رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون والعلوم الإدارية والتنمية
جامعة عبد المالك السعدي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة
إعداد :
الطالبة :سلوى المحمادي
تحت إشراف:الدكتور محمد العمراني بوخبزة
السنة الجامعية:2009-2010
تقرير حول رسالة في موضوع :التدبير التشاركي للجماعات:الدعامات ،المجالات والرهانات- المغرب
إن ضمان جودة الحكامة المحلية يفترض إعادة تنظيم العلاقات بين كل الشركاء المحليين على أساس التشارك والتوافق والتعاقد. والديمقراطية التشاركية هي المدخل الأساس لتحقيق جودة الحكامة المحلية. فالتعاقد والشراكة يشكلان آليات تدبيرية لتجاوز القرارات الانفرادية وتحفيز كل الفرقاء والفاعلين المحليين على المساهمة والمشاركة في تدبير الشأن المحلي، تدبيرا تشاركيا حقيقيا.
وبالتالي فإن التدبير التشاركي يهدف إلى تعبئة الطاقات والقدرات المحلية والتواصل الداخلي ومسايرة التغيير وعقلنة الوسائل ، خصوصا وأن تبني هذه المقاربة هو تبني لمنظور جديد يجمع بين تعزيز المكتسبات السياسية وتوخي البعد التدبيري وذلك من خلال ترسيخ مفهوم إدارة القرب، وإعادة اكتساب الثقة في الفعل العمومي من قبل القوى الحية سواء القطاع الخاص أو جمعيات المجتمع المدني والنخب المحلية، الأمر الذي يدفع إلى إعادة تأسيس قواعد لعبة سياسية جديدة تحتم الشفافية والمساءلة والإشراك والإسهام وإتاحة المعلومة للجميع.
وبالتالي فإن المقاربة التدبيرية التشاركية تشكل مستقبل عمل الجماعات الترابية. فمظاهر تعقدها كثيرة ومتنوعة والحاجيات والانتظارات السكانية في تزايد مستمر، الأمر الذي يفرض تعبئة الطاقات وجمع الإمكانيات وفق منهجية محكمة ومتكاملة.
وهنا تكمن أهمية البحث في ثنايا موضوع :” التدبير التشاركي للجماعات : الدعامات ، المجالات والرهانات ” في الوقوف على مدى مصداقية التوجهات العامة للدولة المغربية في زمن المفهوم الجديد للسلطة، وتنزيل مفهوم اللامركزية واللاتمركز على المستوى المحلي، والحكامة الجيدة والرشيدة. مما يجعل بحق المقاربة التشاركية أسلوبا تدبيريا فعالا لتحقيق التنميةالمندمجة و المستدامة وترسيخ مفهوم المشاركة المواطنة في تدبير الشأن العام المحلي من خلال إشراك كل الأطراف المسؤولة والمستهدفة في كل تنمية بشرية ومستدامة على المستوى المحلي.
ورغم أهمية الخوض في موضوع التدبير التشاركي فإن هذا الأخير مازالت تلفه عدة إكراهات تجعله صعب المنال وعويص الصياغة. وتتحدد أولى الصعوبات في اختيار المعالم التي تضمن ملامسة كل عناصر الموضوع والإلمام بكل جوانبه.
كما أن تحديد تعريف واضح لمفهوم التدبير التشاركي شكل عقبة كبرى خاصة وأن القانون الجماعي الجديد لم يتمكن من تحديد مختلف معالمه، وذلك لكونه جاء فضفاضا واسعا يحتمل كل تأويل ،كما جاء ذا صبغة أدبية أكثر منه مفهوما علميا. وقد برزت هذه الصعوبة بشكل أكبر أمام صعوبة الحصول على المراجع القانونية المتخصصة في موضوع التدبير التشاركي.
وأخيرا هناك الصعوبات المنهجية لكون هذا الموضوع بطبيعته يعرف تعددا للمتدخلين على المستوى المحلي يصعب معه إبراز حجم هذا التدخل نظرا لتداخل الاختصاصات وتعددها.
ومن هنا كان لبحثنا أن يطرح الإشكالية الأم فنتساءل بالقول:
– هل منظومة تدبير الشأن العام المحلي بالمغرب قادرة بترسانتها القانونية والبشرية والمالية على إرساء تدبير تشاركي فعال يكرس الحكامة الجيدة على مستوى الممارسة ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة ؟
ولكي يتم التدقيق أكثر في الإشكالية الرئيسية أصبح من الواجب التساؤل حول :
هل الجماعة بالمغرب مؤهلة مع باقي شركائها المحليين على إرساء تدبير تشاركي فعال قانونا وممارسة؟
وفي حالة النفي، ما السبيل لتعزيز قدرات الجماعة وتدعيم آلياتها لتكريس مقاربة تشاركية على المستوى المحلي؟
للإجابة بشكل واضح على الإشكالية الرئيسية والإشكاليات الفرعية ، كان لابد من توظيف المنهج النسقي كمنهج أساسي لدراسة أهم الفاعلين الأساسيين في هذه المقاربة باعتبار أن لها علاقات منظمة تؤدي إلى نشاط هادف.
