دراسة وبحث قانوني عن القانون الواجب التطبيق في العقارات غير المحفظة
العقار غير محفظ” هو العقار الذي لم يصدر في حقه قرار بالتحفيظ و لا يمر بمسطرة التحفيظ، و الحقيقة أن هذه التسمية لم تظهر إلا في فترة الحماية بدخول نظام التحفيظ العقاري إلى المغرب،أما قبل ذلك فكانت العقارات كلها تشكل كثلة متجانسة, عكس ما أصبح عليه الامر بعد دخول التشريع العقاري الذي خلق ليس مجرد ثنائية بل تعددية تتمثل في العقارات المحفظة الخاضعة لظهير 12 غشت1913[1] المحدد لنظام التحفيظ العقاري وظهير 2 يونيو [2]1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ،وعدة قرارات وزارية ومراسيم تطبيقية[3]. ثم عقارات عادية أو غير محفظة, وقد بقيت خاضعة للفقه الإسلامي على المذهب المالكي ،وعقارات أخرى خاضعة لقوانين خاصة بها، قد تكون محفظة أو غير محفظة من أبرزها نظام الأملاك العامة والخاصة للدولة،الأراضي الجماعية ،نظام الأملاك البلدية،الأراضي الموقوفة أراضي الكيش……
فإذا ثم القول إن العقارات غير المحفظة وهي التي لا تخضع في تنظيمها للتشريع العقاري بل للفقه الإسلامي ، فهل هذا الفقه يتفرد إطلاقا بهذا التنظيم وهل يمكن القول في مجرى الحديث عن العقارغيرالمحفظ أن لهذا الأخير خصوصيات أو قواعد تميزه عن العقارات الأخرى من حيث أسباب كسب ملكيته وتنظيمه وإثباته؟
قد يمكننا الجزم أن العقار غير المحفظ يخضع في تنظيمه للفقه الإسلامي ،لكن التنظيم السليم لهدا النظام قد يستلزم تدخل مصادر أخرى كقانون الإلتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية،لكن مع احتفاظ العقار غير المحفظ بخصوصياته في مجالات عدة تحفظ له هويته.
المطلب الأول : القواعد الموضوعية المطبقة في العقار غير المحفظ
طبق المغرب الفقه الإسلامي على المذهب المالكي في النزاعات العقارية خاصة الراجح والمشهور وما جرى به العمل.
واختيار المذهب المالكي يعود إلى عهد المرابطين و المرينيين والسعديين والعلويين ، كما ظهرت بعض الأعراف المحلية التي تبلورت في إطاره والتي عرفت بفقه العمل[4]
و قد عرف المغرب بعد دلك نظام الامتيازات الأجنبية والقنصلية الذي كرسته العديد من الإتفاقيات الدولية منها ما خصت وضعية العقارات، لكن الملحوظ هو أنها حافظت على استمرارية خضوعه للفقه المالكي، كاتفاقية مدريد المبرمة سنة 1880 التي تسمح قانونا للأجانب بحق تملك العقارات بشروط من بينها خضوع النزاعات المثارة بشأن هذه العقارات لقواعد الفقه الإسلامي و اتفاقية الجزيرة الخضراء المبرمة سنة 1906 المؤكدة للاتفاقية الأولى ، لكن هذه الاتفاقيات سوف يستعاض عنها بتنظيم قانوني محكم هو سلسلة من القوانين الوضعية أدخلتها الحماية الفرنسية على المغرب[5]
وأهم القوانين التي غيرت مجرى حياة العقارات في بلادنا هما ظهير التحفيظ العقاري 1913 وظهير 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة، على أن لا ننسى ظهير الالتزامات والعقود سنة 1913.
