بحث قانوني واسع عن إثباث الطلاق في قانون الأسرة الجزائري
لقد قدس الإسلام الزواج و سماه ميثاقا غليظا و وضع له من القواعد ما يضمن به بقاؤه واستمراره إلا أنه و مع ذلك فقد شرع الطلاق استثناءا و اعتبره أبغض الحلال إلى الله عز وجل علاجا للحياة المتفككة، وقيده بجملة من الأحكام والإجراءات ينبغي على الزوج إتباعها حتى يقع طلاقه و يعتبر سنيا و صحيحا، و الطلاق لغة مأخوذ من الإطلاق و هو الإرسال والترك، وفي الشرع هو حل رابطة الزواج و إنهاء العلاقة الزوجية، فالأصل أن عقد الزواج يعقد للدوام و التأبيد.
و قد اختلف الفقهاء في حكم الطلاق و الأصح هو رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة وهم الأحناف و الحنابلة و استدلوا على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله كل مذواق مطلاق» ، كما قال أيضا صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله عزوجل الطلاق»
و قبل طرح مختلف الإشكاليات التي سوف نحاول معالجتها في بحثنا هذا ينبغي علينا الإشارة بنوع من الإيجاز إلى مسألة إثبات الطلاق قبل صدور قانون الأسرة الجزائري بدءا بفترة الاحتلال الفرنسي لبلادنا أين كانت تطبق على المسلمين أحكام الشريعة الإسلامية، وأنشأت لهذا الغرض المحاكم الشرعية وأهم قانون كان يطبق آنذاك هو الأمر294-59 الصادر في04/02/1959بالإضافة إلى النصوص التطبيقية له والجدير بالذكر في هذا المجال أنه في هذه المرحلة وإلى غاية صدور الأمر 294- 59 كان الطلاق إجراءا بسيطا لا يتطلب أية شكلية إذ يتم بإعلان الزوج عنه لدى القاضي الشرعي ويتعين فيما بعد على الزوجة المطلقة رفع دعواها من أجل المطالبة بحقوقها المالية ، إلا أنه بعد 1959 أصبح انحلال العلاقة الزوجية يخضع بصفة إلزامية إلى القضاء و ينظمه بصفة خاصة المرسوم رقم 7082-59 المؤرخ في 17/09/1959 الذي تضمن اللائحة التنفيذية لأمر294- 59.
أما بعد الاستقلال فقد صدر القانون رقم 218- 63 المؤرخ في 18/05/1963 و الذي ألغى ولاية محكمة النقض الفرنسية على القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الجزائرية و أنشأ مكانه المجلس القضائي الأعلى ، بالإضافة إلى المرسوم 261- 63 المؤرخ في 22/07/1963 و الذي ألغى المحاكم الشرعية و نقل إلى المحاكم المدنية العادية ، واستمر الحال على ما هو عليه إلى غاية صدور قانون الأسرة الجزائري حيث أصبح الطلاق لا يمكن أن يتم إلا بتصريح من القاضي بعد محاولة الصلح.
و قد عرفه المشرع الجزائري في المادة 48 منه بأنه حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53و54 من هذا القانون.
إلا أن ما يعنينا في بحثنا هذا هو الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج ذلك أنه وان كان المشرع الجزائري قد أطلق لفظ الطلاق على كل من الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج أو بالخلع أو بطلب الزوجة إلا أن مسألة إثبات الطلاق في حد ذاتها لا تتعلق إلا بالطلاق بالإرادة المنفردة، لأن دور القاضي هنا يكون سلبيا إذ يتحقق فقط من إرادة الزوج في إيقاع الطلاق ليحكم بإثبات هذه الإرادة دون أن يكون له الحق في مناقشتها .
و عليه ومتى وقع الطلاق بهذه الصفة وجب على الزوجة أن تعتد و بانتهاء عدتها تبين من زوجها إما بينونة صغرى أو بينونة كبرى، ولكن ورغم صحة وقوع الطلاق من الناحية الشرعية إلا أنه قد يتدخل المشرع و يقيد إرادة الزوج في إيقاع الطلاق باللجوء إلى القضاء و التصريح به أمامه، ومن ثمة فلا يمكن تصور وقوع الطلاق خارج إطار القضاء، ولكن ومع ذلك فإن الواقع العملي أثبت وجود هذه الحالات وهنا يطرح التساؤل: كيف يتصرف القاضي أمام هذا الموقف مع وجود نص قانوني صريح ؟
هل يحكم بإثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي أم من تاريخ صدور الحكم ؟
و فيما إذا كانت الإجابة بنعم كيف يتعامل مع آثار الطلاق مع العلم أن العدة تكون قد انقضت ؟
هذا من جهة و من جهة أخرى تطرح إشكالية الطعن في الحكم القاضي بالطلاق خاصة مع غموض نص المادة 57 من قانون الأسرة و عدم النص على مسألة الطلاق العرفي.
الفصل الأول: كيفية إثبات الطلاق .
في حقيقة الأمر أن مسألة إثبات الطلاق و إن كانت للوهلة الأولى تبدوا بسيطة إلا أنها تنطوي على غموض كبير خاصة في تفسير نص المادة 49 من قانون الأسرة إذ يثار الإشكال حول الحكم الصادر بالطلاق فيما إذا كان منشئا أو مقررا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه نظرا لخصوصية الحكم بإثبات الطلاق فإنه لا مجال لإعمال سلطة القاضي فيه ذلك أنه يتعين عليه أن يحكم بالطلاق متى رفع إليه بناءا على إرادة الزوج المنفردة دون أن يكون له الحق في مناقشته، و عليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يدخل الحكم بالطلاق في الوظيفة الولائية للقاضي أم في الوظيفة القضائية له ؟
وعلى صعيد آخر نجد أن التطبيقات القضائية تذهب إلى إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء وبأثر رجعي مع العلم أن هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة الجزائري تطبيقا لقواعد الشريعة الإسلامية، وعليه هل يمكن القول بأن مسلك القضاء سليم في هذا المجال أم أن ذلك بدعة قضائية ينبغي النزوح عنها ؟
خاصة و أن المادة 222 من قانون الأسرة تحيل على أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لكل ما لم يرد النص عليه في قانون الأسرة.
إجابة على مختلف هذه التساؤلات و غيرها فإننا سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري و الذي نتطرق فيه إلى المبدأ الوارد به و هو عدم ثبوت الطلاق إلا بحكم قضائي في مطلب أول و خروج القضاء عن هذا المبدأ بإثباتهم الطلاق العرفي بأثر رجعي في مطلب ثاني ، في حين نخصص المبحث الثاني إلى كيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية على أساس أن المادة 222 من ق. أ أحالت عليها في حالة الغموض ، و على أساس أن المرجع القضائي في إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي هو الشريعة الإسلامية و سوف نتطرق فيه إلى الإشهاد على الطلاق في الشريعة الإسلامية في المطلب الأول أما المطلب الثاني فنخصصه لطرق الإثبات المقررة شرعا وقانونا.
المبحث الأول: كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
نص المشرع الجزائري في المادة 49 من ق.أ على ما يلي : لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر .
يتضح لنا من خلال هذه المادة أن إرادة المشرع تتجه إلى إخضاع مسألة إثبات الطلاق إلى القضاء إلا أن الإشكالية التي تثار في هذه الحالة هي مسألة إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء بحكم قضائي وبأثر رجعي و هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة الجزائري إلا أن القضاء استمر يحكم به حتى بعد صدور قانون الأسرة وعليه فإن السؤال المطروح هو كيف يتم إثبات الطلاق في قانون الأسرة و ما مدى صحة اتجاه القضاء في هذا المجال ؟ وهذا ما سوف نتناول الإجابة عنه فيما يلي:
المطلب الأول : ثبوت الطلاق بحكم قضائي .
كما سبق وأن ذكرنا فإن المادة 49 من قانون الأسرة استعملت عبارة لا يثبت و ليس لا ينعقد أو لا ينشأ أو لا يقع الطلاق إلا بحكم .
وعليه يطرح التساؤل حول ما يرمي إليه المشرع الجزائري من خلال هذه العبارة : هل يقصد أن الطلاق يمكن أن يقع خارج ساحة القضاء إلا أن إثباته يكون باللجوء إلى القضاء أم أنه لا يمكن تصور الطلاق خارج ساحة القضاء ؟
وهذا ما سوف نجيب عنه من خلال الفروع التالية :
الفرع 01/ ضرورة صدور حكم لإثبات الطلاق .
للوهلة الأولى يفهم من سياق المادة 49 من ق . أ : أنه فقط مسألة الإثبات هي التي تبقى خاضعة للقضاء إلا أن وقوع الطلاق في حد ذاته يمكن أن يكون خارج ساحة القضاء .
ولكن : وبالرجوع إلى مواد قانون الأسرة نجدها تعتبر أن الطلاق لا يكون إلا بموجب حكم قضائي و أن العدة تبدأ من تاريخ التصريح بالطلاق من القاضي و أن هذا الطلاق هو طلاق بائن رغم أنه يعد انطلاقة لبداية احتساب العدة و بالتالي فإن المراجعة تكــــون قبل صدورالحكم بالطلاق أي أثناء محاولة الصلح فما طبيعة الرجعة في هذه الحالةو هل يمكن اعتبارها طلقة تدخل ضمن الطلقات الثلاثة التي يملكها الزوج على زوجته أم لا ؟
و بعبارة أخرى هل يفهم من ذلك بأن المشرع اعترف ضمنيا بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء أم أن المراجعة لا تنصرف إلى الطلاق الرجعي ؟
و إذا قلنا بأن الأمر كذلك فهل يعني ذلك أن المشرع الجزائري لا يعترف بوجود الطلاق الرجعي لأنه بصدور الحكم تبين الزوجة من زوجها ؟
إجابة على هذه الأسئلة نقول في البداية بأن المشرع قد حدد فترة زمنية تجرى خلالها محاولة الصلح وهي ثلاثة أشهر ممنوحة للزوجين من أجل مراجعة نفسيهما ،و بالتالي لا يجوز للقاضي أن يحكم قبل مضي هذه المدة إلا أنه في حالة امتداد المصالحة إلى أكثر من ثلاثة أشهر فإن المشرع لم يرتب أي جزاء على ذلك.
وفي رأيي أن عدة الزوجة عادة ثلاثة أشهر وعليه فقد رأى المشرع أن المصالحة خلال العدة لا تحتاج إلى عقد جديد ومن هنا جاءت مدة الثلاثة أشهر وبما أن الأمر كذلك فإننا نفهم أن المشرع قد اعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء ضمنيا و يبقى الإشكال في كون أن المشرع لم يرتب جزاءا عن المصالحة التي تقع بعد مضي مدة الثلاثة أشهر .
وفي هذا المجال يرى الأستاذ زودة عمر أن الرجعة التي تقع بعد الإعلان عن الطلاق من قبل القاضي لا تدخل في مفهوم الرجعة التي يملكها الزوج في الطلاق الرجعي ،لأن الطلاق لم يقع بعد ، و تبعا لذلك يستطيع الزوج أن يعيد الزوجة إلى بيت الزوجية في أي وقت ما دامت العلاقة الزوجية ما تزال قائمة.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري لم يميز بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن هذا إذا أخذنا بحرفية النص و بفكرة عدم وقوع الطلاق خارج ساحة القضـاء، أما إذا أخذنا بالمفهوم المقابل له و هو وقوع الطلاق خارج ساحة القضاء و ثبوته بحكم قضائي فإننا نكون كما سبق البيان أمام نوعين من الطلاق طلاق رجعي و آخر بائن.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد فرق بين الطلاق البائن بينونة كبرى و الطلاق البائن بينونة صغرى ، و ذلك بنصه في المادة 51 من ق. أ على أنه لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن تتزوج غيره وتطلق منه أو يموت عنها بعد البناء .
و قد ذهبت المحكمة العليا إلى التفرقة بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن حيث جاء في قرارها أنه من المتفق عليه فقها و قضاءا في أحكام الشريعة الإسلامية أن الطلاق الذي يقــع من الزوج هو الطلاق الرجعي وأن حكم القاضي به لا يغير من رجعيته لأنه إنما نزل على طلب الطلاق. أما الطلاق البائن فهو الذي يقع ما قبل الدخول أو وقع بناءا على عوض تدفعه الزوجة لزوجها للتخلص من الرابطة الزوجية معه، و كذلك الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءا على طلب الزوجة لدفع الضرر عنها و حسم النزاع بينها و بين زوجها.
و إن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية و لذلك يستوجب نقض القرار الذي اعتبر الطلاق بإرادة الزوج طلاقا بائنا.
وعلى صعيد آخر نجد أن عبارات قانون الأسرة جاءت غامضة، إذ نجد في المادة 58 منه عبارة تاريخ التصريح بالطلاق فما لمقصود منها ؟ هل نعني بها تلفظ الزوج بالطلاق أم نعني بها تصريح القاضي به ؟
يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الطلاق لا يقع إلا بموجب حكم فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط للانعقاد، ذلك أن المشرع عندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح فهو ينفي وقوع أي طلاق مالم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي و من ثمة يكون المشرع قد انحاز إلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الواقع خارج مجلس القضاء بل يجب على الزوج أن يعلن عن إرادته في استعمال حقه في الطلاق أمام القاضي بعد أن يستوفي إجراء الصلح، وينتهي استعمـال الزوج لحقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي يثبت فيه استيفاء إجراء الصلح و تعبير الزوج عن إرادته في ذلك، و من ثمة يعدّ المحرر القضائي شرطا لصحة وقوع الطلاق و ليس وسيلة لإثباته.
ونجد أن المشرع الجزائري لم يستحدث أمرا جديدا و إنما أخذ برأي الفقهاء الذين يقولون بضرورة الإشهاد على الطلاق.
وعلى غرار التشريع الجزائري فقد ذهب التشريع التونسي إلى عدم وقوع الطلاق خارج ساحة القضاء. وذلك على خلاف التشريع المصري و الذي يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء، حيث يثبت بجميع طرق الإثبات الشرعية من إقرار و بينة ويمين.
وقد ذهب الاجتهاد المصري إلى أن إقرار الزوج بطلاق زوجته مسندا إلى تاريخ سابق لا يعد إنشاء لطلاق جديد، و حجتهم في ذلك هو حتى لا يحل له التزوج بأختها أو بأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها و هو المختار.
كما ورد في اجتهاد آخر أن يعامل المطلق في حق نفسه وحق الشرع بإقراره بالطلاق ، و بانقضاء العدة في زمن يحتمل فيه ذلك فليس له حق مراجعة مطلقته.
وتجدر الإشارة إلى أنه و إن كان المشرع الجزائري لم ينص على إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء بأثر رجعي إلا أن التطبيقات القضائية في مختلف المحاكم تعمل على إثبات الطلاق العرفي وترتب عليه آثاره بأثر رجعي، وقد عمت هذه الظاهرة في معظم محاكم البلاد و على رأسها محكمتي الجلفة و البويرة وقبل التطرق إلى مسألة الطلاق العرفي و الإشكاليات الناجمة عنه ينبغي علينا معرفة أولا طبيعة الحكم بالطلاق فهل هو حكما منشئا أم مقررا ؟ وهل هو عملا قضائيا أم عملا ولائيا ؟
الفرع الثاني:طبيعة الحكم بإثبات الطلاق.
إن البحث في طبيعة الحكم المثبت للطلاق يقودنا إلى البحث أولا في أنواع الأحكام القضائية و التي تنقسم إلى أحكام تقريرية، أحكام منشئة و أحكام إلزام،وكل حكم تقابله دعوى خاصة به ، ثم البحث في طبيعة الحكم في حد ذاته فيما إذا كان حكما قضائيا بأتم معنى الكلمة أم لا يعدوا أن يكون مجرد عملا ولائيا .
ونعلم أنه وكما سبق بيانه فإن حق الطلاق المقرر للزوج هو حق إرادي و الحق الإرادي يعرف بأنه سلطة إحداث الأثر القانوني بمحض إرادة صاحبه ما دام ذلك يوافق القانون وبمجرد استعماله يترتب عليه الأثر القانونـي و هنا يجب تمييزه عن الحـــــق الإرادي الذي لا يولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني إذ لا ينشأ هذا الأخير إلا بناءا على ما يرتكبه الطرف الآخر في الرابطة من إخلال بالتزاماته و مثالها حق الزوجة في التطليق .
