بحث قانوني معمق حول الآثار القانونية لإرشاد الإفلاس و التصفية
بسم الله الرحمن الرحيم
الآثار القانونية لإرشاد الإفلاس والتصفية
{بقلم}
د. الصديق عبد الباقي
المحاضر بكلية القانون – جامعة الخرطوم
مدخل :
انتشرت في الآونة الأخيرة حالات إشهار الإفلاس الصادرة من الأشخاص الطبيعيين سواء كانوا أفراداً أو شركات وكثرت إعلانات التصفية الاختيارية أو بإشراف المحكمة الصادرة من الشركات المسجلة بموجب قانون الشركات لسنة 1925م . قد أصبحت الظاهرة مثار اهتمام الباحثين من منظور الاقتصاد والقانون وإدارة الأعمال كما تناولتها الصحف اليومية بالرصد والتحليل . وبديهي أن تباين الآراء حول أسباب الظاهرة . فرجال الأعمال يرون أن الضغوط الاقتصادية والتقدير الضريبي الجزافي والتدهور في سعر العملة الوطنية هي أهم الأسباب . ويرى آخرون أن الخصخصة وسياسة الانفتاح الاقتصادي كانتا دافعين لولوج فئات جديدة لتجارة والاستثمار بوسائل محدودة ودراية متواضعة … وتشير المعلومات أنه باستثناء سنين الحرب العالمية الأولى والثانية التي صاحبتها حالات إشهار إفلاس لبيوتات تجارية وافدة كثيرة تم نشرها بالمجلة الرسمية في أعدادا 1914-1918-1939-1945م فإن حالات إشهار الإفلاس وطلبات التصفية أصبحت أكثر انتشاراً في هذا العقد الأخير من القرن ([1]) وقد بلغت حالات إشهار الإفلاس التي أخذ بها البنك المركزي علماً حتى 17/1/2000م عدد 142 من الأفراد وعدد 61 من الشركات والأعمال .
أثر الظاهرة على حقوق الدائنين :
رغم أنه يمكن نظرياً أن يتم إشهار الإفلاس أو التصفية بناء على طلب الدائن حماية لمصالحه لدى المدين فإن جميع حالات الإفلاس وطلبات التصفية في الآونة الأخيرة تمت بناء على رغبة الأشخاص أو الشركات المدينة . ولقد لجأ بعض الدائنين لهذه الجماعات في بعض الأحيان إلي مقاومة طلبات التصفية أو إشهار الإفلاس وأفلحوا في عدد من الحالات في وأد إجراءات إشهار الإفلاس أو التصفية . ويبدوا جلياً من أن ذلك الوضع في السودان جد غريب . فالإفلاس في العرف التجاري والقانوني في الدول الأخرى وصمة عار وعارض على الأهلية . وقد يلجأ الدائنون للتلويح ببدء إجراءات إشهار الإفلاس ضد مدين لترهيب المدينين وحملهم على السداد ز وهدأ الترهيب عادة ما يحمل المدينين في تلك الدول على والوفاء بالتزاماتهم خشية أن يشرع في إجراءات إفلاس ضدهم . أما في السودان فإن الأشخاص أفراداً وشركات يهرعون من تلقاء أنفسهم إلي إشهار إفلاسهم ولا يأبون لشيء . ويبدو منذ الوهلة الأولى أن ذلك ربما يكون دليلاً على خلل في القانون وأجهزة الرقاب الإدارية . أن الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين سيسرعون إلي التشكيك في قدرة القانون على علاج ظاهرة مثل ظاهرة الإفلاس بما لها من جذور اقتصادية اجتماعية . ولكن يجب أن لا ننسى أيضاً أن للقانون دوراً مهماً ينبغي أن يؤديه في هذا الصدد سيما عندما تتعرض حقوق الآخرين لتعدي والإهدار .
إن لكافة الجرائم مسببات اقتصادية واجتماعية ولكن لا يعني ذلك أن يقف القانون مكتوف الأيدي مثلاً إزاء القتل والسرقة والاختلاس وخيانة الأمانة في انتظار الحل الاقتصادي الاجتماعي
إن وضع الدائن يتأثر تأثيراً بالغاً إذا أشهر المدين إفلاسه أو أعلن التصفية الاختيارية . ويمكن في هذا الصدد أن نشير إلي نوعين من الآثار :
النوع الأول : هو الآثار القانونية المشروعة التي تترتب وفق القواعد القانونية الصحيحة . أما النوع الثاني فهو تشوهات إجرائية ارتبطت بدعاوى التصفية وإشهار الإفلاس ناتجة في مجملها عن ضعف النفوس التشريعية وسوء استقلال هذا الضعف من جانب البعض .
الآثار المشروعة :
في الحالات التي لا يكون فيها الدائن مضموناً برهن فإن الإفلاس أو التصفية تعطي الأولوية في السداد للديون المضمونة برهن (لممتازة) وقد يفقد الدائن فرصة استرداد حقه كلياً إذا استغرقت ديون المدين الممتازة موجوداته كلها في الحالات التي يكون فيها الدين المستحق مضموناً برهن فإن وضع الدائن يكون أحسن قليلاً .
ولكن قد يفقد الدائن أمواله لدى المدين المفلس بسبب تزاحم دينه الممتاز مع الديون من الدرجة الأولى (وهي الديون المستحقة مثلاً للسلطات والهيئات الحكومية والعاملين بالمنشأة التي أعلنت إفلاسها) .
إذا استغرقت هذه الديون من الدرجة الأولى كافة أموال المدين فإن الدين الممتاز على المدين قد يصبح هالكا على الرغم من وجود رهن لصالح الدائن ضمان لمثل ذلك المدين . إن قبول المحكمة لدعوى إشهار الإفلاس أو إعلان التصفية يستوجب أن تكون المحكمة هي القائمة على جميع أعمال المدين وديونه والضمانات المقبولة ضماناً لهذه الديون .
