ورقة بحثية حول حقوق الإنسان في الشرائع و الأديان السماوية بين النظرية و التطبيق
ورقة بحثية مقدمة لغايات استكمال متطلبات النجاح في مادة الحقوق والحريات
إعداد الطالبة : هديل علي عليان ابوزيد
الرقم الجامعي : 0105118
مقدمة للدكتورة الفاضلة عبير الدبابنة
المقدمة
إذا أردنا التطرق لحقوق الإنسان في الديانات السماوية، يجب أولا : التمييز بين الأديان ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلام ) كأديان ساهمت في تأسيس الوعي بحرية الإنسان وحقه في العيش الحر الكريم، و تحريره من كل القيود، حيث أن هذه الأديان ذات المصدر الواحد، جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية ، ويجب أن نفرق بين تاريخ تطبيق هذه الديانات على حياة المجتمعات ، وما رافقها من تطرف وإجحاف في حق المخالفين في الرأي،و المعتقد و المذهب ( وهذا حتى ضمن الدين الواحد ).أن الديانات السماوية تعتبر الحياة هبة من الله ,وأن الانسان محمول بجبلته على الحفاظ والمثابرة على حياته,فلا يجوزأن يحرم أحد منها ولا يجوز أن ينتهك في شيء حامل الحياة وحاويها وهو الجسم,لأن كل انتهاك أو تأليم أو تعذيب،أو فناء للجسم يعد حرمانا من الحياة أو تنقيص من قداستها.وان المساوة بالحقوق يجب ان تكون متساوية ولافرق بين الديانات في ذلك لانهم خلقوا لنفس المصير وانهم متساوون لأن خضوعهم لنفس الخالق هواقوى شيء للتساوي.وسنتاول في هذه الدراسة ثلاث مطالب الديانات مثل الديانة اليهودية والمسحية والشريعة الإسلامية.
المطلب الأول
حقوق الإنسان في الديانة اليهودية
بالنظر إلى الديانة اليهودية في أصولها الأولى غرست اليهودية في نفوس أتباعها اعتبارات المصلحة القومية ,وقواعد العناية بالشعب ومصائره ،ونادت بالجزاء على الفضيلة والعقاب على الرذيلة ،. ولكن نظرا لما شابها من التحريف في نصوصها فإن استناد اليهود إلى نصوص التوراة المحرفة وإلى ما جاء في ‘ التلمود ‘ الذي يعتبر شريعة بني إسرائيل العليا، وهو عبارة عن مستودع شرور بني إسرائيل وتضمن أساطير غريبة وكان بأصله بضع مجلدات , فصار منذ ثمانية قرون 12 مجلدا , ذم هو اليوم بالانجليزية 36 مجلدا ومنه استمد اليهود روح سفك الدماء بأساليب بربرية فاشية , بالإضافة إلى مناداته باحتقار الشعوب واعتبار اليهود شعب الله المختار وقد ذكر الله تعالى مقولاتهم في القرآن وردَّها فقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) . (المائدة: 18) ، وفي هذا يظهر اليهود على أنهم فضلوا أنفسهم على كل شعوب الأرض ، وهذا يعد إقرارا منهم على عدم وجود مبدأ المساواة عندهم ، كما يعد هذا تكريسا للتمييز والتفاضل بين البشر الذي يمثل في الحقيقة صورة من صور انتهاك حقوق الإنسان . ويزداد ذلك وضوحا من خلال إباحة الإسرائيليين قتل غيرهم ، وغزوهم للشعوب الأخرى (حسب تأويلهم للكتاب المقدس).إن الممارسة الدينية اليهودية بهذه المفاهيم المبنية على العنصرية، تؤكد بعدهم عن مبادئ العدل والمساواة واحترام الحقوق الطبيعية للإنسان.
بعض مما جاء في التلمود من سفاهات :-
– “يحل اغتصاب الطفلة غير اليهودية متى بلغت من العمر ثلاث سنوات .. وهب الله [وحاشا الله] اليهود حق السيطرة والتصرف بدماء جميع الشعوب وما ملكت”. ….وهذا يشكل انتهاك لحقوق الطفل .
– “ومن يسفك دم غير يهودي فإنما يقدم قرباناً للرب”… انتهاك للحق في الحياة .
– “اليهود بشر لهم إنسانيتهم ، أما الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات”. … شكل من أشكال تميز العنصري .
