دراسة وبحث قانوني هام عن الحجز على أموال المرفق العام
إعــداد الطالبين
? قريشل عبدالغني
? هادي علوي بلغيت
مقدمة
إن تنفيذ الأحكام القضائية يشكل دعما أساسيا للعدالة سواء عن طريق التنفيذ الجبري او الاختياري ويعتبر التنفيذ الغاية التي يتوخاها كل متقاضي سواء كان شخصا من أشخاص القانون الخاص او شخصا من أشخاص القانون العام من الالتجاء إلى المحكمة لأخذ حقه بعد الحكم دون أدنى تلك أو بطء[1].
وهكذا فإنه إذا ما أنشأ التزام على عاتق أحد الأشخاص سواء كان من أشخاص القانون العام او أشخاص القانون الخاص فإن الأصل يستلزم أن يقوم هذا الشخص بأداء ما التزم به لما يحقق الإرضاء التام للدائن ووفقا لما يقتضيه مبدأ حسن النية في المعاملات غير أنه في الواقع العملي لاتسير الأمور بهذه السهولة والسيرة وخصوصا أمام شخص من أشخاص القانون العام الذي لم يكن في وقت من الأوقات وإلى زمن قريب يعتقد أن تصرفاته ستراقب بميزت المشروعية [2] وأن القضاء الإداري سيحمي أشخاص القانون الخاص من تعسف أشخاص القانون العام.
ومع استفحال ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة في المجال الإداري وتزايدها يوما بعد يوم فإنه كان لزاما البحث عن السبل الكفيلة بإرغام الإدارة على تنفيذ الأحكام، خاصة عندما يكون وراء عدم التنفيذ سوء النية والتماطل والمواقف الشخصية للمسؤولية الإدارية الم** بشكل صارخ ومستفز لا يخلو من برزة التحدي لمبادئ العدالة والإنصاف .[3]
وقد تساءل الفقيه والتي حول سبب وجود القانون الإداري طالما ان الحكم لم يتم تنفيذه حيث حينها بأن القانون الإداري في هذا الوضع يعتبر أحد فروع الفنون العملية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجة بسند صحيح أنه ” لا قدست أمة لا يأخذ فيها الضعيف حقه “.
ومن بين السبل لجأت إليها المحاكم الإدارية المغربية لضمان تنفيذ أحكامها الحجز على أموال المرفق العمومي معتبرة أن عدم الحجز يقتصر على ما يلزم لسيرة بانتظام وأن الأموال الغير اللازمة لذلك يمكن الحجز عليها وذلك من أجل إرغام المعني بالامر على المنازعة إلى تنفيذ الأحكام الحائزة على قوة الشيء المقضي به [4].
فما هو مفاد الفكرة القائلة بعدم جواز الحجز على أموال المرفق العام وما هو تعريف الأموال العامة وما هو الإنشاء على هته القاعدة ، هذا ما سنتطرق إليه في هذا العرض المتواضع حيث التصميم الآتي :
أولا : إحكامه قبلية الحجز على أموال المرفق العام لضمان تنفيذ الأحكام
الإدارية
ثانيا : الحجز كحل قضائي لتنفيذ الأحكام الإدارية
المطلب الأول : إمكانية قابلية الحجز على أموال المرفق العام لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية .
وسنتطرق من خلال هذا المطلب في فقرة أولى للتطرق لمفهوم الأموال العامة المرفق العام في ضوء الفقه والقانون المقارن في حين سنناقش في فقرة ثانية فكرة عدم جواز الحجز على أموال المرفق العمومي العامة
الفقرة الأولى : تعريف الأموال العامة في ضوء الفقه والقانون المقارن
تعتبر أموال المرفق العام الوسيلة المادية التي تسعي بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها لخدمة الصالح العام ومن المجمع عليه فقها وقضاء أن المال العام للدولة هو كل شيء تملكه الدولة من عقار ومنقول أو أي شخص اعتباري عام يكون مخصصا للنفع العام بالفعل أو بمقتضى القانون، إذن لكي يكون لدينا مال عام فيجب أن يتوفر الشرطان الآتيان :
1-أن يكون مملوكا للدولة أو أي شخص اعتباري عام يمثل المؤسسات والهيئات الإدارية
2-أن يكون هذا المال مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى القانون
والتخصيص بالفعل يعني وضع هاته الأموال تحت تصرف أو أن الجمهور يستعملها مباشرة أم التخصيص بالقانون فهو أن ينص القانون على اعتبار مال معني من الأموال العامة .
