دراسة وبحث قانوني قيم عن دور المحامي بعد تنفيذ العقوبة
الجريمة والعقوبة ثنائي من الصعب الحديث عنه بدون استحضار العلاقة الجدلية التي رافقتهم في رحلة البشرية، فمن مجرد كون العقوبة انتقام وتشفي إلى اعتبارها جزاء لما اقترفه الجاني، وأخيرا هي وسيلة لإعادة الإصلاح والتأهيل.هذا المنظور الأخير أصبح من واجبات الدولة التي أصبحت ترصد إمكانيات مادية وبشرية مهمة من أجل تقويم سلوك السجين داخل السجن، وأن تصبح فترة قضاء العقوبة هي مناسبة لتدارك جوانب القصور التي يعاني منها الجانح وأصبح الجميع يتحدث عن أنسنة السجون وأن نجاح المعاملة العقابية رهين بمدى احترامها لكرامة السجناء وإن كنا نؤمن بأن أي إصلاح للسجناء وإعادة إدماجهم ينطلق من المجتمع، وهو ما يعرف في السنين الأخيرة بانفتاح المجتمع المدني على السجون التي تترجم رغبة المجتمع في التصالح مع الجاني[1].
كل هذه الجهود تتم في مرحلة تنفيذ العقوبة، ولكن ماذا بعد الإفراج؟
وماهي الآفاق التي تنتظر السجين بعد خروجه من السجن؟ وهل المصالحة مع المجتمع وازنتها مصالحة مع القانون؟ وماهو الدور الذي يلعبه المحامي في هذا المجال من خلال تفعيله لمسطرتي السجل العدلي (المطلب الأول) ورد الاعتبار( المطلب الثاني).
المطلب الأول : المحامي والسجل العدلي
المشرع الجنائي لم يقم بوضع تعريف محدد للسجل العدلي، وإنما تطرق إليه كمؤسسة قائمة بذاتها من خلال المواد من 654 إلى686 ق.م.ج وعموما يمكن تعريفه بكونه الوثيقة أو المستند الخاص بحفظ آثار الأحكام الجنائية[2]، ويقدم السجل العدلي خدمة أساسية لجهاز العدالة باعتباره دليلا على معرفة السوابق العدلية للأفراد، إذ يتولى مسك السجلات العدلية للأشخاص المولودين خارج المملكة وكذا لجميع الأشخاص[3] مهما كانت جنسية المولودين بدائرة المحكمة المحددة[4].
وبعد هذا سنعمل على كشف دور المحامي في تفعيل النظام القانوني للسجل العدلي (الفقرة الأولى) وبعد ذلك سنتحدث عن خصائص السجل العدلي.
الفقرة الأولى : محتوى السجل العدلي
يتكون السجل العدلي من ثلاثة بطائق اصطلح على تسميتها بالبطاقة رقم 1 (اولا)
والمحامي باعتباره رجل قانون له دور بارز في تهييء هذه البطائق فالمتقاضي العادي من الصعب عليه أن يقوم بتهيئ ملف السجل العدلي وحتى لو قام بذلك فإن عملية تهييء الملف وملء البطائق قد يشوبها خطأ.
السجل العدلي وكما سبقت الإشارة إلى ذلك في المادة (654 ق.م.ج) فإن هذا الأخير يشمل مركزا وطنيا تابعا لوزارة العدل ومراكز محليةبالمحاكم الابتدائية للمملكة، ويتم تعيين أعضاء مؤسسة السجل العدلي بناء على قرار لوزير العدل. فالأول يختص بمراقبة المراكز المحلية ويتولى مسك سجل خاص بالأشخاص المولودين خارج المملكة من غير اعتبار جنسيتهم, ويتولى إدارته أحد القضاة العاملين بوزارة العدل، في حين يتولى الثاني مسك السجلات العدلية لجميع الأشخاص (سواء منهم الاعتبارين أو المعنويين)، مهما كانت جنسيتهم المولودين بدائرة المحكمة والذي أسندت إدارته لأحد قضاة النيابة العامة، ولقد عمل المشرع الجنائي المغربي على تحديد محتوى بطائق السجل العدلي وطرق إقامتها، ووظيفة كل واحدة منها. وإذا كانت البطاقة رقم 1 أساسية في نظام السجل العدلي فإنها تعتبر المرجع الأصلي للبطائق الأخرى التي تشكل بدورها قطب الرحى في الإشكالية التي تطرحها هذه المؤسسة في حين أن البطاقة رقم 2 و 3 تعتبر السبب الرئيسي في حرمان المحكوم عليه من حقوقه الأساسية.
