بحث و دراسة تحليلية عن نظرية الدفوع فى قانون الاجراءات الجنائية
كان الأصل في الإنسان البراءة ، فإن المساس بهذا الأصل لابد وأن يتحقق وفـق أدلة كافية وسائغة ومشروعة ، بحيث تصلح لأن تؤدي إلى عكس هذا الأصل ؛ ولذلك فقد جاء قانونالإجراءات الجنائية بمجموعة من القواعد تستهدف كفالة إدانة المذنب وتبرئة البريء.
وهذه القواعد التي تستهدف حماية الحريات الفردية وصيانة الحقوق الشخصية تكون عديمة الجدوى إذا لم يكن بيد المتهم الوسيلة التي عن طريقها يستظل بحماية هذه القواعد ويستفيد من الضمانات التي تكفلها ويتحقق هذا عن طريق تقرير حقه في إبداء “الدفوع والطلبات” وإلزام المحكمة من تلقاء نفسها بالتعرض للدفوع المتصلة بالنظام العام. وبذلك يكون الحق في إبداء الدفوع والطلبات ضمانة مقررة للخصوم في الدعوى الجنائيةضمن ضمانات أخرى قد يشتركون فيها جميعاً أو ينفرد بها المتهم بمفرده تحقيقاً لمصلحة العدالة. وتعتبر الدفوع والطلبات على هذا النحو وسيلة فعالة لضمان تحقيق هذه العدالة فعن طريقـها يتمكن الخصوم من العلم بطلبات ودفوع بعضهم البعض وتكون بيدهم الوسيلة للرد عليها ، ويكون للمتهم بصفة خاصة مكنة أمده بها القانون لكي يثبت براءته ويدلل على عدم نسبة الجريمة إليه أو عدم مشروعية ما أتخذ قبله من إجراءات. وهذه المكنة تكمن في حقه في “إبداء الدفوع وتقديم الطلبات”.
موضوع البحث وأهميته:
يستهدف هذا البحث دراسة موضوع “نظرية الدفوع في قانون الإجراءات الجنائية ” وهو موضوع من الموضوعات الهامة التي لم تحظ بالقدر الكافي من العناية الواجبة له في مؤلفات فقه الإجراءات الجنائية ، فلقد درج الفقه على معالجته في المؤلفات العامة لقانون الإجراءات الجنائية باعتباره بياناً في أسباب الحكم تلتزم المحكمة بأن تورده فيه وترد عليه الرد الكافي لحمل أسباب الحكم طبقاً للمادة 311 من قانون الإجراءات الجنائية. كما أن المؤلفات التي ظهرت لمعالجته لم تعطه حقه في الدراسة المتأنية والمتعمقة بشكل جامع وشامل.
ويكشف البحث المتعمق لموضوع الدفوع عن ارتباطه بصفة عامة بكثير من مبادئ الإجراءات الجنائية والمبادئ العامة للتقاضي بصفة خاصة والتي لم تظهر في النظام القانوني إلا مؤخراً باعتبارها أفكاراً حديثة مثل “حق الدفاع ” و “تسبيب الأحكام” ، التي يسعى الفقه إلى ضبط حدودها وبيان أساسها وأبعادها.
ولذلك فإن دراسة هذا الموضوع بمعزل عن هذه الأفكار لا يسهم في كشف غموضه ولا يمكن إيضاحه إلا بربطه بها. فمعالجة الجوانب المختلفة لهذه الأفكار باعتبارهــا عماداَ لفكرة “الحق في إبداء الدفوع ” تساعد على تجلية الغموض الذي يحيط بهذا الموضوع وهو ما يمكن في النهاية من الاقتراب إلى حد بعيد من حقيقته ، ويساعد على الإحاطة الشاملة به.
