الرقابه علي دستورية القوانين والانظمه النافذه:
هذا يعني ان اختصاص المحكمه الدستوريه يشمل كل االقوانين والانظمه ايا كانت السلطه التي اصدرت هذه الانظمه وهنا لا بد من وقفه ” لما كان القرار التفسيري مكمل ومتمم للقانون المتعلق به فهو مشمول برقابة الدستوريه ” م123 ” كما تخضع المعاهدات والاتفاقات التي يوافق عليها مجلس الامه كالقانون لرقابة الدستوريه ” م33 ”
ولكن ماذا عن قانون المحكمه الدستوريه نفسه ؟
هو كسائر القوانين يخضع لرقابة الدستوريه فالمحكمه الدستوريه تستمد ولايتها في مجال الرقابه الدستوريه مباشرة من الدستور “م58 , م59 , م61 ” ولا قيمة لما قد يبدو ان المحكمه الدستوريه وهي تفصل في مدى دستورية قانونها تكون في موقع الخصم والحكم فالخصم الحقيقي يبقي هو مصدر القانون يستوي في ذلك قانون المحكمه او غيره من القوانين.
ولا بد من وقفه اخرى … ماذا عن التعليمات ؟
سنذهب مع فقه القانون العام رقابة هذا النوع هي رقابة مشروعيه وليست رقابه دستوريه اذ يبحث عادة عن مدى انطباقها او عدم انطباقها مع القوانين وفي المرات القليله التي يمكن ان يثار بشانها فحص مدي دستوريتها فاما ان يكون عدم الدستوريه راجعا الي عدم دستورية القانون الصادره استنادا اليه ويكون الطعن في هذه الحاله طعنا في القانون ولبيس طعنا بعدم دستورية التعليمات واما ان يكون عدم دستوريتها راجعا اليها في ذاتها وهو امر نادر فيكفي في هذه الحاله كما يري الفقه الدستوري ان تلغي او تستبدل اذ انها في مرتبه اقل من القوانين والانظمه .
هذا ومن المفيد ان نشير الي ما لا يندرج في نطاق رقابة الدستوريه وهي : اعمال السلطه التاسيسيه واعمال السلطه القضائيه واعمال اشخاص القانون الخاص القرارات الفرديه التوصيات والتوجيهات العامه غيرالملزمه الملاءمات التشريعيه ” اي الاسباب والدوافع ” اجراءات التنفيذ وكيفية التطبيق اعمال السياده
وبالعوده الي الاختصاص سالف الذكر فكيف تتحرك الرقابه الدستوريه عليها ؟
انها تتحرك وفقا لنص الماده 60 من الدستور والماده 9/أ والماده 11 من القانون عن طريق الطعن مباشرة وعن طريق الدفع وهنا ايضا لا بد من وقفه لنبين اهمية النهج الاردني او اهمية الطريق الذي سلكه الاردن ففي اعتماده لطريق الطعن المباشر حقق العديد من المزايا اهمها :
يكون الحكم الذي يفصل في النزاع حاسما للاشكال الدستوري تماما ويتجنب التضارب في الاحكام وعدم الاستقرار في المعاملات ويضيف الفقه الدستوري ميزه اخري الا وهي امكانية تشكيل المحكمه بطريقه خاصه تراعي فيها الاعتبارات السياسيه .
وفي اعتماد الاردن لطريق الدفع الفرعي خفف من حدة النقد الذي وجه لطريق الطعن المباشر وكذلك المخاطر التي يؤدي اليها هذا الطعن من انه يجعل من المحكمه الدستوريه قوه هائله ويمنحها نفوذا ضخما في مواجهة السلطات العامه الاخرى الامر الذي يؤدي الي الاسراف في بسط الرقابه وبالتالي وقوع الاصطدام بين المحكمه والسلطات العامه في الدوله , واما الى تراخي المحكمه في اداء وظيفنها لتفادي مخاطرالاصطدام الذي يقود الى غياب الرقابه الجديه علي دستورية القوانين كما يمتاز الدفع الفرعي انه اقل عنفا واكثر مرونه فهو لا يؤدي الى الغاء القانون وانما رفض تطبيقه في خصوصية النزاع المطروح وعليه فما المقصود بكل من الطريقين سالفي الذكر ؟
1- اما طريق الطعن مباشرة لدي المحكمه الدستوريه فيتم من الجهات التاليه ” مجلس الاعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء فهذه الجهات الثلاث هي صاحبة الصلاحيه في الطعن المباشر لدي المحكمه الدستوريه هذا ولما لم تحدد الاغلبيه اللازمه فيجب تطبيق القواعد العامه التي تحكم اتخاذ القرارات في هذه المجالس وهي اكثرية اصوات الاعضاء الحاضرين هذا ويتساءل البعض هل تحتاج الجهات سالفة الذكر الي اتباع طريق الطعن المباشر ؟ الاجابه نعم عندما لا يتغلب فيها مجلس الوزراء على راي مجلس النواب والاعيان ” م93/4 ” وعندما لم يرض احد المجلسين عن القانون الذي تم اقراره في اجتماع مشترك مم92, وكذلك الطعن بدستورية الانظمه التي تنفرد السلطه التنفيذيه باصدارها.
