دراسة وبحث قانوني هام عن أثر الاستخدام على الحق في العلامة التجارية
مقدمة
تعتبر العلامة التجارية واحدة من عناصر الملكية الصناعية والتجارية التي نظمتها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بميدان الحقوق الفكرية, وأهمها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ) (TRIPS)[1](, واتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية.
وتعد العلامة التجارية أهم هذه الحقوق في وقتنا الحاضر, نظراً للدور الذي تمارسه في القطاع التجاري سواء بالنسبة إلى ممارسي النشاط التجاري من التجار والصناع ومقدمي الخدمات, حين تميز بضاعتهم التي يتاجرون بها أو منتجاتهم التي يضعونها أو الخدمات التي يقدمونها عن تلك التي يتاجر بها أو يضعها أو يقدمها غيرهم من التجار, أو بالنسبة إلى جمهور المستهلكين؛ إذ تعمل على توفير الحماية من التضليل جراء التعدي على العلامة التجارية بتقليدها ووضعها على بضاعة غير تلك التي حازت على ثقة الجمهور.
بالنظر إلى الأهمية التي تحظى بها العلامة التجارية, بأن الاهتمام بها أولى الأولويات التي عرفتها معظم التشريعات, بما فيها التشريع الأردني, حيث رسمت في معظمها الخطوط العريضة التي تمكن صاحب المصلحة فيها من استخدامها في تصريف منتجاته أو بضاعته وتمييزها عن غيرها من منتجات أو خروقات غيره من التجار والصناع ومقدمي الخدمة)[2].(
لم تتناول التشريعات المقارنة تعريفا للعلامة التجارية،بخلاف المشرع الأردني الذي عرف العلامة التجارية بأنها كل شكل يتخذه التاجر على منتجاته لتميزها عن السلع والمنتجات التي تعود لغيره)[3](.
كما عرفتها المادة (2/5) من قانون العلامات التجارية الأردني)[4]( بالقول بأنها:” أي إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتميز بضائعه أو منتجاته أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره”.
تغدو العلامة التجارية بالتالي سلاحاً ذو حدين, ففي الوقت الذي تحقق فيه مصلحة المالك بحمايته من المنافسة غير المشروعة من قبل الغير, فإنها تلبي في الوقت ذاته مصلحة المستهلك الذي تعززت ثقته بالبضاعة أو السلعة التي تميزها تلك العلامة.
وتكمن أهمية هذه الدراسة من خلال القول أنه ذا كانت العلامة التجارية تمثل عنصراً من عناصر الحقوق المعنوية الغير مادية, فإن ذلك لا يمنع من أن تقوّم بالمال, شأنها في ذلك شأن باقي العناصر المعنوية الأخرى, وأن تدخل في الذمة المالية بالنسبة إلى صاحبها, فقد بلغت قيمة بعض العلامات التجارية مليارات الدولارات(2), الأمر الذي يجسد معه الأهمية التي تحظى بها هذه الأخيرة وبالتالي ضرورة الوقوف على الآلية التي ينشأ فيها الحق في العلامة التجارية وأثار استخدام هذا الحق فيها.
ويتعاظم أهمية الدراسة إذا ما علمنا أن استخدام العلامة التجارية يقتصر على من له الحق في ملكيتها وبالتصرف فيها وتثبت له بالاستعمال أو التسجيل أو الإثبات معاً.
ومن غير الممكن معرفة الآثار التي تترتب على العلامة التجارية من جراء الاستخدام إن لم نعرف وقت نشوء الحق في العلامة التجارية وقت ثبوتها والأسباب التي تؤدي إلى كسب العلامة التجارية, وذلك من أجل أن نقرر أن هذا فعلاً حقاً إيجابياً في العلامة التجارية ويستلزم للمحافظة عليه ضرورة حمايته, لذا جاءت هذه الدراسة لتوضح النتائج التي تترتب على استخدام الحق في العلامة التجارية.
عطفاً على ما سبق فإن استخدام العلامة التجارية لا يكون خارج عن نطاق محيط المعاملات وتشابك المصالح, إنما يظهر في إطار محيطه الاقتصادي والاجتماعي والقانوني, حيث يترتب عليه أحد أمرين, فإما أن يظهر وينشأ هذا الحق عن طريق الاستعمال المباشر للعلامة التجارية, وهذا لا يكون إلاّ من طرف المالك لها.
