العقد الإداري بشكله الكتابي بحث قانوني متميز .

الـشـكـل الـكـتـابـي في مـجـال إبـرام الـعـقـد الإداري

( دراسة مقارنة )

الناشر: مجلة المحامين العرب – العدد الخامس
الباحث: الدكتور/ عبد المنعم عبد الحميد إبراهيم شرف *

إذا كانت العقود غيـر المكتوبة هي أصلاً من عقود القانون الخاص, فهل يـمكن أن يكون العقد الإداري هو الآخر غير مكتوب أم لا بد من إفراغه في شكل كتابي؟

هذا ما سوف نبينه من خلال دراستنا للشكل الكتابي في مجال إبرام العقد الإداري, وذلك في الأنظمة القانونية المصرية والسعودية والمغربية؛ حيث سنبين (أولاً) الوضع في مصر وفقاً لقانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998م, ونوضح (ثانياً) الوضع في المملكة العربية السعودية وفقاً لنظام المنافسات والمشتريات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/58) وبتاريخ 4 / 9 / 1427هـ, ومن ثم نوضح ( ثالثاً) الوضع في المملكة المغربية وفقاً للمرسوم الملكي رقم ( 482-98-2) الصادر في 30/9/1998م بشأن تـحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة.

أولاً: الوضع في مصر

المستقر عليه في مصر، أن العقد الإداري قد يكون مكتوباً وقد يكون غير مكتوب, وذلك ما لم ينص المشرع على ضرورة إفراغ العقد في شكل كتابي. وفي هذا الصدد ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في 2/6/1957م إلى أن ” من العقود الإدارية ما يـجب – من حيث الشكل – أن يكون مكتوباً حتى يتيسر تضمينه الشروط الاستثنائية التي تميزه عن عقود القانون الخاص, على أن مسألة شكل العقد الإداري كمعيار يميزه عن العقود المدنية كانت مثار خلاف وجدل انتهى الرأي فيه واستقر في الفقه والقضاء الفرنسي على أن اشتراط أن يكون العقد مكتوباً هو شرط متعلق بصحة العقد وليس خاصاً بطبيعته، وأنه إذا كانت العقود غير المكتوبة هي أصلاً من عقود القانون الخاص إلا أن العقد الإداري قد يكون هو الآخر غير مكتوب” (1).

وتطبيقًا لما تقدم، ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في 4/4/1959م إلى أن المدعى عليه ” بتقدمه إلى الحكومة للحصول منها على أذونات لتسلم الدقيق لصنع المكرونة, يكون في واقع الأمر قد قبل جميع ما نصت عليه القرارات الوزارية والأوامر الخاصة بصناعة هذا الصنف … ويكون بذلك قد نشأ بينه وبينها عقد إداري غير مكتوب, إذ لا يشترط في العقد الإداري أن يكون مكتوباً…” (2).

ويتضح مما سبق، أن عقود الإدارة تخضع لقاعدة التحرر من الشكليات, فإذا لم يشترط المشرع صراحة شكلاً معيناً في إبرام عقد بعينه, فإنه يكفي توافق إرادة الإدارة وإرادة المتعاقد معها لقيام الرابطة التعاقدية (3). فالعقد الإداري قد يكون مكتوباً وقد لا يكون كذلك. فشرط الكتابة ليس شرطاً لقيام العقد الإداري, ولكن إذا نص المشرع على ضرورة إفراغ العقد في شكل كتابي فإنه يجب احترام هذه القاعدة (4).

وفي هذا الصدد نصت المادة 32 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 على أنه ” يـجب أن يـُحرر عقد متى بلغ قيمة ما رسا توريده أو تنفيذه خمسين ألف جنية, أما فيما يقل عن ذلك فيجب أخذ إقرار مكتوب من المتعاقد مع الجهة الإدارية شاملاً كافة الضمانات اللازمة لتنفيذ التعاقد. ويُـحرر العقد من ثلاث نسخ على الأقل تسلم نسخة منها لإدارة الحسابات ومعها جميع العطاءات وصورة من كشف التفريغ للمراجعة عليها وتسلم نسخة للمتعاقد وتحفظ النسخة الثالثة بالإدارة المختصة بالتنفيذ …”.

