دراسة وبحث قانوني هام عن الإنهاء الاتفاقي للمنازعة الضريبية أمام القضاء
إعداد الباحث
على لطفي بركات
عضو لجنة التعديلات التشريعية مشروع الدمج
هل
يجوز للممول والإدارة الضريبية تسوية الخلاف بالاتفاق أو التصالح لإنهاء
المنازعة الضريبية أمام القضاء ؟
إعداد الباحث
على لطفي بركات
عضو لجنة التعديلات التشريعية مشروع الدمج
مقدمة
إن مبدأ المشروعية وسيادة القانون ، هو المبدأ الذي يوجب خضوع سلطات الدولة للقانون والتزام حدوده في كافة أعمالها وتصرفاتها ، وهذا المبدأ لن ينتج أثره إلا بقيام مبدأ آخر يكمله ويعتبر ضروريا مثله ، لان الإخلال به يؤدى بمبدأ المشروعية ويسلمه إلى العدم ، ذلك هو مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين من جهة ، وعلى مشروعية القرارات الإدارية من جهة أخرى 0 ويعتمد نفاذ المشروعية الضريبية على الضمانات الإدارية من جهة والقضائية من جهة أخرى0
وإذا كانت أروقة المحاكم قد ازدحمت بالمنازعة الضريبية ؛ فان ذلك يكشف بوضوح ما أثاره تطبيق القوانين الضريبية من خلافات عديدة بين الممولين والإدارة الضريبية0
وقد تكون هذه الخلافات موضوعية- تتمثل في الأسس التي يجب إتباعها للوصول إلى تحديد حقيقة الأرباح ومن ثم تحديد وعاء الضريبة – أو قانونية – ممثلة في تطبيق سعر الضريبة أو ربطها أو استحقاقها – 0
فإذا ما رأت الإدارة الضريبية بنفسها بأن تطلب من الممول تقديم طلب إلى لجنة إدارية خاصة بغية إنهاء تلك المنازعة ؛ فان رائدها في ذلك القضاء على ظاهرة تضخم عدد المنازعات الضريبية التي كانت مطروحة على القضاء ؛ فتتحدد مراكز الممولين وهو الأمر الذي يترتب عليه حالة من الاستقرار تعود بالنفع على الاقتصاد القومي للبلاد ، ومن ناحية أخرى تخفيف العبء على القضاء فضلا عن توفير وقت وجهد أطول ، وحصول الخزانة العامة على حقوقها في الوقت المناسب ، وتوفير وقت وجهد العاملين في الحقل الضريبي في ذات الوقت 0
لذلك رأى الباحث نظرا لأهمية هذا الموضوع وما تبتغيه الإدارة الضريبية من وراءه ، ومدى تأثير ذلك على الحصيلة الضريبية وضع رؤية تكمن في الإجابة على تساؤل مهم هو : هل يجوز للممول والإدارة الضريبية تسوية الخلاف بالاتفاق أو التصالح لإنهاء المنازعة الضريبية أمام القضاء ؟
والإجابة على هذا التساؤل تتطلب منا بداية معرفة الطبيعة القانونية للاتفاق أو التصالح الضريبي ، وهل القانون أم الاتفاق هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ؟ وأخيرا مدى جواز الاتفاق لإنهاء المنازعة الضريبية أمام القضاء ؟
في ثلاث مطالب :
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للاتفاق أو التصالح الضريبي 0
المطلب الثاني مصدر الالتزام بدين الضريبة 0
المطلب الثالث : الإنهاء الاتفاقى للمنازعة الضريبية أمام القضاء 0
المطلب الأول
الطبيعة القانونية للاتفاق أو التصالح الضريبي
إن تحديد الطبيعة القانونية للاتفاق أو التصالح الضريبي من الأهمية بمكان
حيث يتحدد على أساسها الإجراءات الواجب إتباعها في هذه الحالة ، ويمكن التفرقة بين نوعين من التصالح ، الأول : التصالح الضريبي في الدعاوى الجنائية وهذا النوع يخرج من نطاق هذا البحث حيث حدد القانون الضريبي الإجراءات المتبعة في هذا الشأن0 والثاني : التصالح بالطريق العادي في الدعاوى الضريبية المنظورة أمام القضاء وهو ما يدخل في نطاق هذا البحث 0
وتحديد الطبيعة القانونية للتصالح الضريبي يتطلب منا معرفة الطبيعة القانونية للتصالح وفق قواعد القانون الخاص ، ثم مدى تطبيق ذلك على الضريبة ، أم إن للتصالح الضريبي طبيعة أخرى ؟
