دراسة وبحث قانوني هام عن موانع المسؤولية الجنائية
مقدمة :
تكون الجريمة تامة إذا توفرت أركانها الثلاثة (الشرعي- المادي والمعنوي) وبالتالي تقوم المسؤولية الجنائية ووجب العقاب، وقد يشدد العقاب أو تخفف العقوبة، أو يعفى من المسؤولية والعقاب إذا إنعدم عنصر الإدراك والتمييز أو توافر سببا من أسباب الإباحة.
كما أن المسؤولية الجزائية تتحقق بتوافر الخطأ والأهلية، فلا جريمة إذن بإنعدام الخطأ وإنعدام الأهلية وهناك حالات أخرى لامتناع المسؤولية الجزائية وهي إنعدام الإرادة أ والإكراه.
أولا : امتناع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية :
تكون الأهلية منعدمة في حالتين : الجنون وصغر السن.
أ) -الجنون : هو إضراب في القوى العقلية يفقد المرء القدرة على التمييز أو على السيطرة على أعماله.
ولقد نصت المادة 47 ق.ع على أنه “لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة
ويشمل الجنون بمفهومه العام :
*العته : هو توقيف نمو القدرة الذهنية والعقلية حيث يتصرف كأنه طفل صغير.
*الصرع : EPILEPSIE : هي نوبات يفقد فيها المرء رشده.
*اليقضة النومية : SOMNAMBULISME : يقوم المصاب بها من نومه ويأتي أفعالا لا يشعر بها.
في حين لا يدخل ضمن هذا المفهوم التنويم المغناطيسي HYPNOSE ، وإلا إذا ثبت منومه HYPNOTISEUR أنه قد سلب حريته وقت ارتكاب العمل الإجرامي.
لا يدخل كذلك السكر وتناول المخدرات ضمن موانع المسؤولية بسبب فقدان الوعي.
بل يعد السكر وتأثير المخدرات من الظروف المشددة للجريمة كما هو الحال في جرائم القتل أو الجروح الخطأ(المادة 290 ق.ع والمادة 66 القانون رقم 01-14 المؤرخ في 19-08-2001 المتعلق بتنظيم حركة المرور) مثال : السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر تعد في حد ذاتها جنحة معاقب عليها (المادة 67 من القانون رقم 01-14 بنسبة الكحول في الدم 0.01% .
آثار الجنون : يترتب على المجنون انعدام المسؤولية ويعفى الجاني من العقوبة ولا تتخذ بشأنه إ لا تدابير علاجية كتمثل في وضعه في مؤسسة نفسية متخصصة.
وللإعفاء من المسؤولية يجب توافر شرطين مجتمعين :
1-يجب أن يكون الجنون معاصرا لارتكاب الجريمة و هذا ما نفهمه من نص المادة 47 ق.ع.ج بعبارة “وقت ارتكاب الجريمة”.
*في حالة ما إذا طرأ الجنون قبل صدور الحكم يوقف رفع الدعوى على المتهم وتوقف المحاكمة حتى يعود إليه الرشد.
لكن الوقف لا يشمل كامل الإجراءات مثل إجراءات التحقيق التي يراها القاضي لازمة ومستعجلة التي لا تتصل بالشخص المتهم.
*وإذا طرأ الجنون بعد صدور حكم يقضي بالعقوبة المقيدة للجريح ، وجب تأجيل تنفيذ العقوبة حتى يبرأ ، في هذه الحالة يوضع المتهم في مؤسسة مختصة في الأمراض العقلية.
2- يجب ان يكون الجنون تاما : يكون الاضطراب العقلي من الجسامة بحيث يعدم الشعور والاختيار كليا والمسألة ترجع لتقدير القاضي.
ب)- صغر السن :
تنص المادة 49 ق.ع على ما يلي “لاتوقع على القاصر الذي لم يكتمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية.
وتضيف الفقرة الثالثة 49 (على أنه يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إلا لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة.
ويفهم من نص المادة 49 أن القاصر الذي لا يكمل 13 سنة لا يعاقب جزائيا، غير أن إنعدام المسؤولية لا تحول دون متابعته وتقديمه لمحكمة الأحداث لتأمر بأخذ تدابير الحماية والتربية.
ثانيا : إمتناع المسؤولية بسبب إنعدام الإدارة (الإكراه) : تنص المادة 48 ق.ع على أنه “لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفها”.
الإكراه إذن سبب نفسي ينفي حرية الاختيار ويسلب الإرادة حريتها كاملة، ويترتب عليه إنعدام المسؤولية وليس الجريمة.
والإكراه نوعان : الإكراه المادي (الخارجي) والإكراه المعنوي (الذاتي).
1- الإكراه المادي : وهو أن تقع قوة مادية على إنسان لا يقدر على مقاومتها فيأتي بفعل يمنعه القانون وقد تكون هذه القوة ذات مصدرخارجي وقد تكون ذات مصدر داخلي.
أ)- الإكراه ذو مصدر خارجي :
* قد يكون قوة عنيفة مصدرها الطبيعة، كمن تضطره العاصفة الرسو في ميناء بدون رخصة.
* قد تكون ناتجة عن فعل حيوان كأن يلجأ راعي بقطيعه إلى غابة مجاورة محمية هربا من الذئب.
* قد تكون ناشئة عن فعل إنسان كمن يهدد موظف بنك بالسلاح الناري لتسليمه المال.