فبعد القيام بهذه الإصلاحات القانونية من طرف المستعمر، نتج عنه ثنائية البنيات العقارية تتجلى في نظام العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة التي بقيت تحت تنظيم الفقه الإسلامي لها على المذهب المالكي بالاستناد على مجموعة من المصنفات المعتمدة من طرف الفقه والقضاء المغربي منها موطأ الإمام مالك وشروحه ومختصر خليل وشروحه وتحفة ابن عاصم وشراحها ولامية الزقاق و شراحها والقوانين الفقهية لابن جزي والتبصرة لابن فرحون…[6]
وهكذا كانت النزاعات المتعلقة بالعقارات غير المحفظة يطبق فيها الفقه المالكي وينعقد الاختصاص في شأنها للقضاء الشرعي سواء اكان اطراف النزاع كلهم مغاربة او بعضهم فقط، و لم يكن يرفع النزاع الى المحاكم العصرية التي احدثت انذاك الا عندما يتعلق الامر بطرفين اجنبيين و مع ذلك كان الفقه المالكي هو مصدر قضاة تلك المحاكم فيما يتعلق بجوهر النزاع ما دام موضوع الدعوى عقارا غير محفظ او في طور التحفيظ.[7]
وسيبقى الأمر على هدا الحال حتى بعد الاستقلال، حيث أحدثت المحاكم العصرية التي ورثت اختصاص القضاء الفرنسي ومحاكم عادية عوض الشرعية. لكن الملحوظ بخصوص المحكمة العليا الشريفة فقد حاولت جر المحاكم العادية إلى تطبيق ق ل ع ـ مع الفقه الإسلامي ـ في القضايا الشرعية لكن اجتهاد المجلس الأعلى بعد تأسيسه أوقف تطبيقه من طرف القضاء العادي[8]
و في سنة 1965 عبر المغرب عن استقلال القضاء والتشريع عندما صوت البرلمان على قانون توحيد القضاء ومغربته وتعريبه الصادر في 26 يناير 1965 وما يثير الانتباه هو فصله الثالث {إن النصوص الشرعية والعبرية وكذا القوانين المدنية والجنائية الجاري بها العمل تبقى سارية المفعول إلى أن يتم مراجعتها لدى المحاكم المذكورة في الفصل الأول}.
– ومصطلح النصوص الشرعية يطرح إلتباسا خاصة أنه لم يصدر أي نص تشريعي يبين مجال تطبيق هذه النصوص فبقيت مبهمة تختلف بشأنها التفسيرات.
– ذهب المجلس الأعلى في تأويلها ضمن اجتهاداته كونها النصوص الشرعية المتعلقة بالفقه المالكي الواجب التطبيق في مجال العقارات غير المحفظة – الفقرة الثانية- في حين ذهب الفقه المغربي منقسما إلى فريقين الأول يؤيد كونها أحكام الفقه المالكي والثاني يستبعد هذا التفسير ويتبنى تفسيرا آخر- الفقرة الأولى-
– الفقرة الأولى : موقف الفقه :
اختلف الفقه وهو بصدد تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ [9]
فالجانب الأول يفسر الفصل 3 من قانون 26 يناير 1965 أنها السند التشريعي، حيث يأمر بالاستمرار في تطبيق النصوص الشرعية وهي نصوص مذهب مالك التي تمثل المصدر الأول في قضايا العقار غير محفظ [10] وهذا موقف الأستاذ الخمليشي الذي يرى أن ق ل ع كمصدر استئناسي يمكنللقاضي أن يطبقه عند انعدام أي حكم أو عوضا عن قاعدة فقهية غير ملائمة مع تبرير القاضي هذا الإستبعاد أو هذا الإنتقال إلى ق ل ع [11]
أما الجانب الثاني من الفقه فهو يؤيد تطبيق ق ل ع والأستاذ محمد الكشبور من الذين ينادون بالرجوع إليه باعتباره الشريعة العامة لباقي فروع القانون الأخرى، فضلا على أن ق ل ع يشتمل على العديد من القواعد الكفيلة بحل العديد من النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ من بينها قواعد الإثبات والبيع والكراء والحوالة والشياع والشركة والقسمة والشفعة والرهن الحيازي….وهي قواعد لا تتعارض مع قواعد الفقه الإسلامي لأن ق ل ع أخذ من الفقه الإسلامي الشيء الكثير وأضاف عليها من التشريعات الأوربية الحديثة [12]
ولا ننسى الصعوبة التي تلقى القضاء في التنقيب عن أحكام الفقه غير المدونة والمشتتة بين عدة مصنفات .