وإذا كانت الدراسات المتعمقة التي تناولت هذا الموضوع بمنهج متكامل لازالت محدودة للغاية كما سبق القول ، فإن القضاء قد أولى “الدفوع” الكثير من عنايته ، وقدم قضـاء النقض في مصر وغيرها من دول العالم في هذا الصدد عوناً كبيراً بحيث يمكن القول أن الحلول العملية التي أخذ بها القضاء يمكن أن تسهم في تأصيل أفكاره وإقامة نظرية علمية تساعد على الفهم المتكامل لأبعاد هذا الموضوع.
وتكتسب دراسة هذا الموضوع أهميتها من كونها ذات طابع عملي إلى حد كبير ، فلقد توافرت وتواترت أحكام النقض التي تبطل بها الأحكام التي أصدرتها محاكم الموضوع لعدم ردها على الدفوع والطلبات المبداة من أي طرف من أطراف الخصومة الجنائية أو لردها رد غير كاف ، الأمر الذي يدل على عدم وضوح أهمية الحق في إبداء الدفوعوالطلبات.
منهج البحث:
إذا كانت هذه الدراسة تستهدف محاولة وضع أسس لنظرية الدفوع في قانون الإجراءاتالجنائية مستقاة من الأحكام العديدة التي أصدرتها محكمة النقص في مصر وفرنسا ونقضت بها الأحكام العديدة التي لم تستوف ضمن أسبابها إيراد الدفع أو الرد
عليه ، فإن ذلك لا يعني اعتمـاد هذه الدراسة على التجريب فقط ببيان تطبيقات لأحكام من محكمة النقض التي تحاكم أحكام محكمة الموضوع بخصوص إيرادها للدفوع والطلبات المبداة أمامها وردها عليها ، ومدى صحة ما انتهت إليه في هذا الشأن. ولكن الدراسة هنا تتجه أولاً: إلى “التحليل” ببيان المقصود بالفكرة ذاتها وأصلها القانوني وأنها تعنى أن الدفع “دعوى” من قبل المدعى عليه فى الخصومة الجنائية بما يرتبه ذلك من نتائج وآثار وما يتضمنه ذلك من بيان صلة هذه النظرية بضمانات المتهم والأصول الدستورية والتشريعية لها وطبيعتها الإجرائية انطلاقاً من أصل أساسي من أصول الإجراءات الجنائيةوهو مبدأ ” قاضي الدعوى هو قاضي الدفع ” ثم تتجه الدراسة بعد ذلك إلى تأصيل المبادئ العامة التي تحكم الدفوع والطلبات ، وثانياً: نعرج بهذه الدراسة إلى بيان تفصيلي لتقسيمات هذه الدفوع “وتحليل” كل منها في ضوء ما سلف ذكره من مبادئ عامة تحكم الدراسة بأكملها وفي النهاية نصل إلى بيان الحكم الصادر في الدفع والطلب وطبيعته والآثار المترتبة عليه ، وذلك في إطار محاولة لوضع نظرية عامة للدفوع في قانونالإجراءات الجنائية قائمة على المنهج التحليلي والتأصيلي في البحث.
وإذا كانت مؤلفات الفقه في الإجراءات الجنائية لم تعط هذا الموضوع حقه في الدراسة المتعمقة على ما سلف القول ، فلقد تناوله فقه المرافعات المدنية بالبحث التفصيلي ، ذلك أن قانون المرافعات قد أفرد فصلاً كاملاً له في نصوصه تحت عنوان “الدفوع والطلبات العارضة ” ابتداء من المادة 108 حتى المادة 116 من قانونالمرافعات المدنية و هو ما ترتب عليه ثراء الفقه فى المرافعات بالأبحاث التى ظهرت فى محاولة منها لوضع أسس لنظرية الدفوع فى قانون المرافعات.
ومن ثم فإننا نجد لزاماً علينا أن نستعرض بعض جوانب هذه الدراسة في المرافعات بالقدر اللازم لبناء نظرية مماثلة لها في قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن قانون المرافعات هو القانون العام الذي يتعين الرجوع إليه لسد النقص الوارد في قانون الإجراءات الجنائيةحينما تعرض مسألة إجرائية خلت نصوص قانون الإجراءات من التعرض لها.