أولا : البطاقة رقم 1 [5] : لم يضع المشرع المغربي تعريفا محددا لهذا النوع من البطائق وإنما اكتفى بذكر الأحكام التي تتضمنها (ومنها الأحكام الصادرة بالإدانة عن أية محكمة زجرية من أجل جناية أو جنحة)[6] والمسطرة الخاصة بإقامتها، وكذلك الحالات التي تعدل فيها، أو سحبها، وحياة هذه البطاقة تتوقف على توفر حالات حددها المشرع على سبيل الحصر والتي تؤدي بالضرورة إلى سحب البطاقة رقم 1 وإتلافها، كما أنه اعتبرها البيان الكامل لجميع الأحكام الصادرة بالإدانة ضد شخص معين، لهذه الأسباب تعتبر العنصر الأساسي في السجل العدلي، وتتميز هذه البطاقة بعدة مميزات منها : أنها تعد الدعامة الأساسية والوحيدة للسجل العدلي وأنها تستقبل أنواع محددة من أحكام حددها المشرع على سبيل الحصر في المادة 658 ق.م.ج وكذلك كونها تسهل عملية البحث عن السوابق الجنائية للمحكوم عليهم، وأنها تعد دليلا قاطعا على حالات العود كونها تحتوي على جميع الأحكام الصادرة بالإدانة في حق شخص معين[7].
ثانيا : البطاقة رقم 2 : إذا كانت البطاقة رقم 1 أساسية في السجل العدلي كونها تحتفظ بكل الأحكام والسوابق العدلية، فإن البطاقة رقم 2 تعتبر وسيلة أساسية لإفشاء محتوى البطاقة 1 وضمان علانيتها ولقد اعتبر المشرع البطاقة رقم 2 نسخة تتضمن النص الكامل لمختلف البطائق رقم 1 المتعلقة بشخص واحد، وبالتالي فهي تتضمن جميع الأحكام التي تنص عليها المادة 658 من ق.م.ج وللإشارة فإن المقررات المتعلقة بالأحداث الجانحين لا تنص عليها سوى هذه البطاقة، وتسلم البطاقة رقم 2 حسب منطوق المادة 665 ق.م.ج إلى العديد من الجهات والأجهزة الرسمية للدولة على اختلافها دون أن يشمل هذا الحق المؤسسات الشبه العمومية أو الخاصة، وبالتالي فالموظف المسؤول عن مركز السجل العدلي يكون من واجبه التحقق من الجهة التي تقدمت بطلب الحصول على البطاقة قم2. هذه الأخيرة التي تتميز بعدة مميزات : فهي التي تمكن الجهات الرسمية التي تتسلمها من تكوين فكرة جد مدققة عن سلوك ومدى استقامة الفرد المعني بالأمر. وبالتالي إمكانية الاعتراض عن تسليمه رخصة أو إذن لممارسة نشاط وظيفي أو مهني معين كما تعتبر أيضا هذه البطاقة منبرا للتعرف على الماضي الجنائي للمتهمين، وكذلك أداة لوصم الإنسان الجانح [8].
ثالثا : البطاقة رقم 3 : تجدر الإشارة إلى أن القواعد التي تنظم هذه البطاقة في ق.م.ج. المغربي قد أخذت برمتها من القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 5 / 8 / 1899 ومازالت تطبق لحد الآن، بينما نلاحظ أن هذه القواعد عرفت تعديلات جوهرية في السنين الأخيرة في ظل قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، ولقد أشار المشرع المغربي في المادة 667 ق.م.ج إلى أن هذه البطاقة تعتبر بيانا بالأحكام الصادرة بعقوبات سالبة للحرية عن إحدى محاكم المملكة من أجل جناية أو جنحة والتي لم يقع محوها برد الاعتبار، أو التي أمر القاضي في شأنها بتأجيل التنفيذ إلا إذا صدرت في هذه الحالة الأخيرة عقوبة جديدة تقضي بحرمان المعني بالأمر من الانتفاع بالتنفيذ المؤجل، ولقد أحاط المشرع هذه البطاقة بجملة من الضمانات الواجب تضمينها حتى يكفل سلامة مضمونها، وهي كالآتي :
-التحقق من الهوية.
