عقوبة الإعدام في التشريع المصري
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
عقوبـــة الإعـــدام فى التشريع المصرى تأصيلاً وتحليلاً
دكتــور عمـاد الفقــى المحامى
المقدمــة
التعريف بالموضوع:
تعد عقوبة الإعدام من أبرز العقوبات التى أثارت حولها جدلاً حاداً منذ زمن بعيد، وبالتحديد منذ القرن الثامن عشر، ولا يزال الجدل مثاراً حتى وقتنا الحالى حول قيمتها العقابية، وشرعيتها كصورة لرد الفعل الاجتماعى إزاء الجانى.
ولا غرابة فى ذلك فعقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التى عرفتها البشرية، وأشدها جسامة على الإطلاق؛ إذ تؤدى إلى إزهاق روح المحكوم عليه بها. وهى بذلك تعتدى على حق أساسى وأصيل من حقوق الإنسان وهو “الحق فى الحياة” الذى يعد من أهم وأقدس الحقوق الإنسانية.
فجوهر هذه العقوبة –إذن- هو استئصال المحكوم عليه بها من المجتمع بإزهاق روحه.
وقد كانت عقوبة الإعدام شائعة التطبيق فى الشرائع القديمة لا سيما فى العصور التى سادت فيها فكرة الانتقام الدينى، كما كانت تنفذ بطريقة وحشية، وقاسية مصحوبة بصور بشعة من وسائل التعذيب يقشعر منها البدن.
وقد عرفت مصر هذه العقوبة منذ مهد التاريخ، وطبقتها فى جميع عصورها؛ بداية من العصر الفرعونى وحتى العصر الحديث، بيد أن “ديودر الصقلى” قد روى لنا أن عقوبة الإعدام قد استبدلت –فى العصر الفرعونى- بعقوبة النفى فى عهد الملك “اكتيزا نيه” أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين؛ إذ أمر بجمع المحكوم عليهم بالإعدام، وجدع أنوفهم ثم نفيهم إلى منطقة نائية بالصحراء الشرقية حيث أقيمت لهم مدينة ليسكنوا فيها([1]).
ثم يأتى ملك ثان من ملوك الأسرة ذاتها وهو الملك “ساكابوس” ويصدر أمراً صريحاً بإلغاء عقوبة الإعدام، وجعل بدلاً منها عقوبة “الأشغال الشاقة”([2]).
وبذلك تمكن الأول من إنشاء مدينة بأكملها، وتمكن الثانى من إنشاء مصارف وأنفاق متعددة؛ ولكن سرعان ما أعيد تطبيق عقوبة الإعدام مرة أخرى، وظلت مقررة حتى نهاية العصر الفرعونى([3]).
الموقف الدولى من عقوبة الإعدام:
حظيت عقوبة الإعدام باهتمام بالغ من المجتمع الدولى، والمتابع للموقف الدولى من عقوبة الإعدام يجد أنه يميل، ويتجه نحو إلغاء هذه العقوبة. ويتجسد هذا الموقف فى صورة معاهدات، أو اتفاقات دولية أو إقليمية ترمى إلى إلغاء عقوبة الإعدام فى الدول الأطراف.
فالملاحظ أن الدول التى ألغت عقوبة الإعدام فى تزايد مستمر؛ فوفقاً لما رصدته منظمة العفو الدولية فإن 89 دولة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، وأن عشر دول ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم عدا الجرائم العسكرية، ويمكن اعتبار أن 30 دولة قد ألغت عقوبة الإعدام من الناحية العملية؛ إذ توجد هذه العقوبة فى تشريعاتها العقابية، وتصدر أحكام قضائية بها؛ ولكن هذه العقوبة لا تنفذ فى الواقع العملى؛ مما يرفع مجموع الدول التى ألغت عقوبة الإعدام فى القانون والواقع العملى إلى 129 دولة.
وقد ألغت أكثر من 40 دولة عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم منذ عام 1990. وهى تشمل دولاً فى أفريقيا، مثل السنغال والكوت ديفوار، وفى الأمريكتين مثل كندا والبراجوى، وفى آسيا ومنطقة المحيط الهادى مثل بوتان وساموا، وتركمنستان، وفى أوربا وجنوب القوقاز مثل أرمينيا والبوسنة والهرسك وقبرص واليونان وصربيا والجبل الأسود وتركيا([4]).
نصت المادة السادسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أن:
1- لكل إنسان الحق الطبيعى فى الحياة، ويحمى القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أى فرد من حياته بشكل تعسفى.
2- فى البلاد التى لم تلغ فيها عقوبة الإعدام بعد، يجوز تنفيذ هذا الحكم بالنسبة لأكثر الجرائم خطورة فقط؛ وذلك طبقاً لأحكام القانون المعمول به فى وقت ارتكاب الجريمة، وليس خلافاً لنصوص هذا العهد والاتفاق الخاص بالحماية من جريمة إبادة الجنس البشرى والعقاب عليها، ولا يجوز تنفيذ هذه العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائى صادر من محكمة مختصة.
3- إذا كان الحرمان من الحياة يشكل جريمة إبادة الجنس؛ فإنه ليس فى نص هذه المادة ما يخول أية دولة طرف فى العهد الحالى التحلل بأى حال من الأحوال من أى التزام تفرضه نصوص الاتفاق الخاص بالحماية من جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها.
4- لكل من صدر عليه حكم بالإعدام الحق فى طلب العفو أو تخفيض الحكم، ويجوز منح العفو، أو تخفيض حكم الإعدام فى جميع الأحوال.
5- لا تصدر أحكام الإعدام على مرتكبى الجرائم ممن تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً، كما لا يجوز تنفيذه على المرأة الحامل.
6- لا تنص هذه المادة على ما يمكن لأية دولة من الدول الأطراف فى هذا العهد أن تستند إليه لتأجيل إلغاء عقوبة الإعدام أو الحيلولة دون ذلك الإلغاء.
وفى نوفمبر عام 1968 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يحدد بعض الضمانات القانونية الواجب توافرها عند تطبيق عقوبة الإعدام. فقد دعا هذا القرار حكومات الدول التى لم تلغ عقوبة الإعدام إلى كفالة الضمانات الآتية:
1- “عدم حرمان أى محكوم عليه بعقوبة الإعدام من حق الطعن فى الحكم لدى سلطة قضائية أعلى، أو من طلب العفو، أو إبدال العقوبة حسب الأحوال.
2- عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد استنفاد طرق الطعن، أو استنفاذ إجراءات العفو، أو إبدال العقوبة حسب الحال.
3- إبداء اهتمام خاص للأشخاص المعوزين بتقديم المساعدة القضائية إليهم فى جميع مراحل الدعوى”.
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 20 ديسمبر 1971 قراراً يؤكد أن: “الهدف الذى يجب السعى إليه من أجل الكفالة التامة للحق فى الحياة المنصوص عليه فى المادة (3) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، هو التضييق التدريجى لعدد الجرائم التى تجوز المعاقبة عليها بعقوبة الإعدام، على اعتبار أن الشئ المستصوب فى نهاية المطاف هو إلغاء هذه العقوبة فى جميع الدول”.
وفى عام 1989 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 44/128 فى 15 ديسمبر 1989 البروتوكول الاختيارى الثانى الملحق بالعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، ودخل حيز النفاذ فى 11 يوليو 1991، وصدقت عليه 54 دولة،؛ ووقعت عليه ثمانى دول أخرى معبرة عن رغبتها فى أن تصبح أطرافاً فى هذا البروتوكول فى المستقبل.
وقد نصت المادة الأولى منه على أن:
1- لا يعدم أى شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف فى هذا البروتوكول.
2- تتخذ كل دولة طرف جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية.
وقد نصت المادة الثانية فى فقرتها الأولى من هذا البروتوكول على أن: “لا يسمح بأى تحفظ على هذا البروتوكول إلا بالنسبة لتحفظ يكون قد أعلن عند التصديق أو الانضمام إليه، وينص على تطبيق عقوبة الإعدام فى وقت الحرب طبقاً لإدانة فى جريمة بالغة الخطورة تكون ذات طبيعة عسكرية ترتكب وقت الحرب”.
وعلى المستوى الإقليمى:
الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان:
وقد نصت المادة الثانية من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية- روما فى 4 نوفمبر 1950 على أن:
“يحمى القانون حق كل إنسان فى الحياة. ولا يجوز إعدام أى شخص عمداً إلا تنفيذاً لحكم بالإعدام تصدره محكمة ما فى حالة ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون بتلك العقوبة”.
الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان:
وقد تضمنت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان – سان خوسيه فى 22/11/1969- فى مادتها الرابعة الحق فى الحياة – النص على الآتى:
1- لكل إنسان الحق فى أن تكون حياته محترمة، هذا الحق يحميه القانون، وبشكل عام، منذ لحظة الحمل، ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية.
2- لا يجوز فى البلدان التى لم تلغ عقوبة الإعدام أن توقع هذه العقوبة إلا على أشد الجرائم خطورة، وبموجب حكم نهائى صادر من محكمة مختصة، ووفقاً لقانون ينص على تلك العقوبة، ويكون نافذاً قبل ارتكاب الجريمة. وكذلك لا يجوز تطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم التى لا يعاقب عليها به حالياً.
3- لا يجوز إعادة عقوبة الإعدام فى الدول التى ألغتها.
4- لا يجوز فى أى من الأحوال أن يحكم بالإعدام فى الجرائم السياسية، أو الجرائم العادية الملحقة بها.
5- لا يجوز أن يحكم بالإعدام على الأشخاص الذين كانوا وقت ارتكاب الجريمة دون الثمانية عشر عاماً، أو فوق السبعين عاماً، وكذلك لا يجوز تطبيق هذه العقوبة على النساء الحوامل.
6- لكل شخص محكوم عليه بالإعدام حق طلب العفو العام أو الخاص، أو إبدال العقوبة، ويمكن تلبية كل هذه الطلبات فى جميع الحالات. ولا يجوز تنفيذ حكم بالإعدام مادام هذا الطلب قيد الدرس من قبل السلطة المختصة.
