إثارة المسألة الدستورية أثناء طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية
صاحب قيام المحكمة الدستورية العليا بروز إشكاليات لم تكن مطروحة قبلاً. ومن أولى تلك الإشكاليات إمكانية إثارة الدفع بعدم الدستورية أثناء طلب وقف تنفيذ القراراتالإدارية)1(. وقد تردد قضاء المحكمة الإدارية العليا من هذه المسألة بين الرفض والقبول إلى أن أجازتها فيحكم لها عام2001. وساد الاعتقاد بحسم تلك الفرضية، إلا أن أعيدتمؤخراً إلى أتون الجدل من جديد)أولاً(. وبمناسبة طلب وقف تنفيذ قرار إداري كذلك، اتجهت محكمة القضاء الإداري– حديثاً– إلى أن الاستعجال يبرر للقاضي الامتناع عن تطبيق النصالمناقضللوثيقة الدستورية،خلافاً لمبدأ مركزية الرقابة والذي يمنح القاضي الدستوري وحده القول الفصل في المسألة الدستورية)ثانياً(. وهكذا لا تنقطع إشكالية إثارة المسألة الدستورية في غضون خصومة وقف تنفيذ القرارات
الإدارية، سواء ببعث المظهر القديم من سباته، أو إضافة آخر إلىجواره. ولسبر أغوار تلك الإشكالية، وبيان حكم القانون فيها، سنعرض لوجهيها على الترتيب المثبت بعاليه.أولاً- ملاءمة إثارة المسألة الدستورية في خصومة وقف تنفيذ القرارات الإدارية: تتطلب الحماية القضائيةوقتاً سواء لتحقيق المواجهة وكفالة حق الدفاع، أو للدراسة وتمحيص المستعجل وتشكل في ذات الوقت أساس الحكم بوقف الدعوى للبت في المسألةالدستورية) .»)4 وقصارى القول أن المسألة الدستورية لا حظر على طرحها أثناء نظر الشق المستعجل لدعوى الإلغاء، سواء من تلقاء نفس المحكمة أو بناء على دفع من أحد الخصوم. ولم تكن تلك هي وجهة نظر الحكومة، فقد بنت طعنها أمام المحكمة الإدارية العليا على أن المحكمة )محكمة القضاء الإداري( كانت «ملزمة وفق الفقرة الثانية من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، وقد رأت جدية الدفع بعدم الدستورية، أن تؤجل نظر الدعوى وتحدد للمطعون ضدهمميعاداً لا يجاوزثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا وأن فصلها في الطلب المستعجل يكون لذلك قد جاءمخالفاً للقانون .»وفصلاً في الطعن إنحاز القاضي الإداري الأعلى إلى فهم محكمة القضاء الإداري مرتكزاً على دعامتين:1( الدفع بعدم الدستورية– حال الاقتناع به– يشارك في توفير سبب يرجح إلغاء القرار المطعون عليه عند نظرالموضوع. 2( انتفاء التعارض بين القضاء بوقف التنفيذ وإحالة النصوص المشكوك فيها للمحكمة الدستورية.وتفصيلاً لذلك أوضحت الحيثيات: «ولا حجية فيما ذهب إليه الطعن كذلك من أنه كان يتعين على المحكمة وفق حكم المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا… وقد رأت جدية الدفع بعدم الدستورية، ألا تفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وتلتزم بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا، لا حجية في ذلك، لأن الفصل في دستورية النصوص التي حددتها المحكمة، وإن كانلازماً للفصل في طلب إلغاء القرار المطعون فيه، وهو موضوع الدعوى، فإنه ليس لازماً للفصل في الطلب المستعجل، وهو طلب وقف تنفيذ ذلك القرار، إذ يكفي لوقف التنفيذ أن يتوافر ركنا الجدية والاستعجال في الطلب، ويكفي لتوافر ركن الجدية أن تكون النصوص القانونية التي استند إليها القرار المطعون فيه بحسب الظاهر ودون تغلغل في الموضوع،مشكوكاً في دستوريتها، أو يرجح في نظر المحكمة أنها غير دستورية، مما يرجح معه الحكم بعدم دستوريتها، ومن ثم بإلغاء القرار المطعون فيه عند نظرالموضوع .» واستطردت المحكمة قائلة: «ولا تعارضبين ما قضى به الحكم المطعون فيه من وقف تنفيذ القرار،