– التحقق من البيانات الواجب تضمينها بالبطاقة رقم 3.
-توقيع البطاقة رقم3.
آما فيما يتعلق بتسليم هذه البطاقة فقد نص المشرع المغربي على أنه :”(لا يمكن تسليمها إلا للشخص المعني بالأمر بعد إدلائه بما يثبت هويته، ولا يمكن تسليمها لغيره إلا بناء على توكيل رسمي خاص)، لكن هذا المقتضى الأساسي يثير العديد من الملاحظات[9] : تم إغفال المشرع المغربي ذكر الطريقة التي يمكن أن تسلم بها البطاقة رقم 3 إلى المعني بالأمر، فهل من الضروري حضوره شخصيا، أو يمكن مكاتبة السجل العدلي؟ واقعيا يتم بواسطة الحضور الشخصي، وبالرغم من أن هذه الطريقة تضمن التحقق من هوية الأشخاص الراغبين في الحصول على هذه البطاقة، إلا أنها تثقل كاهلهم بالمصاريف المالية ولتسهيل هذه المسطرة سمح المشرع المغربي حسب ماهو مضمن في المادة 668 ق.م.ج بإمكانية تسليمها لغير المعني بالأمر وبناء على توكيل رسمي خاص.
والبطاقة رقم 3 تمتاز هي الأخرى بعدة مميزات منها :
– تمكين الخواص من التعرف على السوابق العدلية لكل الأفراد الذينتربطهم بهم روابط مهنية.
– تعتبر وسيلة لتسيير عملية إدماج ذوي السوابق العدلية في الحياة العملية مادامت لا تتضمن النص الكامل لمحتوى البطاقة رقم1. وبعد الحديث عن مكونات السجل العدلي ولو بشكل مقتضب، يجدر بنا التعرف على خصائص السجل العدلي.
الفقرة الثانية : خصائص السجل العدلي
انطلاقا مما ذكر سابقا يظهر لنا مدى اهتمام المشرع المغربي بهذه المؤسسة كأداة في خدمة العدالة (أولا) وخدمة كل المصالح العمومية للدولة والخاصة للأفراد (ثانيا) الشيء الذي يبرر معه وجود مصلحتين متعارضتين :
-حق المجتمع في الإطلاع على السوابق العدلية.
-وحق المحكوم عليهم في السرية والنسيان وبالتالي عدم إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية بسبب سوابقهم الجنائية المدونة في السجل العدلي.
أولا : السجل العدلي أداة لخدمة العدالة
السجل العدلي يعد أداة للإعلام بالسوابق العدلية فبفضله تتمكن المحكمة من معرفة ماضي المجرمين الماثلين أمامها بشكل يساعدها على تحديد العقوبة المناسبة في حالة العود. وبفضله أيضا يستفيد المتهم من ظروف التخفيف في حالة انعدام السوابق العدلية، ونهج سياسة جنائية تتضمن أكبر قدر ممكن من العدالة عند إصدار الأحكام، ويقوم السجل العدلي كذلك بوظيفته اتجاه السلطة القضائية عن طريق البطاقة رقم 2 التي تعتبر نسخة من النص الكامل لمجموع البطائق رقم 1، والتي يمكن للقضاة الحصول عليها كلما دعت الضرورة لذلك، وتبرر أهمية السجل العدلي في كل أطوار المحاكمة سواء بالنسبة للنيابة العامة وكذلك أمام قاضي التحقيق أو قضاة الحكم.
ثانيا : السجل العدلي أداة لخدمة المصلحة العامة والخاصة.