ب)- الإكراه المادي ذو مصدر داخلي : كمن يكون في سفر ويغلبه النعاس ويتجاوز المسافة التي دفع أجرها.
2-الإكراه المعنوي : الإكراه المعنوي ينتج عن ضغط يمارسه شخص على إرادة الفاعل، وله صورتين.
أ)-إكراه معنوي خارجي : ويتمثل في التهديد والاستفزاز عن الغير، ولا يؤخذ بالإكراه المعنوي إلا إذا بلغ تأثيره الحد الذي يعدم القدر اللازم من حرية الاختيار للمساءلة الجزائية.
أما بالنسبة للاستفزاز لا يقبل إكراها معنويا إلا إذا استعمل المستفز مناورات ضد المستفز يدفعه إلى فقدان إرادته الكاملة مثال : كالاستفزاز الذي يقوم به الشرطة على الشخص ويدفعه إلى ارتكاب جريمة ويسمى PROVOQUE . DELIT.
ب)-الإكراه المعنوي الداخلي : ويتعلق الأمر بتأثير العواطف والهوى ، ونادرا ما يؤخذ بهذا النوع من الإكراه كسب لإنتقاء المسؤولية.
مسألة الغلط في القانون : * س- هل بإمكانية الجاني التعذر بالغلط في القانون؟.
إن المادة 60 من الدستور الجزائري تنص بعدم جواز الاعتذار بجهل للقانون وبالتالي لا يجوز الأخذ بمثل هذا الغلط كسبب لامتناع المسؤولية وهذا لسببين :
1-عدم نص المشرع الجزائري على الغلط كسبب لإمتاع عن المسؤولية.
2-عدم جواز الاعتذار بجهل القانون إلا أنه قد يؤخذ به كظرف مخفف بسبب تشعب القوانين وتغيرها بسرعة.
المسؤولية الجنائية
مدخل:
لقد تناولت الجنائية القوانين القديمة في تشريعاتها العقابية،ففي العصور الوسطى سادت فكرة معاقبة الكائنات الجامدة والحية من حيوان وجماد وإنسان ، حيث كانت المحاكمة تنصب على الجثث باعتبارها أمرا عاديا إذا لم تكن الوفاة تمنع القضاة آنذاك من توقيع العقاب على الميت خلافا للشريعة الإسلامية التي تقدس حرمة الميت والقبور،بل وحرمت التمثيل والتنكيل بالجثث وان كانت قد اتخذت بعض الإجراءات المانعة والتي تهدف إلى حرمان الميت من بعض واجبات التكريم إذا مات قبل أن يقام عليه الحد أو يتوب.
أما الشرائع الوضعية في تلك العصور فلم تقف لمسؤولية الجنائية عن مساءلة مقترف الجرم فحسب،بل تعدت ذلك لتشمل باقي أفراد الأسرة الذي يرتكب الجرم أحد أفرادها كما أنها تتعدى إلى كافة ممتلكات الجرم وأقاربه ولم يكن يفلت من العقاب أيضا كل من غير السن والمجنون وبقي هكذا حتى قيام الثورة الفرنسية التقي قضت على كل ذلك بتعنقها للأفكار الجديدة للهدف من العقوبة من حيث الإصلاح والتهذيب.
والحكمة من ذلك هو أن الإنسان وحده هو الذي يتمتع بالإرادة والإدراك اللذان هما مناط التمييز بين الخير والشر وهكذا أصبحت المسؤولية التي تسند للكائن الحي في العصر الحديث يجب توافر الشروط التالية:
1)- أن يكون المراد مساءلته جنائيا إنسانا،إذ لا مسؤولية على حيوان أو جماد أو نبات.
2)- أن يكون الكائن حيا لأنه في التشريع الجنائي الحديث لا يجوز إنزال العقوبة على الميت لان
للموتى حرمتهم مهما كان شأنهم.
3)- أن يكون الكائن عاقلا،إذ لا مسؤولية على المجنون.
4)- أن يكون الكائن الحي الفاعل قد بلغ سنا معينا أي راشدا جنائيا،بيد أنه إذا كان صغير السن دون18 عاما ميلادية لا يرتب الإسناد جنائيا،إلا أنه لا يعفى من الرقابة واتخاذ التدابير اتجاه الحدث،تشرف عليها الهيئات القضائية،وينطبق القول على المجنون لكن الإشراف يكون تحت المؤسسات الاستشفائية.
5)- أن يكون الجاني شخصا حقيقيا(بدنيا لا معنويا)لان المسؤولية الجنائية لا تتناول في معظم الشرائع الجنائية الحديثة مساءلة الشخص الاعتباري كالشركة والإرادة، الخ إذ لا تنطبق عليها عقوبة سالبة للجريمة وإنما تطبق بدلها عقوبة من نوع خاص كالحل والإلغاء والغلق والمصادرة.
التعريف بالمسؤولية الجنائية:
هي تحمل الشخص لجزاء عقابي لارتكابه فعلا مجرما محددا قانونا”وهي تحمل تبعة أعماله الغير مباحة في القانون العقابي أو أحد فروعه المكملة كالقانون الجمركي وهكذا يمكن تفريع المسؤولية الجنائية إلى فرعين:الإسناد المعنوي والإسناد الموضوعي.