– “وبيوت غير اليهود حظائر بهائم نجسة ، بأنهم جميعاً كلاب و خنازير”….. شكل من أشكال التميز العنصري .
– ويقول التلمود اللَعين عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام : “يسوع الناصري ابن غير شرعي حملته أمه وهى حائض سفاحاً من العسكري (بإنذار) وهو كذاب ومجنون و مضلل وساحر و مشعوذ ووثني ومخبول “. [وحاشا لله أن يكون عبده ورسوله عيسى ابن مريم كما يفترون… انتهاك للتسامح الديني وحرية الاعتقاد .
وبهذا لانحتاج الى بحث تطبيقات الحكام اليهود الى نظريتهم في حقوق الإنسان ، لأنها قائمة على التمييز وإهدار حقوق الشعوب ، بل إن المجتمع اليهودي نفسه حافل بانتهاك حقوق بعضهم البعض وشدة عداوتهم لبعضهم رغم أنهم أقلية ، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) . (المائدة: 64)
المطلب الثاني
حقوق الإنسان في الديانة المسيحية
هذه الديانة جاءت بالدعوة والتسامح ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان ,وهي تنظر إلى حقوق الإنسان من خلال عنصرين أساسين : العنصر الأول هو كرامة الشخصية الإنسانية ، أما العنصر الثاني هو تحديد السلطة . فقد فرقت الديانة المسحية بين الفرد كانسان والفرد كمواطن واعتبار ان الله هو الذي خلقه , وهذه الفكرة أخذتها الديانة المسحية عن الفلسفة اليونانية . وهذه الفكرة توضح أن الشخصية الإنسانية تستحق الاحترام والتقدير.كما أن هذه الديانة أكتفت بإعلان حرية العقيدة وأعطت للإنسان طابعا إنسانيا من خلال دعوتها لتحقيق مثل عليا للإنسانية,وذلك باعتمادها على أساس المحبة كما حاربت التعصب الديني.
وكانت تعاليم المسيحية تعتمد على أن عيسى المسيح هو صلة الوصل بين الإله والمخلوقات , ولهذه الأسباب كلها فإن الشخصية الإنسانية , تستحق كثيرا من العناية وهذه الفكرة جاءت من الفلسفة اليونانية والمسيحية دعت إلى مساواة الجميع أمام الله وكان إقبال العبيد عليها واسع لأنها دعت إلى تحريرهم ولكن وللأسف صداها كان محدود . أما فيما يتعلق بالمبدأ الثاني وهو تحديد السلطة , فترى المسيحية , بان السلطة المطلقة لا يمارسها إلا الله وان أي سلطة فوق هذه الأرض لا يمكن أن تكون سلطة مطلقة ,وترى أن أي سلطة إنسانية منظمة تكون سلطة محددوه ,ولا يمكن لسلطة أي حاكم مهما تكن صفته المطلقة, وهنا ترى هذه الديانة أن من حق الناس أن يثوروا على الحاكم إذا كانت تلك التعاليم السماوية لم تطبق بالصورة الصحيحة .
أن المبادئ الإنسانية التي رسختها هذه الديانة أعطت صورة متقدمة لمجتمع تقوم علاقته على القوة والتمايز الطبقي,وهذا ماجاءت به هذه الديانة من التسامح والمحبة بأحسن أشكالها الإنسانية ،كما أنها وقفت أمام عقوبة الإعدام وعملت على وضع تشريعات لحماية حقوق الإنسان من تلك العقوبات لكي يضمن الإنسان حياته.
ويرى قسم من المؤرخين بأن الكنائس الرسمية لم تكن تدعم حقوق الإنسان , فالمساواة بين الناس على الأرض بقيت محدودة وغريبة عن رجال الكنائس , وحتى حرية الرأي لم يعرفها رجال الكنائس , فالكنيسة منعت الناس من الإبداء بآرائهم , كما أنها استعملت العنف في شمال أوربا لتجبر الناس على اعتناق المسيحية .
ولكن يمكن القول أن الديانة المسيحية هي التي حملت المسيحية إلى الفكر الأوربي والحضارة الأوربية.
