أنواع التحكيم
أحمد يوسف خلاوي
مستشار قانوني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
1- يعتبر التحكيم نوعًا من القضاء الخاص ، يقوم فيه أطراف النزاع وبمحض إرادتهما الحرة بإختياره كطريق لحل النزاع القائم بينهم، وبإختيار المحكمين الذين يمثلونهم والاجراءات التي تتبع فيه وأحياناً القانون الذي يطبق عليه …إلخ.
2- ولم يعد خافيًا أن التحكيم قد أضحى طريقة مألوفة ومرغوبة لفض المنازعات والتي تنشأ في الغالب عن علاقات تعاقدية وذلك عوضاً عن اللجوء إلى القضاء . بل أصبح التحكيم أكثر ضرورة في مجال علاقات التجارة الدولية ، لأن كلا طرفي هذه العلاقة لا يرغب عادة الخضوع لقضاء محاكم الطرف الآخر.
أساس التحكيم ومصدر سلطة المحكمين:
لا يعرض النزاع على المحكمين إلا بإتفاق ذوي الشأن إتفاقًا واضحًا على الفصل فيه بطريق التحكيم. فتوافق إرادة الطرفين هو أساس التحكيم ومصدر سلطة المحكمين.
وهذا الاتفاق يأخذ إحدى صورتين: (مادة 7 من القانون النموزجي):
1-شروط التحكيم: وبه يتفق الاطراف على أن ما ينشأ من نزاع حول تفسير عقد أو تنفيذه يفصل فيه بواسطة التحكيم. وقد يرد الشرط في نفس العقد الاصلي مصدر النزاع ، أو في إتفاق لاحق. فالذي يميزه هو كون المنازعات التي ينصب عليها التحكيم منازعات محتملة وغير محددة فهى لم تنشأ بعد.
وإذا ورد شرط التحكيم في العقد الاصلي ، فإنه يستقل عن هذا العقد . ولهذا فإنه يتصور بطلان العقد وصحة الشرط. وهو ما يؤدي إلى إمكان عرض صحة أو بطلان العقد الاصلي على المحكمين إعمالا للشرط الوارد فيه. كما يؤدي إلى إحتمال بطلان الشرط وصحة العقد. وهو ما نصت عليه المادة 16/1 من القانون النموزجي . ويلاحظ أن شرط التحكيم قد لا يرد في العقد الاصلي وإنما قد يكتفى العقد بالاحالة إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم ، ولو كانت هذه الوثيقة صادرة من شخص من الغير بشرط أن تكون الاحالة إلى شرط التحكيم في هذه الوثيقة إحالة واضحة. ومثالها إحالة سند الشحن إلى وثيقة إيجار السفينة المتضمنة شرط التحكيم.
2-مشارطة التحكيم: وهو الاتفاق الذي يتم بين الطرفين بعد قيام النزاع بينهما لعرض هذا النزاع على التحكيم. ويتميز بأنه يتم بعد نشأة النزاع ولهذا فإنه يتضمن تحديد الموضوعات التي تطرح على التحكيم. ويسمى أحيانًا (وثيقة التحكيم الخاصة).
وسواء أخذ الاتفاق على التحكيم صورة الشرط أو صورة المشارطة فإنه يجب لصحته توافر عدة شروط هى:
أهلية التصرف في الحق المتنازع فيه: ذلك أن الاتفاق على التحكيم يعني التنازل عن رفع النزاع إلى قضاء الدولة.وإذا كان العقد مبرما بواسطة وكيل ، فيجب أن تكون هذه الوكالة خاصة فلا تكفي الوكالة العامة أو وكالة المحامي في مباشرة القضايا.
أن يصلح الحق المتنازع عليه كمحل للتحكيم: و لا يصلح للتحكيم إلا الحق الذي يجوز التصالح عليه.
تحديد المسألة محل النزاع التي تخضع للتحكيم: على أن هذا الشرط ليس لازمًا عند الاتفاق على التحكيم إلا بالنسبة للمشارطة أما بالنسبة لشرط التحكيم فيكفي بالنسبة له تحديد المحل الذي يدور حوله النزاع كالقول بأن التحكيم يتعلق بكل نزاع ينشأ عن تفسير عقد معين أو عن تنفيذ هذا العقد ، أما المسائل المتنازع عليها فيكفي أن تحدد بعد ذلك أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم.
أن يتم الاتفاق على التحكيم كتابة: وهو شرط تتطلبه بعض التشريعات كشرط لانعقاده وليس لاثباته، ومنها القانون النموذجي (مادة 7/2)، ومنها القانون الكويتي .
3- وحيث فرض التحكيم أهميته وجدواه كطريقة لحل المنازعات خصوصًا في مجال علاقات التجارة الدولية، كان من الطبيعي أن تعنى الدول بوضع القوانين المنظمة لعملية التحكيم والدخول في إتفاقيات دولية وإنشاء مراكز وهيئات متخصصة في شأن التحكيم سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي.
والتحكيم كظاهرة فرضت نفسها يتجلّى في التحكيم الدولي أكثر مما يتجلى في التحكيم الداخلي. فقد تحول التحكيم إلى مرجع أساسي لحسم خلافات التجارة الدولية وصارت المحاكم القضائية تأتي بعده وأصبحت التوظيفات والاستثمارات متمسكة بالتحكيم الدولي مرتبطة به لا تخطو عبر الحدود إلا إذا كان التحكيم الدولي معها مقبولآ في العقود التي تبرمها.
أنواع التحكيم:
وبما أنه، وحسب البرنامج المعد لهذه الندوة، قد تم توزيع بحث الجوانب المختلفة للتحكيم وهى جوانب عديدة على المحاضرين الافاضل. لهذا، سوف أقتصر على إلقاء الضوء على أحد جوانب التحكيم وهو (أنواع التحكيم) مع التعليق على نظام التحكيم السعودي.
