بحث قانوني و دراسة حول الاحكام القانونية لشركات المضاربة
أحكام شركة المضاربة
إعداد
فهد بن محمد الحميزي
المقدمــــة :
الحمد لله رب العالمين ، قيوم السماوات والأراضين ، مدبر الخلائق أجمعين ، باعث الرسل صلوات الله عليهم أجمعين إلى المكلفين بهدايتهم وبيان شرائع الدين ، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين .
أحمده على جميع نعمه ، وأسأله المزيد من فضله وكرمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار ، الكريم الغفار ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله أفضل المخلوقين ، المكرم بالقرآن العزيز المعجزة المستمرة على مر السنين ، والسنن المستنيرة للمسترشدين سيدنا محمد ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين ، وآل كل وسائر الصالحين وعباده المقربين .فإن موضوع الشركات ينبغي التعرف على أحكامه لكثرة التعامل به ، وإذ لا يزال الاشتراك في التجارة وغيرها مستمراً بين الناس وهو من باب التعاون على تحصيل المصالح بتنمية الأموال واستثمارها وتبادل الخيرات .
وشريعتنا الإسلامية ، شريعة الهدى والنور واليمن والسعادة أتت بجواز الشركة لما يترتب على ذلك من المصالح الجزئية والكلية لكل من الطرفين .
ولهذه الأسباب ولغيرها تم الدافع الذاتي لدى البحث عن هذا الموضوع .
وسميت هذا الموضوع بأحكام شركة المضاربة ولم أسميه بشركة القراض مع أن كل اللفظين صحيح لورود اللفظ الأول في كتاب الله عز وجل .
وأعمالي في هذا البحث :
1 – قمت بترجمة كثير من الفقهاء والعلماء البارزين عند ورود ذكرهم في المتن . ولا أطيل في الترجمة وإنما بقدر ما يحصل به المقصود من معرفة المترجم به .
2 – في ذكر المسائل الخلافية الأربعة . أذكر الأقوال بالترتيب على الأقدم ، الحنفية ثم المالكية ثم الشافعية ثم الحنابلة .
3 – بالنسبة لتخريج الأحاديث فإنني حاولت بقدر استطاعتي أن أخرج الحديث من كتب أهل الحديث وليس من تخريج الفقهاء . وما ذاك إلا لأخذ كل علم من منبعه . وإذ كان الحديث فيه ضعف فإني أذكر سبب الضعف .
4 – عمدتي في تخريج الأعلام غالباً : –
أ – ” الأعلام ” للزركلي . وهو يقع في 8 مجلدات .
ب – ” سير أعلام النبلاء ” للذهبي . وهو يقع في 25 مجلد .
5 – بالنسبة للاستدلال بالآيات ، فإنه أحاول غالباً أن أذكر وجه الاستدلال من الآية لكي يتضح كيف استدل بها في هذا الموضع ، وما لم أذكر فيه وجه الاستدلال فإنه غالباً يكون واضحاً .
6 – أما بالنسبة للإحالة على المراجع . فإنني لم أتخذ منهجاً معيناً ولكن الغالب : أني أحيل إلى الكتاب وأذكر رقم المجلد الذي فيه النص المنقول . وما ذكرت فيه الصفحة فإنه في الأغلب يكون من المراجع الحديثة أو من المراجع التي لا تحتوي أكثر من مجلد .
7 – وأيضاً . فإن المراجع ذكرتها بذكر مؤلفيها مع ذكر الطبقة وتاريخها إن تيسر ذلك .
8 – وأخيراً . فإني اكتفيت بذكر الخطة في أول البحث عن كتابة الفهرس ، لقناعتي التامة أنه من باب التكرار الذي ليس له فائدة مرجوة وخاصة في مثل هذه البحوث القصيرة .
الباحث
فهد بن محمد الحميزي
خطتي في البحث : –
التمهيد :
ويشتمل على أربع مباحث :
– المبحث الأول : وذكرت فيه تعريف الشركة في اللغة ، ثم تعريفها في الاصطلاح عند فقهاء المذاهب الأربعة .
– المبحث الثاني : ذكرت فيه مشروعية الشركة من الكتاب والسنة ، والإجماع والمعقول.
– المبحث الثالث : ذكرت فيه أقسام الشركة باعتبارها ، وذكرت الأقسام التي تدخل تحت كل قسم . معرفاً لها بتعريف يسير .
– المبحث الرابع : ذكرت فيه. شروط الشركة
الفصل الأول :
ويشتمل على مباحث :
المبحث الأول : وعرفت فيه المضاربة في اللغة وفي الاصطلاح .
المبحث الثاني : ذكرت فيه أدلة مشروعية المضاربة . من الكتاب ، والسنة والإجماع ، والقياس والآثار والمعقول هذا في المطلب الأول . أما المطلب الثاني فقد ذكرت فيه : مسألة أهل المضاربة مشروعة بمقتضى أهل القياس أم لا .
المبحث الثالث : الحكمة من مشروعية المضاربة .
المبحث الرابع : ذكرت فيه حكم المضاربة عند أهل العلم .
الفصل الثاني :
ويشتمل على أربع مباحث :
المبحث الأول : ذكرت فيه أركان المضاربة عند الفقهاء الأربعة .
المبحث الثاني : وقد ذكرت فيه شروط المضاربة على ضوء ما رجحناه في أركانها .
المبحث الثالث : وقد ذكرت فيه نوعي المضاربة الصحيحة والفاسدة .
المبحث الرابع : وقد ذكرت فيه أقسام المضاربة ، وأنها تنقسم إلى قسمين :
الأول : مضاربة مطلقة .
الثاني مضاربة مقيدة .
الفصل الثالث :
في أحكام المضاربة :
وقد ذكرت فيه ثلاث مباحث : –
المبحث الأول : ذكرت فيه عقد المضاربة من حيث اللزوم والجواز ووضحنا فيه أنه من العقود الجائزة .
المبحث الثاني : تطرقت فيه عن الربح والخسارة في المضاربة وذكرت فيه خلاف الفقهاء في ذلك .
المبحث الثالث : تكلمت فيه عن حكم زكاة مال المضاربة . ممهداً له بتمهيد يسير ثم ذاكراً بعد ذلك خلاف العلماء في زكاة الربح والمال .
المبحث الثاني
الفصل الرابع : في مبطلات شركة المضاربة :
وقد تحدثت فيه عن مبطلات شركة المضاربة ثم أومأت بعد ذلك إلى قضية فسخ المراقبة وخاتماً المسك بمسألة انتهاء المضاربة بالموت .