وعلى ذلك فإن كل رهن لم يشرع الدائن في بيعه أو إغلاقه قبل قبول المحكمة لدعوى إشهار الإفلاس أو التصفية يكون قد فات أوانه لا قيمة له سوى ميزة تفضيل الدين على الديون الأخرى غير المضمونة برهونات … وفي الحالات التي يكون فيها المفلس مديناً لجهات حكومية أو عليه حقوق عاملين فإن وجود الرهن يصبح غير ذي جدوى مطلقاً إلي أن تستوفى هذه الجهات من الدرجة الأولى جميع ديونها كاملة غير منقوصة . وكما أسلفنا فإنه إذا استغرقت ديون الدرجة الأولى كافة أموال المدين المفلس فإن الديون المضمونة برهن نفسها تصبح هالكة .
إن ما أوردناه في شأن إهدار الضمانات أعلاه ينطبق على كافة أنواعها سواء كانت رهونات عقارية أو رهن عائم أو رهن منقولات أو رهن أسهم شركة مساهمة عامة .
وفي كل الأحوال فإن الدائنين قد لا يستردون حقوقهم بالكامل . وكما هو معلوم في دعاوى الإفلاس فإنه يعد حصر الموجودات والديون وتقسيمها إلي ديون من الدرجة الأولى وممتازة وعادية تقوم المحكمة بسداد حقوق الدائنين من الدرجة الأولى ثم بعد ذلك الدائنين الممتازين فالعاديين . وفي الحالات التي لا تكفى الموجودات لسداد جميع ديون الفئة المعنية فإن المحكمة توزع الموجودات بين الدائنين بالتناسب لكل نصيب حسب مقدار دينه . وهذا النصيب قد يقل كثيراً عن أصل الدين . وربما تهلك ديون فئة بأكملها إذا استغرقت ديون الفئات الأعلى جميع أموال المفلس .
وأهم ما يترتب على الإفلاس هو إبراء ذمة المدين من الديون المستحقة عليه حتى وإن لم يتم سدادها بالكامل طالما كانت إجراءات الإفلاس صحيحة (قانون الإفلاس 1929م المواد 55/56) ولا يجوز مطالبة المفلس الذي صدر القرار بإبرائه بسداد أية ديون سابقة على قرار الإبراء حتى وإن أيسر حاله فيما بعد . وقانون الإفلاس 1929م يضع لصدور قرار الإبراء شروطاً من بينها أن يكون المفلس قد سدد ما لا يقل عن نصف الديون المستحقة عليه وألا يكون ضالعاً في الغش أو الإهمال .
سوء استغلال الإجراءات :
أن قبول دعوى الإفلاس أو التصفية تؤثر تأثيراً بليغاً على الإجراءات القانونية التي يباشرها الدائنون لاسترداد ديونهم المستحقة بموجب شيكات أو كمبيالات أو سندات أذنيه .
لقد أصبح الدفع بإشهار الإفلاس وطلبات وقف الإجراءات الجنائية أو المدنية بناء على ذلك سلوكاً متشابها ً ينتهجه عملاء البنوك المقصرون بصفة خاصة . إن نيابة مخالفات الجهاز المصرفي والإدارات القانونية بالمصارف على علم تام بحجم الضرر الواقع على المصارف في هذا الصدد .
ويلاحظ القارئ أن جميع دعاوى إشهار الإفلاس أو التصفية قد جاء في أعقاب إجراءات جنائية تحت المادة 179 من القانون الجنائي تم قيدها ضد المدين لدى النيابة . ويبدو في ظاهر الأمر إن إجراءات إشهار الإفلاس أو التصفية أصبحت تستغل لإحباط أحكام القانون الجنائي المتعلق بتحرير وإعطاء الشيكات المراجعة . وأنوي في الجزء التالي أن استعرض باقتضاب موقف القضاء والقانون في هذا الصدد .
أولاً : قانون الإفلاس :
إن قانون الإفلاس ساري المفعول (هو قانون الإفلاس لسنة 1929م المجلد التاسع قوانين السودان الطبعة السادسة) يفد في المادة (22)2 على أنه يجوز بعد إصدار الأمر بإشهار الإفلاس أن تقام أي دعوى أو إجراء قانوني أو يستمر في أي دعوى أو إجراء ضد المفلس إلا بإذن المحكمة التي قبلت دعوى الإفلاس . ولقد استقر رأي المحكمة العليا في عدد من السوابق على أن هذه المادة لا يجيز إطلاقاً وقف الدعاوى الجنائية أو المدنية لمجرد أن المدين قد تقدم بعريضة الدعوى وأصدرت المحكمة بشأنها إعلاناً بالصحف . بل لابد لصدور مثل ذلك الموقف أن تكون المحكمة سمعت دعوى طلب الإفلاس وسمعت رد الدائنين على الدعوى وقررت في ضوء ذلك قبول دعوى إشهار الإفلاس (يسن بابكر أحمد السر حسين 1977م ص516) .
وفيما يتعلق بالدعاوى الجنائية فقد استقر رأي المحكمة العليا على أن الدعوى الجنائية تسير على انفصال من دعوى الإفلاس ويمكن للمدين الذي يواجه اتهاماً جنائياً أن يدفع أمام المحكمة الجنائية بما يشاء من دفوع متاحة له : (أنظر بشير الحاج محمد ضد على اخضر 1978- 111) في تلك السابقة , كما كانت محكمة المديرة قد أمرت بسحب بلاغات تحت المادة 362(ب) من قانون العقوبات 1974م ضد مدين مفلس من أمام محكمة الجنايات وضمتها لإجراءات التفليسة المدنية . ألغت محكمة الاستئناف ذلك الحكم وأمرت بفصل البلاغات الجنائية وبإعادتها لمحكمة الجنايات للفصل فيها . المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف استناداً على أسباب منها :
أن قانون الإفلاس لسنة 1929م لي قانوناً مدنياً صرفاً .. بل أن هذا القانون نفسه قد نظم وقنن الجانب الجنائي من مخالفات المفلس وخول المحكمة المدنية التي تنظر التفليسة إحالة تلك المخالفات إلي القضاء الجنائي أثناء إجراءات التفليسة على عكس الادعاء بأن تسحب المحكمة المدنية البلاغات الجنائية المعروضة أمام المحاكم الجنائية للمحاكمة قبل التفليسة أو أثناء سير إجراءاتها (ص 113) .