إن ما يمكن إضافته بخصوص أهمية هذه الدراسة في أنها تتجلى في بيان الزمن الذي يبدأ فيه الحق بتملك العلامة التجارية والزمن الذي يتقرر فيه سقوط الحق في العلامة التجارية سواء كان نتيجة عدم الاستعمال أو غيرها من أسباب سقوط الحق في ملكية العلامة التجارية, وبيان موقف المشرع الأردني منها, والذي أكد أن الحق في ملكية العلامة التجارية لا يكون إلاّ من تاريخ التسجيل الفعلي)[5](.
وتنهض إشكالية هذه الدراسة على عدد من التساؤلات التي مفادها:
ما هي الآثار الناجمة عن الاستخدام على الحق في العلامة التجارية؟
ومتى ينشأ الحق؟ هل ينشأ بالاستعمال أم من تاريخ التسجيل أم الاثنان معاً؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى إكساب الحق؟ وكيف وسع المشرع من دائرة الحق في العلامة التجارية؟ وهل للاستخدام على الحق آثاراً سلبية؟ وما هي هذه الآثار؟ وكيف ضيق المشرع من دائرة الحق في العلامة التجارية؟ وما هي أسباب انقضاء الحق في العلامة التجارية؟ وما هو المقصود بشيوع العلامة التجارية؟
لذلك فإن الإجابة عن مختلف هذه التساؤلات يتطلب العمل ضمن آلية محكمة تقود إلى نتائج الدراسة المرجوة بحيث قمنا بتسليط الضوء على الآثار التي يرتبها الاستخدام على الحق في العلامة التجارية.
لذا فإننا من خلال إتباعها للمنهجية القانونية في معالجة موضوع أن نقسم الفكرة الرئيسية للموضوع إلى فكرتين متناقضتين خصصنا الفكرة الأولى للحديث عن الأثر الإيجابي للاستخدام على الحق في العلامة التجارية, ( المبحث الأول) و قسمنا الفكرة الأولى إلى فكرتين تشمل نشوء الحق (مطلب أول) واتساع دائرة الحق ( مطلب ثاني).
وخصصنا الفكرة الثانية من التقسيم إلى الحديث عن الأثر السلبي لتكون (مبحث ثاني), وقسمنا هذه الفكرة إلى فكرتين للحديث عن تضبيق الحق (مطلب أول) وجعل الفكرة الأخرى للحديث عن انقضاء الحق وسقوطه (مطلب ثاني).
المبحث الأول : الأثر الايجابي
المطلب الأول : نشوء الحق
يعرف الحق بكونه استئثار شخص بشيء أو بقيمة استئثاراً يقره القانون ويعرف حق الملكية بأنة العلاقة التي أقرها المشرع بين الإنسان والمال والتي تجعله مختصاً به بحيث يتمكن من الانتفاع بكل الطرق السائغة شرعاً، وفي الحدود التي بينها الشارع. (1)
والحقوق كما بينها المشرع تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي الحق الشخصي والحق العيني والحق المعنوي، (2) وتدخل العلامة التجارية في إطار الحقوق المعنوية التي أعترف بها القانون كحق مستقل عن باقي الحقوق، لذا ونظراً للأهمية التي تحظى بها العلاقة التجارية فقد أجمعت معظم التشريعات أن هذا الحق يبدأ من اللحظة التي يقع فيها التسجيل الفعلي للعلامة التجارية. (3)
ولما كان التسجيل من الأسباب المنشأة لملكية العلامة التجارية وهذا ما دلت عليه اتفاقية تريبس ، عندما لم تجعل إلا الاستعمال الفعلي للعلامة التجارية شرطاً للتقدم بطلب تسجيلها أو سبباً لرفض هذا التسجيل إلا في الحالة التي لا يقوم فيها الطالب باستعمال تلك العلامة قبل انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ تقديم الطلب. (4)
إلا أن هناك جانب من الفقه يرى بأن ملكية العلامة التجارية هي بسبق استعمالها وليس بسبق تسجيلها من الجهة الإدارية المختصة. (5)
وبناء على ما تقدم فإننا نجد بأن الأسباب التي تؤدي إلى كسب الحق في العلامة التجارية قد تكون وقائع مادية ووقائع قانونية هي الاستعمال والتسجيل وعلى ذلك فأن ملكية العلامة التجارية تثبت بالاستعمال وأن التسجيل هذه العلامة يعتبر مقرراً للملكية فإذا أثبتت
____________________
(1) العبيدي ، عبد الهادي :االوجيز في شرح القانون المدني- الحقوق العينية ، دار الثقافة –عمان ، الطبعة الأولى ، 2000م .
(2) القيام ، خالد : المبادئ العامة لعلم القانون ، منشورات جامعة مؤتة ، الطبعة الأولى، 1997 ،ص166.
