بحث كامل في الإلتزامات حول ماهية العقد و تقسيماته
خطة الموضوع :
مقـدمـــــة
المبحث الأول: ماهية العقد
المطلب الأول: مفهوم العقد
الفرع الأول: تعريف العقد
الفرع الثاني: مجال العقد و نطاقه
المطلب الثاني: أركان العقد
الفرع الأول: التراضي
الفرع الثاني: المحــــــــــل
الفرع الثالث: السبب
المبحث الثاني: تقسيمات العقود
المطلب الأول: تقسيمات العقود من حيث التسمية و التكوين
الفرع الأول : من حيث التسمية
الفرع الثاني: من حيث التكوين
المطلب الثاني: تقسيمات العقود من حيث الإلزام و تحديد قيمة الالتزام
الفرع الأول: من حيث إلتزام الأطراف
الفرع الثاني : من حيث تحديد قيمة الإلتزام
المطلب الثالث: تقسيمات العقود من حيث المقابل و مدى الإلتزام
الفرع الأول: من حيث المقابل
الفرع الثاني: من حيث الزمن
الخـاتـمـــــة
قائمــة المراجــع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
مقـدمـــــــــة:
التصرف بالمعنى الفقهي هو كل ما يصدر عن شخص بإرادته، ويرتب الشرع عليه نتائج حقوقية. وهو نوعان: فعلي وقولي: فالتصرف الفعلي هو ما كان قوامه عملاً غير لساني، كاستلام المبيع، و قبض الدين، وما شابه ذلك. و التصرف القولي نوعان: عقدي، وغير عقدي. وإن العبرة في تمييز التصرف القولي عن الفعلي إنما هي لطبيعة التصرف وصورته لا لمبناه الذي بني عليه. فلذا كان دفع الثمن وتسلم المبيع تصرفاً فعلياً ولو أنه مبني على عقد البيع.
و لا تخلو الحياة اليومية لكل فردمن الأفراد من التصرفات التي تكتسي صبغة خاصة فيتصف جانب من هذه المعاملات بأنها مصادر إرادية منشئة للالتزام و أخرى توصف بأنها مصادر غير إرادية وقد قسم الفقهاء المصادر الإرادية إلى الإرادة المنفردة و العقد. و هذا الأخير هو الذي تتمحور عليه دراستنا هذه، فما المقصود بالعقد؟ ما هي مجالاته؟ و ما هو الأساس الذي يقوم عليه؟
و لمعالجة هذه التساؤلات سنحاول في القسم الأول تبيان ماهية العقد من خلال إعطاء مفهوم له و لمجاله و الركائز التي يقوم عليها، أما في القسم الثاني و لكوْن أن هناك الكثير من أنواع العقود كعقود البيع والهبة و المقايضة و تأسيس الشركات وعقود الوكالات التجارية وعقود المقاولات و عقود الأشغال العامة وعقود الإدارة والتشغيل والصيانة و عقود تقديم الخدمات الاستشارية وعقود العمل وعقود التأمين وعقود الإيجار واتفاقيات القروض وعقود الرهن العقاري وعقود التجارة الدولية و الاعتماد المستندي وعقود استئجار السفن أو الطائرات والكثير من أنواع العقود الأخرى التي لم نجد لها تسمية، فإننا سنحاول ربطها ببعضها البعض بالنظر للقواسم المشتركة التي تجمعها و الخصائص المتماثلة التي تحتويها، وإعطاء التقسيمات التي اتفق بشأنها أغلب الفقه، و من البديهي جدا أن عدم المقدرة على إحصاء كل أنواع العقود يجرنا حتما إلى عدم القدرة على حصر تقسيماتها.
المبحث الأول: ماهية العقد
لقد وضع الفقهاء و الشراح موسوعات عديدة تناولت تفسير و شرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم “العقد” لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتباره الضابط الرئيس لأسس المعاملات التي تجري في مختلف الميادين، و سنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء عليه من خلال إعطاء مفهوم له و كذا أسسه و أركانه.
المطلب الأول: مفهوم العقد.
من الناحية النظرية، وقبل إعطاء مفهوم للعقد لابد من معرفة معنى الالتزام، فيعرف بأنه سلطة لشخص على آخر محلها عمل أو الامتناع عن عمل ذي قيمة مالية أو أدبية، بمقتضاها يلتزم شخص نحو شخص آخر موجود أو سيوجد، و تتبلور هذه السلطة في شكل عقد يبرمه الدائن و المدين فيصبح الطرفان متعاقدان و العقد شريعتهما.
الفرع الأول: تعريف العقد.
تطلق تسمية العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، وتستعمل أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، بما يتصل بمعنى الربط والتوثيق.