وخلصت المحكمة العليا إلي أن مبدأ الاستقلال ينطبق على جميع الإجراءات الجنائية في شأن أي مسألة خارجة عن نطاق المادتين 16(*) أو المادة 19 من قانون الإفلاس 1929م .
أن التطبيق القضائي اللاحق لم يعر اهتماماً للوضع الخاص للدعاوى الجنائية الذي أشارت إليه المحكمة العليا في السابقة المذكورة أعلاه .
إن عدد من العاملين في الحقل القانوني قد فوجئوا في الآونة الأخيرة أن سلطة قضائية ما قد أمرت بتحويل كافة البلاغات المقيدة ضد أحد المدينين لدى نيابة المصارف إلي المحكمة المدنية التي تنظر في طلب إشهار إفلاسه . ولقد جاء هذا الأمر مباشرة بعد إعلان الدائنين بعريضة طلب إشهار الإفلاس وقبل سماع دعوى المدينين وقبل سماع رد الدائنين – لمخالفة صريحة لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا . وأن هذا التطبيق غير الصحيح للقانون يرسى سابقة خطيرة تشجع لا شك المحاكم الأدنى لقبول إصدار أوامر وفق الدعاوى الجنائية .
وضع الشركات المسجاة بموجب قانون الشركات لسنة 1925م :
فإن إجراء إشهار إفلاس الشركات تختلف بموجب القانون السائد عن إجراءات إشهار إفلاس الأفراد و الشركات فبينما يتبع الأفراد الذين يودون إشهار إفلاسهم الإجراءات الواردة في قانون الإفلاس لسنة 1925 فإن الشركة التي تريد إعلان إفلاسها أو إيراد إعلان إفلاسها تسري في شأنها أحكام قانون الشركات 1929م المواد 148 وما بعدها من الباب الخامس من القانون .
وأساس هذا التفريق بين الأفراد والشركات هو المادة 92 من قانون الإفلاس 1929م التي تمنع تقديم أي عريضة بموجب ذلك القانون لإشهار إفلاس شركة مسجلة بموجب قانون الشركات 1929م .
وطبقاً لقانون الشركات 1925م فإن أي شركة تستطيع إن أرادت أن تقرر الدخول في إجراءات تصفية اختيارية لأي واحد من الأسباب التي تعدها المادة 194 من قانون الشركات 1925م إضافة إلي ذلك فإنه يجوز للشركة أو الملتزمين بالدفع أو الدائنين أو لأي منهم بطلب للمحكمة لتصفية الشركة لأي واحد أو أكثر من الأسباب الواردة في المادة 155 من قانون الشركات لسنة 1925م.
وبالنظر لحقوق الدائنين تحديداً فإن إجراء التصفية في حالة نشوئه تكاد تكون له الآثار نفسها القانونية التي تكون لإشهار الإفلاس سواء كانت التصفية بسبب الإعسار أو لأي سبب آخر . وأول ما يلفت النظر عند مقارنة وضع الأشخاص الطبيعيين بالشركات هو ما يلي :
1- إن الحالات التي يمكن فيها تصفية الشركة كثيرة ومتعددة والإعسار هو واحد من عدة شروط يكفي كل واحد منها بمفرده لتصفية الشركة .
2- إن قانون الشركات لا يحيط الإفلاس بأي أحكام خاصة ويساوي بينه وبين غيره من أسباب موجبة لتصفية الشركة .
3- أن الشركة تملك حق إشهار تصفيتها دون حاجة لإذن من محكمة إذا كان المساهمون متفقين على إعلان التصفية سواء كان سبب التصفية هو الإعسار أو أي سبب آخر .
4- أنه لأغراض التقرير في حقوق الدائنين المضمونة وغير المضمونة والديون القابلة للإثبات والديون الاحتمالية أو المستقبلية فإن أحكام قانون الإفلاس لسنة 1929م تنطبق على الشركة إذا كان سبب التصفية هو الإعسار .
سوء استغلال الإجراءات
تكون تصفية الشركة إما
(أ) من طريق المحكمة أو
(ب)اختيارية أو
(ج) تحت إشراف المحكمة .
ولأغراض تقرير الأثر على الدائنين فإن التصفية من طريق المحكمة محكومة بقواعد وأحكام إجرائية وموضوعية تكاد تقوم مقام القواعد التي يضعها قانون الإفلاس لسنة 1929م في حالة إشهار إفلاس الأفراد ….. وهذه القواعد والأحكام نص عليها قانون الشركات لسنة 1925م في المواد 155-193 شاملة .
والتصفية من طريق المحكمة تكون لأسباب من بينها عجز الشركة عن دفع ديونها أو إذا قررت الشركة بقرار خاص أن تكون تصفيتها عن طريق المحكمة . أما التصفية تحت الإشراف المحكمة فتشمل الحالات التي تقرر فيها شركة ما تصفية نفسها تصفية اختيارية وتتدخل المحكمة لتأمر بالاستمرار في التصفية تحت إشرافها .
وفي الحالتين فإن طلب التصفية من طريق المحكمة أو تحت إشرافها يجب أن يقدم للمحكمة .
بوساطة الشركة طالبة التصفية أو من الدائنين للشركة أو من الملزم أو الملزمين بالدفع وذلك مع مراعاة القيود التي تضعها المادة 157 من قانون الشركات 1925م وبالنظر للتصفية الاختيارية فإنه يجوز للشركة تصفية نفسها تصفية اختيارية لأسباب من بينها :
(أ) إذا قررت الشركة ذلك بمقتضى قرار خاص دون حاجة لذكر أي أسباب أو
(ب) إذا قررت الشركة بمقتضى قرار غير عادي أنها لا تستطيع الاستمرار في مباشرة أعمالها بسبب التزامها وأنه من المستحسن تصفيتها وبعد توضيح أنواع التصفية وإجراءاتها استعراض فيما يلي أثر كل منها على حقوق الدائنين .