الميثاق العربى لحقوق الإنسان([5]):
وقد تضمنت المادة الخامسة من الميثاق العربى لحقوق الإنسان الذى اعتمد، ونشر على الملأ بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية 5427 المؤرخ فى 15 سبتمبر 1997 النص على الحق فى الحياة بقولها “لكل فرد الحق فى الحياة، وفى الحرية، وفى سلامة شخصه، ويحمى القانون هذه الحقوق”، كما نصت المادة العاشرة منه على أن: “لا تكون عقوبة الإعدام إلا فى الجنايات البالغة الخطورة، ولكل محكوم عليه بالإعدام الحق فى طلب العفو، أو تخفيض العقوبة”.
ونصت المادة الحادية عشرة على أن: “لا يجوز فى جميع الأحوال الحكم بعقوبة الإعدام فى جريمة سياسية”.
ونصت المادة الثانية عشرة على أن: “لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام فيمن يقل عمره عن ثمانية عشر عاماً، أو فى امرأة حامل حتى تضع حملها، أو على أم مرضع إلا بعد انقضاء عامين على تاريخ الولادة”.
وقد ظهر فى الآونة الأخيرة مجموعة من البرتوكولات الإقليمية تلزم الدول بموجبها بإلغاء عقوبة الإعدام ومنها:
1- البروتوكول رقم (6) للاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، الصادر فى 28 أبريل 1983، والذى بدأ العمل به فى أول مارس 1985.
وتنص المادة الأولى منه على أن: “تلغى عقوبة الإعدام، ولا يجوز الحكم بهذه العقوبة على أى شخص أو تنفيذها فيه”.
وقد أجازت المادة الثانية من هذا البروتوكول للدولة أن تقرر عقوبة الإعدام فى وقت الحرب أو التهديد بها. فنصت على أنه: “يجوز للدولة أن تضع فى قانونها أحكاماً لعقوبة الإعدام فيما يتعلق بالأعمال التى ترتكب وقت الحرب، أو التهديد الوشيك بالحرب. وتطبق هذه العقوبة فقط فى الحالات المنصوص عليها فى القانون وطبقاً للأحكام. ويجب أن تقوم الدولة بإخطار سكرتير عام مجلس أوربا بالأحكام المعنية فى هذا الشأن”.
بيد أن البروتوكول رقم (13) قد تضمن إلغاء عقوبة الإعدام كلية وفى جميع الظروف والأوقات سواء فى وقت السلم أو الحرب.
2- ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربى:
تضمنت المادة الثانية من هذا الميثاق الذى بدأ العمل به فى 17 ديسمبر عام 2000 النص على أن:
“1- كل شخص له الحق فى الحياة.
2- لا يحكم على أى شخص بعقوبة الإعدام أو يتم إعدامه.
3- البروتوكول الخاص بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام عام 1990. الذى صدقت عليه ثمانى دول، ووقعت عليه دولة واحدة.
وقد نصت المادة الأولى منه على أن “لا تطبق الدول أطراف هذا البروتوكول عقوبة الإعدام فى أراضيها على أى شخص يخضع لولايتها القضائية”.
أهمية الموضوع:
لدراسة عقوبة الإعدام فى التشريع المصرى أهمية بالغة سواء أكان ذلك من الناحية النظرية، أم من الناحية العملية الواقعية.
فمن الناحية النظرية: تثير عقوبة الإعدام موضوعات دقيقة ومتنوعة بعضها من طبيعة قانونية مثل تلك التى تتعلق بتحديد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وبدائل هذه العقوبة، وكيفية تنفيذها وضمانات الحكم بها. والبعض الآخر من طبيعة عقابية فلسفية مثل تلك التى تتعلق بالقيمة العقابية لعقوبة الإعدام، وملاءمة الإبقاء عليها أو إلغائها.
ومن الناحية العملية: فالملاحظ –وفقا- لما رصدته منظمة العفو الدولية- أن مصر تشهد تزايداً ملحوظاً فى استخدام عقوبة الإعدام على مدار العقد الماضى؛ فقد سجلت هذه المنظمة خلال الفترة من عام 1981 إلى عام 1990 صدور 179 حكماً بالإعدام، فضلاً على إعدام 35 شخصاً .
أما فى الفترة من 1991 إلى 2000 فقد سجلت المنظمة صدور ما لا يقل عن 530 حكماً بالإعدام، فضلاً على إعدام 213 شخصاً.
ففى عام 1999 وحده صدرت أحكام بالإعدام فى مصر ضد ما لا يقل عن 108 أشخاص. من بينهم 12 امرأة، وعلى مدار السنوات الخمس الماضية (1996 – 2001) صدرت أحكام بالإعدام ضد ما لا يقل عن 382 شخصاً؛ أى بمعدل 76 حكماً كل عام. وخلال الفترة ذاتها تم إعدام ما لا يقل عن 114 شخصاً.
خطة البحث:
أثارت عقوبة الإعدام جدلاً واسع النطاق، وانقسم الرأى بشأنها إلى اتجاهين الأول: يؤيد الإبقاء على هذه العقوبة. والثانى: يؤيد إلغاءها.
ويقرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب مجموعة من الجرائم التى رأى فيها من الخطورة والجسامة ما يستأهل هذا الجزاء.
فقد نص المشرع على عقوبة الإعدام فى قانون العقوبات العام، وكذا بعض القوانين الجنائية؛ الخاصة؛ مثل قانون مكافحة المخدرات، وقانون الأحكام العسكرية، وقانون الأسلحة والذخائر.
وقد أحاط المشرع الإجرائى عقوبة الإعدام بعدد من الضمانات الإجرائية الخاصة؛ بعضها يتعلق بالحكم الصادر بالإعدام، والبعض الآخر يتعلق بتنفيذ العقوبة.
وعلى هدى ما تقدم فقد رأينا أن نوزع هذه الدراسة على ثلاثة مباحث مختصرة.
فنتناول فى أولها: الآراء المؤيدة والمعارضة لعقوبة الإعدام، وموقف الفقه المصرى من هذه العقوبة، وذلك تحت عنوان: عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء.
ونشير فى ثانيها إلى الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى التشريع المصرى.
ونعرض فى ثالثها للضمانات الإجرائية لعقوبة الإعدام. ثم نختتم هذه الدراسة بعرض لما استخلصناه من نتائج ومقترحات من خلال تقييم موقف المشرع المصرى من عقوبة الإعدام.
المبحث الأول
عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء
تمهيد وتقسيم:
لم تكن عقوبة الإعدام مثاراً للجدل فى التشريعات القديمة، فقد سلم بها الفقهاء دون محاولة لتبريرها، كما كان الحكام والمشرعون يأخذون بها دون أن يواجهوا بمقاومة تذكر من المفكرين والفلاسفة.
أما فى العصر الحديث، وعلى وجه التحديد منذ أواخر القرن الثامن عشر، ثار الجدل حول مدى جدوى عقوبة الإعدام، وشرعيتها كصورة من صور رد الفعل الاجتماعى إزاء الجريمة. فقد تميز القرن الثامن عشر بالأفكار الفلسفية التى هاجمت النظم الجنائية السائدة، لاحظ الدراسات والأبحاث حول الأسباب الاجتماعية والأنثروبولوجية للجريمة.
وقد أثار النظام العقابى الذى كان سائداً فى القرن السادس عشر والسابع عشر، وجزء كبير من القرن الثامن عشر، وما تميز به من غياب لمبدأ الشرعية، وقسوة العقوبات، وغلبة تطبيق عقوبة الإعدام، وتنفيذها بطريقة وحشية يقشعر منها البدن إلى إثارة أقلام الفلاسفة والمفكرين فقاموا بحملة ضارية ينكرون فيها قسوة العقوبات التى لا مبرر لها. وأنكروا التعذيب المصاحب لتنفيذها من أمثلة هؤلاء “مونتيسكيو”، و”جان جاك روسو” و”فولتير” و”بكاريا”.
وعلى ضوء العوامل السابقة بدأ الفلاسفة والمفكرون يسألون عما إذا كانت هناك حاجة للإبقاء على عقوبة الإعدام أم لا. ومن ثم فقد لاح فى الأفق تياران: أحدهما يؤيد الإبقاء على عقوبة الإعدام، والآخر يطالب بإلغائها، ولكل فريق منهما حججه وأسانيده.
وعليه فسوف ندرس –بإيجاز- الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام فى مطلب أول، والاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام فى مطلب ثان.
بيد أنه من الأهمية بمكان أن نعرف موقف الفقه المصرى من عقوبة الإعدام؛ ليس فقط لمعرفة آراء الفقهاء المصريين بشأن هذه العقوبة، وإنما أيضاً لما لهذه الآراء من أثر بالغ وعظيم فى تكوين الثقافة القانونية لأجيال عديدة من طلاب كليات الحقوق الذين سيعملون –مستقبلاً- فى المجالات القانونية المختلفة.
لذا فقد رأينا أن نخصص مطلباً ثالثاً نعرض فيه لموقف الفقه المصرى من عقوبة الإعدام.
المطلب الأول : الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام
يؤيد فريق من الشراح الإبقاء على عقوبة الإعدام، ففى اليونان القديمة اعتبر أرسطو المجرمين أعداء يجب ضربهم بقسوة، كما يضرب الحيوان الشرس. ولذا فقد أيد العقوبات القاسية كالإعدام؛ لإعادة التوازن إلى المجتمع الذى أخلت به الجريمة. وفى العصور الوسطى اعتنق “توماس أكوين” فكرة التخلص من العضو المريض فى المجتمع فى سبيل الإبقاء على العضو السليم، ولذلك اعتبر عقوبة الإعدام أداة لا يمكن الاستغناء عنها لحماية الصالح العام([6]).
أما فى العصر الحديث فقد أيد فريق من الشراح الإبقاء على عقوبة الإعدام، ومن أبرز هؤلاء الفيلسوف “جان جاك روسو” الذى دافع عن مشروعية عقوبة الإعدام بنظرية العقد الاجتماعى قائلاً: “إنه حتى لا يكون الإنسان ضحية لأحد القتلة قبل مقدماً أن يعدم إذا أصبح هو نفسه القاتل”([7]).
وقد حبذ “بكاريا” عقوبة الإعدام فى كتابه الأشهر “الجرائم والعقوبات” فى ظروف الفتنة والاضطرابات السياسية التى تتطلب العنف والشدة لإقرار النظام والأمن، أما فى الظروف العادية فيجب أن توقع عقوبة أخرى غير عقوبة الإعدام.