ويتبين من هذا النص أن المشرع المصري قد اشترط كتابة العقد إذا كانت قيمة ما رسا توريده أو تنفيذه خمسين ألف جنية, أما فيما يقل عن ذلك فإن المشرع قد اكتفى – فقط – بأن تقوم الإدارة بأخذ إقرار مكتوب من المتعاقد معها شاملاً كافة الضمانات اللازمة لتنفيذ التعاقد.

ويتضح من النص السابق – أيضاً – أن المشرع قد حدد عدد النسخ التي يُـحرر بها العقد والجهات والأشخاص الذين تسلم إليهم هذه النسخ, حيث أوجب أن يـُحرر العقد من ثلاث نسخ – على الأقل – تسلم نسخة منها لإدارة الحسابات ومعها كافة العطاءات وصورة من كشف التصريح للمراجعة عليها, وتسلم نسخة ثانية للمتعاقد, وتـحفظ النسخة الثالثة بالإدارة المختصة بالتنفيذ.

ويعد ما نصت عليه المادة 32 سالفة الذكر قاعدة عامة بالنسبة إلى العقود التي يتم إبرامها عن طريق المناقصات العامة. وتسري هذه القاعدة على العقود التي يتم إبرامها عن طريق المناقصة المحلية, والممارسة العامة, والممارسة المحدودة، حيث تنص الـمادة 38 من اللائحة التنفيذية لقانون الـمناقصات والـمزايدات رقم 89 لسنة 1998م على أنه ” فيما عدا ما تقدم تـخضع المناقصة الـمحلية لكافة القواعد والأحكام والإجراءات والشروط الـمنصوص عليها بهذه اللائحة بالنسبة للمناقصات العامة”.

وتقضي المادة 45 من ذات اللائحة على أن ” يـخضع التعاقد بطريق الممارسة العامة للشروط العامة للمناقصات العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص بهذه اللائحة “. وتنص المادة 49 من تلك اللائحة على أن “تـخضع الممارسة المحدودة لكافة الشروط العامة للمناقصات العامة فيما لم يرد فيه نص خاص بهذه اللائحة”. وتنص المادة 124 من تلك اللائحة – فيما يتعلق ببيع وتأجير العقارات والمنقولات والترخيص بالانتفاع أو باستغلال العقارات – على أنه ” في حالة إجراء البيع أو التأجير أو الترخيص بطريق المزايدة بالمظاريف تطبق ذات الشروط والقواعد والإجراءات المنصوص عليها بهذه اللائحة بشأن الشراء بالمناقصات العامة, وبما لا يتعارض مع طبيعة البيع أو التأجير أو الترخيص”.

وعندما يُـحرر العقد الإداري في وثيقة مكتوبة, فإن هذه الوثيقة لا تكون متضمنة بذاتها كافة شروط العقد, فقد تتواجد هذه الشروط أيضاً في وثائق أخرى. ويلتزم المتعاقد بهذه الشروط جميعاً, ومن تلك الوثائق المكتوبة دفتر الشروط والمواصفات العامة أو الخاصة للجهة المتعاقدة.

ويتضمن دفتر الشروط العامة إما مجموعة القواعد العامة التي تطبق على كافة العقود التي تبرمها هذه الجهة أو تلك التي تطبق بالنسبة لنوع معين من العقود. ويـحتوي دفتر الشروط الخاصة على القواعد المنظمة للشروط الخاصة في العقد مثل مدد التنفيذ أو تفاصيل العمل العام المراد إنـجازه (5).

ويفهم مما تقدم، أن عقود الإدارة التي تتم عن طريق الكتابة غالباً ما تحتوي على عدة وثائق تحتوي في مجموعها على شروطه, وتعتبر فيما يتعلق بتنفيذه كلاً لا يتجزأ (6).