كذلك استعنا بالمنهج الوظيفي التحليلي من خلال اعتماد المقترب النصي القانوني المرتبط بموضوع البحث، بغية مقابلة النصوص بمضامينها ومدى تفعيلها على مستوى التدبير.
وبالنظر إلى المزايا التي يقدمها المنهج الإحصائي في إعطاء نظرة واضحة عن كل قطاع وعن الوسائل والآليات ومختلف الجوانب المرتبطة بعمل الجماعات، فقد عمدنا إلى الاستعانة بأرقام إحصائية حديثة للتعرف على المستوى الذي وصلت إليه الجماعة في إرساء المقاربة التشاركية. إلى جانب اعتماد المنهج المقارن لأن المقارنة تسمح بمعرفة مستوى تطور المستويات المحلية وأدائها وحصيلتها وبحث سبل دعمها.
وهكذا نكون قد اعتمدنا منهجا شموليا يسمح ببحث الموضوع في شموليته ويساعدنا على التغلب على تعقده وتداخلاته.
وعليه، فقد خصصنا لمعالجة الموضوع التقسيم التالي:
– الفصل الأول: التأطير النظري والقانوني للتدبير التشاركي
– الفصل الثاني: التدبير التشاركي للجماعات بين النصوص القانونية وواقع الممارسة
واعتمادا على مجموعة من المؤشرات القانونية، خلصنا إلى أن الدولة ماضية في إقرار المقاربة التشاركية وإرسائها على مستوى تدبير الشأن المحلي كمدخل أساسي لتنزيل المفهوم الجديد للسلطة، وكآلية من الآليات التدبيرية التي ستساهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة ترتكز على التخطيط والشراكة والتعاون وتستند على جملة من الأسس والمقومات المالية والبشرية والرقابية إضافة إلى الانفتاح والتواصل على المحيط المحلي.
لكن وعلى الرغم من إيجابية هذه الإجراءات المتخذة فإن المحيط العام وكذا الأطراف الأساسية والفاعلة في التدبير المحلي مازالت غير مؤهلة لهذه الصلاحيات والاختصاصات وتمثل المفهوم الجديد للسلطة وسياسة القرب، مما جعل الدولة تقر على مستوى النص القانوني بمشاركة في حدودها الدنيا وهذا ما يظهر من خلال الآليات التي وظفها القانون الجماعي الجديد لتكريس هذا الأسلوب التدبيري بحيث لم ترق إلى مرتبة التشارك، حتى أن هذا المفهوم الأخير في حالة توظيفه من طرف المشرع جاء فضفاضا مبهما لا يحمل أية حمولة علمية أو منهجية .
إن العلاقة المبنية على المواكبة والتعاقد والتشارك بين الجماعة والدولة وكذلك باقي الفاعلين في تدبير الشأن العام المحلي تتطلب أطرافا مؤثرة تتميز بكفاءتها وقدرتها على الإبداع في التدبير. لكن هؤلاء الفاعلين وخاصة المنتخب الجماعي في غالبيته مازال أسير مجموعة من الإكراهات الذاتية والموضوعية وكذا القانونية التي تجعل مردوديته في الأغلب هزيلة ولا تواكب طموحات المواطن المحلي وانتظاراته وآماله في تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة.
وبناء عليه، أصبح مفروضا على الجماعة القيام بإجراء مجموعة من التحولات الأساسية التي تقتضيها ممارسة التزاماتها المؤسسية والاضطلاع بسيرورات التعاون والشراكة لضمان شرعية حقيقية داخل الشبكات المؤسساتية.