بالنسبة للتصفية من طريق المحكمة فإن قانون الشركات يحيطها بأحكام إجرائية موضوعية ترمي إلي حماية حقوق الأفراد والأشخاص ذوي الصلة بالشركة سواء كانوا دائنين أو مساهمين . وبالنظر إلي هذه الأحكام نجدها تقل رصانة عن تلك التي يضعها قانون الإفلاس لسنة 1929م لأن الأخير قانون خاص يرنو لحماية الدائنين على وجه الخصوص . ونلمس الفرق بين التصفية للإعسار من طريق المحكمة ودعوى إشهار الإفلاس في الآتي :
1- إن قانون الإفلاس لسنة 1929م يمايز بين العريضة التي يقدمها المدين والعريضة المقدمة من الغير ويضع شروطاً تتفق وطبيعة كل حالة بينما قانون الشركات يشوبه التعميم ولا يفرد أصلاً نصوصاً خاصة كما ذكرنا لمعالجة حالات التصفية والإعسار .
2- إن قانون الإفلاس لسنة 1929م المادة (16) يوجب صراحة إخطار الدائنين بطلب إشهار الإفلاس ويوجب نشره ويحمي حق الدائنين في الرد على الطلب بينما يخلو قانون الشركات من نصوص صريحة توجب على المحكمة إخطار الدائنين بطلب التصفية أو يحمي حقهم في الرد . ولسد هذا الفراغ في قانون الشركات فقد استصحبت المحاكم قانون الإجراءات المدنية واعتبرت أن طلب التصفية هو عريضة دعوى ينبغي أن يخطر بها ذوو المصلحة ويسمع ردهم عليها .
3- إن قانون الإفلاس يكرس سلطة الأجهزة الرقابية ويعطي النائب العام حق تقديم دعوى إشهار الإفلاس إذا رغب الآخرون عن ذلك (المواد 10/14) .
ومن العيوب التي تشوب قانون الشركات خلوه من أي نصوص تخول للبنك المركزي مثلاً أو لجهاز الرقابة على شركات التأمين طلب تصفية مصرف أو شركة إذا طرأ من الأسباب ما ينذر بضياع حقوق المودعين أو حملة الوثائق .
كما هو معلوم فإن النص الوحيد في قانون الشركات الذي يمنح المسجل التجاري الحق في تقديم التصفية للمحكمة هو نص المادة 135(ب) ولكن هذه السلطة محكومة ومقيدة بوقائع تقرير التفتيش الإداري الذي يباشره المسجل التجاري بموجب أحكام الفصل الرابع عشر من قانون الشركات 1925م .
وهذه الفجوة التشريعية في قانون الشركات تلحق أضرارا بالغة بالدور المناط بالأجهزة الرقابية وتتعثر بسببها إجراءات حقوق المودعين وحملة الوثائق . وفي ظل الوضع القانوني الراهن فإن الطلب الذي يقدمه البنك المركزي أو مراقب شركات التأمين لتصفية الشركة يمكن قبوله ربما استناداً على اعتبار أن مقدم الطلب دائناً بالوكالة عن المودعين لأن المادة 157 من قانون الشركات لا تعطي صلاحية التقاضي لغير الأشخاص الواردة أسمائهم في تلك المادة .
التصفية تحت إشراف المحكمة :-
بالإضافة إلي مظاهر ضعف نصوص قانون الشركات ذات الصلة بالتصفية من طريق المحكمة المشار إليها أعلاه فإن التصفية تحت إشراف المحكمة تعتريها تعقيدات أخرى كشفت عنها الممارسة .
لقد نمت في الآونة الأخيرة ظاهرة قيام الشركات المدينة بإعلان التصفية الاختيارية وسعي هذه الشركات بالتقديم لمحكمة المديرية للسماح باستمرار التصفية الاختيارية تحت إشراف المحكمة ويثور سؤال لماذا تسعى الشركات لمحكمة المديرية لطلب إشراف المحكمة عل التصفية طالما أن القانون يعطي هذه الشركات حق التصفية الاختيارية إلي نهاية المطاف دون تدخل المحكمة ؟؟
لعل الإجابة على ذلك هي رغبة الشركات تحت التصفية في الحصول على أوامر قضائية لوقف الدعاوى والإجراءات ضد الشركة تحت التصفية , إذا أنه يتعذر إصدار مثل هذه الأوامر إذا ما بدأت التصفية اختيارية واستمرت اختيارية إلي نهاية المطاف .
ويبدو الدفع واضحاً وهو الجمع بين أفضل ما تتيحه إجراءا ت التصفية الاختيارية من جانب وأفضل يتيحه تدخل المحكمة من الجانب الآخر .
ويلاحظ في هذا الصدد أن قانون الشركات لسنة 1925 يتيح هذا الاستغلال للإجراءات القانونية للأسباب الآتية :
(أ) أن التصفية الاختيارية تعتبر نافذة حسب القانون (المادة 129) من تاريخ صدور قرار الشركة بتصفية نفسها . ولهذا السبب فإن إشراف المحكمة اللاحق لن يبدل في التدابير التي اتخذتها الشركة كثيراً .
(ب) إن قانون الشركات لا يلزم المحكمة صراحة بإعلان الدائنين بعريضة طلب الإشراف التي تتقدم بها الشركة تحت التصفية . ولهذا السبب يمكن للمحكمة أن تصدر قراراً بقبول طلب الإشراف وبوقف الإجراءات والدعاوى ضد الشركة محل التصفية دون سماع الدائنين وحتى قبل إعلانهم .
لقد أشرت آنفاً إلي أن المحاكم تستصحب قواعد الإجراءات المدنية وعادة ما تمهل الدائنين لسماع قبل قبولها الإشراف على إجراءات التصفية الاختيارية أو قبول إصدارها لأوامر وقف الإجراءات والدعاوى الأخرى .
التصفية الاختيارية :
إجراءات التصفية الاختيارية الواردة في قانون الشركات 1925 المواد 194-211 شاع استغلالها في الآونة الأخيرة وأصبحت ذريعة تمتطيها الشركات لوقف إجراءات الدعاوى والإجراءات لا سيما الدعوى الجنائية تحت المادة 179 من القانون الجنائي . ويرجع شيوع إجراءات التصفية الاختيارية إلي عدة عوامل منها :
1- أن التصفية الاختيارية إجراء ذاتي تقوم به الشركة من تلقاء نفسها دون الرجوع إلي سلطة قضائية أو رقابية فاعلة . وهو لهذا السبب يوفر الوقت والجهد ويسهل استغلاله فكل المطلوب لنفاذ التصفية أن تصدر الشركة قراراً بالتصفية بأغلبية 75% من المساهمين يتم تأييده بقرار ثان بعد خمسة عشر يوماً بالأغلبية وعادة ما تختزل الشركات هذه المدة في يوم واحد وذلك باصطناع قرارات وهمية تحمل تاريخاً رجعياً مدته خمسة عشر يوماً .
