بحث قانوني مفصل حول ماهية قانون حماية البيئة في التشريع الجزائري
مقـــدمة
إن دراسة موضوع البيئة من الناحية القانونية يتطلب تحديد بعض المصطلحات نظرا لأهميتها و ارتباطها بمجال الحماية ، فحينما نحدد مفهوم البيئة هناك مصطلحات أخرى تقترب منها في الفهم كمصطلح الطبيعة ، التلوث و التنمية المستدامة ، و تظهر أهمية ذلك لاسيما فيما يخص وصف الضرر البيئي من جهة و من جهة أخرى فإن الإجراءات القانونية التي تضمنها قانون اليبئة لها علاقة وثيقة بهذه المفاهيم هذا من ناحية .
و من ناحية ثانية فإن اشكالية بحثنا لها علاقة بتحديد مفهوم قانون حماية البيئة الذي يحدد لنا مكانة قانون البيئة من فروع القانون .
و من ناحية أخيرة فمن الأولى أن نتعرض إلى التطور التشريعي الذي مر به قانون البيئة الجزائري بغرض معرفة تطور مجالات الحماية .
و ستتم معالجة النقاط الثلاث السالفة الذكر في مباحث ثلاثة :
المبحث الأول
مفهـــوم البيــئة
إن موضوع البيئة يعد موضوعا متشعبا لا يمكن اعتباره موضوعا مستوفيا لجميع الجوانب كما لا يمكن تجسيد مفهومه بمعزل عن جملة الجوانب المتعلقة به،نظرا لطبيعة المشاكل المطروحة في هذا السياق من جهة و من جهة أخرى بالنظر إلى طبيعة الدراسة التي تتناول هذا الموضوع ،فنظرة البيولوجي للبيئة ترتكز على الجانب الصحي فيما تقتصر نظرة الإقتصادي على الجانب المالي وحتى نتفادى وجود إلتباس في مفهوم البيئة تعين تحديده وفقا للمفاهيم الأخرى المرتبطة به .
المطلب الأول
تعريف البيـئة
لأجل البحث في موضوع البيئة و كافة الإشكالات التي يثيرها يستوجب إعطاء تعريف دقيق للبيئة و نستهل ذلك بتعريفها لغة و اصطلاحا لنصل في الأخير إلى وضع تعريف قانوني لها .
الفرع الأول
التعريف اللغوي و الإصطلاحي
إن كلمة بيئة ، كلمة مشتقة من الفعل “بوأ” و هذا ما يستشف من الآية الكريمة بعد قوله تعالى : ” و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا و تنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين “(1).
و يقال لغة :تبوّأت منزلا بمعنى هيأته و اتخذته محل إقامة لي (2) ، و قد يعنى لغويا بالبيئة الوسط و الاكتناف و الإحاطة .(3)
فيما يرى البعض الآخر أن البيئة لفظ شائع يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها و بين مستخدميها حيث نجد أن بيئة الإنسان الأولى هي رحم أمه ثم بيته فمدرسته (4).
أما فيما يخص علم البيئة فهو مصطلح إغريقي مركب من كلمتين :”oikos” بمعنى منزل و”logos” بمعنى العلم ، و بذلك فعلم البيئة هو العلم الذي يهتم بدراسة الكائن في منزله حيث يتأثر الكائن الحي بمجموعة من العوامل الحية و البيولوجية و غير الحية الكيميائية و الفيزيائية (5).
أما التعريف الإصطلاحي فمن الصعوبة بما كان وضع تعريف جامع مانع للبيئة نظرا لوجود عدة مفاهيـم لها صلة وثيقـة بها،لذا فهناك من يرى أن مفهوم البيئة يعكـس كل شيء يرتبـط
بالكائنات الحية (1)، و هناك من يعتبر البيئة جميع العوامل الحية و غير الحية التي تؤثر على الكائن الحي بطريق مباشر أو غير مباشر و في أي فترة من فترات حياته (2).
فيما نجد تعريفا آخر يتجه إلى أن البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء ، هواء فضاء ، تربة ، كائنات حية و منشآت أقامها الإنسان لإشباع حاجاته (3).
وبالنظر إلى هذا التعريف نجده وعلى خلاف التعاريف السابقة قد أضاف عنصرا جديدا إلى جانب العناصر الحية وغير الحية ، ويتمثل في جملة المنشآت التي أقامها الإنسان كجزء هام من مكونات الموارد البيئية.
ومن جملة التعاريف السابقة، يمكننا وضع تعريف تقريبي للبيئة قوامه أنها مجموعة من العوامل الطبيعية الحية منها و غير الحية من جهة ، و مجموعة من العوامل الوضعية المتمثلة في كل ما أقامه الإنسان من منشآت لسد حاجياته من جهة أخرى.
الفرع الثاني
التعريف القانوني
بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة(4) ، نجد أن المشرع الجزائري لم يعط تعريفا دقيقا للبيئة ، حيث نجد المادة 2 منه تنص على أهداف حماية البيئة فيما تضمنت المادة 3 منه مكونات البيئة .
ولئن كان المشرع الجزائري لم يفرد البيئة بتعريف خاص إلا أنه و بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 السالف الذكر، يمكن اعتبار البيئة ذلك المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء هواء ، تربة ، كائنات حية و غير حية و منشآت مختلفة ، و بذلك فالبيئة تضم كلاّ من البيئة الطبيعية و الاصطناعية .
و بخلاف التشريع الجزائري نجد تشريعات بعض الدول قد خصت البيئة بتعاريف مضبوطة منها التشريع المصري الذي عرّف البيئة بأنها المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية و ما تحتويه من مواد و ما يحيط بها من هواء ، ماء ، تربة و ما يقيمه الإنسان من منشآت (1).