ولذلك فإن طرق استعمال هذا الحق تختلف عن طرق استعمال الحق الإرادي الذي ولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني .
إلا أنه ورغم كون حق الزوج في الطلاق هو حق إرادي فقد قيده المشرع باللجوء إلى القضاء ، وتبعا لذلك أصبحت إرادة الزوج عاجزة لوحدها على ترتيب الأثـر القانوني إلا باستيفاء الشكل المقرر قانونا، و ذلك باستصدار حكم قضائي يثبت إرادة الزوج في الطلاق .
وقد جعل المشرع لهذا الحكم طبيعة الإنشاء لأنه ينهي العلاقة الزوجية بين الطرفين و يخلق بذلك وضعا جديدا و ذلك من تاريخ صريح القاضي به ،إلا أن السؤال الذي يبـقـــى مطروحا هو ماهي طبيعة هذا الحكم ؟ هل يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي أم أنه عملا قضائيا ؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا التمييز بين الأعمال القضائية و الأعمال الولائية للقاضي ، فالأصل في أعمال القضاء أنها ذات طبيعة قضائية بحتة واستثناءا تكون ذات طبيعة ولائية ،و يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الفرق بينهما يكمن في وجود النزاع من عدمه و عليه و طالما أن الحكم بإثبات الطلاق لا ينطوي على أي نزاع فإنه من المفروض أن يكون عملا ولائيا، إلا أن المشرع ارتأى إصداره في شكل حكم قضائي تماما كالأعمال القضائية .
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و إن كان قد منح للزوج حق الطلاق بإرادته المنفردة دون الحاجة إلى إبداء الأسباب و دون أن يكون للقاضي فيها دورا إيجابيا -و هـذا ما يفيد أنه يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي- فإنه قيده باستيفاء الشكل المقرر قانونا وجعل له طبيعة الإنشاء و هذا ما انتهى إليه الأستاذ زودة عمر، ذلك أنه من المفروض أن القاضي يقرر وجود هذا الطلاق من عدمه فقط في حين أن القانون يذهب إلى وقوع الطلاق من تاريـخ إعلان القاضي عنه و ليس من تاريخ تصريح الزوج به ، و بالتالي فإن آثاره تترتب من تاريخ الحكم و هذا ما يدعونا إلى التساؤل حول مضمون الحكم المثبت للطلاق، فما هو مضمونه ؟
الفرع الثالث:مضمون الحكم بإثبات الطلاق.
يتضمن الحكم بالطلاق عادة شقين اثنين:
فأما الشق الأول فهو يتعلق بالطلاق و يصدر ابتدائيا نهائيا في حين نجد أن الشق الثاني يتعلق بالآثار المترتبة على الطلاق و يصدر ابتدائيا و عادة تكون صيغةالمنطوق كما يلي :
حكمت المحكمة حال فصلها في قضايا الأحوال الشخصية حكما علنيا حضوريا :
في الشكل : بصحة الإجراءات و بالتالي قبول الدعوى شكلا .
في الموضوع :
القضاء نهائيا بالطلاق بين كل من …… و …… مع أمر ضابط الحالة المدنية بتسجيله بسجلات الحالة المدنية لبلدية …… و التأشير به على هامش عقد زواج الطرفين و شهادتي ميلادهما .
و القضاء ابتدائيا: بتحميل الزوج مسؤولية الطلاق و إلزامه بأن يدفع للزوجة مبلغ …… تعويضا عن الطلاق التعسفي، ومبلغ …… كنفقة عدة و إسناد حضانة الأبناء …… لأمهم على نفقة أبيهم بواقع …… شهريا لكل واحد منهم تسري من تاريخ النطق بالحكم تستمر إلى غاية سقوطها شرعا أو قانونا، مــع منـح الأب حق الزيارة يومي الخميس والجمعة و في المناسبات و الأعياد الدينية و أيام العطل، و إلزام الزوج بأن يخصص للحاضنة سكنا لممارسة الحضانة فيه أو بدل إيجار بواقع …… شهريا.
و تجدر الإشارة إلى أن أساس التعويض عن الطلاق التعسفي هو الضرر المادي و المعنوي اللاحق بالزوجة المطلقة، و من ثمة يتعين التمييز بينه و بين حق المتعة و الذي يعد حقا معترفا به لكل مطلقة بغض النظر عما إذا كان قد لحق بها ضرر أم لا .
الملاحظ في الواقع العملي أن قضاة الأحوال الشخصية لا يبادرون إلى سؤال الزوجين
فيما إذا سبق و أن وقع طلاق بينهما كما أنني لم أجد حكما واحدا يتضمـــن عدد الطلـقات مع العلم أن القانون الجزائري يفرق بين الطلاق البائن بينونة صغرى و الطلاق البائن بينونة كبرى .
وعليه و إذا قلنا أن الطلاق يثبت بحكم قضائي منشئ فما مدى صحة التطبيقات القضائية بشأن إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ؟ وهذا ما سوف نتناوله في المطلب الموالي .
المطلب الثاني: إشكالية الطلاق العرفي على ضوء التطبيقات القضائية لقانون الأسرة الجزائري:
رغم عدم وجود نص قانوني يسمح بإثبات الطلاق بأثر رجعي إلا أن التطبيقات القضائية تذهب في جميع الأحوال إلى إثباته بأثر رجعي، ونجد أن كلا من محكمـــة البويرة و كذا محكمة الجلفة تعملان على إثباته بأثر رجعي بعد التحقيق في واقعة الطلاق في حد ذاتها ، بسماع الأطراف و كذا الشهود، و قد صدرت عدة أحكام عن محكمة الجلفة مؤيدة بقرار من المجلس تصب في هذا الغرض و أهمها القرار رقم 19/99 الصادر بتاريخ 30/01/1999 والذي صدر إثر استئناف حكم قضى بالإشهاد على واقعة الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين خلال شهر أوت 1996 و إلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعية مبلغ 40.000 دج عن الطلاق التعسفي و مبلغ 10000 دج نفقة عدة و مبلغ 1000 دج نفقة إهمال للابن تسري من تاريخ 01/06/1998 إلى غاية النطق بالحكم و إسناد حضانة الابن لأمه.
وقد كان قرار المجلس بتأييد الحكم مبدئيا مع تعديله بحذف مبلغ التعويض عن الطلاق التعسفي.
وتجدر الملاحظة أن حذف التعويض لم يكن لعدم جوازه بل لكون أن الزوجة قد اعترفت بوجود اتفاق بينها و بين الزوجعلى الطلاق ، وبالتالي فقد أسسوا قرارهم على أساس المادة 442 و ما بعدها من القانون المدني واعتبروا أن الصلح ينهي النزاع.
وفي حقيقة الأمر أن الفراغ القانوني الموجود في قانون الأسرة بخصوص النصوص التي تحكم الطلاق أدى بنا إلى مشاكل عويصة خاصة و أن المشرع سمح بإثبات الزواج العرفي و سكت عن إثبات الطلاق العرفي، فما هي أهم هذه الإشكاليات ؟
الفرع الأول:حالة عدم تسجيل عقد الزواج.
تنص المادة 22 من قانون الأسرة على أنه: يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون.
وقد حددت المادة 9 من قانون الأسرة أركان عقد الزواج بنصها على أنه يتم عقد الزواج برضا الزوجين و بولي الزوجة و شاهدين و صداق.
يتضح لنا من خلال هاتين المادتين أن المشرع الجزائري يعترف بوجود عقد الزواج العرفي و يرتب عليه آثاره كاملة من إثبات النسب ووجوب النفقة … إلا أنه قد يحدث أن يقدم الزوج على طلاق زوجته عرفيا أمام جماعة من المسلمين و ينصرف كل منهما إلى حال سبيله فما مصير هذا الزواج و ما مصير الأولاد إن وجدوا ؟
بادئ ذي بدء يجب القول أنه لا يمكن رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي ما لم يكن الزواج العرفي قد تم تسجيله، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن دعوى الطلاق العرفي تختلف عن دعوى تسجيل الزواج ومن ثمة وجب رفع أولا دعوى تسجيل الزواج وإلحاق النسب ثم رفع دعوى إثبات الطلاق بصفة مستقلة، هذا طبعا إذا سايرنا الواقع وسلمنا بقبول دعوى إثبات الطلاق العرفي و التي فرضت نفسها بشدة في الواقع العملي.
إلا أن المعمول به على مستوى مجلس قضاء الجلفة هو أن يتم رفع دعوى إثبات الزواج والطلاق العرفي في نفس الوقت ، وجرت التطبيقات القضائية على قبول مثل هذه الدعاوى و الحكم فيها بحكم واحد ، وقد صدر عن مجلس قضاء الجلفة القرار رقم 178/2002 بتاريخ 26/10/2002 بين ر. عبد القادر و ج . زوينة و الذي قضى بتأييد الحكم القاضي علنيا حضوريا نهائيا بالنسبة للطلاق وابتدائيا بالنسبة لما ســواه بالإشهاد على صحة الزواج العرفي بين كل من ر . عبد القادر والمسماة ج . زوينة الحاصل سنة 1994 وكذا الإشهاد على صحة الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين سنة 1996 و الحكمة من عدم جواز رفع الدعويين بموجب عريضة واحدة تكمن في اختلاف دعوى الطلاق عن دعوى إثبات الزواج هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حكم الطلاق يكون نهائيا في حين أن الحكم بإثبات الزواج يكون ابتدائيا ومن ثمة يمكـــن استئناف الحكم بإثبات الزواج وقد يتم إلغاؤه من المجلس و هنا نكون أمام حالة وجود طلاق دون وجود زواج ؟
الفرع الثاني: حالة إعادة أحد الزوجين الزواج
أ -حالة إعادة الزوج الزواج: و هذه الحالة لا تطرح إشكالا إلا في حالة تزوج الزوج بإحدى المحرمات حرمة مؤقتة كأخت الزوجة مثلا أو الزواج بأكثر من أربعة، فهنا من الناحية الشرعية فإن طلاقه واقع طالما تم وفقا للشروط الواردة في السنة النبويـــة الشريفــة إلا أنه من الناحية القانونية يطرح إشكالا كبيرا، فإذا ذهبنا إلى عدم إمكان إثبات الطلاق العرفـي بأثر رجعي فإن الزواج الذي تم فيما بعد يكون زواجا فاسدا، يترتب عليه الفسخ قبل الدخـول ووجوب الإستبراء، و من ثمة كان يستحسن إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي حتى يبقــى الزواج الثاني صحيحا، وتتعقد المسألة أكثر بوجود أولاد منه.
ب- حالة إعادة الزوجة الزواج : و هذه الحالة تطرح إشكاليات كبيرة على الصعيدين القضائي و الشرعي ، وهنا ينبغي علينا أن نفرق بين حالتين :
ج-حالة المطلقة عرفيا من زواج عرفي : يعتبر الزواج العرفي الأرضية الخصبة للطلاق العرفي ذلك أن المفروض أن الطلاق العرفي لايمكن أن يكون في زواج رسمي إذ لا يقع الطلاق إلا بحكم و هو ما نصت عليه المادة 49 من قانون الأسرة ، أما الزواج العرفي فيصح فيه الطلاق العرفي شرعا لا قانونا لأن الزواج عرفيا ، و المفروض أن هذه المسألة لا تطرح أي إشكال طالما أنه ليس من مصلحة الطرفين تسجيل عقد الزواج ثم المطالبة بإثبات وقوع الطلاق ، إلا أن الإشكال يكمن في حالة وجود الأولاد ، إذ ينبغي إلحاق نسبهم للزوج الأول مما يتعين معه رفع دعوى تسجيل عقد الزواج الأول وإلحاق نسب الأولاد مع الإشارة إلى أن الزوجة على ذمة زوج آخر، ثم رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي ، وهنا حتى وإن كان القانون لا يعترف بالطلاق العرفي فإن المصلحة الاجتماعية تقتضي الاعتراف به .
د-حالة المطلقة عرفيا من زواج مسجل : و نكون بصدد هذه الحالة عندما تعيد المطلقة الزواج عرفيا .
و تجدر الملاحظة أنه يمكن في هذه الحالة حسب القانون الجزائري متابعة الزوجة بجريمة الزنا، وذلك لكون أن المشرع لا يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحـة القضاء ومن ثمة فإن علاقة الزواج لم تنقطع بعد، و بالتالي يحق للزوج تقديم شكوى إلى السيد وكيل الجمهورية، وفعلا حدث ذلك بمحكمة الجلفة قسم الجنح حيث أدينت المطلقة عرفيا التي أعادت الزواج عرفيا بجريمة الزنا.
وهنا يبرز التناقض الكبير بين أحكام الجهة القضائية الواحدة إذ من جهة نجد أن الزوجة دفعت بوقوع طلاق عرفي و بشرعية زواجها الثاني ، و هو الأمر الذي لم يعترف به قاضي الجنح، ومن جهة أخرى فإن محكمة الأحوال الشخصية تسير في اتجاه إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ، ومن ثمة كان ينبغي على القاضي أن يعتبر ذلك مسألة عارضة و يوقف الفصل في دعوى إثبات الطلاق لأنه بثبوت وقوع الطلاق نخرج من دائرة التجريم ، هذا طبعا من الناحية الواقعية العملية ، إلا أنه من الناحية القانونية البحتة فإن حكم القاضي الجزائي جاء صائبا و في محله لعدم اعتراف المشرع الجزائري بوقوع الطلاق خارج ساحـة القضـــاء
و هذا ما أكدته المحكمة العليا في عدة قرارات لها في هذا الصدد ، حيث ورد في أحد قراراتها أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي تزوجت مع شخص آخر دون أن تنتظر الفصل في القضية المنشورة بينها وبين زوجها ، بل ذهبت المحكمة العليا أبعد من ذلك إذ اعتبرت أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي أبرمت عقد زواج قبل أن يصبح حكم الطلاق نهائيا ، وقد ورد في قرار آخر أنه إذا دفعت المتهمة بالزنا بأن الرابطة الزوجية بينها وبين الشاكي قد انحلت و استشهدت بحكم يقضي بالطلاق بينهما فادعى الزوج الشاكي أن هذا الحكم محل استئناف تعين على المجلس قبل الفصل في الدعوى و القضاء بإدانة المتهمة بالزنا ، أن يتأكد من أن الحكم المذكور لم يصر نهائيا بعد و إلا كان قراره مخالفا للقانون و يستوجب نقضه.
الفرع الثالث :احتساب العدة.
تثار إشكالية احتساب العدة عند إثبات الطلاق العرفي ذلك أن القواعد العامة تقتضي أن تعتد المطلقة من تاريخ وقوع الطلاق، ولكن وبالعودة إلى قانون الأسرة الجزائري نجده ينص على تاريخ التصريح بالطلاق ، إلا أن هذا النص المقصود به هـو الطلاق بالإرادة المنفردة أمام القضاء و ليس مسألة الطلاق العرفي، ومن ثمة لا يمكن اعتبار أن العدة تبدأ من تاريخ الحكم بالطلاق في هذه الحالة الأخيرة و إنما ينبغي على القاضي أن يحكم بها من تاريخ واقعة الطلاق المثبتة.
و نجد أن الإشكال يثور بصفة خاصة في نفقة العدة، وقد درج القضاء الجزائري على منح الزوجة نفقة العدة إذا ما طالبت بها و أمكن إثباتها وهذا ما يتفق مع القواعد العامة للقانون وطالما كان الأمر كذلك فمن حق الزوجة المطالبة بها في أي وقت شاءت متى تمكنت من إثبات عدم أدائها.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و من استقراء نصوص قانون الأسرة يتبين لنا وأنه لا يعترف بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء، إلا أته لم ينص صراحة على ذلك ولم ينظم هذه المسألة و هذا ما جعل القضاء يذهب إلى إثبات الطلاق العرفي و الذي فرضته ضرورة الحياة بأثر رجعي استنادا إلى الشريعة الإسلامية و التي ورد النص بالإحالة عليـهـا في كل ما لم ينص عليه قانون الأسرة وهذا ما يفرض علينا التطرق إلى كيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية، فكيف يتم ذلك ؟
المبحث الثاني: كيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية .
