دراسة وبحث قانوني قيم عن العمل القضائي في المادة البنكية
إن التعامل مع المؤسسات البنكية يشكل في وقتنا الحاضر ض رورة الضروريات للعديد من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يجدون في الخدمات والتسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك، حلا لجملة من المشاكل التي تواجههم في حياتهم اليومية 1 فمن بين هؤلاء الأشخاص من يجد في البنك مودعا لديه يأتمنه على أمواله إلى أن يعمل على استرجاعها عبر استعماله وسائل السحب أو الوفاء التي توضع رهن إشارته لهذا الغرض أو عن طريق التحويل المصرفي، ومن بينهم من يجد في البنك ملاذا لاقتراض ما يحتاجه من أموال لتمويل مشاريعه التجارية أو الصناعية أو لمجرد إنجاز بعض الأغراض الخاصة المرتبطة بالاستهلاك.
إلا أن هذه العمليات التي تقوم بها الأبناك ليست بمنأى عن أي نزاع بل تعتبر مجالا خصبا للعديد من النزاعات بين البنك من جهة و المتعامل معه من جهة أخرى، ونخص بالذكر عمليات القرض التي تثير إشكالات متعلقة بالأساس بوسائل إثبات المديونية وتحقيق الديون البنكية، ناهيك عن مسؤولية الأبناك الناشئة عن مختلف العمليات كالتحويل والإيداع وغيرها.
فكيف تعامل القضاء المغربي مع هذه الإشكالات ؟ وهل صار بشأنها في اتجاه واحد أو اتسمت أحكامه بالتذبذب ؟ هذا ما سنحاول الوقوف عليه في فحوى هذا العرض العملي والتطبيقي من خلال محاولتنا قدر المستطاع جرد مختلف القرارات الصادرة بهذا الخصوص، لذا ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: عقد القرض البنكي
المبحث الثاني: المسؤولية البنكية
المبحث الأول : عقد القرض البنكي
يعتبر الإقراض من بين صور الائتمان العديدة التي يقوم بها البنك ,إذ يمثل الوظيفة المقابلة لوضيفة قبول الودائع,ذلك لان إقراض البنك لزبنائه يعني انه قد وضع أرصدة سبق أن أودعت لديه موضع التشغيل ,وبذلك يكون قد بعث فيها الحياة و حولها من مال عاطل إلى مال يدر دخلا 2.
و من ثم فان القرض أو الإقراض يعد من ابسط صور الائتمان المباشر الذي تمنحه البنوك لزبنائها من حيث الخضوع للقانون إلى القواعد الواردة في المادة 856 و ما يليها من ق ل ع م.على اعتبار أن أحكام القرض البنكي لا تختلف كثيرا عن عقد القرض العادي ,و خاصة فيما يتعلق بتسليم المال موضوع العقد ورده و تحديد الضمانات اللازمة إن اقتضى الحال 3.
ولن نجازف إن قلنا أن القرض البنكي يخضع في جل أحكامه للقواعد الواردة في القانون المدني,رغم ذلك فانه يشكل و يبقى عملا تجاريا بالنسبة للبنك الذي يعتبر تاجرا ,لكن ما يطرح الإشكال هو الطرف الآخر (الزبون),ومدى تجارية هذا العمل بالنسبة إليه؟
المشرع لزم الصمت وليس هناك نص صريح يتحدث عن تجارية هذا العقد بالنسبة للزبون,مما يجعلنا نتساءل عن موقف القضاء من هذه الإشكالية؟
تذهب جل الدراسات أن المحاكم المغربية لم تكن تقبل و خاصة قبل صدور القانون البنكي اعتماد كشف الحساب البنكي وسيلة للإثبات في العلاقة بين البنك و زبونه غير التاجر,مما يعني أن القضاء كان يستبعد تجارية القرض البنكي بالنسبة للزبون غير التاجر,اعتبارا لكون المجلس الأعلى اعتبر في احد قراراته أن كشف الحساب المستخرج من الدفاتر التجارية يعتبر إحدى وسائل الإثبات المعمول بها في الميدان التجاري 4 .الأمر الذي يفهم منه اعتراف ضمني بعدم تجارية العمل للطرف الآخر.
الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن المنحى الذي سلكته المحاكم التجارية مؤخرا بهذا الصدد؟
فيما يخص الاعتماد على كشف الحساب كوسيلة للإثبات ,فالمحاكم التجارية جلها تسير في اتجاه الأخذ به و بدون تردد بغض النضر عن الطرف الآخر ,وهذا ما سيتبين من خلال القرارات العديدة الموجودة بين أيدينا ,فقد ذهبت المحكمة التجارية بفاس في احد قراراتها 5 ’’لكن حيث إن البنك أدلى إثباتا لدائنيته بكشف حساب موقوف بتاريخ…و حيث انه بمقتضى المادة 492 من م ت و المادة 106 من ظهير 6-7-1993 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان فان كشف الحساب المستخرج من الدفاتر التجارية للبنك المفترض إمساكها بانتظام لها حجيتها الإثباتية…’’ وفي قرار آخر لنفس المحكمة 6 ، جاء فيه ” … حيث أنه من الثابت أن كشف الحساب المدلى به من طرف المستأنف تعتبر حجة على المديونية…” يتضح لنا من هذه القرارات أن الأخذ بكشف الحساب كوسيلة للإثبات فيه اعتراف ضمني بتجارية القرض البنكي لطرفيه، وذلك على خلاف الاتجاه القضائي قبل صدور القانون البنكي، وتكريسا لهذا الاتجاه دائما أصدرت المحكمة التجارية بوجدة حكما ردت فيه الدفع المثار من طرف أحد الخواص الذي نازع فيه بعدم اختصاص هذه المحكمة، اعتبارا لمدنية القرض بالنسبة له، ومن حيثيات هذا الحكم 7 : ” …. وبناءا على المذكرة الجوابية للمدعى عليه مع الدفع بعدم الاختصاص النوعي التي يعرض من خلالها أن الدعوى موضوع النزاع تتعلق بالمطالبة بدين مدني كما يتجلى من سند الدين الذي هو عبارة عن قرض للخواص، وأنه لأجل ذلك لا يدخل ضمن الأعمال التجارية المنصوص عليها بمدونة التجارة. وأن المدعى عليه ليس بتاجر بمفهوم المادة 6 من مدونة التجارة، كما أن المادة 4 من نفس المدونة تنص على أنه إذا كان العمل تجاريا بالنسبة لأحد المتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد الآخر…. لا يمكن مواجهة الطرف الذي كان العمل بالنسبة له مدنيا بقواعد القانون التجاري.والتمس بعدم اختصاص المحكمة التجارية بوجدة للبت نوعيا في الدعوى مع إحالة الملف على القضاء العادي للنظر فيه وفق الإجراءات العادية. وبناءا على إحالة الملف على النيابة العامة تقدمت بمستنتجاتها الرامية إلى رد الدفع المثار والتصريح بانعقاد الاختصاص النوعي للبت في الطلب للمحكمة التجارية بوجدة…”.
ما يفهم من هذا الحكم وبصفة صريحة أن القرض البنكي عقد تجاري بغض النظر عن صفة الزبون ما دام أن المحكمة التجارية مختصة في جميع الحالات.
ومن جانبا نرى أن الحسم في إشكالية تجارية عقد القرض البنكي أن يساهم في توحيد القواعد القانونية المطبقة على ذات العملية، كما من شأنه أيضا تجنيب الأطراف بعض المشاكل المتمثلة في تعدد المساطر إذا تم اعتبار العمل مختلطا, كما أن القانون المنشئ للمحاكم التجارية في مادته الخامسة ينص على انعقاد الاختصاص للمحاكم التجارية في الدعاوى الناشئة عن العقود البنكية (التجارية).
المطلب الأول : وسائل إثبات المديونية
يعتبر اعتماد كشف الحساب البنكي من أصح الوسائل المعتمدة من طرف البنوك لإثبات المديونية بينها وبين زبنائها, غير أن موقف القضاء لم يستقر بشان حجيتها في الإثبات, فبعد ما كان يستبعدها في ظل القانون التجاري لسنة 1913 الملغى من ضمن وسائل الإثبات الممكن اعتمادها في العلاقة بين البنك وزبونه غير التاجر، أضحى اتجاه القضاء التجاري خصوصا بعد صدور القانون البنكي لسنة 1993 والذي نسخ 8بقانون رقم 03 . 34، يسعى إلى تكريسها بشكل واسع وهو ما سارت عليه مدونة التجارة الحالية في المادة 334 منها, حيث نصت على حرية الإثبات في المادة التجارية ..