أما التشريع الفرنسي فقد تبنى تعريف مصطلح البيئة لأول مرة في القانون الصادر بتاريخ 10/07/1976 المتعلق بحماية الطبيعة ، فجاء في المادة الأولى منه بأن البيئة مجموعة من العناصر هي: الطبيعة، الفصائل الحيوانية والنباتية ، الهواء ،الأرض ، الثروة المنجمية والمظاهر الطبيعية المختلفة .(2)
من خلال التعاريف السابقة، يتضح لنا أن مدلول البيئة لا يخرج عن مجموعة من العناصر يمكن حصرها في صنفين :
الصنف الأول : و يشمل مجموعة من العوامل الطبيعية من ماء ، هواء ، تربة و كائنات حيوانية و نباتية .
الصنف الثاني : و يشمل كل مااستحدثه الإنسان من منشآت .
المطلب الثاني
علاقة البيئة ببعض المفاهيم
تبعا للتعاريف المشار إليها سابقا، لاحظنا أنها ترتكز على الطبيعة ، إذ تشكل هذه الأخيرة الجزء الأكبر من مفهوم البيئة ،كما يظهر مصطلح التلوث كلما أثيرت مسألة حماية البيئة، بالإضافة إلى الترابط الوثيق بين البيئة و الفكرة التي جاء بها مؤتمر ريودي جانيرو(3) , المتمثلة في التنمية المستدامة .
لأجل ذلك تعين إبراز علاقة البيئة بالمفاهيم المذكورة أعلاه ، كي نتمكن من التوصل إلى مدى
الانسجام الذي يمكن ملاحظته بين كل من الواقع و النصوص القانونية .
الفرع الأول
علاقة البيئة بالطبيعة
تعتبر الطبيعة كل ما يحيط بالإنسان من موارد الحياة المختلفة ، و الفصائل الحيوانية و النباتية و الموارد الطبيعية و ما يترتب على استغلالها من آثار سلبية أو إيجابية.
إن الكلام على البيئة هو الكلام على حماية الموارد الطبيعية، باعتبار أن الطبيعة هي عامل من عوامل التكيف بين الإنسان و البيئة ،و لعل تطور حياة الإنسان زامن زيادة رغبته و حاجته في استغلال الطبيعة،وعليه فإن المحافظة على البيئة يعني صيانة كل ماهو مصدر من مصادر الطبيعة (1).
كما تظهر علاقة البيئة بالطبيعة من خلال المشاكل التي تواجهها الطبيعة و التي لها علاقة باستنـزاف الموارد البيئية ، منها مشكلة التصحر ، مشكلة انقراض الكائنات الحيوانية و النباتية اختلاف العناصر الطبيعية ، تدهور السواحل …إلخ .
و في هذا الإطار ستقتصر دراستنا على التطرق لبعض المشاكل على سبيل المثال لا الحصر
1/ مشكلة التصحر : عرفته منظمة الثقافة و العلوم و التربية “اليونيسكو” بأنه :” تحطيم القدرات البيولوجية للأرض و الذي قد يؤدي في النهاية إلى ظهور ظروف قاحلة من شأنها أن تؤدي إلى الإتلاف الشامل للأنظمة البيئية من بينها فقدان الأراضي لخصوبتها و التدهور النوعي للغطاء النباتي و هجرة الحيوانات و الطيور و تقليص عددها” (2).
2/ تدهور السواحل : تشهد السواحل وضعية مزرية، بسبب تراكم المواد السامة الملوثة الناتجة عن عمليات تفريغ الملوثات الصناعية و النفايات الحضرية و نهب الرمال .
3/ خطر يهدد التنوع البيولوجي : يعرّف التنوع البيولوجي بأنه رصيد البيئة الطبيعية من الأنواع النباتية و الحيوانية المرئية المتفاعلة مع بعضها البعض من ناحية و مع العناصر غير الحية من غذاء وكساء و راحة نفسية و معرفة و ثقافة و ابتكار (3).
و يبرز الخطر الذي يهدد التنوع البيولوجي مثلا من خلال انقراض بعض الأنواع من النباتات أو الحيوانات مما يؤدي إلى خسائر عديدة أبرزها :
1- فقدان مصادر المعرفة العلمية ،ذلك أن معظم الإبتكارات مستوحاة من العالم الحي .
2- خسارة مصادر معتبرة من الأدوية التي تنقذ الكائن البشري من الأمراض والأوبئة .
و أمام هذا الوضع المستعصي، يتعين الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة كإجراء عملية المسح لمعرفة الكائنات الحية و تحديد أماكن انتشارها، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء المحميات الطبيعية في مختلف المواقع الجزائرية، بغية الحفاظ على الأصناف المتواجدة و كذلك إجراء دراسات معمقة للأماكن التي ستقام عليها المصانع و المنشآت مستقبلا.
لكن بالرجوع إلى نص المادتين : 10و11 من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة يتضح أن المشرع الجزائري لم يقف موقفا سلبيا اتجاه الاستنـزاف الخطير للموارد الطبيعية ، إذ اعتبر أن الدولة ملزمة بضمان حراسة مختلف مكونات البيئة، كما أنها تسهر على حماية الطبيعة .
الفرع الثاني
علاقة البيئة بالتلوث
يعرّف البعض التلوث على أنه مجموعة التغيرات غير المرغوبة التي تحيط بالإنسان من خلال حدوث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من شأنها التغيير في المكونات الطبيعية، الكيمائية و البيولوجية للبيئة مما يؤثر على الإنسان و نوعية الحياة (1).