2- مقارنة بدعوى إشهار الإفلاس بموجب قانون الإفلاس لسنة 1926م فإن التصفية الاختيارية تمثل طريقاً سهلاً ممهداً لأي شركة معسرة أو أي شركة تواجه إجراءات جنائية تحت المادة 179 من القانون الجنائي .
ويبدو جلياً أن القوانين في السودان تميز الشركات على الأفراد في مسائل الإعسار . فالشخص الطبيعي الذي يود إشهار إفلاسه يتوجب عليه الخضوع للأحكام المفصلة الصارمة التي يضعها. أما الشركة المعسرة أو التي تنوي التنصيل من التزاماتها فما عليها إلا أن تعلن التصفية الاختيارية من تلقاء نفسها دون حاجة لإذن من أي جهة أو سلطة ومما زاد الأمر سوء أن قانون الشركات لسنة 1925م لا يخضع التصفية الاختيارية لأي ضوابط ولا يميز بين التصفية والإعسار وما دونها . ونشير في هذا الصدد إلي أن فقه قانون الشركات وتشريع قانون الشركات الإنجليزي المنقول عن قانون الشركات الحالي يمنع أي شركة من أن تسلك طريق التصفية الاختيارية إلا إذا كانت موسرة وليس عليها التزامات لصاح الغير !! ولوضع هذا المنع موضع التنفيذ فإن المادة 89 من قانون الشركات الإنجليزي لسنة 1985م تلزم أي شركة تنوي الدخول في تصفية اختيارية أن تقوم في مدة أقصاها خمسة أسابيع من تاريخ قرار التصفية بعمل إقرار يشهد بموجب المديرون أو المساهمون أن الشركة في حالة تصفيتها ستكون قادرة على سدا جميع التزاماتها المالية بالكامل في موعد أقصاه اثنا عشر شهر من تاريخ بدء التصفية . ويجب أن يشتمل الإقرار على بيانات الأصول وجداول الحقوق والالتزامات المعضدة لصحته : تنص المادة 89(5) من قانون الشركات الإنجليزي أن من يدلي بإقرار كاذب أو غير دقيقة يكون مرتكباً لجريمة جنائية وأنه يعتب الإقرار كاذباً إذا انقضت مدة اثني عشر شهراً ولم يتم سداد جميع الالتزامات . ويلاحظ أيضاً أن قانون الشركات السوداني لا يحيط إعلان إجراءات التصفية ونشرها في الغازيته باهتمام كبير . فالمادة 179(1) من قانون الشركات تتطلب نشر إعلان القرار الخاص بالتصفية الاختيارية في الجريدة الرسمية وأيضاً في الصحف .
وقد درجت الشركات على نشر قرار التصفية في الصحف فقط . أما النشر في الجريدة (هو عبارة يتطلب مدة لا تقل عن الستة أشهر لتمامه) فلا أحد يعيره اهتماماً . وفي كل الأحوال فإن قانون الشركات يترتب فقط غرامة مقدارها خمسة جنيهات يومياً في حالة التقصير عن النشر في الجريدة الرسمية أو الصحف . أما قرار التصفية الاختيارية الذي أصبح نافذاً على الرغم من عدم الإعلان والنشر فإن قانون الشركات لا يمسه بسوء .
ولقد بلغت الاستهانة بالقانون حداً أغرى المساهمين إلي تعديل اسم الشركة المسجل أولاً ثم إعلان التصفية الاختيارية بالاسم الجديد للشركة وذلك إمعاناً في تضليل الدائنين … ويلاحظ أن قانون الشركات لا يتطلب إعادة نشر الاسم الجديد في الغازيته أو الصحف (أنظر المواد 8(4) 72 من قانون الشركات 1925م) مما أفسح المجال واسعاً لهذا النوع من التضليل .
مسئولية الشخص الاعتباري وأثرها :
هنالك غموض في القانون السوداني يكتنف مسئولية الشص الاعتباري . وقد قاد هذا الغموض إلي تكريس عقيدة مؤداها أن التصفية تنهي مسئولية الشركة مما حض على استشراء ظاهرة تكوين الشركات للاحتماء بقناعها وتصفيتها للتنصيل من الالتزامات التي رتبها أعضاء الشركة تحت هذا القناع ونلاحظ في هذا الصدد أن قانون الشركات لسنة 1925م يسكت عن موضوع إبراء الشركة المفلسة من الديون . فلا يضع شروطاً لهذا الإبراء ولا يمنعه ولا يأبه لحقوق الدائنين التي قد تذهب هدراً بسبب التصفية . كما أن قانون الشركات لا يوضح بصورة قاطعة مسئولية الشركة الجنائية وعلاقتها بمسئولية المديرين . ولقد تدارك القانون الإنجليزي مثل ذلك الخلل ونص في المادة 63(1) من قانون الشركات 1985م على أن إجراءات التصفية لا تمنع مقاضاة أي شخص يثبت أنه ضالع في الغش التجاري وأنه يجوز تحميل مثل ذلك الشخص أي ديون مستحقة على الشركة لصالح الغير على الرغم من تصفية الشركة ومحدودية مسئوليتها. كما أورد على الأقل في حالة بعض الجرائم مسئولية الشركة والمديرين الجنائية على سبيل التضامن والانفراد في الحالات التي ترتكب فيها الشركة فعلاً جنائياً بموافقة أو مؤازرة أو إهمال أحد مديريها أو إذا وقع الفعل بسبب المدير .
وأورد قانون الشركات الإنجليزي 1985م المادة 458 حكماً عاما يتعلق بالغش التجاري يكون بموجبه المديرون عرضة للمسائلة الجنائية في حالة ثبوت ضلوعهم في أي عمليات غش تجاري سواء كانت ذات صلة بالتصفية أم لم تكن .