(3) قانون العلامات التجارية الأردني المادة (22/1)، وقانون العلامات التجارية الاتحادي الدولة الأمارات لسنة 1937م ،ص196 رقم (37) .
(4) محمدين ، جلال وفاء : الحماية القانونية للملكية الصناعية ، دار الجامعة الجديدة للنسر ،الطبعة الثالثة ،2000م ،ص115 .
(5) القليوبي ،سميحة: الوجيز في التشريعات الصناعية ، القاهرة، الطبعة الأولى، 1967 ،ص 250.
الملكية بالاستعمال مده معينة بعد التسجيل دون منازعة اعتبر التسجيل منشأ لحق العلامة التجارية. (1)
وتتمتع العلامة التجارية بالحماية القانونية في حالة ثبوتها وهذه الحماية تمثل في الدعوى المدنية القائمة على أساس المسؤولية التقصيرية أو دعوى المنافسة غير المشروعة كما تتمتع العلامة التجارية إذا كانت مسجلة بحماية تتمثل بدعوى جزائية ضد من يعتدي على حق ملكيتها. (2)
والحق الثابت في ملكية العلامة التجارية محدد بمدة زمنية معينة (3) بعكس ما تراه في حق الملكية بالنسبة للعقار أو المنقول المادي الذي يتميز بأنة غير مقيد بزمن معين .(4)
فقد نصت المادة (20/أ ) من قانون العلامات التجارية بالقول ” مدة ملكية حقوق العلامة التجارية عشر سنوات من تاريخ تسجيلها ويجوز تجديد تسجيلها لمدة مماثلة وفقاً لأحكام هذا القانون “.
لذا يرى غالبية الدارسون أن تحديد المشرع ملكية حقوق العلامة التجارية بعشر سنوات يتنافى مع طبيعة حق الملكية وجوهرة الذي يعطي صاحبة الحق بالتصرف بالمال المملوك بكل أوجه التصرف الجائزة شرعاً .
وقد جاءت اتفاقية (TRIPS ) في المادة (18) بأن تكون مده التسجيل سبع سنوات قابلة للتجديد مرات غير محددة ولذات المدة في كل مرة .
مما سبق بأن هناك ثلاثة أنظمة لنشوء الحق واكتسابه في العلامة التجارية والتي على أساسها تتمتع هذه العلامة بالحماية وهما نظام الاستخدام ونظام التسجيل والنظام المختلط وللحديث عن هذه الأنظمة ومدى إضفاء الحماية القانونية عليها سنقوم بدراسة كل نظام على حده على النحو التالي :
_____________________
(1) الناهي ، صلاح الدين عبد اللطيف :الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية ،منشورات الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى ، ص 252
(2) الشمري ، محمد : محاضرات ألقيت في جامعة اليرموك ،غير منشورة، 2006 م
(3) محمدين ، جلال: وفاء الحماية القانونية للملكية الصناعية ، مرجع سابق ،ص111
(4) السنهوري ، عبد الرزاق : الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثامن ، دار أحياء التراث العربي ، بيروت –لبنان، بدون نسخة نشر، ص 540 .
نظام الاستعمال ( الاستخدام ) :
ينشأ الحق في العلامة التجارية من واقعة مادية بحتة وهي التي تتمثل بالاستعمال ، بحيث يكتسب الحق من خلال الاستعمال الفعلي لها فالحصول على الحق لا يتطلب تصرف معين وإنما يتطلب استعمال للعلامة،و يترتب عليها حق أو استعمال كما يعتبر الاستعمال كأساس لكسب ملكية العلامة التجارية .
وقد أخذت به العديد من التشريعات والقضاء ويعتبر قرار محكمة العدل العليا الأردنية الذي ينص على أنه” إذا تعارض حق الشخص الذي تسجلت العلامة باسمه بحق مستخدم هذه العلامة فيكون للشخص الذي استعملها أولوية على الشخص الذي سجلت باسمه ومن حقه أن يطلب ترقين التسجيل عن وجود تشابه بين العلامتين من شأنه أن يؤدي إلى غش الجمهور”. (1)
ويعتبر استعمال العلامة التجارية قبل تسجيلها في إطار المنافسة الشريفة عمل مشروع كما يراه البعض. (2)
لذلك فإنه يحق لصاحب العلامة ( غير المسجلة ) أيّ من كان أن يستعملها ويتمتع بالحماية المدنية لعلامته التجارية .