والعقد اصطلاحا هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه. و عرّفه المشرع الجزائري في المادة 54 من القانون المدني بقوله “العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص، أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين، بمنح، أو فعل، أو عدم فعل شيء ما”، من هذا التعريف، يتضح لنا بأن القانون المدنـي الجزائري قد سار مسار القانـون المدني الفرنسي في تعريف العقد بترجمة حرفية لنص المادة 1101، حيث جمع بين تعريف العقد والالتزام.
الفرع الثاني: مجال العقد و نطاقه.
يتحدد مجال العقد بالاتفاقات المنشئة للالتزامات بين أشخاص القانون الخاص، فتخرج من مجاله الاتفاقات المتعلقة بفروع القانون العام كالمعاهدة وهي اتفاق بين دولة ودولة أخرى وتحكمها قواعد القانون الدولي، والنيابة البرلمانية وهي اتفاق بين النائب وناخبيه وتحكمها قواعد القانون الدستوري، والوظيفة وهي اتفاق بين الحكومة والموظف وتحكمها قواعد القانون الإداري.
غير أنه حتى في مجال القانون الخاص تقتصر منطقة العقد على الاتفاقات المتعلقة بالذمة المالية، فنستبعد من مجاله الاتفاقات المتعلقة بروابط الأحوال الشخصية كالزواج، لأن الزواج ولو أنه، اتفاق بين الزوجين، إلاّ أن القانون وحده هو الذي يحدد آثاره، ولذا لا يعتبر عقداً بالمعنى الصحيح.
الفرع الثالث: مبدأ سلطان الإرادة.
إذا كان العقد، عبارة عن توافق أو اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر فهذا يعني أن إرادة أطراف العقد هي صاحبة السلطان الأكبر في تكوين العقد وفي تحديد الآثار التي تترتب عليه، لكن إلى أي مدى تعتبر هذه المقدمة صحيحة ؟
يذهب أنصار مبدأ سلطان الإرادة، إلى أن الإرادة الحرة الواعية هي أساس كل اتفاق، فهي العنصر الجوهري في تكوين العقد، وهي العنصر الجوهري في تحديد الآثار التي تترتب عليه كيفما يريد أطـراف العقد، مادامت هذه الإرادة لم تخرج في ذلك عن أوامر القانون ونواهيه. و أساس ذلك يرجع إلى منطلق أصحاب مبدأ سلطان الإرادة. و الذين يرون أن النظام الاجتماعي لا يقوم إلا على أساس الفرد ومدى حريته في إبرام التصرفات القانونية وتحديد مضمونها و بالتالي لابد أن يستمر الجميع لخدمة هذا الفرد فالفرد هو غاية القانون وهو الذي يجب حمايته لا العكس. و يترتب على هذا الاتجاه المبدآن الآتيان:
المبدأ الأول: أن كل الالتزامات، بل جميع النظم القانونية ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة دون حاجة لأي إجراء أو شكل خاص يفرضه القانون وهذا عكس ما كان عليـه الحال في القانون الروماني، الذي كان يشترط لينتج التعبير عن الإرادة أثره القانوني أن ينصب في قالب معين من الأشكال والألفاظ التي يحـددها القانـون وإلا كان التصـرف القانوني باطلا بطلانا مطلقا .
المبدأ الثاني: إن الإرادة وحدها التي تحـدد جميع الآثار التي تترتب على كافة العلاقات والروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد. إلا أن هذا المبدأ سرعان ما بدأ يختفي بَريقه أمـام التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي أصابت المجتمعات والتي أدت إلى ظهور المذاهب الاشتراكية والتي تنظر إلى العقد كنظرتها إلى أي نظـام اجتماعي غايته تحقيق التضامن الاجتماعي وتوجيه الإرادة إلى تحقيق ذلك، فغاية القانون ليست حمايـة الفرد، وإنما حماية المجموعة، وحماية الفرد تأتي من خـلال حماية المجموعة ويترتب على ذلك، أن الإرادة وان كانت تلعب دورا في إبرام التصرفات القانونية و تحديد آثارها، إلا أنها ليست كل شيء. و لو أمعنا النظر في جميع الروابط والعلاقات القانونية، لوجدنا صحة ما ذهبت إليه بعض المذاهب في تحديد الإرادة في إنشاء وتحديد آثار الروابط والاتفاقات القانونية في علاقات القانون العام و هي المصلحة العامة وليست مصلحـة الفرد بنفسه،ومن ثم يستقل القانون في تنظيمها دون تدخل الإرادة
أما في نطاق علاقات القانون الخاص، فان سلطان الإرادة يكون له دور كبير في تكوين عقد الزواج، إلا أن هذا السلطان لا يرتقي إلى تحديد الآثار القانونية التي تترتب على عقد الزواج، ويستقل القانون في ذلك ابتغاء حماية المصلحة العامة.