وقد أيد “لومبروز” عقوبة الإعدام بالنسبة للمجرم بطبيعته؛ لأنه ولد مجرماً، أما “جارو فالو” فيرى أن عقوبة الإعدام ليست قاسية، ونادى بالإبقاء عليها كوسيلة استئصال للمجرمين الخطرين لحماية المجتمع.
ومن أهم الحجج التى يستند عليها المؤيدون:
أن عقوبة الإعدام تعد أنسب العقوبات للمجرمين الخطرين الذين لا يجدى معهم سوى الاستئصال، وأنها تحقق الردع العام، أو التخويف الجماعى بما تحمله من التهديد بإزهاق روح الجانى، وأنها تحقق الوظيفة الأخلاقية للعقوبة؛ باعتبارها شراً يتكافأ مع شر الجريمة، وأن العقوبة التالية لها فى الشدة وهى السجن المؤبد لا تصلح كبديل لها، وأنها قليلة التكلفة، وأنها ترضى المشاعر العامة، والشعور بالعدالة، وتحد من الانتقام والثأر([8]).
المطلب الثانى : الاتجاه المعارض لعقوبة الإعدام
يكتسب –دوما- المؤيدون لإلغاء عقوبة الإعدام أنصاراً جدداً، وأرضاً جديدة، فالمشاهد أن الدول التى ألغت عقوبة الإعدام فى ازدياد مستمر.
ومن أبرز معارضى عقوبة الإعدام “كرار” و”بسينا” و”فيرى” و”لونج” و”دى مارسيكو.
ومن أهم الحجج التى يستند عليها المعارضون لعقوبة الإعدام:
إن عقوبة الإعدام ليست من حق المجتمع، فالمجتمع لم يهب الحياة للإنسان حتى يكون من حقه أن يسلبها منه. وإن عقوبة الإعدام تتسم بالطابع الوحشى، وبالغة القسوة، وتتنافى مع الإنسانية، وينبغى أن يعدل عنها مع التقدم الحديث مراعاة لشعور الناس فى الجماعة؛ ذلك أنها تمثل نوعاً من الانتقام الذى يجب على الجماعة أن تنأى عنه. وإن عقوبة الإعدام فى كثير من الجرائم التى تقرر من أجلها لا تتناسب مع خطورتها، بل إن الجريمة فى طبيعتها قد لا تصل أهميتها إلى درجة إزهاق روح مرتكبها. وأن أخطر ما فى عقوبة الإعدام أنه إذا شاب توقيعها خطأ فلن يتيسر إصلاحه أبداً خلافاً للعقوبات الأخرى. وأخيراً فإن أثر عقوبة الإعدام فى تحقيق الردع العام محل شك كبير؛ لأن الدول التى ألغت عقوبة الإعدام لم يحدث فيها أن زادت نسبة الجرائم التى كان معاقباً عليها بالإعدام([9]).
المطلب الثالث : موقف الفقه المصرى من عقوبة الإعدام
المتابع لآراء الفقه المصرى بشأن عقوبة الإعدام، سيكتشف أن الفقهاء المصريين يجمعون –فيما أعلم- على تأييد الإبقاء على عقوبة الإعدام، وأن هذا التأييد ليس مطلقاً، وإنما مقيد بحصر نطاق تطبيقها على الجرائم الجسيمة، أو الخطيرة، وإحاطة هذه العقوبة بسياج من الضوابط الإجرائية التى تكفل صحة ونزاهة الحكم الصادر بالإعدام.
ولن يسمح المجال بعرض جميع آراء الفقهاء فى هذا الصدد، وإنما نعرض لنماذج لها على النحو الآتى:
يذهب الأستاذ الدكتور المرحوم محمود نجيب حسنى إلى القول بـ ([10])، “ونحن نخلص بعد فحص لحجج المناهضين لعقوبة الإعدام إلى أنه ما من حجة منها تصلح للحيلولة بين المجتمع وبين أن يستعين بهذه العقوبة لتحقيق مصلحته فى مكافحة فعالة جازمة للإجرام، بل إننا نرى أن إلغاء عقوبة الإعدام يمثل خللاً فى السياسة الجنائية من شأنه النزول اختياراً عن سلاح فعال فى مكافحة أشد الجرائم خطورة، ومواجهة أشد المجرمين ضراوة”.
ثم يستطرد الفقيه الكبير قائلاً: “ولكن تأييدنا لعقوبة الإعدام لا يحول بيننا وبين المطالبة بأن يكون لها النطاق المعتدل: فطبيعتها كعقوبة استئصال على وجه لا رجعة فيه تملى انحصار نطاقها على أشد الجرائم جسامة، ونرى أن الجرائم التى تستوجبها هى جرائم الاعتداء على الحياة فحسب، أما جرائم الاعتداء على أمن الدولة فكيفى فيها عقوبات أقل جسامة، بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يجوز للقاضى أن ينطق بعقوبة الإعدام لمجرد ارتكاب المتهم جريمة معاقباً عليها بها، وإنما عليه أن يتحقق من الخطورة البالغة لشخصيته على المجتمع ويقرر انقطاع الأمل فى إصلاحه، والاحتمال الكبير فى أن يعود إلى مثل جريمته إن لم يستأصل من المجتمع، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عليه أن يستوثق بصفة خاصة من قوة أدلة الإدانة، ومن أن احتمال ظهور براءته يكاد يكون مستبعداً، فإن لم يتوافر ذلك كله فإن على القاضى أن يتذرع بالظروف المخففة لتفادى النطق بها، ويجب لرئيس الدولة أن يجعل من سلطته فى العفو وسيلة لتفادى تنفيذ الإعدام فى غير الحالات التى تقتضيها -على وجه اليقين- مصلحة المجتمع.
ويرى أستاذنا الدكتور محمود كبيش([11]) “ضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام مع قصرها على أخطر الجرائم، وألا يحكم بها إلا بواسطة جهة قضاء عادية يتوافر أمامها جميع الضمانات”.
ويرى الأستاذ الدكتور([12]): محمد عيد الغريب أن “عقوبة الإعدام ضرورة اجتماعية، لا يمكن أن تحل محلها أى عقوبة سالبة للحرية، وقد أقرتها الشريعة الإسلامية الغراء فقد أوجبت القصاص فى القتل العمد”.
ويذهب الأستاذان الدكتوران على عبد القادر القهوجى، وعبد الله الشاذلى إلى القول بـ “وليس من المقبول المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام فى مصر؛ إذ هى مقررة فى الشريعة الإسلامية التى تعد المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر؛ ومن ثم فإن إلغاءها يخالف الشريعة الإسلامية… فيما يتعلق بالجرائم ذات العقوبات المقررة شرعاً وأهمها القتل، ويخالف فى الوقت ذاته دستور البلاد.
المبحث الثانى : الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى التشريع المصرى
تقسيم:
قرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام لعدد من الجرائم التى رأى أنها تنطوى على قدر بالغ من الخطورة والجسامة، وقد استخدم المشرع هذه العقوبة فى أربعة قوانين فى مصر وهى:
1- قانون العقوبات.
2- قانون مكافحة المخدرات.
3- قانون الأحكام العسكرية.
4- قانون الأسلحة والذخائر.
وفيما يلى سوف نشير إلى الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى القوانين السابقة، وذلك من خلال تخصيص أربعة مطالب لكل منها.
المطلب الأول : الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى قانون العقوبات
يقرر المشرع المصرى فى قانون العقوبات عقوبة الإعدام لطائفة من الجرائم، ومن هذه الجرائم ما يقع ماساً بأمن الدولة من جهة الخارج (المواد 77 وما بعدها من قانون العقوبات)، ومنها ما يقع ماساً بأمن الدولة من جهة الداخل (المواد 86 وما بعدها عقوبات) ومنها ما يقع ماساً بالأفراد.
وتجدر الإشارة إلى أن البعض يضيف إلى طائفة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى قانون العقوبات جريمة تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف، إذا أدى التعذيب إلى الوفاة المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات([13]).
ولا شك أن هذا الذى ذهبوا إليه تأويل خاطئ لنص المادة 126/2 من قانون العقوبات التى تنص على أنه “وإذا مات المجنى عليه (المتهم) يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً”. حيث إن الجانى فى هذه الجريمة لم تنصرف إرادته، أو لم ينصرف قصده إلى إزهاق روح المجنى عليه، وإنما فقط إلى المساس بسلامة جسده. وأن الوفاة فى هذه الحالة نتيجة متعدية لقصد الجانى؛ وعليه فإن التأويل الصحيح لنص الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات معناه أن المشرع أراد الإحالة إلى نص المادة 234 من قانون العقوبات، والتى تنص على أنه “من قتل نفساً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو السجن المشدد”([14]).
أولاً: جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج المعاقب عليها بالإعدام:
يعاقب المشرع المصرى على عدد من جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج وهى كالآتى:
1- جريمة العمل على المساس باستقلال البلاد، أو وحدتها، أو سلامة أراضيها (مادة 77 عقوبات).
2- جريمة الالتحاق بقوات دولة فى حالة حرب مع مصر (مادة 77 “أ” عقوبات).
3- جريمة السعى أو التخابر لاستعداء دولة أجنبية على مصر (مادة 77″ب” عقوبات).
4- جريمة السعى أو التخابر مع دولة معادية لمصر لمعاونتها فى عملياتها الحربية (مادة 77″جـ” عقوبات).
5- جريمة التدخل لمصلحة العدو لزعزعة إخلاص القوات المسلحة، أو إضعاف روحها أو روح الشعب المعنوية أو قوة المقاومة عنده (مادة 78 “أ” عقوبات).
6- جريمة تحريض الجند على الانخراط فى خدمة دولة معادية (مادة 78 “ب” عقوبات).
7- جريمة تسهيل دخول العدو فى البلاد (مادة 78 “جـ” عقوبات).
8- جريمة الإتلاف أو التعييب أو التعطيل المتعمد لوسائل الدفاع (مادة 78 “هـ” عقوبات).
9- جريمة تسليم أسرار الدفاع لدولة أجنبية، أو التوصل إليها بقصد إفشائها أو إتلافها لمصلحتها (مادة 80 عقوبات).
10- جريمة الإخلال المتعمد بعقد توريد أو أشغال ارتبط به مع الحكومة لحاجات القوات المسلحة (مادة 81 عقوبات).