كما أن قانون الإفلاس الصادر في إنجلترا سنة 1986م قد تضمن نصوصاً تنطبق على الشركات تجعل المديرين عرضة للمسائلة القانونية في حالة ثبوت ضلوعهم فيما يسمى بالممارسات التجارية الخاطئة (المادة 214 قانون الإفلاس 1986م) وهذه مساءلة يكفي لثبوتها مستوى إثبات يقل عما هو مطلوب لإثبات الغش التجاري .
أثر التصفية على الدعاوى المدنية والتجارية :
لقد درجت المحاكم والنيابات على قبول طلبات وقف الدعاوى القضائية ضد الشركة تحت التصفية الاختيارية على الرغم من نص المادة 160 من قانون الشركات تستند عليه مثل هذه الطلبات ينطبق حسب نصه على حالات التصفية بأمر المحكمة وليس هنا ما يسوغ تطبيقه في حالات التصفية الاختيارية . لقد أفلح بعض الدائنين في توضيح هذا التفريق وإقناع المحكمة والنيابة باستبعاد طلبات وقف الدعاوى الجنائية في حالات التصفية الاختيارية .
إن إعلان التصفية بموجب قانون الشركات يلحق ضرراً أكبر من ذلك الذي يلحقه طلب إشهار الإفلاس لأن سلطات المحكمة في وقف الدعاوى أكبر بكثير في حالة الشركة منها في حالة الأفراد الطبيعيين . وبالنظر للمادة 160 من قانون الشركات نجد أن للمحكمة سلطة إيقاف الدعاوى ضد الشركة أو وقف الاستمرار فيها مباشرة بعد تقديم عريضة تصفية الشركة وحتى قبل الفصل فيها أو قبل إصدار أمر التصفية .
هذه السلطة مكفولة للمحكمة في حالة الشركات تتعارض كلية مع ما يشترطه ضمناً قانون الإفلاس 1929م المادة 22(3) من ربط لإصدار أوامر وقف الدعاوى بصدور الأمر بإشهار الإفلاس وليس قبله .
إن السلطة المكفولة للمحكمة بموجب المادة 160 من قانون الشركات قد يكون لها مبرراتها لطلبات التصفية المستندة على أسباب أخرى سوى الإعسار . أما بالنسبة لطلبات التصفية المستندة على الإعسار فإنه لا مبرر لمثل هذه السلطة وينبغي أن يكون الوضع القانوني كما هو مقرر بموجب قانون الإفلاس 1929م المادة (2) .
كما ذكرت آنفاً فإن قانون الشركات لسنة 1925م قد تناول موضوع وقف الإجراءات في المادة 160 والمادة 162 . المادة 160 تجيز للمحكمة وقف الإجراءات في أي وقت بعد تقديم عريضة تصفية الشركة وقبل إصدار أمر بالتصفية . وواضح من نص هذه المادة أنها لا تنطبق على التصفية الاختيارية ولا على التصفية تحت إشراف المحكمة . وتنطبق هذه المادة على التصفية من جهة المحكمة . وقد تعطي المحكمة سلطة واسعة في مرحلة مبكرة من الدعوى لمنع اتخاذ أية إجراءات أو استمرارها في أية قضية أو إجراء ضد الشركة .
وعلى الرغم من الحماية الواسعة التي تضفيها هذه المادة فنادراً ما يكون اللجوء إليها في الواقع لأن أكثر حالات التصفية شيوعاً في الأسواق هي حالات التصفية الاختيارية التي لا تناسب هذه المادة .
أما المادة 162 من القانون تنص على أنه متى صدر أمر تصفية الشركة فلا يجوز للسير في أية قضية أو أي إجراء قانوني آخر أو البدء فيه ضد الشركة إلا بإذن من المحكمة وبالشروط التي تقررها .
وبالتدقيق في مفردات هذا النص يبدو أنه ينطبق على التصفية من طريق المحكمة والتصفية تحت إشراف المحكمة لأن هاتين هما الحالتين اللتان يمكن أن يصدر فيهما أمر بتصفية الشركة .
أما انطباق هذه المادة على التصفية الاختيارية الصرفة فهو مستبعد لأن التصفية من هذا النوع لا تصدر بموجب قرار ذاتي تصدره الشركة تحت التصفية . هذه المقارنة توضح لنا علة لجوء الشركات التي أعلنت التصفية الاختيارية من تلقاء نفسها للمحكمة لتضع التصفية تحت إشرافها . إذ يتسنى بعد قبول الإشراف الحصول على أمر بوقف الدعاوى والإجراءات بموجب المادة 162 من القانون .
ففي محاكمة أحمد إدريس فضل الله م ع/ط ج/ 394/1997م رأت المحكمة العليا بالأغلبية أن نص المادة 162 من قانون الشركات ليس قاصراً على التصفية بواسطة المحكمة ويساوي بين ما كان سابقاً لقرار التصفية أو لاحقاً له .. استناداً على ذلك رفضت المحكمة العليا إدعاء الطاعن أن المادة 162 لا تنطبق على حالات التصفية الاختيارية وأن الجريمة موضوع المحاكمة تمت قبل قرار التصفية الاختيارية .
وقد أورد مولانا سعيد بابكر خوجلي تسبيباً مطولاً خلص استناداً عليه إلي رأي مخالف وقد أشار القاضي العام في هذا الصدد إلي الآتي :
1- أن وقف الدعوى بموجب المادة 162 يتم بناء على طلب محكمة المديرية التي تنظر التصفية ولم يثبت أنها قد طلبت ذلك .
2- أن قانون الشركات نفسه قد منح المحكمة الجنائية اختصاصاً في المواد 241-242-245-246 وأنه لم ينص على سلطة لمحكمة المديرية التي تنظر التصفية لأن تأمر المحكمة الجنائية بوقف الدعوى .
3- أنه حتى لو صح شمول الدعوى الجنائية في عبارة ( 000أية قضية أو أي إجراء قانوني آخر 000 ) الواردة في المادة 162 فإن القول بوقف الدعوى الجنائية تحت المادة 179 من القانون الجنائي إجراء يعارض صراحة قصد المشرع من وراء تشريع هذه المادة من القانون .