المبحث الأول : حكم المضاربة بالأسهم :
الخــاتمة : ذكرت فيها أهم نتائج البحث . بعد أن ذكرت أسباب اختياري للموضوع وأعمالي فيه في المقدمة .
المبحث الأول
التعريف بالمضاربة لغة واصطلاحاً
المطلب الأول : تعريف المضاربة لغة واشتقاقها :
مفاعلة من ضرب الأرض إذا سار فيها .
قال ابن منظور (1) : ” يقال ضرب في الأرض إذا سار فيها مسافراً فهو ضارب والضرب يقع على جميع الأعمال إلا قليل ضرب في التجارة وفي الأرض زفي سبيل الله .
ومنه المضاربة في المال وهي القراض ومنه قول تعالى : ” وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا الصلاة ” (2) . أي : سافرتم في البلاد (3) . وقوله تعالى : ” وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ” (4) .
ويطلق لفظ مضارب على العامل لأنه هو الذي يضرب في الأرض رواحاً ومجيئاً ابتغاء الرزق . وقيل : المضارب صاحب المال والذي يأخذ المال . كلاهما مضارب هذا يضاربه وذلك يضاربه (5) .
فعلى هذا القراض والمضاربة بمعنى واحد إلا أن أهل العراق يسمونه مضاربة ولا يقولون قراضاً . بينما أهل الحجاز يسمونه قراضاً (6) .
وقيل : هو مشتق من القطع يقال قرض الفأر الثوب إذا قطعه ، فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح .
وقيل : اشتقاقة من المساواة والموازنة يقال : تقارض الشاعران إذا وزن كل واحد منهما الآخر بشعره . وههنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا (1) .
وقال صاحب مواهب الجليل (2) : ” إن القراض مأخوذ من القرض وهو ما يفعله الرجل ليجازى عليه من خير أو شر فلما كان صاحب المال والعامل فيه منتفعين جميعاً يقصر كل واحد منهما إلى منفعة صاحبه لينفعه هو اشتق له من معناه اسماً وهو القراض ، وفي قول الصحابة لعمر رضي الله عنهم في قصة عبد الله وعبيد الله لو جعلته قراضاً ، دلبل على صحة هذه التسمية في اللغة لأنهم أهل اللسان وأرباب البيان (3) وقال الجرحاني (4) وهي مفاعلة من الضرب وهو السير في الأرض (5) .
المطلب الثاني : تعريف المضاربة في الاصطلاح
لقد عرف الفقهاء المضاربة بعدة تعاريف مختلفة لم تسلم من المؤاخذة والاعتراض ، وفي هذا المطلب سوف نذكر تعريف المضاربة عند فقهاء المذاهب الأربعة مرتبة حسب أقدمها .
أولاً : الأحناف :
جاء في تكلمه فتح القدير : المضاربة عبارة عن عقد على الشركة بحال من أحد الجانبين وعمل الآخر . وقال صاحب النهاية : المضاربة في الشريعة عبارة عن دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما شرطا (1) .
وقال الميرغاني ” المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر” وقال شارحاً لهذا التعريف : مراده الشركة في الربح هو مستحق بالمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر ولا مضاربة بدونهما لأنه لو شرط كله لرب المال كان بضاعة ولو شرط للمضارب كان قرض (2) .
ثانياً : المالكية :
قال خليل في مختصره : ” القراض توكيل على التجار في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه إن علم قدرهما ” (3) .
قال شارحه : القراض بكسر القاف وهو القطع ، سمي بذلك : لأن المالك قطع قطعة لمن يعمل فيه بجزء من الربح ” توكيل ” من رب المال لغيره على اتجار في نقد ذهب أو فضة فهو توكيل خاص مخرج ما عداه من أنواع التوكيل حتى الشركة لأن معنى في نقد اتجار مفيد به وفي معنى الباء أي : بنقد والاتجار والتصرف في البيع والشراء ليحصل ربح ” مضروب ” ضرب يتعامل به لا بعروض ولا بتبر ونقار فضة ” مسلم : من ربه للعامل ” بجزء ” شائع كائن ” من ربحه : أي ربح ذلك المال لا بقدر معين من ربحه .
كعشرة دنانير ولا بشائع من ربح غيره ” إن علم قدرهما ” أي المال والجزء ونصف (1) .
ثالثاً : الشافعية :
عرف الشافعية القراض بعدة تعريفات نذكر منها ما يلي :
قال النووي (2) في تعريف المضاربة : ” أن يدفع إليه مالاً يتجر به والربح مشترك (3) . وقال زكريا الأنصاري : ” وحقيقته عقد يتضمن دفع مال لآخر ليتجر فيه والربح بينهما ” .
رابعاً : الحنابلة :
لقد عرف الحنابلة المضاربة أو القراض بتعاريف لم تسلم هي أيضاً من النقد والاعتراض كغيرها من التعريفات السابقة .
فقد جاء في كشاف القناع : والمضاربة هي : دفع مال وما في معناه معين معلوم قدره إلى من يتجر فيه بجزء معلوم من ربحه (4)
وقال ابن قدامة : المضاربة هي : ” أن يدفع إنسان ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما ” (5) .
مناقشة التعريفات :
الحنفية:
قد نصوا على أنها عقد كما أنهم ذكروا أهم مقوماتها ، وهي قيامها على الجهد البدني من جهة والمال من جهة أخرى ، لكنهم مع ذلك لم يذكروا في تعريفهم كيفية توزيع الربح بين الشريكين ، كما لم يذكروا فيه ما يجب توافره في كل من العاقدين ورأس المال .
المالكية :
أنه قد ذكر الاشتراطات والقيود التي يجب توافرها في المضاربة عقداً ، بل ذكر أنها نفس الدفع ، وهذا غير صحيح لأن المضاربة عقد يتم قبل الدفع أو معه ، وليس هو نفس الدفع ، وأيضاً يود على هذا التعريف أنه أثبت الوكالة للمضارب قبل التصرف في مال المضاربة ، وهذا غير صحيح لأن الوكالة تدخل تحت عقد المضاربة وتترتب على صحتها لا قبلها كما أن هناك فرقاً بين الوكيل والمضارب ، فالوكيل لا يستحق الربح ولا يشترك فيه مع الموكل والمضارب يستحق جزءاً منه بعمله ، كما أن الوكيل قد يأخذ قدراً معينا ًمن الربح سواء ربح رأس المال أم لم يربح بينما المضارب لا يستحق شيئاً إلا عند الربح ويكون نصيبه جزءاً مشاعاً معلوماً ، كما يؤخذ على التعريف أنه لم يبين ما يجب توافره في العاقدين .
