بحث ودراسة مقارنة عن جريمة البغي في الشريعة الإسلامية والقانون
الملخص :
الحمد لله الذي وفقنا لوضع هذه الرسالة الموسومة بـ”جريمة البغي في الشريعة الإسلامية والقانون (دراسة مقارنة) .
ولقد قسمنا هذه الدراسة إلى أربعة فصول مسبوقة بمبحث تمهيدي ؛ في المبحث التمهيدي تحدثنا عن لمحة تاريخية عن تطور أحكام الجريمة السياسية منذ القرون القديمة حتى العصر الراهن ومقارنة بجريمة البغي في الشريعة الإسلامية ، وقدمنا من خلال هذا المبحث نبذة موجزة عن تطور الجريمة السياسية في العصور القديمة ، ووجدنا أن معاملة المجرم السياسي في العصور القديمة كانت تتسم بالقسوة إذ كان يلاقي أفظع التعذيب يطال هذا العقاب أسرته وممتلكاته من بعده.
أما عن معاملة المجرم السياسي في العصور الوسطى فقد تحدثنا عن معاملته في عهد الملكية الفرنسية والإنجليزية ورأينا أن معاملته كانت تتسم بالشدة ولم يكن هناك تمييز بين المجرم السياسي والمجرم العادي إلا بعد الثورة الفرنسية وان كانت معاملته لا تختلف كثيراً بعد قيام الثورة الفرنسية عن معاملته في العصور القديمة والوسطى . حيث لم تعرف القوانين الوضعية تخفيف في العقاب للمجرم السياسي إلا في العصر الحديث .
ثم تناولنا من خلال هذا المبحث جريمة البغي في الشريعة الإسلامية هذه الجريمة التي عالجتها الشريعة الإسلامية معالجة شافية تختلف في مضمونها وفحواها عن معالجة القوانين الوضعية ، حيث ظهرت هذه الجريمة في الوقت الذي كان فقهاء القانون الوضعي يعدون المجرم السياسي من أخطر المجرمين وينـزل به أشد العقوبات القاسية لاسيما في العصور القديمة والوسطى ، حيث فرقت الشريعة الإسلامية بين جريمة البغي والجريمة العادية ووضعت لجريمة البغي فروق وأحكام خاصة شاملة تختلف عن بقية الجرائم الأخرى .
وفي الفصل الأول بيّنا حقيقة البغي في الشريعة الإسلامية والقانون وذلك في مبحثين ، في المبحث الأول تحدثنا فيه عن تعريف جريمة البغي في الشريعة الإسلامية والقانون ، حيث تناولنا تعريف البغي لغة وفي الاصطلاح الفقهي . وقد تعددت آراء الفقهاء بشأن تعريف البغي وأيدنا التعريف الذي أورده فقهاء الأحناف لأن هذا التعريف كما يظهر لنا كان صائباً لأنه بيّن الحالة التي يكون فيها الخارجون على السلطة بغاة ، والحالة التي لا يعد الخارجون فيها على السلطة بغاة إذ أن البغي قد لا يوصف به الخارجون على الحاكم ، بل قد يكون الحاكم هو الباغي إذا لم يتصف بالعدل .
ثم تحدثنا عن تعريف جريمة البغي في قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لعام 94م في المادة (124) وأوردنا ما شاب هذا التعريف من قصور ونقص ، ثم أشرنا إلى تعريف الجريمة السياسية في القانون لأنها تقابل جريمة البغي عند الفقهاء المسلمين . وأشرنا إلى رأي فقهاء القانون الوضعي في الغرب وفي الوطن العربي معتمدين بالاستشهاد بآرائهم وشروحاتهم القانونية. وبينا أقسام الخارجين على الحاكم وأشرنا إلى طرائق تولي رئاسة الدولة الإسلامية وواجبات رئيس الدولة الإسلامية وحقوقه .
أما المبحث الثاني فقد تحدثنا فيه عن النصوص الشرعية الدالة على مشروعية قتال البغاة من القرآن الكريم والسنة ، والإجماع ، وقد دلّت هذه النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة على وجوب طاعة الإمام العادل إذا كانت في المعروف إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، كما دلت هذه النصوص الشريفة على وجوب الالتزام بعقد البيعة وحرمت الخروج على الحاكم العادل حفاظاً على مصلحة الأمة من أضرار الفتن التي تحدثها الثورات في المجتمع وقد اعتمدنا على آراء المفسرين والمحدثين في تفسير النصوص الواردة في هذا البحث .