وما قضى به من وقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ما بينته من نصوص القانون رقم 17 لسنة1983 ، إذ لكل من القضائين مجاله الذي لا يختلط فيه بالآخر، فالأول خاصبالطلب المستعجل، وهو يقوم على ركني الجدية والاستعجال، ومتى توافرا قضي بوقف تنفيذ القرار، أما الثاني فخاص بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القرار المطعون فيه، وذلك يتوقف على الفصل في المسألةالدستورية5(»(. ويكشف العرض السالف عن التوافق بين درجتي التقاضي في مجلس الدولة علىصعيدين: أولهما: جواز إثارة المسألة الدستورية بمناسبة نظر طلب وقف تنفيذ القراراتالإدارية. ثانيهما: تقدير جدية المسألة الدستورية له وظيفة مزدوجة، فهو من ناحية يدعم شرط جدية الوسائل في الطلب المستعجل، ومن ناحية أخرى ينظر إليه كمسألة أولية لازمة للفصل في النزاع موضوعياً،ونظراً لدخول تلك المسألة في اختصاص قاضي آخر )القاضي الدستوري(، فيتعين جوانب النزاع، وإعلان الحكم الفاصل فيالإدعاءات. إلا أن بعض الخصومات لا تتحمل انتظار أي فترة زمنية مهما قصرت، لذا حرص الشارع على توفير آلية يمكن عبرها التدخل بإجراءات وقتية في ظروف الاستعجال حماية للحق، ريثما يفصل في موضوع الدعوى. وتعرف الإجراءات الوقتية بالقضاءالمستعجل. وقننت هذا القضاء بشأن القرارات الإدارية المادة49/ 1 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 الناصة على أنه «لا يترتب على رفع الطلب )طلب الإلغاء( إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذرتداركها .» وهذا النص أشار إلى ضابط موضوعي وحيد لوقف التنفيذ ألا وهو الاستعجال )النتائج التي
يتعذر تداركها( إلا أن القضاء ضم إليه آخر يتجسد في جدية المطاعن، أي أن المناعي المصوبة للقرار ترجح أن مصيره حال نظر الموضوع سيكون حومة الإلغاء ويثور التساؤل حول ملاءمة إثارة المسألة الدستورية بمناسبة نظر طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية. وقد يعتقد أن القضية المطروحة طارئة أو مستحدثة، إلا أن استقراء الأحكام يكشف عن أنها اقترنت بالبدايات الأولى للمحكمة الدستوريةالعليا. فقد صدر قانون )القانون رقم 125 لسنة1981 ( حل بمقتضاه مجلس نقابة المحامين. طعن أصحاب الشأن بإلغاء قرار تشكيل مجلس نقابة مؤقت مع الدفع بعدم دستوريةالقانون. وأثناء نظر الدعوى صدر قانون آخر) 109 لسنة1982 ( وأعيد بمقتضاه تشكيل مجلس النقابة المؤقت. وتلى ذلك صدور القانون رقم 17 لسنة 1983 بتنظيم مهنة المحاماةمتضمناًنصاً يعطي لجنة من هيئات القضاء برئاسة رئيس محكمة النقض الحق في تشكيل مجلس نقابة مؤقت وهو ما تمبالفعل. ولمواجهة الموقف لجأ مجلس النقابة الشرعي إلى محكمة القضاء الإداري، لإلغاء ووقف تنفيذ قرار تشكيل مجلس نقابة مؤقت طبقاً للقانون رقم 17 لسنة 1983 مع المطالبة بإحالة القانون المشار إليه إلى المحكمة الدستوريةالعليا. وبجلسة 5 يوليو 1983 قضت محكمة القضاءالإداري: أولاً- بوقف تنفيذ القرار الصادر في18/4/ 1983 من اللجنة المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار قانونالمحاماة. ثانياً- بوقف الدعوى وبإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادتين الثانية والثالثة والفقرة الثانية من المادة الرابعة والفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار قانونالمحاماة. وقدرت المحكمة أن إثارة المسألة الدستورية بمناسبة نظر الشق المستعجل تستأهل بعض الإيضاحات.