نظرا لعدم وضوح اتجاه المشرع الجزائري فإنه ينبغي علينا الرجوع إلى تنظيم الطلاق في الشريعة الإسلامية ومدى تطابقه مع قانون الأسرة وبعبارة أخرى هل تركت الشريعة الإسلامية حق الطلاق حرا بلا قيود أم أنه ثمة هناك قيود يتعين على الزوج الالتزام بها حتى يقع طلاقه؟
و إذا تم الطلاق فماهي الطرق الشرعية المقررة لإثباته ؟
المطلب الأول: الإشهاد على الطلاق في الشريعة الإسلامية.
اتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق هو حق للرجل ، و لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو طريقة استعمال هذا الحق هل يتم بصفة تلقائية أم يجب أن يحترم فيه الزوج ترتيب معين؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل هو حق مطلق أم مقيد ؟
وعلى هذا الأساس سوف نتناول بالدراسة فيما يلي كيفية استعمال الزوج لحق الطلاق و مدى إلزامية الإشهاد عليه في الشريعة الإسلامية، مع العلم أن الحق ينقسم إلى حق يقابله التزام و حق إرادي لا يقابله أي التزام فهو مقرر لصاحبه.
الفرع الأول: حق الزوج في إيقاع الطلاق.
ذهب جمهور الفقهاء من السلف و الخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأنه من حقوق الرجل و قد جعله الله بيده و لم يجعل الله لغيره حقا فيه حيث قال تعالى: » يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن … « و قال ابن القيم: فجعل الطلاق لمن نكح لأن له الإمساك و له الرجعة.
ولكي يباشر الزوج حقه فلا يحتاج إلى بينة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد.
وقد اتجه جمهور الفقهاء إلى ذلك بل إنهم قالوا بأن الإشهاد على الطلاق ليس شرطا لوقوعه فهو مندوبا لا واجبا وبالتالي وطبقا لهذا الرأي فإن الحق في الطلاق هو من التصرفات الحرة ، ويكفي لترتيب الأثر القانوني أن يتم التعبير عن الإرادة بأية وسيلة كانت ، بل و يذهب أبعد من ذلك و هو وقوع الطلاق الواقع وقت حيض الزوجة مع إثم الزوج ديانة.
ونظرا لكون الطلاق هو حق من حقوق الزوج فإنه له أن ينيب عنه غيره سواء كانت زوجته أم غيرها و هذا ما ذهب إليه المالكية و تنقسم هذه النيابة إلـى قسمـين:
الأولى بأن يرسل الزوج إلى زوجته رسولا يعلمها بالطلاق، فالرسول هنا لم يجعل له الزوج إنشاء الطلاق ، و إنما له فقط إعلام الزوجة بوقوع الطلاق بعبارة الزوج نفسه والثانية تفويض الطلاق وهي ثلاثة أنواع توكيل ،تخيير وتمليك .
وباعتبارأن الطلاق هو من التصرفات الشرعية التي تصدرعن الزوج بإرادته المنفردة فقد قيدته الشريعة الإسلامية بجملةمن الشروط و القيود ينبغي توافرها لوقوعه، وخارج ذلك إما أن يعتبر بدعيا لعدم احترام الزوج إجراءات الطلاق أو تعسفيا لعدم وجود المبرر الشرعي ومن هنا جاء تقسيم الطلاق إلى سني و بدعي، فأما الطلاق السني فهو أن يوقع الزوج على زوجته المد خول بها طلقة واحدة في طهر لم يمسسها فيه، فإذا طلقها وهي حائض أو في طهر مسها فيه أو أوقع عليها طلقتين متتاليتين أو ثلاث فطلاقه بدعي.
والطلاق البدعي مكروه و محرم في المذاهب السنية أما في المذهب الجعفري فهو طلاق فاسد لا يقع. و يجب على الذي يطلق امرأته أن يردها إليه قبل انتهاء عدتها عند المالكية و الحنفية، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة، وذلك لأن عمله معصــية و الرجوع عن المعصية ضروري ،هذا إذا أمكنت الرجعة أما إذا طلقها ثلاث أو واحدة مكملة للثلاث فلا رجعة.
و عليه فإن الطلاق هو حق مقرر للزوج الذي توافرت فيه الشروط الشرعية لإمكانية ممارسة هذا الحق و ذلك بأن يكون عاقلا ، فلا يصح طلاق المجنون و لو كان جنونه متقطعا.
الفرع الثاني: الإشهاد على الطلاق كقيد على حق الزوج .
ذهب فقهاء الشيعة الإمامية إلى اعتبار أن الإشهاد شرط في صحة الطلاق واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه و تعالى في سورة الطلاق: »وأشهدوا ذوي عدل منكم و أقيموا الشهادة لله « و ظاهر الأمر من هذه الآية الكريمة في الشرع أن الإشهاد يقتضي الوجوب.
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره عن ابن جريح أن عطاء كان يقول في قوله تعالى:»وأشهدوا ذوي عدل منكم « قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهد عدل ولم ينفرد بوجوب الإشهاد فقط علماء آل البيت بل هومذهب عطاء وابن سيرين وابن جريح.
وقد قال الزمحشري : إن المعني بالخطاب في الآية 229 من سورة البقرة : » فإن خفتم ألا يقيما حدود الله « هو الأئمة والحكام ، والأمر نفسه في الآية 35 من سورة النساء : »و إن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها «. حيث لهم أن يتدخلوا لرفع الأذى و المضرة، وكذلك الأمر نفسه في سورة الطلاق: » واشهدوا ذوي عدل منكم « ، ومن ثمة وجب على الزوج أن يشهد شهيدين من المسلمين على طلاقه .
والإشكال الذي طرح هنا هو موقف القضاة من الزوج الذي يطلق زوجته بدون إشهاد فإن أقروا طلاقه خالفوا الآية الكريمة التي تدعوا إلى الإشهاد على الطـلاق وإن رفضــوا إقراره سمحوا له بالاستمرار في معاشرة زوجته وهي مطلقة في علم الله.
والإجابة على ذلك أنه ما دام و أن روح الآيات تساعد على جعل تنظيم الطلاق منوطا بالقضاء وأن السنة النبوية الشريفة جرت على ذلك وأنه ليس فــي الكتــاب ولا السنة ما يمنعه فإن أقر بذلك أولياء الأمور وأصبح تشريعا صار الشذوذ عنه باطلا.
ومن محاسن ضرورة الإشهاد على الطلاق مع إتباع الخطوات الصحيحة في إيقاعه والمتمثلة في طهر المرأة هو إعطاء فرصة للزوج لإعادة التفكير فإن بقي مصمـــما رغـم حضور الشاهدين و مرور الوقت الزمني فإن طلاقه يكون قائما على أسباب قوية وليست عرضية وهذا هو الطلاق المقصود في الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: طرق إثبات الطلاق شرعا وقانونا :
إن مسألة إثبات الطلاق من الناحية الشرعية لا تكتسي غموضا ذلك أنه يثبت بكافة طرق الإثبات من إقرار و بينة و يمين ، فإذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها و أنكر هو فمذهب المالكية أنه إن أتت بشاهدين عدلين نفذ الطلاق ، و إن أتت بشاهد واحد حلف الزوج و برئ و إن لم يحلف سجن حتى يقر أو يحلف ، وان لم تأتي بشاهد فلا شيء على الزوج ، و عليها منع نفسها منه بقدر جهدها،و إن حلف بالطلاق و ادعت أنه حنث فالقول قول الزوج بيمينه .
و ذكر الحنابلة أنه إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فالقول قول الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ، و لا يقبل فيه إلا عدلان لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال و يطلع عليه الرجال في أغلب الأحوال كالحدود و القصاص، فإن لم تكن هناك بيّنة يستحلف الرجل على الصحيح لحديث: اليمين على من أنكر.
و توضيحا لما سبق ينبغي علينا التطرق إلى طرق الإثبات المقررة شرعا و مطابقتها بتلك المقررة قانونا لنخلص في النهاية إلى مسلك القضاء الجزائري في مسألة إثبات الطلاق العرفي:
الفرع الأول: الإقرار.
الإقرار شرعا هو الإخبار بثبوت حق للغير على نفس المقر ولو في المستقبل باللفظ وما في حكمه، وبذلك يخرج من مدلول الإقرار ما يدعيه الخصم من حق له على الغير.
فإذا أقر الشخص بحق لزمه، ولكن الإقرار حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة و ذلك لقصور ولاية المقر وعدم امتدادها إلى غيره، فإذا ادعت الزوجة حصول الطلاق و أقر الزوج بذلك لزمه هذا الإقرار و يثبت الطلاق.
والإقرار يمكن أن يكون شفاهة أو كتابة مع العلم أن الإقرار بالطلاق كاذبا يقع قضاءا لا ديانة.
هذا إذا أقر بطلاق سابق ، أما إذا نوى إنشاء طلاق جديد فالظاهر وقـــوع الطلاق بها لأنها صيغة تحتمل الإنشاء .
وينبغي الاعتداد بتاريخ الإسناد واتخاذه بدءا للطلاق و لكن قد يطرح السؤال : ما هو الحكم في حالة الإكراه على الإقرار بالطلاق ؟
هنا لا يقع الطلاق في حالة توافر البينة الشرعية على وقوع الإكراه .
وقد نص المشرع الجزائري على الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات الالتزام في المادة 341 ق.م بقوله أن الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.
و في حقيقة الأمر أن الإقرار وإن كان بمثابة الدليل القاطع على ثبوت الواقعة محل النزاع بل ويترتب عليه إزالة النزاع حولها، إلا أنه في واقع الأمر لا يعتبر طريقة إثبات بقدر ماهو إعفاء منه، ولذلك فالإقرار يغني عن إلزام مدعي الواقعة بتقديــم أي دليل عنها و لذا فليس من المتوقع أن يكون أمرا كثير الوقوع في الحياة العملية ،ولا تظهر أهميته إلا عندما يعوز الخصم الذي صدر لمصلحته الدليل على ما يدعيه فيضطر إلى الاعتماد على اعتراف خصمه.
كما نصت المادة 342/1 من ق. م على أن الإقرار حجة قاطعة على المقر ويتضح لنا جليا أن المشرع الجزائري يأخذ فقط بصورة الإقرار القضائـــي دون أن يتطرق للإقرار غير القضائي و عليه فإن الإقرار القضائي متى صدر مستوفيا لشروطه أصبح حجة قاطعة على صاحبه و يجب على القاضي أن يأخــذ بـه و عدم إجراء أي بحث فــــي موضوعه بعد حصوله ، وهذه القطعية في الإثبات لا تغني المقر عن إثبات صدوره منه عن غلط أو تدليس أو إكراه …
الفرع الثاني : البينـــة .
البينة حجة متعدية ، فالثابت بها ثابت على الكافة ولا يثبت على المدعى عليه لوحده بخلاف الإقرار ، ونصاب البينة في إثبات الطلاق شهادة رجلين أو رجل و امرأتين ، ولا تجوز الشهادة بالتسامع في الطلاق لأن الشهادة بالتسامع إنما أجيزت استحسانا في بعض المسائل دفعا للحرج و تعطيل الأحكام ، وليس إثبات الطلاق من بين هذه المسائل .
الفرع الثالث : اليميــن .
اليمين هي إشهاد الله تعالى على صدق ما يقوله الحالف أو على عدم صدق ما يقوله الخصم الآخر ، ولما كانت اليمين عملا دينيا فإن من يكلف بأداء اليمين عليه أن يؤديها وفقا للأوضاع المقررة شرعا .
واليمين طريق غير عادي للإثبات يلجأ إليها القاضي إذا تعذر تقديم الدليل المطلوب فيحتكم الخصم إلى ذمة خصمه بيمين حاسمة يوجهها إليه أو يوجه القاضي يمينا متممة إلى أي من الخصمين ليكمل ما في الأدلة المقدمة من نقص .
و قد نص المشرع الجزائري على اليمين في المادة 343 و ما يليها من القانون المدني ، إذا ادعى أحد الزوجين وقوع الطلاق و أنكره الآخر و لم يقدم مدعي الطلاق بينة عليه فله أن يطلب من القاضي توجيه اليمين فإذا حلف بأن الطلاق لم يقع قضى برفض الدعوى ، أما إذا نكل عن اليمين قضى للمدعي بطلباته لأن النكول في حكم الإقرار بما يدعيه المدعي .
وبعد أن تعرضنا إلى طرق إثبات الطلاق شرعا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتم إثبات الطلاق العرفي في القضاء الجزائري ؟
في حقيقة الأمر لم ينص قانون الأسرة أصلا على مسألة إثبات الطلاق العرفي حتى يضع له طرقا للإثبات ، ومع ذلك فإن اتجاه القضاء الجزائـري ذهــب إلــى إثبات الطلاق العرفي في جميع الأحوال بالبينة و ذلك بإجراء تحقيق فــي الموضوع بسماع الشهود وينم ذلك حتى في حالة إقرار الزوج و تصديقه من الزوجة ، إلا أنه في هذه الحالـة الأخيرة يعتبر الإقرار هو الأساس المثبت لوقوع الطلاق ومع ذلك يتم سماع الشهود لتأكيد الواقعة أكثر، ولا نجد في القضاء الجزائري ما يفيد إثبات الطلاق العرفي باليمين إلا أنه من الناحية العملية لا يوجد ما يمنع ذلك .
و تأكيدا لهذا المبدأ فقد جاء في اجتهاد المحكمة العليا ما يلي : من المقرر شرعا أن الطلاق هو حق للرجل صاحب العصمة و أنه لا يجوز للقاضي أن يحل محله في إصداره أما التطليق فهو حق للزوجة المتضررة و ترفع أمرها إلى القاضي الذي يطلقها و من ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية .
ولما كانت الشريعة الإسلامية تخول إثبات تصريح الزوج بالطلاق بواسطة شهود حضروا وسمعوا بذلك من نفس الزوج أو بواسطة شهادة مستفيضة فإنه يجب على القضاة أن يجروا تحقيقا لسماع الشهود الذين علموا بواقعة الطلاق و لي لهم بعد ذلك إلا أن يوافقوا على صحة طلاق أثبت أمامهم و كذلك فإن القرار الذي قضى بأن الطلاق لا يثبت إلا بتصريح الزوج أمام القضاء يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية .
كما جاء في قرار آخر أنه يستوجب نقض القرار الذي اعتمد في إثبات وقوع الطلاق بإرادة الزوج على شهادة الشهود لم تحدد تاريخ و مكان هذا الطلاق ، ولم تذكر أسماء الأشخاص الذين حضروا بمجلس الطلاق لتأكيد صحته ذلك أن هذه الشهادة يكتنفها الغموض و النقص في محتواها .
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن إعتراف المحكمة العليا بالطلاق العرفي لم يتجسد فقط في قراراتها القديمة بل إنه موقفها حتى في قراراتها الحديثة و يتضح ذلك بصفة خاصة من خلال قرارها الصادر بتاريخ 16/02/1999 و الذي جاء في المبدأ الثاني منه أنه من المقرر شرعا أنه يثبت الطلاق العرفي بشهادة الشهود أمام القضاء .
ومتى تبين في قضية الحال أن الطلاق وقع بين الطرفين أمام جماعة من المسلمين ، و أن المجلس أجرى تحقيقا و سمع الشهود الذين أكدوا بأن الزوج طلق فعلا المطعون ضدها أمام جماعة من المسلمين ، وبالتالي فلا يحق له أن يتراجع عن هذا الطلاق ، وعليه فإن القضاة بقضائهم بإثبات الطلاق العرفي طبقوا صحيح القانون .
الفصل الثاني : إجراءات إثبات الطلاق .
انتهينا في الفصل السابق إلى أنه من الناحية القانونية لا يثبت الطلاق إلا بحكم و هذا الحكم له طبيعة الإنشاء و هو عمل يدخل في إطار الوظيفة الولائية للقاضي رغم صدوره في شكل حكم قضائي، ذلك أنه يزيل عقبة قانونية تعترض إرادة الأفراد، ومن ثمة فإن دور القاضي يكون فيه سلبيا، كما انتهينا إلى أن الطلاق في حد ذاته هو حق إرادي للزوج إلا أن هذا الحق يمارس وفقا للشكل القانوني ومن هنا يطرح السؤال حول الإجراءات المتبعة لاستصدار الحكم بالطلاق .