أساس الإسناد المعنوي:
لقد اختلف الفقه القانوني في الأسس التي اعتمد عليها في المسؤولية الجنائية معنويا تبعا لكل معتصم بالنظرية التي تبناها وتتمثل هذه النظريات في الآتي:
1)-مذهب حرية الاختيار أو المذهب التقليدي: يقوم هذا المذهب على اعتبار إرادة الإنسان هي الأساس في تصرفاته إذ هي العنصر الفعال الذي لا يتحقق جرم ما دونه وإذا كانت الإرادة هي المحركة والموجهة للإنسان إلا أن المسؤولية لا تقوم إلا إذا توافر إلى جانب الإرادة عنصر الحرية بحيث إذا انعدمت هذه الحرية،بأن كان المجرم مكرها أو مجنونا أو صغيرا مثلا انعدمت المسؤولية الجنائية تبعا لذلك،فحرية الاختيار أتت هي أساس المسؤولية لهذا المذهب لأنها في الحقيقة لوم على سلوك مخالف كان باستطاعة الفاعل أن يسلك غيره أن كان هناك طريقان أما إذا كان طريقا واحدا فلا كلام عن حرية الاختيار.
ومن ثم لا يمكن مساءلته إذا لم يكن السلوك المخالف بدافع دافعا لحرية الاختيار (كان مفروضا)وعليه تعتبر حرية الاختيار الفكرة السائدة في المجتمع وعلى ضوئها تتحدد مسؤولية المجرم ويحكم عليه.
وفي المقابل عند فقهاء الشريعة الإسلامية أثناء دراستهم لأفعال العباد تزعم فرق المعتزلة نظرية التخيير وعليه يمكن القول أن الشراح الغربيون قد نقلوا عن المسلمين هذه الأفكار.
2)-مذهب الجبرية: يرى أنصار هذا المذهب أن الإنسان مسير غير مخير وأن تصرفاته ليست وليدة اختياره وحريته وإنما هي خاضعة لعوامل مختلفة تحيط به سواء كانت منبعثة عن ذاته الداخلية أو أنها وليدة ظروف خارجية في المحيط الاجتماعي فحرية الاختيار في الإقدام على الجريمة أمر خيالي لان المرء يدفع إلى ارتكاب الجريمة مقدما فالإنسان يساق إلى الإجرام رغما عنه،لذا لا يجوز اعتبار حرية الاختيار أساسا للمسؤولية الجنائية وحتى لو سلمنا بذلك دون أدلة فسنحرج الجرائم التي ترتكب من طرف المجانين والأحداث عن نطاق المسؤولية مع العلم أن هؤلاء الأشخاص أكثر الناس خطرا على مصلحة المجتمع،وعليه فان أنصار المذهب يؤسسون المسؤولية على الأساس الاجتماعي البحث فالجاني يسأل عن الجريمة لأنها تكشف عن خطورة كامنة في شخصه تهدد المجتمع ومن حق المجتمع أن يدافع عن إطاره باتخاذ التدابير الوقائية اتجاه الإنسان الخطير،كي يحفظ نظامه من الخطورة وكما أن الجريمة مقدرة على فاعلها فان التدابير الوقائية مقدرة أيضا على المجتمع والنتيجة المنطقية لهذا التفكير أن المجنون مسؤول لان جنونه لحد ذاته يشكل خطورة على المجتمع،فالجنون والعاقل المجرم أهلا للمسؤولية،وان كانت العقوبة أو التدابير تختلف في العاقل المجرم عنها في المجنون.
وفي المقابل أيضا فان فقهاء الشريعة الإسلامية بشأن تفسيرهم لأفعال العباد أكد فريق منهم أن أفعال الإنسان مكتوبة عليه منذ الأزل ويعرف هذا الفريق بأهل الحقيقة القدرية.
3)-المذهب التوفيقي: أمام النقد الموجه لكل المذهبين،ظهر هذا المذهب والذي حاول أنصاره إصلاح العيوب دون أن يتخلى عن المبادئ الأساسية في المسؤولية الأخلاقية أساسا على حرية الاختيار والتمييز وبالإضافة إلى الاهتمام بالظروف الداخلية والعوامل الشخصية والمحيط الخارجي الاجتماعي ويمكن إجمال ما ذهب إليه أنصار هذا المذهب فيما يلي:
1)- احتفظ هذا المذهب بكيان العقوبة وما لها من هدف خاص يستهدف الردع من الناحية الأخلاقية.
2)- أضحت العقوبة تتماشى مع الأهلية في المسؤولية وهذه الأهلية تتم وفقا للمذهب التقليدي من حيث الإدراك والتمييز،وحرية الاختيار بمعنى أنه لا تطبق العقوبة ما لم تكن شروط المسؤولية الأخلاقية محققة بالذاتية والموضوعية.
3)-أن الإجراءات الوقائية ليست كسبيل إلى العقاب،إنما هي تدابير تفرض على الأشخاص الذين نجون من العقاب بسبب حيازتهم لأحد أنواع موانع المسؤولية.
أساس المسؤولية الجنائية المعنوية في التشريع الجزائري:
إذا رجعنا إلى النصوص الخاصة بالمسؤولية لاستنتاجنا أن المشرع الجزائري قد اعترف بحرية الاختيار،وأقام المسؤولية الجنائية على هذا الأساس والدليل على ذلك أنه استبعد المسؤولية الجزائية في الحالات التي انتفت فيها حرية الاختيار، كالجنون والإكراه والقصور الجنائي لكن الملاحظ أنه قيد هذه الحرية بوضع تدابير وقائية وتدابير أمنية للحالات التي لا تقوم فيها المسؤولية أو في حالات انتقاضها وذلك من أجل حماية المجتمع واستقراره.