1-خدمة المصلحة العامة : كون السجل العدلي يحقق مصلحة عامة انطلاقا من كونه ينطلق من خدمة السلطة القضائية لتمتد إلى كافة المصالح العمومية للدولة فبفضله تتمكن الدولة من ملاحقة الأشخاص الجانحين ومطاردتهم وإقصائهم من العديد من المجالات، آملا في حماية المجتمع من الخطر الذي يمثلونه، فقد اعترف العديد من الجهات الرسمية بحق الإطلاع على كل السوابق الجنائية للمحكوم عليهم وذلك بفضل البطاقة رقم 2 والتي يمكن لهذه الجهات طلب الحصول عليها بهدف الحصول عليها بسهولة، ولقد حدد المشرع ثلاث جهات على سبيل الحصر حتى يضمن نوعا من السرية لمحتوى السجل العدلي [10].
السجل العدلي أداة في خدمة الخواص : فبالإضافة إلى ما سبق فإن السجل العدلي يعتبر أداة في خدمة الخواص، فلقد مدد المشرع حق الاستفادة من السجل العدلي إلى الأفراد والمقاولات نظرا لما تمثله من أهمية والإطلاع هنا يتم بواسطة البطاقة رقم 3 التي لا يمكن تسليم نسخة منها إلا إلى المعني بالأمر شخصيا الذي يكون ملزما بالإدلاء بها عند رغبته في الحصول على عمل أو ممارسة حق من حقوق، لكن باعتبار هذه البطاقة تخضع للتنقيح قد يؤدي إلى محو السوابق الجنائية المتضمنة فيها إما بمرور مدة زمنية أو بواسطة مؤسسة رد الاعتبار أو العفو الشامل وللإشارة كذلك فإن السجل العدلي يكون له دور فعال أثناء محاكمة المتهم، فهو سلاح ذو حدين بالنسبة للمتهم الماثل أمام هيئة المحكمة فعند خلو السجل العدلي من السوابق الجنائية يستفيد منه الشخص المتهم إيجابا. فانطلاقا من انعدام السوابق الجنائية يستفيد المتهم من ظروف التخفيف التي يمكن أن تصل في بعض الحالات إلى الإعفاء من العقوبة وفي المقابل يكون السجل العدلي سببا في رفع العقوبة خاصة في حالة العود.
وملف السجل العدلي حسب المواد المحددة له يمكن أن يهيأه المعني بالأمر شخصيا ويمكن أن يتكلف به المحامي وفي اعتقادنا حبذا لو سهر على تهيئ المحامي، فالمحامي هو رجل دارس للقانون وعارف بخباياه ومتعود على مثل هذه الأعمال.
وعموما فإن السجل العدلي ورغم كل ما قيل في حقه، فإنه لم يحقق الهدف المتوخى منه، والأدل على ذلك ارتفاع ظاهرة العود للإجرام بصورة مروعة.
هذه بعض المقتضيات المتعلقة بالتنظيم القانوني لمؤسسة السجل العدلي ودور المحامي في تفعيله، فماذا يمكن قوله عن التنظيم القانوني لمؤسسة رد الاعتبار ودور المحامي في تفعيلها تحقيقا للعدالة.
المطلب الثاني : دوره في رد الاعتبار
رغبة من المشرع المغربي في مكافحة الظاهرة الإجرامية ومحو آثارها فتح باب ثانية للتوبة تمثلت في إحداث مؤسسة رد الاعتبار، فبفضل هذه المؤسسة أصبح بإمكان الجاني (وبعد قضائه للعقوبة المقررة في حقه) أن يعود إلى حاضرة المجتمع بصفته عنصرا إيجابيا استفادة من المجهودات التأهيلية والبرامج الإصلاحية.
ويمكن تعريف رد الاعتبار بأنه مؤسسة قانونية تمحو الأحكام الصادرة بالإدانة في السجل العدلي للمحكوم عليه، وتعيد له كل الحقوق التي كان محروما منها وترد له اعتباره، ومنها اشتق اسم (رد الاعتبار….).
رد الاعتبار إما أن يكون بقوة القانون (أولا)، وإما أن يكون بقرار من الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف (ثانيا) حسب منطوق المادة 687 و المادة 700 ق.م.ج.