وتبياناً لذلك سجلت الحيثيات: «وعن وقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية ما أوضحته المحكمة من مواد القانون رقم 17 لسنة 1983 بإصدار قانون المحاماة، فإن المحكمة فعلت ذلك لما تراءى لها من أن النصوص التي تشكل المصدر المباشر للقرار المطعون فيه، وهي نصوصالمواد الثانية، والثالثة، والفقرة الثانية من المادة الرابعة، والفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون المشار إليه، تبدو في ظاهرها مخالفة لحكم المادة 56 من الدستور…3(»(. وتطرقت المحكمة عقب ما سبق إلى جواز طرحالمسألة الدستورية بصدد طلب مستعجل، موضحة أن هذين الحكمين )وقف التنفيذ– الإحالة للمحكمة الدستورية العليا( غير متعارضين، «إذ لكل منهما مجاله وآثاره، فأولهما لا يعدو أن يكون إجراءوقتياً اقتضته الضرورة وقام في الظاهر على أسباب جديةيرجح معها إلغاء القرار المطلوب وقف تنفيذه. أما الثاني فلا يعدو أن يكون إجراء استوجبته ظروف الدعوى إزاء ما اكتنفها من مطاعن دستورية اقتضت سلوك هذا السبيل، وهو يتضافر مع مرحلة التحضير التي تتولاها هيئة مفوضي الدولة لتهيئة الدعوى للفصل فيها موضوعاً، وهذا الإجراء وإن كان أولياً لازماً للفصل في طلب الإلغاء إلا أنه لا علاقة له بطلب وقف التنفيذ سوى في استظهار أسباب عدم الدستورية التي تشكل ركن الجدية في الطلب وقف نظر الشق الموضوعي للخصومة لحينحسمها. وهذا التوافق، بل نكاد نقول التطابق، بين محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا في النتيجة ومسبباتها، كان يدعو لتوقع عدم بروز الاختلاف حول الموضوعمستقبلاً. إلا أن هذا التوقع تراجع حال النزاع حول مشروعية قرارات رئيس الجمهورية بإحالة قضايا بعينها إلى محاكم أمن الدولةطوارئ. فقد طعن أمام محكمة القضاء الإداري على أحد هذه القرارات )القرار رقم 375 لسنة1992 ( للمطالبة بإلغائه ووقف تنفيذه، واستجابت المحكمة للطلب المستعجل من منطلق أن سلطة رئيس الجمهورية في هذا الشأن تتعلق بإحالة أنواع معينة من الجرائم، وعلى ذلك يجاوز هذا الاختصاص إحالة قضية بعينها أو دعاوى بذاتها. فرئيس الدولة «ليس جهة إحالة للدعاوى، وليس سلطة اتهام حتى يتصل فعله بقضية محددة أو بدعوى معينة ولكنه جهة مفوضة من القانون في شأن من شئون الاختصاص والذي يمارسه بالنسبة لنوعيات جرائم معينة بالوصف والشرط، وليس بالذات والشخصاحتفاظاً بما للقواعد القانونية من صفة العمومية والتجريد. ومن ثم يتعين أن تكون الإحالةوفقاً للمادة السادسة المشار إليها متصلاً بأن يكون المحال من الجرائم المحددةنوعاً لا من القضايا أو الدعاوى المفردة أو المعينة بشخوصها وبذواتها، استهداء بشمول اللفظ واستغراقه لجميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر في بعضها دون البعض.» ولم يرق هذا الحكم الإدارة التي سارعت بالطعن عليه لجملة أسباب في مقدمتها صدوره على خلاف قضاء سابق للمحكمة الإدارية العليا )الطعن رقم 964 لسنة27 ق في12/11/1983(. وفي محاولة لوأد الطعن دفع المطعون ضدهم بعدم دستورية قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 لعدم عرضه بعد صدورهكقرار بقانون على مجلس الأمةطبقاً لدستور 1958 )المادة53 (، وكذلك تجاوز القرار المطعون فيه الاختصاصات المخولة لرئيس الجمهورية في المواد 9 ،8 ،7 من القانون المذكور وعدم دستورية نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1968 والمعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم)5( لسنة1970. وعلى غير انتظار نحت المحكمة