المطلب الثالث
حقوق الإنسان في الديانة الإسلامية
أن الإسلام منذ بزوغه جاء بإعلان حقوق الإنسان, وقد دخلت هذه الحقوق حيز التنفيذ منذ معرفة وحدانية الله سبحانه وتعالى, حيث خلق البشر وكرمهم أفضل وأحسن تكريم على جميع مخلوقاته بقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ووضع لهم المنهج الذي يسيرون عليه في هذه الحياة,وطلب منهم طاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر ولكن هذه الطاعة حددها الله سبحانه وتعالى في الحدود التي رسمها الإسلام لهم.فقد جعل الإسلام الإنسان المحور المركزي للمسيرة الإنسانية بحيث تصب كل معطياتها وانجازاتها وطموحاتها في محصلة نهائية هي خير هذا الإنسان، لأن الإنسان هو أكرم ما في الوجود وهو فعلا أكرم ما في الوجود .
وقد جاء الإسلام ليرى أن هناك واقعا كان يسود فيه الظلم والاستبداد وامتهان لكرامة الإنسان واستباحة لحقوق الإفراد والجماعة،فقد تعامل معها بواقعية من حيث الصيغ التي وضعها من أجل أن يؤمن للفرد أو الجماعة حقوقهم من ولادتهم حتى لحظة مماتهم فلم يترك شيء إلا ونظمه.
فالإسلام العظيم كان السباق إلى تقرير حقوق الإنسان، دون ضغوط وطنية ولا إقليمية ولا عالمية، ولعل القارئ للقرآن الكريم سيجد مئات الآيات الكريمة التي تقرر حقوق الإنسان على أكمل وجه وأفضل وأجمل ما تكون الحقوق الإنسانية ,وينبغي الإشارة إلى أن حقوق الإنسان التي يقررها الإسلام ليست منة من حاكم ولا من منظمة ، وإنما هي حقوق أزلية فرضتها الإرادة الربانية فرضا كجزء لا يتجزأ من نعمة الله على الإنسان حين خلقه في أحسن صورة وأكمل تقويمه .
المبحث الأول :-
– حقوق الإنسان في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام
إذا نظرنا إلى وضع حقوق الإنسان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العالم وفي جزيرة العرب، نجد أن المجتمع العالمي كان يقوم على امتيازات القوة والمال والقبيلة والنسب واللون ، فجاء القرآن بميزان جديد لتقييم الإنسان بالعلم والعمل، وأعلن أن كرامة الإنسان بالتزام القانون الإلهي ، وكفِّ عدوانه عن الآخرين ، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (الحجرات: 13) .
وأكدت الشريعة الإسلامية على المساواة التامة بين البشر في الحقوق والواجبات وان أساس التفضيل هو التقوى – أيها الناس إن ربكم واحد وان أباكم واحد وكلكم لأدم وادم من تراب وان أكرمكم عند الله اتقاكم – .
وكان المجتمع يسترخص قتل الإنسان ويفتخر بسفك الدماء ، فشدد القرآن على ضمان حياة الإنسان ، فقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ) . (الإسراء: 33)… حق الإنسان في الحياة
وقال: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بالبنيات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ). (المائدة:32) .
وقد بلغت قسوة مجتمع الجزيرة أنهم كانوا يتشاءمون من البنت: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ). (النحل: 58) وكان بعضهم يقتلون بناتهم خوفاً من سبيهن! فاستنكر الإسلام ذلك وحرَّمه ووبخهم عليه فقال: (وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ). (التكوير: 8-9). وفي هذا تأكيد للمساواة بين الذكر والأنثى وتحريم الاعتداء على النفس .
وفرض أداء الأمانة لجميع الناس وحرم الخيانة ، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تؤذوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . (النساء: 58) …
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (لأنفال: 27) .
وأمر بالوفاء بالعهود والعقود وجعله من الإيمان فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . (المائدة: 1) . وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ..وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .(المؤمنون: 8) .
وأمر أتباعه بكل حسن معروف ونهاهم عن كل منكر ، ودعا إلى تكوين المدينة الفاضلة التي تقوم على القيم والفضائل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ . (آل عمران: 110) .
وبذلك كان الإسلام بعقيدته وشريعته مداً حضارياً ، دعا إلى احترام الإنسان وحقوقه ، ومساواة الجميع أمام الله والشرع ، وشدد على تحريم أنواع الاعتداء على النفس والملكية والكرامة . ونظم الشرع الإسلامي نظام الملكية الشخصية وذلك بتحديد شروطها وطرق اكتسابها , كما حدد قواعد الميراث ووضع حدود لممارسة حق الملكية الشخصية ففرض نظام الزكاة وجعل الوقف إحدى النظم التي يتميز بها المجتمع الإسلامي ولذلك حقق الملكية لا يمكن ممارسته بطريقة مطلقة .
