ماهية الاتجار بالبشر
“بالتطبيق على القانون البحريني رقم (1) لسنة 2008
بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص”
تأليف د. هشام عبد العزيز مبارك
أستاذ القانون الجنائي المساعد
بالأكاديمية الملكية للشرطة
2009
مقدمة
باتت جريمة الاتجار بالبشر تؤرق الضمير العالمي في الآونة الأخيرة ، فهي تُشكل شكلاً من أشكال الرق المعاصر ، كما تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية ، لا تقتصر على دولة معينة ، وإنما تمتد لتشمل العديد من الدول المختلفة والتي تختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى طبقًا لنظرة الدولة لمفهوم الاتجار بالبشر ومدى احترامها لحقوق الإنسان، ووفقًا لعاداتها وتقاليدها وثقافتها والتشريعات الجنائية النافذة فيها في هذا المجال والنظام السياسي المتبع بها ، فمنها على سبيل المثال الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض الدعارة والاستغلال الجنسي ، وبيع الأعضاء البشرية وعمالة السُخرة ، واستغلال خدم المنازل ، وبيع الأطفال لأغراض التبني ، والزواج القسرى ، والسياحة الجنسية ، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية ، والاستغلال السيئ للمهاجرين بصفة غير شرعية ، واستغلال أطفال الشوارع .
ويجب التنويه إلى أننا لا نستطيع حصر الأشكال والصور التي يمكن أن تتخذها جريمة الاتجار بالبشر ، ولكن ما يمكن الجزم به هو أن هذه الأشكال وتلك الصور تتطور بسرعة فائقة وفي اتجاه تصاعدي في ظل العولمة Globalization وثورة الاتصالات والمعلومات ( شبكات الانترنت ) حيث برزت على الساحة الدولية الجريمة المنظمة والتي تتسم بالعنف ودقة التنظيم وقدرتها على التوسع الرأسي في مجالات متعددة ، مما ينعكس أثره على أمن وسلم البشرية وتهديد اقتصاديات الدول والأفراد ولاسيما الدول النامية والتي تمر بمرحلة انتقالية .
كما يجب الإشارة إلى أن جريمة الاتجار بالبشر قد تتم على المستوى المحلي أو الدولي على السواء ففي المجال الدولي تُعتبر جريمة الاتجار بالبشر إحدى صور الجريمة المنظمة حيث تسعى عصابات الإجرام المنظم التي احترفت الإجرام في ارتكابها وتجعل من الجريمة مجالاً لنشاطها ومصدرًا لدخلها ، وتهدف من ورائها إلى تحقيق أرباح طائلة مخالفة بذلك المواثيق والأعراف الدولية والتشريعات الداخلية الأمر الذي يتطلب ملاحقة دولية وفعالة لعصابات الإجرام المنظم لتقديمهم ليد العدالة الجنائية .
ويمثل الاتجار بالبشر ثالث مصدر للتربح من الجريمة المنظمة بعد تجارة المخدرات Drugs و تجارة السلاح guns ، حيث يُحصد من ورائها بلايين الدولارات سنويًا ، حيث تسعى عصابات الإجرام المنظم إلى تعزيز أنشطتها الإجرامية من خلال زيادة قدرتها على التغلغل في الأعمال المشروعة للتستر خلفها وهو ما يعرف بظاهرة غسل الأموال Money Laundering .
كما يجب ألا نغفل عن ضحايا الاتجار بالبشر وما يجب توفيره لهؤلاء الضحايا من عدالة وإنصاف وحماية ورعاية عقب وقوع الجريمة وإشراكهم في الدعوى الجنائية وتوفير المساعدة لهم في جميع مراحل الإجراءات القانونية وإعلامهم بحقوقهم وسبل اقتضائها وتعويضهم عما لحقهم من أضرار مادية وأدبية من جراء وقوع الجريمة وغير ذلك من ألوان الحماية والرعاية ، فمما لا شك فيه أن كل ذلك يعتبر نظرة إنسانية نبيلة جديرة بكل تقدير وتشجيع باعتبار أن هؤلاء الضحايا أو ذويهم أول من يقع عليهم القدر الأكبر من الأضرار والمعاناة النفسية والآثار السيئة الناجمة عن الجريمة .
وترتيبًا على ما تقدم ، تسعى المنظمات الدولية والإقليمية في العديد من المحافل الدولية إلى عقد المؤتمرات والندوات الدولية لوضع الأسس والمعايير الدولية للحد من هذه الظاهرة ويكون ذلك من خلال إبرام الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف فيما يتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ، وحث الدول المختلفة على سن التشريعات الداخلية بها التي ُتجرم الوقائع المرتكبة لصور الاتجار بالبشر ومتابعة الجهود المبذولة من كل دولة وما اتخذته من إجراءات وتدابير لمكافحة هذه النوعية من الجرائم وتقييمها .
وبناء على ذلك قامت حكومة البحرين بالتفاعل مع الاتجاهات الدولية المعاصرة من خلال منظومة متكاملة متعددة الجوانب تشمل الجانب التشريعي حيث أصدرت مملكة البحرين القانون رقم ( 1 ) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص يتضمن في فحواه مفهوم جريمة الاتجار بالأشخاص والعقوبة المقررة لها والمساعدة المقدمة لضحايا الجريمة والإجراءات التي تقوم بها السلطات العامة لمكافحة هذه الجريمة .
ويُضاف إلى ذلك الجانب التنفيذي حيث قامت السلطات الرسمية بها باتخاذ عدد من التدابير للحد من هذه الظاهرة كما لا يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى الجانب القضائي حيث أصدر القضاء البحريني أولى أحكامه في إحدى الجرائم المتعلقة بالاتجار بالأشخاص .
كما يجب ألا نغفل عن الدور الفعال للحكومة البحرينية في الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف والبروتوكولات المكملة لها بشأن مكافحة الاتجار بالبشر ، كما تتضمن اتفاقيات تسليم المجرمين المعقودة بين البحرين وغيرها من الدول تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم المنظمة بصفة عامة ومن بينها جريمة الاتجار بالبشر لمحاكمتهم عما اقترفوه من وقائع إجرامية وذلك لتحقيق العدالة الجنائية .