الإدارية العلياالدفع بعدم الدستورية بذريعة تعارضه مع طبيعةالنزاعات المستعجلة. وترجمة لرؤيتها أوضحت المحكمة أن «هذا النزاع مستعجل بطبيعته ومن ثم يتعين الفصل فيه على سبيل الاستعجالوفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة فإنه يتعين حسمه بصفة عاجلة بناء على ما تبين من بحث المحكمة لركن الجدية والاستعجال من ظاهر الأوراق المودعة بالدعوى أو الطعن، ودون التوغل في صميم الموضوع، ويتعارض مع الالتزام بهذه المبادئ مع تعطيل وتعويق الفصل في الطلب المستعجل أو في الشق المستعجل من الدعوى باللجوء إلى دفع أو طلب استيفاء عناصر من الواقع أو بحوث في القانون خارج نطاق جوهر الطلب المستعجل، أو إذا كان تحقيق ذلك لا يتم إلابعيداً عن نطاق المستندات والأوراق المودعة بملف النزاع أو بجهات قضائية أو إدارية أخرى غير ذات هيئة المحكمة ولا تخضع لسيطرتها وسلطتها القضائية في تحديد ميعاد الانتهاء من إنجاز الإجراء أو البحث المثار أو تقديم البيانات والأوراق اللازمة للفصل في الموضوع بزعم لزومها للفصل في طلب وقف التنفيذ .وأجملت المحكمة ما فصلته بقولها أن «التقدم بدفوع بعدم دستورية بعض نصوص القانون أثناء نظر الطلبات المستعجلة بوقف تنفيذ القرارات الإدارية في أية مرحلة من مراحل التقاضي أمام محاكم مجلس الدولةغير مقبول لأنه ليس لمقدمي هذه الدفوع أو الطلبات مصلحة قائمة وعاجلة يقرها القانونفضلاً عن أنه ليس لهذه الدفوع من الجدية التي تتوافق مع الطبيعة المستعجلة للنزاع على وقف تنفيذالقرارات الإدارية ما يبررقانوناً أو عدالة قبولها وذلكتطبيقاً لصريح نص المادة)3( من قانون المرافعات المدنيةوالتجارية) .»)6 وفي النهاية ألغت المحكمة الإدارية العليا حكم أول درجة ورفضت بالتالي طلب وقف تنفيذ القرار الإداري الطعين. وهذا الحكم جرى على خلاف مبدأ سابق أقرته المحكمة الإدارية العليا، وهو ما كان يشكل حالة من حالتي الرجوع إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها في المادة 54مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972وفقاً لتعديل1984. فقد ألزم الشارع باللجوء إلى تلك الدائرة في فرضين أولهما اختلاف أحكام المحكمة الإدارية العليا في موضوع ما، وثانيهما الرغبة في العدول عن مبدأ سبق إقراره من القاضي الإداري الأعلى، وهو الفرضالذي نحنبصدده علما بأن صياغة المادة 54مكرراً من قانون مجلس الدولة وردتبأسلوب التقييد لا التخيير، فعند توافر المبرر لا مفر من العودة إلى دائرة توحيدالمبادئ وبرغم هذا المأخذ الذي غلف قضاء المحكمة الإدارية العليا، فقد اتجهت محكمة القضاء الإداري صوبه برفض التدرع بالحماية الدستورية في المنازعات الوقتية،وتمشياً مع ما سلف حينما قدرت المحكمة مخالفة النص الواجب التطبيق للدستور بمناسبة نظرها طلب وقف تنفيذ قرار إداري، قضت بوقف الدعوىتعليقاً، وإحالة الأوراق للمحكمة الدستوريةالعليا. وهذا النهج يعني رفض الطلب العاجلضمناً، وبذلك لم يتبقمطروحاً أمام القاضي إلا الشق الموضوعي. وفي هذا الإطار تثار المسألة الدستورية كمسألة أولية لازمة للفصل فيالموضوع. وهكذا تبدل قضاء محكمة القضاء الإداري من جواز إلى حظر الدفع بعدم الدستورية بمناسبةالطلبات العاجلة. وحينما رفع هذا القضاء إلى المحكمة الإدارية العليا أنكرته معلنة إمكانية قبول الدفع بعدم الدستورية في الطلبات المستعجلة، وهو ما يفيد تحولها مرة أخرى عن موقفها منالموضوع. وارتبط بذلك بعث التذكرة بعدم التعارض بين طرح المسألة الدستورية وطبيعة الطلبات المستعجلة، فيكفي