يحظى عقد الصلح المدني بأهمية كبيرة في التقنين المدني المصري ، فمن الناحية العملية ، يحقق عقد الصلح غاية سامية ، وهى استتباب السلام الاجتماعي ، والوقاية من اللدد في الخصومة ، وقد استقر في وجدان الأفراد بأن ” الصلح السىء خير من الخصومة الجيدة ” ، والصلح سيد العقود أو الأحكام 0
والصلح في المواد المدنية طبقا لأحكام المادة 549 من القانون المدني بأنه ” عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما ، أو يتوقيان به نزاعا محتملا ، وذلك بان ينزل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه “0
وعرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه ” عقد يقوم على أركانه القانونية وهى التراضي والمحل والسبب 0000″0
ويتبين من التعريفات السابقة إن الصلح في طبيعته هو :
– عقد يقوم على أركان العقد العامة وهى الرضاء ، والمحل ، والسبب ، فضلا عن مقومات أخرى ثلاثة: أولها نزاع قائم أو محتمل ، ثانيها نية حسم النزاع ، وثالثها نزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه 0
– عقد من العقود الملزمة للطرفين ، حيث يلتزم كل طرف فيه تجاه الآخر بالتنازل عما يدعيه 0
– يعنى الصلح قطع الخصومة وديا بناء على إرادة الأطراف ومن ثم فالإنهاء الاتفاقى للنزاع يطلق عليه مصطلح الصلح ، ويطلق عليه البعض مصطلح التوفيق 0
ينظم القانون الضريبي العلاقة بين الممول والإدارة الضريبية على أساس المبادىء الدستورية ووفقا للقواعد القانونية الموضوعية والإجرائية الحاكمة للضريبة- والأولى يقصد بها القواعد التي تحكم فرض الضريبة أو تحديد الالتزام وأن محل هذا الالتزام هو تحديد مقدار دين الضريبة المستحقة في ذمة الممول ، والثانية تشمل دفع الضريبة أو اقتضاء الالتزام وحل منازعاته وتشمل القواعد القانونية المنظمة لإجراءات ربط وتحصيل الضريبة ، والقواعد المنظمة لإجراءات المنازعة الضريبية في المرحلتين الإدارية والقضائية – ومن ثم فانه لا يجوز الاعتداد بأي اتفاق بينهما يخالف حكم القانون 0
والقاعدة المقررة هي أن الضريبة تربط على الأرباح الحقيقية الثابتة من واقع الإقرار المقدم من الممول إذا قبلته مصلحة الضرائب ، وفى المقابل منح المشرع مصلحة الضرائب الحق في تصحيح الإقرار ،أو تعديله ، كما يكون لها عدم الاعتداد به وتحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير 0
وإذا ما توافرت حالة من الحالات التي يكون للإدارة الضريبية حق تعديل الربط ، وقع عليها التزام بإخطار الممول بعناصر ربط الضريبة وقيمتها على نموذج الربط المعد لذلك ، فإذا ما تم هذا الإخطار انعقدت الخصومة الضريبية ، وبات على الممول حق الطعن على هذا النموذج ؛ فإذا ما تم الطعن عليه في الميعاد القانوني نشأت المنازعة الضريبية بينه وبين الإدارة الضريبية 0
وقد أتاح المشرع للممول والإدارة الضريبية إنهاء المنازعة الضريبية بينهما بالتسوية الودية ، أو من خلال لجان تجمع بين الخبرة الفنية والحياد ، فإذا تعذر عليهما الوصول إلى إنهاء المنازعة فلا مناص من اللجوء إلى القضاء الذي لا تتعدى ولايته النظر فيما إذا كان قرار لجنة الطعن صدر موافقا لأحكام القانون أو بالمخالفة له 0
ويستمد الاتفاق أو الصلح – بين الممول والإدارة الضريبية – على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي وصولا إلى حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها 0