خطة البحث:
لما كانت الخصومة الجنائية تشمل مجموعة الإجراءات الجنائية التــي تبدأ بالعمل الافتتاحي لها وهو “الدعوى الجنائية” وغيرها من الإجراءات التالية له حتى تنقضي بحكم بات أو بغير ذلك من أسباب الانقضاء ، فلقد آثرت أن أبدأ دراسة هذا الموضوع بربطه ابتداء بفكرة الدعوى الجنائية لما لهما من ارتباط وثيق ، إذ أن “الدفع” كحق في الدفاع من جانب المدعي عليه يقابل حق المدعي في الالتجاء إلى القضاء وينشأ نتيجة لاستعماله. فالدعوى والدفع في مجال الخصومة الجنائية “صنوان متلازمان” ، فحيث ترتكب جريمة ينشأ حق الدولة في العقاب ووسيلتها في ذلك هي “الدعوى الجنائية” تتولاها الدولة عـــن طريق سلطتها فـي الإدعاء ( النيابة العامة ) وينشأ نتيجة لذلك حق المدعي عليه ( المتهم ) في الدفاع وذلك بممارسة حقه الطبيعي في إبداء الدفوعوالطلبات. فالدعوى الجنائية التي تباشرها النيابة العامة كالدفع الذي يدفع به المتهم يصدق على كليهما تعريف “الوسيلة القانونية” التي يطلب بها الشخص من القضاء الحصول على تقرير حق له أو حمايته. ومن ثم فإننا سوف نعرض في فصل تمهيدي لبيان الصلة بين الدعوى والدفع ، ثم نتبع بيان الصلة بين الدفع والدعوى بعرض موجز لأنظمة السياسة الإجرائية الجنائية وتطورها التاريخي ، ومدى صلتها بالحق في إبداء الدفوعوالطلبات ، وكيف أن هذا الحق نشأ وظهر في ظل النظام الاتهامي حتى يمكن القول بأنه ثمرة من ثمار هذا النظام الذي ارتبط هو الآخر في ظهوره بمدى ما للحريات العامة وضمانات المتهم من أهمية في تقدير الشارع ، فكلما برزت ضمانات المتهم أمام الشارع وسيطرت عليه اعتبارات العدالة والاستقرار القانوني خفت وطأة “نظام التحري والتنقيب” وظهر النظام الاتهامي بما يمثله من ازدياد ضمانات المتهم ومنها “الحق في إبداء الدفوعوالطلبات” على ان ذلك لا يعنى انفراد النظام الاتهامى باعتبارات العدالة و الاستقرار القانونى وحده، فالنظام التنقيبى الذى تلاه تغلب عليه ذات الاعتبارات أيضا، و لكن يتبع فى الوصول اليها أساليب أخرى.
ولما كان الحق فى ابداء الدفوع يتفق مع الفلسفات التي تأخذ بمبدأ الإرادة الحرة للجناة في الأنظمة العقابية: كالمدرسة الكلاسية ، والمدرسة النيوكلاسية ، فقد يقتضى البحث التعرض لبعض المظاهر التي يبرز فيها الارتباط الإجرائي برغبة تحقيق الوظيفة الأخلاقية للعقوبة على أقوى وجه ممكن بحسب سياسة التشريع طبقاً لما هو وارد في بعض موضوعات فلسفة القانـون. ومن أهم هذه الظواهر “كفالة حق الدفاع” الذي يعتبر وبحق الأساس القانوني السليم للحق في إبداء الدفوع والطلبات ، والذي تمخض بدوره عن “قرينة البراءة” المشار إليها آنفاً والتي تفترض أن الأصل في الإنسان البراءة ، مما يدعونا للتعرض في هذا الفصل التمهيدي أيضاً في إيجاز لماهية هذه القرينة وطبيعتها والنتائج التي ترتبت عليها. فإذا ما فرغنا من ذلك فإننا سوف نتناول بالبحث في هذا الفصل الأساس القانوني للحق في إبداء الدفوع والطلبات باعتباره ناشئاً عن حق الدفاع وصلته بضمانات المتهم التي يشترك مع سائر أطراف الخصومة الجنائية في التمتع بها ، وتلك التي ينفرد بها عن باقي أطراف الخصومة الجنائية. ثم نتناول بالبحث الأصول الدستورية والتشريعية للحق في إبداء الدفوع الطلبات، وكيف أن هذا الحق قد نصت عليه الدساتير، وتضمنته نصوص التشريعات المختلفة داخلاً في إطار حق الدفاع المكفول بموجب هـذه الدساتير وتلك التشريعات.