وفي مجال العلاقات المالية، نفرق بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية فالإرادة في مجال الحقوق الشخصية يكون لها الدور الأساسي والجوهري في تكوينها وتحديد آثارها بل تعتبر الإرادة المصدر الأساسي لها، أما في مجال الحقوق العينية وان كانت الإرادة مصدرها في معظمها، إلا أن القانون هو الذي يحدد الآثار التي تترتب عليها، بالإضافة إلى ذلك، فان الإرادة لا تستطيع وحدها إنشاء الحقوق العينية والتي لم يذكرها القانون، فالحقوق العينية وردت على سبيل الحصر لا على سبيل المثال.
و الإرادة تتقيد كذلك في نطاق الالتزامات التعاقدية -على الرغم من حريتها الواسعة- بالقيود الناشئة عن فكرة النظام العام والآداب العامة، فأي اتفاق يخالف النظام العام أو الآداب العامة يعتبر باطلا بطلانا مطلقا. و الإرادة كذلك تتقيد بالأشكال التي يحددها القانون لبعض التصرفات القانونية كعقد البيـع وعقد الهبة والرهن الرسمي وبالأشكال التي يحددها أطراف العقد.
هكذا نرى أن دور الإرادة في القوانين المعاصرة،لم يعد كما كان يذهب إليه أنصار مبدأ سلطان الإرادة، فلم تعد هي صاحبة السلطان الأكبر لا في مجال تكوين العقد ولا في مجال تحديد آثاره.
المطلب الثاني: أركان العقد.
يرتكز العقد على أركان ثلاثة هي: الـرضا و المحــل و السبب كركائز أساسية لأي عقد غير أنه يضاف إليها ركن آخر هو الشكلية في بعض العقود الخاصة.
الفرع الأول: التراضي:
يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين، دون الإخلال بالنصوص القانونية.كقاعدة عامة فإن التعبير عن الإرادة لا يخضع لشكل ما، بل يكون إما باللفظ أو بالإشارة المتداولة عرفا أو باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، حتى و إن كان ضمنيا كالبقاء في محل تجاري بعد انتهاء مدة الكراء.
أ- الإيجاب و القبول و تطابقهما:
يبدأ التراضي بالإيجاب و هو التعبير البات عن إرادة أحد الطرفين، الصادر من موجهه إلى الطرف الآخر،بقصد إبرام عقد بينهما. لكي ينتج الإيجاب أثره، يجب أن يصل إلى علم الشخص الذي وجه إليه
و القبول يجب أن يكون باتا أيضا، أي ينطوي على نية قاطعة و أن يوجه إلى صاحب الإيجاب وأن يطابق الإيجاب مطابقة تامة، فإذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه أو يغيره اعتبر رفضا يتضمن إيجابا جديدا. و بصفة عامة يمكن القول بأن ” الإيجاب يسقط إذا لم يقبل فورا “طبقا لما نص عليه القانون المدني في المادة 64 ” إذا صدر إيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا و كذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل. غير أن العقد يتم، و لو لم يصدر القبول فورا، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب و القبول، و كان القبول صدر قبل أن ينقض مجلس العقد”
فيما يخص التعاقد بين غائبين (أو التعاقد بالمراسلة) فقد اختار المشرع الجزائري نظرية “وصول القبول”بقوله “يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان و في الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان، و في الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول
ب- النيابة في التعاقد:
هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني، مع إضافة آثار ذلك التصرف إلى الأصيل. مبدئيا، تجوز النيابة في كل تصرف قانوني ولكن القانون يمنع النيابة في المسائل المحددة كعقد الزواج، و حلف اليمين…الخ. تخضع النيابة إلى ثلاثة شروط: أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل، أن يكون التعاقد باسم الأصيل، ألا يتجاوز النائب الحدود المرسومة لنيابته. و قد اعتبر المشرع الجزائري التعاقد مع النفس غير جائز بحيث من الممكن أن يغلب النائب مصلحته أو مصلحة أحد الطرفين على الآخر طبقا للمادة 77 التي تنص على:”لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر، دون ترخيص من الأصيل على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد كل ذلك مع مراعاة ما يخالفه، مما يقضي به القانون و قواعد التجارة”.
ج- صحة التراضي:
فضلا عن ذلك، أن صحة العقد تشترط، من جهة، أن يكون الطرفان أهلا لإبرامه (الأهلية) ومن جهة أخرى، أن لا يشوب الرضا عيب من العيوب التالية: الغلط و التدليس و الإكراه و لاستغلال.
1-الأهلية: تنقسم إلى قسمين أهلية وجوب وأهلية أداء. وتعرف أهلية الوجوب بأنها صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، و تثبت للشخص بمجرد ولادته حيا. و أهلية الأداء و هي صلاحية الشخص لاستعمال الحق، وبالتالي اكتساب لحقوق و تحمل الالتزامات، و تتأثر الأهلية بعدة عوامل أهمها السن حيث يشترط في الأهلية البلوغ. وكذلك تتأثر الأهلية بعوامل أخرى تسمى “عوارض الأهلية” و هي الجنون والعته والغفلة والسفه.” كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.و سن الرشد تسعة عشر سنة كاملة”
يجب الملاحظة أن عدم الأهلية أو نقصها هو قرينة قانونية قاطعة على عيب الإرادة بعكس العيوب الأربعة الأخرى ، فإنه يجب إثباتها وفقا لقول المشرع في نص لمادة 78 من القانون المدني:”كل شخص أهل للتعاقد ما لم يطرأ على أهليته عارض يجعله ناقص الأهلية أو فاقدها بحكم القانون”.