ونسوق في نفس الاتجاه موقف أستاذنا أحمد ادريوش الذي يرى أن روح التوحيد تظهر في توحيد مصادر القانون المدني المغربي في ظ ل ع وتوحيد تطبيقه من كل المحاكم وهذا هو مراد الفصل 3 من قانون التوحيد 1965 خاصة أنه أورد كلمة النصوص الشرعية وهي تفيد كل ما هو مكتوب ومدون، وما هو مكتوب فعليا هو مدونة الأحوال الشخصية وبالتالي فإن النصوص الشرعية يجب أن تقتصر على مدونة الأحوال الشخصية وإن لم يكن هدا هو المقصود لتم استعمال مصطلح القواعد الشرعية، كلمة أوسع نطاقا: تفيد ما هو مدون وغير مدون.
والحق أن التوحيد جاء ليعدل بين الاتجاهات التي أرادت الإبقاء على ظ ل ع وحده والاتجاه الذي يريد الإبقاء على الفقه الإسلامي دون ظ ل ع فالإبقاء على ماهو مدون من الأحكام والقواعد الشرعية جاء موفقا بين الاتجاهين.
والحق أيضا أن التوحيد جاء ليقضي على كل بلبلة وفتنة وفوضى في تطبيق أحكام وزوال أحكام بناءا على الأقوال الفقهية، لذلك كانت الغاية من قانون التوحيد هو القضاء على هده التوترات بتوحيد العمل على قانون واحد وهو ظ ل ع مع الإبقاء على القوانين المشار إليها في الفصل الثالث لذلك فالعقارات غير المحفظة تطبق عليها مقتضيات ظ ل ع [13]
الفقرة الثانية :موقف القضاء:
إن تأويل المجلس الأعلى للفصل 3 كان هو تعداد قواعد الموضوع المطبقة في القضايا العادية وعلى القضايا الشرعية وأن هذه الاخيرة ظلت محكومة بمقتضى النصوص الشرعية وهي قواعد الفقه الإسلامي وبالتالي سار المجلس الأعلى على عدم قابلية ظ ل ع للتطبيق في مجال القضايا الشرعية التي ظلت خاضعة للفقه الإسلامي وهذا يظـهر من عدة قرارات:
فقد جاء في قرار الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى :{…إن المطبق حث كان العقار غير محفظ هو الفقه الإسلامي وأنه لا يكون هناك مجال لتطبيق الفصل 974 ق ل ع }[14].فالغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى تحرص على تطبيق قواعد الفقه الإسلامي على النزاعات المتعلقة بالعقار غير المحفظ سواء تعلق الأمر بدعوى عينية أم بدعوى شخصية أم بدعوى مختلطة، بل ولو في الحالات التي ينظمها ق ل ع[15] .
لكن الملاحظ بعد ذلك أن الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى قد سمحت في بعض الأحيان بالرجوع إلى المقتضيات المضمنة في ق ل ع عوض الرجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي في نزاعات تتصل بعقارات غير محفظة[16] كما في قرار6 أكتوبر 1981 {حيث إن الفقرة 1 من الفصل 971 من ق ل ع المطبق وحده على النازلة والتي تنص على أن قرارات أغلبية المالكين على الشيوع تلزم الأقلية}[17] .
وفي قرار عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى صادر بتاريخ 26 يناير [18]1973قررت في نزاع يتعلق بعقار غير محفظ أن قواعد الفقه الإسلامي هي أحكام ذات طابع مكمل يمكن الإتفاق على ما يخالفها وبالتالي يطـبـق ق ل ع عن طريق شرط مضمن في العقد الشيء الذي جعل الفقه[19] يعلق على دلك بأن النظام العقاري المغربي يتعلق بجوهر النظام العام وأن اعتبار الفقه المالكي عبارة عن نظام مكمل يمكن الاتفاق على استبعاده أمر لا يمكن التسليم به مطلقا بل وإن هذه الفكرة لم يجرأ القول بها حتى قضاة الحماية أنفسهم .
ويمكننا الخلوص إلى ملاحظة حول موقف المجلس الأعلى بخصوص العقار غير المحفظ الذي يتغير بل الذي يصل إلى حد التضارب والتناقض في القرارات بل وحتى في القضية الواحدة تبعا لاختلاف الغرف فيمكن لنزاع يتعلق بعقار غير محفظ يعرض على الغرفة المدنية أو الغرفة الإدارية فيطبق فيه ظ ل ع ونفس النزاع إذا عرض على الغرفة الشرعية بعد دلك يقلب المسار إلى تطبيق قواعد الفقه المالكي وهذا مايحدث غالبا في قضايا الغبن المتعلق بالعقار غير المحفظ حيث تطرح ازدواجية الحلول بين الاعتماد على فصل 55 و 56 ق ل ع و بين أحكام الغبن في الفقه المالكي وهذا ماحصل في القضية الواحدة[20].