و لقد ورد في تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة لسنة 1956 حول تلوث الوسط و التدابير المتخذة لمكافحته تعريف لمصطلح التلوث بأنه: ” التغيير الذي يحدث بفعل التأثير المباشر أو غير المباشر للأنشطة الإنسانية في تكوين أو في حالة الوسط على نحو يخل ببعض
الاستعلامات أو الأنشطة التي كانت من المستطاع القيام بها في الحالة الطبيعية لذلك الوسط “.(1)
من خلال استعراض بعض التعاريف المعطاة لمصطلح التلوث و كذا التعاريف التي خص بها مصطلح البيئة ، يمكن ملاحظة العلاقة الموجودة بين هذين المفهومين :
فإذا كانت البيئة هي مجموعة من العوامل الطبيعية الحية و غير الحية من جهة و كل ما وضعه الإنسان من منشآت بمختلف أشكالها من جهة أخرى ، فإن التلوث هو ذلك التغيير الذي يؤثر في تلك العناصر المكونة للبيئة ، و هو تغيير يؤثر سلبا على هذه المكونات ، فهو بذلك يعد أهم العوامل بل و يكاد يكون العامل الوحيد المؤثر على البيئة و عليه فحينما نتكلم على حماية البيئة فإن هذه الحماية مرتكزة حول الوقاية من مضار التلوث لذلك ذهب البعض إلى القول أن الثلوث هو مفتاح قانون حماية البيئة (2).
الفرع الثالث
علاقة البيئة بالتنمية المستدامة
جاء في أحد تقارير المهتمين بحماية البيئة: “لقد نجح مؤتمر قمة الأرض الذي عقد عام 1992 في أن يستنهض ضمير العالم إلى تحقيق تنمية مستدامة بيئيا”. (3)
و يعنى بالتنمية المستدامة : ” التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون أن تعرض للخطر احتياجات جيل المستقبل .”(4)
و بالرجوع إلى نص المادة 4 من القانون رقم : 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نجد أن هذه الأخيرة : ” مفهوم يعني التوفيق بين تنمية اجتماعية و اقتصادية قابلة للاستمرار و حماية البيئة أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية تضمن تلبية حاجات الأجيال الحاضرة و الأجيال المستقبلية”.
و هذا التعريف يقارب التعريف الذي جاء به القانون المتضمن السياحة (1).
من التعاريف السابقة للتنمية المستدامة يتبين أنه توجد ضرورة للتوفيق بين التنمية الإقتصادية و متطلباتها من جهة ،و ضرورة حماية الموارد البيئية من جهة أخرى ، و بذلك فإن المشكل المثار اليوم هو أن تحقيق النمو الإقتصادي قد تم على حساب الموارد البيئية كالمياه و الغابات و الهواء لذا قرّرت معظم القوانين و التنظيمات استحالة الفصل بين قضايا التنمية و مشكلة البيئة .
كما أن التنمية المستدامة تعد بمثابة إحدى الثوابت الجوهرية في سياسة الدولة، كون أن البيئة و التنمية يشكلان وجهان لعملة واحدة و هي الإستمرارية و البقاء و المحافظة على حقوق الأجيال المقبلة و أي إخلال بهما يؤدي حتما إلى تدهور الحياة الطبيعية و الإقتصادية .
و الملاحظ على التنمية الإقتصادية في الجزائر أنها تمت على حساب البيئة و هذا بالرغم من وجود جملة من النصوص القانونية التي تؤكد ضرورة مراعاة البيئة .
المبحث الثاني
مفهوم قانون حماية البيئة
إنّ التعرض إلى الوسائل القانونية الكفيلة بحماية البيئة، يقتضي بالضرورة التعريف بالقانون المتضمن حماية البيئة و تبيان خصائصه و علاقته بقواعد القانون العام باعتباره فرعا من فروعه .
المطلب الأول
تعريف قانون حماية البيئة و خصائصه
وفي هذا الإطار نتناول بالدراسة أولا تعريف قانون حماية البيئة وثانيا خصائصه
الفرع الأول
تعريف قانون حماية البيئة
نظرا لظهور مشاكل بيئية و ازدياد حدّتها ، تطلب الأمر وضع قانون يضمن حماية للبيئة
لذلك ارتأى المشرع الجزائري سن قواعد تنظم البيئة و تحميها رغم تشعب مشاكل البيئة و كثرتها
و انطلاقا من التعريف الذي أعطي لمصطلح البيئة ، و أمام صمت المشرع عن وضع تعريف لقانون حماية البيئة ، يمكننا تعريفه على أنه مجموعة القواعد التشريعية و التنظيمية المهتمة بتنظيم المحيط الذي يعيش فيه الكائن الحي بمختلف مشتملا ته (الماء ، الهواء ، الفضاء ، التربة ) و كذا المنشآت التي وضعها الإنسان سواء كانت مرافق صناعية أو اجتماعية أو اقتصادية .
و بذلك فإن قواعد قانون حماية البيئة تهتم بحماية الطبيعة بكل مشتملاتها من جهة ،و من جهة أخرى فهي قواعد تهتم بحماية البيئة الوضعية .
كما أن هناك من عرف قانون حماية البيئة بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تسعى من أجل احترام و حماية كل ما تحمله من الطبيعة ،وتمنع أي اعتداء عليها .(1)
و تجدر الإشارة إلى أن تعريف قانون حماية البيئة يشمل جميع القواعد القانونية التي يعتمدها المشرع ، قاصدا بها تنظيم أي مجال من المجالات المتعلقة بحماية البيئة ، سواء ما تعلق منها بحماية الأوساط الطبيعية أو الصحة العمومية أو السكن أو الأراضي الفلاحية أو الصناعية …
فالمقصود إذن بالحماية هي الحماية بمفهومها الواسع، لكونها ليست وليدة تشريع عاد، إنما هي مجسدة في المواثيق الدولية (2) و القواعد الدستورية، حيث نجد غالبية دساتير العالم و إن لم تضع حماية خاصة للبيئة، فإنها على الأقل تضمن حق الحياة في ظروف بيئية لائقة و منها الدستور الجزائري في مادته 54 بنصّها على حق المواطنين في الرعاية الصحية (3).
