دراسة وبحث قانوني هام عن القيود الإحتياطية في السجل العقاري
مقدمة :
تعتبر القوانين السورية العقارية النافذة في سورية من أرقى وأفضل وأحسن الأنظمة العقارية في العالم , إن كان من حيث استقرار الملكية العقارية أو تحديدها بشكل دقيق جداً على ضوء خرائط مساحية يتم وضعها أثناء التحديد والتحرير , أو من حيث احترام التسجيلات العقارية وحجيتها الكاملة والمطلقة تجاه الغير , أو سهولة انتقالها والتعامل معها , أو الضمانات التي تعطيها هذه القيود لأصحابها , أو من حيث علنية السجل العقاري بما يكفل الطمأنينة في التعامل في العقارات والملكية العقارية , وما يترتب على ذلك من آثار قانونية لمن يريد شراء أو بيع هذه العقارات .
لذلك فقد أتى نظام السجل العقاري الصادر بموجب ( القرارات رقم 186 و 187 و 188 و 189 ل ر ) تاريخ 15/3/1926م جامعاً لكل ما يتطلبه التسجيل وكان هذا النظام الذي طبق في سورية ولبنان فقط من بين دول الشرق الأوسط مأخوذ من نصوص مشابهة في فرنسا وسويسرا وألمانيا .
وقد جاء بأعظم الآثار , إذ جنب البلاد الفوضى التي وقعت بها البلاد الأخرى م حيث طريقة تسجيل الأموال غير المنقولة وحفظ حقوق المواطنين .
فقد جاء ضامناً لحقوق المالكين ومعطياً الفرصة لكل ذي حق عيني أن يطالب بحقه ويطلب تسجيله .
وكان من بين الأهداف التي توخاها المشرع في إحداث نظام السجل العقاري هو تمكين الغير من الإطلاع على الوضع القانوني لكل عقار والوقوف بدقة على جميع الحقوق الواردة عليه , كي يكون على علم بالأمر عند تعامله مع أصحاب العقار أو أصحاب الحقوق العينية عليه , بحيث أنه إذا خلا السجل العقاري – وبوجه أدق الصحيفة العينية العقارية – من أي قيد رتبها عليه المالك لشخص آخر سواء أكانت حقوقاً أصلية أم تبعية , اعتبرت هذه الحقوق غير موجودة بالنسبة إلى الغير وبالتالي غير نافذة بحقه .
وقد أقر المشرع السوري هذا المبدأ بأحكام عديدة أوردها بوجه خاص في القرار التشريعي رقم 188 ل ر الصادر في 15/3 /1926 م والمتعلق بإنشاء السجل العقاري , فنصت المادة / 9 / من هذا القرار على ما يلي )): إن الحقوق العينية العقارية المرخص بإنشائها في القانون , و التقييد العقاري والحجوزات وكذلك الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار أو بمال غير منقول في سجل الملكية , ولا تعتبر موجودة تجاه الغير إلا بقيدها في السجل العقاري وابتداءً من تاريخ هذا القيد .ويجب أيضاً أن تقيد في صحيفة العقار الأساسية جميع التحويرات التي تحدث في الحدود …..)) .
وقد أكدت المبدأ المشار إليه أيضاً المواد من / 10 إلى 16 / من القرار 188 ل ر .
ولما كانت إشارة الدعوى و إشارة الحجز هما من القيود الاحتياطية في السجل العقاري , وكانتا الحديث اليومي للسادة القضاة والمحامين ورجال الفقه والقانون وخاصة من حيث إجراءاتها ومفعولها وأثرها على الحقوق العقارية , لذلك فقد أكد المشرع السوري وحفاظاً لحقوق الغير مبدأ القيود الاحتياطية في السجل العقاري , حيث أجاز لكل من يدعي حقاً على عقار أن يسجل إدعاءه هذا ويكون أثر هذا التسجيل توقف التصرفات الصادرة ممن قيد العقار لاسمه على عدم ثبوت الإدعاء الذي سبق قيده , وظاهر هذا القيد الاحتياطي يهدف إلى الحد من شدة مفعول قيود السجل العقاري .
لذلك فإن المشرع السوري قد أوجد مبدأ إشارة الدعوى وإشارة الحجز كطرق لحفاظ حقوق الدائنين ومنع المدين من التصرف بماله مؤقتاً ضماناً لتلك الحقوق ريثما يتم البت بموضوع تلك الحقوق بشكل نهائي .