أولا : رد الاعتبار القانوني
رد الاعتبار القانوني هو عبارة عن وسيلة قانونية تمكن المتهم المحكوم عليه، من التخلص من سوابقه الجنائية وبطريقة تلقائية (بقوة القانون) وذلك بعد مرور فترة زمنية حددها القانون لكل حالة، ويلاحظ ان مقتضيات الباب الذي تتضمن المقتضيات الخاصة برد الاعتبار القانوني لم تشر إليه أي مسطرة يتعين سلوكها للإستفادةمن آثار رد الاعتبار، وهو أمر بديهي بالنظر إلى أن الأمر يتعين إعماله بقوة القانون استنادا إلى الفقرة الأخيرة من المادة 663 ق.م.ج التي تنص على أنه “يجب الإشارة تلقائيا من طرف كاتب الضبط في البطاقة رقم 1 إلى رد الاعتبار بحكم القانون المنصوص عليه في الباب الثاني من القسم الثالث من الكتاب السادس من هذا القانون بمجرد ما يصير حقا مكتسبا). ورد الاعتبار القانوني يتميز بمجموعة من الخصائص يمكن إجمالها في الخصائص التالية:
1- أنه نظام بطيء في آجاله : ويتضح هذا من أنه إذا كان المحكوم عليه يستطيع الحصول على رد الاعتبار قضائيا في آجال معينة فإنه يكون مضطرا لانتظار مدة أطول بكثير قبل حصوله على رد الاعتبار القانوني.
2- ويتميز كذلك بالسرية حيث يوفر للمحكوم عليه الذي يعزف عن طلب رد الاعتبار القضائي وذلك بسبب ما يمثله هذا النظام من مساوئ وتشهير، فهو يوفر له طريقة سرية وتلقائية دون حاجة إلى الانتظار.
3- وانه نظام يفرض نفسه بقوة القانون : يعني أن المحكوم عليه الذي قضى فترة العقوبة يستفيد منه تلقائيا ويكفيه عدم التعرض لحكم بسبب جناية او جنحة، وانتظار أجل منصوص عليه في القانون لكي يتحرر من سوابقه الجنائية التي كانت تلاحقه في حياته[11]، وهناك خاصية أخرى يجب الإشارة إليها وهي أن رد الاعتبار القانوني مسطرة تلقائية ولا تحتاج إلى تدخل المحامي لتفعيلها أو حياكتها وفق الطريقة القانونية المطلوبة عكس رد الاعتبار القضائي.
ثانيا : رد الاعتبار القضائي
إذا كان رد الاعتبار القانوني لا يحتاج إلى طلب وإنما يمكن مباشرته من طرف المشرفين على مصلحة السجل العدلي لكون الأمر يتعلق بإجراءات لا تحتاج إلى مقرر قضائي، فإن رد الاعتبار القضائي يقدم في شكل مقال إلى رئيس المحكمة التي أصدرت المقرر، ويطلع هذا الأخير والنيابة العامة على المقال ويكلف عند الاقتضاء قاضيا بتقديم تقرير في الموضوع.
وتقوم النيابة العامة بتقديم ملتمسها لمعرفة الجنحة وذلك بعد استكمال الشروط اللازم توفرها[12]. تبث الغرفة الجنحية في هذه الطلبات داخل شهرين بعد إدلاء النيابة العامة بمستنتجاتها حسب منطوق المادة 703 ق.م.م وبعد الاستماع للطرف الذي يعنيه الأمر أو إلى محاميه او بعد استدعائهما بصفة قانونية المادة (700) ق.م.م.
ومن خلال استقراء هذه المواد يبدو أن المشرع لم يحدد تاريخ انتهاء مدة الشهرين المذكورة ولا تاريخ انتهائها، وأن سياق النص يوحي أن مدة الشهرين تبتدئ من تاريخ إحالة ملف رد الاعتبار على الغرفة الجنحية[13].
وداخل أجل شهرين تبث الغرفة الجنحية في طلبات رد الاعتبار ويكون قرارها على نوعين :
1-إما برفض الطلب لأسباب، ولا يكون آنذاك الحق للطالب في تجديد طلبه ولو في الحالة المنصوص عليها في المادة 695 ق.م.ج[14] إلا بعد ستين يوما من تاريخ التصريح برفض الطلب الأول، شريطة ألا يكون الرفض بسبب عدم استيفاء الأجل المنصوص عليه في المادة 692 ق.م.ج.