الشافعية :
مع أنه قد نص على اعتبار المضاربة عقداً ، إلا أنه يرد عليه أنه لم يذكر ما يجب توافره في العاقدين ، كما أنه لم يبين كيفية توزيع الربح بينهما .
الحنابلة :
مع أنه قد ذكر أن توزيع الربح يكون بين الشريكين بحسب ما يشترطان ، إلا أنه يرد عليه أنه لم يذكر فيه لفظ العقد ، كما أنه لم يبين ما يجب توافره في العاقدين .
ويتضح لنا مما تقدم أن جميع التعاريف التي ذكرها الفقهاء لم تذكر ما يجب توافره في العاقدين ، كما أن تعريفي الحنفية والشافعية لم يوضحا ما ينبغي توافره في رأس المال وكيفية توزيع الربح في حين أن تعريفي المالكية والحنابلة قد ذكر ذلك ، وكذلك لم ينص من هذه التعاريف على اعتبار المضاربة عقداً إلا تعريف الأحناف ، أما بقية التعاريف فلم تذكر ذلك .
وبهذا تكون هذه التعاريف قد جاءت متغايرة في مدلولاتها ، فضلاً عن إبهامها لحقيقة المضاربة بإغفالها الكثير من الأمور الأساسية التي يتوقف وضوح معنى المضاربة على ذكرها (1) .
التعريف المختار :
والتعريف الجامع المانع إن شاء الله هو :
” المضاربة عقد يتضمن دفع مال خاص – وما في معناه – معلوم قدره ونوعه وصفته من جائز التصرف لعاقل مميز رشيد يتجر فيه بجزء مشاع معلوم من ربحه له ” .
شرح التعريف :
” عقد ” يشمل على كل عقد بين اثنين أو أكثر .
” يتضمن دفع ” أي تسليم المال للعامل لا دين في ذمة المضارب لعدم حضور المال وتسليمه .
” مال خاص ” وهو كل مالا تختلف قيمته بالارتفاع والانخفاض من العملات المستعملة .
” وما في معناه ” أي معنى الدفع كالوديعة والعارية والمغصوب إذا قال ربها لمن هي بيده ضارب بها .
” معلوم قدره ونوعه وصفته ” أي قدر المال المدفوع كقوله : خذ عشرين ألف ريال سعودي ضارب بها .
” من جائز التصرف ” وهو البالغ العاقل المالك للمال أو من ينوب عنه ، وكذا المميز المأذون له في التجارة .
” لعاقل مميز رشيد ” فلا تصح من مجنون ولا صبي غير مميز ولا سفيه .
” يتجر فيه ” بالبيع والشراء .
” بجزء مشاع معلوم ” النسبة كنصف أو ثلث كائن .
” من ربحه ” أي ربح المال .
” له ” أي العامل (1) .
* * *
المبحث الثاني : أدلة مشروعية المضاربة
المطلب الأول :
في بيان مشروعيتها من : الكتاب ، السنة ، الإجماع القياس ، الآثار ، المعقول .
أولاً : الكتاب :-
أ- قال الله تعالى : ” وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ” (1) .
وجه الاستدلال : حيث ذكر الله سبحانه وتعالى فضل الضرب في الأرض والسفر طلباً للرزق للنفقة على نفسه وعياله فكان ذلك بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله (2) . فدل ذلك على مشروعية المضاربة لأن معناها الضرب في الأرض لطلب الرزق في الأرض عن طريق التجارة .
ب- وقال تعالى : ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ” (3) .
وجه الاستدلال : قال القرطبي (4) : هذا أمر إباحة معناه إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم ” وابتغوا من فضل الله ” أي من رزقه . والمضاربة نوع تجارة فدل على جوازها (5) .
جـ- وقال تعالى : ” ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ..” الآية (6) .
وجه الاستدلال :
ذكر الماوردي (1) في وجه الاستدلال بهذه الآية في مشروعية المضاربة : أن هذه الآية أكثر نص استدل به العلماء على مشروعية المضاربة فقال : ” وهي الأصل في إحلال القراض وإباحته ، حيث في القراض ابتغاء فضل الله وطلب نماء (2) .
ثانياً : السنة :-
أ – ما روي عن ابن عباس أنه قال : كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشتراط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به ولا يشتري به دابة ذات كبد ورطبة فإن فعل ذلك ضمن فبلغ شرطه ذلك رسول الله فأجاز شرطه (3) .
ب – روى ابن ماجة من حديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ثلاث فيهن البركة البيع إلى آجل والمقارضة وأخلاط البر بالشعير للبت لا للبيع ” (4) .
جـ – وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملون بالمضاربة فلم ينكر عليهم ، وذلك تقرير لهم على ذلك والتقرير أحد وجوه السنة (5) .
ثالثاً : الآثار : –
أ – ما روى زيد بن أسلم عن أبيه ” أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم – خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فرحب بهما وسهل ، وقال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت ، ثم قال بلى ، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين ، فأسلفكماه ، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ، ثم تبيعانه في المدينة ، وتفران رأس المال إلى أمير المؤمنين ، ويكون لكما ربحه ، فقالا : وددنا ، ففعل ، فكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما ، وباعا ، وربحا ، فقال عمر : أكل الجيش قد أسلف كما أسلفتما ؟ فقالا : لا ، فقال عمر ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ؛ أديا المال وربحه ، فأما عبد الله ، فسكت ، وأما عبيد الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو هلك المال ضمناه . فقال : أدياه ، فسكت عبد الله ، وراجعه عبيد الله ، فقال رجل من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين ، لو جعلته قراضاً ، فأخذ رأس المال ونصف ربحه ، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال ” (1) .
وجه الاستدلال :
ذكر الماوردي (2) عن الاستدلال بهذا الأثر الذي ورد عن ابن عمر فقال : وقد اختلف أصحابنا في وجه الاستدلال من حديث عمر على ثلاثة أوجه :
1 – قول الجليس لو جعلته قراضاً ، وإقرار عمر على صحة القراض . ولو علم فساده لرده .