لوقف التنفيذ أن يصاحب الاستعجال ركن الجدية، ويكفي لقيام ضابط الجدية أن تكون النصوصالتي استند إليها القرار المطعون فيه، بحسب الظاهر ودون الغوصفي مكنونها،مشكوكاً في دستوريتها، مما يرجح في نظر المحكمة الحكم بعدم دستوريتها، ومن ثم بإلغاء القرار المطعون فيه عند نظرالموضوع. «ومن حيث إنه متى استبان ما تقدم وكان لكل من القضاءين مجاله الذي لا يختلط فيه بالآخر،فالأول خاص بالطلب المستعجل وهو يقوم على ركني الجدية والاستعجال، ومتىتوافرا قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، أما الثاني فخاص بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القرار المطعون فيه، وذلك يتوقف على الفصل في المسألةالدستورية واللافت للنظر أن عودة المحكمة الإدارية العليا لقضائها الأول لم يجر للمرة الثانية من خلال دائرة توحيد المبادئ كما تقضي النصوص)10(. وربما ذلك هو الذي يفسر أن قضاء أول درجة )محكمة القضاء الإداري( لا يسايردوماً اتجاه القاضي الإداري الأعلى. ولعل حكم الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري عام 2008 بمثابة نموذج مثالي للموقف غير الثابت من جواز إثارة المسألة الدستورية في الطلباتالمستعجلة. فقد طعن أمام محكمة القضاء الإداري بإلغاء ووقف تنفيذ قرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 بحظر ختان الإناث لمخالفته نصوص الدستور وأحكام الشريعةالإسلامية. وأثناء نظر الدعوى دفع بعدم دستورية المادة 242مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من تجريم إجراء عملية ختانالإناث. وبعد أن قلبت المحكمة الاتجاهاتالشرعية المختلفة حول الختان، خلصت إلى أنه يندرج في إطار المباحات، مما كان يفرض على الشارع تنظيمه بما يحقق صالح الفرد والجماعة لا حظره وتجريمه، وقدرت المحكمة أن الحظر والتأثيم الواقع من المشرع ينطوي على إهدار لحقوق الدستورية تستدعي عرض الأمر على المحكمة الدستورية للقطع برأيفيه. وبالفعل أحالت محكمة القضاء الإداري للقضاء الدستوري المادة 242مكرراً من قانون العقوبات وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة2007 ، بحسبان أن «الفصل في مدى دستورية المادة 242مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من تجريم عمليات الختان على وجه العموم، وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 القاضي بحظر قيام أي من الأطباء وهيئة التمريض بالعمليات المذكورة على نحو مطلق، يتوقف عليه الفصل في الدعوى المطروحة على المحكمة، وكان الفصل في دستورية ذلك النص وهذا القرار مما يخرج الفصل فيه عن ولاية هذه المحكمة، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بإحالة الأوراق… إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدىدستوريتها11(»(، مع وقف الدعوىتعليقاً لحين صدور حكم القاضيالدستوري. وهكذا لم ترتب المحكمة أثر الإحالة للمحكمة الدستورية العليا على طلب وقف التنفيذ. فقرار المحكمة تجاوز الشق المستعجل ونظر الشق الموضوعي مباشرة، وكأن الطلب باتخاذ إجراء وقتي غير مطروحأصلاً. ومفاد ذلك أن محكمة القضاء الإداري طبقت القضاء الذي عدلت المحكمة الإدارية العليا عنه، والقائم على التعارض بين المسألة الدستورية والطلبات المستعجلة. ويستفاد من ذلك أن إثارة المسألة الدستورية بصدد الطلبات المستعجلة– علىخطورتها– لم تحسم بصورة قاطعة، كل ذلك بالرغم من تنوع المدعمات لمنع إقصاء المسألة الدستورية من حيز المنازعات الوقتية،وخصوصاً وقف تنفيذ القراراتالإدارية: 1( من الأهمية بمكان بيان أن طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية ليس له استقلالية، فهو مجرد طلب في إطار دعوى الإلغاء. وبناء عليه لا تقبل طلبات وقف التنفيذ التي تقدم قبل أو بعد تقديم دعوى تجاوز السلطة، فطلب وقف التنفيذ فرع من أصل، وبطبيعة الحال لا وجود للفرع حال تخلف الأصل. وهذا الفهم لحقيقة وقف التنفيذ يسهم في إيجاد مخرج للمشكلة محلا لمعالجة.