ذلك أن نظام التحكيم وإن كان يقوم أساسًا على مبدأ سلطان الارادة بمعنى أن اللجوء إليه يتم بإختيار طرفي النزاع وبمحض إرادتهما الحرة، إلا أن التحكيم وبإستقراء بعض القوانين المتعلقة به وتطبيقات المراكز والهيئات المتخصصة في شأنه يأخذ في العمل أكثر من نوع واحد كما يلي:
أولًا: التحكيم الخاص/التحكيم المؤسسي:
(أ) التحكيم الخاص:
أي تحكيم الحالات الخاصة، وفي هذا النوع من التحكيم يحدد فيه أطراف النزاع المواعيد والمهل ويعينون المحكمين ويقومون بعزلهم أو ردهم، ويقومون بتحديد الاجراءات اللازمة للفصل في قضايا التحكيم.. ويعتبر التحكيم خاصًا ولو تم الاتفاق بين طرفي النزاع على تطبيق إجراءات وقواعد منظمة أو هيئة تحكيمية طالما أن التحكيم يتم خارج إطار تلك المنظمة أو الهيئة. ومن ذلك على سبيل المثال، أن يختار الطرفان تطبيق القواعد الصادرة عن لجنة الامم المتحدة لقانون التجارة الدولية المعروف بقواعد (اليونسترال) للتحكيم. فالعبرة في هذا النوع من التحكيم بما يختاره طرفا النزاع من إجراءات وقواعد تطبق على التحكيم وخارج أية هيئة أو منظمة تحكيمية حتى وإن إستعان الطرفان بالاجراءات والقواعد والخبرات الخاصة بتلك الهيئة أو المنظمة. هذا التحكيم الذي كان أول نوع من أنواع التحكيم ما زال مستمرًا وما زالت له مكانه هامة في حقل التحكيم، ولا سيما في المنازعات التي تقع بين الدول. فإن الدول ذات سيادة وحين تذهب إلى التحكيم فإنها لا ترضى به إلا إذا فصلته على القياس والشكل الذي يراعي سلطتها وسيادتها. وكثيراً ما يحصل ذلك في منازعات تكون أطرافها الدولة ذاتها أو إحدى وزاراتها أو مصالح حكومية تابعة للدولة. ولكن مفهوم الدولة الذي أوجد نوعين من المؤسسات العامة التابعة للدولة، منها التي ترتبط بمرافق عامة ومنها التي لها نشاطات صناعية وتجارية ولها طابع خاص من الذاتية والاستقلالية الادارية والمالية ، هذه المؤسسات حين تكون طرفًا في النزاع لا تطرح سلطة وسيادة الدولة وهى تقبل ثم تذهب بسهولة إلى تحكيم مراكز التحكيم. ولكن النوع الآخر من المؤسسات العامة أو الوزارات هو الذي لا يقبل إلا التحكيم الذي يساهم هو في تنظيمه وتشكيل محكمته التحكيمية بحيث يختار هو محكميه ويختار هو وخصمه المحكم الثالث، بحيث إذا لم يتوصل هو وخصمه إلى هذا الخيار توقف التحكيم، ثم ينظم هو وخصمه إجراءات التحكيم وأصوله. ثم تتولى المحكمة التحكيمية التي أوجدوها بالاتفاق –إذا إتفقوا– تتولى هذه المحكمة النظر في الخلاف ثم الفصل فيه بحكم لا يكون خاضعاً لرقابة هيئة حقوقية دائمة أخرى. هذا النوع من التحكيم إذا كانت كمية المنازعات التي تحل عن طريقه هى أقل، إلا أن نوعية المنازعات التي تحل عن طريقه عديدة لأنه يناسبها أكثر، ولا سيما المنازعات الكبرى بين الدول حول المواضيع التجارية والمالية أو المنازعات بين شركات متعددة الجنسيات. من هنا فإن الظاهرة التي تلفت النظر في الزمن الحاضر هى أن نوعي التحكيم: تحكيم مراكز التحكيمInstitutional، وتحكيم المحكمة التحكيمية التي ينشئها الاطراف خصيصًا لحل النزاعAd hoc ويسمى تحكيم الحالات الخاصة، كلاهما له مكانته ومنازعاته. ويمكن القول أن تحكيم الحالات الخاصة هو تحكيم على القياس، وتحكيم مراكز التحكيم هو تحكيم ((جاهز)) في مقاييسه ومعاييره.
(ب) التحكيم المؤسسي:
كما ذكرنا آنفا لقد فرض التحكيم أهميته وجدواه بل ضرورته خصوصًا في مجال علاقات التجارة الدولية، مما إقتضى قيام مؤسسات وهيئات ومراكز متخصصة في مجال التحكيم بما تملكه من إمكانات علمية وفنية مادية وعملية ولوائحها الخاصة في إجراءات التحكيم ، ولقد أنشئت العديد من تلك الهيئات سواء على المستويات الاقليمية أو الدولية كما ذكرنا آنفًا.
وعلى سبيل المثال:
(1) نظام هيئة التحكيم لغرفة التجارة الدولية I.C.C المعدل والساري المفعول إعتبارًا من 1/1/1998م في البند الاول لهذا النظام حدد مهام هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية من قبل إدارة غرفة التجارة الدولية في حل النزاعات ذات الطابع الدولي في مجال الاعمال عن طريق التحكيم، والملاحظ أن نظام هذه الهيئة لم يستعمل عبارة التجارة الدولية بل عبارة (الأعمال) حرصًا منه على توسيع معنى التجارة بحيث تشمل كل الاعمال وبذلك يكون قد تبنى المعيار الاقتصادي لدولية التحكيم وجعل كل موضوع يتعلق بالاعمال قابلآ للتحكيم. إلا أنه يجوز للهيئة أن تحل النزاعات التي ليس لها طابع دولي في مجال الاعمال إذا خولها العقد التحكيمي الصلاحية ، وقد أوصت غرفة التجارة الراغبين في ذلك بالبند التحكيمي التالي: (لجميع الخلافات التي تنشأ عن هذا العقد يتم حسمها نهائيًا وفقًا لنظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية بواسطة حكم أو محكمين يتم تعيينهم طبقًا لذلك النظام).
ويلاحظ أن قرارات التحكيم الصادرة من هذه الهيئة بغرفة التجارة الدولية تتم مراجعتها بصورة مستقلة بواسطة المحكمة المشكلة في الغرفة التجارية الدولية التي لها أن تقضي بإدخال تعديلات على الحكم من حيث الشكل ولها – مع إحترامها لحرية تقرير هيئة التحكيم – أن تنبه الهيئة إلى نقاط تتعلق بموضوع النزاع، ولا يجوز أن تصدر حكم دون أن تقره المحكمة من حيث الشكل.
(2) هيئة التحكيم الامريكية A.A.A: أصبح حيز التنفيذ في 1/5/1992م هذه الهيئة تنظر في عدد كبير من الدعاوى وبالتأكيد ليست بنفس المظهر الدولي لمحكمة غرفة التجارة الدولية ، وهذه الهيئة لا تطبق نظام مراجعة قرارات التحكيم الصادرة منها كما هو الحال في محكمة غرفة التجارة الدولية.
(3) محكمة لندن للتحكيم الدولي:
على الارجح هى أكبر هيئات التحكيم الدولي عمرًا. هذه المحكمة تدير خدمات التحكيم بموجب لوائحها الخاصة وكذلك لوائح التحكيم الخاصة بقانون لجنة الامم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي ، وكذلك العمل بموجب أي نظام قانوني في أي مكان في العالم.
أنشأت المحكمة مجالس للتحكيم تغطي المجالس الرئيسية للتجارة في العالم، مثل المجلس الاوروبي لجميع الدول الاوروبية والشرق الاوسط / مجلس أمريكا الشمالية / ومجلس دول جنوب شرق آسيا / والمجلس الافريقي.