الفصل الأول
تعريف عام بالسجل العقاري
المبحــــــــث الأول
تعريف السجـل العـقاري و مشتملا تـه
أولاً : تعريف السجل العقاري :
هو مجموعة الوثائق التي تبين أوصاف كل عقار وتعين حالته الشرعية , و تنص على الحقوق المترتبة له وعليه وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به وعليه – المادة /1/ من القرار رقم 188 ل ر تاريخ 15 / 3 / 1926 – ويتم تنظيم هذا الوثائق بالاستناد إلى معاملات التحديد والتحرير , وعلى ذلك فإن العقارات غير المحددة لا تخضع لأحكام السجل العقاري .
ويلاحظ أن تعيين العقارات في السجل العقاري يشبه تعيين الأشخاص في سجلات النفوس , وقد قيل بحق أن نظام السجل العقاري هو بمثابة قيد النفوس للعقارات , وقد أخذت بهذا النظام أكثر دول العالم , كما أخذت به الدولة العثمانية , وعرف باسم / الطابو / وبقي هذا النظام في البلاد العربية التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية فهو ما زال قائماً في سورية ولبنان والعراق وقد أدخلت عليه تعديلات كثيرة وبخاصة في سورية ولبنان .
هذا ويعتبر قانون السجل العقاري المعمول به حالياً والصادر من قبل الانتداب الفرنسي آنذاك بموجب القرار رقـــــم / 186 / تاريخ 15 / 3 / 1926 م من أقدم القوانين التي ما زالت قائمة حتى الآن حيث بلت من العمر ما يقـارب الـ 83 عاماً تقريباً .
ثانياً : مشتملات السجل العقاري :
إن السجل العقاري ( خلافاً لما تدل عليه تسميته ) ليس مقصوراً على سجل واحد , بل هو مجموعة من السجلات والمستندات خصص كل واحد منها لفئة من المعاملات العقارية وتشتمل هذه الوثائق على سجل الملكية والوثائق المتممة له وهي السجل اليومي , ومحاضر التحديد والتحرير , بما فيها من خرائط المساحة والرسوم المصورة بالطائرات , وتصاميم المسح والأوراق الثبوتية المقدمة من أصحاب الحقوق العينية , ومحاضر التحسين العقاري وخرائطــه ( م 1 من القرار رقم 188 ل ر ) .
وقد ذكر الأستاذ داوود التكريتي بأن السجل العقاري يتألف من مجموعة الوثائق التي تمكن من معرفة وضع العقار المادي والقانوني فيما يتعلق بالحقوق العينية والارتفاقات والتعديلات الطارئة .
وبرأيي أن تعريف المادة الأولى للسجل العقاري لا يعبر عن واقع السجل العقاري والأفضل أن يذكر المشرع أن السجل العقاري هو سجل تقيد فيه الحقوق وللسجل وثائق متممة ومؤسسة له .
وعليه سنتناول الآن بعض الإيجاز وثائق السجل العقاري التي أتت على ذكرها المادة الأولى من هذا القرار :
1 – دفتر الأملاك : يتألف دفتر الأملاك داخل السجل العقاري من مجموعة الصحائف العقارية العائدة لعقارات المنطقة وتجلد هذه الصحائف أو تجمع في مجلد متحرك , وعلى الإدارة أن تقر نماذج السجلات .
وهنا يتوجب على الإدارة اتخاذ تدابير خاصة بالمجلدات المتحركة : فيقتضي أن يكون لها جهاز يضمن صيانتها ويمنع إخراج الصحيفة بغير واسطة أمين السجل العقاري . وعندما تلغى صحيفة أو تخرج , فيستعاض عنها فوراً , بصحيفة جديدة تحمل نفس الرقم . وفي كلا الحالين يقوم بهذه المعاملة أمين السجل بحضور اثنين من موظفي المصلحة يوقعان معه الضبط الذي ينظم بالواقعة . وأما الصحيفة الملغاة فإنها تحفظ مع صور الضبط في ملف وثائق العقار التكميلية .
تصنف الصحائف العينية في دفتر الملكية , بحسب ترتيبها العددي . وإذا وجد في المساحة سجلات متعددة ترقم بالاستناد إلى التواريخ التي فتحت فيها . ولتبسيط المراجعات يذكر خلف لاف كل سجل وظاهره العددان الأول والأخير الموجودان فيه .