ويترتب على الشكل الكتابي للعقود الإدارية عدة نتائج أهمها؛ أن العقد يعتبر ثابت التاريخ ولا يـمكن إنكار ما يـجيء به إلا عن طريق الطعن بالتزوير. ويترتب على مخالفة الشكل الكتابي في عقود الإدارة بطلان تلك العقود (7).

ثانياً: الوضع في الـمملكة العربية السعودية

يثور التساؤل عما إذا كان المنظم السعودي قد اشترط أن يكون العقد الإداري مكتوباً ؟ وإذا كان قد اشترط ذلك, فهل حدد قيمة مالية للعقد الإداري حتى يـمكن كتابته ؟ وأخيراً هل اشترط المشرع عدداً محدداً يـجب أن يـُحرر به العقد في حالة إذا ما اشترط كتابته ؟

الواقع أن المنظم السعودي قد نص في الفقرة (أ) من المادة الثلاثين من نظام المنافسات والمشتريات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/58) بتاريخ 4/9/1427هـ على أن ” يـُحرر العقد بين الجهة الحكومية ومن رست عليه الأعمال بعد إبلاغه بالترسية وتقديم خطاب الضمان النهائي”.

ونصت المادة الحادية والثلاثون من نظام المنافسات والمشتريات على أنه ” يـجوز للجهة الحكومية الاكتفاء بالمكاتبات المتبادلة بدلاً من تحرير العقد إذا كانت قيمة العقد ثلاثمائة ألف ريال فأقل “.

وأخيراً نصت الفقرة (أ) من المادة الرابعة والأربعين من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات على أنه ” يـُحرر العقد من أربع نسخ على الأقل, نسخة للمتعاقد, ونسخة للمشرف على التنفيذ, ونسخة للإدارة المختصة بالمحاسبة, ونسخة لديوان المراقبة العامة “.

ويتضح من مجمل هذه النصوص أن المنظم السعودي قد اشترط كتابة العقد بين الإدارة ومن رست عليه الأعمال, ويكون ذلك بعد إبلاغه بالترسية وتقديـم خطاب الضمان النهائي.

ويتضح من النصوص السابقة – أيضاً – أن المنظم السعودي قد حدد قيمة مالية للعقد الإداري حتى يمكن كتابته وهي أن تزيد قيمته على ثلاثمائة ألف ريال, أما إذا كانت قيمته ثلاثمائة ألف ريال فأقل فإن المنظم قد أجاز للإدارة الاكتفاء – فقط – بالمكاتبات المتبادلة بدلاً من تحرير العقد.

ويتضح – أخيـراً – من تلك النصوص أن المنظم السعودي قد حدد عدد النسخ التي يـُحرر بها العقد والجهات والأشخاص الذين تسلم إليهم هذه النسخ, حيث يـُحرر العقد من أربع نسخ – على الأقل – وتسلم نسخة منها إلى كل من:-

1- المتعاقد .
2- المشرف على التنفيذ.
3- الإدارة المختصة بالمحاسبة.
4- ديوان المراقبة العامة .

ثالثاً: الوضع في الـمملكة الـمغربية

ينص الفصل التاسع من المرسوم الملكي رقم 482-98-2 الصادر في 30/9/1998م بشأن تـحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة على أن ” الصفقات عقود مكتوبة تعد دفاتر التحملات …. من العناصر المكونة لها”.

ويتضح من هذا النص، أن المشرع المغربي قد اشترط كتابة العقود المتعلقة بصفقات الدولة. وإذا كانت القاعدة العامة في المملكة المغربية هي كتابة العقود الإدارية المتعلقة بصفقات الدولة, فإن التساؤل يثور عما إذا كانت هناك استثناءات على هذه القاعدة أم لا؟

الواقع أن المشرع المغربي قد أجاز أن تكون هناك عقود شفوية, بجانب العقود المكتوبة, وذلك في الفصل 72 من المرسوم الملكي رقم 482-98-2 الصادر في 30/9/1998م بشأن تـحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وهي العقود المتعلقة باقتناء توريدات وإنـجـاز أشغال أو تقديم خدمات تسلم في الـحـال في حدود 100 ألف درهم وبناء على سند طلب (8).