2- عيوب الرضا: سنحاول سرد أهم الشروط في عيوب الإرادة و لن نتناولها بالتفصيل لكونها مواضيع لبحوث لاحقة. و هي أربعة أنواع:
*الغـلط هو الاعتقاد بصحة ما ليس بصحيح أو بعدم صحة ما هو صحيح: إذا يسمح القانون لمن وقع فيه أن يطلب إبطال العمل الحقيقي، عندما يبلغ حدا كافيا من الجسامة، و يشترط فيه أن يكون الغلط جوهريا و بشرط أن يقع هذا الغلط في الشخص المتعاقد أو في قاعدة قانونية ثابتة، أي واردة في التشريع أو استقر عليها القضاء، و ليست محل أي خلاف.
* التدليس هو أن يستعمل أحد طرفي العقد، وسائل غايتها تضليل الطرف الآخر و الحصول على رضاه في الموافقة على عقد أي عمل حقوقي آخر. يستنتج من هذا التعريف أن التدليس يفترض أربعة شروط هي: استعمال الوسائل أو الطرق الاحتيالية بنية التضليل، اعتبار التدليس الدافع إلى العقد، أن يكون التدليس صادر من المتعاقد الآخر أو على الأقل أن يكون متصلا به.
*الإكراه هو الضغط المادي أو المعنوي الذي يوجه إلى شخص بغية حمله على التعاقد، أما القانون الجزائري فأخذ بالمعيار الذاتي، حيث أن المادة 88 من القانون المدني تنص على ما يلي: ” يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وتعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو ، أو أحد أقاربه، في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال.و يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه و سنه، وحالته الاجتماعية، و الصحية، وجميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه” و تضيف المادة 89 من نفس القانون: “إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الأمر”. حتى يترتب على الإكراه إبطال العقد، أو العمل القانوني، يجب أن يتوفر ثلاثة شروط: استعمال وسيلة من وسائل الإكراه، و أن تحمل هذه الوسيلة العاقد الآخر على إبرام العقد، أن تصدر وسيلة الإكراه من العاقد الآخر، أو تكون متصلة به.
* الاستغلال، و الغبن هو المظهر المادي للاستغلال و له عنصرين: عنصر مادي و عنصر معنوي فالعنصر المادي و هو عدم التعادل، أو عدم التكافؤ بين التزام المغبون و التزام الطرف الآخر الذي استغله، و يجب أن يكون فادحا أو فاحشا، و تقرير ذلك يرجع لقاضي الموضوع، أما العنصر المعنوي أوالنفسي و هو استغلال ما لدى المتعاقد الآخر من طيش أو هوى للتحصيل على التعاقد معه و يمكن القول أن هذا العنصر المعنوي متكون بدوره من ثلاثة عناصر مشار إليها في المادة 90 من القانون المدني وهي أولا، وجود طيش أو هوى عند أحد المتعاقدين فالطيش: هو الخفة، التي تتضمن التسرع و سوء التقدير، ويعرف الهوى بأنه الميل الذي يتضمن غلبة العاطفة و ضعف الإرادة. و هكذا فإن كان المتعاقد يجهل بقيام شيء من ذلك الطيش أو الهوى لدى المتعاقد الآخر فالعقد صحيح لعدم توفر الاستغلال. ثانيا، استغلال ما لدى المتعاقد الآخر من طيش أو هوى. ثالثا، أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المغبون إلى التعاقد.
الفرع الثاني: المحــــــــــل.
المحل هو النتيجة الحقوقية التي أراد الطرفان إعطاءها للعقد أو كل ما يلتزم به المدين، و هو: إما التزام بعمل أو بالامتناع عن العمل أو بإعطاء شيء و يقصد به نقل أو إنشاء حق عيني.
شروط المحل هي ثلاثة:
أ- أن يكون المحل ممكنا:
حسب المادة 93 إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته كان العقد باطلا بطلانا مطلقا. و يجب أن تكون الاستحالة مطلقة و قائمة وقت إنشاء العقد، أما الاستحالة اللاحقة لانعقاد العقد فجزاؤها الفسخ، لا البطلان. “يجب أن يكون محل الالتزام موجودا في الحال كما يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا ومحققا”، لكن في بعض الحالة يمنع المشرع التصرفات في الشيء المستقبَل مثلا في المواد 886،948،966 من القانون المدني. (الإيجار و الرهن الحيازي و الرهن الرسمي) التي تتطلب امتلاك العقار.