بسبب ضعف قانون الشركات 1925 م واستشراء ظاهرة استغلال الإجراءات القانونية لوقف الدعوى الجنائية تحت المادة 179 اتجهت أحكام المحكمة العليا إلى تضييق نطاق المادة 162 من قانون الشركات ساعية بذلك إلى تحقيق الموازنة الصحيحة بين الحقوق والواجبات والانتصار للحس العدلي الذي يأبى الحيف .
ونلمس هذا الاتجاه مرة أخرى في محاكمة شركة رأنيو للمعدات الزراعية م ع / ط ج / 482/1999 م . في هذه الدعوى أصدرت محكمة المديرية قرار تصفية شركة رانية للمعدات الزراعية تصفية اختيارية تحت إشراف المحكمة بتاريخ 22/1/1999م . وبتاريخ 24/6/1999 م أصدر السيد قاضي المحكمة العامة أمراً بوقف إجراءات البلاغ رقم 73/98 أمام مخالفات الجهاز المصرفي استناداً على المادة 162 من قانون الشركات . رفضت المحكمة الجنائية وقف الدعوى وأيدتها في ذلك محكمة الاستئناف . أيدت المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف وشطب الطعن لأسباب منها :
1- أنه حسب قانون الإثبات لسنة 1994م المادة 52 فإن الدعوى الجنائية توقف الدعوى المدنية وليس العكس .
كما أنه وفقاً القواعد الفقهية العامة ليس للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فبما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلي فاعلها .
2-الدعوى الجنائية المتعلقة بالمفلس نفسه يجوز إقامتها منه أو عليه إذ أن جريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد هي في طبيعتها جريمة نصب .
3- أن المشرع للمادة 162 لم يقصد بأي حال من الأحوال اسباغ الحماية على أي مجرم لأن المصلحة العامة المتمثلة في حماية المجتمع ومصالحه الحيوية أولى بالحماية والرعاية من المصالح الخاصة .
4- إن قانون الإجراءات الجنائية قد رسم طريقاً محدداً لوقف الدعوى الجنائية وذلك عن طريق النائب العام وبشروط محددة .
5- أن الشخص المعنوي مسئول جنائياً عن الأفعال التي يقترفها شأنه شأن الشخص الطبيعي وذلك وفقاً لما جاء في المادة 3 من القانون الجنائي 1999م .
الجدير بالذكر أن مبدأ استقلال الدعوى الجنائية الذي أيدته المحكمة العليا في السابقة أعلاه يتطابق مع موقف المحكمة العليا الذي سبقت الإشارة إليه في حالات دعوى الإفلاس في سابقة بشير الحاج محمد //ضد// حسين علي الخضر المجلة القضائية 1978م ص 11 . ويبدو أن الأمر يكون أكثر تعقيداً في حالات التصفية منها في حالة إفلاس الأشخاص الطبيعيين . وذلك لأنه في حالة التصفية منها في حالة إفلاس الأشخاص الطبيعيين . وذلك لأنه في حالة التصفية فإن الشركة المالكة لدفتر الشيكات والمستفيدة من المقابل تكون قد اندثرت بصدور قرار التصفية . وتبقى مسائل تقرير المسئولية الجنائية للشخص الاعتباري وتأثرها باندثارها وعلاقتها بمسئولية المديرين والأعضاء جميعها ضالعة في تعضيد وضع التصفية ومحتاجة إلي حلول تشريعية شافية .
إجراء الدعوى في القانون الإنجليزي :
هذه السلطة نص عليها قانون الشركات الإنجليزي 1985م في المادة 521 هذه المادة تشابه نص المادة 160 من قانون الشركات السوداني وتقرأ على النحو التالي :
521(1) يجوز للشركة أو لأي دائن أو ملزم بالدفع في أي وقت بعد تقديم عريضة التصفية وقبل صدور قرار التصفية إذا كانت هناك دعوى أو إجراء ضد الشركة قيد النظر أمام محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا أن يتقدم للمحكمة التي أمامها مثل هذه الدعوى أو الإجراء بطلب للوقف .
(أ) إذا كانت هنالك أي دعوى أو إجراء في أي حالة أخرى قيد النظر ضد الشركة أن يتقدم بطلب للمحكمة المختصة بنظر التصفية لوقف الاستمرار في الدعوى أو .
(ب) الإجراء ، ويجوز للمحكمة المقدم لها الطلب أن تعلق أو توقف استمرار الإجراءات التي تراها مناسبة .
أما المادة 525(2) من قانون الشركات الإنجليزي 1985م فهي تشابه المادة 162 من قانون الشركات السوداني 1925م وتقرأ كالآتي :
لا يجوز بعد صدور أمر التصفية أو تعيين المصفي إقامة أو الاستمرار في أي دعوى أو إجراء ضد الشركة إلا بعد إذن محكمة التصفية وبالشروط التي تقررها .
وبالنظر للتطبيق العملي لهذه لمواد في إنجلترا فإننا نلاحظ الآتي :
1- فيما يتعلق بإصدار أمر الوقف يرى بعض الكتاب أنه استصحاباً لمبدأ حق المتقاضي في اختيار قاضية فإن المحكمة عادة لا تأمر بوقف الدعوى ما لم يثبت مقدم الطلب السبب الكافي لمثل ذلك التدخل . ومثال السبب الكافي من وجهة نظره عي أن الوقف المطلوب يوفر مصروفات تقاضي ستتكبدها الشركة تحت التصفية إذا ما استمر الإجراء ، أو أن الدعوى المراد وقفها معترف بها بدرجة جوهرية (أنظر Palmers Company Law edit 1976. 961 London Stevens & Sons ) .