11- جريمة الاتفاق الجنائى، أو التحريض على الاتفاق على جرائم محددة من جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجى (مادة 82 “ب” عقوبات).
12- الإعدام كجزاء لارتكاب أية جريمة مما نص عليه فى الباب الثانى من الكتاب الثانى لقانون العقوبات إذا وقعت بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو إذا وقعت فى زمن الحرب بقصد إعانة العدو، أو الإضرار بالعمليات الحربية، وكان من شأنها تحقيق الغرض المذكور. وكذلك الجنايات والجنح المنصوص عليها فى الباب الأول متى كان قصد الجانى منها إعانة العدو أو الإضرار بالعمليات الحربية للقوات المسلحة، وكان من شأنها تحقيق الغرض المذكور(مادة 83 “أ” عقوبات).
ثانياً: جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الداخل المعاقب عليها بالإعدام:
1- جريمة تكوين تنظيمات غير مشروعة يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين، أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن، أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التى كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى… متى كان الإرهاب من الوسائل التى تستخدم فى تحقيق أو تنفيذ الأغراض التى تدعو إليها المنظمة غير المشروعة (مادة 86 مكرراً “أ” عقوبات).
2- جريمة إجبار إنسان على الانضمام إلى منظمة غير مشروعة، أو منعه من الانفصال عنها التى يترتب عليها موت المجنى عليه (مادة 86 مكرراً “ب” عقوبات).
3- جريمة السعى، أو التخابر للقيام بأعمال إرهابية ضد مصر (مادة 86 مكرراً “جـ” عقوبات).
4- جريمة تأليف عصابة مسلحة، أو تولى زعامة أو قيادة فيها لمحاولة قلب نظام الدولة بالقوة (مادة 87 عقوبات).
5- جريمة القبض على إنسان دون وجه حق؛ بغية التأثير على السلطات العامة إذا نجم عنها موت إنسان (مادة 88 مكرراً عقوبات).
6- جريمة التصدى على أحد القائمين على تنفيذ أحكام الباب الأول من الباب الثانى لقانون العقوبات إذا نجم عنها موت المجنى عليه (مادة 88 مكرراً “أ” عقوبات).
7- جريمة تأليف عصابة هاجمت طائفة من السكان، أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة فى تنفيذ القوانين (مادة 89 عقوبات).
8- جريمة التخريب المتعمد للمبانى والأملاك العامة إذا نجم عنها موت شخص كان موجوداً فى تلك الأماكن (مادة 90 عقوبات).
9- جريمة محاولة احتلال المبانى والأملاك العامة بالقوة إذا وقعت من عصابة مسلحة (مادة 90 مكرراً عقوبات).
10- جريمة قيادة فرقة أو قسم من الجيش أو قسم من الأسطول أو سفينة حربية أو طائرة حربية أو نقطة عسكرية أو ميناء أو مدينة بغير تكليف من الحكومة أو بغير سبب مشروع (مادة 91 عقوبات).
11- جريمة طلب من له حق الأمر من أفراد القوات المسلحة أو البوليس تعطيل أوامر الحكومة لغرض إجرامى (مادة 92 عقوبات).
12- جريمة رئاسة عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضى والأموال (مادة 93 عقوبات).
13- جريمة استعمال مفرقعات بنية ارتكاب جرائم معينة (مادة 102 “ب” عقوبات).
14- جريمة استعمال مفرقعات ينتج عنها موت شخص أو أكثر (مادة 102 “جـ” عقوبات).
ثالثاً: جرائم الاعتداء على آحاد الناس المعاقب عليها بالإعدام:
1- جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد (مادة 230 عقوبات).
2- جريمة القتل العمد باستعمال السم (مادة 33 عقوبات).
3- جريمة القتل العمد المقترن بجناية أو المرتبط بجناية أو جنحة (مادة 234 عقوبات).
4- جريمة قتل جريح الحرب (مادة 251 عقوبات).
5- جريمة تعريض وسائل النقل للخطر إذا نشأ عنها موت إنسان (مادة 167 عقوبات).
6- جريمة الحريق العمد إذا نشأ عنه موت إنسان (مادة 257 عقوبات).
7- جريمة خطف الأنثى المقترن بمواقعتها بغير رضائها (مادة 290 عقوبات).
8- جريمة الشهادة الزور إذا ترتب عليها إعدام إنسان (مادة 294 عقوبات).
9- جريمة البلطجة المقترنة بالقتل العمد (مادة 35 مكرراً “أ” عقوبات).
المطلب الثانى : الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى قانون مكافحة المخدرات
قرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام فى القانون رقم 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها، والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 لارتكاب العديد من الجرائم نشير إليها فيما يلى:
1- جريمة جلب وتصدير المواد المخدرة (مادة 33 مكرراً “أ” مكافحة مخدرات).
2- جريمة إنتاج واستخراج الجواهر المخدرة (مادة 33 “ب” مكافحة مخدرات).
3- جريمة زراعة النباتات المخدرة الواردة بالجدول رقم (5) (مادة 33 مكرراً “جـ” مكافحة مخدرات).
4- جريمة تأليف عصابة أو إدارتها أو الاشتراك فيها بغرض غير مشروع (مادة 33 مكرراً “د” مكافحة مخدرات).
5- جريمة حيازة أو إحراز جوهر مخدر أو التعامل أو الوساطة فيه بقصد الاتجار (مادة 34 مكرراً مكافحة مخدرات).
6- جريمة استعمال جوهر مخدر فى غير الغرض المصرح باستعماله (مادة 34 “ب” مكافحة مخدرات).
7- جريمة إدارة أو تهيئة مكان لتعاطى المخدرات بمقابل (مادة 34 “جـ” مكافحة المخدرات).
8- جريمة الدفع لتعاطى الكوكايين أو الهيروين وأى من المواد الواردة فى القسم الأول من الجدول رقم “1″ (مادة 34 مكرر مكافحة مخدرات).
9- جريمة التعدى على أحد الموظفين القائمين على تنفيذ قانون مكافحة المخدرات إذا نتج عنها موت المجنى عليه (مادة 40 مكافحة مخدرات).
10- جريمة القتل العمد لأحد الموظفين القائمين على تنفيذ أحكام قانون مكافحة المخدرات (مادة 41 مكافحة مخدرات).
المطلب الثالث : الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى قانون الأحكام العسكرية
ورد النص على عقوبة الإعدام فى قانون الأحكام العسكرية كعقوبة فى أربع عشرة مادة وإذا علمنا أن جميع الجرائم فى قانون الأحكام العسكرية ورد حصرها فى المواد من (130- 166) فإن ذلك يعنى أن عقوبة الإعدام تطبق على حوالى ثلث الجرائم المنصوص عليها فى قانون الأحكام العسكرية.
1- الجرائم المرتبطة بالعدو (مادة 130 أحكام عسكرية وتعاقب هذه المادة على 12 سلوكاً بالإعدام).
2- جريمة عدم الإخبار عن إحدى الجرائم المنصوص عليها الباب الأول من قانون الأحكام العسكرية (مادة 132 أحكام عسكرية).
3- جريمة دخول العدو إلى موقع حربى، أو إلى مركز عسكرى أو مؤسسة عسكرية… (مادة 133 أحكام عسكرية).
4- جرائم الأسر وإساءة معاملة الجرحى (مادة 134، 135، 136 أحكام عسكرية).
5- جرائم الفتنة والعصيان (مادة 138 أحكام عسكرية).
6- جرائم مخالفة واجبات الخدمة والحراسة (مادة 139 أحكام عسكرية).
7- جرائم النهب والإفقاد والإتلاف (مادة 140- 141 أحكام عسكرية).
8- جرائم إساءة استعمال السلطة (مادة 48 أحكام عسكرية).
9- جريمة عدم إطاعة الأوامر (مادة 151 أحكام عسكرية).
10- جرائم الهروب والغياب (مادة 154 أحكام عسكرية).
المطلب الرابع : الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى قانون الأسلحة والذخائر
أضاف المشرع فقرة أخيرة لنص المادة 26 من قانون الأسلحة والذخائر بموجب القانون رقم 15 لسنة 1981 بشأن تعديل أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954.
وبذلك تكون المادة 26 من قانون الأسلحة والذخائر هى المادة الوحيدة التى تقرر عقوبة الإعدام فى هذا القانون.
وقد جرى نص الفقرة الأخيرة من المادة 26 على النحو الآتى:
“ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكرراً من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد لمن حاز أو أحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحاً من الأسلحة المنصوص عليها فى المادة (1) من هذا القانون، أو ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المشار إليها أو مفرقعات، وذلك فى أحد أماكن التجمعات أو وسائل النقل العام أو أماكن العبادة. وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت حيازة أو إحراز تلك الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات بقصد استعمالها فى أى نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام أو بقصد المساس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى.
المبحث الثالث : الضمانات الإجرائية لعقوبة الإعدام
تمهيد وتقسيم:
لكل إنسان الحق فى أن تجرى محاكمته محاكمة عادلة أو منصفة أياً كان الجرم الذى ارتكبه.
وقد وضع المجتمع الدولى مجموعة من الضوابط أو الضمانات التى ينبغى توافرها لكفالة الحق فى محاكمة عادلة، وفى مصر يقرر المشرع الجنائى مجموعة من الضمانات للمتهم فى مرحلة المحاكمة؛ مثل الحق فى الدفاع، والحق فى إبداء أقواله بحرية، والحق فى الاستعانة بمدافع، والمساواة فى الحقوق مع الاتهام، وقرينة البراءة وما يتفرع عنها من ضمانات عدة فى مجال الإثبات مثل عدم التزام المتهم بإثبات براءاته، والاقتناع اليقينى بالإدانة والشك يفسر لمصلحة المتهم.
وفضلاً على الضمانات المقررة للمتهم فى المحاكمات الجنائية بصفة عامة. اختص المشرع الحالات التى توقع فيها المحكمة عقوبة الإعدام بضمانات خاصة؛ منها ما يتعلق بالحكم الصادر بالإعدام ذاته، ومنها ما يتعلق بتنفيذه.
وعلى هدى ما تقدم فقد رأينا أن نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب:
نتناول فى الأول: ضمانات المحاكمة العادلة.
ونتناول فى الثانى: ضمانات الحكم بالإعدام.
ونحدد فى الثالث: ضمانات تنفيذ الإعدام.