شروط قيام الإسناد المعنوي:
حتى يسأل الشخص جنائيا عن أفعاله الإجرامية يجب أن يتمتع بميزتي الإدراك والإرادة.
وقد سبق وأن وضعنا هذين العنصرين بقولنا أن:
الإدراك: يراد به قدرة لإنسان على فهم حقيقة ما يقدم عليه أو يمتنع عنه من أفعال أقصد أنه قد تحققت صفة التمييز بين الأفعال الضارة والنافعة.
الإرادة: وهي توجيه الفكر إلى عمل معين مضافا إلى هذه الإرادة أن تكون حرة في أن تفعل أو لا تفعل أي أن تمتنع بعنصر الاختيار في إتيان العمل أو الإحجام عنه.
نطاق توافر شروط المسؤولية الجنائية: إذا سلمنا أن الإنسان هو وحده الذي يتمتع بالإدراك والإرادة،وهو الذي يستفيد من نتائج الأفعال وهو المخول لتلك الأفعال إلى حقائق مادية أمكننا بتلك حصر نطاق المسؤولية الجنائية في الإنسان الطبيعي دون غيره من المخلوقات،لأنها ما هي إلا حلقات لا ترتبط،ولا يكتب لها البقاء بانتظام إلا إذا تدخل الإنسان بفكره ليعينها على عدم الإضرار بمصالحها أو يقوم بتفكيره على القضاء عليها.
الإسناد الموضوعي: المقصود بهذه المسؤولية الأحوال التي يسأل فيها الجاني استنادا إلى رابطة السببية المادية دون توفر الركن المعنوي في الجريمة حيث بمجرد ما يتحقق السلوك والنتيجة المرتبطة به تتوافر الجريمة قانونا دون حاجة إلى ركن معنوي متمثلا في القصد أو الخطأ أعني قيام الجريمة على ركنين الشرعي والمادي وهذا النوع من المسؤولية يعتبر خروجا عن القاعدة العامة في الإسناد الجنائي فهو لا يتقرر إلا بنص صريح وتستلزم المسؤولية الموضوعية أن يكون سلوك الجاني صادر وهو في حالة وعي وتمييز حتى يمكن الاعتداد به قانونا وتشمل المسؤولية الموضوعية الآتي:
1)-المسؤولية المادية عن الجرائم المتجاوزة القصد الجنائي: هذا النوع من الجرائم اعتد به في نطاق جرائم الضرب والجرح دون غيرها ، الذي يجرح غريمه عمدا ولم يقصد من ذلك القتل،فهذا الجرم المفضي إلى الموت من صور الجريمة المتعدية القصد ، فاستفادتنا من ذلك أن الجريمة المتعدية القصد تفتر من تحقق أكثر من نتيجة لسلوك إجرامي واحد.
النتيجة الأولى تتجه إليها إرادة الجاني أما النتيجة الثانية وهي الوفاة فلم تتجه إليها إرادته وعليه فلا بد من وجود رابطة السببية بين السلوك ونتيجته و إلا انفلت المسؤولية.
2)-المسؤولية المادية عن الجرائم المشددة بالنتيجة: المقصود بالجرائم المشددة بالنتيجة الأحوال التي يشدد فيها المشرع العقوبة المقررة للجريمة حينما تتحقق نتيجة أخرى بالإضافة إلى النتيجة المطابقة للتكوين القانوني للجريمة والنتيجة الثانية يسأل عنها الجاني استنادا إلى رابطة السببية دون توافر العمد أو الخطأ وتنقسم هذه الجريمة إلى نوعين:
الأولى: يكتفي فيها المشرع برابطة السببية بين السلوك والنتيجة المشددة كالإدلاء بشهادة الزور في جناية.
الثانية: يشترط فيها أن تكون النتيجة المشددة غير إرادية ومعناه عدم اتجاه إرادة الجاني المدنية نحو تحقيق النتيجة الثانية كإجهاض امرأة ويترتب على ذلك وفاة الأم.
3)-المسؤولية المادية للشريك عن الجريمة المحتملة: أسلفنا القول أن المشاركة في الجريمة تقضي بعدم مسألة الشريك،إلا عن نتيجة قام بهدف المعاونة وتعرف نتيجتها،أما إذا لم يقصد تحقيق النتيجة بمساعداته لأحد الفاعلين الذي تجاوز فعله إلى جريمة ثانية فلا يسأل الشريك عن الثانية،لعدم انصراف إرادته إلى إحداثها وقت المساعدة.
لكن لاعتبارات معينة تتعلق بالحفاظ على وحدة الجريمة التي تقع نتيجة مساهمة أكثر من شخص واحد في إحداثها جعلت بعض التشريعات الجنائية تنص على مسألة المساهمين عن النتيجة التي يحدثها أحدهم حتى ولو كانت غير التي قصدها المشارك أو المساهم الآخر وعليه فالذي يشترك في جريمة فعلية ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للمساعدة التي حصلت كالذي يساعد فاعل الجريمة بتقديمه مطرقة لكسر قفل الباب فلما انتبه صاحب البيت قتله الفاعل بالمطرقة.