فبسبب الرباط الحتمي بين دعوى الإلغاء وطلب وقف التنفيذ، يمكن أثناء نظر خصومة وقفالتنفيذ اتخاذ إجراء يتعلق بالدعوىالموضوعية. وهكذا تنزاح العقبة الحاجبة لإثارة المسألة الدستورية في طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية،والزاعمة أن ذلك يتجاوز إطار الإجراءاتالوقتية. فسواء دفع الخصوم بعدم الدستورية، أو قدرت المحكمة ذلك من ذاتها، فالأمر ينصرف إلى الدعوى الموضوعية لا الشق العاجلمنها. وكل ما هنالك أن دواعي عدم الدستورية تنعكس على طلب وقف التنفيذ فيما يتعلق بركن الجدية.( رفض إثارة المسألة الدستورية في الطلبات المستعجلة يقلل من فاعلية الدعوى الدستورية والحكم الصادرفيها. وتزودنا قضية الختان بمثال واقعي على تلكالنتيجة. فبالرغم من إحالة المحكمة النصوصالطعينة للمحكمة الدستورية العليا، فإن هذا القضاء يفسر على أنه رفض لطلب وقف التنفيذ،وتبعاً لذلك تظل النصوص المحالة للقاضي الدستوري مطبقة وسارية، حتى تبت المحكمة الدستورية فيمصيرها. وفي هذه الأثناء يستمر الحرمان من الحق في ممارسة مهنة، وتطارد العقوبات الجنائية المخالفين. وإذا صدر الحكم بعدم دستورية النصوص المطعون عليها، فلن يسترد المحروم من ممارسة نشاط مهني حريته السلبية عن الماضي، أو يمحى أثر عقوبة نفذت وانقضتمدتها(3( الفهم المساير لتعارض المسألة الدستورية وطبيعة النزاعات المستعجلة، يتحول إلى نوع من التغول الجزئي على حقالتقاضي. فبعض المنازعات لا تكتمل الحماية القضائية المقررة لها إلا بالسماح بإجراءات عاجلة، واستبعاد تلك الإجراءات لا معنى له إلا إهدار جانب من حق التقاضي مع مراعاة الانعكاس السلبي لهذا الإهدار على الحماية الموضوعيةالمتبقية. وفضلاً عن ذلك فإن عدم الفصل في الطلب المستعجل يجعلنا في مواجهة فرض من فروض إنكارالعدالة. فالطلب العاجل لم يفصل فيه من قاضي أول درجة، وهو ما يحول دون الطعن عليه أمام الدرجة الأعلى لانتفاء الحكم الذي يمكن اتخاذه محلاً للطعن. وهكذا توصد أبواب القضاء أمام حماية مقررةومكرسة. 4( رفض إثارة المسألة الدستورية بمناسبة طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية يحملتناقضاً يتعذرتقبله. فوقف التنفيذ يتأسس علىركنين: – جدية الوسائل: وهذا الشرط يوفره قبول جدية الدفع بعدم الدستورية، أو تقدير المحكمة بالإحالة.- الاستعجال: )تعذر تدارك النتائج(، ولا ريب أن الشكوك الجدية بمخالفة نص الدستور خصوصاً إذا اتصلت بحق أو حرية، أبرز مثال لتعذر تداركالنتائج. فكيف والحال كذلك يمتنع القضاء عن تقبل إثارة المسألة الدستورية في الطلبات العاجلة؟