2 – أن عمر أجرى عليهما في الربح حكم القراض الفاسد ، لأنما عملا على أن يكون الربح لهما ولم يكن قد تقدم في المال عقد يصح حملهما عليه .
3 – أن عمر أجرى عليها في الربح حكم القراض الصحيح وإن لم يتقدم منهما عقد (3) .
ب – عن حكيم بن حزام انه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله على بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي (1) .
جـ – عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أعطاه مالاً قراضاً يعمل فيه على أن الربح بينهما (2) .
د – ماروي عن علي أنه قال : ” في المضاربة الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه ” (3) .
وغيرها من الآثار الدالة على مشروعية المضاربة كثير .
رابعاً : الإجماع :-
لقد تعامل المسلمون بالمضاربة منذ البعثة إلى وقتنا الحاضر من غير نكير ومثل هذا يكون إجماعاً .
قال الشوكاني (4) بعد أن نقل آثار الصحابة التي تدل على تعاملهم بالمضاربة :” إن هذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكذلك إجماعاً منهم على الجواز (5) .
وقد ورد عن ابن حزم (1) قوله ” كل أبواب الفقه فيه أصل الكتاب والسنة ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً في السنة لكنه إجماع صحيح ويقطع بأنه كان في عصره صلى الله عليه وسلم وعلم به وأقره ” (2) .
وقال ابن المنذر (3) : ” أجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة ” (4) .
وقال الصنعاني (5) : ” لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام ” (6) .
خامساً : القياس :
استدل بعض الفقهاء على مشروعية المضاربة بقياسها على المساقاة والمزارعة بجامع أن كلاً منهم شرع للحاجة حيث أن مالك النخيل أو الزروع قد لا يحسن العمل فيهما أو قد تكون عنده ظروف تمنعه من السقى والزراعة كما أن من يحسن العمل قد لا يملك ما يعمل فيه وهذه العلة موجودة في القروض .
وممن قاس المضاربة على المساقاة والزراعة الإمام أحمد .
قال ابن تيمية : ” ولقد كان الإمام أحمد يرى أن يقيس المضاربة على المساقاة والمزارعة لثبوتها بالنص فتجعل أصلاً يقاس عليه .
ولقد رجح رحمه الله – ابن تيمية – ذلك حيث قال : وقياس كل منهما على الآخر صحيح وإن خالف فيهما من خالف ممن ثبت عند جواز أحدهما أمكنه أن يستعمل فيه حكم الآخر لتساويهما (1) .
سادساً المعقول :
أننا لو نظرنا إلى أموال الناس وقدراتهم ومداركهم لوجدنا فيهم اختلافاً كبيراً فمنهم الغني الذي أعطاه الله بسطة في المال والذكاء بحيث يستطيع أن يستثمر ماله وينميه دون الحاجة إلى إعطاء ماله لآخر لينميه له ومنهم من لديه المال ولكن لا يستطيع أن ينميه إما لعدم قدرته على ذلك ، أو لعدم فراغه لانشغاله بطلب علم وغير ذلك .
لذلك كان القول بجواز المضاربة أولى وخاصة أنه ليس هناك ذليل شرعي يمنع ذلك .
قال في المقدمات لابن رشد (2) : ” القراض مما كان في الجاهلية فأقر في الإسلام لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم وتنميتها بالتجارة فيها وليس كل أحد يقدر على ذلك بنفسه . فاضطر فيه إلى استنابة غيره ولعله لا يجد من يعمل له فيه لهذه الضرورة واستخرج بسبب هذه العلة من الإجازة المجهولة على نحو ما وخص في المساقاة وبيع العرية والشركة في الطعام والتولية فيه ” (1) .
المطلب الثاني : هل المضاربة مشروعة بمقتضى القياس أم على خلافه ؟ :
القول الأول : وهو قول جمهور الفقهاء ، أنها ثابتة على خلاف القياس وليس على وفقه .
قال في مواهب الجليل : ” لا خلاف بين المسلمين في جوازه وهو مستثنى من الإجازة المجهولة ومن السلف بمنفعة ” (2) .
وقال في مغني المحتاج : ” وهو رخصة خارج عن قياس الإجارات كما خرجت المساقاة عن بيع ما لم يخلق ” .
وقال الكاشاني (3) : ” القياس أن المضاربة لا تجوز لأنها استثمار بأجر مجهول ، بل معدوم ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب والسنة والإجماع ” (4) .
القول الثاني : أن المضاربة مشروعة على مقتضى القياس . وذهب إلى هذه القول الحنابلة والظاهرية . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه . وقالوا : إن المضاربة والمزارعة والمساقاة كلها نوع من أنواع المشاركات فهي واردة على وفق القياس وليست من أنواع المعاوضات كالإجارة . لذلك لا يجوز أن يقاس عليها غيرها ويعطى حكمها .
وقد بين ابن تيمية عند كلامه على لفظ الإجارة أن فيه عموماً وخصوصاً ، وأنها على ثلاث مراتب :
1) أن لفظ الإجارة يقال لكل من بذل نفعاً بعوض سواء كان العمل معلوماً أو مجهولاً .
2) الإجارة التي هي الجعالة وهي أن يكون النفع غير معلوم ولكن العوض مضمون .
3) الإجارة الخاصة وهي أن يستأجر عيناً أو يستأجره على عمل في الذمة بحيث تكون المنفعة معلومة فيكون الأجر معلوماً والإجارة لازمة .
ثم قال بعد ذلك : ” والمساقاة والمزارعة والمضاربة ونحوهن من المشاركات على نماء يحصل من قال هي إجاره بالمعنى الأعم أو العام فقط ومن قال هي إجارة فقد أخطأ (1) .
الترجيــح :
والذي يظهر رجحانه هو رأي الحنابلة والظاهرية واختيار شيخ الإسلام وتلميذه . وأن المضاربة نوع من الشركات لاشتراك المضارب والمالك في المغنم والمغرم ولأن المضاربة عقد شركة في الصحيح وليس عقد إيجار وذلك لأنه يتم بموجبه الاشتراك في الربح (2) .
جاء في المبسوط : ” وجواز عقد الشركة بين اثنين بالمال دليل جواز هذا العقد لأن من جانب كل واحد منهما هناك ما يحصل به الربح فينقد شركة في الربح (3) ” .
وجاء في البدائع : ” والمضاربة عقد شركة في الربح ” (4) .
