دراسة وبحث قانوني هام عن اللعان في الشريعة الإسلامية ومدى تطبيقه في القضاء الجزائري
من إعداد الطالب بلحواء يوسف
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة ابن خلدون تيارت –الجزائر
السنة الجامعية2010/2011
المـقـدمــة:
إن انحلال الرابطة الزوجية تعني التفريق بين الزوجين أي إنهاء عقد الزواج بسبب من الأسباب التي توجب انتهائه والتي بدورها يمكن أن نقسمها إلى قسمين من الأسباب فالأول ليس لأي من الزوجين دخل فيه وهو وفاة احدهما إذ بها تنحل الرابطة الزوجية أما القسم الثاني من الأسباب فلإرادة الطرفين دخل في إنهاء الرابطة الزوجية سواء كان ذلك بإرادة الزوج وحده أو باتفاق الطرفين أو بطلب من الزوجة وقد نظم قانون الأسرة الجزائري طرق إنهاء الرابطة الزوجية بمختلف أقسامها من طلاق وتطليق وخلع ونشوز.
وهناك طائفة أخرى تعتبر من أسباب انحلال الرابطة الزوجية شرعا لم يتطرق لها المشرع الجزائري كسبب من أسباب فك الرابطة الزوجية و اخذ بها كسبب مانع من الميراث والمتمثلة في التفريق بواسطة اللعان والتفريق للردة واختلاف الديانة وسنتطرق في هذا البحث إلى اللعان بين الزوجيين في الفقه الإسلامي وما مدى تطبيقه في القضاء الجزائري.
المبـحـث الأول: مفهــوم اللعــان:
يجدر بالتذكير بان التفريق بواسطة اللعان لم يتطرق إليه المشرع الجزائري كطريق من طرق إنهاء الرابطة الزوجية واخذ به كمانع من موانع الميراث حسب المادة 138 من قانون الأسرة التي تنص “يمنع من الإرث اللعان والردة” وفي ظل وجود هذا الفراغ القانوني حول أحكام اللعان يمكن التوجه مباشرة إلى المادة 222 من قانون الأسرة التي تقضي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في حالة عدم وجود نص في مسألة معينة.
المطلـب الأول: تعـريف اللعـان
يعرف اللعان لغة بأنه الطرد والإبعاد ومنه لعن إبليس وطرد من الجنة وأما اللعان في اصطلاح الفقهاء، فقد عرفه العلماء بعدة تعريفات:
فعرفه الحنابلة بأنه: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد القذف في جانبه، وحد الزنا في جانبها
وعرفه الشافعية: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد
وعرفه الحنفية: اللعان شهادة مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن وبالغضب وأنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف وفي جانبها قائم مقام حد الزنا
وعرفه المالكية: حلف الزوج على زنا زوجته، أو نفي حملها اللازم له، وحلفها على تكذيبه
والذي يظهر من التعريفات أنها متقاربة، وإن اختلفت في ألفاظها، إلا أنها تدل في مضمونها على المعنى الحقيقي للعان وهو الطريق الذي يتم من خلاله اتهام الزوج زوجته بالزنا أو بنفي انتساب حمل زوجته إليه وهو ما يسمى في الوقت الحاضر بالخيانة الزوجية ويكون اللعان عن طريق شهادات تجري بين الزوجين تكون مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة
المطلب الثاني: مشروعية اللعان
1- من القران الكريم
شرع الله القذف لكل من يقذف امرأة محصنة عفيفة ولم يثبت ذلك بشهادة أربعة شهود زجرا له وردعا لأمثاله عن الولوغ في أعراض العفيفات فيجلد ثمانين جلدة لقوله تعالى: ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ۚ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” “سورة النور الاية 04”
وكان هذا هو الواجب في قذف كل محصنة ولكن الله عز وجل خفف عن الأزواج ورفع الحرج عنهم وأعفاهم من البحث عن الشهود وذلك بتشريع اللعان في كل من يتهم زوجته بالزنا لقوله تعالى: ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)”
“سورة النور الاية 6-9”
2- من السنة النبوية
*عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله (ص) يقول: “حينما نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم رجلاً ليس منهم فليست من الله في شيء ولا يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عز وجل منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة.”
*عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما والحق الولد بالمرأة
*وقوله صلى الله عليه وسلم:” المتلاعنان لا يجتمعان أبدا”
المطلب الثالث: شروط اللعان
1- الشروط الخاصة بالزوجين
*قيام الزوجية ولو في العدة من طلاق رجعي أو بائن وبعد العدة بالنسبة لنفي الحمل إلى أقصى مدة حمل وسواء أكان الزواج فاسدا أم صحيحا..
*يجب أن يكون الزوجين عاقلين بالغين متمتعين بالأهلية الكاملة بصرف النظر عن سمعتهما
*أن يكون الزوج مسلما دون الالتفات إلى الزوجة إن كانت مسلمة
2- موضوع اللعان
*دعوى رؤية الزنا : بشرط أن لا يطأها بعد الرؤية ولا تسمع دعواه إذا تعذرت الرؤية
*دعوى نفي الحمل : بشرط أن يدعى انه لم يطأها لأمد يلحق به وان ينفيه قبل وضعه فان سكت حتى الوضع ثم نفاه لم تسمع دعواه.
أما بالنسبة للكيفية التي يتم بها اللعان فهي متقاربة عند جمهور الفقهاء وذلك على ظاهر ما تقتضيه ألفاظ الآية المذكورة سابقا
فيحلف الزوج أربع شهادات بالله قد رايتها تزني أو ذلك الحمل ليس مني ويقول في الخامسة : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تحلف الزوجة بنقيض ما حلف الزوج وتقول في الخامسة : أن غضب الله عليها إن من الصادقين.
فضلا عن هذا يشترط أن يكون اللعان على يد حاكم أو من ينوب عنه كالقاضي، لأن مسألة اللعان من المسائل الخطيرة التي قد تحدث بسببها الخلافات الكبيرة، خصوصا وأن مسألة الأعراض في المجتمع الإسلامي من المسائل الحساسة.
المبحـث الثانــي: أثار اللعان ومدى تطبيقه في القضاء الجزائري
المطلب الأول: أثـار اللعـان
1*سقوط حد القذف عن الزوج
2*سقوط حد الزنا عن الزوجة
3*انتفاء نسب الولد من الزوج وانتفاء التوارث بينهما حيث انه يلحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها
4*سقوط النفقة عن الزوجة و الولد
5*وقوع الفرقة بينهما على خلاف في ذلك.. وهي فسخ وليست طلاق بخلاف المذهب الحنفي الذي اعتبره طلاقا بائنا
6*تأبيد التحريم بينهما على خلاف مع المذهب الحنفي
المطلب الثاني إشكالات تطبيق اللعان
بعد هذه المقاربة المعرفية لموضوع اللعان يظهر لنا إشكالات معينة منها مكان تنفيذه واشتراط القاضي لصحته وترتيب نتائجه
1- مكان تنفيذ اللعان:
فما لا شك فيه أن الفقهاء يعتبرون المساجد هي المحل المفضل لإجراء اللعان نظرا لما تتصف به من قدسية واحترام في نفوس الزوجين والحاضرين وفي هذا الصدد قال الشافعي تحت عنوان : أين يكون اللعان؟ .. وكذلك يلاعن بين كل من زوجين في مسجد كل بلد وان كانت الزوجة حائض التعن الزوج في المسجد والزوجة خارج المسجد
قال ابن قدامة : ومعنى التغليظ بالمكان أنهما إذا كانا بمكة لاعن بينهما بين الركن والمقام فانه اشرف البقاع وان كانا بالمدينة المنورة فعند منبر رسول الله ص وفي بيت المقدس.. عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها..