· نظام التسجيل :
إذا كان الاستعمال الفعلي للعلامة التجارية يكسب الحق فيها كأصل عام فإن تسجيل العلامة يترتب علية كسب الحق في العلامة التجارية أيضا فالتسجيل هو قيام مالك العلامة التجارية بتسجيل علامته لدى الجهة المختصة وفقاً لإجراءات قانونية معينة لذلك فإن العلامة التجارية المسجلة تحظى بحماية قانونية أكثر من العلامة التجارية غير المسجلة لأنها تتمتع بالحماية الجزائية .
ومن الحقوق التي ينشئها التسجيل في ظل اتفاقية ( TRIPS ) هو جعله سبباً منشئاً للملكية في العلامة التجارية والدليل على ذلك أن الاتفاقية لم تجعل الاستعمال الفعلي للعلامة التجارية شرطاً للتقدم بطلب تسجيلها أو سبباً لرفض هذا التسجيل إلا في الحالة
____________________
(1) عدل عليا قرار رقم (65/72)،ا مجلة نقابة المحامين 1973م،العدد السابع، ص 1497.
(2) الناهي ، صلاح الدين عبد اللطيف: الوجيز في الملكية الصناعية ،مرجع سابق، ص251 .
التي لا يقوم فيها الطالب باستعمال تلك العلامة قبل انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ تقديم الطلب (1) وكل ما هناك إن المادة 5/3 من الاتفاقية أجازت للبلدان الأعضاء جعل قابلية التسجيل معتمدة على استخدام العلامة. (2)
وتنص المادة (6) من أاتفاقية (TRIPS ) على الحقوق التي يمنحها لصاحب العلامة المسجلة إذ يكون له الحق المطلق في منح الغير من استخدام ذات العلامة أو علامة مشابهة في أعماله التجارية وهذا يعني أنه متى سجلت العلامة التجارية نشأت الملكية لصاحبها الذي له إن يحتكر استعمالها. (3)
وأكدت محكمة العدل العليا في أحدى قراراتها على سريان الحق في الملكية من تاريخ صدور شهادة التسجيل فعلياً وليس من تاريخ إيداع الطلب. (4)
· ثالثاً النظام المختلط :
وهو النظام الذي يقوم على استخدام والتسجيل كسبب لنشوء الحق وملكية وإضفاء الحماية القانونية عليه ، حيث أنه يتوجب على طالب التسجيل للعلامة التجارية وفقاً لهذا النظام أن يثبت استخدامه لها (5) وهذا النظام يمثله القانون الأمريكي. (6)
أما في الأردن : فلم يأخذ بهذا النظام لأنة لم يشترط الاستخدام المسبق لتسجيل العلامة بل يكفي إن يكون لدى مقدم طلب التسجيل النية في الاستعمال مستقبلاً بعد تسجيل العلامة في السجل وهذا ما نصت علية المادة (11/1) من قانون العلامات التجارية الأردني رقم (34) لسنة (1999) على أن يتم استخدامها خلال (3) سنوات من تاريخ التسجيل
لأنة لا يجوز عدم استعمال العلامة أكثر من (3) سنوات وبالتالي فإن التسجيل ليس من شأنه أن ينشئ حقاً لملكية العلامة ، أيما يقرر وجود الحق فقط فالأثر الذي يترتب على تسجيل العلامة من حيث المبدأ هو تقرير الحق فحسب. (7)
ويترتب على نشوء الحق اكتساب العلامة التجارية الحماية والتي سيأتي الحديث عنها في المطلب الثاني.
____________________
(1) محمدين ، جلال: وفاء الحماية القانونية للملكية الصناعية ،مرجع سابق،ص 115.
(2) اتفاقية تريبس ، 1883، المادة 19/1 والمادة (16) .
(3) الشمري ، محمد : محاضرات ألقيت في جامعة اليرموك،غير منشورة، 2006م .
(4) قرار عدل عليا ، رقم (64/77) مجلة نقابة المحامين ، سنه 1997م ،ص 403.
(5) الشمري ، محمد : محاضرات ألقيت في جامعة اليرموك،غير منشورة، 2008م.
(6) محمدين ، جلال وفاء : الحماية القانونية للملكية الصناعية ،مرجع سابق، ص110 .
(7) زين الدين ، صلاح :العلامات التجارية وطنياً دولياً ، دار الثقافة عمان ، الطبعة الاولى، 2006،ص200.
المطلب الثاني : اتساع دائرة الحق
ذكرنا سابقا أن العلامة التجارية تمثل حقا معنويا ينشأ لصاحبه بتسجيلها أو باستخدامها
وفي كل حق من الحقوق تمثل استئثارا لصاحبها سواء باستغلالها أو استعمالها بكافة الأشكال، ومن صور الاستئثار أيضا منع الغير من استعمالها وهي تتمثل بحماية الحق.
