دراسة وبحث قانوني هام عن الدستور وأنواعه
المبحث الأول
تعريف الدستور
– التعريف اللغوي:
الدستور كلمة فارسية تعني الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجند، والذي تجمع فيه قوانين الملك، وتطلق أيضا على الوزير، وهي مركبة من كلمة ” دست ” بمعنى قاعدة، وكلمة ” ور” أي صاحب، وانتقلت إلى العربية من التركية بمعنى (قانون، وإذن) ثم تطور استعمالها حتى أصبحت تطلق الآن على القانون الأساسي في الدولة ( ) .
– التعريف الاصطلاحي:
يعرف الدستور اصطلاحا بأنه مجموعة الأحكام التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها،وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم ( ) .
وينطبق تعريف الدستور هذا على تعريف القانون الدستوري؛ لأن القانون الدستوري هو الأحكام الدستورية المطبقة في بلد ما، والدستور المطبق في بلد ما هو مجموعة الأحكام الدستورية الخاصة بهذا البلد.
ويعتبر الدستور أهم القوانين السارية في الدولة، بل أساس هذه القوانين، ويجب ألا تخالف القوانين حكما أو أحكاما دستورية.
ويجـرى وضع الدسـتـور عادة عن طريق سلطة أعلى من السلطة التشريعيـة، وتسمى السلطة التأسيسية، وتتم إجـراءات تعديل أحكام الدستور بطريقة أشد تعقيدا من الإجـراءات المتبعة لتـعديل الأحكام القانونية الأخرى.
وتطلق كلمة الدستور أحيانا فتنصرف إلى الوثيقة التي تحمل هذه التسمية، أو ما يراد ضمنها، مثل القانون الأساسي للدولة، وهذا هو المعنى الشكلي للدستور، إلا أن هذا التعريف يخرج ما قد يكون دستوريا بطبعه إذا لم يرد في تلك الوثيـقـة، كـالأمـور الدسـتـورية التي يكون العـرف مصدرها.
وظهور المعنى الشكلي للدستور، كان نتيـجـة لانتشار حركة تدوين الدسـاتيـر في العصر الحديث، تلك الحـركة التي بدأت في الولايات المتحـدة الأمريكية ومنها إلى فـرنسا، ثم إلى بقية الدول، حـيث كانت دساتير الولايات المتحدة الأمريكية ثم دستورها سنة 1778م أول الدساتير المكتوبة فيالتاريخ الحديث، تلاه الدستور الأول للثورة الفرنسية سنة 1971م، وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير فعمت بلاد العالم ( ) .
* * *
المبحث الثاني
أنواع الدساتير
يتم تحديد نوع الدستور وفقا للمعيار الذي يرجع إليه عند التحديد، وهناك معياران لتحديد نوع الدستور هما: التدوين، وكيفية التعديل.
من حـيث التدوين وعدمه، يكون للدستور نوعان، دستور مدون، ودستور غير مدون.
ومن حيث كيفية التعديل، يكون للدستور نوعان أيضا هما: الدستور المرن، والدستور الجامد، وفيما يلي توضيح ذلك.
أولا: من حيث التدوين وعدمه:
تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى نوعين، وهما الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة أو العرفية، ويرى البعض ( ) . أن استخدام مصطلح غير المدون أدق، لأنه يشمل المصادر غير التشريعية، سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
ومناط هذا التقسيم هو التدوين، والمقصود بالتدوين ليس فـقط تسجيل الحكم في وثيقة مكتوبة، وإنما المقصود به التسجيل في وثيقة رسميـة من سلطةمخـتصة بسنها وهو ما يسمى بالتدوين الفني أو الرسمي ( ) .
ويعتبر الدستور مدونا إذا كان صادرا في أغلبه في وثيقة أو عدة وثائق رسمية عن طريق المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان مسـتمدا في أغلبه عن طريق العـرف أو القضـاء، وليس عن طريق التشريع ( ) .