ويستشف هذا الاتجاه الذي يسير فيه القضاء التجاري بالمغرب من خلال العديد من الأحكام الصادرة عنه, والتي كرست في مجملها القوة الثبوتية لهذه الوسائل. و صدر في هذا الصدد عن المحكمة التجارية بفاس قرارا حيث جاء فيه ” حيث أنه فضلا عن كون مديونية المستأنف ثابتة بمقتضى كشوف حسابية لها حجية إثباتية في الميدان التجاري ما دامت أنها مستخرجة من الدفاتر التجارية الممسوكة بانتظام، علما أن دفاتر البنك منتظمة حتى يثبت العكس وذلك بالنظر لما يخضع له البنك من رقابة مستمرة من طرف بنك المغرب…” 9 ونفس الاتجاه سارت عليه المحكمة ذاتها حيث جاء في قرار لها ” لكن حيث أن مديونية المستأنف ثابتة بمقتضى كشف الحساب المحصور بتاريخ 30/04/2004 والذي يعد حجة في الميدان التجاري لأنه مستخرج من الدفاتر التجارية الممسوكة بانتظام من طرف المطعون ضده عملا بالمادة 492 من مدونة التجارة، وذلك بالنظر لما يخضع له البنك من رقابة مستمرة من طرف بنك المغرب و هو الاتجاه الذي كرسته المادة 106 من ظهير 6/7/1993 المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها وكذا المادة 118 من ظهير 14/02/2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها أي القانون البنكي الجديد ” 10 وفي قرار آخر عن نفس المحكمة المشار إليها آنفا، جاء فيه ” حيث أن المستأنف عليها الأولى قد أدلت بكشف للحساب يتضمن كل العمليات الواردة بحساب تعاونية زواغة إلى غاية تاريخه 01/02/2004 والمبالغ المستحقة ونسبة الفائدة، وأن المستأنفة لم تنازع في أي بيان في البيانات الواردة بالكشف المذكور,الأمر الذي يجعله حجة على المبلغ الوارد به وفقا لأحكام المادة 492 من مدونة التجارة والقانون البنكي وبالتالي لا حاجة لإجراء خبرة حسابية.” 11
القرار الأخير وإن كان يكرس الاتجاه السابق، إلا أنه يشير إلى حالة مهمة, وهي إمكانية الطعن في كشف الحساب الصادر عن البنك في حالة خلوه من بعض البيانات أو إمساكه بكيفية غير منتظمة وغير قانونية مما يحتم معه إجراء خبرة أوانتداب خبير لإجرائها لتأكيد أو نفي ما هو وارد بين طياتها، وهذا ما كرسه أيضا القضاء التجاري من خلال بعض القرارات، وبين أيدينا قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس 12 يشير إلى أنه ” وحيث أنه لما نازع المستأنف الأصلي بوصفه مدينا بمبلغ الدين … وكان كشف الحساب المدلى به من طرف البنك المقرض غير مفصل بمفهوم المادة 496 من مدونة التجارة قد قررت المحكمة تمهيديا انتداب الخبير فؤاد قازوز لتحديد مبلغ الدين المطالب به…” كما صدر عن نفس المحكمة قرار آخر جاء في حيثياته ” وأنه لما نازع فيها المستأنف بدعوى أن كشوفات الحساب ممسوكة بطريقة غير منظمة واحتسبت فوائد غير مستحقة وأن البنك عمد إلى قفل الحساب دون إشعاره قررت المحكمة إجراء خبرة حسابية مضادة انتدبت للقيام بها السيد عز العرب السلاوي لتحديد مبلغ الدين المطالب بذمة المستأنف مع بيان سعر الفوائد وكيفية احتسابها… وأن الخبير المذكور أنجز تقريرا…” 13
هذه الأحكام كلها تسير في اتجاه تكريس الفوة الثبوتية للكشوفات الحسابية الصادرة عن البنوك رغم الطعن فيها، فتلجأ المحكمة إلى انتداب خبير لتأكيد هذه الحجية.
لكن هذا كله لا يعني أن الوسيلة الوحيدة لإثبات المديونية ومقدارها ومقدار الفوائد هي كشوفات الحساب الصادرة عن البنوك, بل يعتمد القضاء التجاري وسائل أخرى، وهذا ما كرسته بعض القرارات القضائية.
فقد ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بفاس 14 في قرار لها جاء فيه ” حيث أن الدين يمكن إثباته بواسطة عقد القرض وكشف الحساب وشهادة تقييد الرهن العقاري”
المطلب الثاني : إشكالات تحقيق الضمانات البنكية
من المستبعد أن تقدم مؤسسات الائتمان بصفة عامة والبنوك بصفة خاصة على منح الائتمان لزبنائها دون أن تحصل منهم على ضمانات تمكنها من استرداد قيمة القرض حالة توقف المدين عن دفع الأقساط.
هذه الضمانات متعددة ومتنوعة ( عقارات، أصول تجارية، قيم منقولة…) المهم فيها أن تكون كافية لسداد قيمة القرض أو الدين، حالة عجز المدين.
بالرغم من ذلك فإن المدين غالبا ما يحاول وبشتى الطرق عرقلة سعي البنك للتنفيذ أو لتحقيق الرهن، في الحالة التي يتخلف فيها عن أداء ما عليه تجاه مؤسسة الائتمان.
ومن أهم الوسائل أو الحيل القانونية التي يلجأ إليها المدين الطعن في المسطرة التي يسلكها الدائن، فالبنك كطرف مدعي قد يسلك مسطرتين لتحقيق الرهن, المسطرة العادية المنصوص عليها في ق. ل. ع. م عن طريق المطالبة بالدين، وقد يسلك مسطرة طلب بيع العقار المرهون عن طريق تحويل الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي, فيقوم المدين بالطعن في سلوك الدائن لمسطرتين في آن واحد أو لتحقيق دين واحد؟ مما يدفعنا للتساؤل عن موقف القضاء التجاري من الأمر؟.
ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها 15″ وحيث أنه خلافا لما نحاه المطعون فيه من أن تقديم الدائن لدعوى تحقيق الرهن العقاري استنادا إلى نفس الدين يمنعه من سلوك مسطرة أداء نفس مبلغ الدين مرتين فإن الاجتهاد القضائي استقر على أن دعوى المطالبة بالدين في إطار القواعد العامة لا يتعارض مع طلب بيع العقار المرهون، فقد ورد بهذا المعنى في قرار صادر عن المجلس الأعلى على أنه على فرض أن البنك قد سلك مسطرة تحقيق الرهن فإن الدائن المرتهن الحق في مباشرة التنفيذ على العقار بمجرد ثبوت امتناع المدين عن الأداء وبمجرد حصوله على شهادة بتسجيل اسمه في السجل العقاري، طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 58 من قانون التحفيظ العقاري وليس ضمن وثائق الملف ما يثبت أن البيع القضائي للعقار تم، وفي جميع الأحوال فإن منتوج البيع سيخصم من مبلغ الدين…”.
ما يفهم من هذا الحكم أنه ليس هناك ما يمنع من سلوك مسطرتين في آن واحد مادام أن كلا منهما يؤدي إلى نفس النتيجة وهو استرداد مبلغ الدين، هذا الحكم كرسته نفس المحكمة أي محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرار لاحق لها 16. وفي حوار لنا مع الأستاذ الحسين الزياني، الممثل القانوني للبنك الشعبي في وجدة، أكد لنا على إمكانية الجمع بين المسطرتين مادام أنه لا وجود لنص قانوني يمنع ذلك, مع تأكيده على وجوب توحيد الاجتهاد القضائي في هذا المجال, أو في الجهة الشرقية مادام أن قضاء المجلس الأعلى بإمكانه التراجع عن اجتهاده القاضي بجواز الجمع بين المسطرتين 17.
إضافة إلى هذه الوسيلة التي يهدف بها المدين إلى عرقلة التنفيذ على الرهن، قد يلجأ إلى وسائل أخرى كالتماطل والطعن في استحقاق الفوائد ( قانونية كانت أو اتفاقية) والطعن في الضريبة على القيمة المضافة. فكيف تعامل القضاء التجاري مع هذا الأمر؟
فبالنسبة للفوائد الاتفاقية تسري بقوة القانون رغم أي طعن, وهذا ما كرسته محكمة الاستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها 18 الذي جاء فيه ” وحيث أنه لما كانت الفوائد الاتفاقية تسري بقوة القانون لفائدة البنك وأنه يسجل في الرصيد المدين للحساب دين الفائدة للبنك المحصور كل ثلاثة أشهر ويساهم احتمالا في تكوين رصيد لفائدة البنك ينتج بدوره فوائد عملا بالمادتين 495-497 من م. ت فإن الدفوعات المتعلقة بهذا الخصوص تكون على غير أساس…”.
كما أن المدين قد يلجأ إلى الطعن في مشروعية أو قانونية الضريبة على القيمة المضافة، لكن الاجتهاد القضائي يؤكد على أن عمليات البنوك تخضع للضريبة على القيمة المضافة، فقد جاء في أحد قرارات محكمة الاستئناف التجارية بفاس 19 ” وحيث أنه وعلى العكس مما أثاره المستأنفان فإن عمليات البنوك تخضع للضريبة على القيمة المضافة عملا بالمادة 15 من القانون المنظم للضريبة المذكورة…”.
هذا الأمر كرسته نفس المحكمة في قرار لاحق لها 20 ” وحيث أن المقرض المستأنف عليها تاجر بشكلها باعتبارها شركة مساهمة وبالتالي تجد الفوائد المحكوم بها بمقتضى الحكم المستأنف سندها في الفصل 871 من ق. ل. ع. م عكس ما ذهبت إليه المستأنفة، إضافة إلى أن العمليات المفروض عليها الضريبة على القيمة المضافة وجوبا منها عمليات البنوك والائتمان والصرف تطبيقا للبند 11 من المادة 4 من قانون رقم 30/85 المتعلق بفرض الضريبة على القيمة المضافة…”.
يلاحظ من مختلف هذه القرارات أن المدين يحاول بمختلف الطرق التملص من أداء دينه ولو بطريقة جزئية، لكن القضاء حازم في هذا الأمر ويسد كل الثغرات التي يحاول المدين التسلل منها خصوصا وأن القروض في هذه الحالة قروض بنكية مضمونة.