على المستوى الاقليمي قام مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالبحرين، والذي أقر قادة هذه الدول نظامه كمركز للتحكيم وذلك أثناء إنعقاد مؤتمر القمة الرابعة عشرة في الرياض في ديسمبر عام 1993م . وتم العمل بهذا النظام بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ إقراره. ويتمتع المركز بالشخصية المعنوية المستقلة، ويختص بموجب المادة الثانية من نظامه بالنظر في المنازعات التجارية بين مواطني دول مجلس التعاون أو بينهم وبين الغير، سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أو معنويين ويختص بالنظر في المنازعات التجارية إذا إتفق الطرفان كتابة في العقد أو في إتفاق لاحق على التحكيم في إطار هذا المركز. ويجري التحكيم فيه وفقًا للائحة إجراءات المركز ما لم يرد نص مغاير في العقد المتعلق به النزاع . ويكون الحكم الصادر من هيئة التحكيم وفقاً لهذه الاجراءات ملزماً للطرفين ونهائيًا ..إلخ.
ثانيًا: التحكيم الدولي/التحكيم الداخلي:
(أ) التحكيم الدولي:
والمقصود به التحكيم في مجال علاقات التجارة الدولية والمصالح الخارجية لأطراف النزاع والتي تكشف إرادتهما المشتركة عن أن التحكيم ناشئ عن علاقة تجارية دولية أو مصالح خارجية أي خارج الدول التي ينتمون إليها. ولقد وجد التحكيم الدولي مجاله الخصيب خصوصًا مع تنامي العلاقات التجارية بين الدول وإزدهار المشروعات الاستثمارية وتعدد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالاستثمار وضمان الاستثمار. ولكن ما هى المعايير التي يمكن الوقوف عندها في التحديد: في التحكيم الدولي كما في التحكيم الداخلي يجلس المحكمون وأطراف النزاع ومحاموهم حول طاولات في قاعة إجتماعات ، ليس فيها شكليات المحاكم القضائية. في التحكيم الداخلي، المحكمون والاطراف كلهم من أبناء البلد الذي يجري فيه التحيم والقانون المطبق هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم. أما في التحكيم الدولي فالنزاع بين شركة إيطالية وشركة مصرية مثلآ والقانون المطبق هو القانون الفرنسي والتحكيم يجري في جنيف والمحامون هم إيطاليون ومصريون، وهناك ربما في الدعاوى الكبرى محام سويسري أو ربما محام فرنسي مكمل للمحامين الايطاليين عن الشركة الايطالية ومحام سويسري أو ربما محام فرنسي مكمل للمحامين المصريين. وربما إكتفى كل طرف بمحامين من جنسيته، ولكن حجم الدعوى ربما يسمح بدخول محامين إضافيين آخرين غير المحامين الذين تعودهم كل طرف، محامين دوليين تكون لهم علاقة بالقانون المطبق أو يكونون من جنسية رئيس المحكمة التحكيمية وثقافته القانونية. هذا التنوع في الجنسيات يهون أمام التنوع في الانظمة القانونية وأمام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي ترعى هذا التحكيم الدولي.
وهناك إمكانية لأن ترعى التحكيم الدولي خمس أنظمة قانونية مختلفة على سبيل المثال وهى:
- قانون يطبق على الشرط التحكيمي وعلى شرط الاعتراف به وتنفيذه أو أي إتفاقية دولية في مستوى القانون.
- قانون يطبق على إجراءات التحكيم أو أي إتفاقية دولية هى في مستوى القانون أو أعلى منه أو إتفاق الطرفين على تطبيق إجراءات تحكيم مركز تحكيمي .
- القانون المطبق لحسم النزاع أو إتفاق على المبادئ العامة للقانون.
- القانون الذي يطبق على تنفيذ الاحكام التحكيمية الدولية أو الاجنبية أو أي إتفاقية دولية هى في مستوى القانون أو أعلى منه.
- كذلك قانون العقد الذي يمكن أن لا يكون هو القانون الوطني أو قانون البلد الذي وقع فيه العقد بل قانون دولي أو مزيج من المبادئ العامة للقانون وأعراف التجارة الدولية أو ما سمى قانون التجار.
لكن ما هى أهم المؤشرات الاجنبية التي يمكن الوقوف عندها وإستخلاص ضوء يكشف طبيعة كل تحكيم، هل هو داخلي أو دولي؟
يمكن أن تكون هذه المؤشرات الاجنبية تسع وهى:
- موضوع النزاع.
- جنسية ومحل إقامة الاطراف.
- جنسية المحكمين.
- القانون المطبق لحسم النزاع.
- قانون إجراءات المحاكمة المطبق.
- مكان التحكيم.
- اللغة.
- العملة.
- حركة إنتقال الاموال عبر حدود الدول للخروج من إقتصاد البلد.
هذه المؤشرات التسع (الأجنبية) تصلح أن تكون مع غيرها أضواء لبيان الحدود التي ينتهى عندها التحكيم الداخلي ويبدأ بعدها التحكيم الدولي، وهى مؤشرات لفك إرتباط التحكيم ببلد ما أو بالتجارة الداخلية لبلد ما أو للاقتصاد الداخلي لأي بلد. وإذا كان المؤشر مرتبطًا ببلد واحد كان مؤشراً على أن التحكيم داخلي ، أما إذا كان المؤشر غير مرتبط ببلد واحد، أدى تكاثر هذه المؤشرات إلى تغيير في نوعية التحكيم ونقله من خانة التحكيم الداخلي إلى خانة التحكيم الدولي.
وقد ساد إعتماد مقياسين للتفريق بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي هما المقياس الجغرافي (مكان التحكيم) والمقياس الاقتصادي (موضوع النزاع):
(1) المقياس الجغرافي (مكان التحكيم):
إن مكان التحكيم حين يكون في الخارج هو المقياس والاساس. وهكذا فالتحكيم أجنبي إذا تم في بلد أجنبي أو كان أحد أطرافه أجنبيًا، وكذلك فإن تطبيق قانون أجنبي أو قواعد إجراءات محاكمة أجنبية أو وجود فريق أجنبي يجعل من التحكيم تحكيمًا أجنبيًا، وبالتالي يجعل من القرار التحكيمي قرارًا أجنبيًا.
هذا هو المقياس الذي أخذته إتفاقية نيويورك بعين الاعتبار، وهى إتفاقية تطبق على القرارات التحكيمية (الصادرة في دولة غير الدولة التي يطلب منها الاعتراف بالقرار التحكيمي أو تنفيذه على أراضيها).