ولكل عقار في هذا الدفتر أو السجل أربع صفحات ذات نموذج خاص ومطبوعة على ورق خاص بلون أخضر فاتح وتسجل في أول هذا الدفتر أوصاف العقارات ونوعها ورقمها ومنطقتها ومساحتها وأساس تسجيل العقار أو المستند القانوني .
وفي الصفحة الثانية يذكر اسم مالك العقار أو مالكيه وحصصهم والمستند في الملكية وهو الشراء والانتقال … ورقم وتاريخ الوثائق أو ما يسمى بالعقد الذي جرى بموجبه تسجيل الملكية وكذلك تضم الصفحة الثانية المستند في ترقيم اسم المالك وسببه .
وتضم الصفحة الثالثة الدعاوى والحجوزات التي على العقار .
وتضم الصفحة الرابعة الحقوق العينية و أرقام أسناد التمليك المعطاة للمالكين كي لا يطلبوا منها مرة أخرى أو لا يعطوا أكثر من سند تمليك .
2 – محاضر التحديد والتحرير : وهي عبارة عن محاضر يقوم بتنظيمها وإملائها مهندس مساح محلف تحت تصرف القاضي العقاري الفرد في تنفيذ عمليات التحديد وذلك لإضفاء الصفة القانونية على أعماله – وهنا يجب إحاطة كافة المالكين وجيرانهم علماً بالتحديد والتحرير- وفقاً لتصريحات المالكين للعقار الذي يقوم بتحديد أوصافه.
في المناطق التي ستتم فيها المساحة يجب قبل كل شيء , إنجاز التثليث : ينظم التخطيط العام للتحديد بصورة تدريجية وطبقاً لتقدم أعمال التحديد والتحرير , أما كشف المساحة , فلا يجري إلا عند انتهاء الأعمال , وبالاستناد إلى نتائجها . على أن مخططات المساحة لا توضع إلا بعد ختام التحديد والتحرير ووفقاً لقرارات القاضي العقاري الفرد . ولكي تكون القرارات مطابقة للمخططات , نص على أنه في حالة غموض القرارات , يمكن لمصلحة المساحة أن تطلب تفسيرها بحسب مقتضى الحال , إما من أمين السجل العقاري , أو من القاضي المفسر الذي يعينه مدير المصالح العقارية لهذه الغاية , وفي حال عدم وجوده من قاضي صلح القضاء .
ومن مهمة المهندسين المكلفين بالكشف أن يضعوا التخوم المنصوبة في أثناء التحديد في مواضعها هذا إذا لاحظوا أنها انتقلت منها , إلا إذا كان النقل ناتجاً عن معاملة فنية منشؤها انتقال مسجل على الأصول في محضر .
غير أنه لا يمكن أن يتذرع بمفعول القيود، الأشخاص الآخرون الذين عرفوا، قبل اكتساب الحق، وجود عيوب أو أسباب داعية لإلغاء هذا الحق أو لنزعه من مكتسبه.
وفي جميع الأحوال، يحتفظ الفريق المتضرر بحق إقامة دعوى شخصية بمادة عطل وضرر على مسبب الضرر )) .
2 – إن طريقة الإعلان ( العلنية ) ترجع إلى العقار بالذات لا إلى الأسماء ، فالسجل العقاري يتألف من مجموعة الوثائق التي تمكن من معرفة وضع العقار المادي والحقوقي فيما يختص بالحقوق العينية والارتفاقات والانتقالات والتعديلات الطارئة فهي تبين أوصاف العقار وحالته الشرعية من حقوق وتكاليف ( المادة 1 من القرار رقم 188 ل ر ) التي تنص على ما يلي : (( إن السجل العقاري هو مجموعة الوثائق التي تبين أوصاف كل عقار وتعين حالته الشرعية، و تنص على الحقوق المترتبة له وعليه، وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به.
يتألف هذا السجل من دفتر الأملاك والوثائق المتممة (دفتر اليومية، محاضر التحديد والتحرير، خرائط المساحة، الرسوم المصورة بواسطة الطيارات، ورسوم المسح، والأوراق المثبتة ). )) .
3 – إن سجل الملكية ينسق ويرتب بحسب العقارات الواردة فيه لا بحسب الأشخاص وأن التسجيل في سجل الملكية يؤمن ويحقق نشوء الحق العيني وانتقاله وانتهاؤه .