المبحث الثاني : المسؤولية البنكية
أمام ارتباط مسؤولية البنك بطبيعة التقنيات والآليات التي يستعملها وبحكم نشاطه وما يمكن أن تلتزم بها المؤسسة البنكية اتجاه المتعاملين معها، تستوجب وجود عدة التزامات ويتمخض عنها مسؤوليات عدة وتتجلى بالأساس في المسؤولية البنكية من التحويلات وهذا ما سيتم معالجته في مطلب أول والمسؤولية البنكية عن الودائع كمطلب ثاني.
المطلب الأول : مسؤولية البنك عن التحويلات
تعتبر المؤسسة البنكية مسؤولة أثناء تنفيذ أمر التحويل الصادر إليها من زبونها وذلك بعد تقييدها المبلغ المتعين تحويله تنفيذ الأمر في الجانب المدني لحساب الأمر بالرغم من كون رصيد هذا الحساب غير كاف لذلك، فهي تعتبر قد منحته تسهيلا ائتمانيا بالمبلغ، مما يسمح لها باستئنافه منه عن طريق التقييدات المتبادلة، التي بينها وبينه في إطار تشغيل الحساب.
وبالرجوع إلى المادة 521 من مدونة التجارة والتي جاء في نصها ” يصبح المستفيد من التحويل مالكا للمبلغ الذي يتعين نقله من وقت خصمه من طرف المؤسسة البنكية من حساب الأمر “
ومن هنا فإن وقع أن نازع الأمر في وضعية حسابه متمسكا بكون رصيده الدائن لفائدته كاف لتسوية المبلغ بأمر التحويل الذي سبق له أن أصدره للمؤسسة البنكية المعنية بالأمر فإن هذه الأخيرة، لا يمكنها والحالة هذه أن تلغي التقييد الذي أجرته بهذا الخصوص في الجانب المدني لحساب الأمر في هذا الإلغاء مساسا بحق المستفيد، على غرار المادة 519 التي جاءت في بندها الأخير انه إذا كان المستفيد من التحويل مكلفا بنقل المبلغ إلى الجانب الدائن من حساب شخص آخر وجب ذكر اسم هذا الأخير في أمر التحويل، وهذا ما ركن إليه القضاء وذلك في إحدى قرارات محكمة الاستئناف التجارية بفاس، الصادر بتاريخ 20/10/2005 ” لكن حيث أن الفقرة الأخيرة من المادة 519 من مدونة التجارة نصت على سبيل الوجوب، على ذلك المستفيد من التحويل إلا إذا كان الأمر بالتحويل يتعلق بنقل مبلغ منالي للجانب الدائن لحسابه، ولا شك إلزامية تضمين هذا البيان في الأمر بالتعديل لم يرد في النص دون غاية توخي المشرع تحقيقها وفي تعيين المستفيد من التحويل بكيفية واضحة إليها اللبس أو الخلط، ويترتب ذلك أن البنك الموجه له الأمر بالتحويل ملزم بمطابقة اسم المستفيد مع رقم الحساب المطلوب التحويل إليهن والتأكد من صحة البيانات المقدمة إليه، وهو ملزم أيضا بوصفه وكيلا مأجورا، بأن يحجم عن تنفيذ تعليمات زبونه متى ظهرت لديه أسباب خطيرة تستوجب ذلك وأن يخطره فورا بما يحول دون (التقيد) وينتظر تعليماته بهذا الخصوص وذلك عملا بالفصلين 903 و 904 من قانون الالتزامات والعقود ” 21
وما يمكن حصر مسؤولية البنك من الودائع أنها تندرج ضمن مسؤولياته إذ أنها تبقى قائمة عن الودائع الموضوعية حتى في حالة قيام القوة القاهرة وذلك ما نصت المادة 510 من مدونة التجارة في فقرتها الأخيرة ” لا يتحلل من الالتزام بالرد في الحالة التي يفقد فيها النقود المودعة نتيجة لحالة قوة قاهرة ” وهو الاتجاه الذي سايره القضاء برمته من خلال الحكم الذي لا مسنا فيه الاتجاه المساير الصادر عن المحكمة التجارية بطنجة بتاريخ 26/07/2005 وكذلك نفس النهج والمنهج المتبع عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس الصادر بتاريخ 15/12/2005 22 حيث تمسك المستأنف في أوجه استئنافه بعدم صفة المستأنف عليه في الدعوى، حيث صفة هذا الأخير ثابتة في الدعوى من خلال الكشوفات الحسابية المدلى بها وبإقرار المستأنف نفسه في شكاية ضد مستخدمه وبإقراره المدون في تقرير الخبرة المنجزة في الملف. وحيث أثار المستأنف في أسباب استئنافه بأنه لا يمكنه أن يعلم بأن الشيكات المقدمة إليه مزورة وأن هذه الحالة تدخل ضمن حالات القوة القاهرة المنصوص عليها في الفصل 808 من ق.ل.ع.