المطلب الأول : ضمانات المحاكمة العادلة
تعتبر مرحلة المحاكمة من أدق وأخطر مراحل الدعوى الجنائية؛ إذ تكون الدعوى قد دخلت مرحلتها الحاسمة أو النهائية. ويكون الحكم فيها بين قاب قوسين أو أدنى.
ويتعين أن تكون محاكمة الشخص محاكمة قانونية أو منصفة أو عادلة بغض النظر عن جسامة الجرم الذى ارتكبه.
وحق المتهم فى محاكمة عادلة هو المكنة التى تلزم الدولة بمحاكمته، على قدم المساواة مع الآخرين- أمام محكمة مستقلة ومحايدة ومنشأة بحكم القانون قبل اتهامه، ووفقاً لإجراءات علنية يسودها مبدأ المساواة فى الحقوق مع الاتهام، وتكفل له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه بفاعلية([15]).
مصادر حق المتهم فى محاكمة عادلة
1- المصادر الدولية:
نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 فى المادة العاشرة منه على الحق فى محاكمة عادلة بقوله: “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين فى أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً؛ للفصل فى حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه”.
كما تضمنت المادة (14) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية النص على حق الإنسان فى محاكمة عادلة بقولها:
“1- جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر فى أية تهمة جنائية ضده أو فى حقوقه والتزاماته فى إحدى القضايا القانونية، فى محاكمة عادلة وطنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استناداً إلى القانون…
2- لكل فرد متهم بتهم جنائية الحق فى أن يعتبر بريئاً ما لم تثبت إدانته طبقاً للقانون.
3- لكل فرد عند النظر فى أية تهمة جنائية ضده الحق فى الضمانات التالية كحد أدنى، مع المساواة التامة:
(أ) إبلاغه فوراً بالتفصيل وبلغة مفهومة لديه بطبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه.
(ب) الحصول على الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد دفاعه، والاتصال بمن يختاره من المحامين.
(جـ) أن تجرى محاكمته دون تأخر زائد عن المعقول.
(د) أن تجرى محاكمته بحضوره، وأن يدافع عن نفسه بنفسه، أو عن طريق مساعدة قانونية يختارها هو، وأن يبلغ عندما لا يكون لديه مساعدة قانونية، بحقه فى ذلك، وفى أن تعين له مساعدة قانونية فى أية حالة تستلزمها مصلحة العدالة ودون أن يدفع مقابل ذلك إذا لم تكن موارده كافيه لهذا الغرض.
(هـ) أن يستجوب نفسه أو عن طريق شهود الخصم ضده، وأن يضمن حضور شهوده واستجوابهم تحت شروط الخصم ذاتها.
(و) أن يوفر له مترجم يقدم له مساعدة مجانية إذا لم يكن قادراً على فهم اللغة المستعملة فى المحكمة أو التحدث بها.
(ز) ألا يلزم بالشهادة ضد نفسه، أو الاعتراف بأنه مذنب.
4- تكون الإجراءات فى حالة الأشخاص الأحداث، بحيث يؤخذ موضوع أعمارهم والرغبة فى إعادة تشجيع تأهيلهم بعين الاعتبار.
5- لكل محكوم عليه بإحدى الجرائم الحق فى إعادة النظر فى الحكم والعقوبة أمام محكمة أعلى بمقتضى القانون.
6- لكل شخص صدرت عليه عقوبة بسب حكم نهائى صدر ضده فى جريمة جنائية، الحق فى التعويض طبقاً للقانون إذا ألغى الحكم، أو صدر عنه العفو بعد ذلك بسبب واقعة جديدة، أو واقعة جرى اكتشافها حديثاً، وكشفت بشكل قاطع وإحقاقاً فى تحقيق العدالة، ما لم يثبت أن عدم الكشف عن الواقعة المجهولة فى حينه يعود فى أسبابه كلياً أو جزئياً إلى هذا الشخص.
7- لا يجوز محاكمة أحد أو معاقبته مرة ثانية عن جريمة سبق أن نال حكماً نهائياً عنها، أو أفرج عنه فيها طبقاً للقانون والإجراءات الجنائية للبلد المختص”.
ويعتبر العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الرافد الرئيسى لحق المتهم فى محاكمة عادلة فى مصر وفقاً لنص المادة 151 من الدستور المصرى الصادر عام 1971 التى تنص على أن: “رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها، ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة…”.
وقد وقعت مصر على هذا العهد فى 4/8/1967، وفى أول أكتوبر 1981 صدر القرار الجمهورى رقم 537 لسنة 1981 بالموافقة على الاتفاقية. وفى 8 أبريل عام 1982 نشرت فى الجريدة الرسمية، وأصبحت نافذة المفعول فى 14/4/1982، وأصبح لها قوة القانون العادى طبقاً للمادة 151 من الدستور آنفة البيان، أما فى فرنسا فإن المعاهدات الدولية لها مرتبة أعلى من القوانين العادية، وهو ما يكفل لها السمو والأولوية فى التطبيق.
ومن الوثائق الإقليمية التى نصت على حق المتهم فى محاكمة عادلة:
(أ) الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان:
فقد نصت المادة السادسة من هذه الاتفاقية على أن:
“1- لكل شخص عند الفصل فى حقوقه المدنية والتزاماته، أو فى اتهام جنائى موجه إليه الحق فى مرافعة علنية عادلة من خلال مدة معقولة أمام محكمة مستقلة غير منحازة مشكلة طبقاً للقانون.
ويصدر الحكم علنياً…
2- كل شخص يتهم فى جريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته طبقاً للقانون”.
وفى الفقرة الثالثة قررت الضمانات ذاتها التى نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة (14) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية مع اختلاف طفيف فى الصياغة.
(ب) الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان:
فقد نصت المادة الثامنة من هذه الاتفاقية على أن:
“1- لكل شخص الحق فى محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية، وتجريها خلال وقت معقول، ومحكمة مختصة مستقلة غير متحيزة قد أسست سابقاً وفقاً للقانون، وذلك لإثبات أية تهمة ذات طبيعة جزائية موجهة إليه، أو للبت فى حقوقه أو واجباته ذات الصفة المدنية أو المالية أو المتعلقة بالعمل أو أية صفة أخرى.
2- لكل متهم بجريمة خطيرة الحق فى أن يعتبر بريئاً طالما لم تثبت إدانته وفقاً للقانون. وخلال الإجراءات القانونية، لكل شخص –على قدم المساواة التامة مع الجميع- الحق فى الحصول على الضمانات الدنيا التالية([16])…
3- يعتبر اعتراف المتهم بالذنب سليماً ومعمولاً به شرط أن يكون قد تم دون أيما إكراه من أى نوع.
4- إذا برئ المتهم بحكم غير قابل للاستئناف فلا يجوز أن يخضع لمحاكمة جديدة للسبب عينه.
5- تكون الإجراءات الجزائية علنية إلا فى حالات استثنائية تقتضيها حماية مصلحة العدالة.
(جـ) الميثاق العربى:
فقد نصت المادة السابعة من هذا الميثاق على أن: “المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته بمحاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه”.
ويتضح من هذا النص أنه قد استخدم مصطلح “محاكمة قانونية” بدلاً من محاكمة عادلة.
أما الميثاق الأفريقى فلم يتضمن النص صراحة على حق المتهم فى محاكمة عادلة أو قانونية أو منصفة، ولكنه نص فى المادة السابقة منه على الحق فى التقاضى ومشتملاته، ومنها قرينة البراءة، وحق المحاكمة فى فترة معقولة، وحق الدفاع.
2- الدستور:
تضمن الدستور المصرى النص على الحق فى المحاكمة العادلة فى المادة 67 منه بقولها: “المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهم فى جناية يجب أن يكون له محام يدافع عنه”.
ويلاحظ أن الدستور المصرى قد استخدم لفظ المحاكمة القانونية، فى حين استخدمت المحكمة الدستورية العليا تعبير المحاكمة المنصفة.
وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا فى مصر على أن تعبير المحاكمة المنصفة ينصرف إلى “مجموعة من الضمانات الأساسية التى تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة، وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر فى النطاق الجنائى وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة 41 منه بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيراً ضيقاً، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق الفرد وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة… تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح يتوخى بالأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية… يتعين أن تلتزم هذه القواعد بمجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية التى لا يجوز النزول عنها أو الإنقاص منها…([17])”
وقضت كذلك بأن: “… وحيث إن الحق فى محاكمة منصفة يتضمن –بين ما يشمل عليه- الحق فى محاكمة لا يكتنفها بطء ملحوظ باعتباره من الحقوق الجوهرية التى لا يجوز أن يكون الاتهام معها متراخياً دون مسوغ، معلقاً أمداً طويلاً بما يثير قلق المتهم، ويعوق بالضرورة مباشرته للحقوق والحريات التى كفلها الدستور، وعلى الأخص ما يتعلق منها بحرية التعبير وحق الاجتماع، والإسهام فى مظاهر الحياة العامة، وقد يلحق به احتقاراً فيما بين مواطنيه أو يفقده عمله. كذلك فإن محاكمته بطريقة متأنية تمتد إجراءاتها زمناً مديداً، تعرقل خطاه، وتقترن بمخاطر تتهدد بها فرص الاتصال بشهوده، ويرجح معها كذلك احتمال اختفائهم، ووهن معلوماتهم فى شأن الجريمة حتى مع وجودهم، وهو كذلك يثير داخل كل منهم اضطراباً نفسياً عميقاً ومتصلاً؛ إذ يظل ملاحقاً بجريمة لا تبدو لدائرة شرورها من نهاية، وقد يكون سببها أن الاتهام ضده كان متسرعاً مفتقراً إلى دليل”([18]).
ويتضح من الأحكام السابقة أن ضمانات المحاكمة المنصفة فى نظر المحكمة الدستورية العليا تتميز بأربع خصائص هى:
(1) الصلة بالحرية الشخصية.
(2) توخى الأسس التى يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية.
(3) اعتمادها على قيم تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية([19]).
(4) البت فى الاتهام فى وقت ملائم وناجز.
المطلب الثانى : ضمانات الحكم بالإعدام
تختص محكمة الجنايات بإصدار الحكم بالإعدام فالجرائم المعاقب عليها بالإعدام تدخل فى عداد الجنايات، لذا فإن الخصومة الجنائية تخضع للقواعد المقررة ذاتها للجنايات بصفة عامة. فالتحقيق الابتدائى وجوبى، وكذلك فإن حضور محام مع كل متهم بجناية وجوبى. وقد نصت المادة 67/2 من الدستور صراحة على ذلك.