4 – يجب أن يكون السجل العقاري مطابقاً لمخطط المساحة أو الرسم الفوتوغرافي أو التسطيحي بصورة مطلقة وأن يبقى دوماً كذلك ( المادة 30 من القرار رقم 188 ل ر ) التي تنص على ما يلي : (( يجب أن تكون المطابقة دائمة تامة بين السجل العقاري وخرائط المساحة فيما يتعلق بالمناطق التي جرى فيها التخطيط، وبينه وبين الرسوم المصورة أو رسوم الخرائط في بقية المناطق . )) .
5 – لا تقادم مع القيد لأن القيد في السجل هو وحده قرينة على الملكية دون سواه لذلك فقد جاءت ( المادة 19 من القرار رقم 188 ل ر) لتقول : (( إن مرور الزمن لا يعترض به على الحقوق المسجلة في السجل العقاري. )) . أي أن مرور الزمن لا يعترف به على الحقوق المسجلة في السجل العقاري ، أما العقارات غير المقيدة في السجل العقاري فتسري عليها أحكام مرور الزمن .
المبحــث الثــاني
نظام السجل الشخصي ونظام السجل العقاري
لم تكن توجد في القديم دوائر لتسجيل الحقوق العينية العقارية ، وجاء نظام التسجيل بشكل تدريجي ابتداء ً من حاجة الدولة إلى الضرائب مما دعاها إلى قيد العقارات لتكليفها بالضريبة وأصبح هذا القيد مرجعاً للناس لمعرفة عقارات المتعاقدين حتى تطور الأمر إلى إيجاد دائرة خاصة لقيد العقارات والحقوق العينية العقارية ، ثم أصبح في كل دولة نظام لتسجيل الحقوق العينية العقارية ، ويتبع الآن في الدول المتقدمة أحد نوعين لنظام التسجيل :
أولاً : نظام متأخر وهو نظام التسجيل أو الشهر الشخصي :
ويتم التسجيل فيه وفقاً لأسماء الأشخاص ، ففي النظام الذي كان سائداً في سورية قبل نظام السجل العقاري الصادر بالقرار رقم (( 188 ل ر لعام 1926 )) كان يحضر شخص إلى دائرة تعرف باسم دائرة الطابو ويطلب تسجيل تصرفه بعقار ، ويتبع بشأن ذلك مراحل تحقيق ودفع رسوم ، وحين تنتهي معاملته يسجل في دفتر خاص ، وإذا رغب شخص آخر في أن يسجل تصرفاً على ذات العقار فيمكنه أن يحصل على ذلك .
ثم إن ملكية أي إنسان لا تعرف إلا بقيد رقم معاملته ، وأن المعلومات المندرجة في العقد ليست دقيقة تماماً من جهة حدود العقار ومساحته فقد تختلف أحياناً آلاف الأمتار زيادة أو نقصاناً .
وكان التسجيل ذو طابع إداري يمكن الطعن فيه في أي وقت ويمكن أن يفسخ التسجيل . والتسجيل في هذا النظام ليس إلزامياً إذ ليست جميع العقارات مسجلة في دفتر الطابو ، حيث أنه لا تزال هناك عقارات حتى الآن في المناطق التي لم ينفذ فيها نظام السجل العقاري ليس لها قيد في أي مكان .
فالتسجيل في النظام الشخصي يتم بدون تدقيق مسبق لمعاملة التسجيل فإذا كان مستند التسجيل عقداً وكان باطلاً أو مشوباً بعيب ظل هذا العقد قابلاً للإبطال ولو سجل .
فهو نظام معيب في ترتيبه وحجيته ، ذلك أنه لا ينبئ عن كل ما وقع على عقار معين من تصرفات ، هذا إلى أن التصرفات التي تشهر في هذا النظام لا يتحرى عادة عن صحتها .