لكن حيث أن الحكم المطعون فيه علل هذا الدفع بما فيه الكفاية عندما أوضح بأن الشيكات المسحوبة غير موقعة من طرف صاحبها وأن البنك بذلك قد خرق قواعد الوديعة التي تلزمه بحفظ الشيء المودع لديه وبالتالي فهو يقع تحت طائلة مقتضيات المادة 510 من مدونة التجارة التي لا تحلله من الالتزام بالرد في حالة فقد الوديعة نتيجة حالة القوة القاهرة وحيث أن ملتمس المستأنف الرامي إلى إيقاف البث في الدعوى لوجود دعوى جنحية من مدير وكالته غير مرتكز، على أساس قانوني سليم على اعتبار أن الدعوى الجنحية المزعومة من طرفه يختلف أطرافها عن أطراف الدعوى الحالية، وحيث أن ملتمس المستأنف الرامي إلى إجراء خبرة خطية يتعين رده بدوره على اعتبار أن هناك في الملف خبرة خطية أنجزت من طرف قاضي التحقيق بمناسبة الشكاية التي تقدم بها المستأنف ضد مدير وكالته غير منازع فيها خلصت بأن جميع التوقعات الواردة بشيكات الصندوق تعتبر توقيعات ضرورية إضافة أن المستأنف أقر في شكاية بأن مدير وكالته هو من استولى على الودائع بواسطة شيكات صندوق تحمل توقيعات مزورة حيث يستخلص مما سبق ذكره أن مسؤولية المستأنف ثابتة في الملف وأن الحكم المستأنف جاء بما فيه الكفاية وصادف الصواب فيما قضى به لذا يتعين تأييد 22غير أنه ما يمكن أن نستشفه منة هذا كله أن القضاء غير مستقر في نفس الاتجاه خاصة في مجال تحديد مسؤولية البنك على الودائع وهذا ما لامسناه في قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس لكن حيث أنه بالرجوع لوصل الإيداع الموقع من طرف المودع الذي أقر أحد مستخدمي المستأنف يتبين انه يحمل إلى جانب رقم الحساب البنكي اسم شركة خشب هار وأنه حتى على فرض أن نية المودع لم تنصرف إلى إيداع المبلغ المالي موضوع العملية في حساب الشركة المذكورة، فقد كان عليه مراجعة الوصل والتأكد من صحة بياناته قبل الانصراف من الوكالة البنكية، وأن تصرفه على غير هذا النحو يعد إهمالا من جانبه يؤدي إلى استبعاد مسؤولية المودع لديه حسب الفصل 808 من قانون الالتزامات والعقود.
ومن هنا فإننا نرى مع من يرى بأن القضاء التجاري بصفة عامة غير مستقر على اتجاه معين بخصوص تحديد مسؤولية البنك من التحويلات والودائع.
المطلب الثاني: مسؤولية البنك عن الودائع البنكية
إن طبيعة عقد الوديعة النقدية قد ثار حول تحديدها جدلا فقهيا كبيرا حيث أقام جانبا من الفقه هذه الطبيعة على أساس فكرة الحفظ في حين ذهب فقهاء آخرون إلى فكرة الاستثمار والاستغلال هذا الاختلاف الفقهي تمخض عنه تضارب قانوني و قضائي كبير فباستقراء التعريف الوارد في المادة 781 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه ” عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئا منقولا إلى شخص آخر يلتزم بحفظه ورده بعينه” يلاحظ أن المودع لديه ملزم بحفظ الوديعة وردها المودع بعينها، وهو ما لا ينسجم وخصائص عقد الإيداع البنكي من خلال المادة الثانية من قانون 14 فبراير 2006 ومن خلال المادتان 509 و510 من مدونة التجارة، وتبعا لذلك يتضح أن أساس عقد الوديعة في إطاره المدني ينبني على فكرة الحفظ خلاف عقد الوديعة البنكية الذي يقوم على فكرة الاستغلال والاستثمار، على اعتبار أنه يعطي للمودع لديه الحق في التصرف في الوديعة وعدم إلزامه بردها على حالها وإنما يمكن له إرجاع ما يوازي قيمتها. وهو ما حذا بكثير من التشريعات إلى وصف عقد الوديعة البنكية بعقد القرض لأن المودع لديه غير ملزم برد ذات الشيء المودع. 23
وقد خلص جانب من الفقه 24 إلى أن عقد الوديعة عقد ذي طبيعة غير عادية يخضع فيما يخص تحديد إطاره القانوني وجزء مهم من أثاره لقواعد القانون البنكي وعادات وأعراف المهنة البنكية إضافة إلى مدونة التجارة، في حين يذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبار عقد الوديعة بمثابة عقد قرض بين البنك وعميله، بموجبه يلتزم البنك بإرجاع النقود أو السندات إلى العميل في الأجل المتفق عليه مضافا إليها الفوائد الاتفاقية 25.