ثانياً- الامتناع حال الاستعجال عن تطبيق نص ظاهر تصادمه مع الوثيقة الدستورية: بدهي أن إنشاء محكمة مركزية لرقابة دستورية التشريعات البرلمانية والفرعية يستتبعه العهود لتلك المحكمة وحدها بالاختصاص بحسم المسألةالدستورية. وحينما نظم الشارع التأسيسي– لأول مرة– الرقابة الدستورية حصرها بين يدي المحكمة الدستورية العليا من خلال نصه على أن تتولى تلك المحكمة «دون غيرها » الرقابة القضائية على دستورية القوانينواللوائح. وبرغم صراحة النصوص ووضوحها في هذا الصدد تميل الجهات القضائية إلى مشاركة المحكمة الدستورية العليا في مباشرة أخصوظائفها:رقابة دستورية القوانين واللوائح. فمنذ فترة برز في قضاء النقض «تكنيك » النسخ الضمني. ومن خلال هذا المنفذ سمح القاضي العادي لنفسه باستبعاد نصوص القوانين المزعوم مخالفتها للأحكام الدستورية. وعولت محكمة النقض، لتبرير مسلكها، على أن «الدستور هو القانون الوضعي الأسمي، ويتعين على ما دونه من تشريعات النزول عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، فإذا ما أفرد الدستورنصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النصفي يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف في هذه الحالة سواء كانسابقاً أولاحقاً على العمل بالدستور، قد نسخضمناً بقوة الدستورنفسه…14(»(. وقد أبنا في دراسة سابقة تعارضقاعدة النسخ الضمني مع مبدأ مركزية الرقابة. فاستبعاد القاعدة الأعلى للأدنى يفترضتناقضهما. ويصعب التوصل لهذا الاستخلاص بدون تحديد نطاق النص الدستوري ومداه ومقابلته بالقانون العادي، وهي مهمة مقصورة على المحكمة الدستوريةالعليا)15(. ولم تكد رياح الجدل التي أثارتها فكرة النسخ الضمني في القضاء العادي تهدأقليلاً، حتى واجهتنا عاصفة انطلقت هذه المرة من مجلس الدولة مفادها إمكانية استبعاد القاضي لنص القانون المتصادم صراحة مع الدستور في حالةالاستعجال. فقد أحيل أحد طلاب كلية الهندسة بإحدى الجامعات إلى مجلس تأديب الطلاب بتهمة مخالفة القوانين واللوائح والتقاليد الجامعية والخروج على حسن السير والسلوك والاحترام الواجب للأساتذة والتربح من بيع نماذج أسئلةالامتحان. وفي ختام المحاكمة أصدر مجلس التأديب قراره بفصل الطالب من الكلية لمدة شهر.وعقب تظلم من القرار لم يستجب له، تقدم صاحب الشأن بدعوى طلب في ختامها إلغاء ووقف تنفيذ قرار مجلس التأديب. وكان عجز المادة 184 من قانونتنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 يشكلمانعاً من قبول الشق المستعجل من الطعن بنصه على أنه «… لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ قرارات مجلس تأديب الطلاب أو مجلس التأديب الأعلى قبل الفصل فيالموضوع .» وقدرت المحكمة قيام مظنة جدية لمخالفة الفقرة الأخيرة من المادة 184 من قانون تنظيم الجامعات للدستور. فالنص «حجب المحكمة عن التصدي للشق العاجل من الدعوى إلا أنه إزاء ما يتضمنه هذا
النص من الانتقاص من حق التقاضي المكفول دستورياً وحرمان الطالب من الاستفادة من الحماية الوقتية العاجلة التي يحققها طلب وقف التنفيذ والتي نظمها قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 في المادة 49 منه وهو قانون خاص بتنظيم القضاء الإداري وتحديد السلطات المخولة لمحاكمه فضلاً عما يتضمنه من فرض قيد على المحكمة ينتقص من اختصاصها المحدد بالقانون المنظم لها ويحجبها عن مباشرة هذا الاختصاص فإن النص بهذا النظر يتعارض مع أحكام الدستور وقانون مجلسالدولة… .» وكان حسب المحكمة بعد بيانها السابق أن تعتبر شبهات مخالفة الدستور مفضية لاستيفاء شرط الوسائل الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار الطعين، ولقيام الاستعجال تعين الحكم بوقف تنفيذ القرار، مع وقف الدعوىتعليقاً وإحالة المادة 184 من قانون تنظيمالجامعات إلى المحكمة الدستورية العليا لتقرير الإبقاء عليها ضمن مكونات مبدأ المشروعية أم إبعادها من مدارجها. إلا أن المحكمة فاجأتنا بالعهود لنفسها – حال الاستعجال – بسلطة الإمتناع عن إعمال نص القانون المتصادم بشكل ظاهر معالدستور. وهكذا أقرت محكمة القضاء الإداري لنفسها سلطة الامتناع عن تطبيق النص القانوني بضابطين:•المخالفة الواضحة للدستور.