وإذا غاب المتهم بجناية محالة أمام محكمة الجنايات صدر الحكم غيابياً فى حقه. ويسقط هذا الحكم، ولو كان صادراً بالإعدام، بحضور المتهم، أو القبض عليه سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التضمينات ويعاد نظر الدعوى أمام المحكمة من جديد دون أن تتقيد المحكمة بالحكم الغيابى فقد تصدر حكماً مغايراً له.
ويخضع إثبات الجريمة المعاقب عليها بالإعدام للأحكام العامة للإثبات. فتتمتع المحكمة بحرية كاملة فى تكوين عقيدتها وفقاً لما نصت عليه المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية التى تقضى بأن: “يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته”([20]).
وقد كان قانون العقوبات الصادر عام 1883 يستلزم أدلة إثبات معينة لإمكان الحكم بالإعدام، وهى أن يقر المتهم بارتكابه الجريمة، أو يشهد شاهدان أنهما نظراه وقت ارتكابه للجريمة (مادة 32) وقد أدى هذا القيد إلى ندرة تطبيق عقوبة الإعدام، واستمر هذا الوضع حتى عام 1897 إذا ألغيت هذه المادة بالأمر العالى الصادر فى 23 ديسمبر سنة 1897([21]).
وقد أوجب القانون المصرى عدة ضمانات للحكم بعقوبة الإعدام وهى:
1- وجوب صدور حكم الإعدام بإجماع آراء المحكمة.
2- وجوب أخذ رأى مفتى الجمهورية.
3- وجوب عرض القضية على محكمة النقض.
وسوف نخصص لدراسة كل ضمانة من هذه الضمانات فرعاً مستقلاً.
الفرع الأول : إجماع آراء أعضاء المحكمة
تنص المادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: “لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها”.
وبناء عليه يجب أن يصدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء قضاة محكمة الجنايات. فلا يجوز أن يصدر حكم الإعدام بأغلبية آراء أعضاء المحكمة كما هو الشأن فى الأحكام الأخرى غير الصادرة بالإعدام.
وهذه ضمانة لا شك فى قيمتها إذ يكفى لعدم الحكم بها أن يستشعر قاض واحد من أعضاء المحكمة عدم ارتياحه لهذه العقوبة، فلا يوافق عليها، وحينئذ يستبعد الحكم بالإعدام.
وقد نصت على تلك القاعدة المادة 80 من قانون الأحكام العسكرية فتطلبت هى الأخرى لصدور حكم الإعدام أن يصدر بإجماع آراء المحكمة العسكرية.
والشارع إذ استوجب لعقوبة الإعدام انعقاد الإجماع عند صدور الحكم بالإعدام؛ فإن ذلك مؤداه أن يكون الإجماع معاصراً لصدور الحكم، وليس تالياً له. ومن ثم فإن النص على إجماع الآراء قرين النطق بالحكم بالإعدام شرط لازم لصحة صدور الحكم بتلك العقوبة([22]).
ويجب أن تبين المحكمة فى منطوق الحكم توافر الإجماع وإلا كان الحكم باطلاً([23]).
وقد بينت محكمة النقض الحكمة من تطلب الإجماع فى الحكم الصادر بالإعدام بقولها ([24]): إن المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت فى فقرتها الثانية على أنه “لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها، ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية”، ويبين من النص المتقدم –وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون بشأنه- أن الشارع إذا استلزم انعقاد الإجماع عند إصدار الحكم بالإعدام كإجراء منظم لإصداره وشرط لازم لصحته- خروجاً على القاعدة العامة فى الأحكام من صدورها بأغلبية الآراء- وإنما كان ذلك تقديراً منه لجسامة الجزاء فى عقوبة الإعدام، وحرصاً على إحاطتها بضمان إجرائى يكفل أن ينحصر النطق بها فى الحالات التى يرجع فيها- إلى ما يقرب من اليقين أن تكون مطابقة للقانون”.
وبينت محكمة النقض الطبيعة القانونية للإجماع بقولها: “إن الإجماع لا يعدو أن يكون إجراء من الإجراءات المنظمة لإصدار الحكم. والنص عليه فيه شرط لصحته. إلا أنه لا يمس أساس الحق فى توقيع عقوبة الإعدام ذاتها. ولا ينال الجرائم التى يعاقب عليها القانون بهذه العقوبة بالإلغاء أو التعديل، ولا ينشئ لمقارفيها أعذاراً أو ظروفاً تغير من طبيعة تلك الجرائم أو العقوبة المقررة لها”([25]).
الفرع الثانى : رأى المفتى
لما كانت عقوبة الإعدام تؤدى إلى إزهاق روح المحكوم عليه بها، وكانت الحياة الإنسانية ملكاً لخالقها، فإنه لابد أن يصاحب الحكم بهذه العقوبة أخذ الرأى الشرعى فى ذلك والذى يقوم به مفتى الجمهورية بموجب وظيفته([26]).
فقد نصت المادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية، ويجب إرسال القضية إليه، فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال عشرة أيام التالية لإرسال الأوراق إليه حكمت المحكمة فى الدعوى”.
ولقد بينت محكمة النقض العلة من تطلب المشرع ضرورة أخذ رأى المفتى قبل الحكم بالإعدام بقولها: “المشرع قصد بهذه القاعدة أن يكون القاضى على بينة مما إذا كانت أحكام الشريعة تجيز الحكم بالإعدام فى الواقعة الجنائية المطلوب فيها أخذ رأى المفتى قبل الحكم بهذه العقوبة أم لا، ودون أن يكون المقصود من ذلك تعرف رأى المفتى فى تكييف الفعل المسند إلى الجانى وإعطائه الوصف القانونى”([27]).
كذلك فإن أخذ رأى المفتى قبل صدور الحكم بالإعدام من شأنه أن يدخل فى روع المحكوم عليه بالإعدام اطمئنانا إلى أن الحكم الصادر بإعدامه إنما يجئ وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، إلى جانب ما لهذا من وقع لدى الرأى العام([28]).
ويتضح من النص السابق أن إحالة الأوراق إلى مفتى الديار المصرية لمعرفة رأيه فى القضية المحالة إليه تكون على سبيل الاسترشاد، ودون التزام به، بل دون انتظار له إذا لم يصل رأيه إلى المحكمة فى خلال عشرة أيام التالية لإرسال الأوراق إليه. إذ فى هذه الحالة تحكم المحكمة فى الدعوى دون انتظار لورود رأى المفتى فيها([29]).
فإذا فات ميعاد العشرة أيام دون أن يبدى المفتى رأيه كان الحكم بالإعدام سليماً لا مطعن عليه([30]) بيد أنه يكون باطلاً كل حكم بالإعدام لا يكون مسبوقاً بهذا الإجراء الجوهرى.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: “لما كانت المادة 381 من قانون الإجراءات، وإن أوجبت على محكمة الجنايات أن تأخذ رأى المفتى قبل أن تصدر حكمها بالإعدام، إلا أنه ليس فى القانون ما يوجب على المحكمة أن تبين رأى المفتى أو تفنده”([31]).
وإذا كانت المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد استلزمت أن يصدر حكم الإعدام مقترناً بالإجماع؛ فإن هذا الشرط غير متطلب فى الإجراء السابق على الحكم، وهو أخذ رأى المفتى([32]).
وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن قانون الأحكام العسكرية قد جاء خالياً من أى نص يلزم المحكمة العسكرية قبل الحكم بالإعدام أن تأخذ رأى المفتى كما هو الشأن فى المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية. وقد أدى ذلك إلى انقسام الفقه إلى اتجاهين([33]):
الاتجاه الأول:
ويرى عدم التزام المحكمة العسكرية بأخذ رأى المفتى قبل الحكم بالإعدام فلو أراد المشرع ضرورة أخذ رأى المفتى لنص على ذلك صراحة، كما فعل فى المادة 80 من قانون الأحكام العسكرية إذ نص على ضرورة صدور حكم الإعدام بالإجماع.
الاتجاه الثانى:
ويرى ضرورة التزام المحكمة العسكرية بأخذ رأى المفتى قبل الحكم بالإعدام إعمالاً لنص المادة العاشرة من قانون الأحكام العسكرية التى تقضى: بأنه على المحاكم العسكرية أن تطبق فيما لم يرد فيه نص فى هذا القانون النصوص الخاصة بالإجراءات والعقوبات الواردة فى القوانين العامة، وعليه فإن نص المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية يكون هو الواجب الاتباع فى هذا الشأن.
ونحن نميل إلى الأخذ بالاتجاه الثانى لاتفاقه مع المنطق القانونى السليم، والقواعد التى تحكم تفسير النصوص.
الفرع الثالث : عرض القضية على محكمة النقض
نصت المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه “إذا كان الحكم صادراً حضورياً بعقوبة الإعدام، يجب على النيابة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم، وذلك فى الميعاد المبين بالمادة 34 من هذا القانون”.
فقد أوجب القانون بهذا النص على النيابة العامة عند الحكم بالإعدام حضورياً أن تعرض القضية على محكمة النقض للتحقق من صحة تطبيق القانون، وذلك خلال أربعين يوماً من تاريخ صدور الحكم دون التوقف على الطعن فيه من قبل أطراف الدعوى الجنائية.
وقد قضت محكمة النقض بأنه “لما كانت النيابة العامة قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم- عملاً بنص المادة 46 من القانون 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض- بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليها فى المادة 34 من هذا القانون، إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، ذلك لأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم ترك الباب مفتوحاً إلى غير نهاية، والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض فى جميع الأحوال متى صدر الحكم حضورياً”([34]).
وقضت كذلك بأنه: “من المقرر أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها- طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر- وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم، وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده”([35]).
وبذلك نكون قد انتهينا من عرض موجز لضمانات الحكم بالإعدام.
المطلب الثالث : ضمانات تنفيذ الإعدام
حدد المشرع فى المواد من 470 إلى 477 من قانون الإجراءات الجنائية، والمواد من 65 إلى 72 من قانون السجون الإجراءات التى تتبع منذ صدور الحكم بعقوبة الإعدام لحين تنفيذها وهى كالآتى:
1- عرض الحكم بالإعدام على رئيس الجمهورية:
نصت المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “متى صار الحكم بالإعدام نهائياً وجب رفع أوراق الدعوى فوراً إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل”.