وقد تراجع دور ومكان التحكيم في المقياس الجغرافي وأصبح المقياس الجغرافي يأخذ أيضاً بعين الاعتبار مكان إقامة الاطراف. فإذا كانوا مقيمين في خارج الدولة التي يجري فيها التحكيم فالتحكيم أجنبي عن هذا البلد ، وإذا كانوا مقيمين في أماكن أو بلدان مختلفة فالتحكيم دولي (القانون النموذجي) وإذا كان أحد طرفي النزاع على الاقل غير مقيم في سويسرا أو هولندا مثلًا عند توقيع العقد فالتحكيم الذي يجري في هولندا أو في سويسرا هو دولي (القانون السويسري سنة 1987 – والقانون الهولندي سنة 1986).
كذلك فإن إتفاقية جنيف الاوروبية لعام 1961 والمتعلقة بالتحكيم الدولي ، قد سبق وطرحت شرطًا، وهو أن يكون النزاع ناشئًا عن عملية تجارية دولية، إلا أنها فرضت في الوقت نفسه أن يكون النزاع قائمًا ما بين (أشخاص مقيمين أو لهم مركز إقامة في بلدان مختلفة).
وكذلك إتفاقية لاهاي المعقودة عام 1946 حول المبيعات الدولية للمنقولات، فهى تطبق على (عقود البيع المعقودة بين فرقاء تقع مؤسساتهم في بلاد مختلفة).
وأخيرًا، فإن هذا المقياس هو الذي أخذ بعين الاعتبار في القانون النموذجي للجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL) الذي إعتمد في 21 يونيه 1985، وقد ذهب هذا المقياس إلى أن التحكيم يكون دوليًا إذا كانت مؤسسات الفرقاء في إتفاقية تحكيمية عند إجراء هذه الاتفاقية، تقع في بلدان مختلفة، أو إذا كان أحد الاماكن المذكورة لاحقًا، يقع خارج الدولة التي تقع فيها مؤسسات الفرقاء.
وهكذا يؤخذ بعين الاعتبار:
- مكان التحكيم، إذا كان محدداً في إتفاقية التحكيم أو محدداً بموجب هذه الاتفاقية.
- كل مكان يتم فيه تنفيذ جزء أساسي من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية ، أو المكان الذي يكون للنزاع علاقة أوثق به.
- أو إرادة الطرفين إذا إتفقا صراحة.
وقد أخذ بهذا المفهوم كثير من القوانين الحديثة.
(2) المقياس الاقتصادي (موضوع النزاع):
إن طبيعة النزاع هى التي تؤخذ بعين الاعتبار، فيعتبر تحكيمًا دوليًا ذلك الذي يتعلق بمصالح تجارية دولية، دون أخذ مكان التحكيم أو قانون إجراءات المحاكمة المطبق أو جنسية الفرقاء بعين الاعتبار.
وقد إعتمد قانون التحكيم الدولي اللبناني هذا المقياس عندما أعطى للتحكيم الدولي التعريف التالي: (يعتبر دوليًا التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية).
أما القانون الفرنسي للتحكيم فقد عرف التحكيم الدولي بأنه (يعتبر تحكيمًا دوليًا ذلك التحكيم الذي يضع في الميزان مصالح التجارة الدولية).
كما أن نظام محكمة غرفة التجارة الدولية في باريس، ونظام تحكيم محكمة لندن لا ينظران إلا منازعات التجارة الدولية.
لقد أوردت قوانين بعض الدول العربية أحكاماً خاصة بالتحكيم الدولي منها على سبيل المثال دولة البحرين وسلطنة عمان . ففي دولة البحرين صدر مرسوم بقانون التحكيم التجاري الدولي (رقم 9) عام 1994م وينص في المادة(1/3) بأن: (يكون التحكيم دوليًا):
أ- إذا كان مقر عمل طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرام ذلك الاتفاق واقعاً بين دولتين مختلفتين أو
ب- إذا كان أحد الاماكن التالية واقعاً خارج الدولة التي يقع فيها مقر عمل الطرفين:
مكان التحكيم إذا كان محدداً في إتفاق التحكيم أو طبقاً له.
أي مكان ينفذ فيه جزء هام من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية أو المكان الذي يكون لموضوع النزاع أوثق الصلة.
ج- إذا إتفق الطرفان صراحة على أن موضوع إتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة
هذا وفي سلطنة عمان نظم مرسوم سلطاني رقم 47/97 قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية . وتنص المادة (3) منه على الاحكام الخاصة بالتحكيم الدولي ومعاييره ومنها: أن يكون المركز الرئيسي لاعمال كل من طرفي النزاع يقع في دولتين مختلفتين وقت إبرام إتفاق التحكيم ….إلخ.
(ب) التحكيم الداخلي:
هو التحكيم الذي يتم طبقًا لاحكام القانون الوطني لاطراف النزاع وداخل دولتهم . فالقانون الوطني هو الذي ينص على كافة الاجراءات والقواعد التي تطبق على عملية التحكيم . ويلاحظ أن قوانين بعض الدول العربية تتضمن نصوصاً تميز بين نوعي التحكيم الدولي والداخلي كما أسلفنا في قانوني البحرين وعمان.
ثالثاً: التحكيم الاختياري/التحكيم الالزامي:
(أ) التحكيم الاختياري:
المقصود به التحكيم الذي يتم بناءًا على إتفاق طرفي النزاع وبمحض إرادتهما الحرة. فلهما اللجوء بإختيارهما إلى التحكيم لفض النزاع القائم بينهما وإختيار المحكمين والاجراءات والقواعد التي تطبق على التحكيم. وقد ينظم القانون مثل هذا التحكيم ووضع الضوابط اللازمة والمناسبة لضمان فاعليته ولكن تبقى الحرية للطرفين في اللجوء إليه عوضًا عن اللجوء إلى المحاكم.
(ب) التحكيم الالزامي:
وفي هذا النوع من التحكيم يلزم القانون طرفي النزاع في اللجوء إلى التحكيم والخضوع لاحكامه في بعض المنازعات
وقوانين بعض الدول العربية تنص على هذا النوع من التحكيم في شأن منازعات معينة من ذلك القانون السوري إذ يلزم اللجوء إلى التحكيم في منازعات معينة منها: قضايا العمل حيث تحل الخلافات بين العمال وأرباب الاعمال بالتحكيم الاجباري.
ولكن قبل أن نتطرق إلى نظام التحكيم السعودي، فإني أشير هنا إلى بدائل أخرى لفض المنازعات إبتكرها رجال القانون في الولايات المتحدة الامريكية:
فالقضاء هو الوسيلة الاساسية لحل المنازعات، ولكن مع تطور ظروف التجارة والاستثمار الداخلي والدولي أخذت تنشأ إلى جانب القضاء وسائل أخرى لحسم المنازعات. والتحكيم الدولي عندما تطور مع تطور التجارة الدولية والتوظيفات الدولية، تطور بإجراءات المحاكمة التي إقتربت كثيرًا من إجراءات المحاكمات القضائية، ثم بشكلياته التي قربته أكثر من المحاكم القضائية، ثم جاءت المعاهدات الدولية لتحصنه وتحصن أحكامه بحيث لم يعد من المبالغة القول بأن التحكيم الدولي لم يعد وسيلة بديلة لحسم منازعات التجارة الدولية بل أصبح أو يكاد يصبح الوسيلة الاساسية لحسم منازعات التجارة الدولية. ويستمر هذا التطور فيوجد وسائل أخرى بديلة لحسم المنازعات غير التحكيم وغير القضاء.