وبعد أن ننتهي من الفصل التمهيدي سوف نقسم الدراسة في هذا البحث إلى ثلاثة أبواب:
الباب الأول:
ونتعرض فيه لدراسة عن النظام القانوني للدفوع في ثلاثة فصول.
نستعرض في الفصل الأول الطبيعة الإجرائية للدفع من حيث كونه ذا طابع أولى أو طابع فرعي بحسب ارتباطه بأصل هام من أصول التقاضي أمام القضاء الجنائــي هو مبدأ “قاضي الدعوى قاضي الدفع” ذلك المبدأ الذي يعني اختصاص المحكمة بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية مما يؤدي إلى أن تخضع الدعوىالجنائية بجميع عناصرها لسلطة القاضي الجنائي. وبقدر اتصال الدفع بهذا المبدأ يمكن اعتباره أولياً ، أما إذا بعدت الشقة بينه وبين هذا المبدأ بحيث خرجت المسألة العارضة عن حدود اختصاص قاضي الدعوى ، وأصبحت من اختصاص قضاء آخر أو جهة أخرى واستلزم ذلك من المحكمة وقف الدعوى الأصلية حتى يفصل في هذه المسألة ، كان للدفع طابع فرعي.
وقد اقتضى ذلك بيان ماهية المبدأ و مبرراته وتطوره التاريخي في القانونين المصري والفرنسي ، وخصائصه من حيث اعتباره ذا طابع إلزامي ويتسم بالصفة العارضة. ثم نعرض في النهاية للتفرقة بين المسائل الأولية والمسائل الفرعية في القانونين الفرنسي والمصري والمعايير المختلفة التي ظهرت للتفرقة وصلة ذلك بمبدأ قاضي الدعوى قاضي الدفع ، ثم أثره في النهاية على بيان الطبيعة الإجرائية للدفع من حيث كونه ذا طابع أولى أم طابع فرعي.
وفي الفصل الثاني من هذا الباب نتعرض للشروط الواجب توافرها في الدفع في ثلاثة مباحث ، نعرض في أولها لشروط صحة الدفع سواء باعتباره دعوى بحسب التعريف الذي أخذنا به في هذه الدراسة أو بعد استعراض شروط الدفع والطلب بصفة عامة حسبما اضطردت عليه أحكام القضاء من حيث وجوب إبداء الدفع أو الطلب أمـام الجهات المختصة قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى في صـورة صريحة جازمة ، وأن يكون ظاهر التعلق بموضوع الدعوى وألا يتنازل عنه مقدمه صراحة أو ضمناً.
ثم نعرض في المبحث الثاني لمراحل إبداء الدفع وما يجب إبداؤه منها أمام محكمة الموضوع وما يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وفي المبحث الثالث نتعرض لعبء إثبات الدفع وعلى من يقع ودور قرينة البراءة في هذا الشأن وآراء الفقه فيمن يتحمل عبء إثبات الدفع ، ثم ننهي هذا المبحث بالحديث عن تقادم الدفع ، وهل الدفوع تتقادم أم لا تتقادم وما يختلط بها في هذا الخصوص من مصطلحات أخرى كالسقوط مثلاً وما يثار تحت هذا العنوان من سقوط الحق في التمسك بالدفع.