والحقيقة أن تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، هو تقسيم نسبي فلا يوجد دستور في العالم إلا ويشمل أحكاما صدرت عن طريق التشـريـع، وأخـرى صدرت عن المصـادر الأخـرى المتمثلة في العرف والقضاء، ومثال ذلك دستور إنجلترا حيث يعتبر المثال التقليدي للدستور غير المدون، وبالرغم من ذلك فهو يشمل وثائق رسمية لها أهميتها كالعهد الأعظم Magna Charta سنة 1215 م، وملتمس الحقوق سنة 1628م Potition Of Rights وقانون الحقوق Bill Of Rights وقانون توارث العرش Act Of Settlement Act سنة 1701 م وقانون البرلمانParliament Act سنة 1911م ( ) .
وتؤكد التجارب الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة أنه مهما يكن الدستور المدون للدولة مفصلا، فلا بد أن ينشأ عقب صدوره ظروف وتطورات، تؤدي إلى نشؤ أحكام جديدة تفسره، أو تكمله، أو تعدله، يكون مصدرها العرف أو القضاء. وأغلب دول العالم لها اليوم دساتير مدونة ما عدا بريطانيا، حيث انتشرت حـركة تدوين الدساتير بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها لدساتيرها المدونة.
ثانيا: من حيث كيفية التعديل:
تنقسم الدساتير حسب هذا المعيار إلى دساتير مرنة، وأخرى جامدة، فالدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بالإجراءات نفسها التي تعدل بها القوانين العادية، والدساتير الجامدة هي التي يتطلب تعديلها إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي.
والهدف من جعل الدستور جامدا، هو كفالة نوع من الثبات لأحكامه عن طريق تنظيم يجعل تعديله عسيرا ( ) .
وكون الدستور جامدا يحمي مواده من العبث والتغيير المستمر، لسبب ولغير سبب.
وتنقسم الدساتير الجـامدة إلى دساتير تحظر التعديل، ودساتير تجيزه بشروط خاصة:
1 – فالدساتير التي تحظر التعديل لا ينص على الحظر فيها صراحة، وإنما يتم اللجوء إلى الحظر الزمني، أو الحظر الموضوعي، ويقصد بالحظر الزمني، حماية الدستور فترة من الزمن – لضمان نفاذ أحكام الدستور كلها أو جزء – تكفي لتثبيتها قبل أن يسمح باقتراح تعديلها، مثال ذلك دستور الاتحادالأمريكي الصادر سنة 1789م، فقد حظر تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808م.
أما الحظر الموضوعي فيقصد به، حماية أحكام معينة، بحيث لا يمكن تعديلها، ويكون هذا عادة للأحكام الجـوهرية في الدستور، ولا سيما ما يتعلق منها بنظام الحكم المقرر، ومثاله الدستور الفرنسي لسنة 1875م، حيث نصت المادة الثامنة منه، وفقا للفقرة المضافة إليها في 14 أغسطس 1884م، بأنه لا يجوز أن يكون شكل الحكومة الجمهوري محلا للتعديل ( ) .
2 – أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة: فـتـختلف هذه الدساتير في كيفية تعديلها، والشروط المعتبرة لذلك، ويرجع هذا الاختلاف لاعتبارين: أحدهما سياسي، والآخر فني، أما الاعتبار السياسي فيتمثل في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يرعى جـانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، وأما الاعتبار الفني، فيتمثل في أسلوب الصياغة المأخوذ بها عند وضع الدستور، ويظهر جليا أثر هذه الأساليب في ناحيتين هما:
– شرط التماثل في الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله، مما يؤدي إلى التشدد في إجراء التعديل.
– الاقـتصار على تنظيم الأسس الجـوهرية في الدستور، مما يؤدي إلى التشدد في إجراءات تعديله، بينما إيراد التفصيلات في الدستور ينتج عنه التيسير في تعديله ( ) .
وتحـسن الإشارة – قـبل خـتم هذا المبـحث – إلى أن بعض الباحـثين القانونيين ( ) يخلط بين تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، وتقسيمها إلى مرنة وجامدة، معتبرا أن كل دستور مدون جامدا، وكل دستور غير مدون مرنا، وهذا الخلط غير صحيح، لاخـتلاف هذين التقسيمين من حيث المعيار الذي على أساسه تم التقسيم، فـهذا مرتبط بالمصدر، وذاك مرتبط بكيفية التعديل، ومن خلال تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، نجد أنه قد يكون الدستور مدونا ومرنا في الوقت نفسه، كما في دستور فرنسا لسنة 1814م، وسنة 1830م، ودستور إيطاليا لسنة 1848م، ودستور الاتحاد السوفيتي لسنة 1918م، ودستور إيرلندا الحرة لسنة 1922م.