فقد أخذ التوفيق والوساطة طريقهما ليصبحا أيضًا من الوسائل البديلة لحسم النزاعات. هكذا وضعت إتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار مفاوضات الوساطة والتوفيق وسيلة بديلة لحسم النزاع يرجع إليها لحسم النزاع قبل اللجوء إلى التحكيم.
وكذلك فعلت إتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الاخرى ففتحت باب التوفيق قبل التحكيم ونصت على إجراءات لذلك بإعتباره وسيلة أخرى من وسائل حسم المنازعات بطريقة ودية.
وكذلك نص نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية على نظام المصالحة الاختيارية ووضع له إجراءات.
وكذلك وضعت اليونسترال (لجنة الامم المتحدة لقانون التجارة الدولية) قواعد للتوفيق كان لها وقع في المنازعات الدولية وكان لها أثر في نشر التوفيق كوسيلة لحسم المنازعات وديًا. ولكن التوفيق والوساطة بقيا وسيلتين بديلتين لحسم المنازعات، بديلتين عن القضاء وعن التحكيم إلا أنهما بقيتا وسيلتين نظريتين غير عمليتين وبقى القضاء هو الوسيلة الاساسية، والتحكيم هو الوسيلة البديلة لحسم المنازعات إلى أن كان عام 1977 في الولايات المتحدة الامريكية…حيث كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء منذ ثلاث سنوات ، وكان هناك محامون ومرافعات وخبراء وجلسات ومستندات ونفقات خبرة ونفقات قضائية وأتعاب محامين، وأرهقت الدعوى الطرفين بالوقت والمصاريف ، ثم طرحت فكرة وسيلة بديلة لحسم هذا النزاع. لماذا لا نؤلف محكمة مصغرة كل طرف يختار أحد كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع ثم يختار الموظفان رئيسًا محايدًا.
وراقت الفكرة للطرفين وأوقفت إجراءات المحاكمة القضائية وعقدت المحكمة المصغرة جلسة، ليست إلزامية في شيء، وإستمرت الجلسة نصف ساعة أدلى بعدها رئيس المحكمة المحايد برأي شفهي لعضوي المحكمة ثم دخل موظفا الطرفين أي عضوا المحكمة إلى غرفة جانبية فدخلا في مفاوضة إستمرت نصف ساعة وخرجا ليعلنا إتفاقهما وإنتهت الدعوى على خير وسلام ووقف نزيف الوقت والنفقات والرسوم والاتعاب. وكانت ولادة ما سمى في الولايات المتحدة بـ Alternative Disputes Resolution واختصرت وعرفت بالـ A.D.R أي الوسيلة البديلة لحسم النزاع.
وتطورت هذه الوسيلة وتركزت وأخذت عدة أشكال وإنتشرت في الولايات المتحدة الامريكية إنتشارًا كبيرًا، لا سيما وأن التحكيم في الولايات المتحدة لم يعرف التقدم الذي وصل إليه في أوروبا لأن الاميركيين ما زالوا يجلون المؤسسة القضائية ولم يسلموا بسهولة بالتحكيم كوسيلة بديلة لحسم المنازعات كما فعلت أوروبا التي بقى إجلالها للقضاء على حاله بل تطوع القضاء للأخذ بيد التحكيم للنهوض وليلعب دوره كوسيلة بديلة لحسم المنازعات تخفف عن القضاء كثيرًا من الاعباء وتبقي في كل حال تحت رقايته بعد صدور الحكم. والوساطة كوسيلة لحل المنازعات في الولايات المتحدة تأتي بميزتين: أولآ: إختصار الوقت. فأطول وساطة تستمر من شهر إلى ستة أشهر ، بينما الدعوى أمام القضاء تبقى سنوات طويلة. وثانيًا: فإذا كانت الدعوى مرهقة وثقيلة في النفقات والمصاريف فإن الوساطة كوساطة بديلة لحسم المنازعات تبدو خفيفة الظل. وشهدت الوساطة إزدهارًا لم يكن منتظرًا ولا متوقعاً وتقبلتها أوساط النزاعات القضائية الامريكية وأقبلت عليها بجدية وإهتمام حتى قدرت نسبة الحالات التي أسفرت عن مصالحة بفضل الوساطة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات بطريقة ودية بـ 8.% في الولايات المتحدة و 37% في بلدان الشرق الاقصى. وتقدمت في الصين وكندا وأستراليا ، ولكن دول القوانين المدنية الاوروبية بقيت حذرة ولم تقبل على هذه الوسيلة البديلة لحسم المنازعات بطريقة الوساطة.
فما هى هذه الوسيلة البديلة لحل النزاع عن طريق الوساطة ADR التي ولدت في الولايات المتحدة الامريكية؟ هذه الوسيلة ADR أخذت عدة أشكال نعرضها فيما يلي:
1-المحكمة المصغرة:
ويتلخص في أن النزاع يحال إلى هيئة مكونة من رئيس محايد وعضوين يختار كل من الطرفين المتنازعين وأحدًا منهما من بين كبار موظفيه في الادارة العليا ممن لهم دراية بتفاصيل النزاع، ويتولى العضوان إختيار الرئيس وإن لم يتفقا على شخصه يعينه مرجع يكون متفقًا عليه سلفًا. يلتقى الطرفان للاتفاق على قواعد لاجراءات الوساطة تختصر إلى أقل درجة ممكنة ، وهكذا يتحدد عدد المستندات التي ستقدم والمهل لتبادل اللوائح. بعد جلسة المرافعة التي يجب أن لا تتجاوز اليومين ، يجتمع الموظفان عضوا المحكمة للتفاوض وإذا طلب من الشخص الثالث الحيادي المشاركة في الاجتماع فإنه يعطي رأيه ولكنه يجب أن يبقى شفهياً … وتستمر المفاوضات بين عضوي المحكمة بغية الوصول إلى مصالحة ، ولكن هذه المفاوضات تبقى سرية لا يمكن كشفها إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى صلح وذهب الطرفان إلى المحكمة القضائية. وإذا كانت المفاوضات مشمولة بالسرية فإن المستندات والاثباتات واللوائح المقدمة خلال المحاكمة المصغرة ليست كذلك بل يمكن إعادة تقديمها إلى المحاكمة القضائية إذا فشل حل النزاع وسارت الامور إلى دعوى قضائية.