وإذا كان الرد على الدفوع والطلبات يتصل بقاعدة أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على اليقين باعتبار أن الأصل في الإنسان البراءة وهذا يقين فإنه لا يزول إلا بيقين مثله. فهذا اليقين يفرض على المحكمة أن ترد على الدفوع والطلبات التي يتقدم بها الخصوم متى توافرت شروط قبولها لأن عدم الرد عليها ، يؤدي – إذا كانت هذه الدفـوع والطلبات صحيحة – إلى هدم أدلة الإدانة أو الانتقاص منها بما يؤثر في الأساس اليقيني الذي يجب أن تبنى عليه الأحكام الجنائية ، فضلاً عن أن الرد على الدفوع والطلبات وتضمين أسباب الحكم هذا الرد يعد دفعاً للنقد المحتمل للحكم ، وهذه القاعدة تسري على أحكام الإدانة وأحكام البراءة على السواء ، فحكم الإدانة يتعين أن يرد ويدحض الدفوع التي من شأنها لو صحت لرتبت براءة المتهم ، ويتعين أن يعلل حكم البراءة ، كذلك سبب رفض الأخذ بدليل الإدانة ومن أجل ذلك فإننا سوف نتعرض في الفصل الثالث للأساس القانوني في التزام المحكمة بالرد علي الدفع وبيان أنه ناشئ عن التزامها بتسبيب حكمها ولحالة تخلف هذا الالتزام وعدم مراعاته التي ينشأ عنها قصور الأسباب أو تخلفها مع بيان الصور التي جرى عليها العمل القضائي في هذا الشأن لقصور التسبيب ، ومتى يكون التسبيب معيباً في هذه الحالات.
الباب الثاني:
ونتعرض في هذا الباب لتقسيمات الدفوع المختلفة في دراسة تحليلية نبين فيها هذه التقسيمات في قانون المرافعات والتي قسمها الفقهاء إلى دفوع شكلية وموضوعية ودفوع بعدم القبول ، وبعد ذلك نستعرض التقسيمات المختلفة للدفوع في الإجراءات الجنائية ، ورأينا الخاص في تقسيمها إلى دفوع شكلية تتعلق بإجراءات الخصومة الجنائية وصحة اتصال المحكمة بها يترتب عليها فيما لو صحت تحديد مصير الدعوى الجنائية فيها وأخرى موضوعية تنفذ إلى موضوع الدعوى الجنائية ذاتها وأدلتها أو المدنية المرفوعة بالتبعية ويترتب عليها فيما لو صحت تقويض البنيان القانوني للجريمة. ويدخل فى هذا النوع الأخير الطلبات باعتبارها هى الأخرى نوع من الدفوع الموضوعية على ما سوف يتضح فى البحث وسبب اعتبارنا لها كذلك ، ومن ثم الاقتصار فى تقسيم الدفوع عموما إلى شكلية وموضوعية.
وسوف نقسم هذا الباب لفصلين:
الفصل الأول: ونتعرض فيه للدفوع الشكلية وأهم تقسيماتها فى أربعة مباحث على النحو التالى:
المبحث الأول:
ونتعرض فيه للدفوع المتعلقة بصحة اتصال المحكمة بالدعوى وقد تخيرنا من بين هذهالدفوع أربعة أنواع:
1- الدفوع المتعلقة بالاختصاص الجنائى ونبين فيه نوعية الاختصاص (نوعي – محلي-شخصي) ثم نبين أن لهذا الدفع طابعاً إلزامياً يرجع إلى أن مصدره القانون في النصوص المتضمنة حالات الاختصاص وأن جميع أنواعه تتعلق بالنظام العام لأنها تمس مصلحة المجتمع بما يترتب على ذلك من آثار وهي جواز إثارتها أمام كافة سلطات التحقيق ودرجات التقاضي حتى ولو كان لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون عناصره مطروحة أمام محكمة الموضوع ولا تستلزم تحقيقاً موضوعياً أمام محكمة النقض.