وفيما يتعلق بمفهوم المال العام في القانون المقارن وخصائصه تنص المادة الثامنة من مرسوم القانون المؤرخ في 22 /11/1790 على أن أموال الدولة لا يشكل ضمانا للدائنين وتنص المادة 9 من قانون 22 غشت 1791 على أنه يحضر كل أنواع الحجز عامة على الأموال العامة للدولة وفي تعريفها لمفهوم أموال الحجز عامة على الأموال العامة للدولة وفي تعريفها لمفهوم أموال الدولة العامة تنص المادة 87 من القانون المدني الفرنسي ” تعتبر أموال عامة العقارات والمنقولات التي للدولة وللأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار الوزير المختص”
وهو تقريبا نفس التعريف الذي تبناه القانون المدني المصري بالمادة 78 منه لقوله بما معناه أن الأموال العامة للدولة وهي العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة بالفعل أو بمقتضى القانون.
وفيما يتعلق بمعيار التمييز بين الأموال العامة والأموال الخاصة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة فإنه من المتفق عليه فقهاء قضاء هو عدم قابلية الاموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة للحجز مع جوازه بالنسبة للمال الخاص للدولة الغير اللازم لسير المرفق العام وهكذا فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما هي المعايير الفقهية المعتمد في سبيل التمييز بينهما الترتيب النتائج القانونية على ذلك ؟ وفكرة التمييز بين المال العام، المال الخاص للدولة ظهرت منذ زمن طويل حيث نجد لها حدى في الشرائع القديمة خصوصا القانون الروماني الذي ميز بين الأشياء العامة التي تستخدمها كافة الناس والأشياء المملوكة للحراسة العامة وقد رتب هذا التمييز نتائج قانونية تشمل في منع التصرف في الأشياء العامة أو تملكها بالتقادم[5].
وقد انتقل هذا التقسيم على القانون الفرنسي القديم وكانت الأشياء العامة تشمل الطرق والمواصلات البرية وغيرها من الأشياء التي تستخدمها الناس بصفة عامة والأموال الخاصة وتشمل الدومني الملكي كالأرض وغيرها وهكذا فعندما صدر قانون نابليون ميز بدورة بين مشتملات الدومين العام : الأموال العامة وبين مشتملات الدومين القومي للأموال الخاصة كما عرفت الشريعة الإسلامية هئة التفرقة من قبل وفي هذا الإطار سنتطرق للمعايير المعتمدة من طرف الفقه القضاء للتمييز بين المال العام والمال الحاضر للدولة .
أولا : معيار تخصيص المال للنفع واستعمال الجمهور حيث ووفق هذا المعيار يعتبر مالا عاما كل مرفق عمومي يخصص بالفعل هذا المعيار يعتبر مالا عاما كل مرفق عمومي يخصص بالفعل جمهور الناس أو كل مرفق عمومي نص القانون على إضفاء تلك الصفة عليه .
ثانيا : التخصيص للجمهور وخدمة المرفق العام
حيث يعتبر مالا عاما كل ما تملكه الدولة من عقار ومنقول مخصص لاستعمال الجمهور بالفعل بالقانون ومرصود لخدمة المرفق العام[6].
ثالثا : التخصيص لخدمة مرفق عام وبمقتضى هذا المعيار يعتبر كل عقار أو منقول تملكه الدولة ويكون مخصصا لخدمة المرفق العام واستغلاله .