وقـد يكون الدستور غير مدون ومستندا إلى العرف، وهو في الوقت نفسـه جامد، ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقـة بين القوانين العادية وقوانين أخرى، مثل القوانين الدائمة وقوانين المدينة، وكان يشترط لتعديل الأخيرة شروط خاصة وإجراءات أكثر أهمية، مما يضفي عليها صفة الجمود، وكذا في العهد الملكي في فرنسا وجدت القوانين الأساسية التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية وإنما يلزم لذلك موافقة الهيئة النيابية ( ) .
ولعل سبب هذا الخلط هو أن دساتيـر العـالم اليوم أصبـحت في الغالب مدونة، فيما عدا الدستور الإنجليزي، وأنها في الوقت نفسه جامدة فـارتبطت لدى القائلين بذلك فكرة التدوين بالجمود، وفي المقابل فكرة عدم التدوين بالمرونة.
* * *
المبحث الثالث
أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث
يرى بعض ( ) فقهاء القانون الدستوري أن نشأة الدساتير تنحصر في طرق ثلاثة، هي:
1 – طريق المنحة، كـالدستور الفرنسي لسنة 1814م حينما منح لويس الثامن عشر ذلك الدستور للأمة الفرنسية عقب سقوط نابليون، والدستور الروسي الصادر سنة 1906م، والدستور الياباني الصادر سنة 1889 م.
2 – طريق جمعية وطنية منتخبة من الشعب، تصدر الدستور كما هو الحال في الدستور البلجيكي سنة 1875م، ودستور الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787م، والدستور الألماني سنة 1919م.
3 – طريق وسط بين الطريقين السابقين، بحيث يكون الدستور نتيجـة تعاقد بين الملك وشعبه، كما حدث ( ) في إنجلترا عند صدور العهد الكبير سنة 1215م، وإعلان الحقوق سنة 1688م ( ) .
ويرى آخرون أن نشأة الدساتير محصورة في طريقتين، هما:
1 – الأساليب الملكية، وتنقسم إلى أسلوبي المنحة والتعاقد.
2 – الأساليب الديمقراطيـة، وتنقسم إلى أسلوبين، همـا الجـمـعـية التأسيسية، والاستفتاء التأسيسي.
وقد تضمنت هاتان الطريقتان أربعة أساليب، يضيف إليها البعض ( ) أسلوبا خامسا، وهو الاستفتاء السياسي.
والحقيقة أن حصر طرق نشأة الدساتير في أساليب معينة أمر غير مسلم به لأنه يمكن أن تتنوع هذه الطرق تبعا لتنوع أنظمة الحكم وأن تتطور بتطورها؛وأن هذه الطرق التي حددها الفقهاء القانونيون، والتي عرفت حتى الآن، إنما تعكس في نشأتها المراحل الرئيسية التي مرت بها أنظمة الحكم، وهذا ما يرجحه بعض ( ) فقهاء القانون، وعليه فإنه يمكن تحديد المراحل التي مر بها هذا التطور، وحصرها في ثلاث مراحل، هي:
المرحلة الأولى:
اتسمت بوجود تيارات في الدول الأوربية تطالب بوجود الدستور، فـوجـد الدستـور عن طريق المنحـة من قـبل ملوك الدول الأوربيـة إلى شعوبهم.
المرحلة الثانية:
تميزت بازدياد قوة تلك التيارات بحيث وجدت الدساتير عن طريق مشاركة الشعب في السلطة التأسيسية، وهي الطريقة التي تسمى طريقة التعاقد.