ويتبين من خلال تلك الأحكام إن الاتفاق أو الصلح الضريبي هو :
” عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة بين الممول والإدارة الضريبة بتراضيهما في ضوء العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي ” 0
– التراضي00 وهو تلاقى ارادتى الممول والإدارة الضريبية –الإيجاب والقبول – وتطابقهما بالنسبة للعملية القانونية التي يراد القيام بها ، وأن يراد القيام بهذه العملية بصفة نهائية ، وهى الاتفاق على عناصر تحديد الأرباح الحقيقية في ضوء القواعد الحاكمة للضريبة 0
وتطبيقا لذلك قرر المشرع في المادة 119 من القانون رقم 91 لسنة 2005 “00000 فإذا تم التوصل إلى تسوية أوجه الخلاف يصبح الربط نهائيا 0000”
– المحل : ويتمثل في تحديد الأرباح الحقيقية ومن ثم تحديد وعاء الضريبة والذي على أساسه يتحدد مقدار دين الضريبة الذي يلتزم الممول بأدائه إلى الخزانة العامة 0
– السبب : وهو الباعث الدافع على الاتفاق أو الصلح والمتمثل في حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها 0
فالاتفاق أو الصلح في المجال الضريبي يستمد طبيعته القانونية من العلاقة التنظيمية بين الممول والإدارة الضريبة والتي يحكمها القانون الضريبي ، ومعنى ذلك أن إعادة النظر في المنازعة الضريبية المطروحة على القضاء ليس صلحا بالمعنى القانوني الذي ينطوي على الترك من طرفي النزاع وإنما هو إعادة لتحديد وعاء الضريبة فيما خرج عن ولاية المصلحة لصيرورة الربط نهائيا بقصد تمكينها من العدول عن أخطاء وقعت فيها 0 وذلك على خلاف طبيعة الصلح في المواد المدنية إذ يستمد طبيعته من العلاقة التعاقدية التي تحكم أطراف العقود وفقا لقواعد القانون الخاص 0
وإذا كان الاتفاق أو الصلح يتحدد من خلاله الأرباح الحقيقية ومن ثم تحديد وعاء الضريبة والذي على أساسه يتحدد مقدار دين الضريبة الذي يلتزم الممول بأدائه إلى الخزانة العامة ، ويستتبع ذلك إنهاء المنازعة الضريبية فهل هذا الاتفاق هو مصدر الالتزام بدين الضريبة؟ أم إن القانون الضريبي دائما هو مصدر هذا الالتزام ؟
هذا ما نعرفه في المطلب الثاني
المطلب الثاني
مصدر الالتزام بدين الضريبة
إذا سلمنا أن الاتفاق أو الصلح – بين الممول والإدارة الضريبية – على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية يستمد طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي فان معنى ذلك إن الاتفاق ، بداية يكمن في تحديد الأرباح الحقيقية الفعلية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها في ضوء مجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية التي فرضها قانون الضريبة والتي تعد من القواعد الآمرة التي تتعلق بالنظام العام ، يحددها القانون ولا تعتبر اتفاقا تعاقديا بين الممول والإدارة الضريبية ، فلا يجوز مخالفتها أو التنازل عنها ، وهى إجراءات ومواعيد حتمية ألزم المشرع مصلحة الضرائب بالتزامها وقدر وجها من المصلحة في إتباعها ورتب البطلان على مخالفتها ( الطعن رقم 497 س 49 ق جلسة 17/12/1984 ) 0
وعليه فان الممول إذا قبل التقدير الذي أجرته المصلحة فانه يكون بقبوله قد عقد معها اتفاقا لا يحل له أن يتحلل منه ما لم يثبت وجود شائبة شابت رضاه وقت انعقاده أو أنه وقع مخالفا للنظام العام ( نقض رقم 31 لسنة 20 ق في 27/3/1952 جرف (8) ص 39 0 )
وهنا يثور التساؤل هل الاتفاق المبرم بين الممول والإدارة الضريبة والملزم لهما هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ؟ أم أن القانون الضريبي هو مصدر هذا الالتزام ؟