ويرى كاتب آخر أنه لا يكفي طلب الشركة بمفردها لوقف الدعوى بل لابد أن ينضم إليها المصفي أو أحد الدائنين أو الملزمين بالدفع . ويرى هذا الكاتب أنه يجوز للمحكمة رفض الطلب إذا كان سلوك المديرين يستوجب التحقيق والتقصي Gore – Browne on Jordan & sons Companies 1972 P. 931
ومن وجهة نظر رو برت بنتيجون أن الغرض من سلطة وق فالدعوى الممنوحة للمحكمة هو ضمان أن يبت في الدعاوى ضد الشركة ضد الشركة في إجراءات التصفية زهيدة التكاليف بدلاً من تكبد مصاريف إضافية .
وفيما يتعلق بواجب محكمة التصفية في منح الإذن بالاستمرار في الدعوى أو الإجراء يرى هذا الكاتب أنه يتعين على المحكمة أن تمنح الإذن لإقامة أي دعوى أو الاستمرار فيها في الحالات الآتية :
1- إذا كانت للمدعى قضية مبدئية لا يمكن البت فيها على نحو كاف أو ملائم أمام محكمة التصفية أو كانت التدابير التي يطلبها المدعى لا يمكن أن تصدر عن محكمة التصفية .
2- يتعين منح الإذن :
(أ) لدائن مضمون الدين لإقامة دعوى بيع المرهون أو إغلاق الرهن .
(ب) للمدعى الذي يطلب الحكم له بتدابير غير مالية سواء كانت تنفيذاً عينياً أو فسخ عقد أو استرداد عقار أو غيرها .
(ج) ولمدعى في أي دعوى مسئولية تقصيرية ضد الشركة قيد التصفية (أنظر rd edit,3 Rpennington Company Law Butterworths 1973 PP 685-686)
وبصورة عامة فإن سلطة الوقف يمكن أن تطال الإجراءات الجنائية إلا إذا كان الشاكي ليست له مطالبة مالية في الدعوى الجنائية (أنظر في هذا الصدد هالسبري موسوعة قوانين إنجلترا المجلد الخامس الطبعة الثانية صفحة 718) .
الخلاصة :
ناقشة الورقة الآثار القانونية المشروعة للتصفية وإشهار الإفلاس وأشارت في هذا الصدد إلي قاعدة إبراء الذمة التي يضعها قانون الإفلاس 1929م بشروط محددة . ويجدر بالباحثين في هذا الصدد التقصي ع مواءمة الإبراء مع قواعد المعاملات الشرعية في الشريعة الإسلامية التي تشترط الأداء أو العفو أو إبراء الذمة .
قانون الشركات سكت عن حقوق الدائنين التي قد تبقى عالقة بذمة الشركة المصفاة ولم يورد شيئاً عن انتقال مسئولية الشركة أو استمرارها . وتبقى مشروعية إهدار الديون وسقوطها عن الأفراد لمجرد أن الشركة التي استدانوا هذه الموال قد تمت تصفيتها تبقى مشروعية مشكوك فيها من منظور الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي .
أن قانون الشركات السوداني 1925م لا يفرق بين التصفية للإعسار والتصفية للسوي مما فسح المجال للتحاليل على القانون . ونشير في هذا الصدد إلي أن قانون الشركات الإنجليزي 1985م يفرق بين التصفية للإعسار والتصفية لما سواها . وتنطبق نصوص القانون الإنجليزي للإفلاس لسنة 1986م على إجراءات التصفية للإعسار على الزعم من أي نص في قانون الشركات الإنجليزي 1985م .
أن قانون الشركات السوداني لا يحيط التصفية الاختيارية بأي ضوابط . وبالنظر لقوانين البلدان الأخرى فإن التصفية الاختيارية لا يجوز اللجوء لها إلا إذا كانت الشركة موسرة ، ليس عليها التزاماً للغير , ولا تنوي بذلك إشهار الإفلاس أو تفادي المطالبات .
يجب مراجعة نصوص قانون الشركات لتدل دلالة قاطعة على واجب المحكمة في إعلان الدائنين بطلبات التصفية وطلبت الإشراف في إتاحة الفرصة لسماعهم قبل قبول طلب التصفية أو الإشراف .
إجراءات التصفية تحت إشراف المحكمة يتم استغلالها لإضفاء الشرعية على التصفية الاختيارية وللحصول على الأوامر القضائية بوقف الدعاوى والإجراءات أمام المحاكم الأخرى .
نصوص قانون الشركات 1925م (المواد 160-162) وقانون الإفلاس 1929م (المادة 22) المتعلقة بوقف الدعاوى والإجراءات غامضة وإلي المراجعة التشريعية العاجلة .
لا توجد نصوص في قانون الشركات 1925م أو قانون الإفلاس 1929م لحماية الدائنين من الغش التجاري أو الممارسات التجارية الخاطئة . ويلاحظ أن نصوص قانون الإفلاس المتعلقة بمخالفات الإفلاس (58-86) تتطلب جميعها إثبات قصد الغش وغنى عن البيان أنه من الصعب على الدائنين إثبات قصد الغش بالطريقة التي يتطلبها القانون .
ويجب في هذا الصدد أن يعاد النظر في تعريف جرائم الإفلاس وذلك لإزاحة أو التخفيف من عبء الإثبات الثقيل والاستحالي في بعض الأحيان الذي تلقيه هذه المواد على كاهل من يدعي وقوع جريمة من هذا النوع حتى وإن توفرت قرائن الأحوال والبينات الظرفية .
رغم أن القانون الجنائي 1991م يجرم الدعاوى والإجراءات الصورية التي ترمي إلي حماية مدين أو تؤثر على عدالة الإجراءات القضائية (المواد 112-115) وأنه يمكن نظرياً المقاضاة بموجب هذه المواد ضد من يصطنع إجراءات تصفية لوقف دعوى جنائية . فإنه من الصعب إقامة بينة الدعوى الصورية لسببين الأول هو صعوبة الحصول على بينة القصد التي تتطلبها هذه المواد والثاني هو الإجراء الخاص الذي يتطلبه قيد هذا النوع من الدعاوى إذ تحتم لفتح الدعوى الحصول على إذن المحكمة التي تنظر دعوى التصفية .
الهوامش :
1- الجزء الأول من هذا البحث استند على معومات مقتبسة من دراسة لجنة اتحاد المصارف حول (ظاهرة الإفلاس وأثرها على استرداد التمويل المصرفي) .
اترك تعليقاً