والحكمة من هذا الإجراء إعطاء المحكوم عليه بالإعدام فرصة أخيرة نظراً لخطورة العقوبة، وتهيئة الفرصة فى كل الحالات ليستعمل رئيس الدولة حقه فى عفو أو تخفيف العقوبة إذا شاء([36]).
وينفذ الحكم الصادر بالإعدام إذا لم يصدر الأمر بالعفو، أو بإبدال العقوبة خلال أربعة عشر يوماً (مادة 470 فقرة ثانية).
وترفع الأوراق إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل.
2- يودع المحكوم عليه بالإعدام فى السجن بناء على أمر تصدره النيابة العامة على النموذج الذى يقرره وزير العدل إلى أن ينفذ الحكم فيه (مادة 471 إجراءات جنائية).
3- إذا كانت ديانة المحكوم عليه تفرض عليه الاعتراف، أو غيره من الفروض الدينية قبل الموت وجب إجراء التسهيلات اللازمة لتمكين أحد رجال الدين من مقابلته، ولأقارب المحكوم عليه أن يقابلوه فى اليوم الذى يعين لتنفيذ الحكم، على أن يكون ذلك بعيداً عن محل التنفيذ (مادة 472 إجراءات جنائية).
4- تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو فى مكان آخر مستور بناء على طلب كتابى من النائب العام يبين فيه استيفاء إجراء رفع الأوراق إلى رئيس الجمهورية، ومضى مدة الأربعة عشر يوماً على هذا التاريخ (مادة 473 إجراءات جنائية) ويجب على إدارة السجن إخطار وزير الداخلية والنائب العام باليوم المحدد للتنفيذ وساعته (مادة 65/2 من قانون تنظيم السجون).
5- يجب أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بحضور أحد وكلاء النائب العام، ومأمور السجن وطبيب السجن أو طبيب آخر تندبه النيابة العامة (474/1 إجراءات جنائية).
6- يجب أن يتلى الحكم الصادر بالإعدام منطوقه والتهمة المحكوم من أجلها على المحكوم عليه، وذلك فى مكان التنفيذ بمسمع من الحاضرين، وإذا رغب المحكوم عليه إبداء أقوال حرر وكيل النائب العام محضراً لها (274/2 إجراءات جنائية).
7- يتم تنفيذ عقوبة الإعدام شنقاً (مادة 12 عقوبات).
8- عند تمام التنفيذ يحرر وكيل النائب العام محضراً بذلك، ويثبت فيه شهادة الطبيب بالوفاة وساعة حصولها.
9- تدفن الحكومة جثة المحكوم عليه بالإعدام على نفقتها ما لم يكن له أقارب يطلبون القيام بذلك، ويجب أن يكون الدفن بغير احتفال (مادة 477 إجراءات جنائية).
10- لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام فى أيام الأعياد الرسمية، أو الأعياد الخاصة بديانة المحكوم عليه (مادة 475 إجراءات جنائية) ويوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على الحبلى إلى ما بعد شهرين من وضعها (مادة 476 إجراءات جنائية).
الخاتمة
وبعد… تلك كانت رحلة قصيرة فى رحاب عقوبة الإعدام فى التشريع المصرى استهدفت تأصيل وتحليل هذه العقوبة؛ بقصد تقييم موقف مشرعنا الجنائى منها من الناحيتين الموضوعية والإجرائية.
ونود فى هذا الصدد أن نركز على بعض الأمور التى تكون قد تاهت فى زحمة التفاصيل:
1- إن القانون الجنائى الفرعونى كان سباقاً فى الأخذ بالرحمة والشفقة أثناء تنفيذ عقوبة الإعدام، وقد تجلى ذلك فى إعطاء المحكوم عليه بعقوبة الإعدام مخدراً لتخفيف الآلام المصاحبة لتنفيذ العقوبة من ناحية، وفى تأجيل تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل إلى ما بعد الوضع من ناحية أخرى.
وقد كان المشرع الجنائى الفرعونى الأول فى التاريخ الذى أوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، واستبدلها بعقوبة “النفى” فى عهد الملك “اكتيزانيه”، وبإلغاء هذه العقوبة بأمر صريح من الملك “ساكابوس”، واستبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة ثم أعيدت هذه العقوبة ثانية.
إن الفقه المصرى فى مجموعه –فيما أعلم- مؤيد لعقوبة الإعدام؛ لعدة اعتبارات لا تختلف عن تلك التى ساقها أنصار الاتجاه المؤيد لعقوبة الإعدام، والتى عرضنا لها فى المطلب الأول، ولكن الفقه المصرى يضيف إلى هذه الاعتبارات تأييد الشريعة الإسلامية لعقوبة الإعدام، ومن ثم فلا يمكن المناداة بإلغائها.
ويمكن الرد على ذلك بأن الشريعة الإسلامية وإن كانت تقرر عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب بعض الجرائم بيد أنها لم تسرف فى استخدام هذه العقوبة. فالملاحظ أن الشريعة الإسلامية لا تعاقب بالإعدام إلا فى ثلاث جرائم فحسب، وهى جريمة زنى المحصن، والحرابة، والقتل العمد. والإعدام فى الجريمة الأولى وجوبى أما فى الثانية والثالثة فهو جوازى.
وأما بالنسبة للردة فنحن نرى أنها ليست من قبيل الجرائم المعاقب عليها بالإعدام. فهى ليست عملاً مجرماً، لا يستأهل صاحبه أى جزاء دنيوى، وإن كان العقاب عليه فى الآخرة.
أما بالنسبة للبغى فهو ليس من قبيل الحدود المعاقب عليها بالإعدام.
وسوف نعرض فيما يلى لتقييم موقف المشرع المصرى من عقوبة الإعدام (أولاً) ثم لرأينا فى الموضوع (ثانياً).
أولاً: تقيم موقف المشرع المصرى:
1- من الناحية الموضوعية:
نستطيع أن نقول –بضمير مستريح- إن المشرع المصرى يسرف كثيراً فى تقرير عقوبة الإعدام لدرجة ربما تصفه بإساءة استعمال الحق فى تقرير العقاب، وعدم احترام أو تقديس الحياة الإنسانية، بل الاستهانة بها.
فقد تبين لنا من خلال دراستنا لعقوبة الإعدام أن المشرع المصرى يفرض عقوبة الإعدام على الأقل فى سبعين جريمة ورد النص عليها فى قانون العقوبات والقوانين الجنائية الخاصة. ونقول على الأقل لأن ثمة جرائم لم يحدد المشرع فيها السلوك المعاقب عليه بالإعدام تحديداً دقيقاً، وإنما اكتفى بوصفه بعبارات شديدة العمومية والاتساع، ومن ثم فلا يمكن أن نحصر هذه الأفعال. ومن أمثلة ذلك ما فعله المشرع فى المادة 77 من قانون العقوبات التى تقضى بأنه: “يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها”.
المادة 26/ فقرة أخيرة من قانون الأسلحة والذخائر التى تعاقب بالإعدام إذا كانت حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات بقصد استعمالها فى أى نشاط يخل بالأمن العام والنظام العام أو المساس بنظام الحكم أو مبادئ الدستور أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى.
ولاشك أن هذا المسلك من جانب المشرع يشكل إهداراً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه فى المادة 66 من الدستور.
وفضلاً على ذلك فإن ثمة جرائم عاقب المشرع عليها بالإعدام، ويأخذ السلوك الإجرامى فيها عدة صور وليس صورة واحدة؛ كما هو الشأن فى المادة 130 من قانون الأحكام العسكرية التى تعاقب بالإعدام على 12 سلوكاً.
ومن جهة أخرى خالف المشرع المصرى المبادئ الدستورية –أيضاً- فى تقريره لعقوبة الإعدام. وقد لاحظنا من خلال دراستنا لعقوبة الإعدام فى التشريع المصرى أن نوعاً من عدم التناسب بين العقاب والجريمة يسود فى كثير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
وندلل على ذلك بسرد هذه الأمثلة:
أ- بالنسبة لجرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج فإن الكثير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام من الجرائم الشكلية التى لا يتطلب فيها المشرع ضرورة تحقيق نتيجة معينة مثل الجرائم المنصوص عليها فى المواد 77، 77 (أ)، 77 (ب)، 77 (جـ). فهذه الجرائم من جرائم الحدث غير المؤذى، ومن ثم فهى لا تستأهل عقوبة الإعدام.
ب- بالنسبة لجرائم المخدرات، فقد غالى المشرع كثيراً حينما قرر فى المادة 34 (ب) من قانون مكافحة المخدرات عقوبة الإعدام، أو السجن المؤبد لكل من رخص له فى حيازة مخدر لاستعماله فى غرض معين، وتصرف فيه بأية صورة فى غير هذا الغرض.
وعليه فإن الطبيب المرخص له بحيازة المخدر لاستعماله فى أغراض التداوى إذا تصرف فى المخدر فى غير هذا الغرض بأية صورة حتى لو كان ذلك بغير قصد الاتجار يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، ولا شك أن فى ذلك تجسيماً للعقاب وعدم تناسب مع السلوك الإجرامى.
جـ- وبالنسبة لقانون الأحكام العسكرية فإن نص المادة 151 منه تعاقب بالإعدام أو بجزاء أقل منه كل شخص خاضع لقانون الأحكام العسكرية لم يطع أمراً قانونياً صادراً من رئيسه بطريقة يظهر منها رفض السلطة.
وفى ذلك مبالغة وتجسيم للعقاب غير مبرر، سيما وأن تشريعات عسكرية لدول أخرى تقرر لهذه الجريمة عقوبة الحبس أو السجن.
د- وبالنسبة لقانون الأسلحة والذخائر:
فإن المادة 26 فقرة أخيرة منه تشدد العقوبة على حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات لتصل إلى الإعدام لمجرد توافر نية داخلية لدى الجانى من وراء هذه الحيازة، وهى استعمال الأسلحة أو الذخائر أو المفرقعات فى أى نشاط يخل بالأمن العام أو النظام العام.