ولا نغفل عن أهمية الدور البناء لمؤسسات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة حيث تحظى هذه المنظومة المتكاملة بأهمية بالغة تتجلى في مكافحة هذه الجريمة (الاتجار بالبشر) من خلال التعاون والتنسيق المستمر بين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية كلاً فيما يخصه
وترتيبًا على ما تقدم سنلقي الضوء بشيء من التفصيل على ماهية الاتجار بالبشر من خلال توضيح مفهومه من حيث الأفعال المرتكبة والوسائل المستخدمة في ارتكاب الجريمة مع الأخذ في الاعتبار أننا سنتحدث عن الصور المختلفة لإساءة الاستغلال في عدد آخر.
مفهوم جريمة الاتجار بالبشر
يعتبر الاتجار بالبشر جريمة ضد الإنسانية(1) تنهى عنه تعاليم ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء التي تقوم بكفالة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية فلقد كرمت الإنسان تكريمًا جميلاً وفضلته على كثير من المخلوقات الأخرى التي خلقها الله سبحانه وتعالى وذلك في قوله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ” (2) كما ترفضها العادات والتقاليد الخاصة بالشعوب بصفة عامة والمجتمعات العربية بصفة خاصة لما تتضمنه من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومخالفة للقيم الأخلاقية والمبادئ الاجتماعية .
ويختلف هذا النوع في التجارة من حيث محله عن التجارة بمفهومها الاقتصادي إذ يتخذ من الإنسان موضوعًا له فيجعله سلعة ومحلاً للعرض والطلب ، يمكن تداولها واستغلالها بكافة الوسائل غير المشروعة وذلك بالمخالفة لتعاليم الدين الإسلامي والقوانين والأعراف الدولية .
ويجب التنويه إلى أن جـريمة الاتجـــار بالبشر كمــا تتم على الساحة الدولية ، قد تتم أيضًا في نطاق الساحة الداخلية لأية دولة . ويعني ذلك أنه في المجال الدولي يتعلق الاتجــار في البشر بانتقـال الضحايا من موطنهم الأصلي إلى دولة أخرى أو إلى عدة دول أخرى أيًا كانت الوسيلة المستخدمة وذلك لاستغلالهم بصورة غير مشروعة(3) كما يرتبط ذلك الأمر بعصابات الإجرام المنظم التي قد تتواجد في أكثر من دولة ، فهناك مافيا الاتجار بدول العرض أي الدول المصدرة للضحايا ، وهناك مافيا الاتجار بدول الطلب أي الدول المستوردة للضحايا وبين هذين النوعين من الدول قد توجد أيضًا مافيا الاتجار بدول العبور أو الترانزيت كحلقة اتصال بين الدول المصدرة والمستوردة .
وقد يكون هناك متعاونون لمافيا الاتجار بدولة المقصد أو وسطاء تابعون لهم يقومون باستقبال ضحايا الاتجار من الدول القادمين منها (الدول المصدرة) بغرض تسهيل انتقال وإيواء الضحايا واستغلالهم مقابل الحصول على أرباح طائلة .
أما في المجال الداخلي ، فقد تتم أيضًا جريمة الاتجار بالبشر ، وقد تتعدد صورها وأنماطها والتي أصبحت تتطور بسرعة فائقة وفي اتجاه تصاعدي فيمكن انتقال الضحية من إحدى المحافظات إلى محافظة أخرى بهدف الابتعاد والتخفي عن أعين المسئولين عن إنفاذ القانون بغرض استغلالها في ممارسة أنشطة غير مشروعة في تلك المحافظة كما يُمكن أيضًا خطف الأطفال صغيري السن وهم في مرحلة الطفولة المبكرة ونقلهم إلى بيئة إجرامية داخل الدولة الواحدة بهدف استغلالهم جنسيًا أو استغلالهم في أعمال التسول .
تعريف الاتجار بالبشر
يُعرف الاتجار بالبشر في ظل النظام القانوني البحريني(4) بأنه (تجنيد شخص أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله بغرض إساءة الاستغلال ، وذلك عن طريق الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو باستغلال الوظيفة أو النفوذ أو بإساءة استعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة).
وتعريف الاتجار بالبشر ليس بأمر جديد(5) وهو ما يُمثل التعريف التقليدي للاتجار بالبشر الذي تطور في ظل الاتجاهات الدولية المعاصرة واتخذ أنماطًا وصورًا مستحدثة في الآونة الحالية ، وباستقراء هذا التعريف المشار إليه في النظام القانوني البحريني يتبين أن الاتجار بالأشخاص يتضمن في فحواه كل نشاط إجرامي يمارسه الجاني سواء كان ( شخصًا طبيعيًا أو شخصًا اعتباريًا أو جماعة إجرامية ) تجاه فئة مستضعفة من البشر بحيث يُشكل هذا النشاط نموذجًا إجراميًا وفقًا للقانون رقم (1)
لسنة 2008 بشان الاتجار بالأشخاص وذلك من خلال استغلال الظروف الاجتماعية والأحوال الاقتصادية لهذه الفئة استغلالاً سيئًا باستخدام طرق غير مشروعة أيًا كانت صورها(6) بقصد جني الأرباح من خلال الاتجار بهم باعتبارهم سلعة متداولة سواء كان ذلك على النطاق الداخلي أو الدولي وتجدر الإشارة إلى أن أغلب ما يكون من ضحايا الاتجار بالبشر من النساء والأطفال ولا يحول دون ذلك أن يكون هناك فئة مستضعفة من الرجال تندرج في إطار ضحايا الاتجار .
وترتيبًا على ما تقدم فان الاتجار بالبشر وفقًا لهذا التعريف يتألف من ثلاثة عناصر أساسية وذلك على النحو التالي :-
أ- الفعل: المتمثل في : تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم
ب_ الوسيلة: المتمثلة في: التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو حالة استضعاف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر .
ج- الغرض من الفعل (الاستغلال) : الذي يشمل كحد أدنى ، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرًا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء .
وبناء على ما سبق ذكره فإن الالتزام في تجريم الاتجار بالبشر يتمثل بصفته مجموعة من العناصر ، وليس العناصر منفردة في حد ذاتها ، ومن ثم فان أي سلوك يجمع بين أي من الأفعال والوسائل المشار إليها ويؤدي لأي من الأغراض المذكورة لابد من تجريمه بصفته اتجارًا كما ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن جريمة الاتجار بالبشر ينبغي أن تُفهم على أنها سلسلة من الأفعال الإجرامية بحيث يُشكل كل من تلك الأفعال (التجنيد،النقل،التنقيل،الإيواء،الاستقبال) جريمة مستقلة إذا ما اقترن هذا الفعل بإساءة الاستغلال أيًا كانت الوسائل المستخدمة في ارتكابها، كما يجب التنويه إلى أن ما تتضمنه هذه العناصر الثلاث لا ترد على سبيل الحصر وإنما تكون على سبيل المثال فهذه الصور من الأفعال والوسائل والغرض منها قابلة للتطور في اتجاه تصاعدي بما يُشكل جريمة الاتجار بالبشر في أنماطها المستحدثة وذلك في ظل العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات الأمر الذي يتطلب إلقاء الضوء على هذا المفهوم بعناصره الثلاثة بمزيد من التفصيل وإيضاح ماهية بعض المصطلحات المستخدمة في هذا القانون فإذا ما استعرضنا العنصر الأول والذي يتضمن في فحواه مجموعة الأفعال المتمثلة في تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم ،
الأمر الذي يثور معه التساؤل عن المقصود بتجنيد الأشخاص ، في الواقع لم يتضمن قانون الاتجار بالأشخاص البحريني توضيح المغزى من هذا المصطلح ، كما لم يتضمن برتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، بيان لهذا المصطلح في شقه القانوني ، وينطبق ذلك أيضًا على باقي المصطلحات المشار إليها أعلاه ، الأمر الذي يفتح المجال للفقه الجنائي للاجتهاد في توضيح هذه المصطلحات في شقها التشريعي وذلك في ضوء الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات المكملة لها في هذا المجال.
أولاً: تجنيد الأشخاص “Recruitment”
يُقصد بتجنيد الأشخاص تطويع(7) الأشخاص واستخدامهم كسلعة قابلة للتداول بالمخالفة للقوانين والأعراف الدولية بغرض الاستغلال وجني الأرباح أيًا كانت الوسائل المستخدمة (مشروعة ، غير مشروعة) وبصرف النظر عن ارتكابها بداخل الدولة أو عبر حدودها الإقليمية.
وهذا يعني أن ضحايا الاتجار من هؤلاء الأشخاص يكونوا خاضعين تمامًا للجاني وينفذون ما يطلبه منهم طواعية نتيجة السيطرة عليهم ويحصل الجاني على منافع مادية في مقابل استغلالهم حتى ولو قام الجاني بإدخال هؤلاء الضحايا إلى دولة المقصد بوسيلة مشروعة(8) وإيهامهم بوجود فرص عمل لهم إلا انه في نهاية الأمر قام بخداعهم والاحتيال عليهم لتجنيدهم واستغلالهم والاتجار بهم .
ويتم التجنيد غالبًا بتقديم قرض للضحية يتم تخصيص الجانب الأكبر منه على سبيل المثال لأهل الضحية مع الوعد بوظيفة يمكن أن تدر العائد الكافي لتسديد القرض والادخار أو بدء مشروع للعمل عند العودة للوطن وتتبخر كل تلك الأماني بوصول الضحية إلى بلد المقصد حيث لا تجد العمل الذي وُعدت به أو تلحق بعمل لا يكفي لتسديد قرضها وتحت الظروف القسرية أو الإكراه تمارس أعمال غير مشروعة تحت الضغط المتواصل من المستغلين(9)
ولا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال محل اعتبار في الحالات التي يكون فيها الجاني قد استخدم أيًا من الوسائل غير المشروعة (10) ، ذلك لأن دور الإرادة لا يقف عند تحريك السلوك الإجرامي بل يتجه نحو تحقيق النتيجة(11) .
ويُدعم هذا الاتجاه رأي فقهي يتضمن في فحواه أن موافقة الضحية ليست ذات أهمية وذلك في جميع حالات الاتجار بالأشخاص ولاسيما إذا عَرفنا الوسائل غير المشروعة بمعناها الأعم لتشمل ليس القوة فحسب بل استغلال أي ضعف كان ، كما يرى هذا الاتجاه أن كل من يقع ضحية للاتجار هو ضحية ضعيفة لا خيار أمامها إلا الخنوع فكل حالة اتجار بالبشر تنطوي على استغلال ضعف ما ، كما يؤكد هذا الرأي أن الموافقة مطلوبة على نحو مستمر ، فقد يكون الشخص الضحية موافقًا عند تجنيده ، ولكن هذه الموافقة تنتفي وتنتقص خلال مراحل الاستغلال اللاحقة(12).
واني أتفق مع هذا الرأي ؛ لأنه إذا كانت الموافقة المبدئية موجودة من قبل الضحية في حالة الاتجار بها فهي نتيجة ضغط من قبل الجاني يباشره على إرادة الضحية لحملها على ارتكاب جريمة معينة تحت تأثير الخوف من خطر جسيم وشيك الوقوع(13) مستغلاً ظروفها الاجتماعية أو الاقتصادية أو حالة ضعفها مما يترتب عليه اضطرارها لارتكاب هذه الجريمة .
فكثيرًا ما يستخدم مافيا الاتجار العزلة “Isolation” كوسيلة للسيطرة أو الإكراه ويمكن أن تشمل العزلة على سبيل المثال مصادرة وثائق تحديد الهوية”Identity ********” أو وثائق السفر “Travel ******** ” أو عزلة الضحايا اجتماعيًا أو لغويًا.
ويُقصد بالسيطرة “Control” هي ممارسة تأثير تقييدي أو توجيهي على ضحايا الاتجار بالبشر الأمر الذي يترتب عليه خنوعهم التام لمافيا الاتجار ويُنفذون ما يُطلب منهم ، أما الإكراه”Coercion” فانه يعني الإجبار باستخدام القوة البدنية أو التهديد باستخدامها أو استخدام العنف النفسي مما يؤدي إلى وقوع الضحية تحت تأثير حالة من الخوف الشديد فتُدفع على ارتكاب الأفعال غير المشروعة .
وينقسم التجنيد إلى عدة أنماط فمنه التجنيد القسرى والتجنيد الخادع الكلي والتجنيد الخادع الجزئي وتعتبر هذه الأنماط أفعال مقترنة بوسائل غير مشروعة ، الهدف منها استغلال الضحايا ، الأمر الذي يتطلب إلقاء الضوء بإيجاز تام على هذه الأنماط من التجنيد :
(أ) التجنيد القسرى “Recruitment Forcible”
هو أخذ ضحايا الاتجار عنوة بعيدًا عن موطنهم الأصلي لإجبارهم وإكراههم على
تنفيذ ما يُطلب منهم ويعني ذلك أن السمة الغالبة هنا القوة واستخدام العنف لاقتياد شخص ما بعيدًا عن محل إقامته الدائم
(ب) التجنيد الخادع الكلي “Recruitment Fully Deceptive”
هو غواية ضحايا الاتجار بالبشر بوعود كاذبة لإيجاد فرص عمل لهم وتحقيق مكاسب مالية على خلاف الحقيقة ، الأمر الذي يترتب عليه خداعهم وتضليلهم تضليلاً كاملاً ، فلا تتبين لهم النوايا الحقيقية لمافيا الاتجار .