وعلى صعيد آخر نجد أن التطبيقات القضائية في مختلف محاكم الوطن تذهب إلى إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي و هنا يطرح السؤال حول مدى صحة هذا الاتجاه و الإجراءات المتبعة في ذلك و مدى شرعيتها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أكبر إشكالية هي تلك المتعلقة بالطعن في الحكم بالطلاق ذلك أن قانون الأسرة ينص على عدم القابلية للاستئناف إلا أنه لم يتحدث عن الطعن بالنقض فهل يجوز الطعن في حكم الطلاق بطرق الطعن العادية و غير العادية وما هو موقف القضاء في هذه الحالة ؟
و عليه سوف نحاول قدر الإمكان الإجابة على هذه الإشكاليات و ذلك من خلال مبحثين إذ نتطرق في المبحث الأول إلى إجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق والذي نتناول فيه كل من دعوى الطلاق و دعوى إثبات الطلاق العرفي و مدى شرعية إجراءات هذه الأخيرة ، أما المبحث الثاني فنخصصه لطرق الطعن في حكم الطلاق و كيفية تنفيذه .
المبحث الأول : إجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق .
نعلم أنه قبل استصدار حكم من القضاء ينبغي مراعاة الشروط الشكلية التي أوجب المشرع توافرها في العريضة الافتتاحية بالإضافة إلى التأسيس الموضوعي وعليه فإن دعوى إثبات الطلاق يجب أن ترفع إلى محكمة مختصة بموجب عريضة وفقا لما يقضي به القانون و بعد توصل القاضي بالعريضة يأتي دوره في استكمال شكليات لإثبات الطلاق .
فما هي الشروط الواجب توافرها لإصدار الحكم بإثبات الطلاق ، و كيف يتعامل قاضي الأحوال الشخصية مع دعوى لإثبات الطلاق ؟
المطلب الأول: اتصال القاضي بالدعوى.
يتم عادة رفع الدعوى من الزوج إذا كنا بصدد دعوى الطلاق ، و هذا على خلاف دعوى إثبات الطلاق العرفي والتي يمكن أن ترفع من كل من له مصلحة في ذلك و عادة يكون أحد الزوجين أو الورثة ، ولكي تقبل الدعوى أمام القضاء يجب توافر شروط قبولها من صفة و مصلحة وأهلية ، كما ينبغي أن يجسد الطلب في عريضة افتتاحية وفقا لما يقضي به القانون و أن ترفع أمام الجهة المختصة بهذه القضايا ، وهذا ما سوف نتناوله فيما يلي :
الفرع الأول : قواعد الاختصاص.
أ- الاختصاص المحلي : بالرجوع إلى المادة 08 من ق. إ . م نجدها نصت صراحة على أن دعاوى الطلاق ترفع أمام الجهة القضائية التي يقع بها مسكن الزوجية ، وبمأن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام و بالتالي يمكن رفع دعوى الطلاق أمام أية محكمة أخرى بشرط ألا يدفع الخصم بعدم الاختصاص المحلي ، و مسألة الاختصاص على بساطتها تثير العديد من المشاكل فكثيرا ما يتقدم أمام القاضي زوجان لم يستقرا منذ زواجهما في مكان معين بل غيرا مكان الإقامة عدة مرات ، ففي هذه الحالة مــا هو السكن الذي يؤخذ بعين الاعتبار لتحديد الاختصاص المحلي ؟
الرأي الراجح في هذه الحالة هو السكن الأخير.
و تجدر الإشارة إلى أن الاختصاص المحلي بالنسبة للجزائريين المقيمين في الخارج يعود المحل الذي يوجد فيه السكن الرئيسي ، وفي حالة عدم وجوده يحل محله مكان الإقامة العادي و هذا ما يتجسد من خلال قرار المحكمة العليا الذي جاء فيه ما يلي : مـن المقــرر قانونا أنه يسري على انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى وأن موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه مقر سكناه الرئيسي ، و عند عـدم وجود سكن يحل محله مكان الإقامة العادي ، وكما ثبت في قضية الحال أن المتخاصمان جزائري و جزائرية يقيمان مؤقتا ببلد أجنبي و طلبا التقاضي أمام محكمة جزائرية فإن قضاة الموضوع عندما قضوا بعدم الاختصاص المحلي فإنهم بذلك قد دفعوا الطرفين إلى التقاضي أمام القضاء الأجنبي وإن المسألة تتعلق بسيادة القانون الوطني مما يتعين معه نقض وإبطال قرارهم المطعون فيه .
ب- اختصاص القانون الجزائري : و نتحدث في هذا المجال عن حالة تنازع القوانين المراد تطبيقها على مسألة الطلاق ، و هنا ينبغي علينا الرجوع إلى قواعد الإسناد المنصوص عليها في القانون المدني حيث تنص المادة 12 منه على أنه يسري على انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى ، في حين تنص المادة 3 منه على أنه يسري القانون الجزائري وحده في الأحوال المنصوص عليها في المادتين11 و 12 إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواج إلا فيما يخص أهلية الزواج .
من خلال هاتين المادتين يمكن القول أنه إذا كان أحد الزوجين جزائري وقت إبرام عقد الزواج لا مجال للحديث عن تطبيق القانون الأجنبي ، إلا أنه في حالة كون الزوجين أجنبيين فإنه يطبق على الطلاق قانون الزوج وقت رفع الدعوى ، ومفـاد هذه القاعدة هو أنه يمكن أن يتم الزواج في ظل قانون معين ثم يقوم الزوج بالتجنس مما يؤدي إلى تطبيق قانون الجنسية الجديدة على انحلال هذا العقد .
و إذا كانت مسألة الاختصاص لها أهميتها في دعوى إثبات الطلاق فإن شروط رفع الدعوى لا تقل عنها أهمية ، فما هي شروط قبول دعوى إثبات الطلاق ؟
الفرع الثاني : شروط رفع دعوى إثبات الطلاق
.
أ- الشروط الواجب توافرها في الزوجين:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 459 ق.إ.م على أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء مالم يكن حائزا لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك
فأما الأهلية فإن القانون المدني يعرفها بأنها صلاحية الشخص لكسب الحقوق و التحمــل بالالتزامات والأهلية في الاصطلاح القانوني علــى نوعين:أهليــة وجوب وأهلية أداء.
والمقصود بالأهلية في مجال الخصومات الزوجية هو أهلية التقاضي أمام المحكمة بمعنى أنه إذا تنازع الزوجان و تخاصما خصاما شديدا فإنه لكي تنظر المحكمة في موضـوع
نزاعهما يجب أن يكون كل واحد منهما متمتعا بأهلية التقاضي و بالغا سن الرشد المدني و هو 19سنة من العمر كاملة وفقا لما نصت عليه المادة 40 ق . م و متمتعا أيضا بقواه العقلية و ألا يكون محجورا عليه لأنه لا يجوز للمحكمة أن تقبل دعوى من أو على شخص فاقد الأهلية أو ناقصها إلا بواسطة ممثله القانوني ، هذا بتطبيق القواعد العامة إلا أن مسألة الطلاق في حد ذاتها لها خصوصيتها إذ أنها حق شخصي للزوج وأن الحجر يقع على ممارسة الحقوق المالية فقط لذلك فإنه في الشرع الإسلامي يجوز للزوج المحجور عليه طلاق زوجته ، ومن ثمة وطالما لم يتعرض قانون الأسرة لهذه المسألة فلا مانع من تبني ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا المجال ، و تبقى مسألة اللجوء إلى القضاء مسألة إجرائية .
و الأمر نفسه فيما يخص طلاق المريض مرض الموت مما يجعلنا نعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية في هذا المجال و لاسيما ما يتعلق منها بصحة الطلاق و إمكانية التوارث بين الزوجين إذا حدثت الوفاة خلال أو اثر مرض الموت .
لقد أجمع الفقهاء على صحة الطلاق الواقع في مرض الموت و على التوارث أتناء عدة الطلاق الرجعي و اختلفوا على مدة و زمان إمكانية التوارث أتناء عدة الطلاق البائن.
أما قانون الأسرة الجزائري فقد اكتفى بالنص في المادة 132 منه على انه : إذا توفي أحد الزوجين قبل صدور الحكم بالطلاق أو كانت الوفاة في عدة الطلاق استحق الحي منهما الإرث، دون أن يفرق بين عدة الطلاق الرجعي و عدة الطلاق البائن .
و خلاصة القول أن حكم الطلاق في مرض الموت هو طلاق صحيح شرعا و قانونا و لا يجوز الطعن فيه أو الادعاء ببطلانه و أن حق التوارث يبقى قائما لصالح الزوجين إذا مات أحدهما أتناء عدة الطلاق الرجعي، و يبقى قائما لصالح الزوجة المطلقة وحدها إذا مات مطلقها أثناء عدة الطلاق البائن أو بعدها كلما ثبت أن الزوج قد طلقها في مرض الموت بقصد حرمانها من حقها في التركة و هذا ما يسمى عند الفقهاء بطلاق الفرار الذي يستوجب معاملة المطلق بنقيض قصده.
و بمأن الطلاق هو من حقوق الزوج فإنه يجوز له توكيل غيره في إيقاعه و ينصرف هذا الأثر إلى الزوج ، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها إذ جاء فيه أنه من المقرر قانونا أن الوكالة أو الإنابة هي عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و باسمه و أن الوكالة الخاصة الرسمية تصح للمرافعة أمام القضاء .
ومن المقرر أيضا أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية.
و من ثمة يتعين القول أن الزوج الذي وكل والده نيابة عنه في إجراءات التقاضي في دعوى الطلاق موضوع النزاع الحالي بناءا على وكالة رسمية والتي تحدث آثارها القانونية عكس ما ذهبت إليه الطاعنة بالقول لا تصح الوكالة في مثل هذه الحالات، إلا أن ما يؤخذ على قضاة الاستئناف عدم قبول الاستئناف شكلا من دون مراعاة أحكام المادة 102 ق . إ . م بدعوى أن الطلاق نهائي و كان المفروض النظر في مسألة الاستئناف و بعد قبوله ينظر في موضوع الطلاق و يحكم بعدم الاختصاص لكون الحكم صدر نهائيا .
و بصفة عامة فإن المعمول به في حالة تقصان الأهلية هو رفع الدعوى من ولي الزوج ناقص الأهلية أو ضده ، و في حالة المنازعة في الأهلية فإنه يعود الأمر للقاضي لتقدير نقص الأهلية من عدمه و ذلك بتعيين خبير مختص لإجراء خبرة حول المسألة .
و تجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي في هذا المجال يعتبر أن القاصر يرشد بالزواج بقوة القانون وأن هذا الترشيد شرعي و آلي، بل أكثر من ذلك فهو يعتبر كنتيجة للإرادة الضمنية للآباء ، وأن الضرورة الحتمية تفرض اعتبار الترشيد كأثر للزواج ذلك أن الزوج يصبح رئيس للعائلة و عليه ينبغي أن يتمتع ببعض الحرية في ممارسة وظيفته و كذلك الزوجة فهي تتحمل أعباء الأسرة و عليه ينبغي الاعتراف لهما بحد أدنى من الاستقلالية عن الآباء .
و من ثمة فان الزوج القاصر متى تزوج أصبح أهلا لان يرفع دعوى الطلاق أو أن ترفع ضده.
في حين لم يتناول المشرع الجزائري هذه المسألة بل سكت عن ذلك و السكوت معناه الإحالة على القواعد العامة ، و مع ذلك نجد المادة 334 من قانون العقوبات الجزائري تنص على ما يلي :… و لو تجاوز السادسة عشر من عمره و لم يصبح بعد راشدا بالزواج …. و عليه إذا أخدنا بحرفية النص يمكن القــول أنالمشرع الجزائري يأخذ ضمنيا بفكرة الترشيد إلا أن الراجح أن المسالة لا تعدوا إلا أن تكون مجرد خطأ مطبعي أو سهو عندما تم الاقتباس من القانون الفرنسي.
و الرأي عندنا هو انه ينبغي على المشرع أن يتدخل لتقنين هذه المسالة ذلك أن مسالة كون الرجل أو المرأة يتحمل اعباء أسرة بأكملها و في الوقت نفسه لا يملك أن يباشر حقوقه الإجرائية من رفع الدعاوى و الدفاع عن نفسه بنفسه في حالة رفعها ضده تنطوي على نوع من التناقض.
و في الختام ينبغي التنويه إلى أن الأستاذ زودة عمر يعتبر الأهلية شرط من شروط صحة المطالبة القضائية و ليس لقبول الدعوى ذلك أن تخلفها يترتب عليه دفع شكلي في حين أن تخلف شروط قبول الدعوى يترتب عليها دفع بعدم القبول .
و أما الصفة فإن المقصود بها هو أن يكون صاحب الحق حل اعتداء هوالذي يباشر الحق في الدعوى التي ترفع من اجل تقرير هذا الحق أو حمايته.
وعليه فإن الصفة هي الوصف الذي يسحب على الأطراف فإذا رفعت الدعوى على غير ذي صفة يحكم بعدم قبول الدعوى، و المفروض أن الصفة تثبت لكل شخص تم الاعتداء على حقه غير انه قد يوجد هذا الشخص في استحالة مادية أو قانونية تمنعه من استعمال حقه في الدعوى أمام القضاء و لذلك تباشر هذه الدعوى بواسطة ممثله القانوني، في هذه الحالة تثبت للممثل القانوني ما يعرف بالصفة الإجرائية.
و نجد انه في حالة تخلف الصفة الإجرائية يترتب عليها بطلان الإجراءات كما أن زوال الصفة في الدعوى يؤدي إلى انقضائها في حين أن زوال الصفة الإجرائية يؤدي إلى انقطاعها.
و الصفة في دعاوى إثبات الطلاق معناها أن يكون أحد الزوجين الذي يرفع دعواه ضد الزوج الآخر له صفة في إقامة هذه الدعوى و تقديمها إلى المحكمة، بمعنى انه يجب لتحقيق هذا الشرط أن يكون المدعي هو الزوج أو الزوجة نفسها أو احد ممثليهما قانونا.
وتثبت الصفة في الدعوى بتقديم الزوج طالب الطلاق نسخة من عقد الزواج وفي هذا الصدد نص القانون رقم 224-63 الصادر في 29/06/1963 والخـاصبتحديد سن الزواج قد نص في المادة 05 منه على أنه : لا يجوز لأحد أن يدعي بأنه زوج وأن يطالب بما يترتب على الزواج من آثار مالم يقدم عقد زواج محرر و مسجل في سجلات الحالة المدنية .
أما في دعوى اثبات الطلاق العرفي فإنه طالما أن هذه الدعوى قد فرضت نفسها في الواقع فإنه يجب التطرق لها و عليه فالصفة تثبت لكل من الزوجين و لورثتهما في حالة الوفاة مع العلم انه في حالة كون احد الزوجين قاصرا فانه يملك الصفة الموضوعية دون الصفة الإجرائية.
و أما بالنسبة لشرط المصلحة فانه بالنسبة للزوج أو الزوجة أو الورثة في حالة الطلاق العرفي فانه من مصلحتهم إثبات وقوع الطلاق، و تظهر هذه المصلحة بصفة خاصة في دعاوى اتبات الطلاق العرفي و خاصة حالة إعادة الزوجة الزواج أو تزوج الزوج بأخت الزوجة أو برابعة، أما بالنسبة للورثة فان مصلحتهم تتمثل في ثبوت الميراث من عدمه.
ب- أداة رفع الدعوى إلى المحكمة : ترفع دعوى الطلاق أمام المحكمة وفقا للطرق المنصوص عليها بالمادة 12 من ق.إ.م و ذلك إما بإيداع عريضة مكتوبة و مؤرخة و موقعة من المدعي أو من محاميه لدى مكتب الضبط بالمحكمة ، وإما بحضور المدعي نفسه أمام المحكمة و في هذه الحالة يتولى كاتب الضبط أو أحد أعوان مكتب الضبط تحرير محضر بتصريحات المدعي الذي يوقع عليه أو يذكر أنه لا يحسن التوقيع .
ومن تحليل هذه المادة يتضح لنا أنه هناك طريقتان لرفع الدعوى أمام المحكمة وهما :
– طريقة تقديم عريضة مكتوبة حيث يقوم المدعي بتقديم عريضته مؤرخة و موقعة على نسختين إلى أمانة ضبط المحكمة ولا يطلب منه القانون أن يبين الأسباب التـي دفعـتـه
إلى الطلاق لأن الأمر يتعلق باستعمال الحق الإرادي ، و تعتبر العريضة أحد العناصر الشكلية لممارسته ويجب أن يشير فيها إلى اسمه و لقبه و عنوانه و مهنته ، وإلى اسم ولقب وعنوان ومهنة زوجته .