ب- أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين :
أو بصفة أخرى يجب أن يحدد محل الالتزام أو على الأقل أن يكون قابلا للتحديد. “إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته، ويجب أن يكون معينا بذاته، وجب أن يكون معينا بنوعه، و مقداره وإلا كان العقد باطلا و يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره، و إذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء ، من حيث جودته و لم يمكن تبيين ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر ، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط”
ج – أن يكون المحل مشروعا:
أي إذا كان محل الالتزام مخالف للنظام العام، أو الآداب كان العقد باطلا و هذا حسب المادة 96 من القانون المدني.
الفرع الثالث: السبب.
هو الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه وراء رضاه تحمل الالتزام، أي القصد الذي في سبيله تعاقد الشخصان. في العقد الملزم للجانبين يكون السبب في تنفيذ كل من الطرفين التزام الآخر، مثلا في عقد البيع: سبب التزام البائع هو في قبض ثمن المبيع بينهما السبب في التزام المشتري يكون في انتقال هذا المبيع إليه، أما في العقود الملزمة لجانب واحد يختلف السبب الدافع إلى التزام حسب نوع العقد.
يجب أن نفرق بين سبب العقد و محل العقد: فالسبب هو الجواب على السؤال الآتي، لماذا التزم المتعاقد؟
أما المحل هو الجواب على السؤال الآتي: بماذا التزم المتعاقد. و السبب الذي يهمنا هنا هو: الغرض المباشر مثلا: قبض الثمن. أما الغرض الغير مباشر فهو الباعث، مثلا: استغلال هذا الثمن في التجارة، وقد أختلف الفقهاء بين مؤيدين لنظرية السبب و متكون لها بدعوى عدم جدواها.
فوظيفة سبب العقد في النظرية الحديثة هي منع صحة عقد يبتغى بوسائل مشروعة للوصول إلى نتائج غير مشروعة، فبه تتحقق مصلحة المجتمع، و هي حماية الأخلاق و النظام العام، أي أن السبب المصلحي يتضمن فكرة الجزاء على الخطأ: و هو إرادة المتعاقدين تحقيق غاية غير مشروعة.
حسب المادة 98 من القانون المدني “كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك.و يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه”.
إذا للسبب شرطين:
أ- أن يكون السبب موجودا:
مثلا: إذا أكره شخص على توقيع تعهد بدين، كان التعهد بغير سبب و من ثم باطلا.و كذلك الحال في سندات المجاملة، إذا لا سبب لها فيما يخص المتعاقدين أو تعاهد في تجديد دين، في حين أن هذا الدين باطلا أو كان قد انقضى.
ب- أن يكون السبب مشروعا:
أي لم يخالف النظام العام و الآداب .فإذا كان السبب غير مشروع ، وقع العقد باطلا و مثال ذلك: دفع مبلغ مقابل ارتكاب جريمة أو الامتناع عن ارتكاب جريمة.
فالنظام العام هو مجموع الأسس السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي يقوم عليها مجتمع معين في وقت محدد، و فكرة النظام العام فكرة نسبية تختلف في المجتمع الواحد من زمن لآخر و واجب احترام النظام العام هو أمر حتمي و لو كان في ذلك تضحية بالمصالح الخاصة.
أما الآداب العامة فهي مجموع الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها نظام المجتمع و التي يرى الناس أنها واجبة إتباع في علاقاتهم و لذلك فلا يمكن الخروج عنها بالاتفاق الخاص و قوام فكرتها هو الرأي العام و ما يتأثر به من عوامل أخلاقية و اجتماعية يبعثها الغرف و الدين و الأخلاق و التقاليد في مجتمع و زمان معينين، و هي كذلك فكرة نسبية تتلف من مجتمع إلى آخر و من زمان لآخر.
المبحث الثاني: تقسيمات العقود
تتنوع العقود وتتعدد، حتى لا يكاد يحصرها عدّ. و الإرادة حرة في إنشاء الالتزام أيّاً كان، فالالتزامات ليست محددة، الأمر الذي يؤدي، بالضرورة، إلى تنوع العقود.
و القانون ينظم طائفة من العقود يمكن النظر إليها من حيث التسمية أو من حيث التكوين،و أخيرا من حيث الإلزام على أنه و من خلال اطلاعنا على عدة كتب تنوعت و تشعبت التصنيفات غير أنها تصب معظمها في قالب واحد و هو ما ستناوله من خلال هذا المبحث.
المطلب الأول: تقسيمات لعقود من حيث التسمية و التكوين
الفرع الأول : من حيث التسمية
أ- العقودالمسماة:
هي تلك العقود التي خصها القانون باسم معين، ونظمها، لشيوعها بين الناس. و هي “إما أن تقع على الملكية، كالبيع، والمقايضة، والهبة، والشركة، والقرض، والصلح. وإما أن تقع على المنفعة، كالإيجار وعارية الاستعمال. و إما أن تقع على العمل، وهي المقاولة، والتزامات المرافق العامة، وعقد العمل، والوكالة والوديعة والحراسة. و يضاف إلى ذلك عقود الغرر، وهي المقامرة، والرهان، و المرتب مدى الحياة، وعقد التأمين، ثم عقود التأمينات الشخصية والعينية، وهي الكفالة ورهن الحيازي والرهن الرسمي”.