* * *
المبحث الثالث
الحكمة من المضاربة في الشريعة الإسلامية
قد شرعها الإسلام وأباحها تيسيراً على الناس . فقد يكون بعضاً منهم مالكاً للمال ولكنه غير قادر على استثماره . وقد يكون هناك من لا يملك المال ، لكنه يملك القدرة على استثماره .
فأجاز الشرع هذه المعاملة لينتفع كل واحد منهما – المضارب ، رب المال – فرب المال ينتفع بخبرة المضارب ، والمضارب ينتفع بالمال ،ويتحقق بهذا تعاون المال والعمل .
والله ما شرع العقود إلا لتحقيق المصالح ودفع الحوائج (1) .
* * *
المبحث الرابع : حكم المضاربة
وحكم المضاربة : أن كل ما يجوز لشريك العنان أن يفعله جاز أن المضارب يعمله ، وما منع منه الشريك فيمنع منه المضارب (1) . أي أن له إذا صحت المضاربة أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع ، وغير ذلك لإطلاق العقد والمقصود منه الاسترباح ، وقد لا يتحصل إلا بالتجارة (2) .
إلا أن الفقهاء أجازوا تصرف رب المال بإذن من المضارب ، أما إذا لم يأذن له فالمالكية على المنع ، وهذا ذكره الدردير (3) في كتابه الشرح الكبير على مختصر خليل .
وغير المالكية أجاز ذلك على سبيل الإعانة للمضارب ، وبشرط أن لا يبيع السلعة بأقل من قيمتها (4) .
وقد رجح الأستاذ علي الخفيف رأي الجمهور لأن إقامة الوكيل في التصرف لا يسلب حق الموكل في مباشرته ، وهو الأوجه (5) .
وللمضارب منع المالك من التصرف في مال المضاربة إذا رأى في تصرفه ضرراً للشركة بعد مباشرته العمل فيها ، أما إذا لم يكن قد باشر الشراء فلرب المال أن يتصرف في ماله وليس للمضارب أن يمنعه وتنفسخ المضاربة (6) .
الفصل الثاني
أركان المضاربة وشروطها وبيان أنواعها وأقسامها
ويشتمل على أربع مباحث :
– المبحث الأول / أركان المضاربة .
– المبحث الثاني / شروط المضاربة وتحته خمس مطالب :
المطلب الأول / الصيغة وشروطها .
المطلب الثاني / العاقدين وشروطهما .
المطلب الثالث / في المال وشروطه .
المطلب الرابع / في الربح وشروطه .
المطلب الخامس / في العمل وشروطه .
– المبحث الثالث / أقسام المضاربة .
– المبحث الرابع / أنواع المضاربة وفيه مطلبين :
المطلب الأول / المضاربة الصحيحة .
المطلب الثاني / المضاربة الفاسدة .
المبحث الأول : أركان المضاربة
اختلف أصحاب المذاهب الأربعة في أركان المضاربة ، وإليك أقوالهم :
• الحنفية : قال الحنفية ركن المضاربة الإيجاب والقبول بألفاظ تدل عليها ، فالإيجاب هو كل لفظ يدل على المعنى المقصود منها كلفظ المضاربة والمقارضة والمعاملة ما يؤدي مثل هذا المعنى ، والقبول كل لفظ يدل على الرضا بذلك قوله العامل قبلت أو رضيت أو نحوها (1) .
• المالكية : ذكر بعض المالكية أن أركان المضاربة أربعة هي : العاقدان ، والصيغة والمال والجزء المعلوم للعامل (2) .
• الشافعية : قال يحيى النووي في متن المنهاج ” ويشترط إيجاب و قبول ” قال شارحه : يسمح المؤلف في إطلاق الشرط على الصيغة فإنها ركن وعبارة المحرر : لا بد في القرض من الإيجاب والقبول أظهر في المراد من عبارة المتن لدلالة كلمة في على دخولها في ماهية القراض وتقدم له مثل ذلك البيع ، وقدمنا هناك أن مراده بالشرط ما لا بد منه فيكون مساوياً لعبارة المحرر .
وقد أوضح الخطيب أركان المضاربة وهي مال ، وعمل ، وربح ، وصيغة ، وعاقدان ، (3) .
• الحنابلة : أركان المضاربة عند الحنابلة هي :صيغة ، وعاقدان ، ومال ، وعمل ، وتقدير نصيب العامل (4) .
المبحث الثاني : شروط المضاربة
المطلب الأول : الصيغة وشروطها :
في كل لفظ يدل على انعقاد المضاربة . ويتضمن الإيجاب والقبول .
واختلف في جواز تأجيلها أو تعليقها أو إضافتها أو توقيتها ، فعند الشافعية والمالكية إذا أضيفت أو علقت أو أقتت فسدت . وعند الحنفية يصح إضافتها إلى زمن مستقبل ويصح توقيتها ولا يصح تعليقها لما فيه من معنى التمليك ، إذ أنها تفيد تملك جزء من الربح (1) .
قال محمد الجاوي (2) : ” إنما تحصل بإيجاب من جهة رب المال وبقبول فوراً من جهة العامل ” (3) .
المطلب الثاني : العاقدين وشرطهما :
ولهما شروط فشرط المالك أهلية توكيل ، والعامل أهلية التوكل فلا يصح القراض إذا كان أحدهما محجوراً أو عبداً أذن له في التجارة أو المالك مفلساً أو العامل أعمى (4) .
ويقال أيضاً أن القراض توكيل وتوكل فيعتبر فيهما مالا يعتبر في الوكيل والموكل ويجوز لولي الطفل والمجنون أن يقارضا بمالهما سواء فيه الأب ، والجد ، والوصي …(5) .
ولو شرط عمل رب المال معه صح على قول الخرقي ، وقال أبو الخطاب : لا يصح (6) .
المطلب الثالث : في المال وشروطه :
لا شك أن الحنابلة يرون أن المضاربة تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره (1) .
ولهذا المطلب أربع شروط :
1) أن يكون نقداً . وهو الدراهم والدنانير المضروبة ، ودليله الإجماع ، ولا يجوز على الدراهم المغشوشة على الصحيح ، ولا على الفلوس ، على مذهب الشافعية .
2) أن يكون معلوماً ، فلو دفع إليه ثوباً وقال : بعه وقد قارضتك على ثمنه ، لم يجز .
3) أن يكون معنياً . فلو قارض على دراهم غير معينة ثم أحضر في المجلس وعينها ، قطع القاضي والإمام بجوازه ، كالصرف والسلم ، وقطع البغوي (2) بالمنع .