ثم نوضح في النهاية أن لهذا الدفع طابعاً أولياً بحسب المعيار الذي سرنا على نهجه في البحث باعتبار أن المحكمة التى تفصل فى الدعوى هى التى تتولى الفصل فيه ابتداءً.
2- الدفع بالارتباط وهو من الدفوع التي يترتب على صحتها امتداد الاختصاص بأن يقضي القاضي في جريمة ليست من اختصاصه ، وقد يرى المتهم أن من مصلحته التمسك بتحقق الارتباط إذا كانت الجرائم ينطبق عليها عقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأشد في الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، وقد يرى أن من مصلحته التمسك بعدم توافر الارتباط كما في الارتباط البسيط إذا كان يترتب على ذلك أن تعتبر الجريمة البسيطة ظرفاً مشدداً للثانية فيدفع بذلك وقد بينت المادة 214
إجراءات حالات امتداد الاختصاص في حالة تحقق الارتباط مـع بيان المحكمة المختصة في هذا الشأن.
3- الدفع بمخالفة تبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية وهو من الدفوع التي يترتب عليها أيضاً في حالة تحققها أن تقضي المحكمة بعدم اختصاصها بالدعوى المدنية باعتباره دفعاً متعلقاً بالنظام العام ، غير أنه يختلف عن الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لانتفاء شروطها أمام القضاء الجنائي والذي يترتب عليه فيما لو صح أن تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى المدنية مادة (251 إجراءات جنائية) وهو دفع لا يتعلق بالنظام العام على عكس الدفع بمخالفة تبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية ، وكلا الدفعين سوف يتبين من الدراسة أنهما من طبيعة أولية لأن المحكمة التى تفصل فى الدعوى هي التي تتولى الفصل فيهما.
4- الدفوع المتعلقة بالمسائل غير الجنائية ، هي تلك المسائل التي يمتد اختصاص القاضي الجنائي بنظرها إذا ما عرضت أمامه أثناء نظر الدعوى الجنائية يتوقف الفصل في الأخيرة على هذه المسائل كالمسائل المدنية المتمثلة في بيان صفة العقد في جريمة خيانة الأمانة والملكية للمنقول في جريمة السرقة.
المبحث الثاني:
ونتعرض فيه للدفوع المتعلقة بصحة إجراءات رفع الدعوى كالدفع ببطلان إجراءات التكليف بالحضور والدفع المتعلق بأوامر الإحالة.
المبحث الثالث:
ونستعرض فيه الدفوع المتعلقة بصفة رافع الدعوى كالدفع بانعدام صفة رافع الدعوى ونبين فيه الجهات التي تملك رفع الدعوى الجنائية طبقاً للقانون ، وحالات هذا الدفع وموقف هذا الدفع من النظام العام وأنه قد يتعلق بالنظام العام في بعض الحالات ولا يتعلق به في حالات أخرى كالحق في التصدي إذا ما خولف. كما نبين في هذا المبحث الدفع بورود قيد على سلطة الادعاء كالشكوى والطلب والإذن.
المبحث الرابع:
ونستعرض في هذا المبحث الدفوع المتعلقة بانقضاء سلطة الادعاء ، كالدفع بالتقادم وانقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة وسبق صدور حكم بات فيها والعفو عن الجريمة والدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح ، مع بيان أحكام كل دفع على حده وما أثير في شأن الدفع بالتقادم ، وهل هو دفع موضوعي أم شكلي والرأي الذي أخذت به في البحث ومدى تعلق كل دفع منهم بالنظام العام والطبيعة الإجرائية له.