و بالرجوع إلى نص المادة الأولى ، الثانية و الثالثة من القانون 03/10 نجد أنه حدد الآفاق التي يصبو إلى تحقيقها و المبادئ التي يتأسس عليها ، حيث نصت المادة الأولى على مايلي : ” يحدد هذا القانون قواعد حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة “.
كما تضمنت المادة الثانية جملة من الأهداف التي يرجى تجسيدها من وراء سن قواعد حماية البيئة ومن هذه الأهداف نجد ترقية تنمية وطنية مستدامة و العمل على ضمان إطار معيشي سليم و الوقاية من كل أشكال التلوث و الأضرار الملحقة بالبيئة و ذلك بضمان الحفاظ على مكوناتها وإصلاح الأوساط المتضررة ، و ترقية الإستعمال الإيكولوجي العقلاني للموارد الطبيعية و كذلك استعمال التكنولوجيات الأكثر نقاء و تدعيم الإعلام و تحسيس الجمهور لضمان مشاركته في تدابير حماية البيئة كما احتوت المادة 3 من القانون السالف الذكر على مبادئ عامة و أساسية ينبغي احترامها والعمل بها كمبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي الذي بمقتضاه يجب مراعاة عند القيام بأي نشاط، تجنب إلحاق ضرر بالتنوع البيولوجي .
و تضمنت ذات المادة مبدأ يتحمل من خلاله كل شخص يتسبب بنشاطه في إلحاق ضرر بالبيئة نفقات كل تدابير الوقاية من التلوث و التقليص منه(1).
الفرع الثاني
خصائص قانون حماية البيئة
من قراءتنا لقواعد قانون حماية البيئة الجزائري، توصلنا إلى استخلاص جملة من الخصائص التي يتسم بها و تتلخص أساسا فيما يأتي :
أولا : قانون حماية البيئة هو قانون ذو طابع إداري : و ذلك ما يتجلى بوضوح من السلطات و الامتيازات الممنوحة للدولة لتحقيق المنفعة العامة ، كما يظهر ذلك أيضا في الوسائل الإدارية التي خوّلها المشرع للإدارة للتدخل من أجل حماية النظام العام البيئي مثل سلطة الدولة في منح التراخيص ، الأوامر ، الحظر …
ثانيا : قانون حماية البيئة هو فرع من فروع القانون العام : كونه ينظّم العلاقة بين الإدارة و الأفراد كما أن حماية البيئة تدخل في إطار المصلحة العامة .
ثالثا : قواعد قانون حماية البيئة تتسم بالطابع الإلزامي : ذلك لأنها قواعد آمرة، لا يجوز للأفراد الإتفاق على مخالفتها لكونه قد تضمن نصوصا قمعية و جزاءات ضد كل مخالف لأحكامه ، بل
وتعدى الأمر ذلك ، حيث تلزم السلطات الإدارية المكلفة بتطبيق قانون حماية البيئة باحترام قواعده إعمالا لمبدأ المشروعية .(1)
رابعا : قانون حماية البيئة قانون متعدد المجالات : و هذا نظرا لكونه يعالج موضوع البيئة ، هذا الأخير الذي يتسم بتشعبه و كثرة مجالاته و المشاكل البيئية المثارة في الواقع .
خامسا : قواعد قانون حماية البيئة تتسم بالجمع بين الجانب التشريعي والجانب المؤسساتي: ذلك لأنه يحدد بعض الإجراءات الكفيلة بحماية البيئة وفي المقابل يرصد جملة من الأجهزة من وزارات و جماعات إقليمية و هيئات(2) تعمل على ضمان حماية البيئة .
سادسا : قانون حماية البيئة يتسم بالحداثة ؛ ذلك أن سن قواعده كان كرد فعل للتطورات الصناعية و التكنولوجية و البيئية التي عاشتها الجزائر كغيرها من الدول الأخرى .
المطلب الثاني
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام
إن أهمية قانون حماية البيئة تتجلى في كونه يهتم بالحفاظ على النظام العام، وهذا ما يجعله ذا صلة بالقانون العام ،ولعل ما يبرر هذا الطرح هو أن هذا القانون ينظم العلاقة بين الإدارة والأفراد أكثر مما ينظمها فيما بين الأفراد، لأن حماية البيئة تندرج في إطار المصلحة الوطنية ،ومن ثمة فإن مهمة حماية البيئة تضطلع بها السلطة العامة ،وبالنظر إلى الأهداف التي سن من أجلها قانون حماية البيئة بصفته فرع من فروع القانون العام نجده يتكيف مع بعض القوانين العامة منها ما هو داخلي ومنها ما هو دولي .
الفرع الأول
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام الداخلي
يتبين من نصوص قانون حماية البيئة، أنها تستمد مبادئها من أحكام القانون الإداري كما أنه في المقابل تضمن ذات القانون جزاءات تطبق ضد كل من خالف أحكامه وبذلك نستشف نشوء علاقة بين قانون حماية البيئة والقانون الإداري من جهة ومن جهة أخرى بينه وبين القانون الجزائي .
أولا: علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الإداري :
من بين المواضيع الهامة التي يتناولها القانون الإداري ما يعرف بنشاط الضبط الإداري الذي يهدف إلى المحافظة على النظام العام بمشتملاته الثلاث : الأمن ،الصحة والسكينة،وينشئ لهذا الغرض هيئات ومؤسسات تسهر على ذلك وتتولى مهام الضبط الإداري.