وما دام رأسمال البنك قد لا يغطي جميع نشاطاته التجارية والاستثمارية فهو بحاجة دائمة إلى الاقتراض من المودعين لديه حتى يتمكن من القيام بكل نشاطاته التجارية والوفاء بالتزاماته المالية وهنا يتحول الزبون (المودع) إلى مقرض للبنك لما يجنيه من فائدة جراء تصرف البنك في نقوده واستثماره لها26 إلا أن المتفق عليه قانونا وفقها وقضاءا أن ذمة البنك لا تبرأ في حالة هلاك النقود أو ضياع الوديعة أو أي تلاعب يمس هذه الوديعة وهو ما سنحاول رصده من خلال دراسة مجموعة من القرارات القضائية ذات الصلة.
ذهبت محكمة الدار البيضاء التجارية في قرار لها 27 إلى أنه ” حيث أنه من المبادئ الأساسية المتعارف عليها في مجال الوديعة البنكية أن الغاية الرئيسية التي يهدف إليها المودع تتمثل في حفظ الشيء المودع ورده إلى المودع عند الطلب أو عن حلول الأجل المتفق عليه الأمر الذي يفيد أن الالتزام الملقى على عاتق البنك بحفظ السندات المودعة لديه وردها عند الطلب هو التزام إجباري “
ويتبين من قاعدة هذا القرار أن المحكمة التجارية بالدار البيضاء قد كرست فكرة الحفظ واعتبرتها التزام ملقى على كاهل البنك وهو الأمر الذي يتقاطع مع كثير من الفقه، وتتلخص حيثيات هذا القرار أن العارضة تطالب البنك بتمكينها ومحجوريها (ابنيها) من ودائع والدهم المتوفي والتي تقدر ب 1.000.000 درهم حيث رفض البنك (البنك المغربي التجاري) تسليم هذه الودائع لورثة الزبون المتوفي بحجة تعارض رسوم الاراثة وتضاربها وعدم دقتها.
وقد ذهبت المحكمة في تعليلها لحكمها إلى أن المشرع بمقتضى الفصل 800 من ق.ل.ع قد تشدد في فرض الحرص الذي يجب على البنك اتخاذه قبل رد السندات في حالة وفاة المودع إذ لا تبرأ ذمة المؤسسة البنكية إلا بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 800 من ق.ل.ع.
وقد قضت المحكمة بتمكين المدعية وابنيها القاصرين من قيمة سند الصندوق المحدد في مليون درهم وكذا جميع الفوائد المستحقة. من خلال هذا القرار يتضح أن القضاء المغربي قد كرس نظرية الحفظ وأن التزام البنك بحفظ الوديعة وردها عن طلبها أو عند حلول اجلها هو التزام إجباري لا محيد عنه.
وفي قرار آخر صادر عن نفس المحكمة 28 والذي تتلخص وقائعه بكون المدعي تقدم بمقال افتتاحي يعرض فيه أنه له حسابا مفتوحا لدى بنك الوفاء وأنه وضع به بتاريخ 09/03/05 قصد أداء كمبيالة مسحوبة على شركة ” هايشتش أوطو” بحسابها المفتوح لدى الشركة المغربية للأبناك بمبلغ 300.000 درهم وأن الكمبيالة لم يحول مبلغها لحساب العارض مما تسبب له في أضرار وخسائر كبيرة قدرها 100.000 درهم مع الفوائد القانونية.
وقد ذهبت المحكمة في تعليلها إلى أنه من الثابت أن البنك وكيل بعمولة محترف ومودع لديه بمقتضى القانون وأن مسؤوليته مفترضة، وحيث إنه طبقا بمقتضيات المادة 502 من مدونة التجارة كان يجب على شركة التجاري وفابنك أما تقييدها في الجانب الدائن للمودع في حالة التوصل مقابلها من المدين الرئيسي وإما تقييدها في رصيد المدين للحساب، أو متابعة الموقعين من اجل استخلاصها في حالة عدم تمكنه من تحصيلها بشرط إرجاع الورقة التجارية إلى الزبون.
وحيث إن المدعي عليها ” شركة التجاري وفابنك ” لم تدل بأي حجة على قيامها بالإجراءات اللازمة للمحافظة على حقوق المدعي كما تنص على ذلك المادة 502 بدليل تخلفها عن الجواب رغم توصلها مما يبقي مسؤولياتها قائمة.
وقد قضت المحكمة بأداء المدعي عليها شركة التجاري وفابنك لفائدة المدعي مبلغ 300.000 درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ حلول الكمبيالة إلى يوم الأداء.
يتبن من هذا القرار أن مسؤولية البنك ثابتة ومفترضة بشان التلاعب بحقوق المودعين أو تعريض ودائعهم للخطر أو لمخاطر الضياع، وهو ما يكرس الطابع الافتراضي لمسؤولية البنك تجاه ودائع الزبناء.