وفي الفصل الثاني تحدثنا فيه عن أركان جريمة البغي وقسمنا هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث ، المبحث الأول تحدثنا من خلاله عن الركن المفترض والمتمثل في اشتراط عدالة الإمام في وصف جريمة الخروج عليه بغياً وقد بينا آراء الفقهاء في حكم الخروج على الحاكم الجائر حيث اختلفوا في هذه المسألة اختلافاً كثيراً فصلناه في موضعه ، وأيدنا رأي بعض الفقهاء الذين يرون الخروج على الحاكم الجائر إذا انصرف عن العدل وأضر بمصلحة الأمة ، لأن حق رقابة الأمة على الدولة أمر مسلم به في الشريعة الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر) لأن فسق الحاكم وجوره قد يؤدي إلى عزله من قبل الأمة . والمبحث الثاني تحدثنا فيه عن الخروج على الحاكم مغالبة ، وقد رأينا أن الفقهاء يشترطون الخروج الفعلي للخارجين على السلطة لتحقق جريمة البغي ، لأن الشريعة الإسلامية تبيح الحرية الفكرية السياسية بحدود موافقتها لأحكام الدين الإسلامي ولا تعد مخالفة الرعية للحاكم في الرأي والفكرة جريمة موجبة لإيقاع العقاب ، لهذا فقد فصلنا اشتراط الخروج الذي يحق للحاكم بتوافره أن يقاتل البغاة إذا أخفق في الإصلاح معهم ، ثم بينا اشتراط المنعة في الخارجين لأن الجرائم الأحادية لا تعد جرائم سياسية ، والمبحث الثالث تناولنا فيه القصد الجنائي والقصد الجنائي المطلوب توافره في الخارجين على الحاكم هو القصد الجنائي العام وهو قصد العصيان والمجاهرة به ، ثم بينا شرط التأويل فهو الأساس الذي يضفي على الخارجين على السلطة صفة البغي لأن الخارجين على السلطة بلا تأويل سائغ يعدون قطاع طريق.
وفي الفصل الثالث تناولنا الكيفية التي يتم بها قتال البغاة وذلك في خمسة مباحث خصصنا المبحث الأول لدراسة الإصلاح السلمي بين (البغاة والمبغي عليهم) قبل قتالهم وبينا المقصود بالإصلاح وطرقه ومشروعية الصلح مع البغاة ، وكذا شروطه ، وفي المبحث الثاني تناولنا الوقت الذي يتم فيه البدء بقتال البغاة . وفي المبحث الثالث بيّنا كيفية التعامل مع البغاة أثناء قتالهم من قبل الحاكم ومن خلال الأسلحة المستخدمة ضدهم ومعاملة مدبرهم وأسيرهم وجريحهم وقتلاهم وذرياتهم وأموالهم ، والفرق بين قتالهم وقتال أهل الحرب وقد وجدنا أن قتال البغاة يمتاز بفروق كثيرة عن قتال أهل الحرب أشرنا إليها في مواضعها . والمبحث الرابع خصصناه لدراسة الاستعانة على قتال أهل البغي وشرحنا أنه يمكن الاستعانة على قتال أهل البغي بالذميين وبيّنا اختلاف الفقهاء في هذه المسألة أثناء البحث .
أما الفصل الرابع المسمى أحكام البغاة تناولنا من خلاله الآثار الناشئة عن قتال البغاة وذلك في ستة مباحث خصصنا الأول لدراسة حكم تولي البغاة السلطة بعد قهرهم للحاكم العادل ورأينا أنه من الممكن أن يتولى البغاة السلطة بعد تغلبهم على الحاكم وقهره ، وبينا وجهة نظر الفقهاء في هذه المسألة . أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه تصرفات البغاة في البلد الذي استولوا عليه وفي المبحث الرابع تناولنا المسؤولية القانونية للبغاة ومن يعينهم من أهل الذمة أو أهل الحرب وبينا وجهة نظر الفقهاء في هذه المسألة وأيدنا الرأي الذي رأيناه صائباً . أما المبحث الرابع تناولنا فيه أحكام التوارث بين الباغي والعادل ووجدنا أن البغي لا يعد مانعاً من موانع الإرث . أما المبحث الخامس : فقد خصصناه لدراسة عقوبة الجريمة السياسية في القانون ، وفي المبحث السادس عقدنا موازنة عامة بين أحكام البغي في الشريعة الإسلامية والقانون وبينا مزايا الشريعة الإسلامية في هذه المسألة وقصور القانون الوضعي في معالجة أحكام المجرمين السياسيين إذا خرجوا على سلطة الدولة .
وقد ختمنا بحثنا بخاتمة متواضعة بيّنا من خلالها أهم النتائج والتوصيات التي خرجنا بها من هذه الدراسة .
اترك تعليقاً