(ج) التجنيد الخادع الجزئي “” Recruitment Partially Deceptive
ويقصد بذلك أن ضحايا الاتجار بالبشر قد يعلمون بأنهم سيوظفون في نشاط معين ولكن لا يعرفون تحت أية ظروف ويعني ذلك أن ضحية الاتجار قد توظف في وظيفة معينة في بلد المقصد ثم تفاجأ بوجود ضغوط معينة عليها قد تصل إلى الإكراه والإجبار على ممارسة عمل غير مشروع حيث تتخذ من وظيفتها المعينة بها ستارًا لذلك .
ثانيًا: نقل الأشخاص “”Transportation
يُقصد به تحريك الأشخاص من مكان إلى آخر باستخدام إحدى شركات النقل سواء كانت حركة الأشخاص دولية أو داخلية (أي تشمل دولتين أو أكثر أو تتم من جزء إلى آخر داخل البلد الواحد) وأيًا كانت الوسيلة المستخدمة في نقلهم (جوًا أو بحرًا أو برًا) وبصرف النظر عن الطريقة التي تمت بها الحركة سواء كانت بطريقة مشروعة أو غير مشروعة .
وجدير بالذكر أن البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال ، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ينطبق على الجرائم الدولية عبر الحدود الوطنية وتقوم بارتكابها جماعة إجرامية منظمة(14) وفي هذا الصدد ، يذهب اتجاه فقهي(15) إلى أن الوسيط يجب أن يتبع جماعات إجرامية منظمة تحترف مثل هذا النوع من التجارة ، أما ما يتعلق بالحالات الفردية والعارضة فلا تُعد من قبيل الاتجار في البشر .
ومع وجاهة هذا الرأي إلا أنني لا أتفق مع ما ذهب إليه هذا الرأي فيما يقرره بعدم إدراج الحالات الفردية والعارضة بجريمة الاتجار في البشر تأسيسًا على أن جريمة الاتجار بالبشر يمكن أن تتم على السواء داخل الدولة أو عبر حدودها الوطنية ، فإذا ما تمت داخل حدودها الإقليمية فإن الذي يُعنينا هنا أن يُشكل السلوك المرتكب من قبل الجاني نموذجًا إجراميًا طبقًا للتشريع الجنائي النافذ لأية دولة بصرف النظر عن كونه حالة فردية أو عارضة .
ويعني ذلك أن كل دولة ذات سيادة تتمتع بإصدارها أي تشريع جنائي تراه ملائمًا لمكافحة أنماط الجرائم المختلفة وتقرير العقوبة المناسبة لها لتحقيق الردع العام والغاية المرجوة منه ومن ضمن هذه التشريعات قانون مكافحة الاتجار بالبشر ، حيث يمكن أن تندرج الحالات الفردية أو العارضة تحت طائلة هذا القانون طالما تحقق النموذج الإجرامي بالوصف والشروط والعناصر المذكورة بهذا القانون .
كما أنني أري أن نقل الضحايا قد يتخذ نمطين أساسيين هما النقل المكاني والنقل المهني وسأشير إليهما في عجالة مختصرة وذلك على النحو التالي:ـ
(أ) نقل مكاني
ويُقصد بذلك تحريك الضحية من مكان إلى آخر يستوي أن يكون عبر حدود الدولة أو داخلها ، فعلى سبيل المثال في الحالة الثانية قد يقوم الجاني بنقل بعض الضحايا من محافظة إلى أخرى وذلك حتى يكونوا على مقربة من الأماكن التي يُمكن ممارسة البغاء فيها أو على العكس من ذلك إذا تم اكتشاف أمرهم في هذه الأماكن يحاول الجاني جاهدًا نقلهم بسرعة إلى أماكن أخرى داخل الدولة لممارسة نشاطهم فيها.
(ب) نقل مهني
ويُقصد بذلك أن يتم نقل الضحية بواسطة الجاني سواء كان الشخص طبيعيًا أو اعتباريًا من مهنة مشروعة إلى مهنة غير مشروعة بقصد الاستغلال أيا كانت الوسيلة المتبعة في ذلك ، فعلى سبيل المثال يقوم مكتب استقدام العمالة في دولة ما باستقدام بعض العمالة وغالبًا ما تكون من النساء للعمل كخدم للمنازل وعقب انتهاء الإجراءات ودخولها منزل الكفيل لمباشرة أعمالها المكلفة بها ، قد يتم الاتصال بها عن طريق وسطاء لمافيا الاتجار ومحاولة إغرائها بالمال والكسب السريع لتهرب من منزل مخدومها وتتجه إلى التكسب من عمل غير مشروع قد يُشكل جريمة الدعارة حيث يقوم باستغلالها الجاني أسوأ استغلال ليجني من ورائها أموال طائلة .
مثال آخر قد يقوم مكتب السفريات باستقدام فوج سياحي بغرض السياحة ويعتبر ذلك الشكل الظاهري المستتر ، بينما يبدو في جوهره الصورة الحقيقة حيث تُستغل بعض النساء من هذا الفوج السياحي لأغراض الدعارة والاستغلال الجنسي في المطاعم السياحية والفنادق الكبرى وصالات الديسكو ببعض النوادي والفنادق وقد يتم هذا الاستغلال نتيجة اتفاق مُسبق بين صاحب مكتب السفريات أو من يتولى إدارته وبين وسطاء يعملون لحساب مافيا الاتجار بالبشر .
وخلاصة القول انه قد يكون الفعل مشروعًا في بدايته مستوفيًا للاجراءات القانونية وبمجرد وصول الضحية إلى بلد المقصد ودخولها بصفة مشروعة قد يتم نقلها مهنيًا داخل هذا البلد لممارسة الأفعال غير المشروعة .
ثالثًا: تنقيل الأشخاص “Transfer”
يُقصد به تحويل الملكية إلى شخص آخر ، فالأصل أن الإنسان بطبيعته لا يمكن الاستئثار به أو تملكه أو استغلاله أو بيعه لكونه خارج عن دائرة التعامل ومباشرة الحقوق العينية عليه ، والتي تكون فقط لصيقة بالحق الشخصي .