هذا ومما يلزم التنبيه له ان الماده 9/أ -6و7 من قانون محكمة العدل العليا لسنة 1992 قررت رقابه قضائيه اخرى على القانون وعلى النظام تقوم بها محكمة العدل العليا فما هو مجال كل من المحكمه الدستوريه ؟ ومحكمة العدل العليا ؟ ان الذي يحدد المحكمه المختصه هو النص القانوني الذي يقال ان النظام قد خالفه فاذا ما نسب اليه انه خالف نصا في الدستور كان الاختصاص للمحكمه الدستوريه واذا ما نسب اليه انه خالف نصا في القانون كان الاختصاص لمحكمة العدل العليا واذا ما خالف النظام القانوني الذي صدر مستندا اليه وخالف في الوقت ذاته الدستور فان الاختصاص للمحكمه الدستوريه لان حماية الدستور تاتي قبل حماية القانون .
وقبل ان نذهب الي بيان الطريق الاخر لابد ان نشير للقانون المقارن في هذا المجال فقد كانت السلطات صاحبة الصلاحيه الوحيده في مراجعة المجلس الدستوري الفرنسي حتي 29/10/1974 كل من رئيس الجمهوريه والوزير الاول ورئيس الجمعيه الوطنيه ورئيس مجلس الشيوخ ثم بعدها اصبح بامكان 60 نائب او 60 سناتور مراجعة المجلس بواسطة رساله تجمع 60 توقيع ويمكن ان تحصل بواسطة 60 رساله تحمل تواقيع منفصله , وفي المانيا الاتحاديه نصت الماده 100 من القانون الاساسي لعام 1949 على ان اصحاب الحق في تحريك الرقابه ” حكومة الاتحاد حكومات الدول اعضاء الاتحاد ثلث اعضاء مجلس البوندستاج , وفي بلجيكا وايطاليا ومصر
2- طريق الدفع ففي الدعوى المنظوره امام المحاكم يجوز وفقا لنص الماده 60/2 من الدستور والماده 11/أ من القانون لاي من اطراف الدعوي اثارة الدفع بعدم الدستوريه وعلي المحكمه ان وجدت ان الدفع جدي تحيله الى المحكمه التي يحددها القانون لغايات البت في امر احالته الي المحكمه الدستوريه.
يقول الفقه عن ” جدية الدفع ” ان يكون القانون او النظام المظنون في دستوريتهما متصل بموضوع النزاع اي انه يمكن تطبيق احدهما على الدعوى على اي وجه من الوجوه وان يكون هناك شك في دستورية القانون او النظام المطعون في دستوريتها ويعتبر الشك الي جانب عدم الدستوريه .
هذا ولاشتراط الجديه حكمه تتلخص في قطع الطريق على دفوع عدم الدستوريه التي لا يراد منها سوي تعطيل سير الدعوي الموضوعيه وعدم اثقال القاضي الدستوري بدعاوي تسويفيه.
ثانيا: تفسير نصوص الدستور:
وقد قررت ذلك الماده 59/2 من الدستور والماده 4/ب و17 من القانون اذا طلب اليها ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء او بقرار يتخذه احد مجلسي الامه بالاغلبيه ويكون القرار نافذا بعد نشره في الجريده الرسميه.
وقد اصدرت المحكمه حتي الان ثلاث قرارات تفسيريه لكل من المواد 117 و94/1 والماده 73 , دون ان ننسي بان التفسير سالف الذكر غيرالتفسير الذي يصدر الحكم به بمناسبة دعوى دستوريه ويتسع لكل من نصوص الدستور.
وقبل ان تختم وبخاصه ما يتعلق بالتفسير لا بد من وقفه لنذكر بامرين هامين:
الاول: ان المحكمه الدستوريه تمارس دورا انشائيا يتجاوز حدود التطبيق الحرفي لنصوص الدستور وان هذا الدور الانشائي يتحقق عن طريق قيام المحكمه الدستوريه بتفسير نصوص الدستور , فالعداله الدستوريه كما قيل ليست ابدا عداله معصوبة العينين ’
اما الامر الثاني: فقد قيل ” عدم تفسير ما ليس في حاجه الى ولكن الابلغ هو القول الذي افصح عن اهمية التفسير لنصوص الدستور ( بان النصوص الواضحه والتي تحتاج الي تفسير هي النصوص التي يعلن القاضي بشانها انها واضحه .) Est donc Claire une disposition que le juge declare telle
ساكتفي بهذا القدر اوكما يقول احد الادباء ” ساكتفي من القلادة ما يحيط العنق ” وشكرا
عضو المحكمة الدستورية الاردنية
القاضي / أ.د محمد الغزوي
اترك تعليقاً