ولذا فإننا نرى أن المشرع قد بالغ كثيراً فى فرض عقوبة الإعدام فى هذه الحالة؛ إذ أن هذا الجزاء لا يتناسب البتة مع الجرم المقترف، وإنما ينطوى على تجسيم غير مبرر.
2- من الناحية الإجرائية:
فإن الضمانات التى أحاط بها المشرع الحكم بعقوبة الإعدام. لا يمكن أن نعتبر منها ضمانة حقيقية سوى ضمانة واحدة فقط، وهى صدور حكم الإعدام بالإجماع، أما الضمانتان الأخريان فلا يمكن أن يكونا كذلك. فرأى المفتى استشارى من ناحية، وعرض القضية على محكمة النقض ليس مزية مقصورة على القضية المحكوم فيها بالإعدام فحسب، وإنما هو حق مقرر لذوى الشأن كذلك للأقضية غير المحكوم فيها بالإعدام. كما أن محكمة النقض لا تتغير وظيفتها عند نظر القضية المحكوم فيها بالإعدام، وإنما يظل محكمة قانون لا محكمة واقع تحاكم الحكم المطعون فيه، ولا تحاكم الطاعن من جديد.
ولا شك أن هذا يعبر عن قصور فى الضمانات الإجرائية المقررة للحكم بالإعدام وعدم كفايتها للحد من الأخطاء القضائية بشأنها.
ثانياً: رأينا فى الموضوع:
نحن نؤيد إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع المصرى، وقصر نطاقها على عدد محدود للغاية من الجرائم، مثل جريمة تسهيل دخول العدو فى البلاد المنصوص عليها فى المادة 78 (جـ) من قانون العقوبات، وجرائم الاعتداء على الحق فى الحياة، وجريمة خطف الأنثى المقترن باغتصابها المنصوص عليها فى المادة 290 عقوبات.
وفيما يتعلق بالقانون العسكرى فنرى قصر نطاق عقوبة الإعدام على بعض الجرائم المنصوص عليها فى المادة 130 منه (فقرة 3، 4، 5، 6، 7، 10).
أما بالنسبة لقانون مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر فلا نؤيد بقاء عقوبة الإعدام إلا فى جرائم الاعتداء على الحق فى الحياة.
ويجب أن تكون عقوبة الإعدام فى الجرائم التى نؤيد تقرير عقوبة الإعدام فيها اختيارية لا وجوبية، كيما يستطيع القاضى أن يمارس سلطته التقديرية فى تفريد العقاب حسب الخطورة الإجرامية للجانى.
ويجب أن تحاط عقوبة الإعدام بضمانات فعلية تكفل الاطمئنان لتوقيع هذه العقوبة، ومن أبرز هذه الضمانات فى رأينا: قابلية الحكم الصادر بالإعدام للطعن فيه أمام محكمة النقض باعتبارها فى هذه الحالة محكمة واقع وقانون فى آن واحد، وإرجاء تنفيذ عقوبة الإعدام لمدة ثلاث سنوات بعد صيرورة الحكم نهائياً؛ لأن فوات هذه المدة كفيل بغلق باب الأمل أمام ظهور أدلة جديدة تفيد براءة المحكوم عليه بالإعدام.
وبذلك أكون قد انتهيت من الحديث حول عقوبة الإعدام فى التشريع المصرى. فإن كان فيه إضافة وتوفيق فمن الله وإن كان فيه عوار ونقص فهذا حال البشر إذ الكمال لله وحده.
والله ولى التوفيق والسداد
([1]) د. محمود السقا- “أبحاث فى تاريخ الشرائع القديمة” دار النهضة العربية، طبعة 1995- ص95، د. فتحى المرصفاوى “تاريخ القانون المصرى- دراسة تحليلية للقانونين الفرعونى والبطلمى “دار الفكر العربى، 1978- ص188- 189.
([2]) د. محمود السقا- المرجع السابق- ص96.
[3])) د. رؤوف عبيد- “القضاء الجنائى عند الفراعنة” المجلة الجنائية القومية، المجلد الأول، العدد الثالث، نوفمبر 1958- ص63.
([4]) حملة منظمة العفو الدولية ضد عقوبة الإعدام- رقم الوثيقة 2005/006/50.
([5]) على الرغم من وجود هذا الميثاق فإنه لم ينشأ له بعد الأداة التنفيذية اللازمة، كما هو الحال بالنسبة للاتفاقية الأوربية أو الأمريكية والأفريقية. كما أنه لم يلق الاهتمام الكافى من جانب الحكومات العربية. ومن الواضح أن جامعة الدول العربية قد وضعت هذا الميثاق تحقيقاً لرغبة سياسية، وأغفلت الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لهذا الميثاق الذى تكمن قيمته فى تنفيذ ما تضمنه من نصوص تقرر وتحمى حقوق الإنسان العربى.
[6])) راجع د. حسن صادق المرصفاوى “الإجرام والعقاب فى مصر” منشأة المعارف، طبعة 1973- ص29.
[7])) راجع د. رؤوف عبيد: “مبادئ القسم العام من التشريع العقابى” دار الفكر العربى، الطبعة الرابعة، 1979- ص806.
([8]) راجع د. أحمد عوض بلال: مبادئ قانون العقوبات المصرى- القسم العام- دار النهضة العربية- طبعة 2005/2006- ص782- 783، د. أحمد فتحى سرور- الوسيط فى قانون العقوبات- الجزء الأول- القسم العام- طبعة 1981- ص721، د. السعيد مصطفى السعيد- الأحكام العامة فى قانون العقوبات- الطبعة الرابعة، 1962- ص579.
([9]) د. حسن صادق المرصفاوى- المرجع السابق- ص257- 258، د. فوزية عبد الستار: مذكرات فى العقوبة- دار النهضة العربية، طبعة 1993- ص508.
([10]) د. محمود نجيب حسنى: “شرح قانون العقوبات- القسم العام” النهضة العربية، الطبعة السادسة، 1989- ص719.
([11]) د. محمود كبيش: “مبادئ علم العقاب” دار الثقافة العربية، 1995- ص134.
([12]) د. محمد عيد الغريب: “شرح قانون العقوبات- القسم العام، طبعة 1999- 2000- ص1007- 1008.
[13])) د. رؤوف عبيد- مبادئ القسم العام من التشريع العقابى- دار الفكر العربى- الطبعة الرابعة 1979- ص809، المستشار جندى عبد الملك: الموسوعة الجنائية- دار إحياء التراث العربى، بيروت- الطبعة الأولى- الجزء الخامس- ص45، د. على عبد القادر القهوجى، د. فتوح الشاذلى: شرح قانون العقوبات- القسم العام- الكتاب الثانى- المسئولية والجزاء الجنائى- طبعة 2003- ص180، د. جميل عبد الباقى الصغير- النظرية العامة للعقوبة- دار النهضة العربية- ص17، د. محمد أحمد شحاتة: الإعدام فى ميزان الشريعة والقانون والقضاء- طبعة 2007- ص106.
([14]) لمزيد من التفاصيل راجع رسالتنا: المسئولية الجنائية عن تعذيب المتهم- رسالة دكتوراة كلية الحقوق جامعة القاهرة- 2007- ص244، وما بعدها.
([15]) راجع د. علاء محمود الصاوى: “حق المتهم فى محاكمة عادلة” رسالة دكتوراة، حقوق القاهرة، 2001- ص5.
([16]) رددت الضمانات ذاتها التى نصت عليها المادة (14) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية مع فارق بسيط فى الصياغة.
([17]) دستورية عليا جلسة 7/3/1992- فى القضية رقم 20 لسنة 10ق القضية رقم 22 لسنة 8ق دستورية عليا فى 23/1/1992، الجريدة الرسمية، العدد 4 فى 23/1/1992، القضية رقم 3 لسنة 10ق، جلسة 2/1/1993.
([18]) القضية رقم 64 لسنة 17ق دستورية عليا- جلسة 7/2/1998.
([19]) راجع د. أحمد فتحى سرور: “الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان فى الإجراءات الجنائية” دار النهضة العربية، طبعة 1993، ص191- 192.
([20]) راجع د. رءوف عبيد: “مبادئ الإجراءات الجنائية فى القانون المصرى” الطبعة الحادية عشرة، 1976- ص671 وما بعدها.
([21]) راجع المستشار جندى عبد الملك- الموسوعة الجنائية، الطبعة الأولى، ص48- 49.
([22]) د. يسر أنور على- “الإعدام بين التدابير والعقاب” دار الثقافة الجامعية، طبعة 1996- ص106.
([23]) د. أحمد فتحى سرور- “الوسيط فى قانون العقوبات- القسم العام” جـ1، طبعة 1981- ص725.
([24]) الطعن رقم 63 لسنة 60ق- جلسة 1/4/1991- مجموعة الأحكام- السنة 42- ص557.
([25]) الطعن رقم 1736 لسنة 38ق- جلسة 6/1/1969، مجموعة الأحكام، السنة 20- ص12.
([26]) د. على حمودة- “محاضرات فى الجزاء الجنائى- العقوبة”، طبعة 1997- ص129.
([27]) الطعن رقم 2344 لسنة 8ق- نقض جلسة 9م1/1939- مجموعة القواعد، جـ4، رقم 327- ص424.
([28]) راجع د. جلال ثروت- “نظم القسم العام فى قانون العقوبات المصرى” منشأة المعارف، طبعة 1989- ص431.
([29]) راجع د. رمسيس بهنام- “النظرية العامة للقانون الجنائى، منشأة المعارف، الطبعة الثالثة، 1997- ص1110.
([30]) نقض جلسة 26/1/1942، مجموعة القواعد القانونية، جـ5، ص607.
([31]) الطعن رقم 263 لسنة 51ق، جلسة 28/10/1981، مجموعة الأحكام، السنة 32- ص775.
([32]) الطعن رقم 63 لسنة 60ق، جلسة 1/4/1991، مجموعة الأحكام، السنة 42- ص557.
([33]) راجع د. عاطف فؤاد صحصاح- “قانون العقوبات العسكرى” دار الكتب القانونية، طبعة 2004- ص30 وما بعدها.
([34]) الطعن رقم 63 لسنة 60ق، جلسة 1/4/1991، مجموعة الأحكام، السنة 42- ص557.
([35]) الطعن السابق.
([36]) د. يسر أنور على- “عقوبة الإعدام بين التدابير والعقاب”- المرجع السابق- ص117.
اترك تعليقاً