4)-المسؤولية الموضوعية عن فعل الغير: مبدئيا لا توجد مسؤولية جنائية عن فعل الغير،أن الشخص يسأل عن أفعاله فقط لان للمسؤولية الجنائية أو الجزائية أنها مسؤولية شخصية وهي ركن جوهري في العقوبة خلافا لما هو مستقر في القانون المدني بعبور المسؤولية المدنية إلى الغير فيسأل الشخص منيا عن فعل حيوان بحوزته والمتبوع عن أعمال تابعة والقانون المدني عندما يقرر تحمل الشخص لتبعة أفعال غيره يوسع هذه الفكرة ويؤيد نقل هذه التبعية إلى القانون الجنائي فأسس المسؤولية الجنائية على فكرة افتراض الخطأ حتى تمتد عبر الغير يسويان أيضا في هذا الإطار بين الشخص الطبيعي والمعنوي والهدف من وراء فكرة الإسناد الجنائي من أجل فعل الغير القضاء على النشاطات الغير مشروعة المستحدثة وقد عبر عنها بجرائم ومجرمين في غير متناول القانون العقابي حتى يتفادى القصور الظاهر في النصوص الجنائية التي غالبا لا تساير تطور الأحداث خاصة في النشاطات الصناعية والاقتصادية والإدارية ذات التطور السريع يوميا.
المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية:
ماهية الشخص المعنوي:
هي مجموعة من الأشخاص و الأموال تتمتع بالشخصية القانونية ولها ذمة مالية مستقلة وأهلية قانونية،ولها التقاضي يسأل مدنيا لكن جنائيا محل جدول وبخصوص ذلك الجدل انقسم الفقه إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى أن الشخص المعنوي لا يمكن أن يكون محلا للمسألة جنائيا ويستندون إلى أن الشخص المعنوي افتراض قانوني فهو حقيقة معدوم لا يصدر منه نشاط ذاتي والشخص المعنوي لا يمر بمرحلة الرشد الجنائي محدد بالغرض الذي أنشئ من أجله أضف إلى ذلك العقوبات السالبة للجريمة لا تطبق عليه يجب استبعاد ما سألته جنائيا.
الفريق الثاني: لقد رفض حجج الفريق الأول لان الشخص المعنوي في إمكانه إجراء للمتعاقد وله وجود قانوني وأن خلقه يهدف مصلحة المجتمع التي لا تقوم إلا بالتعاون أما القول بأن معظم العقوبات لا تنطبق عليه فان هذه العقوبات التي لا تنطبق عليه إنما تتجه إلى ممثله القانوني والباقي يمكن تطبيقها كالغرامة والمصادرة ومن هنا فتقرير المسؤولية الجنائية ضد الشخص المعنوي هي كمن الخاص وقد خصصت بطاقات تعتبر كسابقات عدلية.
موقف المشرع الجزائري في مسألة الشخص الاعتباري جنائيا:
لم يرد نص قانوني صريح في قانون العقوبات الجزائري يعترف بالإسناد الجنائي للشخص المعنوي وعليه فالقاعدة العامة أنه لا يسأل جنائيا لكن مع هذا فلقد أعلن المشرع الجزائري بإمكانية اتخاذ تدابير أمن ضد الأشخاص المعنوية المادة26 عقوبات إغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا كما نص المشرع على عقوبات تكميلية الحكم الحل الذي يوازي الإعدام.
أضف إلى هذا أن المادة61 عقوبات من قانون29 أفريل1975 المتعلقة بالإسعافات وقمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار تهدف بالدرجة الأولى مراقبة الشركة وهذا يؤكد اعتناق فكرة مسألة الشخص الاعتباري جزئيا.
موانع المسؤولية الجنائية
تتحقق المسؤولية الجنائية إذا توفرت شروطها الواجبة الوجود من وعي وأراء وحرية واختيار والتمييز فحيث تنتفي هذه الشروط تنعدم معها المسؤولية الجنائية.
وعليه فإذا كان الشخص وقت ارتكاب الجرم فاقدا لوعيه لمرض كالجناية أو وقع تحت ظغط مادي أو معنوي أضعف إرادته كالإكراه أو حالة ضرورة أو الحداثة بنفسه أو في حكم المعتوه،فان ذلك لا يكفي لإعفائه(فقدان المؤهلات الجنائية تحمل المسؤولية لان موانع المسؤولية الجنائية إنما هي صفات شخصية تتصل بذاتية الفاعل ولا علاقة لها بالجرم والعل المادي المجرم فهي ترتكز على الركن المعنوي(الإرادة الآثمة)وتؤثر فيه،ونرتبها على النحو التالي:
أولا : الجنون المادة47 ق.ع.ج:
تعريفه: تتعدد الآراء في ممد لوله واقعيا وحسب الأرجح منها فان المقصود به:اضطراب في القوى العقلية الذي يؤذي إلى اختلاف المصابين به في تصوراتهم وتقديراتهم للأفعال عن العقلاء.
أو هو”عدم قدرة المرء على التوفيق بين أفكاره وشعوره وبين ما يحيط به لأسباب عقلية”.
ولقد نص المشروع الجزائري في المتدة47 عقوبات على أنها”لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة”.
والملاحظ في النص المشرع الجزائري أنه لم يعرف الجنون كما أنه لم يشرع إلى عاهات أخرى تصيب المدارك العقلية.
لئن وضع المشرع لفظ الجنون فهو لم يحدد معناه وترك ذلك للقانونيين والأطباء النفسانيين وخاصة رأي قاضي الموضوع إذ له الحرية الكاملة بعد استشارة المختصين في تقريره جنون المتهم أو عدم جنونه.