ثانياً : نظام متقدم هو نظام السجل العيني أو السجل العقاري :
وهو نظام حديث نسبياً ويتميز بالبساطة والسرعة والسهولة ويتم التسجيل فيه وفقاً للمناطق العقارية ولأرقامها ، أي أنه يقوم على أساس العقار وهو نظام محكم ، سواء من حيث ترتيبه أو من حيث حجيته ، ذلك لأنه يخصص لكل عقار صفحة يثبت فيها كل ما يرد على العقا ر من حقوق واجبة الشهر ، وبذلك ييسر لكل ذي شأن معرفة ما يهمه من هذه الحقوق ، هذا إلى أن التصرفات التي تشهر في السجل العقاري لا يتم شهرها إلا بعد التحري عن صحتها تحرياً بالغاً
وفي هذا النظام ليس ثمة حاجة لمعرفة اسم المالك لتبين حال عقار ما بل يكفي معرفة رقم العقار والمنطقة التي يقع فيها . وتعتبر المعلومات التي تسجل في السجل العقاري هي الحقيقة هي نقية غير مشوبة ولها القوة الثبوتية المطلقة وعلى هذا يعتبر المبدأ في قيود السجل العقاري مبدأ القوة المطلقة الصفة المميزة لنظام السجل العقاري وهو حجر الزاوية لهذا النظام لذا يعتبر كل من يتعامل مع من له فيه قيد في السجل العقاري بمنأى وفي حماية من كل دعوى لم تسجل في السجل العقاري ، وكذلك فإن القيود والحقوق المسجلة في السجل العقاري لا يسري عليها التقادم وهذا المبدأ يتم من إعطاء القيود الثبوتية المطلقة للحق المسجل في السجل .عندما يقرر مخطط المساحة ، يدقق للتأكد من مطابقته لقرارات حاكم الصلح أو القاضي العقاري . وبعد انتهاء التدقيق ، يصدق على المطابقة مدير المساحة الذي يقسم اليمين القانونية لهذه الغاية ويشار إلى التصديق في المخطط وفي جدول التحديد النهائي . ولهذه العملية أهميتها الكبرى إذ أنه ابتداءً من ذلك التاريخ ، ودون اللجوء إلى الإعلان ، تعتبر الجداول والمخططات مطابقة للتحديد والتحرير الناشئين عن قرارات القاضي ، وتستفيد كلها من القناعة العامة والقوة الثبوتية الملازمة لقيود السجل العقاري ، عملاً بنص المادة الرابعة الجديد من القرار رقم 188 ل ر .
القيود الاحتياطية في السجل العقاري
المبحــــث الثالــــث
الاعتبارات التي يـقـوم عليها نظـام السجـل العـقاري
(( علنية السجـل العـقـاري ))
إن شهر الحقوق العينية العقارية يكون بإثبات أسباب كسبها في سجلات يمكن للناس الاطلاع عليها وعلى ما جاء فيها من البيانات وأخذ شهادات بها ، وهذا السجل ليس أمراً مرغوباً فيه فحسب بل هو لازم وضروري لتسهيل تداول العقارات وتشجيع الائتمان العقاري ، فمن يريد اكتساب حق عيني على عقار ، فيجب أن يعرف الحقوق العينية التي تثقل هذا العقار ، فإذا كان العقار مرهوناً طرح مقدار الدين المضمون بالرهن من الثمن ، وإذا كان مملوكاً لغير البائع ، لم يقدم على الشراء أصلاً ، ومن يقدم على إقراض الغير في مقابل رهن يرتب على عقار ، يعنيه أن يتأكد من ملكية المقترض للعقار ، الذي يقدمه ضماناً للقرض ، كما يعنيه أيضاً أن يعرف هل أثقل العقار قبل ذلك بحقوق عينية تسبق حقه ، حتى يعرف مرتبته بين الدائنين المسجلين .
ولتوضيح الاعتبارات التي يقوم عليها نظام السجل العقاري ، سنستعرض في هذا المبحث الأمور التالية :
أولاًَ : العلنية في السجل العقاري :
إن الغاية الأساسية من إنشاء السجل العقاري هي شهر الحالة القانونية للعقار لتمكين الغير الذي يريد التعاقد بصدده أو القيام بأي إجراء حوله من الوقوف على حقيقة وضعه ، وماهية ومدى الحقوق العائدة له والأعباء المترتبة عليه .