فيظهر جليا حدود هذا الحق بمختلف أشكاله لصاحبه و للغير و تكون حدوده موسّعة و ذات نطاق اكبر في حالة استغلالها و منع الغير من الانتفاع بها بغير رضاه.
و العلامة التجارية هي حق لصاحبها كما أسلفنا, ففيها حدود تتسع و حدود تضيق، و من صور اتساعها التي أوردها القانون ترك استئثارها لصاحبها فقط .
فيمنع القانون الاعتداء على العلامة التجارية بحمايتها وهي :
1- حماية مدنية ترتب التعويض لصاحب العلامة في حال الاعتداء عليها و ترتب الضرر على صاحبها .
2- حماية جزائية ترتب عقوبة جزائية على مرتكب الجرم (الاعتداء) سواء بالحبس أو غرامة مالية و شطب العلامة المزورة و حجز البضائع المزورة.
إلا أن الحماية الجزائية لا تترتب إلا في حالة تسجيلها, أي لا عقوبة على الاعتداء على العلامة التجارية غير المسجلة؛ لذلك لن نتطرق في بحثنا عن الحماية الجزائية, لأن موضوع بحثنا هو العلامة التجارية غير مسجلة .
لذا سوف نبحث في الحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة في القانون المدني الأردني حسب القواعد العامة (فرع أول).
كما سنبحث في حماية العلامة التجارية غير المسجلة في قانون العلامات التجارية الخاص (فرع ثاني).
الفرع الأول : الحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة في القانون المدني الأردني
تنص المادة(256) من القانون المدني الأردني على أن ” كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر”.
ومن الواضح أن هذه قاعدة عامة تتضمن حماية مدنية لكل حق أياً كان مصدره وأياً كانت طبيعته ، والأصل أن العلامة التجارية سواء كانت مسجلة أو غير مسجلة تتمتع بالحماية المدنية وفقاً للقواعد العامة للمسؤولية في القانون المدني.
ذلك أن من حق مالك العلامة التجارية ولو كانت غير مسجلة، أن يبادر للدفاع عن أي اعتداء يقع من الغير على علامته التجارية إذا أدى ذلك إلى إصابته بضرر.
ومفاد ذلك أن أركان المسؤولية التقصيرية وفقاً للقانون المدني الأردني، تتمثل في الفعل الضار والضرر والرابطة السببية.
وجدير بالذكر أن المشرع الأردني لم يشترط في مرتكب الفعل الضار الإدراك كما هو الشأن في القانون المدني المصري، بل اكتفى بالجانب المادي للخطأ المتمثل في الفعل الضار واشترط كذلك وقوع الضرر سواء أكان هذا الضرر مادياً أو أدبياً.
وفي خصوص الضرر الأدبي نصت المادة(1/267) من القانون المدني الأردني على أن ” يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك فكل تعدى على الغير في حريته أو في عرضه، أو في شرفه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي يجعل المعتدي مسؤولاً عن الضمان “.
علاوة على ذلك فلا بد من قيام رابطة السببية بين الفعل الضار والضرر الذي أصاب المضرور.
وعلى ذلك فإن مالك العلامة التجارية غير المسجلة يستطيع أن يحمي علامته وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية في القانون المدني الأردني إذا استطاع أن يثبت واقعة التعدي على هذه العلامة، سواء كان هذا التعدي بالتقليد أو بالتزوير أو أي صورة أخرى، إذا نتج عن ذلك ثمة ضرر من جراء هذا التعدي، سواء أكان هذا الضرر مادياً أو أدبياً شريطة قيام رابطة السببية بين واقعة التعدي والضرر الذي لحق به. (1).
والحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة في القانون الأردني لا تستند على القواعد العامة الواردة في نطاق المسؤولية التقصيرية فحسب، بل أن القانون المدني الأردني قد وفر حماية أخرى لمالك العلامة التجارية غير المسجلة متى كانت هذه العلامة مستمدة من الاسم الشخصي لمالكها أو من لقبه بدلالة المادة(48) منه التي تنص على أنه:
” لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر”.
المادة(49) من ذات القانون التي تنص أن:
” لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه أو لقبه أو كليهما بلا مبرر ومن انتحل الغير اسمه أو لقبه أو كلاهما دون حق أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر”.