– طريقة التصريح الشفوي : و تكون بتصريح المدعي لدى أمانة ضبط المحكمة بإرادته مع تقديمه له جميع بياناته و بيانات خصمه .
وهنا يحرر الكاتب محضرا بطلبات المدعي و أقواله ثم يقدمه له للتوقيع عليه وان كان المدعي لا يحسن التوقيع أو لا يستطيع ذلك فلا ينبغي على الكاتب أن يضع بصمته على المحضر وإنما ينوه في آخره بأن المدعي لا يحسن التوقيع .
و في الواقع العملي نجد أنه لا أثر للطريقة الثانية فالمعمول به فقط هو الطريقة الأولى و هي تقديم عريضة مكتوبة على نسختين تتضمن كافة الشروط و تكون مرفقة بعقد الزواج و بيان عائلي ثم يدفع المدعي أو ممثله الرسم القضائي.
المطلب الثاني: تعامل القاضي مع دعوى إثبات الطلاق .
بعد رفع الدعوى يقوم الكاتب بتسجيل القضية في السجل المخصص لذلك ويمنح لها رقما خاصا و يسلم للمدعي وصلا يحمل رقم القضية و تاريخ تسجيل الدعوى و تاريخ الجلسة الذي يجب أن يحضر فيه مرفقا بالتكليف بالحضور و الذي يعد قرينة على علم المدعى عليه بالدعوى المرفوعة ضده ، فإذا لم يحضر بذلك التاريخ قضى القاضي بشطب الدعوى طبقا للمادة 35 من ق.إ.م
أما إذا غاب المدعى عليه فإن القاضي يفصل في القضية غيابيا في حقه بعد منحه أجلا للحضور .
و نظرا لخصوصية دعوى إثبات الطلاق العرفي و خاصة و أنها وليدة العمل القضائي و لم يرد نص صريح بشأنها فإن التطبيقات القضائية تذهب إلى عقد جلسة الصلح أولا و يتم فيها سماع كل من الزوجين حول واقعة الطلاق المدعى بها ثم فيما بعد يتم إجراء تحقيق بسماع الشهود لتأكيد الواقعة وهذا على خلاف دعوى إثبات الطلاق بالإرادة المنفردة و التـي يقــوم القاضي فيها فقط بتأجيل القضية قصد إجراء الصلح ، ومتى كان الأمر كذلك وجب التطرق أولا إلى كيفية تعامل القاضي مع دعوى إثبات الطلاق ثم إلى كيفية تعامله مع دعوى الطلاق العرفي ، فكيف يتم ذلك ؟
الفرع الأول : تعامل قاضي الأحوال الشخصية مع دعوى الطلاق بالإرادة المنفردة .
القاعدة العامة أن الحكم القضائي الصادر بفك الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج هو حكم تقريري يقتصر فيه دور القاضي على تكريس إرادة الزوج و الكشف عنها إلا أن المشرع جعل له طابع الإنشاء رغم هذه الخاصية ، و من ثمة خصه بإجراءات متميزة ينبغي إتباعها و إلا تعرض الحكم للنقض و الإبطال و تتجلى هذه الإجراءات بصفة خاصة في ضرورة إجراء الصلح، أما فيما يخص التحكيم فإن مجاله هو حالة الخصام طويل الأمد بين الزوجين مع عدم ثبوت الضرر وهذا ما تقضي به المادة 56 من ق.أ، و على هذا الأساس سوف نتعرض في هذا الفرع إلى إجراء الصلح كإجراء جوهري في جميع دعاوى الطلاق بالإضافة إلى مسألة عرض القضايا المتعلقة بالطلاق على النيابة العامة و مدى إلزامية هذا الإجراء .
أ- إجراء الصلح : تنص المادة 49 من ق. أ على ما يلي : لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر .
ما يلاحظ على هذه المادة أنها أكدت على عدم إمكانية الفصل في دعاوى الطلاق إلا بعد إجراء القاضي لمحاولة الصلح بين الزوجين ، وذلك في مدة أقصاها 3 أشهر ، وهذا الإجراء من النظام العام لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه فإذا لم يحترم كان الحكم الصادر بالطلاق عرضة للنقض من المحكمة العليا و ذلك على أساس الخطأ في تطبيق القانون و هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الذي جاء فيه : من المقرر قانونا أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة
الصلح من طرف القاضي ، وعند نشوز أحد الزوجين يحكم القاضي بالطلاق …… و من ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون .
و قد جاء في قرار آخر للمحكمة العليا أنه من المقرر قانونا أنه لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي و من ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون
و تجدر الإشارة إلى أنه عندما صدر قانون الإجراءات المدنية في سنة 1966 كان قد نص في المادة 17 منه على وجوب القيام بمحاولة الصلح في كل دعوى تتعلق بالأحوال الشخصية قبل الفصل في الموضوع و لا سيما إذا كانت الدعوى تهدف إلى الطلاق و انحلال عقد الزواج، كما نص على وجوب أن يحرر القاضي محضرا بما تم التصالح عليه تكون له قوة الحكم و قابليته للتنفيذ، أو يحرر محضرا بفشل محاولة الصلح و دعوة الزوجين إلى جلسة علنية للمحاكمة، و قبل ذلك كانت المادة 13 من المرسوم رقم 59/1082 الخاص باللائحة التنفيذية المكملة للأمر رقم 95/274 المتضمن تنظيم عقود الزواج المبرمة في ولايتي الساورة و الواحات تنص على أنه للقاضي بعد سماع مزاعم الزوجين أن يصرح للمدعي منهما بدعوة المدعى عليه إلى جلسة صلح، ويسمع كل واحد منهما على انفراد في مكتبه و بدون حضور الوكلاء والمحامين و لا حتى كاتب الضبط، وفي حالة فشل محاولة الصلح أو غياب المدعى عليه يثبت القاضي ذلك في محضره و يستدعي الزوجين رسميا لحضور الجلسة و يفصل في الموضوع .
وعندما عدلت المادة 17 أصبحت تنص على أنه يجوز للقاضي مصالحة الأطراف أثناء نظر الدعوى في أية مادة كانت ، و بذلك أصبحت إجراءات الصلح شاملة لجميع الدعاوى المدنية بما فيها دعاوى الزواج و الطلاق ، و أصبحت أيضا اختيارية تخضع لتقدير القاضي ولكن و بعد صدور قانون الأسرة في سنة 1984 نصت المادة 49 منه على وجوب الصلح إلا أنها أغفلت النص على وجوب تحرير محضر بالصلح أو بعدم الصلح ، وأغفلت كذلك ما يجب على القاضي أن يفعله بعد فشل محاولة الصلح أو نجاحها . إلا أن المنطق الإجرائي يقتضي أن يقوم قاضي الأحوال الشخصية باستدعاء الزوجين إلى مكتبه ليسمع مزاعم كل منهما تجاه الآخر ثم يحاول الإصلاح بينهما قدر الإمكان ، وسواء فشل في ذلك أم نجح فإنه ينبغي عليه أن يحرر محضرا بما توصل إليه يلحقه بملف الدعوى ثم يحيل الطرفين إلى حضور جلسة علنية تنعقد ضمن الجلسات المقررة للمحكمة ، وعندئذ يقع النقاش في الموضوع ليصدر فيما بعد حكمه وفقا للإجراءات العادية .
و في حالة تصالح الزوجين فإن النزاع بينهما ينتهي و ما يبقى أمام القاضي إلا الإشهاد بوقوع الصلح و هذا ما جاء في قرار المحكمة العليا إذ ذهبت إلى أنه من المقرر قانونا أن الصلح عقد ينهي به الطرفان النزاع القائم أو يتوقيان به نزاعا محتملا و ذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه …..
و متى تبين في قضية الحال أن قضاة المجلس لما قبلوا الإستئناف قي الحكم القاضي بالصلح المقام بين الطرفين و الذي شهدت عليه المحكمة أخطأوا في تطبيق القانون ، لأن الإستئناف لا يرفع إلا ضد الأحكام التي صدرت إثر نزاع بين الأطراف بخلاف الصلح الذي يبرم بين الأطراف الذين جعلوا حدا لهذا النزاع وأن المحكمة ينحصر دورها ف مراقبة صحة و سلامة هذا الصلح ….
و تجدر الملاحظة أن القاضي و بعد أن تصبح القضية جاهزة للحكم و قبل أن يضعها في النظر يقوم بعرض الملف على النيابة العامة وفقا لما تقضي به المادة141 من ق.إ.م فما مدى إلزامية هذا الإجراء لقاضي الدرجة الأولى؟
الفرع الثاني : شروط رفع دعوى إثبات الطلاق
أ- الشروط الواجب توافرها في الزوجين:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 459 ق.إ.م على أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء مالم يكن حائزا لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك
فأما الأهلية فإن القانون المدني يعرفها بأنها صلاحية الشخص لكسب الحقوق و التحمــل بالالتزامات والأهلية في الاصطلاح القانوني علــى نوعين:أهليــة وجوب وأهلية أداء.
والمقصود بالأهلية في مجال الخصومات الزوجية هو أهلية التقاضي أمام المحكمة بمعنى أنه إذا تنازع الزوجان و تخاصما خصاما شديدا فإنه لكي تنظر المحكمة في موضـوع
نزاعهما يجب أن يكون كل واحد منهما متمتعا بأهلية التقاضي و بالغا سن الرشد المدني و هو 19سنة من العمر كاملة وفقا لما نصت عليه المادة 40 ق . م و متمتعا أيضا بقواه العقلية و ألا يكون محجورا عليه لأنه لا يجوز للمحكمة أن تقبل دعوى من أو على شخص فاقد الأهلية أو ناقصها إلا بواسطة ممثله القانوني ، هذا بتطبيق القواعد العامة إلا أن مسألة الطلاق في حد ذاتها لها خصوصيتها إذ أنها حق شخصي للزوج وأن الحجر يقع على ممارسة الحقوق المالية فقط لذلك فإنه في الشرع الإسلامي يجوز للزوج المحجور عليه طلاق زوجته ، ومن ثمة وطالما لم يتعرض قانون الأسرة لهذه المسألة فلا مانع من تبني ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا المجال ، و تبقى مسألة اللجوء إلى القضاء مسألة إجرائية .
و الأمر نفسه فيما يخص طلاق المريض مرض الموت مما يجعلنا نعود إلى أحكام الشريعة الإسلامية في هذا المجال و لاسيما ما يتعلق منها بصحة الطلاق و إمكانية التوارث بين الزوجين إذا حدثت الوفاة خلال أو اثر مرض الموت .
لقد أجمع الفقهاء على صحة الطلاق الواقع في مرض الموت و على التوارث أتناء عدة الطلاق الرجعي و اختلفوا على مدة و زمان إمكانية التوارث أتناء عدة الطلاق البائن.
أما قانون الأسرة الجزائري فقد اكتفى بالنص في المادة 132 منه على انه : إذا توفي أحد الزوجين قبل صدور الحكم بالطلاق أو كانت الوفاة في عدة الطلاق استحق الحي منهما الإرث، دون أن يفرق بين عدة الطلاق الرجعي و عدة الطلاق البائن .
و خلاصة القول أن حكم الطلاق في مرض الموت هو طلاق صحيح شرعا و قانونا و لا يجوز الطعن فيه أو الادعاء ببطلانه و أن حق التوارث يبقى قائما لصالح الزوجين إذا مات أحدهما أتناء عدة الطلاق الرجعي، و يبقى قائما لصالح الزوجة المطلقة وحدها إذا مات مطلقها أثناء عدة الطلاق البائن أو بعدها كلما ثبت أن الزوج قد طلقها في مرض الموت بقصد حرمانها من حقها في التركة و هذا ما يسمى عند الفقهاء بطلاق الفرار الذي يستوجب معاملة المطلق بنقيض قصده.
و بمأن الطلاق هو من حقوق الزوج فإنه يجوز له توكيل غيره في إيقاعه و ينصرف هذا الأثر إلى الزوج ، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها إذ جاء فيه أنه من المقرر قانونا أن الوكالة أو الإنابة هي عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و باسمه و أن الوكالة الخاصة الرسمية تصح للمرافعة أمام القضاء .
ومن المقرر أيضا أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية.
و من ثمة يتعين القول أن الزوج الذي وكل والده نيابة عنه في إجراءات التقاضي في دعوى الطلاق موضوع النزاع الحالي بناءا على وكالة رسمية والتي تحدث آثارها القانونية عكس ما ذهبت إليه الطاعنة بالقول لا تصح الوكالة في مثل هذه الحالات، إلا أن ما يؤخذ على قضاة الاستئناف عدم قبول الاستئناف شكلا من دون مراعاة أحكام المادة 102 ق . إ . م بدعوى أن الطلاق نهائي و كان المفروض النظر في مسألة الاستئناف و بعد قبوله ينظر في موضوع الطلاق و يحكم بعدم الاختصاص لكون الحكم صدر نهائيا .
و بصفة عامة فإن المعمول به في حالة تقصان الأهلية هو رفع الدعوى من ولي الزوج ناقص الأهلية أو ضده ، و في حالة المنازعة في الأهلية فإنه يعود الأمر للقاضي لتقدير نقص الأهلية من عدمه و ذلك بتعيين خبير مختص لإجراء خبرة حول المسألة .
و تجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي في هذا المجال يعتبر أن القاصر يرشد بالزواج بقوة القانون وأن هذا الترشيد شرعي و آلي، بل أكثر من ذلك فهو يعتبر كنتيجة للإرادة الضمنية للآباء ، وأن الضرورة الحتمية تفرض اعتبار الترشيد كأثر للزواج ذلك أن الزوج يصبح رئيس للعائلة و عليه ينبغي أن يتمتع ببعض الحرية في ممارسة وظيفته و كذلك الزوجة فهي تتحمل أعباء الأسرة و عليه ينبغي الاعتراف لهما بحد أدنى من الاستقلالية عن الآباء .
و من ثمة فان الزوج القاصر متى تزوج أصبح أهلا لان يرفع دعوى الطلاق أو أن ترفع ضده.
في حين لم يتناول المشرع الجزائري هذه المسألة بل سكت عن ذلك و السكوت معناه الإحالة على القواعد العامة ، و مع ذلك نجد المادة 334 من قانون العقوبات الجزائري تنص على ما يلي :… و لو تجاوز السادسة عشر من عمره و لم يصبح بعد راشدا بالزواج …. و عليه إذا أخدنا بحرفية النص يمكن القــول أنالمشرع الجزائري يأخذ ضمنيا بفكرة الترشيد إلا أن الراجح أن المسالة لا تعدوا إلا أن تكون مجرد خطأ مطبعي أو سهو عندما تم الاقتباس من القانون الفرنسي.
و الرأي عندنا هو انه ينبغي على المشرع أن يتدخل لتقنين هذه المسالة ذلك أن مسالة كون الرجل أو المرأة يتحمل اعباء أسرة بأكملها و في الوقت نفسه لا يملك أن يباشر حقوقه الإجرائية من رفع الدعاوى و الدفاع عن نفسه بنفسه في حالة رفعها ضده تنطوي على نوع من التناقض.
و في الختام ينبغي التنويه إلى أن الأستاذ زودة عمر يعتبر الأهلية شرط من شروط صحة المطالبة القضائية و ليس لقبول الدعوى ذلك أن تخلفها يترتب عليه دفع شكلي في حين أن تخلف شروط قبول الدعوى يترتب عليها دفع بعدم القبول .
و أما الصفة فإن المقصود بها هو أن يكون صاحب الحق حل اعتداء هوالذي يباشر الحق في الدعوى التي ترفع من اجل تقرير هذا الحق أو حمايته.
وعليه فإن الصفة هي الوصف الذي يسحب على الأطراف فإذا رفعت الدعوى على غير ذي صفة يحكم بعدم قبول الدعوى، و المفروض أن الصفة تثبت لكل شخص تم الاعتداء على حقه غير انه قد يوجد هذا الشخص في استحالة مادية أو قانونية تمنعه من استعمال حقه في الدعوى أمام القضاء و لذلك تباشر هذه الدعوى بواسطة ممثله القانوني، في هذه الحالة تثبت للممثل القانوني ما يعرف بالصفة الإجرائية.