وحسب رأي الأطباء فان الجنون ليست له ضوابط ثابتة بل يختلف من شخص لآخر ومن مكان لغيره ومن فصل من فصول السنة.
آخرون ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث يرون الخلاف فيه من عصر وحضارته دون مثله وهذا يعد توسعا في مفهوم الجنون يرى القانونيين باعتباره يهدم الردع بجانب المجانين وعلى هذا أجمعوا أن الجنون المعتبر مانعا للمسؤولية الجنائية يجب أن يتوافر فيه شرطان:
1)-فقدان الوعي: هذا الشرط أساسي لقيام المسؤولية الجنائية إذ توجد بوجوده وتنعدم بانعدامه وألا يكون للمتهم دخل في تغييب وعيه بل يجب يذهب الوعي عرضيا وليس في مقدرة الشخص في غيبوبته و إلا اعتبر حيلة للمساس بالأشخاص أو الأموال مما يشدد القانون العقوبة فيه على منتهكها دون وجود حق،ويجب أن يتم فقد الوعي كليا أما إذا كان متقطعا بحيث تأتي فترات راحة فانه يسأل عن أفعاله في حالات إفاقته.
2)-وقوع الجنون أثناء ارتكاب الجريمة أو قبلها: إذا كما ثبت اختلال التوازن العقلي للشخص مما يفقده التمتع بالتمييز والاختيار وقت ارتكاب الجرم قضى عليه بالبر طبقا للمادة47ق.ع.ج أما إذا طرأ الجنون على المتهم بعد نفاذ الجريمة المسؤولية الجنائية لا تنتفي لكون توقف إجراءات التحقيق أو المحاكمة وتؤجل إلى حين تسنى له الدفاع عن نفسه طبقا لما قضت به المواد:19،20،21 ق.ع.ج.
وإذا ثبت جنون الشخص بعده سواء ارتكب الجريمة أم لم يرتكبها فانه يجب وضعه في موسيمة نفسية لتوقي خطره المتمثل في جنونه حتى لا يضر بالعقلاء وعليه يوضع:
1)- الحجز القضائي في مؤسسة إذا ارتكب الجريمة.
2)- الوضع القضائي في مؤسسة علاجية.
3)- المنع من ممارسته مهنة أو نشاط فني.
ملحقات الجنون: يلحق بالجنون ويأخذ حكمه قضائيا بعض صور العاهات العقلية التي تعد الإدراك وتعدم المسؤولية الجنائية تبعا لها:
العته: حالة مرضية توقف النمو العقلي بحيث يتصرف المصاب به وكأنه في عهد الطفولة الأولى و الأبله يأخذ حكم المعتوه.
الصرع: نوبات تعتري المرء المريض به في فترات تجعله يفقد فيها رشده فيثور من غير وعي نحو إتيان أفعاله الإجرامية.
التنويم المغناطيسي: يصبح النائم خاضعا لإرادة المنوم وكأنه آلة صماء ينفذ أدلى إليه من طرف المنوم.
-السكر: قانونا أن السكر هو سبب من أسباب تشديد العقوبة باعتباره من الأشياء لتنفيذ المجرم هذا ما نصت عليه المادة290 ق.ع.ج.
لكن الفقهاء يميزون بين السكر الاختياري والاضطراري.
فالسكر الاختياري أن يتناول الشخص المادة المسكرة أو أي شئ يوقعه في غيبوبة بشرط أن تكون لإرادة المتهم دخل في ذلك سواء كان ذلك عن عمد أو خطأ فالعمد كأن يتناول الشخص مادة يعلم أنها مسكرة وباختياره قاصدا من وراء ذلك تنفيذ خطة إجرامية فهنا المسؤولية كاملة مع ظرف التشديد أما الغير عمدية أو الخطأ كأن يتناول الشخص مادة مسكرة باختياره دون أن يكون قاصدا ارتكاب الجريمة ولكن بمفعول تلك المادة ارتكب الجرم فالمسؤولية قائمة على أساس الإهمال (الخطأ).
أما السكر الاضطراري المعفى من تحمل المسؤولية الجنائية أن يتناول الشخص المادة المسكرة عن غير علم بمعنى أن لا يكون لإرادة المتهم دخل في أحداث حالة السكر سواء عمدا أو خطأ كأن يقدم له الغير قدحا فيرشف ما به عن حسن نية فتحدث له الغيبوبة فيندفع لارتكاب الجريمة فلا مسؤولية عليه.
معاملة المجانين:
1)-الإدارية: يحرر تقرير عن الوقائع الغير المجرمة(التجول في الليل،الهذيان الخ)+الظروف الشخصية للمجنون مضافا إليه تسخير موجه لرئيس الشرطة الإدارية (الوالي أو نائبه في مجال النظام رئيس الدائرة أو رئيس البلدية ثم يوضع المجنون في غرفة الحجز التحفظي أو يبعث إلى مكان مخصص لذلك(المتشردين العجزة التقرير يساوي إجراءات وقائية حسب إيجاد حل اجتماعي للتحكم في الخطورة الاجتماعية بوضع المجنون بمؤسسة علاجية.
ب)-القضائية: زيادة على الملف الإداري يكتب محضر عن الوقائع والظروف الشخصية للمجنون (عندما يرتكب فعل مع التكييف الجنائي لطبيعة الجريمة يرسل إلى نيابة الجمهورية التي تتخذ أحد الإجراءين إما طلب إجراء خبرة طبية أو إحالة إلى قاضي التحقيق لاتخاذ إجراءات قضائية للمتابعة الجنائية.