المطلب الثاني : القواعد الإجرائية المنظمة للعقار غير المحفظ
يقصد بالقواعد الإجرائية القواعد التنظيمية المسطرية التي تمكن القاضي من فحص وقائع الدعوى و تساعده على الوصول إلى الحقيقة[21].
و الموقف الذي اتخذه المجلس الأعلى من القواعد الإجرائية يختلف حسب فهمه و تأويله للفصل 3 من قانون التوحيد فحينما كان يؤوله على أنه تعداد لقواعد الموضوع و قواعد الشكل فقد قضى بعدم قابلية كل من ظ ل ع و ظهير المسطرة المدنية لسنة 1913 للتطبيق في مجال القضايا الشرعية بل ظلت خاضعة للفقه الإسلامي و ظهير 16 دجنبر [22]1975 القاضي بتعميم المسطرة الواجبة لدى المحاكم الشرعية[23]. لكن سرعان ما تحول عن هذا الفهم و اعتبر الفصل 3 قد وحد قواعد الشكل دون قواعد الموضوع وذلك بعد المنشور الصادر عن وزير العدل الذي يطلب فيه من رؤساء المحاكم ووكلاء الدولة بها تنبيه القضاة المكلفين بالقضايا الشرعية الى وجوب تطبيق قانون المسطرة المدنية لسنة 1913، وهذا ما سيحسم نهائيا بصدور ظهير 1974 المتضمن لقانون المسطرة المدنية [24]
و كما يقول ذ/ ادريوش أنه إذا كانت القوانين المدنية يقصد بها القوانين الداخلية الخاصة التي تنظم علاقات الأفراد مع بعضهم و هي تشمل عندئذ ق.م.م و ق. التجاري و كذلك ق ل ع [25].
و في مصب الحديث عن ق ل ع فهو يتضمن إجراءا مسطريا بالدرجة الأولى و هو الفصل 489 المتعلق بالكتابة كشكلية انعقاد في البيوع العقارية ، فالأصل أن المجلس الأعلى يرجع إلى مبادئ الفقه الإسلامي كلما تعلق الأمر بنزاع حول عقار غير محفظ و بالتالي يستبعد الفصل 489 كشكلية إتباث و كشكلية انعقاد و هذا ما ذهبت إليه الغرفة الشرعية بالمجلس الأعلى ؛
{ إن المطبق حيث كان العقار غير محفظ هو الفقه الإسلامي و أنه لا مجال لتطبيق الفصــل 974 من ق ل ع} .
فالقرارات القاضية باستبعاد الفصل 489 ق ل ع تستند على الفقه المالكي حيث الأصل هو مبدأ رضائية البيع و لو تعلق بعقار، و نفس هذه الحجة يستعملها الاتجاه القاضي بتطبيق الفصل 489 في هذا النوع من العقارات باعتبار أن ق ل ع و خاصة هذا الفصل لا يتعارض مع ما يقضي به الفقه الإسلامي بناءا على تأويل آية المداينة. فضلا على أن حفظ الثقة في المعاملات و استقرارها هو توثيقها و هذا يحققه الشكل المنصوص عليه في الفصل 489 [26].
و من جانب آخر فاستبعاد هذا الفصل منتقد لتعارضه مع مبدأ توحيد قواعد الشكل ، فخاصية الكتابة تبقى لها صبغة إجرائية لا تزول عنها بمجرد تموقعها في نطاق ق ل ع.
و بذلك قد ظهرت بعض القرارات التي طبقت ق ل ع على بيع العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظــة { المحكمة التي اعتمدت مجرد إقرار قضائي أمام المحكمة الجنحية لإتباث بيع عقار تكون قد خرقت الفصل 489 من ق ل ع ، و عرضت قرارها للنقض }[27]
و قرار الغرفة الاجتماعية عدد 433 تاريخ 14 دجنبر1978 الذي نقض حكما استئنافيا قضى بثبوت شراء عقار بشهادة اللفيف، و قال المجلس ان المحكمة بعدم تطبيقها للفصل 489 ق ل ع يكون ـ حكمها ناقص التعليل و بالتالي معرض للنقض
اترك تعليقاً