يتضح لنا من خلال الطبيعة القانونية للاتفاق أو الصلح ، وما أوردته محكمة النقض في حكمها سالف الذكر أن القانون –لا الاتفاق – هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ، ومعنى ذلك انه إذا ما قبل الممول تقدير الإدارة لأرباحه ، فان الإدارة إنما تربط الضريبة لا على اعتبار أن ثمة اتفاقا ملزما وقع بينهما وإنما على اعتبار أن ما توصلت إليه – بعد بحثها كافة العناصر – هو بمثابة الأرباح الحقيقية الصافية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها 0
وينبني على ذلك أنه إذا ثبت عدم سلامة الأسس والعناصر التي استند عليها الاتفاق في تقدير الأرباح يجوز لكل من الإدارة والممول العدول عن هذا التقدير ولو كان متفقا عليه لأنه لا يستمد قوته الملزمة من مجرد الإيجاب والقبول طبقا لقواعد القانون الخاص ، وإنما من مطابقة الأسس والعناصر التي بني عليها للشروط ولأوضاع التي فرضها القانون 0
فلا عبرة بقصاصة ورق الاتفاق ما لم تكن ممثلة للربح الحقيقي لأن الضريبة لا تتولد من مجرد الإيجاب والقبول، واحترام الاتفاق ليس سببه الاتفاق لذاته بل لان المشرع افترض أنه يمثل حقيقة الربح وأنه يحمل قرينة الصحة؛ لكونه بني على الأسس والوسائل التي أوجب القانون الضريبي إتباعها للوصول إلى تحديد حقيقة هذه الأرباح ، فإذا انتفت عنه هذه القرينة وثبت عكسها فقد الاتفاق قيمته وأمكن العدول عنه ومناقشة الأرباح من جديد0
وإذا كان – لا الاتفاق –هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ؛ فان مفهوم المخالفة أن الاتفاق يجب إن يكون متفقا مع القانونية والإجرائية التي تحكم الضريبة ، وان موضوع الاتفاق يكمن في الوصول للأرباح الحقيقية وفقا لهذه القواعد 0
وإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز الاتفاق والتصالح على إنهاء المنازعة الضريبية أمام القضاء ؟ 0
هذا ما نعرفه في المطلب الثالث
المطلب الثالث
الإنهاء الاتفاقى للمنازعة الضريبية أمام القضاء 0
تمهيد :
إذا كان دين الضريبة مفروضا بحكم القانون وينشأ بمجرد توافر الواقعة أو الوقائع التي يتطلبها قانون الضريبة ، ويتحدد طبقا للإجراءات والأوضاع التي نظمها القانون ؛ فان الخلاف بين الممول والإدارة الضريبية ، ومن ثم فان موضوع المنازعة الضريبية لا يتعدى أحد أمرين : الأول : تعلق الخلاف بتقدير الأرباح، والثاني : تعلق الخلاف بالمبادئ القانونية 0
وإذا ما كان الاتفاق أو الصلح على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية يستمد طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي وصولا إلى حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها ؛ فهل يمتد الاتفاق والصلح إلى المبادىء القانونية محل النزاع أم يقتصر ذلك على تقدير الأرباح ؟
أولا : الاتفاق أو الصلح في تقدير الأرباح
ذكرنا فيما سبق إن الضريبة تربط على الأرباح الحقيقية الثابتة من واقع الإقرار المقدم من الممول إذا قبلته مصلحة الضرائب ، وفى المقابل منح المشرع مصلحة الضرائب الحق في تصحيح الإقرار ،أو تعديله ، كما يكون لها عدم الاعتداد به وتحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير 0
وبينا أن موضوع الاتفاق يكمن في الوصول للأرباح الحقيقية وفقا للقواعد القانونية والإجرائية التي تحكم الضريبة ، وأنه يحمل قرينة الصحة؛ لكونه بني على الأسس والوسائل التي أوجب القانون الضريبي إتباعها للوصول إلى تحديد حقيقة هذه الأرباح .