لذلك فإن المبدأ المعتمد عليه بالنسبة للحقوق المسجلة في السجل العقاري هو أن لهذه الحقوق القوة الثبوتية المطلقة . وأن المعلومات المدونة فيه هي عنوان الحقيقة ، وكل من يتعامل مع من له حق أو قيد في السجل العقاري يعتبر بمنأى عن كل دعوى أو نزاع وأن أسباب نزع هذا الحق لا تكون إلا بطرق عددها القانون وهي رضا المالك أو حكم القضاء ، أو نص القانون ، ولا يمكن أن يسري مرور الزمن على الحقوق المسجلة في السجل العقاري مهما طالت المدة التي تلت وضع القيد أو تسجيل الحق ، وأن الجهة الوحيدة التي يجوز تداول الحق العيني العقاري فيها هي صحيفة العقار ، ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يجري فيه قيد الحقوق العينية .
ولأجل تحقيق كل ذلك فينبغي قيد الحقوق المكتسبة للعقار أو عليه بحيث يصبح الحق العيني المتعلق به وغير المقيد في صحيفته العقارية لا يمكن الاحتجاج به على الغير .
ولم يحدد القانون ما يقصده بكلمة الغير ، ولذا فيجوز اعتبار انه يعني جميع الأشخاص الذين لم يكونوا أطرافاً في العقد أو التصرف غير المقيد في السجل العقاري وقد تحققت لهم مصلحة في استبعاده بالاستناد إلى حق عيني مترتب لهم على العقار أو إلى سبب آخر مشروع ، فيعد بالتالي من الغير الذين لا تسري عليهم الحقوق غير المقيدة في السجل العقاري ، الخلفاء الخصوصيون الذين اكتسبوا حقوقاً على العقار وكذلك الدائنون العاديون ، أما الورثة أو الموصى لهم بوجه عام فلا يعتبرون في الأصل من الغير إذ أنهم بحلولهم محل مؤرثهم بمقدار التركة التي آلت إليهم يلتزمون بالتعهدات الصادرة عنه ومنها المتعلقة بالعقارات التي يملكها .
ثانياً : تحقيق مبدأ العلنية المطلقة في السجل العقاري :
لا يحتج باكتساب الحق عن حسن نية إلا إذا استند إلى التسجيل وكان الخطأ ناتجاً عن السجل العقاري ، فكافة شروط الاكتساب الأخرى الخارجة عن السجل العقاري ، لا يستعاض عنها بالقناعة العامة أو بالقناعة في صحتها ، إذا لم تظهر هذه القناعة عند فحص السجل وعدا عن ذلك فإن الحماية لا تمتد للشخص الثالث وهو الذي يستند إلى تسجيل واقع ، ولا تمتد هذه القناعة إلى الذين اشتركوا مباشرة في ذلك التسجيل .فلنفترض مثلاً أن هناك مالكاً ملكه مقيد بحق عيني مسجل أصولاً وأنه تمكن من شطب الحق العيني بالاستناد إلى إفادة مزورة وما زال الحق قائماً بالنسبة له ، ويمكن لصاحبه أن يحتج به أمامه ، ولكن إذا اكتسب شخص ثالث في هذه الأثناء بالاستناد إلى الشطب فالحق قد زال وليس بإمكان الفريق المتضرر سوى إقامة دعوى بالعطل والضرر على مسبب التدليس ، ومن جهة أخرى فالتسجيل يعتبر أنه جرى خلافاً للحق ، إذا لم يوجد سبب قانوني مقبول شكلاً وموضوعاً كأن يكون السند الذي تم بموجبه البيع معدوماً (( كحالة الوكيل المعزول بتاريخ سابق للعقد )) أو أن يكون السند القانوني مفقوداً (( كحالة خطأ أمين السجل الذي يسجل اسم شخص غريب عن الشاري )) .
لذلك فمن الضروري أن يكون السجل العقاري تاماً أو بحكم التام أي أ، يظهر كل ما يمس قيمة العقار ، أو يغير صحة القيود و الأسناد التي تستند إليها وبصورة عامة كل ما يهم الآخرين معرفته ليتعاقدوا بأمان .
نلاحظ بهذه المناسبة أن السجل العقاري غير معد لتدوين الروابط القانونية المختلفة بل تلك المحددة في القانون ، والتي وجد من الضروري قيدها تحقيقاً للغايات الموضحة أعلاه .
ويجب التفريق أيضاً بين نوعين من الإشارات : فهناك إشارات تثبت الوقائع والحقوق ، فيكون من نتائجها إنشاء الحق العيني وتعديله وإلغاؤه وهي خاضعة للتسجيل ، وعلى العكس من ذلك يكون لبعض الإشارات مفعولها ، بالرغم من أنها غير مقيدة ، فلا تسجل إلا على سبيل المعلومات أو لتصبح سارية بحق الغير ، وهنالك أخيراً إشارات غايتها تثبيت فعالية العقود التي اتخذت أساساً لقيد الحقوق العينية من الوجهة القانونية كأهلية المتعاقدين وحق التصرف والصلاحيات المعطاة بالوكالة .