وتجدر الإشارة إلى أن الحق الشخصي في التملك لا يرد على إنسان وبالتالي لا يصلح أن يكون محلاً للحقوق المالية وبيعه أو الانتفاع به أو استغلاله(16) ومفاد ذلك أن حق الملكية يرد على شيء ، حيث يتيح هذا الحق لمالك الشيء سلطة استغلاله ولكن الواقع العملي يكشف لنا بجلاء أن الجناة بصفة عامة ومافيا الاتجار بصفة خاصة قد يرتكبون أفعالاً إجرامية تختلف صورها وأنماطها تجاه الإنسان باعتباره سلعة متحركة يتم تداولها من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر أيًا كانت الوسيلة المستخدمة في ذلك وأيًا كانت المتاجرة به سواء على النطاق الداخلي أو الدولي وذلك بهدف الاستغلال والحصول على الأموال الطائلة غير مهتمين بإنسانيته و كرامته وحقوقه كإنسان .
فعلى سبيل المثال تقوم بعض العائلات الفقيرة بإعطاء أطفالهن إلى عائلات أخرى غنية أو ذوي مكانة اجتماعية مرموقة مقابل الحصول على مبالغ مالية مجزية (بيع) ومقابل أيضًا قيام هذه الأسر الغنية بتعليم الأطفال وتوفير فرص العمل لهم وقد تستفيد هذه الأسر من خدماتهم في المنازل ، مثال آخر بيع الأطفال لأغراض التبني ، وتعتبر هذه الأمثلة المشار إليها صورة واضحة من الاسترقاق المعاصر بمعنى ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية أو هذه السلطات جميعها على شخص ما بغرض الاتجار بهم ولاسيما النساء والأطفال .
ويرى اتجاه فقهي(17) أن المقصود من مصطلح “Transfer” هو ترحيل الأشخاص من مكان إلى آخر داخل الحدود الوطنية أو عبرها استنادًا إلى المعني اللغوي وتأسيسًا على ورود هذا المصطلح بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمعنى نقل السكان أو الأشخاص أو ترحليهم من مكان إلى أخر ومع وجاهة هذا الرأي وتقديري له إلا أنني لا أتفق مع هذا الرأي فيما يتعلق بالمعنى المراد من هذا المصطلح .
فنحن نعلم جميعًا أن المصطلح الانجليزي يحمل معاني كثيرة بحسب وروده في الجملة ووضعه من خلال النص القانوني والهدف المرجو منه وفضلاً عن هذه المعاني التي ذكرها هذا الرأي واختار منها ترحيل الأشخاص من مكان إلى آخر فاني أرى أن الترجمة الدقيقة لهذا المصطلح تعني انتقال تحويل الملكية إلى شخص آخر حيث تندرج هذه الحالة ضمن السلوك المكون لجريمة الاتجار بالبشر إذا ما اقترن بالوسائل المستخدمة وغرض الاستغلال وطبقًا لذلك التفسير يمكن التمييز بين النقل و التنقيل “Transfer , “Transportationفالأول يعني تحويل الأشخاص من مكان إلى مكان آخر بينما يعني الثاني انتقال تحويل الملكية إلي شخص آخر ولقد سبق لنا إلقاء الضوء عليهما بموجز مختصر مع ضرب الأمثلة العملية .
رابعًا: استقبال الأشخاص “Receipt”
يعني استلام الأشخاص الذين تم نقلهم أو تنقيلهم عبر الحدود الوطنية للدولة أو بداخلها حيث يقوم الجاني أو الوسطاء التابعين لمافيا الاتجار بمقابلة ضحايا الاتجار والتعرف عليهم بالبلد المضيف ومحاولة تذليل العقبات التي تعترض وجودهم ببلد المقصد من حيث الإقامة والمأكل والمشرب بهدف استغلالهم أيًا كانت الوسيلة المتبعة لذلك.
خامسًا: الإيواء
فيعني تدبير مكان آمن من قبل مافيا الاتجار أو الوسطاء التابعين لهم لإقامة ضحايا الاتجار في بلد المقصد أثناء فترة إقامتهم وتذليل كافة الصعوبات التي تواجههم بغرض استغلالهم في تلك الفترة وقد يتضمن الإيواء توفير فرص عمل مشروعة للضحايا في ظاهرها بينما تتضمن في باطنها استغلالهم في أعمال غير مشروعة قد تتم أثناء أو عقب الانتهاء من الأعمال المكلفين بمباشرتها .
وترتيبًا على ما تقدم سنستعرض مفهوم الوسائل غير المشروعة والمقترنة بالأفعال بإيجاز مختصر والتي تتمثل في (الإكراه ، التهديد ، الحيلة ، استغلال الوظيفة ، أو النفوذ ، إساءة استعمال السلطة على شخص ما ) كما يجب التنويه إلى أن هذه الوسائل وردت في النظام القانوني البحريني على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر(18) الأمر الذي يفتح المجال لاستخدام أية وسيلة أخرى غير مشروعة .
أ. الإكراه
ينقسم الإكراه إلى نوعين: إكراه مادي وإكراه معنوي , والأول يؤدي إلى انعدام إرادة الجاني بصورة مطلقة ، بينما الثاني لا يعدم الإرادة كلية وإنما يعيبها بحيث يجعل مجال الاختيار يضيق أمامها إلى حد كبير(19)
والإكراه المادي هو القوة المادية التي تقع على شخص فتسلبه إرادته وتحمله على ارتكاب الفعل المكون للجريمة(20) وقد تكون القوة المادية في الإكراه المادي من فعل إنسان ، مثال ذلك أن تُجبر إحدى النساء الُمتاجر بها على ممارسة الدعارة بقصد استغلالها ، ففي هذا المثال وقعت النتيجة الإجرامية بسبب من صدر عنه الإكراه لا بسبب من نُسب إليه الفعل ، ويعني ذلك أن من خضع للإكراه لا يُسأل جنائيًا عن الجريمة التي ارتكبها لأنه مسلوب الإرادة بل يُسأل جنائيًا من استعمل الإكراه (الجاني) لأنه استعمله عمدًا لسلب إرادة من خضع للإكراه (ضحية الاتجار) فحمله على إتيان عمل رغمًا عن إرادته(21)
أما الإكراه المعنوي فيعني الضغط الذي يباشره شخص على إرادة آخر لحمله على ارتكاب جريمة معينة . فالإكراه المعنوي لا يعدم إرادة المكره من الناحية المادية ولكنه يشل حركتها ويذهب بقيمتها من حيث القدرة على الاختيار(22) , فيدفع المكره ويحمله على ارتكاب الجريمة تحت تأثير الخوف من خطر جسيم وشيك الوقوع ، مثال ذلك أن تأتي امرأة الفعل المادي في جريمة الدعارة بغرض استغلالها من قبل الجاني تحت تأثير التهديد بقتل والدها فترتكب ذلك الفعل المكون للجريمة ، ففي هذا المثال نجد أن ضحية الاتجار ترتكب الجريمة مضطرة لكي تفلت من الخطر المحدق الذي يتهددها بقتل والدها.