وينبني على ذلك أنه بالنظر إلى الطبيعة القانونية للاتفاق أو الصلح الضريبي ، وعلى اعتبار إن القانون – لا الاتفاق –هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ، وان الغرض الاساسى من الاتفاق أو الصلح هو الوصول للأرباح الحقيقية الصافية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها ؛ فانه ليس هناك ما يمنع الاتفاق أو الصلح بين الإدارة الضريبية والممول في المنازعة الضريبية المطروحة أمام القضاء إذا ما تعلق الأمر بالأمور التقديرية الموضوعية ما دام ذلك يتم في إطار القواعد الحاكمة للضريبة – الموضوعية أو الإجرائية – ؛ فليس في هذا الاتفاق أية مخالفة للنظام العام ولا القانون .
وقد أكد ذلك موقف القضاء المصري ؛ فقد أجازت المحاكم الابتدائية – عموما – الاتفاق الملزم في الشؤون الضريبية وان كانت قد اختلفت في تبرير الأثر الالزامى لهذا الاتفاق فاستندت بعض الحكام على القاعدة المدنية التي تقضى بأن العقد شريعة المتعاقدين ( محكمة الفيوم الابتدائية في 3/ 3/1946 المجموعة الرسمية س 46 ص 159 ) ، واستندت أحكام أخرى على ضرورة المحافظة على مصالح الممولين التي تظل مهددة إذا بقيت مراكزهم المالية غير محددة بالرغم من اتفاقهم مع المصلحة وهو الأمر الذي يؤدى إلى عدم استقرار المعاملات وما يترتب على ذلك من اضطراب في النواحي الاقتصادية 0 محكمة القاهرة الابتدائية 31/3/1946 .م. جرف (3) ص 93- 103 ) .
أما المحاكم الاستئنافية فقد ذهبت في بعض أحكامها إلى إجازة الاتفاق في الشئون الضريبية سواء تضمن الاتفاق مسائل قانونية أو موضوعية ( استئناف الإسكندرية رقم 53/9 ق في 26/2/1959 – وقد ورد به ” انه ما دام المأمور وهو يمثل المصلحة قد استعرض جميع المسائل القانونية والواقعية قبل أن ينتهي إلى الربط ثم إلى الاتفاق مع الممول فليس للمصلحة بعد ذلك أن تحتج بان الاتفاق حدث دون أن يطبق القانون تطبيقا سليما … ما دامت عناصر التقدير كلها وأسانيدها القانونية كانت تحت نظر المأمورية وقت إجرائه “
كما ذهبت أيضا إلى إجازة مبدأ التصالح بين المصلحة والممول طبقا للقواعد العامة إلا أنها قضت في بعض أحكامها الأخرى بوجوب التفرقة بين المسائل الموضوعية فأجازت الاتفاق بصددها ، والمسائل القانونية التي لم تجز الاتفاق بشأنها على ما يخالف القانون ( استئناف القاهرة رقم 386/71 ق في 17/1/1957 . مجلة إدارة قضايا الحكومة س ( 1) ع (2) ص 197 ) ؛ بينما ذهب فريق ثالث من الأحكام إلى الاستناد على إرادة المشرع في الأحوال التي يجيز فيها الاتفاق بين الممول والمصلحة ( استئناف القاهرة رقم 97/64 ق في 3/12/1947 جرف (1) ص 226 )
ولم يطرح على محكمة النقض المصرية اتفاقات ضريبية تضمنت مسائل قانونية ، إلا انه يمكن القول بان محكمة النقض المصرية قد حذت حذو محكمة النقض الفرنسية في التفرقة بين المسائل القانونية والمسائل الموضوعية إذ أنها أجازت مبدأ الاتفاق الذي يتم بين الإدارة الضريبية والممول على الأمور التقديرية الموضوعية ، ولم تر في هذا الاتفاق أية مخالفة للنظام العام ولا للقانون ( حكم محكمة النقض في الطعن رقم 315 لسنة 23 ق في 16/5/1957 . وكان الخلاف الذي طرح على محكمة النقض يدور حول اتفاق على تقدير نسب الأرباح فقضت محكمة النقض بصحة هذا الاتفاق مستندة على سلامة الأسس التي بني عليها ومطابقتها للنظام الذي وضعته المصلحة لتقدير نسب الأرباح التي تربط عليها الضريبة . )