وأكد الإسلام على الشورى ومشاركة الشعب في الحكم واختيار الحاكم بملء إرادته ومحاسبته وردعه وسحب الثقة منه وذكرت مبادئ الشورى في عدد من الآيات . قال تعالى ( شاورهم بالأمر ) .
المبحث الثاني :-
– التطبيق النبوي للنظرية الإسلامية
كانت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العملية تطبيقاً أميناً لهذه النظرية ، داخل المجتمع الإسلامي الذي أنشأه ومع مخالفيه وأعدائه ، حيث عاملهم بإنسانية عاليه . فكانت سيرته العملية (صلى الله عليه وآله وسلم) تطبيقاً لكلام ربه وكلامه ، فلا تجد عنده فرقاً بين النظرية والتطبيق أبداً .
ويكفي أن تعرف أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استطاع في مدة قياسية أن ينشئ مداً حضارياً إنسانياً وسياسياً عالمياً ، وخاض من أجل ذلك حروباً متعددة ، وشملت دولته الجزيرة واليمن والخليج ، إلى مشارف الشام والأردن ، فكان عدد القتلى من الطرفين في كل هذه الحروب589 شخصاً فقط كما حسبه بعضهم ، وهذا لانظير له في التاريخ !
ونلاحظ أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معنياً كل حياته بترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في فكر أمته ووجدانها ، وقد أكد عليها في خطبه في حجة الوداع ، وأحاديثه بعدها حتى لقي ربه عز وجل . وقد تضمنت هذه الخطب مبادئ المساواة ، والوحدة الإنسانية بين البشر ، وإلغاء التمايز القومي ، ومبدأ حسن معاملة النساء وعدم ظلمهن . كما تضمنت أساس وحدة الأمة الإسلامية في ست نقاط:
أ- إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للإسلام .
ب- الأخوة والتكافؤ بين المسلمين .
ج- احترام الملكية الشخصية ، وتحريم مال المسلم على غيره .
د- احترام حياة المسلم ، وتحريم دم المسلم على غيره .
هـ- احترام أعراض المسلمين وكرامتهم ، وتحريمها على بعضهم .
ز- من قال لا إله إلا الله ، فقد عصم ماله ودمه .
وقد طبق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المبادئ والقوانين في حقوق الإنسان وحرياته ، وكانت أعماله تأسيساً وتعويداً للمجتمع على احترامها .
المبحث الثالث:
– السلطة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقوق الإنسان
تأخذك الدهشة عندما ترى أن منظومة حقوق الإنسان وقوانينها انتهت بمجرد أن أغمض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عينيه ! وأن السلطة الجديدة استعملت بعد ساعة من وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) قانون الغلبة والقهر في السقيفة ضد الأنصار ، وهموا بقتل سعد بن عبادة زعيم الأنصار ، فكان ذلك انتهاكاً قرشياً فظيعاً لحق الإنسان في نظام الحكم وتقرير المصير !
ونرى في يومنا هذا استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وحرياته ا فالممارسات اليومية للشعوب تؤكد أن التطبيق العملي جاء خلافا لما تضمنته الشرائع السماوية من حقوق الإنسان وحرياته وما يلزم إتباعه من منهجيات للإحقاق الحق وإظهار الباطل وتكريس مبادئ المساواة والعدالة وتأكيد حق الإنسان في الحياة والتملك والحرية وبرغم من الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والتي جاءت مواءمة ومتوافقة لما كرسته الشرائع السماوية إلا أن الحياة الإنسانية أشبه ما تكون بغابات بشرية يأكل القوي حق الضعيف وتنتهك الإعراض وتغتصب النساء و يقتل البريء …. وغير ذلك من الممارسات البشعة التي تشكل انتهاك صارخ وواضح لحقوق الإنسان .
المراجع
1- د. أنور أحمد رسلان , الحقوق والحريات العامة في عالم متغير , دار النهضة العربية , القاهرة , 1993.
2- حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق في الدساتير العراقية , ( 2010-2011 ) ,بحث مقدم إلى الأكاديمية العربية في الدنمارك كلية القانون والسياسة- قسم القانون- استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في القانون.
اترك تعليقاً