2- اشتراط القاضي لصحته وترتيب نتائجه
ولما كانت المساجد هي المكان المفضل لإيقاع اللعان بحضور جماعة من الرجال العدول فهل يكفي لإجراء هذه الأيمان بين الزوجين أن يقوم بها إمام المسجد أم يشترط في ذلك وجود قاضي
في هذا الصدد قال الإمام مالك في المدونة : ..يلتعن في دبر الصلوات بمحضر من الناس ولابد للإمام أن يلاعن بينهما
وقال الشافعي كذلك في هذا الصدد : “يقول اشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة يقول ذلك أربع مرات ثم يقعده الإمام”
من خلال ما سبق يتضح لنا سطحيا أن الإمام هو من يشرف على عملية اللعان إلا أن لفظ الإمام في الموضوع ينصرف إلى القاضي أو الحاكم بدليل قول الجصاص عقب الفكرة المذكورة آنفا: “وقال الشافعي اذا علم الزوج بالولد فأمكنه الحاكم إمكانا بينا…” فهنا عبر الإمام المذكور في الفقرة الأولى بالحاكم
بالإضافة إلى ذلك نجد تعريف ابن عرفة للعان منتهيا بحكم القاضي حيث قال: ” حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن اوجب نكولها حدها بحكم قاض….”
وهكذا وبناء على ما تقدم فان إجراء اللعان بين الزوجين لا يكون إلا من اختصاص القاضي أو من يعينه الحاكم لهذه المهمة فإذا قام بها الإمام أو أي شخص آخر بإجراء أيمان اللعان بدون تكليف أو إذن يكون بذلك متعديا على القاضي أو من ينوبه أو من له الولاية على ذلك.
وفي حال الإشراف على اللعان من طرف شخص غير مختص به أو غير معين من طرف الحاكم للقيام بهذه المهمة فان العلماء مجمعون على انه لعان غير شرعي
ولا يرتب أي اثر من أثار اللعان الشرعي.
المطلب الثالـث: مــدى تطبيق اللعـــان في القضاء الجزائري
على ضوء ما تم تقريره من فقه اللعان بين الزوجين نعود للإجابة عن السؤال المتمثل في إمكانية تطبيق موضوع اللعان في القضاء الجزائري تنفيذا للمادة 222 من قانون الأسرة وما يمكن تسجيله في هذا الإطار هو ندرة قضايا اللعان سواء بما يتعلق بتهمة الزنا أو دعوى نفي نسب الحمل من الزوج..
أما ما يتعلق بقرارات المحكمة العليا فان ما وقع بين أيدينا قليل يتعذر معه الخروج بتصور كامل عن تطبيق اللعان وفي هذا الصدد فقد ورد في قرار المحكمة العليا في ملف رقم 172379 بتاريخ 28/10/1997 قضية نفي النسب
*تأييد الحكم القضائي بفسخ عقد الزواج مع التحريم المؤبد وإلحاق نسب الولد بأمه… وان اللعان لا يتم بالمحكمة وإنما بالمسجد حيث أن اللعان لا يكون إلا بالمسجد العتيق وفي أجل لا يتجاوز ثمانية أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه.
وعلى ضوء هذا القرار يمكن استخلاص ما يلي
1- دعوى اللعان لا تسمع إلا وفقا للشروط المنصوص عليها في الفقه المالكي
2- للزوج وحده حق المطالبة بالملاعنة فلا يثار هذا الطلب من طرف الزوجة ولا تثيره المحكمة من تلقاء نفسها
3- عند تحقق شروط قبول دعوى اللعان واقتناع القاضي بذلك يحيل الزوجين بموجب حكم إلى مسجد البلدة التي بها مسكن الزوجية أو أي مسجد في المدن الكبيرة كالمسجد العتيق مثلا الذي ذكر في قرار المحكمة العليا
4- لا تجري أيمان اللعان بين الزوجين إلا بتكليف محضر قضائي بحضور ومعاينة الواقعة وتبليغ الزوجين بصيغة الأيمان وتحرير محضر بذلك يقدمه للقاضي ليبني عليه الأحكام المترتبة عنه
5- يصدر القاضي في اجل لاحق أحكامه المترتبة على اللعان وتتمثل في التفريق بين الزوجين ونفي نسب الحمل.
الخــاتمــة:
إن مسألة اللعان تعتبر من المسائل التي لم يتطرق لها المشرع الجزائري ولا جل القوانين العربية مع انه معتمد من الناحية القضائية مما يدعونا إلى التساؤل عن سبب هذا الفراغ القانوني ونجد أن اللعان مأخوذ به في موضوع إثبات و نفي
اترك تعليقاً