وجاءت فتوى مجلس الدولة – إدارة الرأي لوزارة المالية في 11/12/1949 – منشورة ” بمجموعة فتوى مجلس الدولة ” للأستاذين كمال عبد الرحمن الجرف ومحمد سعيد الأنصارى 1951 ص 207 -214 وقد ورد بها أن :
” تعديل قرار لجنة التقدير بطريق الاتفاق مع قيام الطعن في التقدير أمام القضاء لا يخرج عن كونه إنهاء للنزاع قد تستلزمه اعتبارات لا يمكن إدراكها بالتزام أحكام القانون وتتعلق بمبادئ العدالة ويكون من الجائز لمصلحة الضرائب تطبيقا للقواعد العامة إنهاء النزاع المطروح على القضاء بطريق الصلح ………. “
هذا عن الصلح والاتفاق في حالة إذا ما تعلق الخلاف بتقدير الأرباح ، ولكن يثور التساؤل إذا ما تعلق الخلاف بالمبادئ القانونية فهل يجوز الصلح أو الاتفاق إذا تعلق موضوع المنازعة الضريبية بمبدأ قانوني ؟ .
ثانيا : الصلح أو الاتفاق في المبادىء القانونية
إن تبنى سياسة إنهاء المنازعات الضريبية وحل مشاكل الممولين وسرعة تحديد المراكز الضريبية لهم من خلال الصلح أو الاتفاق في الدعاوى الضريبية بالطريق العادي يستتبع بالضرورة الوقوف على ماهية موضوع المنازعة الضريبية وهل يتعلق الأمر بمسائل قانونية من عدمه ؟ لأن ذلك يتحدد على أساسه مدى جواز هذا الصلح أو الاتفاق بين الممول والإدارة الضريبية في هذه المنازعة ؛ فإذا ما تبين أن موضوع المنازعة الضريبية تعلق بمسألة قانونية ؛ ففي هذه الحالة نفرق بين أمرين :
الأول : أن موضوع الخلاف هذا قد استقرت بشأنه أحكام المحاكم على رأى موحد حاز قوة الشيء المقضي به ؛ فهنا يمكننا القول بإجازة الصلح والأخذ بهذا الراى الموحد شانه في ذلك شان الصلح في المسائل الموضوعية 0 والأمر الثاني : إذا كان موضوع الخلاف لم يستقر فيه القضاء على حكم حاز قوة الشيء المقضي به ، أو كان الخلاف معروضا على محكمة النقض ، ففي الحالة الأولى يمكن أخذ رأى قطاع البحوث والسياسات بمصلحة الضرائب المصرية لإبداء الراى فيه ، وفى هذه الحالة يتوقف الصلح أو الاتفاق على هذا الرأي ، وفى الحالة الثانية يجب الانتظار حتى يفصل في النزاع من محكمة النقض ، ومعنى ذلك عدم جواز الصلح أو الاتفاق في مسألة قانونية معروضة على محكمة النقض في منازعة ضريبية بين الممول والإدارة الضريبية .
النتائج والتوصيات
اولا : النتائج
يتضح لنا من العرض السابق أن الصلح أو الاتفاق بين الممول والإدارة الضريبية على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية يستمد طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي وصولا إلى حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها ، وان القانون – لا الاتفاق – هو مصدر دين الضريبة، وبناء على ذلك توصلنا إلى جواز الصلح في المنازعة الضريبية أمام القضاء إذا كان موضوع المنازعة تعلق بمسائل موضوعية أو مسائل قانونية استقرت بشأنه أحكام المحاكم على رأى موحد حاز قوة الشيء المقضي به ، وفى المقابل يتوقف الصلح على رأى قطاع البحوث والسياسات بمصلحة الضرائب المصرية متى كانت المسألة قانونية ولم يستقر فيها القضاء على حكم حاز قوة الشيء المقضي به ، وأخيرا لايجوز الاتفاق أو الصلح بين الممول والإدارة الضريبية في منازعة ضريبية تعلق الخلاف فيها بمسألة قانونية معروضة على محكمة النقض .