المرحلة الثالثة:
تميزت بتغلب تلك التيارات، وذلك بصدور الدساتير عن طريق سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب، وأول ما نشأ من ذلك، أسلوب الجمعية التأسيسية في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عند استقلالها عن إنجلترا سنة 1776م، والدستور الاتحادي الذي وضعه مؤتمر فـلادلفيا سنة 1787م، ثم أخذ هذا الأسلوب في الانتشار حيث لقي إقـبالا كبيرا في فرنسا، إلا أنه ساعد على إقرار الفكرة التي كانت قـائمة وقـتها في فرنسـا والمتضمنة التفريق بين القوانين الدستورية والعادية، عن طريق وجود سلطتين، إحداهما تأسيسية، والأخرى تشريعية، وبعد انتشار مبدأ الديمقراطية لجـأ كثير من الدول لهذا الأسلوب في وضع دسـاتيرها، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما في دستور ألبانيا لسنة 1946م، ويوغسلافيا لسنة 1946م، وإيطاليا لسنة 1947م ( ) .
ومما تقدم يتبين أن أساليب نشأة الدساتير تتنوع تبعا للظروف التي يوجد فـيها كل دستور، ولا ينبغي للباحث أن يعالج هذه الأساليب بصورة توحي بأنهاقابلة للحصر، وإنما يجدر به أن يردها إلى اتجاهات رئيسة تبرز السلطة التي تولت إنشاء الدساتير على النحو الذي سبق، لأنه يمكن أن تنشأ أساليب أخرى غير هذه الأساليب التي يحددها رجال القانون، وفق ظروف وبيئات معينة تكون لها سمات فكرية وحضارية تختلف كثيرا أو قليـلا عن تلك الملامح الفكرية والحـضارية والتاريخية لهذه الدول التي نشأت فيها الأساليب التي يحددها فقهاء القانون الدستوري، وبالتالي فإنه لن يكون هناك أي حرج على الباحث، في اعتبار هذه الأساليب من أساليب نشأة الدساتير وبالعكس في حالة الالتزام بطرائق معينة لنشأة الدساتير، فـإن الباحث يلزم نفسهبإقـحـام الأساليب غير المحـصورة، بالأساليب المحـصورة، بشكل أو بآخر، وينتج عن ذلك خلط في المفاهيم والأساليب، وعدم اعتبار للظروف التي صاحبت وجود أسلوب أو أساليب معينة، علما بأن هذه الظروف والمتغيرات هي الأساس الذي ينبغي أن يركز عليه الباحث، باعتبارها متغيرات رئيسة لإقرار الفكرة التي يهدف إليها في بحثه.
* * *
المبحث الرابع
أساليب نهاية الدستور
يقصد بنهاية الدستور، إلغاؤه كليا، أو تعديله تعديلا شاملا.
ومن تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، وجد أنه وإن اختلفت الدساتير من حيث كيفية نهايتها، إلا أنه بشكل عام، يمكن أن ترجع هذه الكيفية إلى أساليب ثلاثة، هي:
1 – الأسلوب العادي:
في ظل الدساتير المرنة، هناك سلطة واحدة تملك تعديل القوانين جميعا بالإجراءات نفسها، أما في حالة الدساتير الجامدة، فإن تعديلها يتطلب إجـراءات أشد من الإجراءات المتبعة لتعديل القانون العادي، ومعظم الدساتير الجامدة لا تنظم سوى الكيفية التي تعدل بها تعديلا جزئيا، بحيث تجيز للسلطة المختصة بإنشاء الدستور تعديل بعض أحكامه ولا تجيز لها إلغاءه، أو تعديله تعديلا شاملا.
والقاعدة المتبعة في القانون الوضعي، أن الأمة بوصفها صاحـبة السلطة التأسيسية الأصلية هي صاحبة الحق فقط في إلغاء دستورها في أي وقت تشاء وأن تضع دستورا جديدا عن طريق جمعية تأسيسية تنتخبها، أو استفتاء تأسيسي أو عن أي طريق دستوري آخر تراه ملائما لتحقيق هذا الغرض.
وعلى هذا يكون إنهاء الدستور بالأسلوب العادي، أو ما يمكن أن يسمى بالأسلوب السلمي، يختلف حسب نوعية الدستور في كل دولة، هل هو جامد أو مرن، وهل ينص على كيفية التعديل والإلغاء في بنوده أو لا ينص ( ) .