والسلطات الإدارية المنوطة بتطبيق وتنفيذ قانون حماية البيئة قد منحها هذا القانون سلطة إصدار اللوائح، لاسيما تلك المتعلقة بمكافحة التلوث والمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية وهذا لن يتأتى لها إلا باستعمال وسائل الضبط الإداري من أجل الحفاظ على النظام العام البيئي والجدير بالذكر أن الضبط الإداري في مجال حماية البيئة يتضمن ثلاثة أنظمة قانونية هي: نظام الإباحة الترخيص والحظر.
وبناء على ما تقدم يمكن القول، أن ثمة ارتباط وثيق بين كل من القانون الإداري وقانون حماية البيئة ،لذلك يمكن اعتبار هذا الأخير فرعا من فروع القانون الإداري، كون أن غالبية نصوصه ذات طابع إداري .
ثانيا : علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الجزائي :
لقد تضمنت بعض القوانين جزاءات رتبها المشرع في حالة التجاوزات والاعتداءات المرتكبة في حق البيئة ، ومن ذلك نجد قانون العقوبات(1) ،قانون الصحة(2)،قانون الغابات(3) و قانون حماية المستهلك(4).
ومن جهته كذلك فإن قانون حماية البيئة تضمن جزاءات عقابية ضد كل من لم يحترم قواعده وهذا بالرغم مما قيل بشأن هذا الإتجاه لكون أن ما تضمنه القانون الجزائي من عقوبات غير قادر على تحقيق الردع للتصرفات المخلة بالأنظمة البيئية إذ أن الردع – حسب هؤلاء – إنما يأتي في مرحلة لاحقة بعد ارتكاب السلوك الضار بالبيئة (5).
ولكن في رأينا فإن هذا الرأي وإن كان سليما في بعض جوانبه إلا أنه يمكن القول أن تشريعات البيئة حاولت انتهاج سياسة ترجح من خلالها أسلوب الوقاية على أسلوب العقاب وبالتالي فهي تبين القواعد التي يتعين احترامها مسبقا وذلك بضرورة المرور على طلب الترخيص أو الحصول على الموافقة من قبل المصالح المعنية،تحت طائلة المتابعة الجزائية والعقوبة المكرسة لها.
الفرع الثاني
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام الدولي
تتجلى علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الدولي،كون أن الأول قواعده تجسد ظهورها لأول وهلة في القواعد الدولية التي ظهرت في شكل إتفاقيات بين الدول،لحماية البيئة البحرية من الثلوث الناتج عن إلقاء الزيوت والمواد البترولية ، لذلك يمكن القول بأن القانون الدولي هو الذي كرس العناية الخاصة للبيئة البحرية.
ولقد طرح موضوع حماية البيئة لأول مرة ، على الساحة الدولية من خلال ندوة الأمم المتحدة المنعقدة بستوكهولم سنة :1972 ولقد لقي هذا الطرح تجاوبا متباينا من قبل الدول الغربية
والدول النامية،كما توالت النداءات الدولية الداعية للموازنة بين التنمية وحماية البيئة ،وقد عبرت
الجزائر عن رأيها في مسألة حماية البيئة من خلال ندوة ستوكهولم وقمة الجزائر لدول عدم الانحياز.
فبالنسبة للندوة الأولى فلقد أشار ممثل الجزائر في مداخلته عن ربط الانشغال البيئي بالوضعية السياسية والاجتماعية المتردية التي تعيشها الأغلبية الساحقة لشعوب العالم المستعمرة ،وكذا تطور الرأسمالية والثورة الصناعية…(1)
أما خلال قمة الجزائر لدول عدم الانحياز ،في ندوتها الرابعة المنعقدة من : 5 إلى 9 سبتمبر 1973 وطبقا للإتفاقية المكرسة لها فقد أعربت الدول النامية عن عدم استعدادها لإدماج الانشغال البيئي ضمن الخيارات الاقتصادية واعتبرت أن هذه المناورة تشكل عائقا إضافيا لتحقيق التنمية، التي تسعى إليها هذه الدول لأنها لا ترغب في تخصيص نفقات إضافية لحماية البيئة،وأنها تفضل توجيه هذه النفقات لتلبية الحاجات الملحة لشعوبها (2).
من خلال ما تقدم، يتبين أن الجزائر وسعيا منها لضمان حماية أفضل للبيئة شاركت في عدة ندوات دولية تناقش الموضوع ،بل وتعدى الأمر ذلك حينما صارت تدمج بنود اتفاقيات دولية تعالج مسألة حماية البيئة في القانون الداخلي ،وبذلك فلقد صادقت الجزائر على اتفاقية ريودي جانيرو المتعلقة بحماية البيئة و المنعقدة من 3 إلى 14 جوان 1992 وذلك بموجب الأمر رقم :03/95 المؤرخ في: 21 جانفي 1995 (3) إذ كرست هذه الإتفاقية الإعلان الذي تم اعتماده في ندوة ستوكهولم وحاولت ضمان استمراريته ونصت على الإعتراف بسيادة الدول على مصادرها الطبيعية طبقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي العام، وعلى أن ممارسة الحق في التنمية يخضع لمقتضيات التنمية المستديمة وضمان حاجيات الأجيال الحاضرة والمستقبلة في التنمية والبيئة (4).إضافة إلى ما سبق، فقد صادقت الجزائر بموجب المرسوم رقم 63/344 المؤرخ في 11/09/1963 على الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة تلوث مياه البحر بالمواد البترولية.
إذن يستخلص مما سلف، أنه ثمة علاقة وثيقة بين قانون حماية البيئة والقانون الدولي العام إذ لا نتصور أن يستغني أحدهما عن الآخر، فكثيرا ما تطرح مشكلة بيئية على المستوى الدولي تعاني منها دولة أو أكثر و ذلك ربما يرجع إلى طبيعة المشاكل التي تهدد البيئة و التي هي مشاكل عامة تمس بسلامة العالم البيئية بأسرها .