ومفاد ذلك أن القانون المدني الأردني قد أسبغ حمايته على كافة الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان ومنها حق الإنسان في اسمه ولقبه، ومن ثم فإن أي تعدي يقع على هذا الاسم أو اللقب يحق لصاحبه أن يطلب من القضاء وقف هذا الاعتداء، علاوة على التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر، سواء كان هذا الضرر مادياً أو أدبياً، وبالتالي فإن مالك العلامة التجارية غير المسجلة إذا استعمل اسمه أو لقبه كعلامة تجارية، فإن له أن يستند إلى المادتين(4 ، 48) ، من القانون المدني سالفة الذكر لدفع أي اعتداء يقع على علامته التجارية في هذه الحالة. (1)
كذلك قد يستخدم البعض الاسم التجاري والعنوان التجاري كعلامة تجارية ففي هذه الحالة فإن هذه العلامة تتمتع بالحماية المدنية وإن كانت غير مسجلة، فقد نصت المادة 36 من قانون العلامات التجارية الأردني على أنه ” لا يمنع التسجيل الجاري بمقتضى هذا القانون أي شخص من استعمال اسمه الخاص أو اسم المحل عمله أو اسم أحد أسلافه في العمل استعمالاً حقيقيا ُأو من استعمال أي وصف حقيقي لبضائعه من حيث النوع والصنف” ، وعليه يكون الاعتداء على هذه العلامة المنطبق عليها نص المادة السابقة اعتداء على اسم ذلك الشخص أو لقبه أو اسم محله التجاري. (2)
الفرع الثاني : الحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة وفقاً لقانون العلامات التجارية الأردني
الحماية المدنية للعلامة التجارية غير المسجلة وفقاً لنص المادة(34) من قانون العلامات التجارية الأردني.
تنص المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني على أنه:
” لا يحق لأحد أن يقيم دعوى بطلب تعويضات عن أي تعد على علامة تجارية غير مسجلة في المملكة”.
ويلاحظ من النص المذكور أعلاه أنه قد منع إقامة دعاوى بطلب التعويضات عن الاعتداء على العلامة غير المسجلة أياً كانت صورة هذا الاعتداء؛ سواء بالتقليد أو بالتزوير أو غير ذلك. فهل جاء هذا المنع جامعاً مانعاً؟ بمعنى أنه يشمل مالك العلامة التجارية غير المسجلة وغيره، أم أنه مقصور على مالك العلامة التجارية غير المسجلة فقط؟
ذهب الرأي الغالب في الفقه الأردني إلى أنه هذا المنع قد جاء شاملاً لكافة الأشخاص سواء كان هذا الشخص هو مالك العلامة التجارية أو تاجراً آخر أو حتى شخص من الجمهور، أضير من تعدي شخص ما على علامة تجارية غير مسجلة مملوكة لشخص معين.(1)
غير أننا نفسر هذا النص تفسيراً يخالف هذا الرأي ونرى أن المشرع الأردني عندما استخدم عبارة(لا يحق لأحد) إنما قصد بذلك أحد ملاك العلامات التجارية غير المسجلة ولم يقصد بحال من الأحوال غيرهم كجمهور المستهلكين على سبيل المثال، والسند في ذلك أنه عند الاختلاف في تفسير نص معين فإن القواعد العامة للتفسير تقضي بالبحث عن العلة التي توخاها المشرع عند إصدار للنص(2) وقد ذهب أحد أصحاب الرأي أعلاه(3) ويحق إلى أن العلة من النص الماثل ” هي تشجيع إن لم يكن إلزام مالك العلامة على تسجيل علامته ولكن بصورة حتمية وغير مباشرة إذ أن حرمان مالك العلامة التجارية غير المسجلة يدفعه إلى المبادرة بتسجيل علامته حماية لها من اعتداء الغير، وحفظاً لحقه في طلب التعويض عن أي تعد في حالة وقوعه ، ما دام أن عدم قيامه بتسجيل علامته يحول بينه وبين حماية حقه في علامته عند وقوع الاعتداء عليها” فإذا كانت هذه العلة التي دفعت المشرع لأن يورد هذا النص فإن مقتضى ذلك أن ينصب المنع من المطالبة بالتعويض على مالك العلامة التجارية غير المسجلة فقط دون غيره من الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض إذاً أصابهم ضرر من جراء اعتداء شخص ما على العلامة التجارية غير المسجلة المملوكة لشخص آخر وما يؤيد ذلك ما ذهب إليه جانب آخر من الفقه إلى وجوب عدم التوسع في تفسير هذا النص لأنه يعد استثناءً على القواعد العامة في المسؤولية عن الفعل الضار. (1).