الفقرة الثانية : عدم جواز الحجز على أموال المرفق العمومي العامة
يمكن اعتبار مال الدولة ووصفه بالمال العام وفقا للمعايير الفقهية السالفة الذكر، وعلى هذا الأساس ترتب عدة نتائج قانونية تتمثل في الخصوص بعدم جواز التصرف فيه بما يتعارض والنفع العام وعدم كسب ملكيته بالتقادم وعدم جواز الحجز عليه وحضر طرق التنفيذ الجبرية حوله على خلاف المال الخاص للدولة الذي يجري التعامل بشأنه وفق ما يجري بين أشخاص القانون الخاص وقد حاول الكثير من الفقهاء في السابق التأسيس النظريات الفرض منها الدفاع عن مبدأ امتناع طرق التنفيذ الجبرية ضد الإدارة وأهم الاتجاهات في هذا الإطار .
çنظرية قرينة الشرف والسير
والتي تتلخص في عدم إمكانية القيام بالإجراءات الجبرية ضد الإدارة وخصوصا الحجز على أموالها العامة لأنها بمثابة الرجل الشريف الذي يفي بالتزاماته المالية ولكونه يعتبر ملء الذمة ويعبر عن ذلك لا فريير بقوله ” إن دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرق التنفيذ ضدها طالما أن الدولة بحكم تعريفها مليئة الذمة وموسرة كما أنه يجب النظر إليها دائما كرجل شريف”
çنظرية الفصل بين الإدارة والقاضي
أي أن الإدارة وحدها هي المنوط بها استخدام السفقات العامة عن طريق قواعد المحاسبة العمومية للسهر على حاجيات المرافق العامة ومن تم لا يجوز لأي جهة قضائية أن تصدر أمرا بالدفع للإدارة كما أن هته النظرية سندها في الفصل بين السلطات التي يمنع بموجبها إصدار أوامر للإدارة
çنظرية إناطة التنفيذ بالإدارة
فالإدارة هي السلطة التنفيذية واختصاصها الأساسي هو تقديم المساعدة الأحكام باستعمال القوة العمومية ومن تم لا يمكن إجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية بواسطة قواعد التنفيذ الجبري ومباشرة مسطرة الحجز ضدها
ç نظرية اختلاف الصيغة التنفيذية
حيث حاول بعض الفقه تبرير مبدأ حضر طرق التنفيذ الجبري ضده الإدارة بما في ذلك مسطرة الحجز وذلك بالاستناد إلى الصيغة التي تظهر بها الصورة التنفيذية للحكم الإداري والتي لا تحمل سوى التأكيد بوجود السند التنفيذي وصحته والتي لا تتضمن الأمر بالتنفيذ عن طريق وسائل التنفيذ الجبري وذلك عكس الأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون الخاص .
وهكذا فبعد أن تعرفنا في الفقرة الأولى على المفهوم القانوني للمال العام على ضوء القانون المقارن وكذلك بعض النظريات المؤيدة لعدم إيقاع الحجز على أموال المرفق العام فإنه ما يمكن الإجماع عليه فقها، وقضاء هو أنه لا يجوز الحجز على المال العام وتعبر هاته القاعدة من النظام العام ذلك أن الحجز ينتهي ببيع المال العام بيعا قضائيا والحال أن البيع الاختياري ممنوع فيه، لذلك يعتبر هاته القاعدة من النظام العام .