4) أن يكون رأس المال مسلماً إلى العامل ، ويستقل باليد عليه والتصرف فيه . فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده ، ويوفي منه الثمن إذا اشترى العامل شيئاً ، فسد القراض .
المطلب الرابع : في الربح وشروطه :
ولهذا المطلب أربع شروط أيضاً :
1) أن يكون مخصوصاً بالمتعاقدين ، فلو شرط بعضه الثالث فقال : على أن يكون ثلثه لك ، وثلثه لي ، وثلثه لزوجتي أو لابني أو لأجنبي ، فإنه لا يصح .
2) أن يكون مشتركاً بينهما . ولو قال : تصرف فيها والربح كله لي ، فهو إبضاع .
3) أن يكون معلوماً . ولو قال الربح بيننا ، ولم يبين فوجهان : 1- الفساد – 2 – الصحة .
4) وأن يكون العلم به من حيث الجزئية لا من حيث التقدير . فلو قال : لك من الربح ، أو لي منه درهم أو مائة والباقي بيننا نصفين ، فسد القراض وكذا لو قال : نصف الربح إلا درهماً .
المطلب الخامس : في العمل وشروطه :
ولهذا المطلب ثلاث شروط :
1) أن يكون على وجه الاستنماء ، ولا بد من بيان وقت العقد ، وعلى المضارب ما جرت العادة أن يباشره في نشر المتاع ، وطيه ، وعوضه ، وانتقاد الثمن وقبضه وإحرازه ، ونحو ذلك .
2) إطلاق المضاربة من غير توقيت في إحدى الروايتين عند الحنابلة ، والأخرى لا يشترط . فلو قال ضاربتك شهراً أو سنة ، فسدت على الأولى ولم تفسد على الثانية . فإن شرط عليه أن لا يتجر إلا في البر ، أو لا يبيع ولا يشتري إلا ببلد كذا ، أو من فلان ، أو أن لا يسافر بالمال ،فجميع ذلك يصح .
3) أن لا يكون مضيقاً عليه بالتعيين . فلو عين نوعاً يندر كالياقوت الأحمر والخز الأدكن ، فسد القراض . وإن لم يندر ، صح القراض . وإن لم يدم ، كالثمار الرطبة ، فوجهان أصحهما : الجواز ، والثاني : المنع (1) .
* * *
المبحث الثالث : أنواع المضاربة
المطلب الأول : المضاربة الصحيحة :
هي التي يتوفر فيها أركان المضاربة وشروطها ( السابقة ) سواء أكانت تلك الشروط تخص صيغة معينة أي صيغة العقد أم شروط أحد المتعاقدين أم العمل أم رأس المال وربح المال .
المطلب الثاني : المضاربة الفاسدة :
وهي الباطلة أو الغير صحيحة أو الفاسدة . وهي التي فقدت ركناً من أركانها أو أحد شروط صحتها .
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1) ما ينافي مقتضى العقد ، مثل أن يشترط لزوم المضاربة .
2) ما يعود بجهالة الربح . مثل أن يشترط للمضارب جزءاً من الربح مجهولاً .
3) اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه (1) .
* * *
المبحث الرابع : أقسام المضاربة
القسم الأول : المضاربة المطلقة :
وهي التي لم تقيد بزمان ولا مكان ، ولم يبين العمل فيها ولا صفته ، ولا من يتعامل معه المضارب فيكون للعامل فيها حرية التصرف في البيع والشراء بما يرى فيه المصلحة من غير تحديد لزمان ولا مكان ولا نوع العمل (1) .
وقد قسم الفقهاء العمل في المضاربة المطلقة إلى الأقسام التالية :
1 – ما يجوز للمضارب أن يعمله بمقتضى عقد المضاربة من غير حاجة إلى النص عليه من رب المال ، ومن ذلك البيع والشراء بنقد البلد وثمن المثل من جميع أنواع التجارة في شتى الأمكنة من جميع الناس …(2)
2 – ما يجوز للمضارب أن يعمله إذا قال له رب المال : اعمل برأيك . ومن ذلك مشاركة غيرة في مال المضاربة شركة عنان ، لأنها أعم من المضاربة ، ولأن الخلط يوجب في مال الغير حقاً فلا يجوز إلا بإذن من المالك (3) .
3 – ما لا يجوز للمضارب عمله إلا بالنص عليه من رب المال ، والإذن منه ، ومن ذلك الاستدانة ، فليس له أن يستدين على مال المضاربة والإقراض من المال (4) .
4 – ما لا يجوز للعامل أن يعمله أصلاً . ومن ذلك شراء ما كان محرماً كالميتة والخمر والدم ولحم الخنزير لقوله تعالى : ” حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ” (5) .
القسم الثاني : المضاربة المقيدة :
هي التي يشتمل عقدها على بعض الشروط التي تقيد من حرية المضارب في التجارة كأن يعين له رب المال نوعاً معيناً من التجارة .
وقد اتفق العلماء على اعتبار القيد ووجوب التزام المضارب به متى كان مفيداً ، لقوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ” (1) . فقد أفاد هذا الدليل مشروعية اقتران العقود بالشروط وأن منها ما هو صحيح يجب الوفاء به ومنها ما هو غير صحيح لا يجب الوفاء به . ومن ثم لا يصح اشتراطه (2) .
* * *
الفصل الثالث
في أحكام شركة المضاربة
ويشتمل على ثلاث مباحث :
المبحث الأول / عقد المضاربة من حيث اللزوم والجواز .
المبحث الثاني / الربح والخسارة في المضاربة .
المبحث الثالث / حكم زكاة مال المضاربة .
المبحث الأول : عقد المضاربة من حيث اللزوم والجواز
عقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللازمة عند جميع الفقهاء ، وعلى ذلك فإنه يجوز لكل رب من المال والمضارب فسخها متى شاء بشرط أن يكون المال عيناً من الدراهم والدنانير .
أما إذا كان المال عروضاً فقد ذهب الأحناف والشافعية إلى أن الفسخ يتم ولكن يبقى للمضارب ولاية التصرف بيع العروض حتى ينفى المال ليظهر حقه (1) ، وقد وافقهم الحنابل على صحة الفسخ حال كون المال عروضاً ، إلا أنهم أجازوا صحة اتفاق رب المال والمضارب على بيعه أو قسمته (2) .