إننا نرى أن نص المادة(34) من القانون العلامات التجارية الأردني فيما يتعلق بتعارضها مع اتفاقية تربس من منع حق التعويض بالنسبة للعلامة التجارية غير المسجلة، لم يعد حائلاً يحول بين من أصابه ضرر من جراء الاعتداء على علامة تجارية غير مسجلة، وبين القيام برفع دعوى تعويض عن ذلك بل أصبح من حق كل من أصابه هذا الضرر أن يقيم دعواه بالتعويض استناداً إلى أحكام اتفاقية تربس والقواعد العامة في المسؤولية وقانون المنافسة غير المشروعة.
أما فيما يتعلق بمتن الفقرة (1) من المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني والتي تنص على أنه:
” …إلا أنه يحق له أن يتقدم إلى المسجل بطلب لإبطال علامة تجارية سجلت في المملكة من قبل شخص لا يملكها بعد أن كانت مسجلة في الخارج إذا كانت الأسباب التي يدعيها هي الأسباب الواردة في الفقرات ( 6) و(7) و(10) و(12) من المادة (8)من هذا القانون .
ومفاد ذلك أن المشرع الأردني قد أعطى حماية جزئية لمالك العلامة التجارية غير المسجلة بأن أعطاء الحق في أن الحق في أن يطلب من المسجل إبطال تسجيل علامة تجارية سجلت في المملكة بناء على طلب شخص لا يملك هذه العلامة ولكنه اشترط لإسباغ هذه الحماية توافر شرطين:
1.أن تكون هذه العلامة سبق تسجيلها في الخارج.
2. أن يكون السبب الذي يستند إليه طالب إبطال العلامة التجارية المسجلة أحد الأسباب الواردة على سبيل الحصر في الفقرات (6) و(7) و(10) و(12) من المادة (8) من قانون العلامات التجارية.
وجدير بالذكر أن الطلب الذي يتقدم به صاحب العلامة التجارية غر المسجلة في الأردن إلى مسجل العلامات التجارية يجوز استئنافه وفقاً للمادة (24/2) من قانون لعلامات التجارية الأردني خلال ستين يوماً من تاريخ تبليغه به بعد صدور قرار المسجل.
وتنص المادة(37) من قانون العلامات التجارية الأردني على أنه ” ليس في أحكام هذا القانون ما يؤثر في حق إقامة الدعوى على أي شخص بسبب تصريفه بضائع باعتبارها تخص شخصاً آخر أو في تأمين حقوق صاحب البضاعة” .
ويبدو أن هذا النص يعطي مالك العلامة التجارية غير المسجلة الحق في أن يقيم دعوى ضد أي شخص يقوم بتصريف بضائعة مستعملاً بدون وجه حق تلك العلامة الخاصة به ووضعها على بضائعه إذ يحق للأول- أي مالك العلامة التجارية غير المسجلة- أن يطلب وقف هذا التعدي على علامته التجارية، ذلك لأن مصالحه بلا شك سوف تتضرر وأن سمعته التجارية سوف تتأثر سلباً بهذا التعدي.
ويلاحظ أن لفظ (الدعوى) الذي ورد في النص سالف الذكر وإن جاء مطلقاً فإن المشرع الأردني قد قصد بذلك دعوى وقف التعدي فقط على العلامة التجارية غير المسجلة بمنع المدعى عليه من الاستمرار في تصريف البضائع التي ينسبها بدون وجه حق إلى المدعي، وذلك تأمينا لحقوق مالك العلامة دون أن يكون له الحق في المطالبة بالتعويض المادي عن الأضرار التي أصابته من جراء التعدي على علامته التجارية غير المسجلة، ذلك أنه لو أعطي الحق في المطالبة بالتعويض المادي عن هذه الأضرار لكان ذلك تعارضاً مع نص المادة(34) من قانون العلامات التجارية.
وهذا التفسير الذي يمكن الاستناد إليه هو التفسير الذي يتفق- حسب اعتقادنا –مع قصد المشرع الأردني، ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يمنع المشرع الأردني مالك العلامة التجارية غير المسجلة من حق طلب التعويض وفقاً لصريح نص المادة(34) من قانون العلامات التجارية الأردني ثم يعود فيمنحه له في المادة(37) من ذات القانون، وإنما المنطق القانوني في التفسير يقتضي فهم ذلك على أساس أن المشرع قد منعه من الحق في المطالبة بالتعويض المادي في المادة(34) ولكنه أباح له طلب وقف التعدي على علامته التجارية غير المسجلة وعدم الاستمرار فيه، وفقاً للمادة(37) سالفة الذكر ، ومن الجدير بالذكر أننا لم نعثر بين أحكام القضاء الأردني على تطبيق لنص المادة(37) وهذا ما يؤيد رأينا بوجود قصور من القضاء الأردني في عدم الالتفاف إلى نص المادة المذكورة الذي يشكل سنداً قانونياً لتوفير الحماية للعلامة التجارية غير المسجلة بصورة وقف التعدي وعدم الاستمرار فيه.