العقد المسمى هو عقد خصه المشرع باسم معين و بنصوص تنظم أحكامه بالذات في المجموعة المدنية:كالبيع و المقايضة و الشركة و القرض و الصلح و الإيجار و العارية و المقاولة و الوكالة و الوديعة والحراسة و غيرها.
و يعرف الدكتور وهبة الزحيلي هذه العقود بأنها ما وضع الشرع لها اسما خاصا بها و بين أحكامها المترتبة عليها كالبيع و الإجارة و الشركة و الهبة و الكفالة و الحوالة و الوكالة و الرهن و القرض والصلح و الزواج و الوصية و نحوها.
ب – العقود غير المسماة:
هي التي لم يوضع لها اسم خاص في الشرع و لم يرتب لها التشريع أحكاما خاصة بها و إنما استحدثها الناس تبعا لحاجة ما. و هي كثيرة لا تحصر، لأنها تنشأ بحسب تعدد حاجات الناس و تطور المجتمعات و تشابك المصالح. أو بعبارة أخرى هي تلك العقود، التي لم يخصها المشرع باسم معين، ولم يقم بتنظيمها، وذلك لقِلة شيوعها. وما دامت القاعدة أن الإرادة حرة في إنشاء ما تشاء من عقود، كان من المستحيل حصر العقود غير المسماة.
المسماة.
و طائفة العقود المسماة في تطور مستمر، فقد يصبح عقداً من الشيوع بأهمية إلى درجة توجب تنظيمه، فيتدخل المشرع، منظماً له، و ينتقل بذلك، من العقود غير المسماة إلى العقود المسماة. و هذا ما فعله المشرع حين نظم عقد التأمين.
و إذا كان من المستحيل تعداد العقود المختلفة، فإنه من الممكن، على الأقل، وضع تقسيمات مختلفة لها، وذلك بقصد بيان ما تتخصص به كل طائفة منها.
و من أمثلة العقود غير المسماة العقد الذي تتعهد بموجبه دار النشر بطبع كتاب لمؤلف معين، و عقد الحضانة، وعقد المباريات الرياضية، و عقد الإعلان، و عقد السيرك و غيرها.
الفرع الثاني: من حيث التكوين
أ- العقود البسيطة :
وهو ما اقتصر على عقد واحد ولم يكن مزيجاً من العقود، فالعقد البسيط هو عقد يتناول نوعا واحدا من العقود تنجز في شكل عملية واحدة و بدفعة واحدة و من ثم وجدت بساطة تداوله فإذا غير أو أصيف إليه أي تعديل من حيث الموضوع صار مركبا ومن أمثلة العقود البسيطة نجد عقد البيع أو الإيجار أو الهبة…الخ.
ب- العقود المركبة أو المحتلطة :
العقد المختلط هو الذي يجمع بين عدة عقود متكاملة امتزج بعضها بالبعض الآخر، و عادة يكون من العقود غير المسماة، مثل ذلك العقد الشائع بين صاحب الفندق و النزيل إذ هو مجموع يشتمل على عقد إيجار بالنسبة للغرفة، و عقد عمل بالنسبة للخدمة، وعقد بيع بالنسبة للطعام، و عقد وديعة بالنسبة للأمتعة. و كذلك العقد الذي يبرم بين صاحب المسرح و الجمهور فهو يشمل عقد إيجار بالنسبة للمقعد، و عقد عمل بالنسبة للمسرحية التي تعرض على الجمهور.
المطلب الثاني: تقسيمات العقود من حيث الإلزام و تحديد قيمة الالتزام.
الفرع الأول: من حيث التزام الأطراف.
أ- عقد ملزم للطرفين :
تنص المادة 55 من القانون المدني الجزائري على أنه يكون العقد ملزما للطرفين متى تبادل المتعاقدان الالتزام بعضهما بعضا ويسمى، كذلك، عقداً تبادلياً. وهو عقد تنشأ، بموجبه، التزامات متقابلة على كل من طرفيه. فيكون كل منهما دائناً ومديناً، في الوقت عينه، مثل عقد الإيجار وعقد البيع، وهو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين. و على هذا يعتبر كل متعاقد دائنا و مدينا في آن واحد كعقود الإيجار و المقايضة و المقاولة و العمل.