ب. التهديد
يعتبر التهديد إحدى الوسائل المستخدمة للضغط على إرادة المجني عليه لدفعه لاغتراف جريمة محددة ، فمثلا نجد أن الشخص الخاضع للتهديد كان في إمكانه الامتناع عن إتيان السلوك الإجرامي الذي أُمر به إذا قبل أن يتحمل الضرر الجسيم على نفسه أو على نفس غيره ولكنه يرتكب الجريمة مضطرًا لأنه يفقد القدرة على الاختيار فيقدم ارتكاب الجريمة تجنبًا لوقوع الخطر الجسيم الذي يحيط به.
ج. الحيلة
لم يضع المشرع تعريفًا للطرق الاحتيالية ، تاركًا ذلك لاجتهاد الفقه والقضاء واكتفي بتحديد الغرض منها ، ويمكن أن نعرف الطرق الاحتيالية في نطاق جريمة الاتجار بالبشر بأنها ” كل كذب أو وعود كاذبة تدعمها مظاهر خارجية يكون من شأنها إيهام المجني عليه (ضحية الاتجار) بالمساعدة على قضاء حاجاته وطلباته بطريقة مشروعة على خلاف الحقيقة” حيث يقوم الجاني باستغلال ظروفه الشخصية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي يمر بها لحمله على إتيان سلوك إجرامي معين نتيجة خداعه وتضليله بقصد استغلاله وجني الأرباح من ورائه .
د. استغلال الوظيفة أو النفوذ
يعتبر استغلال الوظيفة أو النفوذ جريمة مستقلة في النظام القانوني البحريني وترتكز على ركنين مادي ومعنوي يسبقها شرط مفترض هو التمتع بنفوذ حقيقي أو مزعوم لدى سلطة عامة أو جهة خاضعة لإشرافها إلا أن قانون الاتجار البحريني تضمن النص عليه باعتباره إحدى الوسائل المقترنة بالفعل المكون لجريمة الاتجار بالبشر طالما كان ذلك بقصد استغلال الضحية أو المجني عليه ، الأمر الذي يتطلب إيضاح المقصود من هذه الوسيلة .
يُقصد باستغلال الوظيفة أو النفوذ أن يكون للشخص نوع من التقدير لدى بعض رجال السلطة الذين بيدهم تحقيق مصلحة ذي الشأن مما يمكن له من حملهم على قضائها ، وقد يكون ذلك راجعًا إلى مركزه في المجتمع ، وقد يكون بسبب صلة تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة أو الصداقة أو ما أشبه ذلك(23) ويستوي أن يكون الشخص المتجر بنفوذه يتمتع بنفوذ فعلي أو نفوذ مزعوم ويتحقق الأخير بمطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية(24) لكن يشترط في كل الحالات أن يكون المستغل لنفوذه موظفًا عامًا أو مكلفًا بخدمة عامة ، وتستوي بعد ذلك لتوافر الجريمة أن يكون المستغل لنفوذه يستطيع أو لا يستطيع الحصول على المزية محل الواقعة لطالبها .
ولا يشترط أن يتسلم المتجر بنفوذه العطية بالفعل ، إذ مجرد طلب العطية أو مجرد قبولها يحقق الركن المادي ولم تؤخذ العطية بالفعل(25) .
أما عرض العطية على ذي النفوذ ورفضها من جانبه فإنه لا يعتبر جريمة لعدم النص عليها(26) ويتوافر قصد الجاني أو الوسيط التابع لمافيا الاتجار إذا كان غرضه من تقديم العطية حمل صاحب النفوذ على الاتجار به أي السعي به لدى السلطة العامة واستغلال المجني عليه (ضحية الاتجار) .
هـ. إساءة استعمال السلطة علي شخص ما يُقصد بإساءة استعمال السلطة بصفة عامة أن يبتغي الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية مختلفة عن تلك التي حددها القانون للأعمال الداخلة في هذا الاختصاص ،
وتتحقق تلك الصورة في الحالات التي يترك فيها المشرع للموظف قدرًا من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر في حدود الصالح العام ـ بمحض اختياره ـ ما يراه محققا لهذه الغاية ، والفكرة الجوهرية في هذه الصورة إذن أن الشارع حينما خول الموظف سلطة فقد أراد بذلك أن يستعملها لتحقيق مصلحة عامة حددها فإن ابتغى باستعمالها تحقيق مصلحة خاصة لنفسه أو لغيره فقد أساء استعمال سلطته ، وبذلك يكون تصرفه مشوبًا بعيب الانحراف في السلطة(27) .
ولقد قضى مجلس الدولة المصري “بأن سوء استعمال السلطة نوع من سوء استعمال الحق والموظف يسئ استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على القانون وأهدافه وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضربًا من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه(28).
ويجب التنويه إلى أهمية التمييز بين استعمال الحق(29) وإساءة استخدام السلطة المقررة بمقتضي هذا الحق فالأول مقرر بمقتضى القانون والعرف بينما الثاني يجرمه القانون ويقرر له العقوبة المستحقة ، فعلى سبيل المثال نجد أن حق تأديب الزوج لزوجته مستمد من الشريعة الإسلامية(30) فيقول الله تعالى في سورة النساء “واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ” والضرب المباح شرعًا هو الضرب البسيط الذي لا يترك في الجسم أثرًا ، فإذا خرج الزوج عن الحدود التي رخص بها الشارع الإسلامي فإنه لا يتمتع بسبب الإباحة ويستحق العقاب ويشترط أخيرًا لاستعمال هذا الحق أن يكون بقصد تحقيق الغاية التي شرع من أجلها وهي تهذيب الزوجة ومواجهة نشوزها ، أما إذا كان بقصد الانتقام أو التعذيب أو مجرد الاهانة فإن الزوج لا يتمتع بسبب الإباحة ويستحق العقاب(31)
كما يجوز للآباء أو أولياء النفس عند عدم وجود الأب والوصي والأم حق تأديب الصغار لإصلاحهم وتعليمهم شرط ألا يتجاوز حدود الضرب البسيط الذي يجب أن يكون باليد دون استعمال وسيلة أخرى كالسوط أو العصا ولا يتجاوز الإيذاء الخفيف الذي لا يترك أثرًا في الجسم ولا يتجاوز الضرب ثلاث ضربات(32) , ولا يجوز تقبيح الوجه أو الرأس وحق التأديب مقيد بالغاية التي شرع من أجلها وهو إصلاح الصغير وتعليمه وتهذيبه ، فإن تجاوز مستعمل الحق بفعله هذه الغاية إلي غاية أخرى خرج فعله من دائرة الإباحة ودخل دائرة التجريم واستحق بالتالي العقاب ومصدر هذه الحق هو الشريعة الإسلامية .