2-وساطة ميتشغان أو المطرقة المخملية:
أمام تراكم الدعاوى على محكمة ميتشغان وجدت هذه مخرجاً يخفف من الاعباء ويفتح باب وسيلة بديلة لحسم المنازعات عن طريق الوساطة، إذ وضعت محكمة ميتشغان ذاتها إجراءات يلزم أطراف أي نزاع بإتباعها قبل عرض النزاع على المحكمة.ووضعت المحكمة لائحة بعدد من الحقوقيين كوسطاء ، وقبل أن تبدأ إجراءات أي محاكمة يختار كل طرف وسيطاً من الاسماء الواردة على لائحة الوسطاء ويسمى الوسيطان وسيطاً ثالثاً من اللائحة. ويعين قاضي محكمة ميتشغان جلسة وساطة ويبلغها للطرفين وللوسطاء. وقبل عشرة أيام من الجلسة يقدم كل طرف لائحة مختصرة بإدعاءاته مدعمة بالحجج القانونية وسرد الوقائع كل ذلك بإختصار شديد.ويوم الجلسة يحق لمحامييي الطرفين أن يترافعا ولكن بإختصار، والجلسة يجب ألا تتعدى الساعة من الوقت. يقدم الوسطاء تقريرهم خلال الايام العشرة اللاحقة لجلسة المرافعة. وللطرفين مهلة 20 يومًا لقبوله أو رفضه، فإذا لم يجيبوا أعتبر ذلك موافقة وقبولآ. وإذا قبل قرار الوسطاء يصدر حكم من محكمة ميتشغان بتثبيته، وإذا رفض من أي من الطرفين تستأنف الدعوى سيرها العادي أمام المحكمة ويوضع قرار الوسطاء في مغلف يختم بالشمع الاحمر ولا يفتح إلا بعد صدور الحكم. عند صدور الحكم يفتح الملف المختوم بالشمع الاحمر ويقارن الحكم بقرار الوسطاء فإذا كان الحكم قد أعطى أكثر مما قرر الوسطاء بـ 10% فإن المدعى عليه هو الذي يتحمل نفقات ورسوم الدعوى، وإذا قررت المحكمة للمدعي أقل بـ 10% مما قرر الوسطاء يتحمل كل فريق نصيبه من النفقات القضائية.
3-الوسيط المحكم:
يقوم الوسيط الذي يختاره الطرفان أو يعينه مرجع بدور الوسيط فإذا فشل تابع طريقه كمحكم يفصل في النزاع. ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة لحسم المنازعات قد اعتمد مبدأ غير مقبول بوجه عام وهو أن يتولى الوسيط التحكيم فيما قام به من وساطة.
ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة قد أعطى الوسيط سلطة إلزامية توؤل إليه بمجرد فشل الوساطة إذ يتحول إلى محكم لفصل النزاع.
4-(إستئجار) قاض:
وتبدو التسمية غريبة ، ولكن هذا الشكل أخذ هذا الاسم في الولايات المتحدة وهو في الحقيقة تكليف قاض الفصل في النزاع.
وقد بدأ هذا النظام في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك الامريكيتين ، وبموجبه يتقدم الاطراف بطلب إلى المحكمة لتعيين محكم يكون عادة قاضياً متقاعداً ينظر بالنزاع بصورة غير رسمية ويصدر فيه حكماً تلتزم المحاكم بتنفيذه إذا وجدته مناسباً ، ولا يبدو أن هذا النظام قد طبق في أي بلد آخر غير الولايات المتحدة الامريكية ، كما أنه قد يتعارض مع كثير من النظم التشريعية وقواعد القضاء في العديد من الانظمة القانونية في العالم.
5-التحكيم وفقاً لآخر عرض:
هذه الوسيلة البديلة لحل النزاع ليست مبنية على الوساطة بل على التحكيم ، ولكن المحكمة التحكيمية ليست حرة في بحث النزاع بل هى مخيرة في تبني أي مطلب من مطالب طرفي النزاع كما هو بدون زيادة أو نقصان ، أي بدون زيادته أو تنقيصه.
والفكرة من هذه الطريقة هى إجبار الطرفين على تخفيض مطالبهما لأن طلباً مبالغاً فيه سيفضي لأن تتبنى المحكمة التحكيمية الطلب الآخر كما هو وترد الطلب المبالغ به.ولأن المحكمة التحكيمية لا تملك سوى حرية إختيار أحد الطلبين كما هو.
هذه فكرة عن أنواع الوسائل البديلة لحسم المنازعات ، ويمكن القول أن هذه الوسيلة البديلة لحل المنازعات عن طريق الوساطة التي إنتشرت في الولايات المتحدة أولآ ثم عمت اليابان وكندا وأستراليا وتتقدم في سويسرا تتميز في أنها توجد وسيطًا يحرك المفاوضات ويخلق مناخًا لتسوية حبية.
نظام التحكيم السعودي:
وقد يثور التساؤل حول موقع نظام التحكيم السعودي من بين أنواع التحكيم .
وبمراجعة نصوص هذا النظام ولوائحه التنفيذية يمكن الاجابة على هذا التساؤل:
فالمادة (1) من النظام تنص على أنه (يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم، كما يجوز الاتفاق مسبقًا على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين) . كما تنص المادة (5) على أن (يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلًا بنظر النزاع.. وأن يبين فيها موضوع النزاع وأسماء الخصوم وأسماء المحكمين.. إلخ) وتنص المادة (9) على أنه (يجب الحكم في النزاع في الميعاد المحدد في وثيقة التحكيم…).
- ومن هذه النصوص نستخلص الآتي:
1-أن التحكيم في النظام السعودي هو (تحكيم خاص) وليس (مؤسسي) لأنه لا يتم في إطار هيئة أو مؤسسة تحكيمية ولا يخضع لاجراءات أو قواعد لمثل تلك الهيئة أو المؤسسة ذلك أن أطراف النزاع هم الذين يضعون وثيقة التحكيم ويختارون المحكمين وحتى تحديد الميعاد الذي يجب أن يصدر فيه الحكم.
2- وهو – أي التحكيم – في النظام السعودي هو تحكيم (إختياري) وليس (إلزامي) ذلك أن أطراف النزاع وبمحض إرادتهم هم الذين يقررون اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع عوضاً عن اللجوء إلى المحاكم.
3- والتحكيم في النظام السعودي هو تحكيم (داخلي) لا (دولي) فهو يتم على الارض السعودية وتحت إشراف القضاء السعودي وتطبق عليه أحكام الشريعة الاسلامية ولهذا يشترط فيه أن يكون المحكم مسلمًا.
4- والتحكيم في النظام السعودي وبصفته نظاماً إختيارياً لا إلزامياً وخاصاً لا مؤسسيًا لا يحول دون حق أطراف النزاع في اللجوء إلى مراكز تحكيم إقليمية أو دولية.