ب- عقد ملزم لطرف واحد :
هو العقد الذي لا ينشىء التزامات إلا في جانب واحد، أي يكون بمقتضاه احد الطرفين مدينا والآخر دائنا فقط)المادة 56 ق.م(. و مثال ذلك عقود القرض، و الهبة، و الوكالة بغير أجر، و الوديعة بغير أجر. ونلاحظ هنا أن كلمة “جانب واحد” مقصود بها أثر العقد لا تكوينه أو انعقاده، فهو عقد ثنائي التكوين، أحادي الأثر.
و يعرف الدكتور الزحيلي هدا النوع من العقود بأنها “هي تلك العقود التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ و الرجوع، كالإيداع و الإعارة و الوكالة و الشركة و المضاربة و الوصية و الهبة، فالعقود الخمسة الأولى يجوز لكل من العاقدين فسخ العقد متى شاء. و الوصية و الهبة يصح للموصي و الواهب الرجوع عنها، كما يصح للموصى له و الموهوب له ردها أو إبطالها بعد وفاة الموصي، و في حال حيلة الواهب”.
الفرع الثاني : من حيث تحديد قيمة الالتزام.
أ- عقود محددة :
العقد المحدد هو الذي تنشأ عنه في ذمة طرفيه التزامات محققة الوجود و محددة القدر، بحيث يستطيع كل منهما أن يحدد وقت انعقاده و القدر الّذي أخذه، و القدر الذي أعطاه. و قد نص عليه القانون المدني الجزائري في المادة 57/1 تحت اسم العقد التبادلي: “يكون العقد تبادليا متى التزم احد الطرفين بمنح أو فعل شيء يعتبر معادلا لما يمنح أو يفعل له”
فالعبرة في العقد المحدد هي عِلم كل متعاقد وقت التعاقد بالمقدار الذي يعطيه و المقدار الذي يأخذه بمقتضى هذا العقد، مثل عقد البيع الذي لا ينعقد ما لم يكن المبيع و الثمن محددين.
وهو العقد الذي بموجبه ” يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أعطى والقدر الذي أخذ”. و هو العقد الذي يعرف فيه كل متعاقد، وقت انعقاده، مدى ومقدار غنمه أو غرمه من العقد، أي مقدار ما سيأخذ ومقدار ما سيعطي، بصرف النظر عن التعادل بين هذين المقدارين.
ب- عقود احتمالية:
وتسمى أيضا بعقود الغرر. و لا يعرف فيها كلا المتعاقدين، أو أحدهما مقدارما يعطي أو ما سيأخذ، وقت انعقاده، و لا يتحدد ذلك إلا في المستقبل، كعقد البيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة، حيث الثمن لا يتحدد إلا بموت المشتري والموت أمر لا يعرف وقت حصوله. و العقد الاحتمالي هو كذلك عقد لا يستطيع فيه كل طرف، لحظة انعقاده، أن يحدد القدر الذي سيعطيه أو الذي سيأخذه، لأن هذا و ذاك يكون متوقفا على أمر مستقبل غير محقق الوقوع. (المادة 57/2 ق.م)، و مثال ذلك عقود التأمين، و اليانصيب، و المقامرة، وبيع الثمار قبل نضوجها بثمن جزافي.
المطلب الثالث: تقسيمات العقود من حيث المقابل و مدى الالتزام.
الفرع الأول: من حيث المقابل.
أ- عقد المعاوضة :
هوالعقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما أعطى و لما التزم، مثل عقد البيع والإيجار و المقايضة (التبادل)، فتتكافؤ فيه الكفتان من حيث الحقوق و الالتزامات، فالبيع هو أخذ ثمن مقبل تسليم المبيع و كذالك التبادل فهو تعويض شيء في حوزة الطرف الأول بما يقابله و الذي يكون في حوزة الطرف الثاني.
و هو ما نصت عليه المادة 58 من القانون المدني “العقد بعوض هو الذي يلزم كل واحد من الطرفين إعطاء، أو فعل شيء ما”.
ب- عقد التبرع :
هو العقد الذي لا يأخذ فيه أحد المتعاقدين عوضا لما أعطاه كالهبة و العارية و الوديعة و القرض بدون فائدة و الوكالة بدون أجر و غيرها. و تجدر الإشارة هنا إلى أن أغلب المعاوضات هي عقود ملزمة للجانبين، و أغلب التبرعات هي عقود ملزمة لجانب واحد.
و ترجع أهمية تقسيم العقود إلى معاوضة و تبرع إلى أنه في مجال المسؤولية العقدية أن مسؤولية المتبرع أخف عادة من مسؤولية المعاوض، كما أنه يشترط القانون في المتبرع أهلية المتبرع )باعتبار التبرع من التصرفات الضارة ضررا محضا( في حين يشترط أهلية التصرف في المعاوض، كما أن الأصل العام في عقود التبرع أن الغلط في شخص المتعاقد يعيب الرضا، فيجعل العقد قابلا للإبطال، و أخيرا في المعاوضات لا بد من التواطؤ بين المدين و المتصرف له للطعن فيها، بينما في التبرعات لا يعتبر الإثبات شرطا للطعن فيها عن طريق الدعوى البولصية.