ثانيا : التوصيات
لكي نكون أمام صلح أو اتفاق قانوني يجب مراعاة الآتي :
المراجع :
3) يعتبر هذا الاتفاق أو الصلح بمثابة إنهاء اتفاقي للنزاع بناء على ارادتى الممول والإدارة الضريبية 0 4) عقد كاشف للحقوق لا منشئ لها إذ تستمد هذه الحقوق نشأتها من القانون فيتم هذا الاتفاق أو الصلح في ضوء العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي 0 3) تحديد الحالة التي تكون عليها الدعوى من حيث تداولها أو إيقافها . 4) إذا تعلق الخلاف بمسائل قانونية يجب النظر عما إذا كان موضوع الخلاف هذا قد استقرت بشأنه أحكام المحاكم على رأى موحد حاز قوة الشيء المقضي به أم لا حتى يتسنى للمصلحة السير في الصلح أم يتوقف الأمر على رأى البحوث والسياسات بالمصلحة . 5) ا. كمال عبد الرحمن الجرف ومحمد سعيد الانصارى ” مجموعة فتوى مجلس الدولة 1951 ص 207 – 214 . 6) د0 محمد أحمد عبد الرف – المنازعة الضريبية في التشريع المصري المقارن – الطبعة الأولى – دار النهضة العربية 1998 ص 41 وما بعدها 1/1 الصلح في المواد المدنية 1/2 الاتفاق أو الصلح الضريبي 1) فهو عقد ليس لأنه يستمد من علاقة تعاقدية كالتي تحكم أطراف العقود في القانون الخاص وإنما لأنه يقوم على أركان العقد وهى : 2) عقد ملزم للممول والإدارة الضريبية ؛ فالإدارة الضريبية ملتزمة بربط الضريبة على الأرباح الحقيقية التي تم الاتفاق عليها وفقا للقانون والممول ملتزم بأداء الضريبة وفقا لقرار الربط الصادر بناء على هذا الاتفاق 0 1) تحديد موضوع المنازعة الضريبية وهل تعلق الخلاف بمسائل موضوعية أم قانونية. 2) تحديد عما إذا كانت الدعوى مقبولة شكلا وخالية من اى دفوع شكلية وصالحة للفصل فيها من الناحية الموضوعية . 5) يجب أن يتم الصلح والاتفاق من خلال لجان يتم تشكيلها من قبل مصلحة الضرائب المصرية تكون مهمتها الإنهاء الاتفاقى للمنازعة الضريبية بين الممول والإدارة الضريبية ، على أن يتم تشكيل تلك اللجان على مستوى المناطق الضريبية ، وتتولى رئاسة هذه اللجان لجنة عليا بمكتب السيد الأستاذ وكيل أول الوزارة رئيس المصلحة تكون مهمتها الرئيسية متابعة عمل هذه اللجان وتوحيد الرأي والقرارات في الحالات المماثلة ، ووضع الأسس التي يتم العمل من خلالها وذلك بإصدار منشور عام تبين فيه إجراءات الصلح والاتفاق في المنازعة الضريبية . 6) عدم جواز الاتفاق أو الصلح بين الممول والإدارة الضريبية في منازعة ضريبية تعلق الخلاف فيها بمسألة قانونية معروضة على محكمة النقض . 1) د. حسين خلاف ” الحكام العامة في قانون الضريبة 1956 ” ص 146 2) د. رمضان صديق. الإدارة الضريبية الحديثة. دار النهضة العربية 2005 ص 33 . 3) د. زكريا بيومي . موسوعة الدكتور زكريا بيومي في القوانين والأحكام والفتاوى الضريبية –الجزء الأول – المجلد الأول 2000 بند 691 ص 830 وما بعدها . 4) د. قدري نقولا عطية : ذاتية القانون الضريبي وووووواهم تطبيقاتها ، الطبعة الأولى الإسكندرية 1960 ، ص 112 وما بعدها . 7) – د0 مصطفى رشدي شيحه 0 التشريع الضريبي المصري – ضرائب الدخل المباشرة – دار الجامعة الجديدة للنشر 1998 ص 11.
اترك تعليقاً