ثالثاً : نتائج العلنية في السجل العقاري :
لقد قررت نتائج التسجيل بحق ذوي العلاقة والغير مبدأ العلنية المطلقة ، فالحقوق و الوجائب والأحكام والأحداث القانونية الخاضعة للتسجيل الإجباري ، تعتبر لغواً بحق الغير طالما هي غير مسجلة في السجل العقاري .
والمقاولات والصكوك الرضائية التي ترمي إلى إنشاء حق عيني أو نقله أو إعلانه أو تعديله أو إسقاطه لا تكون نافذة ، حتى بين المتعاقدين إلا من تاريخ تسجيلها .
ومع ذلك فإن العاقدين يكتسبون بمجرد توقيع الصكوك والمقاولات الحق في التسجيل بمعنى أنه يمكنهم طلب تسجيل الحق أو الواقعة الوارد ذكرها في الصكوك إذا تمنع الفريق الناكل عن الفراغ ويتم ذلك عن طريق القضاء .
ومن أجل تقوية قاعدة العلنية المطلقة ، فقد حظر على كتاب العدل أو المحاكم الشرعية التصديق على كل صك أو مقاولة عقارية تتعلق بعقار غير مقيد في السجل العقاري ولا تقبل الدعوى قبل تسجيل العقار ، وإذا كان مسجلاً فقبولها مرهون بتدوينها في الصحيفة العقارية .
وعلاوة على ذلك فالموظفون الرسميون مكلفون بطلب تسجيل كل صك أو مقاولة تثبت حقاً خاضعاً للتسجيل ، وعلى دوائر الإجراء أن تطلب تسجيل الحقوق المصرح عنها في حكم هو قيد التنفيذ والاعتراضات الواردة كمن ذوي الشأن و الحجوز التي يقررها القاضي وكذلك الفراغات الناشئة عن بيع جبري .
رابعاً : خلاصة ما تقدم :
يلاحظ أن النظام العقاري في سورية قد أخذ بطريقة الشهر العيني العقاري فقد اعتمد على :
1 – القوة الثبوتية المطلقة لقيود السجلات العقارية ( المادة 13 من القرار رقم 188 ل ر ) التي تنص على ما يلي :
(( كل من يكتسب حقاً في مال غير منقول مستندا ًعلى قيود وبيانات السجل العقاري يبقى له هذا الحق المكتسب. فان أسباب نزع هذا الحق منه الناشئة عن الدعاوى المقامة وفقاً لأحكام المادة (31 ) من القـــرار ( 186 ) الصادر في 15 آذار سنة 1926، والمادة ( 17 ) من هذا القرار، لا يمكن أن يعترض بها تجاهه، ولا يمكن أن تقرر الأحكام المتعلقة بهذه الدعاوى، إلغاء الحق المكتسب بالطريقة القانونية.
وتأتي أهمية السجل اليومي من أن على رئيس المكتب المعاون أن يسجل فيه الطلبات بالأولوية أي بحسب تقديم المعاملة ، وهذا الزمن المسجل في السجل اليومي والذي يدور في العقد أبضاً هو الذي يعطي الأثر الفعلي للعقد وبالتالي للحق المطلوب تسجيله ويكون حجة قبلَ الغير ويعتبر التسجيل في السجل اليومي كالتسجيل في صحيفة العقار باعتبار أن المادة الأولى من القـــرار 188 ل ر تاريخ 15 / 3 / 1926 م نصت على أن السجل العقاري هو مجوعة الوثائق ومنها السجل اليومي وأن المشرع أراد قطع الشك فذكر أنه يعتبر ترتيب الأولوية حسب تاريخ تسجيل الاستدعاء في السجل اليومي وبمجرد أن يتم التسجيل في السجل اليومي لأي عقد اعتبر تاريخ هذا التسجيل هو التاريخ الفعلي للتسجيل في السجل العقاري ولا عبرة بعدها لتأخير التسجيل في الصحيفة العقارية يوماً أو أكثر
اترك تعليقاً