المبحث الثالث
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة
كان لظهور الثورة الصناعية إلى الوجود تدهورا تدريجيا في البيئة، بسبب الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية و قد برزت عوامل التسمم في مختلف دول العالم ، مما أدى بالدول إلى التفكير في ضرورة إيجاد الصيغ القانونية التي يمكنها أن تضع حدّا للإنتهاكات الخطيرة للبيئة .
و يعود إصدار النصوص الخاصة بحماية البيئة إلى ما قبل القرن 19 إذ قام عدد من الحكام بسن تشريعات و أوامر في عدة دول، انحصرت في البداية في منع إلقاء القاذورات و الفضلات البشرية في الأنهار و البحيرات حفاظا على الصحة العمومية ، كما اهتم البعض بإصدار تنظيمات تتعلق بتحديد أصناف معينة من الطيور و الحيوانات بنية المحافظة على هذه الفصائل لخدمة الإنسان (1).
ومع التطور الصناعي و التكنولوجي اللذين عرفتهما البشرية تزايد اهتمام الإنسان بالمشاكل البيئية بالقدر الذي تزايد معه صدور تشريعات منظمة لهذا الجانب، إضافة إلى ظاهرة التمدن التي تمت على حساب البيئة ، كل هذه الإشكاليات تبين لنا الأوضاع المساهمة في استمرارية الثلوث التي هي مرتبطة بالنماذج المختلفة للنمو الإقتصادي .
و مما تقدم ارتأينا التعرض بالدراسة إلى التطور التشريعي لقانون حماية البيئة سواء في التشريعات المقارنة أو في التشريع الجزائري.
المطلب الأول
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في التشريعات المقارنة
و نخص بالدراسة في هذا المجال النموذجين الفرنسي و المصري.
الفرع الأول
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في فرنسا
لقد ظهرت بوادر قانون حماية البيئة في فرنسا لأول مرة إثر صدور قانون خاص بتنظيم صيد الأسماك سنة 1829 حيث نص في المادة 25 على حظر إلقاء أي نوع من المخلفات التي من شأنها أن تؤدي إلى هلاك الثروة السمكية ، تحت طائلة عقوبة مالية قدرها 30فرنك و الحبس من شهر إلى 3 أشهر ،كما صدر قانون حماية الثروة المائية بتاريخ 08/04/1898 و قانون الصحة العامة في15/02/1902 ومع ظهور الثورة الصناعية عمد المشرع الفرنسي إلى سن قانون خاص بالمنشآت المصنفة سنة1917 و بذلك تعد هذه الترسانة القانونية المرحلة الأولى من التشريع في هذا الباب .
و لقد صدر منشور سنة 1951 وضع بموجبه قانون الصحة العامة السالف الذكر حيز التنفيذ وأشار هذا المنشور إلى إنشاء محطات تنقية و تصفية مياه الصرف الحضري من كافة المخلفات والنفايات المؤثرة على الصحة العامة ، و قد صدرت التعليمة الوزارية رقم :97/1954المؤرخة في10/06/1954 ألغت من خلاله المنشور السابق و ألزمت الولاة باتخاذ كافة التدابير الخاصة بمعالجة النفايات الصناعية و هذا في إطار برامج التطهير الحضري (1).
و بمقتضى الأمر الصادر في 23 أكتوبر 1958 ، تم تعديل قانون الصحة الذي ألزم ربط العقارات بقنوات الصرف(2)؛ أما في مطلع الستينات فأول قانون ظهر في فرنسا هو القانون رقم 64/1331 المؤرخ في 26/12/1964 المتعلق بحماية المياه من الثلوث بالمواد البترولية و من المسائل التي تضمنها هذا القانون حظر إلقاء المواد الخطرة في الأوساط المائية (3) و ضرورة وضع جرد خاص بالموارد المائية .
كما صدرت مجموعة من القوانين الخاصة بحماية البيئة و المراسيم التنفيذية في السبعينات كالمرسوم التنفيذي رقم 73/438 الصادر بتاريخ 22 مارس 1973 المتعلق بالمنشآت المصنفة و يعد
القانون الصادر سنة 1976 و المرسوم المطبق له رقم 77/1141 و المتعلق بحماية الطبيعة والذي نص في مادته الثانية على ما يسمى بدراسة مدى التأثير في البيئة ، أهم قانون خاص بحماية البيئة .
أمّا عند حلول الثمانينات، صدرت بعض التشريعات الخاصة بحماية البيئة كقوانين التهيئة العمرانية ومنح رخص البناء و التجزئة و الهدم ، و من أهم هذه القوانين ؛ القانون الصادر بتاريخ 07/01/1983 تحت رقم 83/ 08 (1) و المرسوم المؤرخ في 9/09/1983 المعدل له و المتعلق بمخطط شغل الأراضي ، و كذلك المرسوم رقم 83/1262 المتعلق بشهادة التعمير .
و في التسعينات صدرت عدة تشريعات متعلقة بحماية البيئة ، نخص بالذكر القانون رقم 92/646 المؤرخ في 13/07/1992 المتعلق بالتخلص من النفايات الناجمة عن نشاطات المنشآت المصنفة .
و يبقى أهم قانون صدر لتدعيم حماية البيئة في فرنسا هو القانون المسمى بقانون بارني نسبة إلى وزير البيئة آنذاك « BARNIER MICHEL » و لقد صدر سنة 1995 و أهم ما تضمنه هذا القانون الوقاية من التلوث و تسيير النفايات ، و من الأخطار الطبيعية …إلخ.