فالفرق بين المالكية وغيرهم أن المالكية يرون بقاء العقد إلى ينفى رأس المال ، ولكن باعتبار أن العقد لا يزال قائماً . والواقع أن الخلاف على هذا الموضوع ليس له أثر عملي . لأن الجميع يتفقون على أن المضاربة من العقود الجائزة ولكل واحد من الطرفين فسخها حتى بعد الشروع في العمل (3) .
المبحث الثاني : الربح والخسارة في المضاربة
المضاربة عقد على الربح واستحقاقه إما بالمال ، أو بالعمل ، أو بالضمان ، وفي المضاربة يستحق رب المال الربح بالمال والربح يكون مشتركاً بين المالك والمضارب بحسب الشرط الذي يتفقان فيه على توزيعه .
والخسارة تكون على رب المال في جميع الأحوال فلا يصح أن يشترك العامل في الخسارة ، وإذا اشترط رب المال ذلك فسدت المضاربة بالإجماع .
ويعتبر الربح فيما زاد على رأس المال ، ولا يوزع إلا بعد أن يسلم لرب المال رأس ماله .
وقد اختلف الفقهاء في الكيفية التي يظهر فيها الربح ، فيرى الأحناف أن الربح لا يظهر إلا بقسمة المال بين رب المال والمضارب ، فإذا امتلك رب المال رأس ماله أصبح حق المضارب في الربح يصبح ملكاً له بظهوره ولو لم يقسم المال ، لكنه لا يستقر هذا الملك إلا بالقسمة .
والذي أراه أن الربح يصبح حقاً للمضارب متى ظهر الربح في أية كيفية ظهر فيها ، قسم المال أو لم يقسم ، لا سيما إذا أخذنا بالرأي القائل أنه لا بد من تنضيض مال المضاربة قبل القسمة وقبل معرفة الربح والخسارة ، حتى يعرف بهذا التنضيض ما إذا كانت الشركة قد ربحت أو خسرت ، ولا يفرز الربح حتى يفرز رأس المال لقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس المال . كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه ” .
ولأن الربح فرع ورأس المال أصل ولا يقسم الفرع قبل سداد الأصل .
ويجبر من الربح أي تلف يحدث بآفة سماوية أو خسارة بسبب العمل والمحال في يد المضارب ، أو أي نقص يحدث بتغيير الأسعار ، أما إذا تلف أو هلك المال قبل المباشرة في الشركة أو قبل تمام العقد فلا يجبر من الربح وإنما يعتبر الباقي رأس مال المضاربة .
ولا يضمن رأس المال إلا بالتعدي وتجاوزه ما حدده له من المضاربة المقيدة . أو شرائه شيئاً نهي عن شرائه ، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ” لا ضما ن على من شورك في الربح ” .
فإذا فعل ما نهي عنه أو تعدى ما ليس من عمل المضاربة أو أهمل في صيانة المال ضمن رأس المال ، لتقصيره وظلمه ، ولأنه متصرف في مال غيره بغير إذنه (1) .
* * *
المبحث الثالث : حكم زكاة مال المضاربة
تمهيد :
بما أن المال أحد أركان المضاربة الأساسية لهذا كان واجباً دفع الزكاة عن هذا المال . لما هو معلوم من وجوب الزكاة . وهي الركن الثالث من أركان الإسلام . اسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله ” أو كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم .
لا خلاف بين العلماء في أن على رب المال دفع زكاة رأس ماله وربحه ، وعلى العامل دفع زكاة نصيبه من الربح بعد القسمة إذا حال عليه الحول وكانا ممن تجب عليهما الزكاة .
– إلا أن العلماء اختلفوا في زكاة الربح إذا ظهر في المال ربح قبل القسمة إذا حال عليه الحول على من تجب ؟ ومتى تجب على ثلاثة أقوال :
1) أنه إذا ظهر في المال ربح وحال عليه الحول ولم يقسم فالمال وربحه زكاته على رب المال ، لأنه ملكه ، لأن العامل لا يملك نصيبه من الربح إلا بعد القسمة لا بمجرد الظهور . وهذا هو القول الأول عند الشافعية . قال الرملي : ” وإذا قلنا عامل القراض ويملك الربح المشروط له بالظهور وهو الأصح بل القسمة ، فعلى المالك عند تمام الحول زكاة الجميع ربحاً ورأس مال لأن الجميع ملكه (1) .
2) أن العامل يملك نصيبه من ربحه بمجرد الظهور فإذا حال عليه الحول وجبت عليه زكاة نصيبه من الربح وعلى رب المال زكاة رأس ماله وحصته من الربح فقط إلا أنهم اختلفوا في وقت إخراجها بمجرد مضي الحول ولو لم يقسم الربح وقال آخرون : لا تجب عليه إخراجها بمجرد مضي الحول ولو لم يقسم الربح أي لا تجب عليه إلا بعد القسمة واستلام رب المال رأس ماله مع نصيبه من الربح ولو طال ذلك .
أما بداية حول الربح فقال بعضهم مع بداية حول رأس المال . وقال آخرون يحسب حوله من بداية ظهور الربح .
جاء في المبسوط : ” وأما مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح وعلى المضاربة زكاة حصته من الربح إذا وصلت يده إليه . وإن كان نصاب أو كان له من المال ما يتم به النصاب (1) .
قال مالك : ” في زكاة القراض ” أنه لا يخرج العامل زكاة العامل زكاة القراض إلا بحضرة رب المال وإن كانت الزكاة قد وجبت منذ قبضها العامل فإن ربح فيها العامل وحال الحول عنده فإنه لا يخرج شيئاً من زكاة رأس المال …(2) .
وقال ابن قدامة : ” وإن دفع رجل ألفاً مضاربة على أن الربح بينهما .. قال ابن الخطاب لأن العامل يملك الربح بظهوره فإذا ملكه جرى في حول الزكاة (3) .
3) أن حصة المضارب لا زكاة فيها لأن ملك المضارب عير تام ولا يختصر به دليل أنه لو ضر أو نقص قيمة الأصل جبر من الربح . وبهذا قال الشافعية في أحد أقوالهم رجحه اختاره ابن قدامة من الحنابلة وإن إخراجها منه قبل القسمة لم يجز . لأن الربح وقاية لرأس المال (4) .