في هذا السياق ذهبيت المحكمة التجارية بالدار البيضاء في قرار لها 29 إلى أن البنك مسؤول عن الضياع لأنه يعتبر مودعا لديه وعليه أن يرد المستند المودع عند عدم تحقق النتيجة التي من اجلها تم تسليم الشيك وهي تحصيل قيمته إلى الزبون ليتمكن من اتخاذ ما يراه مناسبا وذلك إعمالا لأحكام الفصول 806 وما يليه من ق.ل.ع خاصة وأن ضياع الشيك حرم المستفيد من استعمال حق الرجوع ضد الساحب.
وحيث إنه تبعا لما ذكر تكون مسؤولية البنك ثابتة وبالتالي يتعين الحكم لفائدة المدعي بالتعويض عن الضرر الحاصل له تحدده المحكمة في مبلغ 2000 درهم مع الفوائد القانونية من تاريخ الحكم، مع إدخال شركة داركوسة في شحن ممثليها القانوني في الدعوى وأدائها مبلغ الشيك الضائع مع الفوائد القانونية.
فمن خلال حيثيات هذا القرار يتضح أن مسؤولية البنك قائمة تجاه أي قصور لان الودائع غالبا ما تسحب بواسطة شيكات أو أوامر تحويل، وقد جرى العرف البنكي فيما يتعلق الأمر بالأداء الذي يتم لحساب الغير أن يتأكد البنك من انتظام سلسلة التوقيعات التي ظهر بها الشيك، ليكون على بينة من الطريقة التي وصل بها المستفيد للشيك وإلا أصبح ملزما بالرد مرة ثانية اتجاه زبونه باعتباره مسؤولا مسؤولية كاملة.
وفي نفس الاتجاه ذهبت محكمة فاس التجارية في قرار لها حيث قضت بأن مسؤولية البنك قائمة عن الودائع الموضوعة تحت يده في حالة القوة القاهرة كما تنص على ذلك المادة 510 من مدونة التجارة، وقد عللت موقفها بأن الشيكات المسحوبة غير موقعة من طرف صاحبها وأن البنك بذلك قد خرق قواعد الوديعة التي تلزمه بحفظ الشيء المودع لديه وبالتالي فهو يقع تحت طائلة مقتضيات المادة 510 من مدونة التي لا تحلله من الالتزام بالرد في حالة فقد الوديعة نتيجة حالة القوة القاهرة، وقضت المحكمة بكون مسؤولية البنك ثابتة إزاء الزبون.
هكذا إذا يتبين لنا أن الاجتهاد القضائي مستقر حول مسؤولية البنك تجاه الودائع التي التزم بحفظها، وهو على ما يبدو التزام بتحقيق نتيجة وهي رد الودائع للمودع عند طلبها، ولا يكفي ما يبذله البنك من العناية والجهد في حفظ الودائع للقول بخلو مسؤوليته، فمسؤوليته قائمة في حالة القوة القاهرة، وهو الأمر الذي يزكيه العمل القضائي في كثير من القرارات الصادرة عن المحاكم، والتي أكدت هذا المبدأ كما أسلفنا.
خاتمة
على هدي ما سبق يتضح أن العمل القضائي في المادة البنكية، اتسم بحركية وفعالية كبيرة، وقد تبلورت في هذا الاجتهاد مجموعة من القواعد القانونية والمبادئ الفقهية المتعارف عليها، فكان القضاء هو الفيصل في اعتماد قاعدة قانونية دون أخرى أو مبدأ فقهيا دون آخر، وهو أمر ليس بالغريب إذا علمنا أن القضاء هو المحك الحقيقي للقانون وللفقه، وهو الأرضية العملية لكليهما، وهو أمر تزداد أهميته وواقعيته بالنظر لتجارية العمل البنكي من جهة ولخصوصيته من جملة ثانية، فالعمل البنكي يتعلق بمصالح الناس المالية ولما كان كذلك فيجب أن تحكمه قواعد خاصة ومحددة يطبقها قضاء متخصص لأن الأمر يتعلق بأشخاص معنوية تتميز بقوة مالية كبيرة غالبا ما تكون في مواجهة أشخاص عاديين هم العملاء، ومن ثم فتدخل القضاء في النزاعات التي تنشب بين المصارف وعملائها غالبا ما يكون فعالا وحاسما ويقرر المسؤولية على أحد الطرفين المتنازعين مع إلزامه بالتعويضات والفوائد القانونية، وهو أمر بات مكرس واقعيا وقانونيا بفعل تشعب العلاقات البنكية خصوصا والمالية عموما، و بروز نزاعات مستمرة بين الأبناك وزبنائها عن أي تقصير أو إهمال يقوم به أحد الأطراف تجاه الآخر.
اترك تعليقاً