رأي حول نظام التحكيم السعودي:
لعل من المسلم به أن نظام التحكيم كنوع من القضاء الخاص في الفصل في المنازعات يحقق مزايا عديدة ملموسة لاطراف النزاع، من هذه المزايا إحترام إرادة أطراف النزاع في إختيار الطريق التي يرونها مناسبة في الفصل في النزاع بالسرعة وبعيداً عن إجراءات التقاضي أمام المحاكم العادية ، وتفادي الطعون ضد الاحكام القضائية ، كما أن من شأن التحكيم أن يخفف العبء على كاهل القضاء العادي وإن ظل تحت رقابته.
ولكن مما لفت نظرنا ما ورد في المادتين (19،18) من نظام التحكيم. فالمادة (18) تجيز للخصوم تقديم إعتراضاتهم على ما يصدر من المحكمين إلى الجهة التي أودع لديها الحكم خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إبلاغهم بأحكام المحكمين وإلا أصبحت نهائية. وتنص المادة (19) أنه (إذا قدم الخصوم أو أحدهم إعتراضاً على حكم المحكمين خلال المدة المنصوص عليها في المادة السابقة (أي 19) تنظر الجهة المختصة أصلآ بنظر النزاع في الاعتراض وتقرر إما رفضه وتصدر الامر بتنفيذ الحكم أو قبول الاعتراض وتفصل فيه).
وهكذا ، فإن من حق الخصوم الاعتراض على حكم المحكمين الذين قاموا هم بإختيارهم وبموجب وثيقة التحكيم التي قاموا هم بإعدادها والاتفاق عليها معاً وربما ينص فيها على أن الحكم نهائي، ومع ذلك ينعقد للمحكمة المختصة أصلآ بنظر النزاع ، النظر في الاعتراض إذا قبلته ، وهو ما يعني أن عملية التحكيم تعدو لا جدوى لها وينتهي دوره كنوع من القضاء الخاص، ومن ثم يفقد نظام التحكيم المزايا المرجوة منه في فض المنازعات عوضاً عن اللجوء إلى المحاكم.
إذ قد يسيء أحد الخصوم إستعمال رخصته المقررة في المادة (18) بتقديم الاعتراض لمجرد أن قرار التحكيم لم يصدر لصالحه خصوصًا أن نظام التحكيم لم ينص على أسباب الاعتراض
وفي تقديرنا أن نصوص النظام تحتاج إلى إعادة نظر بما يؤدي إلى إحترام قرار التحكيم ووجوب تنفيذه بحيث يكون موازياً للاحكام القضائية تحقيقاً لمزايا هذا النظام. ولكن قبل أن أنهي موضوع التحكيم في المملكة العربية السعودية ، أود أن أشير إلى بعض الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي وقعتها السعودية ولها أهمية خاصة فيما يتعلق بالتحكيم في السعودية:
الاولى: إتفاقية نيويورك
وقد أصبحت نافذة المفعول إعتبارًا من عام 1958 ، هذه الاتفاقية جعلت من الحكم التحكيمي في يد الفريق الحائز عليه سندًا ثابتًا يعتد به. من هنا فإن مجرد تقديم الحكم التحكيمي مع العقد التحكيمي يشكل إثباتًا على وجود حكم (إلزامي) وينقل بعد ذلك عبء الاثبات المعاكس على المطلوب التنفيذ ضده، ولا يعود القاضي ملزمًا بإثارة ذلك من تلقاء نفسه. فصار الحكم التحكيمي مقبولآ حتى ثبوت العكس، وعبء هذا الاثبات هو على من صدر الحكم ضده والذي يجب ليوقف تنفيذ الحكم أن يأتي بالدليل على إثبات:
(أ) أن أطراف العقد التحكيمي كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الاهلية ، أو كان العقد التحكيمي غير صحيح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الاطراف.
(ب) خرق حقوق الدفاع.
(ج) أن يثبت أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في العقد التحكيمي أو تجاوز حدوده فيما قضى به.
(د) أن يثبت أن تشكيل المحكمة التحكيمية أو إجراءات التحكيم مخالف للعقد التحكيمي .
(هـ) يجب على المنفذ ضده ليوقف مفعول الحكم التحكيمي الدولي ويمنع الحائز عليه من تنفيذه أن يثبت أن الحكم التحكيمي لم يصبح بعد إلزاميًا، أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد الذي صدر هذا الحكم التحكيمي بموجب قانونه. وهكذا حصر مجال إبطال الحكم التحكيمي الدولي:
* في البلد الذي فيه أو بموجب قانونه صدر الحكم.
* في البلد الذي يطلب التنفيذ فيه.
وخارج هذين البلدين لم يعد بالامكان إبطال أو إلغاء أو وقف الحكم التحكيمي في أي بلد في العالم لتعطيل تنفيذه إلا في بلد تنفيذه بالطبع إذا كانت هناك أسباب تقبلها إتفاقية نيويورك. وبالتالي فإنه أصبح على محاكمنا تنفيذ الاحكام التحكيمية ما لم يثبت من صدر ضده الحكم أحد العوامل المذكورة أعلاه.
الثانية: إتفاقية الرياض للتعاون القضائي
وقعت في 6/4/1983، وهى إتفاقية إقليمية للتعاون القضائي، وأصبحت سارية المفعول في أكتوبر 1985. إن ميدان تطبيق هذه الاتفاقية واسع فهى تشمل تبادل المعلومات المتعلقة بالقوانين والدراسات النظرية والقرارات القضائية وتشجيع الزيارات والمؤتمرات وتبادل الاجهزة القضائية وضمان اللجوء إلى القضاء لمواطني دوله وتنفيذ العقوبات. وما يهمنا في إطار هذا التعاون هو الاعتراف بتنفيذ الاحكام والقرارات التحكيمية في المواد المدنية والتجارية والادارية والاحوال الشخصية.
(1) وتؤكد الاتفاقية على الصفة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة في دول متعاقدة ودون الاخذ في الاعتبار جنسية الذي صدرت لمصلحته ، فأصبح من الممكن أن ينفذ حكم صادر في القاهرة لمصلحة شخص بريطاني ويصبح قابلآ للتنفيذ في الاردن إنطلاقاً من كونه قد صدر من محكمة مصرية حتى لو كان الشخص الصادر لمصلحته ليس من جنسية الدولة المتعاقدة.
(2) لا يمكن للقاضي إعادة النظر في أساس النزاع ، فلا يكون أمامه إلا إحترامه بكليته أو رفضه في بعض الحالات المعينة وهى:
أ- إذا كان قانون الطرف المطلوب له الاعتراف أو تنفيذ الحكم لا يجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم.
ب- إذا كان الحكم صادراً تنفيذاً لشرط أو عقد تحكيم باطل أو لم يصبح نهائياً.
ج- إذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه.
د- إذا لم يعلن الخصوم على الوجه الصحيح.