و نجد انه في حالة تخلف الصفة الإجرائية يترتب عليها بطلان الإجراءات كما أن زوال الصفة في الدعوى يؤدي إلى انقضائها في حين أن زوال الصفة الإجرائية يؤدي إلى انقطاعها.
و الصفة في دعاوى إثبات الطلاق معناها أن يكون أحد الزوجين الذي يرفع دعواه ضد الزوج الآخر له صفة في إقامة هذه الدعوى و تقديمها إلى المحكمة، بمعنى انه يجب لتحقيق هذا الشرط أن يكون المدعي هو الزوج أو الزوجة نفسها أو احد ممثليهما قانونا.
وتثبت الصفة في الدعوى بتقديم الزوج طالب الطلاق نسخة من عقد الزواج وفي هذا الصدد نص القانون رقم 224-63 الصادر في 29/06/1963 والخـاصبتحديد سن الزواج قد نص في المادة 05 منه على أنه : لا يجوز لأحد أن يدعي بأنه زوج وأن يطالب بما يترتب على الزواج من آثار مالم يقدم عقد زواج محرر و مسجل في سجلات الحالة المدنية .
أما في دعوى اثبات الطلاق العرفي فإنه طالما أن هذه الدعوى قد فرضت نفسها في الواقع فإنه يجب التطرق لها و عليه فالصفة تثبت لكل من الزوجين و لورثتهما في حالة الوفاة مع العلم انه في حالة كون احد الزوجين قاصرا فانه يملك الصفة الموضوعية دون الصفة الإجرائية.
و أما بالنسبة لشرط المصلحة فانه بالنسبة للزوج أو الزوجة أو الورثة في حالة الطلاق العرفي فانه من مصلحتهم إثبات وقوع الطلاق، و تظهر هذه المصلحة بصفة خاصة في دعاوى اتبات الطلاق العرفي و خاصة حالة إعادة الزوجة الزواج أو تزوج الزوج بأخت الزوجة أو برابعة، أما بالنسبة للورثة فان مصلحتهم تتمثل في ثبوت الميراث من عدمه.
ب- أداة رفع الدعوى إلى المحكمة : ترفع دعوى الطلاق أمام المحكمة وفقا للطرق المنصوص عليها بالمادة 12 من ق.إ.م و ذلك إما بإيداع عريضة مكتوبة و مؤرخة و موقعة من المدعي أو من محاميه لدى مكتب الضبط بالمحكمة ، وإما بحضور المدعي نفسه أمام المحكمة و في هذه الحالة يتولى كاتب الضبط أو أحد أعوان مكتب الضبط تحرير محضر بتصريحات المدعي الذي يوقع عليه أو يذكر أنه لا يحسن التوقيع .
ومن تحليل هذه المادة يتضح لنا أنه هناك طريقتان لرفع الدعوى أمام المحكمة وهما :
– طريقة تقديم عريضة مكتوبة حيث يقوم المدعي بتقديم عريضته مؤرخة و موقعة على نسختين إلى أمانة ضبط المحكمة ولا يطلب منه القانون أن يبين الأسباب التـي دفعـتـه
إلى الطلاق لأن الأمر يتعلق باستعمال الحق الإرادي ، و تعتبر العريضة أحد العناصر الشكلية لممارسته ويجب أن يشير فيها إلى اسمه و لقبه و عنوانه و مهنته ، وإلى اسم ولقب وعنوان ومهنة زوجته .
– طريقة التصريح الشفوي : و تكون بتصريح المدعي لدى أمانة ضبط المحكمة بإرادته مع تقديمه له جميع بياناته و بيانات خصمه .
وهنا يحرر الكاتب محضرا بطلبات المدعي و أقواله ثم يقدمه له للتوقيع عليه وان كان المدعي لا يحسن التوقيع أو لا يستطيع ذلك فلا ينبغي على الكاتب أن يضع بصمته على المحضر وإنما ينوه في آخره بأن المدعي لا يحسن التوقيع .
و في الواقع العملي نجد أنه لا أثر للطريقة الثانية فالمعمول به فقط هو الطريقة الأولى و هي تقديم عريضة مكتوبة على نسختين تتضمن كافة الشروط و تكون مرفقة بعقد الزواج و بيان عائلي ثم يدفع المدعي أو ممثله الرسم القضائي.
المطلب الثاني: تعامل القاضي مع دعوى إثبات الطلاق .
بعد رفع الدعوى يقوم الكاتب بتسجيل القضية في السجل المخصص لذلك ويمنح لها رقما خاصا و يسلم للمدعي وصلا يحمل رقم القضية و تاريخ تسجيل الدعوى و تاريخ الجلسة الذي يجب أن يحضر فيه مرفقا بالتكليف بالحضور و الذي يعد قرينة على علم المدعى عليه بالدعوى المرفوعة ضده ، فإذا لم يحضر بذلك التاريخ قضى القاضي بشطب الدعوى طبقا للمادة 35 من ق.إ.م
أما إذا غاب المدعى عليه فإن القاضي يفصل في القضية غيابيا في حقه بعد منحه أجلا للحضور .
و نظرا لخصوصية دعوى إثبات الطلاق العرفي و خاصة و أنها وليدة العمل القضائي و لم يرد نص صريح بشأنها فإن التطبيقات القضائية تذهب إلى عقد جلسة الصلح أولا و يتم فيها سماع كل من الزوجين حول واقعة الطلاق المدعى بها ثم فيما بعد يتم إجراء تحقيق بسماع الشهود لتأكيد الواقعة وهذا على خلاف دعوى إثبات الطلاق بالإرادة المنفردة و التـي يقــوم القاضي فيها فقط بتأجيل القضية قصد إجراء الصلح ، ومتى كان الأمر كذلك وجب التطرق أولا إلى كيفية تعامل القاضي مع دعوى إثبات الطلاق ثم إلى كيفية تعامله مع دعوى الطلاق العرفي ، فكيف يتم ذلك ؟
الفرع الثاني : تعامل قاضي الأحوال الشخصية مع دعوى إثبات الطلاق العرفي.
سبق لنا و أن ذكرنا بأن دعوى إثبات الطلاق العرفي هي دعوى وليدة القضاء و لا تستند إلى أية مرجعية قانونية و عليه فهي تتميز بإجراءات خاصة هي الأخرى وليدة العمل القضائي حيث يعقد القاضي أولا جلسة الصلح ثم يقوم بإجراء تحقيق حول الواقعة المدعى بها و هذا ما سوف نتناوله فيما يلي:
أ- إجراء الصلح : قلنا أنه بعد تسجيل دعوى إثبات الطلاق يقوم القاضي باستدعاء الطرفين إلى مكتبه بواسطة أمين الضبط أو أثناء حضورهما الجلسة لتاريخ معين لإجراء الصلح أين يقوم بسماع كل منهما حول واقعة الطلاق المدعى بها و التأكد من إرادتهما و السؤال المطروح في هذا الصدد هو : ما مدى جدوى إجراء الصلح في حد ذاته ؟
و بعبارة أخرى إذا قلنا أن القاضي يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء و يبقى فقط اللجوء إلى القضاء من أجل توثيق هذه الإرادة، فما هي الفائدة العملية من إجراء الصلح ؟ و في حالة ما إذا تراجع الزوج كيف يكون حكم القاضي ؟
هذه جملة من التساؤلات و غيرها كثيرة في هذا المجال نظرا لتعقد هذه المسألة و عدم استنادها إلى نص صريح .
وفي رأيي و جوابا على ذلك يمكن القول أن القاضي إذا ما تأكد من وجود طلاق عرفي و مع إصرار الزوجين عليه لا يبقى أمامه إلا الحكم به في حين أنه إذا تصالحا فإن الصلح ينهي كل نزاع هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الصلح في حكم سحب الطلب القضائي و لا يجوز للقاضي أن يحكم بما لم يطلب منه ، وعليه لا يبقى أمامه إلا الإشهاد
بوقوع الصلح و تبقى مسألة وقوع الطلاق من عدمه بين الزوجين الذين من المفروض أن يكونا أحرص على دينهما من القاضي .
هذا من الناحية القانونية البحتة إلا أنه من الناحية الشرعية فإن المسألة محل نظر ذلك أنه يتم رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي الواقع في زمن ماض وعليه فمن غير المنطقي أن يصرح القاضي بالصلح في مسألة مع علمه علم اليقين أن الزوجة قد بانت من زوجها و أصبحت أجنبية عنه وبالتالي وحسب رأيي فإنه لا مبرر لإجراء جلسة الصلح في دعاوى إثبات الطلاق العرفي .
ب- التحقيق في واقعة الطلاق العرفي : لم ينص قانون الأسرة على هذا الإجراء في دعوى الطلاق لكونه لا يعترف بوقوع الطلاق أصلا خارج ساحة القضاء إلا أنه و مع ذلك فإن المحاكم تعمل به و هذا ما لاحظناه في كل من محكمة البويرة و الجلفة ، و سوف نتطرق إلى دراسة هذا الإجراء بنوع من الاختصار فيما يلي :
– اللجوء إلى التحقيق : الملاحظ في محكمة الجلفة أن اللجوء إليه يكون تلقائيا دون الحاجة إلى طلبه من الأطراف و يكون ذلك وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية و تحديدا المادة 43 و ما بعدها إما بموجب أمر كتابي أو شفوي .
فأما الأمر الكتابي فهو عبارة عن حكم تحضيري بإجراء التحقيق و في هذه الحالة يجب أن يبين فيه القاضي الوقائع المراد التحقيق فيها و يوم و ساعة الجلسة المحددة لإجرائه .
و بصدور هذا الحكم يتعين على من له مصلحة استخراج نسخة منه و تبليغها للخصوم الآخرين مع إحضار شهوده بالتاريخ الذي يحدده القاضي .
و أما الأمر الشفوي و هو المعمول به عادة فإن القاضي يحدد تاريخ جلسة إجراء التحقيق و يبلغ الأطراف به بالجلسة و يتعين عليهم إحضار شهودهم بذلك التاريخ .
ب- إجراءالتحقيق : يقوم القاضي بالتحقيق بالتاريخ المحدد بموجب الأمر بالتحقيق و ذلك بسماع شهود الإثبات أو النفي بعد أدائهم اليمين القانونية ، و يتم سماع الشهود وفقا للقواعد العامة و ذلك بأن تسمع شهادة كل واحد منهم على انفراد بعد تذكيره باسمه و لقبه و مهنته و سنه و موطنه و يؤدي اليمين بأن يقول الحق و إلا كانت شهادته باطلة في حين أن القصر يتم سماعهم على سبيل الاستدلال و دون تحليفهم اليمين ،كما يجوز إعادة سماع الشهود و مواجهتهم بعضهم ببعض ، و يجوز سماع شهادة جميع أقارب الزوجين في دعاوى الطلاق ما عدا الأبناء . و يدلي الشاهد بشهادته دون أن تتم مقاطعته من أحد ثم تتلى عليه أقواله و يقوم بالتوقيع عليها أو ينوه على أنه لا يحسن التوقيع أو أنه امتنع عن ذلك .
و يقوم أمين الضبط بتدوين أقوال الشهود في محضره فيما يخص الدعاوى التي لا يجوز استئنافها ، أما الدعاوى الجائز استئنافها فيحرر محضرا خاصا بأقــوال الشهود ثم يرفقه بعد التوقيع عليه من القاضي بالنسخة الأصلية للحكم ، و يجب أن يتضمن بيان يوم و ساعة التحقيق و حضور الخصوم و غيابهم واسم كل شاهد و لقبه و مهنته و موطنه و بيان أداء اليمين و يثبت فيه أقوال الشهود و يشار إلى تلاوتها عليهم . و هنا يجوز للقاضي أن يصدر حكمه فور إجراء التحقيق كما له أن يؤجل الدعوى إلى جلسة مقبلة و في هذه الحالة الأخيرة يصرح للأطراف بالإطلاع على التحقيق قبل المناداة على القضية من جديد في الجلسة المحددة .
و تختلف طريقة إجراء التحقيق باختلاف موقف الزوجين من الطلاق و هنا ينبغي علينا أن نفرق بين ثلاث حالات:
-حالة اتفاق الزوجين على وقوع الطلاق : هذه المسألة لا تطرح إشكالا لكونها لا تنطوي أصلا على نزاع ، وهنا يقوم القاضي بسماع الشهود فقط لتأكيد الواقعة و تحديدا لتأكيد التاريخ و المكان الذي وقعت به.
-حالة إنكار أحد الزوجين : في حالة ادعاء الزوجة وقوع الطلاق العرفي وإنكاره من طرف الزوج فإن القاضي هنا يقوم بالتحقيق مع الشهود بدقة لكون أن المسألة تتضمن اعتداء على أحد أهم حقوق الزوج ألا و هو حقه في طلاق زوجته و لكون أن القاضي سوف يحل محله في القول بوقوع الطلاق من عدمه خاصة و أن العصمة بيد الزوج ، و قد اتجهت التطبيقات القضائية بمحكمة الجلفة إلى الأخذ بشهادة الشهود في إثبات الطلاق حتى في حالة إنكاره من طرف الزوج و هو الأمر الذي يتجسد من خلال الحكم رقم 75/2001 الصادر بتاريخ 10/02/2001 و الذي قضى في الشكل بقبول المعارضة و في الموضوع تأييد الحكم المعارض فيه و القضاء نهائيا بالإشهاد على الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين مع الأمر بالتأشير به على هامش عقدي ميلادهما وعقد زواجهما لدى مصالح الحالة المدنية لدار الشيوخ.
و قد ذهب الاجتهاد المصري إلى اعتبار أنه إذا صدقت الزوجة زوجها المقر في إسناد طلاقها إلى تاريخ سابق اعتبر في حقها لا في حق الله فتعامل بهذا الإسناد بالنسبة لنفقتها ولا يعمل به فيما هو من حقوق الله كتزوجه بأختها أو أربع سواها لتهمة المواضعة .
كما ورد في اجتهاد آخر ما يلي : المنصوص عليه أن المقر إذا أسند الطلاق إلى تاريخ سابق فإما أن تقوم على هذا الإسناد بينة أم لا ، فإذا قامت بينة فإن الطلاق من وقت أن قامت عليه البينة قولا واحدا و إن لم تقم فالمتقدمون على اعتباره من وقت أسنده له و المتأخرون على اعتباره من وقت الإقرار سواء صدقته أو كذبته أو قالت لا أدري ، إلا أنها في حالة التصديق لا نفقة لها و لا سكن لقبول قولها في حق نفسها لا في حق الله على المفتى به .
– التحقيق في حالة وفاة أحد الزوجين : هنا تكون الدعوى إما مرفوعة من الزوج الباقي على قيد الحياة ضد ورثة الزوج المتوفى أو من ورثة الزوج المتوفى ضد الزوج الباقي على قيد الحياة .
و نظرا لخطورة هذه المسألة لتعلقها غالبا بأمور الميراث أين يكون القصد منها استبعاد الزوج الباقي على قيد الحياة منه فإنه يتعين على القاضي التدقيق قدر الإمكان قبل الحكم بالإشهاد على وقوع الطلاق العرفي.
المبحث الثاني : طرق الطعن في الحكم بالطلاق و تنفيذه .
تنص المادة 57 من ق. أ على أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية ، و نعلم أن الحكم بالطلاق وان كان يصدر في شكل الحكم القضائي إلا أنه ذو طبيعة ولائية و من ثمة فالمفروض أن يخضع لنظام خاص به و مفاده أن يكون الطعن فيه بموجب تظلم أمام القاضي مصدر الأمر ، ولعل نص المادة 57 من ق.أ قد سار في هذا الاتجاه عندما نص على عدم خضوع الحكم بالطلاق للاستئناف وفي ذلك تماشيا مع القواعد الشرعية إذ لا يعقل أن يستعمل الزوج حقه في الطلاق استنادا إلى كون العصمة في يده ثم يعطى الحق للزوجة في استئنافه، هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن المادة 57 نصت على عدم القابلية للاستئناف و لم تنص على عدم القابلية للطعن بالنقض و هنا يطرح السؤال فيما إذا كانت أحكام الطلاق تقبل الطعن بالنقض أم لا ؟
وعلى صعيد آخر و بالعودة إلى الواقع العملي و تحديدا محكمة الجلفة نجدها كما سبق البيان تذهب إلى إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي فهل تطبق عليه نفس الأحكام المطبقة على الحكم بالطلاق أم أنه يقبل الطعن فيه كباقي الأحكام ؟
إجابة على هذه التساؤلات سوف نتطرق لدراسة طرق الطعن العادية وغير العادية و مطابقتها على حكم إثبات الطلاق في مطلب أول لندرس تنفيذ الحكم بالطلاق في مطلب ثان.