وإذا كان التدبير التشاركي يمثل آلية أساسية ومطلبا ملحا يفرض نفسه على جميع الفاعلين لتحقيق متطلب التدبير الجيد، فإنها في الوقت نفسه تشكل تحديا يصعب تحقيقه في ظل واقع الممارسة الجماعية المحلية الحالية. وبالتالي فإن إرساء هذه المقاربة وتفعيلها ينبني على الانخراط الكلي والجاد لمجموعة من الدعامات، إضافة إلى تبني تصور إصلاحي قائم على نظرة شمولية وليس على إصلاحات تجزيئية ذات أهداف ضيقة. وتتمثل هذه الدعامات في :
منتخب مسؤول، منفتح وكفء ذا تكوين يؤهله لمسايرة اختصاصات الجماعة التشاركية والتواصل مع مختلف الفاعلين الأساسيين في التدبير وعلى رأسهم المواطن المحلي؛
موظف جماعي محترف ذا تكوين عال قادر على تدبير الجماعة على أساس التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية، الجودة والاحترام والحكامة الرشيدة؛
قطاع خاص يمثل مقاولة مواطنة منفتحة على قضايا وهموم محيطها ومشاركة في تنميته من خلال تشجيع الاستثمار المحلي والنهوض بميكانزماته بدل الاعتماد على اقتصاد الريع ومختلف الامتيازات التي ترتبط به؛
قطاع عام مسؤول يتمتع بالشفافية ومنفتح على بيئته المحلية ومتواصل معها؛
مجتمع مدني محترف ومسؤول ذا قوة اقتراحية وازنة ونوعية، بحكم قربه من المواطن واطلاعه على انشغالاته وانتظاراته؛
سلطة محلية ذات ممارسة وصائية مواكبة وذات رؤية جديدة على مستوى تدبير الشأن العام المحلي، تتجاوز المقاربة الأمنية لتنخرط كشريك وكفاعل أساسي في المقاربة التشاركية ؛
ساكنة محلية مواطنة واعية بحقوقها والتزاماتها منخرطة في تحقيق التنمية المحلية من خلال منحهم حق المساهمة في النقاشات العمومية بشكل مباشر أو بصفة غير مباشرة من خلال إحداث نظام لتلقي الطلبات والآراء المعبرة عنها من طرفهم؛
ويمكن التأكيد على القيمة المضافة للنخبة في حالة تفاعلها مع واقعها وترك برجها العاجي والتواضع من أجل التدافع والمساهمة في تدبير الشأن العام المحلي.
ومواكبة لتفعيل هذه الدعامات، على الدولة بلورة استراتيجية إصلاحية ذات منظور شمولي تروم اتخاذ الإجراءات التالية :
التعجيل بإصدار القوانين التنظيمية / التطبيقية للقانون الجماعي الجديد بغية تفعيل فصوله خاصة ما يرتبط منه بشركة التنمية المحلية وبمجموعة التجمعات الحضرية ولجنة المساواة وتكافؤ الفرص…
تأهيل الموارد البشرية والمالية للجماعة باعتبارها مقومات أساسية لكل تدبير تشاركي ناجح؛
ضرورة تفعيل الآليات المرتبطة بجودة التدبير خاصة ما يرتبط منها بتفعيل ميثاق تخليق المرفق العمومي وتكريس المراقبة البعدية المتجسدة في المجالس الجهوية للحسابات من خلال تقوية أجهزتها وأدوارها، وكذا انفتاحها من خلال تسهيل تواصلها مع الرأي العام المحلي ؛
إصلاح قانوني جذري وشامل يهدف إلى الرفع من فعالية المجلس الجماعي وجعله يساير التحولات والتغيرات التي تعرفها وستعرفها جماعة الغد.
وبالتالي يمكن القول إذن أن التدبير التشاركي قبل أن يكون أسلوبا إداريا وعملية تدبيرية فهو ممارسة، تربية وثقافة تنبع بالأساس من الأسرة والمدرسة مرورا بالجمعيات والأحزاب السياسية ووصولا إلى الجماعة والدولة.
فالتدبير التشاركي هو فكرة أساسها الحرية والديمقراطية والثقة في النفس وفي الآخر، وعمادها المواطنة الصحيحة على أساس المسؤولية، ومنهجها مقاربة علمية موجهة على أساس استراتيجية شاملة تهدف في الأول والأخير إلى تحقيق تنمية شاملة مندمجة ومتكاملة وعادلة.
وقبل الختام، أود الإشارة إلى مسألة مهمة، ألا وهي: أنه كيفما كان الإطار القانوني ومستوى الموارد المالية والبشرية وتسخير مختلف التقنيات الحديثة في تطوير الأداء، فإن ذلك يبقى رهينا بحب العمل والإخلاص فيه والسعي نحو المصلحة العامة والرغبة في خدمة الوطن والمواطنين بصدق وتفان. وهنا يحضرني قول الملك الراحل “محمد الخامس” بمناسبة صدور الظهير الشريف المتعلق بنظام الجماعات بتاريخ 27 يونيو 1960 ، حيث قال :
” وإننا نأبى في هذه السنة إلا أن نوصي الممثلين البلديين والقرويين بأهم أسباب النجاح كالنزاهة والإخلاص والجد والمواظبة واحترام الرأي وفعل الأشياء في أوقاتها.
فإن تمثيل الشعب ليس مكتسبا ينال ولا مغنما يستفاد منه، إنه كالوظيفة تكليف لا تشريف، فليعلموا على أن تكون الثقة الموضوعة فيهم في محلها وليجتهدوا في الاحتفاظ بها بحسن التصرف وإتقان الأعمال وليذكروا أنهم في خدمة جميع السكان لا في خدمة طائفة معينة، وليجعلوا من المجالس البلدية والقروية أداة للبحث عن المصلحة وجلب النفع ومنبرا للتشاور وتبادل الرأي ووسيلة لتوثيق عرى الأخوة القومية والتضامن الوطني”.
اترك تعليقاً