2-وإما بقبول الطلب لارتكازه على القانون، وفي هذه الحالة تتم الإشارة إلى القرار الصادر برد الاعتبار بطرة القرارات الصادرة في العقوبة وفي السجل العدلي.
ولا يمكن في هذه الحالة أن يشار إلى العقوبة بالبطاقة رقم 3 من السجل العدلي، ولا يشار إليها في البطاقة رقم 2 المسلمة للقضاة من أجل تطبيق مقتضيات المادة 693 ق.م.ج[15] .
والتجربة أكدت أن مدة الشهرين الممنوحة للغرفة الجنحية من أجل البث في طلب رد الاعتبار فيه ضياع للوقت ليس إلا ذلك أنه يتسنى لها البث في القضية في أول جلسة تعقدها، مادام الملف غالبا ما يحال عليها جاهزا، فلا معنى لإهدار كل هذه المدة للبث فيه.
وقد يفهم أن المشرع أراد أن تبتدئ مدة شهرين من تاريخ تقديم الطلب لدى النيابة العامة، لكنه لم يحدد للنيابة العامة الأجل الذي تقوم فيه بإحالة ملف رد الاعتبار على الغرفة الجنحية، وأمام هذه الحالة قد يبقى الطلب بالنيابة العامة إلى ما يطول به البقاء، ثم تحسب مدة الشهرين على الغرفة الجنحية، وكان حرى بالمشرع أن يحدد المدة للنيابة العامة، وللغرفة الجنحية، حتى تحدد المسؤوليات وحتى تتحقق سياسة تصريف القضايا في الآجال المعقولة والمنصوص عليها قانونا.
وفي جميع الأحوال فإذا لم تبث الغرفة الجنحية في طلب رد الاعتبار في مدة شهرين، فإن المشرع لم يرتب على ذلك أي جزاء، كالقول على الأقل أن عدم البث في طلب رد الاعتبار داخل هذا الأجل يعد قبولا لطلب رد الاعتبار، وبالتالي يبقى هذا النص مجرد توصية، يمكن العمل بها ويمكن تجاهلها، فلا فائدة من اشتراط المدة مع انعدام نص جزائي عند المخالفة لتلك المدة.
[1] – المعوقات القانونية إعادة الإدماج في القانون المغربي : ماستر العدالة الجنائية والعلوم الجنائية، لسنة 2007-2008، بفاس في مادة علم العقاب، ص 2.
[2] – لحبيب بيهي : للسجل العدلي وفق قانون المسطرة الجنائية، مجلة القصر، العدد 10 سنة2005، ص 58.
(النظام القانوني [3] – سواء تعلق الأمر بالأشخاص الدائنين أو المعنويين حسب منطوق المادة 678، ق.م.ج.
[4] – حسب ماهو مضمن في الفقرتين 2 و 3 من المادة 654 ق.م.ج.
[5] – أنظر المواد من 657 إلى 664 ق.م.ج.
[6] – ولقد حددتها المادة 658 على سبيل الحصر.
[7] – لحسن بيهي، م.س، ص 139.
[8] – موضوع المعوقات القانونية لإعادة الإدماج في القانون الجنائي المغربي، م.س، ص 6.
[9] – لحسن بيهي، م.س، ص 149.
[10] أنظر المادة 665 .م.ج : ومنها السلطات العسكرية، المصلحة المكلفة بالحرية المحروسة- الإدارات العمومية.
[11] – محمد بن جلون : رد الاعتبار في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا قانون خاص السنة الجامعية، 1989 – 1990، ص 74 – 75.
[12] – أنظر المواد من 690 إلى 703 ق.م.ج.
[13] – محمد لمرابط : قراءة في بعض نصوص قانون المسطرة الجنائية 22 / 01 – مجلة الإشعاع للعدد 33، يونيو 2008، ص 80.
[14] – المادة 695 ق.م.ج “لا يخضع رد الاعتبار لأي شرط يتعلق بالآجال او بتنفيذ العقوبة إذا أدى المحكوم عليه بعد ارتكابه الجريمة خدمات جليلة للبلاد مخاطرا بحياته”.
[15] – محمد لمرابط، مرجع سابق، ص 84.
اترك تعليقاً