المطلب الأول : طرق الطعن في حكم الطلاق .
بصفة عامة تنقسم طرق الطعن إلى طرق طعن عادية و أخرى غير عادية والأصل أنه بالعودة إلى المادة 57 فإنه يستشف منها أن الطلاق لا يقبل إلا الطعن بالنقض إلا أننا و مع ذلك سوف نحاول تسليط الضوء على هذه الطرق و مطابقتها بأرض الواقع لنخلص في النهاية إلى النتيجة القانونية و هذا ما سوف نتناوله فيما يلي :
الفرع الأول : طرق الطعن العادية .
يقصد بطرق الطعن العادية تلك الطعون التي ترفع إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو إلى ذات المحكمة و سميت طعونا عادية لأنه يجوز بناؤها على أي سبب من الأسباب سواء تعلقت بصحة الحكم من الناحية الشكلية أو بعدم عدالته من ناحية مضمونه أو موضوعه بالإضافة إلى ذلك فإن سلطات القاضي في الفصل فيه تكون مماثلة لسلطات القاضي الأول و تتمثل هذه الطرق في المعارضة و الاستئناف وكل طريق منها يمثل مبدأ من مبادئ التقاضي فالمعارضة تمثل مبدأ الوجاهية و الاستئناف يمثل مبدأ التقاضي على درجتين ، وسوف نحاول التطرق لهما بشيء من الإيجاز في النقاط التالية:
أ-الاستئناف: الطعن بالاستئناف هو طريق عادي للطعن في الأحكام الصادرة ابتدائيا عن محاكم الدرجة الأولى و يرمي أساسا إلى إعادة الفصل في ذات القضية مرة ثانية و باعتباره طريقا عاديا فإن المشرع لم يحدد أسبابا محددة لبناء الطعن على أساسها.
وبالرجوع إلى نص المادة 49 من ق. أ نجدها تنص على أن الطلاق هو حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج المنفردة أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما هو وارد بنص المادتين 53 و 54 من هذا القانون . وتنص المادة 57 منه على أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية ، ومن هنا وجب التفرقة بين الأحكام الصادرة بحل الرابطة الزوجية بالطلاق بالإرادة المنفردة للزوج أو بتراضي الزوجين و الأحكام الصادرة بالتطليق و التي لم تتضمنها المادة 57 من ق . أ و من ثمة تبقى خاضعة لإجراءات الطعن العادية إلا أنه كان ينبغي على المشرع أن يحسم الخلاف بالنص صراحة على ذلك ، وإذا قلنا بأن أحكام الطلاق وفقا للمادة 57 من ق. أ غير قابلة للاستئناف فهل تنطبق هذه القاعدة على الأحكام الصادرة برفض دعوى الطلاق لعدم التأسيس ؟
مبدئيا نجد أن القضاء في هذا المجال انقسم إلى اتجاهين :
– ثمة هناك اتجاه يذهب إلى اعتبار الحكم برفض دعوى الطلاق لعدم التأسيس حكم ابتدائي قابل للاستئناف لكونه لم يصدر بالطلاق و حجتهم في ذلك أن المشرع عندما نص على عدم قابلية الحكم بالطلاق للاستئناف فإن ذلك مرده طبيعة الحكم في حد ذاتـه و الأســـاس
الشرعي الذي يستند عليه و هو العصمة الزوجية، في حين أن الحكم برفض دعوى الطلاق لعدم التأسيس هو حكم عادي يخضع لمبدأ التقاضي على درجتين، ذلك أن جهة الاستئناف هي جهة مراقبة لشرعية أعمال قاضي الدرجة الأولى و من ثمة وجب إعطاء فرصة للخصم لتدارك هذا الخطأ خاصة و أن الطلاق هو حق إرادي والمفروض ألا يثار مثل هذا الإشكال بخصوصه لأن الحكم به يكون مجرد تقديم الزوج لطلبه وفقا للشكل المنصوص عليه قانونا. و قد سارت المحكمة العليا في هذا الإتجاه إذ جاء في قرارها أنه من المستقر عليه أنه يجوز الحكم بالطلاق أمام المجلس القضائي لما تقضي المحكمة بالرجوع إلى بيت الزوجية أو ترفض دعوى الطلاق .
ومن ثمة فإن قضاة المجلس لما قضوا بإلغاء الحكم القاضي برفض الدعوى و حكموا من جديد بإثبات الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين و اعتبروه تعسفيا على مسؤولية المستأنف عليه طبقوا صحيح القانون .
ولكن هذا القول يتناقض مع قواعد الاختصاص النوعي إذ أصبحت المحاكم منذ صدور قانون الأسرة هـــي المختصة نوعيا بدعاوى الطلاق دون غيرها و أصبح التقاضي بالنسبة لها يتم على درجة واحدة .
-أما الاتجاه الثاني فيذهب إلى أنه في دعاوى الطلاق يجب أن يكون التقاضي على درجة واحدة حيث يصدر الحكم بالدرجة النهائية غير قابل للاستئناف و لكنه يقبل الطعن بالنقض طبقا للقاعدة العامة المنصوص عليها بالمادة 232 ق.إ.م . وعليه إذا وقع الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر في دعوى الطلاق سواء انتهت هذه الدعوى إلى نتيجة إيجابية أو سلبية فإنه يجب أن ينتهي هذا الاستئناف إلى عدم القبول.
و إذا فصل المجلس خلاف ذلك كأن يفصل بتأييد الحكم الصادر بالطلاق أو برفض دعوى الطلاق أو يفصل بالطلاق ووقع الطعن بالنقض في هذا القرار فيجب على المحكمة العليا أن تفصل ببطلان القرار المطعون فيه دون أن تحيل القضية من جديد أمام نفس الجهة التي أصدرته استنادا إلى أن المجلس ليست له ولاية الفصل في دعاوى الطلاق و لا تقبـــل سوى الطعون المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية و الفاصلة في دعاوى الطلاق .
و يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن المحكمة العليا لم تميز بين الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في دعاوى الطلاق و القرارات الصادرة عن المجالس القضائية و من ثمة فهي لم تلتزم بأحكام المادة 57 من ق. أ حيث نجدها تصرح بقبول الطعون بالنقض في القرارات الصادرة عن المجالس القضائية الفاصلة في دعاوى الطلاق و يتجسد ذلك من خلال قرارها رقم 182483 المؤرخ في 17/02/1998 غير المنشور .
و عليه فقد انتهينا إلى أن الحكم بالطلاق يصدر ابتدائيا نهائيا لا يقبل إلا الطعن بالنقض إلا أن الإشكال الذي يبقى مطروحا يتجسد في الحكم بإثبات الطلاق العرفي هل يتم الحكم به ابتدائيا أم ابتدائيا نهائيا؟
لم تستقر التطبيقات القضائية على مستوى محكمة الجلفة على وصف معين للحكم بإثبات الطلاق العرفي إذ نجدها تصدر أحيانا نهائية و أحيانا أخرى ابتدائية مما يعطي الفرصة للخصم لإمكانية الاستئناف، فقد جاء في منطوق الحكم رقم 489/03 الصادر بتاريخ 25/10/2003 وصف الحكم بالإشهاد على الطلاق العرفي بأنه ابتدائي في حين نجد أن هناك أحكام أخرى صدرت نهائية و مثالها الحكم رقم 161/2002 الصادر بتاريخ 09/03/2002.
وعلى صعيد آخر فإن مجلس قضاء الجلفة قضى في قراره رقم 88/99 الصادر بتاريخ 03/07/1999 برفض الاستئناف شكلا طبقا للمادة 57 من قانون الأسرة.
و في رأيي أن الحكم بإثبات الطلاق العرفي يختلف عن الحكم بالطلاق ذلك أن القاضي في الحكم بالطلاق له دور سلبي فمتى رفع أمامه طلب الطلاق من الزوج وجب عليه أن يقضي به دون أن يكون له البحث في أسبابه ، في حين أن الحكم بإثبات الطلاق العرفي يكون دور القاضي فيه إيجابيا إذ يبحث و يحقق في الواقعة ثم له أن يحكم بالطلاق في حالة اقتناعه كما له ألا يحكم به في حالة عدم ثبوت الواقعة المدعى بها و عليه فالمفـــروض أن تطبق عليه القواعد العامة ليكون بالتالي خاضعا للاستئناف خاصة و أنه لا يؤسس على العصمة الزوجية و بالتالي تنتفي الحكمة من جعله يصدر نهائيا.
و بخصوص تطبيق المادة 57 من ق.أ فقد جاء في قرار المحكمةالعليا مايلي : متى كان مقررا أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا فـــي جوانبها المادية فإن قضاة المجلس في قضية الحال بإلغائهم للحكم المستأنف لديهم القاضي بالطلاق خالفوا القواعد الجوهرية للإجراءات .
ب- المعارضة : تنص المادة 98 من ق . إ . م على أنه يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغ الحاصل وفقا للمواد 22،23،24و26 .
و بذلك فقد وضعت قاعدة عامة تسري على جميع الأحكام الابتدائية و الأحكام الصادرة نهائيا و التي يعبر عنها الفقهاء بالأحكام الإنتهائية ذلك أن صدور الحكم ابتدائيا انتهائيا لا يمنع من المعارضة فيه .
و بالرجوع إلى قانون الأسرة نجده لم يتضمن النص على المعارضة في الحكم القاضي بالطلاق فهل يفهم من ذلك تطبيق القواعد العامة في هذا الصدد أي العودة إلى الأصل العام و الذي مفاده أن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يوجد نص مقيد ؟
بدراسة طبيعة الحكم بالطلاق نجده يقوم على أساس العصمة الزوجية و هو حق إيرادي للزوج لا يحتاج فيه إلى رأي الزوجة بل أكثر من ذلك فإن دور القاضي فيه يكون سلبيا و عليه و على فرض صدوره في غياب الزوجة ما لحكمة من المعارضة في هذه الحالة ؟
..
هل يمكن تصور إعادة الحال إلى ما كان عليه ؟ حتى وان حدث ذلك فإن الدعوى سوف تنتهي إلى نفس النتيجة مع إصرار الزوج على الطلاق و على هذا الأساس يمكن القول بأن الحكم بالطلاق لا يقبل المعارضة إلا في جوانبه المادية .
و يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أنه إذا تم إعلان الزوجة بتاريخ النطق بحكم الطلاق فيعد ذلك قرينة على علمها بالفرقة و بالتالي تسري آثار الطلاق من تاريخ النطق به في حين أنه إذا لم يتم تبليغ الزوجة بتاريخ جلسة الإعلان عن الطلاق فهي تعد غير عالمة به و لا يسري أثر الطلاق في حقها إلا ابتداء من تاريخ إعلامها و هـنا يحق للزوجة أن تطعن في الحكم الصادر بالطلاق طبقا لطرق الطعن المقررة للأعمال الولائية ، فترفع تظلما أمام القاضي المعلن عن الطلاق و يمكن أن تستند في ذلك إلى عــدم إعلامهـا بجلســة المصالحــة
و ينظر القاضي في هذا التظلم و يفصل فيه بقبوله و الغاء العمل الصادر عنه إذا برهنت عن عدم إعلامها بالحضور إلى هذه الجلسة .
و نجد أن العمل القضائي في محكمة الجلفة مستقر على جواز المعارضة في أحكام الطلاق الغيابية و يتجسد ذلك بصفة خاصة من خلال عدة قرارات أهمها القرار رقم 27/99 الصادر بتاريخ 13/02/1999 و الذي تضمن التماس إعادة النظر في القرار الصادر في الاستئناف المرفوع في الحكم في المعارضة في حكم الطلاق وهذا الأخير الذي قضى بقبول المعارضة شكلا و في الموضوع تأييد الحكم المعارض فيه.
وعليه و إذا كان الأمر كذلك فيما يخص أحكام الطلاق فكيف هو الحال في الحكم بإثبات الطلاق العرفي ؟
استقر العمل القضائي في محكمة الجلفة على أن أحكام إثبات الطلاق العرفي قابلة للمعارضة و يتجسد ذلك من خلال الأحكام الصادرة في هذا الصدد وأهمها الحكـم رقم 75/2001 الصادر بتاريخ 10/02/2001 و الذي قضى بقبول المعارضة شكلا و تأييد الحكم المعارض فيه ، هذا الأخير الذي قضى غيابيا نهائيا بالإشهاد على الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين .
و ختاما يمكن القول أنه لا يمكن تصور المعارضة في الحكم بإثبات الطلاق إلا أن ذلك ممكن في الحكم بإثبات الطلاق العرفي لأن دور القاضي فيه إيجابيا كما سبق البيان و أن المعارضة وفقا للمادة 100من ق.إ.م توقف تنفيذ الحكم مالم يقضي الحكم الغيابي بخلاف ذلك.
الفرع الثاني : طرق الطعن غير العادية .
أ- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة :
تنص المادة 191 من ق.إ. م على أنه لكل ذي مصلحة أن يطعن في حكم لم يكن طرفا فيه بطريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يجوز اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر بإثبات الطلاق ؟
الإجابة على مثل هذا السؤال تقتضي منا التطرق بالتحليل لكل من الحكم بإثبات الطلاق و كذا الحكم بإثبات الطلاق العرفي .
فأما الحكم بإثبات الطلاق فإنه وكما سبق البيان يقوم على أساس العصمة الزوجية و من ثمة يكون دور القاضي فيه سلبيا هذا من جهة و من جهة أخرى فإن آثاره لا تشمل إلا الزوجين دون أن تمتد لغيرهما و عليه فلا يمكن في رأيي أن يكون محلا لاعتراض الغير الخارج عن الخصومة .
في حين يمكن تصور اعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الحكم القاضي بإثبات الطلاق العرفي نظرا لطبيعته الخاصة ذلك أن القاضي له دور إيجابي على أساس أن وظيفته لا تقتصر على مجرد تقرير حق الزوج في الطلاق و إنما تتعداه إلى التحقيق في واقعة الطلاق في حد ذاتها هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه غالبا ما يتم إثبات وقوع الطلاق بعد وفاة أحد الزوجين ومن ثمة يكون في ذلك مساس بحقوق الورثة مما يعطي لهم الحق في الاعتراض على حكم إثبات الطلاق العرفي رغم أنهم لم يكونوا أطرافا فيه .
ب- إلتماس إعادة النظر : تنص المادة 194 من ق.إ.م على ما يلي : إن الأحكام الصادرة عن المحاكم أو المجالس و التي لا تكون قابلة للطعن فيها بطريق المعارضة أو الاستئناف يجوز التماس إعادة النظر فيها من جانب من كان طرفا فيها أو ممن أبلغ قانونا بالحضور و ذلك في الأحوال الآتية :
– إذا لم تراعى الأشكال الجوهرية قبل أو وقت صدور هذه الأحكام بشرط ألا يكــون بطلان هذه الإجراءات قد صححه الأطراف .
– إذا حكم بما لم يطلب أو بأكثر مما طلب أو سهى عن الفصل في أحد الطلبات .
– إذا وقع غش شخصي .
– إذا قضي بناءا على وثائق اعترف أو صرح بعد صدور الحكم أنها مزورة .
– إذا اكتشفت بعد الحكم وثائق قاطعة في الدعوى كانت محتجزة لدى الخصم .
– إذا وجدت في الحكم نصوص متناقضة .
– إذا وجد تناقض في أحكام نهائية صادرة بين نفس الأطراف و بناءا على نفس الأسانيد من نفس الجهات القضائية .
– إذا لم يدافع عن عديمي الأهلية .
كما تنص المادة 199/2 على أنه ليس للالتماس أثر موقف .
و تجدر الإشارة إلى أن ميعاد تقديم الالتماس هو شهران من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه مع مراعاة أحكام تمديد المواعيد المنصوص عليها في المادتين 104و105 من ق.إ.م .