ويتضح – مما سبق – أن المشرع المغربي قد حدد قيمة مالية للعقود الإدارية المتعلقة بصفقات الدولة حتى يمكن كتابتها وهي أن تزيد على مائة ألف درهم. أما إذا كانت قيمتها في حدود مائة ألف درهم وكانت متعلقة باقتناء توريدات وإنـجاز أشغال أو تقديم خدمات تسلم في الحال فإن المشرع قد اكتفى بأن تكون هذه العقود شفوية, وذلك بناء على سند طلب .

وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء , في حكمها الصادر في 19/6/1997م إلى أنه “حيث إن الاتفاق الشفوي الـمبـرم بين الـجماعة الحضرية لعين الشق والشركة المدعية حول تزويد الأولى بأدوات مكتبية وآلات ميكانيكية للطبع والنسخ, هو اتفاق مباشر تـحكمه مبادئ العقود الإدارية” (9).

وتتنوع العقود الـمكتوبة – في الـمملكة الـمغربية – تبعاً لطبيعة العقد, حيث توجد عقود أو صفقات عمومية, وعقود إدارية للقانون العام, وعقود الاشتراك في الهاتف, وعقود التنازل المؤقت عن جزء من الملك العام للدولة ويكون ذلك عن طريق تأجير جزء من هذا الملك العام بناءً على القانون الـمحدد للدومين العام للدولة. وتتضمن جميع هذه العقود الـمكتوبة توضيحات وبيانات بـخصوص الأطراف المتعاقدة وموضوع العقد والمصادقة النهائية وطريقة الأداء وأجل التنفيذ وتاريخ التسليم وإنهاء الـخدمات وطرق الفسخ وكيفية تسوية المنازعات والجهة القضائية المختصة (10).

خلاصة القول: إن العقود الإدارية قد تكون مكتوبة وقد تكون غير مكتوبة, وذلك ما لم ينص المشرع على ضرورة إفراغها في شكل مكتوب. ويترتب على مخالفة الشكل الكتابي في عقود الإدارة بطلان هذه العقود (11).

الهوامش

* الأستاذ المساعد بجامعتي المنوفية والملك سعود.

(1) راجع، حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 3480 لسنة 9 ق, جلسة 2/6/1957 , المجموعة, ص 428.
(2) راجع، حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 4 / 4 / 1959م, المجموعة, ص 160.
(3) انظر، د. سليمان الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية: دراسة مقارنة, دار الفكر العربي, الطبعة الخامسة, 1991م, ص 372.
(4) انظر، د. عبد الله حنفي، العقود الإدارية: الكتاب الأول، ماهية العقد الإداري وأحكام إبرامه, دار النهضة العربية, 1999م, ص 176.
(5) انظر، المستشار الدكتور. عبد المجيد فياض: العقد الإداري في مجال التطبيق, المكتبة القانونية, 1983م, ص 104.
(6) انظر، د. سلمان الطماوي، المرجع السابق, ص 378.
(7) انظر، المرجع السابق, الصفحات 377 , 378.
(8) انظر، د. مولاي إدريس الحلابي الكتاني، العقود الإدارية, الطبعة الأولى, 2000م , ص 32.
(9) راجع، حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء رقم 167, 19/6/1997م, شركة تكنيكو , م.م.د.م.ت, عدد 23 , أبريل – يونيه 1998م , ص 131,
مشار إليه بمؤلفات د. مولاي إدريس الحلابي الكتاني، المرجع السابق , ص 32, هامش 1 .
(10) انظر، المرجع السابق, ص 32 , 33 .
(11) انظر، د. سليمان الطماوي، المرجع السابق , ص 378.