بمعنى آخر فالمرافق العمومية تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للنفع العام إلىلا كل أموال التي تعتبر الوسائل المادية التي تستعين بها على ممارسة نشاطها سواء العامة او الخاصة فقد كان من المتفق عليه فقها وقضاء أن المرفق العام يجب ان يحال بكل الضمانات التي تمكنه من أداء وظيفته بصورة مضطرة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بخدماته تحقيقا للمصلحة العامة التي تذوب فيها كل مصلحة شخصية وتطبيقا لمبدأ عدم تعطيل المرفق العام لا يجوز التنفيذ على الأموال اللازمة لسيره عن طريق مسطرة الحجز وقد قنن المصري هذا الاتجاه بالقانون رقم 583 لسنة 1955 ونص على أنه :” لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذية أخرى على المنشآت والأثات والأدوات المخصصة لإدارة المرافق العامة “
ونص المرسوم القانون الفرنسي المؤرخ في 22 / 11/ 1790 في مادته الثامنة على أن :” أموال الدولة لا تشكل ضمانا للدائنين ونصت المادة 9 من القانون الفرنسي المؤرخ في 22 غشت 1791 على أنه ” يحضر كل انواع الحجز عامة على أموال الدولة “.
اما الفقه [7] فقد لاحظ أن التنفيذ بالحجز والبيع على أموال الدومين الخاص يتعارض مع المصلحة العامة كما أورد الأستاذ السنهوري [8] في كتابه الوسيط الجزء الثامن من الباب المتعلق بهذا الموضوع بما معناه أنه إذا كانت حماية المال العام اللانتفاع تقتضي منع انتزاع العام منها جبرا عن طريق الحجز عليه لأن الحجز ينقلب إلى بيع جبري .
في حين يرى بعض الفقه [9] خلاف ذلك لقوله ” لكن عدم الحجز قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام فإذا كانت هناك بعض الأموال المخصصة لإدارة المرفق ولا يتعارض الحجز عليها مع سير المرفق هاته يمكن الحجز عليها “
إذا فالأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة لا يجوز الحجز عليها تحفيظا كان أم تنفيذيا على اعتبار ان هذا الإجراء يتعارض مع مبدأ تخصيص تلك الأموال للمصلحة العامة وان الحجز بهذا الشكل يعطل سير المرافق العامة ويحول جون تنفيذها لوظيفة النفقع العام الملقاة على عاتقها وان هذا الحجز غير المرغوب فيها لهذا السبب سينقلب في النهاية إلى بيع قضائي وان البيع الاختياري بالأولى غير حائز في هذا الشأن بإجماع الفقه والقضاء وإن كان هذا الأخير يتفق على أن عدم جواز الحجز هذا قاصر على ما يلزم لسير المرفق العام فإذا كانت هنالك بعض الأموال غير مخصصة لإدارة المرفق العام ولا يتعارض الحجز عليها مع سيره تعتبر أموالا خاصة لهذا المرفق و يمكن الحجز عليها وهذا الاتجاه المؤيد فقها هو الذي يؤخذ به العمل القضائي الإداري تقريبا في جميع المحاكم الإدارية وقد سبق لوزير الداخلية المغربي أن أشار في منشوره عدد 182 بتاريخ 11/5/1991 إلى أن ممتلكات الجماعات العمومية التي لا تقبل أن تكون محلا للحجز هي الأموال العمومية وحدها دون الأملاك الخاصة التي ليس هناك من الناحية القانونية والقضائية ما يمنع إيقاع الحجز عليها .
وفي هذا الإطار فقد استقر الاجتهاد القضائي [10] على مستوى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على رفض إيقاع الحجز التحفظي على العقارات المملوكة ملكية خاصة للشخص المعنوي العام بعلة أنه يعرض فيه ملاءمة الذمة ولا يخشى عليه العسر ويؤدي ديونه وفق قواعد المحاسبة العامة وهو ما جاء في قرارات أخرى للغرفة الإدارية [11]
ومن الاجتهادات القضائية الحديثة ما قضت به المحكمة الإدارية بوجدة حيث رفضت المصادقة على الحجز لدى الغير الذي يجري على الأملاك العامة معللة حكمها بأنه من شأن الحجز أن يعرقل عمل الإدارة في تحقيق النفع العام ويؤدي بالتالي إلى المساس بمبدأ أسير المرافق العامة بانتظام واطراد إضافة إلى الاحتجاج بفكرة أن الإدارة لا يفترض عسرها [
اترك تعليقاً