الفصل الرابع
مبطلات شركة المضاربة
مبحث
حكم المضاربة بالأسهم :
على ضوء ما سبق من التعريف بالمضاربة الشرعية يمكن أن يقال : إن المضاربة بالأسهم تكون على نوعين :
• أولاً :
إذا اعتبرنا الأسهم بذاتها عروض تجارة بغض النظر عما تمثله من أصول وموجودات الشركة فحينئذ يصح أن يضارب العامل فيها لرب المال – وهو مالك الأسهم – ، باعتبار أن الصحيح جواز المضاربة بالعروض ، وأنه لا يشترط أن يكون رأس المال من النقد .
فيأخذ العامل هذه الأسهم ويبيع ويشتري بها بقصد الربح ، فإذا ربحت أخذا كل واحد من العامل ورب المال نصيبه المحدد مسبقاً على سبيل الشيوع ، كما سبق في الشروط .
والخلاصة :
أن المضاربة بالأسهم باعتبارها عروض تجارة صحيحة موافقة للأصول الشرعية – فيما يظهر لي – والله تعالى أعلم .
• ثانياً :
إذا نظرنا إلى الأسهم على أنها تمثل نصيباً أو حصة شائعة من أصول وموجودات الشركة ، فالمضاربة بها بهذا الاعتبار تتعارض – فيما يظهر لي – مع بعض الشروط المتقدمة ، على التفصيل التالي :
1- تتعارض مع الشرط الأول إذا كانت موجودات الشركة عروض تجارة ، لكن سبق أن الصواب عدم صحة هذا الشرط .
2- الأئمة أبا حنيفة ومالكاً والشافعي يشترطون تسليم رأس المال إلى العامل ، وفي الشركات المساهمة لا يمكن لمالك الأسهم أن يسلم ما تمثله هذه الأسهم من موجودات الشركة إلى العامل ؛ لأنها تحت تصرف مجلس إدارة الشركة فقط .
وهذا في الحقيقة يدل على المنع من المضاربة بالأسهم بهذا الاعتبار ، لأنه سيتصرف برأس المال بالتدريج وإن لم يتسلمه كله دفعة واحدة ، بينما الواقع في أسهم شركات المساهمة أنه لن يتمكن مطلقاً من استثمار ما تمثله هذه الأسهم من موجودات الشركة ؛ لأن هذه الموجودات في حوزة الشركة وتحت تصرف مجلس إدارة هذه الشركة .
ومن هنا فإن هذا الشرط يبقى حائلاً دون تصحيح المضاربة بالأسهم بالاعتبار الثاني .
3- من شروط المضاربة السابقة : أن يكون رأس المال معيناً ؛ لأن العمل بالمال لا يمكن إلا بتعيينه ، وهذا الشرط يتعارض مع الأسهم في الشركات المساهمة ؛ لأنها تمثل نصيباً معلوماً ، لكنه غير معين بل مشاع من موجودات الشركة ، وبهذا يختلف هذا الشرط أيضاً من شروط المضاربة بالنسبة لأسهم شركة المساهمة .
الخلاصة :
أن المضاربة بأسهم شركات المساهمة غير صحيحة ، باعتبارها تمثل نصيباً شائعاً من موجودات الشركة ؛ لأنها تفقد شرطين من شروط الصحة ، وهذا يؤدي بدوره إلى عدم صحة المضاربة بالأسهم لأن السهم يمثل شيئين في وقت واحد :
الأول : أنه من عروض التجارة .
الثاني : نصيب المساهم من موجودات الشركة ، فلا بد أن تصح المضاربة بالأسهم بالاعتبارين جميعاً ، وإلا كانت غير صحيحة ، ولما تبين أن المضاربة بالأسهم لا تصح بالاعتبار الثاني نتج من هذا عدم صحة المضاربة بالأسهم مطلقاً ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
مبطلات شركة المضاربة
تنتهي المضاربة بالطرق التي تنتهي بها غيرها من أنواع الشركة .
– وعلى الجملة فإن المضاربة تنتهي باتفاق العامل ورب المال على فسخها وكذلك الفسخ من أحدهما وبشرط أن يعلم صاحبه بذلك ، وأن يكون رأس المال عيناً دراهم ودنانير ، فإن كان عروضاً فإن طالب الفسخ ينتظر حتى ينض المال ويظهر الربح أو الخسارة (1) .
كما تنتهي المضاربة بموت العامل أو رب المال غير أن المالكية يرون أن المضاربة عقد يورث . وعلى هذا فإذا كان المتوفى رب المال فلا يترتب على وفاته بطلان حق ثبت للعامل فيبقى على همله وعلى شروط المضاربة ولا يكون للورثة حق انتزاع المال منه . وإذا كان المتوفى العامل فقد حدثت وفاته بعد أن ثبت له حق العمل في المال فينتقل هذا الحق بعد وفاته إلى ورثته بشرط أن يكون الوارث أميناً حاذقاً في العمل ، فإذا كان كذلك فلا يكون لرب المال أن ينتزع المال منه ، لأن ذلك مبطل لحق انتقل إليه عن مورثه (2) .
وأيضاً فإن المضاربة تنتهي بانقضاء وقتها المحدد عند من يقول بتوقيتها ، وبجنون العامل أو رب المال ، أو العامل بسبب السغه أو الإفلاس . وبهلاك المال قبل التصرف فيه (3) .
– فسخ المضاربة –
سبق أن بينا أن طبيعة عقود الشركات جميعاً أنها غير لازمة . وعقد المضاربة منها لكل واحد من رب المال أو المضارب فسخ الشركة ، ويشترط أن يعلم صاحبه بذلك ، وأن يكون رأس المال عيناً دراهم ودنانير ، وإذا كان المال عروضاً أو غير ذلك انتظر طالب الفسخ حتى ينض المال ويظهر الربح والخسارة ولو أنهى صاحب المال المضارب عن التصرف والمال عروض لم ينته حتى ينض المال . وله الفسخ عند المالكية قبل الشراء وبعده (1) .
انتهاء المضارب بالموت
الحنفية : قال الكاشاني : ” وتبطل بموت أحدهما ، لأن المضاربة تشمل على الوكالة والوكالة تبطل بموت الموكل … إلى آخر كلامه (2) .
المالكية : عقد المضاربة لا ينفسخ بموت العامل عندهم (3) .
الشافعية : قال النووي : ” ولو مات أحدهما أو جن انفسخ (4) .
الحنابلة : قال ابن قدامة : ” أي المتقارضين مات أو جن انفسخ القراض لأنه عقد جائز فانفسخ بموت أحدهما وجنونه ، كالوكيل (5) .
اترك تعليقاً