ثانيا : الإكراه المادة:
48 ق.ع.ج: نصت المادة48ع.ج على أنه”لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها”.
الإكراه هو عبارة عن كل ما يواجه الشخص من مؤثرات داخلية أو خارجية من شأنها تعطيل إرادته كليا أو جعلها في حالة ضعف معه مناصا من ارتكاب الجرم فيرتكبه رغما عنه وبما أن الإكراه يلغي حرية الاختيار عد من أسباب الإعفاء من المسؤولية الجزائية.
1)-الإكراه المادي: معناه أن تقع قوة مادية على إنسان لا سبيل له لمقاومتها إلا باقترافها فعل يحرمه القانون عقابيا ومنبعه يكون إنسان آخر أو حيوان أو الطبيعة فمثلا:أن يهدد حارس البنك بالسلاح قصد أن يسلم الأموال التي أؤتمن عليها و إلا تعرض للقتل ومثل حيوان يهجم على آخر فينتهك حرمة مسكن للحيلولة من تعرضه للخطر ومثل أن تهب عاصفة فتحمل ثياب شخص فيضطر للظهور عريانا أمام الناس وقد يكون الإكراه كاملا في الشخص المتهم كمن يصاب بإغماء مفاجئ فيقع على طفل فيقتله.
2)-الإكراه المعنوي: يوجد وسيلة معنوية تضغط على إرادة الشخص فتؤثر فيها لدرجة تشل حركة الاختيار فتأمرها بالعمل أو الامتناع عنه تأثير الخوف والرعب(الإرهاب)فتدفعها نتيجة لذلك نحو السلوك الإجرامي المطلوب من الغير وغالبا ما يكون هذا النوع مصدره الإنسان كأن تكره امرأة بارتكاب جريمة الزنا أو الاعتداء على رضيعها ويشترط في الإكراه بنوعيه حتى يعفى المكره التحمل المسؤولية الجنائية أن يكون قد وقع نتيجة لقوة ذات خطر غير متوقع وأن تكون هذه القوة لا يمكن دفعها.
-عدم إمكانية التوقع: يجب أن تكون القوة الواقعة على المكره غير متوقعة أصلا ولا يستطيع توقعها في الحالة التي تدفعه للإجرام فإذا كان من المتوقع حدوث هذه القوة يكون في هذه الحالة مسؤولا عن جرمه مسؤولية عن الجرائم غير المقصودة لعدم أخذه حذره.
-عدم إمكانية دفع هذه القوة: إذ يكون من المستعصي على الواقع تحت تأثير القوة الغالبة أن يدفعها إلى الجريمة المطلوبة أما إذا كان في مقدرته تجنبها ولكن فضل ارتكاب الجريمة فالمسؤولية الجزائية محققة ضده زيادة على ذلك يجب أن يكون هناك خطرا غير مشروع وحقيقي جسيما يهدد النفس وأن يوصف الخطر بالحالية على وشك الوقوع بشخص المكره أو إنسان آخر بصرف النظر عما إذا كانت تربطه به صلة غريب عنه.
-الظروف المشابهة بالإكراه:
1)-حالة الضرروة: إذا كان الإكراه بنوعين يتجسد في الخطر الموجه إلى الشخص من الطرف الآخر يرغمه على ارتكاب الجريمة فحالة الضرورة أيضا تتمثل في الخطر لكن الشخص يكون داخل ظرف أو يرى إنسان آخر يحيط به الخطر فيعمل على الخلاص من الخطر أو إنقاذ الغير ولا يجد أمامه وسيلة لإبعاد ذلك إلا بإتيان فعل جرمه المشرع كالذي ينتبه فيجد شخصا يصوب عليه آلة قاتلة فلا يجد أمامه سوى شخص بجانبه فيضعه أمامه يتقي به المادة القاتلة فلا يسأل عن جريمة القتل فاعلا أصليا أو شريكا فيها.
2)-القوة القاهرة والحدث الفجائي: هي ضغط من الطبيعة على إنسان تمحو إرادته لفترة طالت أم قصرت وقد ميز بعض الفقهاء بين القوة القاهرة التي من مظاهرها الجسامة كالزلزال أما الحدث الفجائي فغالبا ما يكون غير جسيم لكن ذا مفعول قوي مثل ألم الضرس ومن حيث المقارنة بينهما والإكراه المادي فيعتبرهما الفقهاء تعبيران مترادفان إذ يؤذيان إلى محو الإرادة ويفرقون بينهما من حيث المصدر فلفظ الإكراه يستعمل للدلالة على حالة قوة صادرة من إنسان بينهما القوة القاهرة والحدث الفجائي تعبير على قوة غير إنسانية يمكن أن يقع العكس.
أما عن حالة الضرورة فالبعض يلحقها بأنواع الإكراه وعليه يعدها من موانع المسؤولية الجزائية أما الفريق الآخر فيرى أنها من أسباب الإباحة ومن جملة حججها أنها من اجتهادات الفقه ودرج القضاء على العمل بها ويعفى الدافع بها من المسؤولية الجنائية والمدنية.
وأخيرا فقد وقع اجتماع بين الفقهاء على أن ثوران الغرائز وعدم التحكم فيها كالغضب الشديد والعاطفة الجامحة لا يعفى المتمسك بها من المسؤولية على أنها في حالة ضرورة لان عدم كبحها يعد خطأ من المتهم.