الفرع الثاني: من حيث الزمن
أ- العقد الفوري :
وهو عقد ينشأ بين طرفَيه التزامات قابلة، بطبيعتها، لأن تنفذ دفعة واحدة. و لا يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه. ولا ينشأ بين طرفَيه علاقة قانونية ممتدة بطبيعتها. و يظل العقد فورياً، حتى و لو أجل فيه التزام أحد الطرفين إلى أجل مستقبل. فالبيع بثمن مؤجل، هو عقد فوري، ذلك أن الزمن لا يتدخل في تحديد مقدار هذا الثمن، و إنما يحدد فقط موعد تنفيذه. ويظل كذلك،حتى لو قسط المقابل على أقساط، و من ثم فإنه العقد الذي تحدد فيه التزامات المتعاقدين بغض النظر عن وقت تنفيذها، بحيث لا يؤثر على مقدار الالتزامات التي يرتبها العقد على عاتق المتعاقدين، و يتم عادة تنفيذ هذه العقود دفعة واحدة وعلى الفور مما يبرر تسميتها هذه، كبيع الجريدة مثلا، حيث يتسلم الجريدة فورا ويدفع الشخص في نفس الوقت ثمنها. و التأخير في التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال متتابعة بإرادة المتعاقدين المحضة لا ينال حتما من طبيعة العقد كبيع السيارة مثلا.
ب- العقد المستمر:
وهوعقد يستلزم، بطبيعته، أن ينشأ بين طرفيه التزامات، يستمر تنفيذها فترة من الزمن، أو يتكرر هذا التنفيذ عدة مرات، مثل عقد الإيجار، وكذلك عقد التوريد.
و هناك مفهوم آخر لهدا النوع من العقود مفاده أن:العقد الزمني أو الممتد هو العقد الذي يعتبر الزمن معيارا لتنفيذ التزاماته و عنصرا جوهريا فيها مثل عقد الإيجار و عقد العمل، فهما عقدان يعتبر الزمن عنصرا جوهريا فيهما. فلا يتصور أن يكون عقد إيجار أو عقد عمل بدون أن يكون كل منهما يوميا أو شهريا، فالزمن هو الذي يقاس به عقد الإيجار أو عقد العمل.
ما يلاحظ من خلال هذين النوعين من العقود أن فسخ العقد الفوري ذو أثر رجعي خلافا للعقد المستمر أو الممتد، و تقابل الالتزامات في العقد المستمر الإيجار مقابل ثمن الإيجار، و تعديل شروط العقد يكون غالبا في العقود الممتدة زيادة الأسعار و التكاليف، على خلاف العقود الفورية فلا مجال فيها غالبا لتطبيق هده النظرية لان الالتزامات تنفذ فيها في الأصل فورا.
الخـاتـمــة:
لقد حاولنا قدر الإمكان من خلال عملنا هذا تسليط الضوء على النظام القانوني للعقد و إعطاء المفاهيم التي تخصه والتي اعتمد عليها المشرع الجزائري في صياغته للقانون المدني، ولم نغص بالقدر الكافي في التفاصيل لكون أن الموضوع طويل جدا من جهة و من جهة أخرى فإن بحثنا هذا هو البحث الأول الذي يعد بمثابة تمهيد للمواضيع القادمة.
ففي المبحث الأول تعرضنا إلى التعريف و الأسس و الأركان و راعينا وجود بحوث أخرى لاحقة لهذا البحث، لها علاقة وطيدة بهذه العناصر و قد تتعرض لها بشكل أدق. أما في المبحث الثاني فقد تطرقنا إلى مختلف تقسيمات العقود و التي وردت على سبيل المثال لا الحصر إذ يتضح جليا وجود عدة تشعبات وأنواع من العقود ولا يمكن في أي حال من الأحوال حصرها، و يعزى هذا إلى تعدد مختلف النشاطات والتعاملات التي يقوم بها الأشخاص سواء أكانوا طبيعيين أم اعتباريين، إضافة إلى ذلك، فإن هناك تداخل في علاقات الأشخاص أو أطراف العقد فيما بينهم مما يؤثر في أحيان معينة على تكوين العقد و انتمائه لأي قسم من الأقسام التي أوردناها، و مثاله البيع و الهبة و الوصية…الخ.
و في الختام أقول إن موضوع البحث أوسع بكثير من أن يُحصر في هذه الأسطر القليلة، و ما هذا البحث إلا مدخل بسيط لدراسة نظرية الالتزام، لذا نرجو أن نكون قد وفقنا و لو بالشيء القليل في إزالة بعض الغموض الذي يحيط بمثل هذه الموضوعات القانونية، و آمل أن يجد فيه قارئه أجوبة عن تساؤلات قد تتبادر إلى ذهنه.
قائمة المراجــع :
د. السنهوري عبد الرازق ، الوسيط في شرح القانون المدني (1997)
اترك تعليقاً