فما مدى إمكانية الطعن في الحكم المثبت للطلاق بطريق التماس إعادة النظر ؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا تفصيل إمكانية توافر حالات أو أوجه التماس إعادة النظر في الحكم القاضي بالطلاق ، وبمطابقتها عليه نجد أنه لا يمكن تصور ذلك في الحكم بالطلاق بناءا على الإرادة المنفردة للزوج لأنه مجرد تقرير لإرادة الزوج ، أما الحكم القاضي بإثبات الطلاق العرفي فإن الأمر فيه يختلف إذ يمكن أن يكون محلا لالتماس إعادة النظر لأن القاضي يحقق في واقعة الطلاق و يعتمد على شهادة الشهود و مستندات الخصوم .
ج- الطعن بالنقض :
الطعن بالنقض هو طريق غير عادي للطعن في الأحكام القضائية و يطعن بهذا الطريق في الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم الابتدائية أو المجالس على حد السواء ، فهو طعن يباشر أمام المحكمة العليا و لا يمكن تأسيسه إلا على الأوجه التي قررها القانون .
أما أجل تقديم الطعن بالنقض فهو شهران من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه و هو يرفع على شكل عريضة مكتوبة و موقع عليها من محامي مقبول لدى المحكمة العليا وهذا ما ورد في المادتين 235و240 على التوالي من ق.إ.م .
و بالرجوع إلى القواعد العامة نجد أنه لم يرد ضمن قانون الإجراءات المدنية ما يفيد أن الحكم بالطلاق غير قابل للطعن بالنقض حيث تنص المادة 231 على أنه فيما استثني بنص خاص و مع عدم المساس بالباب الرابع من هذا الكتاب تختص المحكمة العليا بالحكم في :
الطعون بالنقض في الأحكام النهائية الصادرة عن المجالس القضائية و عن المحاكم بجميع أنواعها .
و نجد أن المادة 02 من ق.إ.م تنص على أن المحاكم تختص بالفصل ابتدائيا و نهائيا في مجموعة من الدعاوى و ليس من بينها دعوى الطلاق و أن المادة 03 مــن نفس القانون تنص على أن المحاكم تقضي في جميع الدعاوى الأخرى بأحكام قابلة للاستئناف ….
إلا أنه بالعودة إلى قانون الأسرة و الذي هو نص خاص نجده يتضمن قواعد موضوعية وردت ضمنها قاعدة إجرائية تتعلق بالحكم بالطلاق و الذي يكون غير قابل للاستئناف إلا في جوانبه المادية و عليه فإنه بنص المادة 57 من قانون الأسرة على عدم قابلية الحكم بالطلاق للاستئناف فان المقصود به أن يصدر عن الدرجة الأولى نهائيا وبالتالي يكون غير قابل للاستئناف إلا أن هذه المادة لم تشر إلى الطعن بالنقض ونجد أن المحكمة العليا لم تستقر على رأي في هذه المسألة حيث ورد في قرار صادر عنها أنه من العبث أن يستأنف الطلاق أمام المجلس مادام الزوج قد طلبه و هو مصر عليه غير أنه يمكن المطالبـة بتوابع فك العصمة أمام الجهة الاستئنافية و هذا القول كـما ينطبــق علـى لاستئناف فهو ينطبق لا محالة على الطعن بالنقض. وعلى صعيد آخر نجد أن المحكمة العليا قبلت الطعن بالنقض في قضايا الطلاق وما أكثرها .
و عليه فمن المنطقي حسب هذا التحليل القول بأن أحكام الطلاق تخضع لطريق الطعن بالنقض ذلك أنه مادامت هناك إجراءات مقررة قانونا ينبغي احترامها فإنه لا بد من وجود رقابة المحكمة العليا عليها و هي محكمة قانون لا علاقة لها بالواقع .
و يرى الأستاذ زودة عمر أن الأحكام بالطلاق ليست أحكاما قضائية قابلة للطعن فيها بطرق الطعن المقررة قانونا للأحكام القضائية بل هي قرارات ولائية تصدر في شكل العمل القضائي و من ثمة تخضع للنظام القانوني الذي تخضع له الأعمال الولائية .
و رأينا في هذا المجال أن الطلاق هو أحد حقوق الزوج و أنه في حالة غموض النص فإن المادة 222من ق.أ قد أحالت على قواعد الشريعة الإسلامية ، و لم يثبت في تاريخ الأمة الإسلامية و أن قام قاض بإلغاء طلاق أوقعه الزوج فالطلاق يقع بمجرد إيقاعه دون الحاجة إلى موافقة القاضي عليه و تبقى فقط مادياته خاضعة لرقابة القضاء و خاصة فيما يخص الطابع التعسفي له و التعويض عنه .
المطلب الثاني : تنفيذ حكم الطلاق .
إن حكم الطلاق شأنه شأن جميع الأحكام يجب أن يكون قابلا للتنفيذ و يكون تنفيذه بتسجيله بسجلات الحالة المدنية للبلدية و على هذا الأساس سوف نتناول في الفرع الأول الحكم القابل للتنفيذ في حين نتناول في الفرع الثاني كيفية التنفيذ .
الفرع الأول : الحكم القابل للتنفيذ .
انتهينا فيما سبق إلى أن الحكم بالطلاق هو حكم منشئ لأنه لاوجود للطلاق إلا بعد صدور الحكم إلا أن الأمر ليس كذلك فيما يخص الحكم المثبت لواقعة الطلاق العرفي ذلك أن له طبيعة التقرير لكون القاضي يقرر وجود الواقعة من عدمها و بالتالي فهو حكم كاشف و مع ذلك فقد انتهينا و حسب رأيي إلى أنه يقبل الطعن فيه ســـواء بطرق الطعن العادية أو غير العادية على خلاف حكم الطلاق ومن ثمة فإن القابلية للتنفيذ تختلف في كل منهما عن الآخر مما يقتضي بنا دراسة كل منهما على حدى :
01/الحكم بالطلاق : المفروض أنه بمجرد صدوره يتم اشباع الحاجة من الحماية القضائية و بالتالي فإنه يكون نافذا بذاته دون الحاجة إلى أي إجراء آخر .
و على هذا الأساس المفروض أن يتم التأشير به على هامش وثائق الحالة المدنية مباشرة ، إلا أنه و كما سبق الذكر فإن المحكمة العليا تقبل الطعن بالنقض فيه ، وطالما كان الأمر كذلك فإن تكريس الطلاق من عدمه متوقف على فوات آجال الطعن بالنقض أو صدور قرار المحكمة العليا في حالة الطعن بالنقض و عليه فإن المعمول به فــي محكمة الجلفة و على غرار محاكم الوطن أن الحكم بإثبات الطلاق لا يكون قابلا للتنفيذ إلا بعد مرور أجل الطعن بالنقض مع عدم تقديمه.
02/الحكم بإثبات الطلاق العرفي : سبق وأن ذكرنا بأن المحكمة الواحدة منقسمة على نفسها فيما يخص وصفه فتارة يوصف بالنهائية و تارة أخرى يوصف بالإبتدائية و طالما أن الأمر كذلك فإنه حسب رأيي انتهينا إلى أنه من المفروض أن يصدر ابتدائيا وفقا للقواعد العامة وعلى هذا الأساس و إذا قلنا بذلك فإننا نكون أمام حكم قابل لجميع طرق الطعن و بالتالي و حتى يصبح قابلا للتنفيذ فإنه يتعين أن يستنفذ طرق الطعن العادية و غير العادية و عليه يكون قابلا للتنفيذ بعد مضي آجال الطعن بالنقض .
الفرع الثاني : كيفية تنفيذ الحكم المثبت للطلاق .
لقد جرى العمل في محكمة الجلفة على أن تنفيذ الأحكام بالطلاق سواء كان عرفيا أم طلاقا بالإرادة المنفردة للزوج يكون بسعي من صاحب المصلحة ، و على هذا الأساس ينبغي على المعني أن يقوم باستخراج نسخة من الحكم القاضي بالطلاق ثم يقوم بتبليغها إلى الخصم الآخر و بعد فوات آجال الطعن يتقدم إلى أمانة الضبط مرفقا بالوثائق التالية نسخة من عقد الزواج ، حكم الطلاق ، محضر التبليغ ، شهادة عدم الطعن بالنقض . و هنا يقوم أمين ضبط المحكمة بتحرير إخبارا بالطلاق و الذي يوقع من طـرف رئيس كتاب الضبط .
و بعد أن يقوم أمين الضبط بتحرير الإخبار بالطلاق بالصيغة المذكورة أعلاه يقوم بإرساله إلى البلدية التي أبرم عقد الزواج بدائرتها ليقوم ضابط الحالة المدنية بتسجيل الطلاق على السجل المخصص للزواج و على عقدي زواجهما و بسجلات الميلاد إذا كان المطلقين قد ولدا بدائرة اختصاصها و إلا فإنها ترسل إشعارات إلى البلديات المختصة التي ولدا بدائرتها .
و في الأخير يعيد ضابط الحالة المدنية الإشعار أو الإشهاد بالتسجبل إلى المحكمة موقعا من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي .
وأما عن كيفيات التسجيل فإن المادة 58/2 من الأمر07-20 المؤرخ في 19/02/1970 المتعلق بالحالة المدنية تنص على أنه في كل الحالات التي تقتضي تسجيل قضائي يجب على ضابط الحالة المدنية وضع مباشرة ملاحظة في شكل إشارة موجزة في هامش العقد المسجل أو في التاريخ الذي كان يجب تسجيله فيه .
ومن جهة أخرى تنص المادة 60 من الأمر المذكور أعلاه على أن : ضابط الحالة المدنية المحرر و المسجل للعقد لذي يستدعي ملاحظة يضع هذه الأخيرة ثلاثة أيام في السجلات التي بحوزته و إذا كانت النسخة من السجل حيث يجب تسجيل ملاحظة لدى كتابة الضبط يوجه إشعار إلى النائب العام .
ويستنتج من هذه المواد أن الملاحظات الهامشية يجب أن توضع إلزاميا في بعض العقود التي تقتضي ملاحظة (شهادات الميلاد، عقد الزواج ) و كذا في السجلات من طرف ضابط الحالة المدنية الذي يحرر أو يسجل العقد ، وفي حالة ما إذا كانت النسخة عن السجل بكتابة الضبط عليه أن يرسل إشعارا إلى وكيل الجمهورية بدائرته .
و إذا كان العقد الذي يجب أن تسجل فيه هذه الملاحظة في هامشه محررا أو مجلا في بلدية أخرى فإنه يجب إرسال هذا الإشعار إلى ضابط الحالة المدنية الموجود بتلك البلدية و الذي يعلم مباشرة وكيل الجمهورية بدائرته إذا كانت النسخة عن السجل لدى كتابة الضبط .
و إذا كان العقد الذي يستدعي ملاحظة محررا أو مسجلا في الخارج فإنه يجب على ضابط الحالة المدنية الذي حرر أو سجل العقد إرسال إشعار إلى وزارة الشؤون الخارجية .
خاتمـــــــة :
انتهينا إلى أن اتجاه المشرع في مسألة الطلاق هو عدم اعترافه بالطلاق الواقع خارج القضاء إلا أن غموض عبارته يوحي باعترافه به و لكن لا يرتب آثاره إلاا إذا صدر في شكل حكم قضائي ، و أن هذا الحكم جميع عناصره تؤكد بأنه عمل ولائي إلا أن المشرع الجزائري اشترط صدوره وفقا للعمل القضائي ذلك أن القاضي يزيل عقبة قانونية تعترض إرادة الزوج إذ لا يوجد نزاع أصلا في مسألة الطلاق فمتى قرر الزوج طلاق زوجته ما على القاضي إلا أن يحكم به و هذا ما أكدته المحكمة العليا إلا أن الإشكال الذي أثرناه و الذي ناقشناه بجميع آثاره هو مسألة إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي و الذي لا يجد مرجعا قانونيا له و مع ذلك فهو مكرس في أغلب محاكم الوطن بل و تم استحداث اجراءات خاصة به و هنا يظهر دور العرف كمصدر للقانون وعليه فنحن نناشد المشرع الجزائري أن يتدخل و يقوم بتعديل قانون الأسرة و ذلك بتقنين هذه القواعد العرفية إن صح التعبير و نحن نقترح في هذا المجال أن ينصب التعديل على الأخص على الأحكام التالية :
– فيما يخص نص المشرع في المادة 48 من ق .أ على أن الطلاق حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد بالمادتين 53و54 من هذا القانون ، نقترح في هذا المجال أن يقوم المشرع بالتفرقة بين الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج و يطلق عليه مصطلح الطلاق وغيره من صور حل الرابطة الزوجية .
– فيما يخص تحديد أجل الصلح بثلاثة أشهر نقترح في هذا المجال تقرير جزاء على الصلح الذي يتم بعد فوات هذه المدة كما نقترح أيضا تحديد طبيعة هذه المدة خاصة مع نص المشرع في المادة 50على أنه من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد ومن راجعها بعد صد\ور الحكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد فإذا كان المشرع يقصد بها مدة العدة كما نعتقد فهنا لا تجوزالمصالحة بعد انتهائها و بالتالي يكون المشرع قد فرق بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن و بعبارة أخرى يكون قد اعتبر أن رفع دعوى الطلاق من طرف الزوج هو طلاق رجعي و أن القاضي يجوز له خلال مدة ثلاثة أشهر المصالحة بين الطرفين و نقترح أيضا أن ينص في التعديل على أن القاضي عندما يحكم بالصلح فإن هذا الحكم يعتبر طلقة أولى تحتسب ضمن الطلقات الثلاثة التي يملكها الزوج على زوجته .
– فيما يخص نص المشرع في المادة58 من ق.أ على أن تعتد المطلقة…….من تاريخ التصريح بالطلاق ، هنا نجد أن عبارة التصريح بالطلاق جاءت غامضة ، وعليه نقترح أن
– يتضمن التعديل بيان المقصود بالتصريح بالطلاق ، هل يقصد به تاريخ رفع الدعوى من الزوج أم تاريخ تصريح الزوج به أم تاريخ الحكم بالطلاق .
– فيما يخص المادة 57 من ق.أ و التي تنص على أن الأحكام بالطلاق غير قابلة لللإستئناف ما عدا في جوانبها المادية ، هنا نجد أن عبارة الأحكام بالطلاق جاءت واسعة إذ تشمل الطلاق بإرادة الزوج و التطليق ، وعليه ينبغي على المشرع تحديد ذلك ، وعموما هذه المسألة سوف تحل تلقائيا بتعديل نص المادة 48 على النحو المذكور أعلاه ، حيث نكون حينها أمام الأحكام بالطلاق و التي يقصد بها فقط الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج و الأحكام بالتطليق .
– فيما يخص الطلاق العرفي حتى و إن قلنا أن المادة 222 من ق,أ تحيل على أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لما لم يرد النص عليه في قانون الأسرة إلا أن ذلك لا يكفي و عليه ينبغي على المشرع التدخل و النص صراحة على امكانية إثباته بأثر رجعي والنص كذلك على طرق إثباته و آثاره و كذا طرق الطعن فيه نظرا لخطورة آثاره على الصعيد القانوني بتغيير مركز الزوجين و من ثمة إقرار نتائج أخرى على هذا التغيير و خاصة فيما يتعلق بالإرث و صحة الزواج الثاني و الأخطر من ذلك هو وقوع الطلاق في حد ذاته دون أن ننسى الجانب الإجتماعي إذ يؤدي إلى تشتيت شمل الأسرة بأثر رجعي ، وتتعقد المسألة أكثر في حالة إنكار الزوج ، كما أن مسالة الأثر الرجعي في حد ذاتها تطرح إشكالا هذا بالإضافة إلى إشكالية استحقاق النفقة و نفقة العدة و غيرها من الحقوق المترتبة على وقوع الطلاق و لعل أخطر مسألة هي إثبات النسب .
و في الختام يمكن القول أن الطلاق وان كان حقا للزوج إلا أنه مكروه لذاته و محظور إلا لضرورة ، وعلى هذا الأساس ينبغي على المشرع تقنين هذه المسألة بدقة أكثر لأن الأسرة هي أساس المجتمع و بصلاحها يصلح المجتمع ، ومن ثمة وجب أن تكون الأحكام التي تحكمها واضحة وصريحة ولا يكتنفها أي غموض حفاظا على استقرار المعاملات و ضمانا لحقوق الزوجين و بصورة أخص حقوق الأولاد وهم الضحية الأولى والأخيرة و البريئة للطلاق .
اترك تعليقاً