الفصل الثاني:
وسوف نتعرض فيه للدفوع الموضوعية التي تتعلق بموضوع الدعوى الجنائية وأركان الجريمة المكونة لها أو تصوير الواقعة أو تقدير الأدلة التي تثار بها ويترتب عليها في حالة صحتها الحكم ببراءة المتهم أو امتناع عقابه أو التخفيف من قدر مسئوليته وهى لا تقع تحت حصر. وقد راعيت في عرضها تقسيمها لعدة أنواع بحسب الهدف منها وتخيرت منها ما يترتب عليه فى حالة صحته نفى صفة الجريمة عن الفعل بتقويض الركن الشرعى فيها وما يترتب عليه أيضا فى حالة صحته انتفاء الركن المادي للجريمة أولاً ثم الركن المعنوي أو تلك التي تتعلق بمشروعية أدلة الجريمة أو التى تهدف إلى امتناع العقاب أو التخفيف منه وأفردت أخيراً مبحثاً لطلبات التحقيق المختلفة باعتبارها نوعا من الدفوعالموضوعية بحسب الرأي الذي انتهيت إليه في هذا البحث. وقد كان بيان هذه الدفوع في هذه الدراسة في خمسة مباحث على النحو التالى:
المبحث الأول:
ونتعرض فيه للدفوع التى تهدف إلى نفى صفة الجريمة عن الفعل وتقويض ركنها الشرعى الذى يضفى التكييف القانونى على الفعل لخضوعه لنص تجريمى ومن ثم ينفيه خضوع الفعل لسبب إباحة أو الحكم بعدم دستورية نص تجريمى أو اعتباره أصلح
للمتهم ، ولذلك كان استعراض هذا النوع من الدفوع الموضوعية ابتداء بحسب الهدف المشار إليه سلفا ، والذى تتقدم به على سائر أنواع هذه الدفوع الموضوعية فى البحث.
المبحث الثانى:
ونتعرض فيه للدفوع التى تهدف إلى تقويض البنيان القانونى للجريمة فى ركنها المادى كالدفع بانتفاء رابطة السببية وأحكامه الإجرائية وأنه غير متعلق بالنظام العام بما يرتبه ذلك من آثار تحتم ضرورة عرضه على محكمة الموضوع ، وكذلك للدفع بالمسألة الفرعية ودفوع أخرى يترتب على صحتها تقويض الركن المادى للجريمة.
المبحث الثالث:
ونستعرض فيه الدفوع المتصلة بانتفاء المسئولية الجنائية وامتناع العقـاب منهـا. و نبين منها الأكثر شيوعا كالدفع بالإكراه وحالة الضرورة والدفع بالجنون والعاهة العقلية
والدفع بتوافر عذر قانونى أو ظرف مخفف.
المبحث الرابع:
ونتعرض فيه للدفوع التى تهدف إلى انتفاء مشروعية أدلة الجريمة وصحتها كالدفع بالبطلان وتطبيقاته والدفع بالتزوير.
المبحث الخامس:
وفيه نبين طلبات التحقيق المختلفة ورأينا الخاص في اعتبارها نوعا من الدفوعالموضوعية وأسانيده.
الباب الثالث:
وفي هذا الباب نبين الأحكام الصادرة في الدفوع والتي قد تكون متعلقة
بالاختصاص أو القبول أو الأحكام الصادرة في الموضوع ، وسوف نبين طبيعة كل نوع منها من حيث كونه فاصلاً في الموضوع من عدمه ، والآثار المترتبة على كل منها مـن حيث حجيته والطعن فيه وما يترتب على ذلك من إعادة طرح النزاع من جديد على المحكمة. وذلك في ثلاثة فصول على النحو المبين تفصيلاً بالبحث.
وسوف نختتم هذه الدراسة بخاتمة نضمنها أهم النتائج التي خلصنا إليها.
اترك تعليقاً