2 – الأسلوب غير العادي:
ويسميه البعض الأسلوب الثوري يكون ذلك بإلغاء الدستور نتيجة لظروف غير عادية أدت إلى هذا الإلغاء أو إلى تعطيل الدستور.
ويظهر هذا الأسلوب بوضوح في التاريخ الدستوري الفرنسي، فـإن الذين يتسببون في هذا الإلغاء أو التعطيل يقصدون تحقيق أهداف مختلفة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم غيرها، يكون سبيلهم إليها تسلم سلطات الحكم، ويؤدي ذلك إلى سـقوط الدستور القائم إنشاء دستور جـديد، وبغض النظر عن صحة هذا الأسلوب في تحـقيق الأهداف، وهل له سند قانوني أو لا، مما هو مجال بحث وخلاف بين فقهاء القانون الدستوري، فإن ما يهدف إليه هذا المبحث هو معرفة الأثر المترتب على ذلك، وهو نهاية الدستور القائم وقيام بديل له.
والفقهاء القانونيون متفقون على أن سقوط الدستور لا يسقط القوانين العادية التي صدرت بإجراء سليم في ظل الدستور السابق، ما لم ينص على ذلك صراحة أو ضمنا، وكذلك الأحكام الموجودة في الدستور وليست أحكاما دستورية، فإنها تأخذ الحكم نفسه الذي تأخذه القوانين العادية؛ لأن إلغاءالدستور يقصد به تعديل النظام السياسي للدولة، وهذه الأحكام ليست من الأحكام الأساسية، وإنما وضعت في الدستور صيانة لها من التعديل وإعطاءها حصانة شكلية اكتسبتها من وجودها ضمن مواد الدستور؛ فتبقى هذه الأحكام، وهنا تزول عنها الصفة الدستورية وتعامل مستقبلا معاملة القوانين العادية، ما لم تعد إلى الدستور الجديد بنص صريح ( ) .
3 – أسلوب العرف:
وذلك أن العرف قـد يجـرى بعـدم تطبـيق الدستـور؛ نظرا لظروف تقتضي عدم تطبيقه، فالدستور موجود ولم يلغ، ولم يطالب أحد بإلغائه، ولكن يستقر العرف بعدم تطبيق نصوصه، وذلك مثل العرف الذي جرى بعـدم تطبيق الدستور الثـاني للثورة الفرنسـية الصـادر سنة 1793م، ويختلف الفقهاء في أثر العرف على الدستور القائم على رأيين: أحدهما يرى جوازه إذا توافرت أركان العرف المادية والمعنوية، والثاني يرى عدم الجواز، ويقولون: إن النصوص الدستورية لا تلغى بعدم التطبيق، وإنما بالطريقة نفسها التي وجدت بها ( ) .
* * *
المبحث الخامس
مصادر الدستور
حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر:
1- الفقه القانوني:
يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع، لذلك يسميه بعض الفقهاء بالمصدر التفسيري ( ) فالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، فهو لا يعدو أن يكون مجموعة من النظريات التي ليست لها صفة الإلزام، ويظهر أثر الفقه في مجال القانون الدستوري الإنجليزي أكـثر منه في مجالات القوانين الأخرى؛ لأن النصوص الدستورية في إنجلترا قليلة جدا، فتبقى محتاجة إلى أن تدرس من جانب الفقهاء ( ) .
2 – القضاء:
القضاء مجموعة الأحكام الصادرة من المحاكم أثناء تطبيقها للقانون على المنازعات المعروضة، وهي على ضربين:
– أحكام عادية هي مجرد تطبيق للقانون.
– أحكام متضمنة لمبادئ غير منصوص عليها أو حاسمة لخلاف حول النص.
وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا ( ) ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فـالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحـته، فـالفقه يمثل الناحيةالعلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه ( ) .
3 – العرف:
اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين:
– أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقـره المشرع، أو اعترف به القضـاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجـاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع.
– أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور ( ) .
ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجـيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية.
منقول من كتاب الاسلام والدستور
للدكتور: توفيق بن عبد العزيز السديري
10 ديسمبر، 2018 at 1:08 م
بارك الله فيك ادا كانتقدر توضع المصادر فضل كبير مشكور