وبالتالي فإننا نرى أن التفسير سالف الذكر يؤدي إلى الجمع في التطبيق بين المادتين(34و37) دون أن يؤدي إلى قيام تعارض بينهما ، ولا شك أن إعمال النصوص مجتمعة خير من إعمال نص وإهمال آخر، كما فعل القضاء الأردني حيث أعمل المادة (34) من قانون العلامات التجارية وأهمل نص المادة (37) من ذات القانون.
وبالتالي فإننا لا نتفق مع الرأي الذي ذهب إلى اعتبار نص المادة (37) من قانون العلامات التجارية الأردني، استثناءاً على نص المادة(34) وأنه يجوز بالاستناد إلى هذا الاستثناء إقامة دعوى بالمطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي أصابت صاحب العلامة التجارية غير المسجلة، وبوقف التعدي عليها وقد تطلب هذا الرأي لإقامة هذه الدعوى توافر شروط ثلاثة هي:
1. توافر الثقة التجارية للمدعى.
2. وجود مزاعم أو ادعاءات كاذبة من المدعى عليه فيما يتعلق بالبضائع المقدمة من قبله.
3. تحقق الضرر للثقة التجارية للمدعى- أو احتمال تحقق هذا الضرر – كنتيجة لمزاعم وادعاءات المدعى عليه الكاذبة.
4. وفي ذات الاتجاه ذهب رأي آخر (1) يؤيد ما ذهبنا إليه إلى أن المادة(34) من قانون العلامات التجارية الأردني هي استثناء من القاعدة العامة للمسؤولية على الفعل الضار وأن هذا الاستثناء يجب عدم التوسع في تفسيره أو القياس عليه وبالتالي فإن عدم الحق في المطالبة بالتعويض عن أي تعدى على علامة تجارية غير مسجلة لا يشتمل الحالة المنصوص عليها في المادة(37) من قانون العلامات التجارية الأردنية.
لقد رتبت التشريعات حقا مكتسبا للعلامة التجارية يثبت لصاحبها، كما رتبت حقوقا للغير تنقص من الحق المترتب لصاحب العلامة التجارية، وهي ما يعتبر كأثر سلبي ناتج عن استخدام العلامة التجارية، وهذا ما سنتطرق له في المبحث الثاني.
[1])) أبرمت اتفاقية (TRIPS) في 10-4-1994 وذلك إثر التوقيع على اتفاقية التجارية العالمية.
([2]) أبرمت هذه الاتفاقية في 20-3-1883 بحضور إحدى عشر دولة.
[3])) شفيق: محسن, الوسيط في القانون التجاري, الجزء الأول, بدون دار نشر, القاهرة, 1951,ص209.
([4]) قانون العلامات التجارية الأردني رقم (33) لسنة 1952, منشور في الجريدة الرسمية, العدد (1110) بتاريخ 11-6-1952 ص242.
(2) مثال ذلك, العلامة التجارية العائدة إلى ” كوكا كولا ” حيث بلغت قيمتها (39) مليار دولار وفقاً لإحصائيات 1998.
[5])) قانون العلامات التجارية الأردني رقم (33) لسنة 1952, المعدل بالقانون رقم (34) لسنة 1999.
(1) الخشروم، عبدالله حسين: الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، دار وائل للنشر ، الطبعة الأولى ، ص179.
1-حمدان، ماهر فوزي، حماية العلامات التجارية ، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الأردنية،1999-،ص115، الملكاوي .
(2) قرار محكمة العدل العليا رقم 81/67 مجلة نقابة المحامين – العدد 2، 3 سنة1968 صفحة18.
1 زين الدين، صلاح: شرح التشريعات الصناعية،دار الثقافة،الطبعة الأولى،2000 ، ص174.
2 كيرة ،حسن :المدخل إلى القانون ،منشأة المعارف، الطبعة الخامسة،ص44.
3 د. زين الدين ،صلاح: شرح التشريعات الصناعية، مرجع سابق ص173-174.
1 الناهي،صلاح الدين: الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية ، دار الفرقان،الطبعة الاولى،1983،ص259.
1 الناهي ،صلاح الدين:الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، مرجع سابق ص259 .
اترك تعليقاً