هـ- إذا كان في حكم المحكمين ما يخالف الشريعة الاسلامية أو النظام العام أو الآداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ.
الثالثة: إتفاقية فض المنازعات التجارية في مركز التحكيم التجاري لدول الخليج
وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 102 في 20/4/1423هـ القاضي (بالموافقة على تطبيق قرار المجلس الاعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي الصادر في دورته الرابعة عشرة المنعقدة في الرياض خلال الفترة من 7-9 رجب 1414هـ المتضمن إقامة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وذلك حسب نظامه على أن لا يصدر الامر بتنفيذ الحكم بناءً على المادة (15) من نظام المركز إلا بعد التثبت من عدم وجود ما يمنع تنفيذه شرعًا). ونص المادة (15) هو التالي: ( يكون الحكم الصادر من هيئة التحكيم وفقاً لهذه الاجراءات ملزماً للطرفين ونهائياً وتكون له قوة النفاذ في الدول الاطراف بعد الامر بتنفيذه من الجهة القضائية المختصة).
وهذا ما حدا بأحد زملائنا المحامين إلى القول أن فض المنازعات التجارية عن طريق مركز التحكيم التجاري لدول الخليج العربية أفضل من التحكيم المحلي ، لأن الحكم في هذه الحالة يعرض فقط على الدائرة المختصة في ديوان المظالم لاصدار الامر بالتنفيذ بعد التثبت من عدم وجود ما يخالف أحكام الشريعة الاسلامية، بعكس أحكام التحكيم التي تصدر من هيئات تحكيم محلية فإنها تمر بإجراءات مطولة ويصبح التقاضي على ثلاث درجات مما يفقد التحكيم من مزية السرعة في الفصل في النزاع.
الرابعة: إتفاقية ضمان الاستثمار بين الدول العربية
حيث تنص المادة 34/1: يكون الحكم نهائيًا غير قابل للطعن .
وتنص المادة 34/2: يكون للحكم الذي تصدره المحكمة قوة النفاذ.
ومن هذه الاتفاقيات التي وافقت عليها السعودية، نرى أن أحكامها نهائية لا يجوز الطعن فيها وواجبة التنفيذ كما لو كانت حكمًا نهائيًا صادرًا عن قضائها المختص ، وإذا عدنا إلى ما ذكرناه وذكره بعض المختصين من زملائنا المحامين وأساتذة القانون في الجامعات من أن نظام التحكيم السعودي في حاجة إلى إعادة نظر ، فإنني أضم صوتي إلى أصواتهم وآمل أن يكون هذا الاجراء سريعاً لاعطاء نظام التحكيم فرصة للانطلاق ليكون عوناً للقضاء في إنهاء القضايا المتوقفة، ويكون مساعدًا لتحرير التجارة من طول مدة التقاضي . ولنا في جيراننا من دول الخليج أسوة حسنة، فقد إعتبرت سلطنة عمان قضاء التحكيم نهائي ومنعت الطعن فيه بالاستئناف أو إعادة النظر وإكتفت بالطعن فيه بالبطلان لأسباب معينة. وربما ساعدت هذه التعديلات على تشجيع الاستثمار ودفع معاملات التجارة للامام طالما يعلم المستثمر والتاجر أن أسباب التقاضي عن طريق التحكيم ميسرة ، وأنه يستطيع أن يعين محكمه بدون إعتراض ويحدد الاجراءات اللازمة (مع الطرف الآخر) لتيسير مهمة التحكيم. وأخـيرًا فإنه لن تكون هناك ثلاث درجات للتقاضي عن طريق التحكيم ، ويكفي لكي يبطل الحكم أن يدفع أحد الاطراف أمام هيئة عليا ببطلان الحكم بأحد الأسباب المعروفة سلفًا.
وبالله التوفيق.
المستشار القانوني
أحمد يوسف خلاوي
المراجع:
1
التحكيم الإختياري والإجباري 1978
الدكتور أحمد أبو الوفا
2
التوثيق والتحكيم التجاري في الغرف العربية والخليجية والدولية – الطبعة الاولى – ربيع الثاني 1406هـ
الامانة العامة لاتحاد الغرف العربية الخليجية
3
قوانين وأنظمة ولوائح التحكيم والتوفيق في دول مجلس التعاون الخليجي – الطبعة الاولى 1998
د/ محي الدين إسماعيل
4
التحكيم في الشريعة الاسلامية والنظم الوضعية 1414هـ (دراسة تحليلية)
سعد عواد حمدان الجهني
5
موسوعة التحكيم – الجزء الاول والثاني
د/ عبد الحميد الاحدب
6
إتفاقية الرياض للتعاون القضائي
مجلة التحكيم العربي/ الامانة العامة لمراكز التحكيم العربية العدد الرابع
7
إتفاقية نيويورك لعام 1958 وتنفيذ قرارات التحكيم الاجنبية
د/فوزي محمد سامي– مجلة التحكيم العربي/الأمانة العامة لمراكز التحكيم العربية–العدد الأول
8
فض المنازعات التجارية في مركز التحكيم التجاري لدول الخليج العربية – التحكيم التجاري الخليجي – العدد 24
الدكتور إبراهيم العيسى
9
التحكيم التجاري الدولي بوجه عام – إغسطس 1998
الدكتور فتحي والي
10
نظم التحكيم لغرفة التجارة الدولية I.C.C – دورة من منظور إسلامي ودولي – 20 – 22 – مايو 2003
المحامي زياد نديم حمادة
11
نظام التحكيم في محكمة لندن – دورة التحكيم من منظور إسلامي ودولي – 20 – 22 مايو 2003
المستشار القانوني يوسف طوبيا بقطر.
12
التحكيم أمام المركز الدولي لحسم منازعات الاستثمار ICSID – الحاشية مجلة التحكيم العربي – الجزء الرابع
د/ محمد أبو العينين مدير مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري والدولي.
13
بدائل التحكيم 1999 – الطبعة الثانية
Arther Marriott & Henery Brown
تعريف:
الاسم: أحمد يوسف خلاوي .
المهنة : مستشار قانوني
المؤهلات:
* ليسانس قانون من جامعة القاهرة عام 1964م.
* ماجستير في القانون الدولي– قوانين طيران وفضاء من جامعة مكجيل – منتريال – كندا عام 1971م.
* دبلوم العلوم الادارية من جامعة بيروت عام 1973م.
* عدة دورات في التحكيم في مركز القاهرة الاقليمي ومركز دول الخليج العربي في البحرين.
الوظائف السابقة:
* مساعد مدير عام الخطوط الجوية السعودية للشئون القانونية سابقاً.
* عضو مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية سابقاً.
* عضو اللجنة القانونية للأياتا (منظمة شركات الطيران الدولية) سابقاً.
* مكتب خاص للمحاماة والاستشارات القانونية إبتداءاً من عام 1404هـ.
اترك تعليقاً