ويمكن تلخيص التطور التشريعي لقانون حماية البيئة الفرنسي في مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى : تبدأ من صدور قانون الصيد سنة 1829 إلى غاية 1951 .
المرحلة الثانية : وتبدأ من صدور المنشور رقم 51/110 إلى غاية صدور قانون التهيئة والتعمير .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي تبنى فيها المشرع الفرنسي مبادئ مؤتمر ستوكهولم إلى غاية صدور القانون رقم 95/108 المعزز بمبادئ مؤتمر قمة الأرض المنعقد بمدينة ريودي جانيرو البرازيلية سنة 1992 .
الفرع الثاني
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في مصر
لقد خص المشرع المصري للبيئة أول حماية قانونية بموجب القانون رقم 35 لسنة 1946 والمتعلق بصرف المياه من المحلات والمصانع في المجاري العامة ،وقد تم تعديل هذا القانون بموجب
القانون رقم 47 لسنة 1948 والملاحظ على هذه النصوص أنها تضمنت قواعد مختصرة وإجراءات وقائية لحماية البيئة ،وبمقتضى القانون رقم 137 لسنة 1958 صدر قرار رئاسي بشأن الإحتياطات والوقاية من الأمراض المعدية ،وأهم ما تضمنه أنه نص على إمكانية وزير الصحة من إصدار القرارات اللازمة لمراقبة الأشخاص والحيوانات القادمة من الخارج وكذلك السلع المستوردة(1).
وفي سنة 1974 صدر القرار رقم 291 تضمن أحكاما تتعلق بالمرور ،حيث نص على ضرورة أن يكون محرك المركبات في حالة جيدة لا يخرج منه دخان مكثف يؤدي إلى الإضرار بالصحة العمومية ، وفي سنة 1982 صدر القانون رقم 48 ولائحته التنفيذية رقم 08،المتعلق بحماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث بحيث يمنع معه رمي المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية من العقارات والمحال والمنشآت الصناعية والسياحية في مجاري المياه إلا بالحصول على ترخيص.
وفي سنة 1994 صدر القانون رقم 04 الذي دخل حيز النفاذ في 04/02/1994 والذي يعتبر أول قانون يصدر في مجال حماية البيئة جامعا لكل محتويات ومكونات البيئة .
المطلب الثاني
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في الجزائر
لقد كان موضوع البيئة الشغل الشاغل للدول وهذا نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها وكثرة المشاكل التي تطرحها البيئة ،وعلى هذا الأساس ارتأينا البحث حول أهم المراحل التي مر بها تشريع حماية البيئة الجزائري وذلك خلال الحقبة الاستعمارية التي عاشتها الجزائر وبعد أن نالت استقلالها.
الفرع الأول
تطور قانون حماية البيئة أثناء الفترة الاستعمارية
تعد الجزائر من الدول التي خضعت لفترة طويلة من الاستعمار ،وبذلك فإن مصيرها كان هو مصير أية دولة مستعمرة ،تتداول عليها القوانين والأنظمة الاستعمارية ،لكن لما يتعلق الأمر بقواعد حماية البيئة فإن المستعمر الفرنسي يأبى تطبيقها في الأراضي الجزائريـة لأن هذا يتعـارض
ومصالحه الاستعمارية ،فالجزائر بالنظر لما تتمتع به من ثروات وموارد طبيعية مهدت للمستعمر باستغلالها فأدى هذا الطمع إلى استنـزاف الموارد البيئية ، ومن ذلك الثروة الغابية حيث تعرضت لقطع الأشجار وحرق الغابات ،كما قام المعمر بعمليات الحفر الهمجية رغبة منه في الحصول على الثروات المعدنية مما أدى إلى تعكير طبقات المياه الجوفية وتشويه سطح الأرض كما قام المستعمر بإنشاء المستوطنات على حساب الأراضي الفلاحية .
ومما تقدم يمكن القول أن القوانين التي طبقتها فرنسا في الجزائر خلال الفترة الإستعمارية لعبت الدور الكبير في استنـزاف الموارد البيئية وتقليصها.
الفرع الثاني
تطور قانون حماية البيئة بعد الإستقلال
بعد الاستقلال مباشرة ،انصب اهتمام الجزائر على إعادة بناء ما خلفه المستعمر وبذلك فقد أهملت إلى حد بعيد الجانب البيئي ،لكن بمرور الزمن أخذت الجزائر العناية بالبيئة، وهذا بدليل صدور عدة تشريعات تناهض فكرة حماية البيئة وكان ذلك في شكل مراسيم تنظيمية منها مــا
يتعلق بحماية السواحل (1) ومنها ما يتعلق بالحماية الساحلية للمدن(2) ،كما تم إنشاء لجنة المياه(3).
وقد صدر أول تشريع يتعلق بتنظيم الجماعات الإقليمية وصلاحياتها وهو قانون البلدية الصادر سنة 1967 إلا أنه لم يبين صراحة الحماية القانونية للبيئة واكتفى فقط بتبيان صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره يسعى إلى حماية النظام العام(4).
أما قانون الولاية الصادر سنة 1969 فإنه يمكن القول بشأنه أنه تضمن شيئا عن حماية البيئة وهذا من خلال نصه على التزام السلطات العمومية، بالتدخل لمكافحة الأمراض المعدية والوبائية.
وفي مطلع السبعينات وغداة دخول الجزائر مرحلة التصنيع ،بدأت تظهر بوادر تشريعية تجسد اهتمام الدولة بحماية البيئة وهذا ما نجده مبررا بإنشاء المجلس الوطني للبيئة كهيئة استشارية تقدم اقتراحاتها في مجال حماية البيئة (1).