كما أن حق التأديب ثابت بمقتضي العرف للمخدوم على خادمه أي لرب الأسرة على مخدومته أو مخدومه بشرط مراعاة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية وعدم الإيذاء والضرب المبرح أو القيام بأي شكل من أشكال التعذيب مخالفًا بذلك القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية.
وعلى الرغم من ذلك فانه تبرز على الساحة الداخلية إساءة استخدام السلطة الأدبية المكفولة لشخص ما على أشخاص آخرين في كنفه أو تحت رعايته وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية هو قيام علاقة زوجية مثل تجاوز الزوج في معاملاته الأسرية مع زوجته وتجاوز الحدود المسموح بها مثل الضغط عليها للعمل في مجال الدعارة وقد تكون مصدرها العلاقة الأسرية بين الأب وأبنائه ، فيسئ الأب استخدامها مثل قيام الأب بمضاجعة ابنته (زنا المحارم) وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية العلاقة بين رب الأسرة (الكفيل) ومخدومته فيسئ إليها بدنيًا ويعتدي عليها جنسيًا .
وخلاصة القول انه يمكن تعريف إساءة استعمال السلطة على شخص ما من الناحية الأدبية بأنها تجاوز من قبل الشخص الحدود المرسومة له بشأن ممارسة سلطة أدبية ممنوحة له على شخص آخر مخالفًا بذلك القانون والعرف والعادات والتقاليد والثقافات المتبعة في ربوع هذا المجتمع .
وجدير بالذكر أن المشرع البحريني قد نص في قانون الاتجار على استخدام أية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ويُفهم من هذا النص أن المشرع قام بالتعميم باستخدام جميع الوسائل غير المشروعة فيما يتعلق بالأشكال المختلفة للاتجار بالبشر وقد أحسن المشرع البحريني النص على التعميم وذلك لاستيعاب الوسائل غير المشروعة المستحدثة التي ربما تظهر في المستقبل ويتم استخدامها لاحقًا فيما بعد ، كما يجب التنويه إلى أن الوسائل غير المشروعة غير المباشرة تجد أمثلتها في الطرق الاحتيالية والوسائل الخداعية والوعود الكاذبة
قائمة المراجع
1- يقصد بالجرائم ضد الإنسانية هي تلك الجرائم التي تنطوي على عدوان صارخ على القيم الإنسانية والجماعات البشرية لاعتبارات معينة تكمن بداخل مرتكبي هذه الجرائم وتجدر الإشارة إلى أن أهم الاتفاقيات التي أبرمت في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية قد تناولت جرائم الإبادة الجماعية و الجرائم المشابهة لها مثل جريمة الفصل العنصري و جريمة الرق والاتجار فيه و جريمة التعذيب وجريمة استخدام الإنسان في التجارب والاختبارات المعملية وتتضمن هذه الاتفاقيات نصوصًا تتعلق بتسليم المجرمين في حالة مخالفة نصوص بنودها واقتراف الوقائع الإجرامية المذكورة فيها ، انظر السيد محمد سليم ، جريمة إبادة الجنس البشري ، مجلة المحاماة العددان الأول والثاني ، السنة 52، يناير وفبراير 1972 ص 161 وما بعدها.
Glaser.S.”Droit international pénal conventionnel vol ll , 1978 p. 130
2- سورة الإسراء ، الآية رقم (70).
3ـ د . سوزي عدلي ناشد ، الاتجار فـي البشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي ، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، العدد الثاني ، 2003 ، كلية الحقوق ،جامعة الإسكندرية ، دار الجامعة الجديدة ص 176 وما بعدها .
4ـ انظر المادة الأولى ، الفقرة (أ) من القانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص.
5- تجدر الإشارة إلى أن تعريف الاتجار بالبشر ليس بأمر جديد فإن الاتفاقية الخاصة بالرق لعام 1926 وضعت تعريفًا لعبارة ” تجارة الرقيق” وهي كما عرفتها الاتفاقية ” جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو اكتساب حيازته أو التخلي عنه للغير بقصد تحويله إلى رقيق ، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها اكتساب حيازته كرقيق بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي بيعًا أو مبادلة برقيق آخر وبصفة عامة أي اتجار بالأرقاء أو نقلهم (أيًا كانت وسيلة النقل المستخدمة) ويعتبر هذا التعريف هو الأصل الذي نبع منه التعريف الحديث للاتجار بالبشر وتطور فالتعريف التقليدي للاتجار بالبشر هو التصرف في الأشخاص باعتبارهم رقيق ويجب أن يؤخذ ذلك في الاعتبار عند محاولة فهم أو تفسير نص المادة الأولي من القانون البحريني رقم (1) لسنة 2008 بشان الاتجار بالأشخاص.
6ـ – تتخذ الوسائل غير المشروعة عدة صور قد تتمثل في التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ، راجع م “3” من بروتوكول الأمم المتحدة بشأن منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص لعام 2000 .
http://www1.umn.edu/humanrts/arab/p1orgcrime.html
7- تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الدولية لقمع الاتجار بالرقيق الأبيض الصادرة عـام 1910 ، قد عددت الوسائل المستخدمة للتطويع في مادتيها الأولــــى والثانية حيث تشمل (الاستدراج) ،(التحريض) ، (الغواية) وكذلك استخدام (الخداع) ، (القوة ) ( التهديد ) ، أو (استعمال السلطة) أو أية طريقة أخرى من طرق الإكراه .