ثالثا : حداثة السن أو القصور الجنائي المادة49 ق.ع.ج:
تعتبر التشريعات العقابية صغر السن من موانع الإسناد الجنائي المعنوي لعدم توافر الإدراك والإرادة الناضجة لدى الصغير غير أن الإعفاء ليس مطلقا حيث رسم المشرع الجزاءات للحدث بحسب مراحل طفولته وتوجد في التشريع الجنائي الجزائري ثلاثة مراحل:
1)-مرحلة الصبى منذ الولادة إلى سن18 عاما: م49ع.ج لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية.
المشرع لم يقرر للحدث في هذا الدور أية عقوبة جنائية إذا كانت الجريمة جنحة أو جناية بل قرر له تدابير أمن(الحماية والتربية)وعلة الإعفاء من التربية في هذه المرحلة عدم اكتمال النمو العقلي لدى الصغير وقد افترض المشرع أنه غير أهل للمسؤولية هي قرينة قاطعة لا يجوز إقامة الدليل على توافر التمييز من جانب الصغير دون السن.
أما في الجرائم الموصوفة بالمخالفات فلا يحق للحدث إلا توبيخ من قاضي الأحداث المادة49ع.ج ومع ذلك فانه في مواد المخالفات لا يكون إلا محلا للتوبيخ.
2)-مرحلة الصبى من سنة 13 إلى 18 سنة المادة49ع.ج: ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من13 إلى 18سنة أما التدبير الحماية أو التربية أو العقوبات المخففة في هذا الدور فينظر المشرع إلى القاصر على أنه في مقدرته التمييز بين الخير والشر إلى درجة تؤهله تحمل قدر من المسؤولية من أفعاله الضارة فقلص قرينة عدم التمييز القاطعة وجعلها نسبية بحيث يمكن إقامة الدليل على عدم التمييز وعليه جعله يسلك في معاقبة الحدث المجرم بنوعين من الجزاءات أما العقوبة المخففة المنصوص عليها في المادة50 ع.ج على النحو التالي:
– إذا كانت العقوبة التي يستحقها هي الإعدام أو السجن المؤبد يحكم عليه بدلا منها بالحبس من10 الى20 سنة.
– وإذا كانت العقوبة الحبس أو السجن المؤقت فيحكم عليه بالحبس لمدة مساوية لنصف المدة التي كان سيحكم بها عليه ولو كان بالغا أو يفرض عليه تدابير الحماية طبقا للمادة444ق.اج.وقد أورده المشرع على سبيل الحصر وهي سبعة أنواع:
1- تسليمه لوالديه أو وصيه أو حاضنة أو أي شخص آخر جدير بالثقة.
2- تطبيق نظام الإفراج عنه مع مراقبته.
3- وضعه في مؤسسة تهذيبية أو التكوين المهني.
4- وضعه في مؤسسة طبية تربوية.
5- وضعه في مصلحة عامة مكلفة بالمساعدة.
6- وضعه في مدرسة داخلية لإيواء الأحداث المجرمية في سن الحداثة.
7- وضعه في مؤسسة عامة للإصلاح مع المراقبة للذي لم يتجاوز سن الثالثة عشر والملاحظ أن هذه التدابير غير محددة كما يجوز لقاضي الأحداث أن يستبدل أو يستكمل ما ذكر أعلاه بعقوبة الغرامة أو الحبس إذا ظهر له أن ظروف الحدث المجرم أو استنادا إلى شخصيته تستدعي ذلك التغيير لكن لا يجوز أن تتجاوز مدة التدبير المحكوم بها تاريخ الرشد الجنائي للحدث ببلوغه سن الثامنة عشر.
3)-مرحلة الرشد الجنائي بتمام18 عاما ميلادية إلى الوفاة: تقضي المادة42 ق.ا.ج أن بلوغ الشخص تمام18 عاما بالحساب الميلادي يتأكد شرعا أن الإنسان قد استكمل مداركه العقلية فعليه أن يتحمل تبعة أعماله بصفة ذاتية تطبيقا لمبدأ شخصية الإسناد الجنائي وحتى ينصب مفعول العقوبة كرد فعل للجريمة على منبع الخطأ والذي يتمثل في الإراد ة الناضجة الخيرة فسلكت بعد هدايتها النجدين طريق الأذناب فحق عليها وزرها إنصافا للعدل ويوصف الحدث في الإجراءات الجزائية بالمعاملة الجنائية عندما تقوم الشرطة بالتحقيق معه في الحالتين:
1)- المميز في خطر معنوي وهو عندما يعثر عليه في حالة صحية وعقلية وظرفي المكان والزمان الخارجي ينذر بالوقت الإجرامي لدى الحدث في خطر معنوي فيسمع على محضر عن الحالة التي يوجد عليها مع تحديد وليه الشرعي أو إحضار ممثل عن الحماية الاجتماعية ثم يحال للنيابة.
2)- المميز المجرم:وهو الذي وجد في حالة ارتكاب جريمة كمتهم أو ضحية في الجناية والجنحة والمخالفة فيسمع مع وليه الشرعي أو ممثل الحماية الاجتماعية ثم يحال إلى النيابة.
ملاحظة:
تراعي الشرطة التعامل مع الحدث بنوعيه برفق فلا عنف ولا يمكن حجزه مع البالغين بل يوضع في مكتب أو حجز مخصص للأحداث بالأمن الولائي.
اترك تعليقاً