وفي سنة 1983 صدر قانون حماية البيئة الذي تضمن المبادئ العامة لمختلف جوانب حماية البيئة ،ويعد هذا القانون نهضة قانونية في سبيل حماية البيئة والطبيعة من جميع أشكال الاستنـزاف وقد فتح ذات القانون كذلك المجال واسعا للاهتمام بالبيئة، مما أدى إلى صدور عدة قوانين وتنظيمات أهمها القانون المتعلق بحماية الصحة وترقيتها(2)، الذي عبر من خلاله المشرع على العلاقة بين حماية الصحة وحماية البيئة تحت عنوان “تدابير حماية المحيط والبيئة” (3).
كما صدر سنة 1987 القانون المتعلق بالتهيئة العمرانية ،وهذا ما يعني اتجاه الدولة إلى انتهاج سياسة التوزيع المحكم والأمثل للأنشطة الإقتصادية والموارد البيئية والطبيعية (4).
وإلى جانب ما سبق ذكره ،نجد أن المشرع لم يورد مسألة حماية البيئة في القانون العادي والقوانين الفرعية فحسب ،بل تعدى اهتماهه وخصها بالدراسة في دستور 1989 حينما كرس الحماية القانونية للبيئية معتبرا إياها مصلحة عامة تجب حمايتها كما أضاف ضرورة الاعتناء بصحة المواطن ووقايته من الأمراض المعدية وذلك من خلال إلزام الدولة بالتكفل بهذا المجال(5).
وفي بداية التسعينات صدر قانونا البلدية والولاية (6)،حيث نصت المادة 58 من قانون الولاية على اختصاص المجلس الشعبي الولائي في أعمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكذا تهيئة الإقليم الولائي ،وحماية البيئة وترقيتها.
وأضافت المادة 78 أنه ملزم كذلك بالسهر على أعمال الوقاية الصحية واتخاذ الإجراءات المشجعة
لإنشاء هياكل مرتبطة بمراقبة وحفظ الصحة ،كما أكدت المادة 66 من جهتها على ضرورة المبادرة بحماية الأراضي الفلاحية.
وفيما يخص قانون البلدية ،فالبرجوع إلى نص المادة 107 منه نجد أنه تضمن عدة أحكام تنصب مجملها حول حماية البيئة منها ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الأوبئة.
وقصدا من المشرع لإحداث الموازنة بين قواعد العمران وقواعد حماية البيئة ،صدر قانون التهيئة والتعمير (1)الذي يهدف إلى إحداث التوازن في تسيير الأراضي بين وظيفة السكن،الفلاحة الصناعة والمحافظة على البيئة والأوساط الطبيعية .
ورغبة منه في إفراد حماية خاصة بالموارد المائية خصها المشرع بالتنظيم في الأمر رقم 96/13، وهذا بغرض وضع سياسة محكمة من أجل تلبية متطلبات الري ، القطاع الصناعي واحتياجات الأفراد.
ويتجلى لنا بوضوح تأثر المشرع الجزائري بموضوع البيئة والإشكالات التي يطرحها من خلال صدور القانون رقم 03/10 المتضمن حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة والذي يمكن القول بشأنه أنه جاء ثمرة مشاركة الدولة الجزائرية في عدة محافل دولية تخص هذا الموضوع منها ندوة ستوكهولم وقمة الجزائر لدول عدم الإنحياز وكذا مصادقة الجزائر على العديد من الإتفاقيات التي تصب في نفس الإطار وأهمها إتفاقية ريودي جانيرو المنعقدة بالبرازيل التي تعتبر نقطة التحول الكبرى في السياسة البيئية الدولية بصفة عامة والجزائرية بصفة خاصة، وخير دليل على النهضة البيئية التي جاء بها القانون السالف الذكر، تضمنه على مجموعة من المبادئ والأهداف التي تجسد حماية أفضل للبيئة، بما يتناسب ومتطلبات التنمية المستدامة ومبادئها.
إضافة إلى ما سبق نجد أنه وفي كل سنة مالية يصدر قانون يتضمن بنودا تتعلق بالبيئة(2)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص المشرع على مواكبة متطلبات العصرنة بما تفرزه من مشاكل
2-أنظر المادة 263 مكرر 3 من القانون 01/21 المتضمن قانون المالية لسنة 2002 والذي جاء به المشرع ليجسد مبدأ الملوث الدافع برفع نسب رسوم رفع النفايات وهذا لمعالجة مشكلة النفايات الحضرية والتي كان مقدارها في ظل قانون المالية لسنة 1993 زهيدا ،مما شكل صعوبة للبلديات في تطوير أساليب معالجة النفايات .
بيئية متعددة، وفي المقابل على متابعته عن كثب لمختلف الحلول المقترحة لها سواء على المستوى الدولي بمناسبة المؤتمرات المنعقدة في هذا الخصوص أو من خلال الندوات الدراسية الوطنية الخاصة بالبيئة .
من خلال هذا الفصل التمهيدي ،حاولنا إزالة اللبس والغموض حول بعض المفاهيم والمصطلحات المقترنة بموضوع البيئة ،وهذا لكي يتسنى لنا الخوض في كافة الجوانب التي يتطلبها هذا الموضوع.
وفي هذا الصدد شرعنا في استنباط مفهوم البيئة، وعلاقته ببعض المفاهيم المرتبطة به ،ثم سعينا إلى إيجاد تعريف قانوني جامع مانع لقانون حماية البيئة وحددنا خصائصه ووصلنا إلى إيجاد العلاقة التي تربطه بباقي فروع القانون وانتهينا في الأخير إلى البحث في التطور التشريعي الذي مر به قانون حماية البيئة سواء في التشريعات المقارنة أو في التشريع الجزائري .
14 أكتوبر، 2019 at 4:15 م
بحث متميز جدا لان الموضوع في غاية الاهمية