8- انظر قضية فيرتشينكو :
ويتلخص مضمون هذه القضية أنه في غضون عام 2001 قام أحد مواطني روسيا يُدعي فيرتشينكو بتجنيد ست نساء وافقن على المجيء إلى الولايات المتحدة للرقص في ناديه بينهن اثنتان في سن السادسة عشر (قاصرات) ولكن بعد وصولهن إلى الولايات المتحدة ، انتهى بهن الأمر للعمل في الدعارة ، وبعد أن قبضت السلطات على فيرتشينكو اتهمته بالاحتيال وتضليل العدالة وتهديد الشهود ونقل قاصرات عبر الحدود وبمجرد اعترافه بالتهمة تمت محاكمته وفقًا لقانون الاتجار الأمريكي لحماية الضحايا الصادر سنة 2000 وتعديلاته حيث تم تخفيف الحكم علية بالسجن لمدة ثلاثين شهر فقط نظرًا لاعترافه بالتهمة انظر المادة الصحفية الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية والتي تتضمن القانون النموذجي الأمريكي ضد جريمة الاتجار .
http://www.usdoi.gov/opa/pr/2001/August/438cr.htm
9- المستشار عادل الماجد ، مكافحة جرائم الاتجار بالبشر في الاتفاقيات الدولية والقانون الوطني ، سلسلة الدراسات القانونية (2) ، معهد التدريب والدراسات القضائية ، دولة الإمارات العربية المتحدة ، (د.ت) ، ص 87
10- انظر المادة (3) ، (ب) من البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال ، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .
11- د . محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ـ دار النهضة العربية ، ط5 ، 1982 ، ص 560 وكذا د . أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ـ القسم العام ـ الجزء الأول ، دار النهضة العربية ، 1985 ، ص 349 ، د . مأمون سلامة ، قانون العقوبات ـ القسم العام ـ ط4 ، 1984 ، دار الفكر العربي ، ص 327.
12- د. محمد مطر ، بروتوكول الأمم المتحدة بشأن منع والقضاء على ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبشكل خاص النساء والأطفال ، تأملات بعد خمس سنوات ، كلمة أُلقيت أمام المؤتمر السنوي لمركز كونكورد حول الأشخاص المُعدين للاستعمال لمرة واحدة : الاتجار بالأشخاص ( 22 كانون الأول ـ ديسمبر 2005) لمزيد من التفاصيل راجع الموقع
http://www.protectionproject.org/speeches/deco5.pdf
13- د . أحمد شوقي عمر أبو خطوة ، شرح الأحكام العامة لقانون العقوبات ، دار النهضة العربية ، 2007 ، ص ـ 559 .
14ـ المادة (4) من البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال ، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة.
15- د. سوزي عدلي ناشد ، مرجع سابق ، ص 175
16ـ ينص القانون المدني البحريني في المادة (81) ,(2) على أن ” تعتبر الأشياء خارجة عن دائرة التعامل بطبيعتها إذا كان لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كما تعتبر الأشياء خارجة عن التعامل بحكم القانون إذا كان القانون لا يجيز أن تكون محلاً للحقوق المالية ” لمزيد من التفاصيل راجع د 0 عبد الرزاق أحمد السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، كتاب حق الملكية، الجزء الثامن ، منشورات الحلبي الحقوقية ، ط3 ، بيروت ،2000 ، ص6 وما بعدها .
17- المستشار عادل الماجد ، مرجع سابق ، ص88
18- حيث نص المشرع البحريني في المادة الأولى ، البند (أ) من قانون الاتجار بالأشخاص على أن (………………. أو بأية وسيلة أخري غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة )
19- تنص المادة (31) من قانون العقوبات البحريني على أن (لا مسئولية على من ارتكب الفعل المكون للجريمة من غير إدراك أو اختيار)
20ـ انظر التعريف الذي أوردته محكمة النقض المصرية للإكراه المادي حيث قررت بأنه” العامل الذي يسلب الشخص إرادته فيرغمه على إتيان عمل لم يرده ولم يكن يملك له دفعًا” ، راجع نقض 20 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض ، س10 ، رقم99 ، ص451
21ـ Merle et Vitu ,Traite de droit criminel , Tome1edit Cujas , paris , 1981 , No.566, p706
22ـ د. علي راشد ، القانون الجنائي ، المدخل وأصول النظرية العامة ، ط2 ، دار النهضة العربية ، 1974، ص 345.
23ـ د. عبد المهيمن بكر ، القسم الخاص في قانون العقوبات ، دار النهضة العربية ، 1976 – 1977 ، بند 128 ، ص 340.
24ـ نقض 19 فبراير سنة 1968 مج أحكام النقض ، س19 ، رقم43 ، ص 238 .
25- نقض 14 أكتوبر سنة 1968 ، مجموعة أحكام النقض ، س 19 ، رقم 164 ، ص 832
26ـ د. رمسيس بهنام ، الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1986 ، ص 50
د. حسين مدكور ، الرشوة في الفقه الإسلامي مقارنًا بالقانون ، دار النهضة العربية , 1984 ص 448
27- د. أحمد عبد اللطيف ، جرائم الإهمال في مجال الوظيفة العامة في قانون العقوبات ، مكتب الرسالة الدولية للطباعة ، 1996، ص 500 وما بعدها .
28- حكم مجلس الدولة المصري في 7 يونيو 1949 السنة الثالثة ، ص93 .
29- تنص المادة (16) من قانون العقوبات البحريني على ” لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضي القانون أو العرف”
30- تنص المادة (2) من الدستور البحريني المعدل على أن ” دين الدولة الإسلام , والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ولغتها الرسمية هي اللغة العربية”
31- قضى بأن حق التأديب يبيح الضرب الخفيف ، فإن تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته كان معاقبًا عليه قانونًا ولو كان الأثر الذي حدث بجسم الزوجة لم يزد عن كدمات بسيطة ، فإن هذا القدر كاف لاعتبار ما وقع منه خارجًا عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية ومستوجبًا العقاب ، نقض 18ديسمبر 1933 ، مجموعة القواعد القانونية ، ج3 ، رقم 175 ، ص235 كما قضى أيضًا بأن الضرب الفاحش هو الذي يؤثر في الجسم ويغير لون الجلد ، نقض 7يونيو 1965 ، مجموعة القواعد القانونية ، س16 ، رقم110 ، ص 552
32- د. السعيد مصطفى السعيد ، الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة الإسلامية والقانون المصري 1960 ، ص 179.
اترك تعليقاً