•الاستعجال. وفي محاولة لفض الاشتباك بين هذه النتيجة وتنظيم الرقابة الدستورية بصورة مركزية، أعلنت المحكمة: “إذا كان المشرع قد اختص المحكمة الدستورية العليا بالحكم بعدم دستورية النصوص التشريعية بما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعدام هذا النص في الماضي والحاضر والمستقبل فإن هذا الاختصاص لا يحجب هذه المحكمة من حقها في الامتناع عن تطبيق النص سالف الذكر لما شابه من تصادم ظاهر مع الدستور وأحكام قانون مجلس الدولة)( ولما يحيط بواقع الدعوى من ملابسات وظروف الاستعجال17(»(.وتمشياً مع هذا الفهم قضى منطوق الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، دون إشارة من قريب أو بعيد إلى عرضأمر المادة 184 من قانون تنظيم الجامعات على المحكمة الدستوريةالعليا! وهذا القضاء يستلزم وقفة متعددةالجوانب: أ( إنشاء القاضي الدستوريممثلاً في المحكمة العليا ومن بعدها المحكمة الدستورية العليا كان من غاياته الرئيسية التخلي عن نهج رقابة الامتناع، لما انطوى عليه من مثالب أخصها تضارب الأحكام وتعارضها. وأي اجتهاد يعيدنا إلى الوضع السابق، مهما كانت دوافعه ومبرراته، لا يناقض إرادة السلطة التأسيسية فقط، وإنما نصوص الدستور الجلية في قصر الرقابة الدستورية على المحكمة الدستورية العليا دون غيرها من الجهات القضائية الأخرى مدنية كانت أمإدارية. وقد سنحت الفرصة للمحكمة الدستورية العليا للتأكيد على المعاني سالفة البيان بإعلانها أن أي انتقاص لمبدأ مركزية الرقابة على دستورية القوانين يعود بنا «إلى ما كان عليه الأمر قبل إنشاء القضاء الدستوري المتخصصمن صدور أحكام متعارضة يناقض بعضها بعضاً مما يهدر الحكمة التي تغياها الدستور من تركيز هذه الرقابة في محكمة عليا تتولى دون غيرها الفصل في دستورية القوانين واللوائح وحماية أحكام الدستوروصونها ب( تجاوزت محكمة القضاء الإداري السلطات المقررة لقاضي الموضوع، فالدور المناط بهذا القاضي يقف عند حد تقدير جدية الدفع بعدم دستورية النص. وتقدير الجدية يكفي فيه الشبهات بعدم الدستورية)19(. ويختلف الحال في رقابة الامتناع، حيث أن الأصل عدم استبعاد تطبيق نصبعد التيقن من تنكبه للنصوص الدستورية. فلقاضي الموضوع حال تقدير المخالفة الدستورية في رقابة الامتناع ذات المهام الملقاة على المحكمة الدستورية. وممارسة القاضي العادي أو الإداري– حالياً – سلطة نهاية مطافها الحلول محل المحكمة الدستورية العليا يتعذر إسنادها إلى نصدستوري أو حتى تشريع برلماني. ج( تذرعت المحكمة في تبنيها رقابة الامتناع بوجود استعجال. وهذا التحليل محل نظر شديد منزاويتين: •النص الدستوري الفارض لمركزية الرقابة سن قاعدة عامة غير مثقلة بأدنى استثناء، والمبدأ أن العام يبقي على عمومه حتى يخصصبأداة من ذاتالمستوى. •ولتخلف هذا التخصيص لا محل للاجتهاد لإيجاد ثغرة في بناء مبدأ أراد له المشرع سمة الإطلاق.•الاستعجال لم يكن يعوق بلوغ الحماية المطلوبة دون التضحية بمبادئ مستقرةوثابتة. فكما سبق القول فإن الاقتناع بوجود شبهات بعدم الدستورية يسمع بإجراء في الشق المستعجل)توافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية( وآخر في الشق الموضوعي )وقف الدعوىتعليقاً وإحالة المسألة الدستورية للمحكمة الدستوريةالعليا(. وبذلك يراعى الاستعجال دون إهمال أو إغفال للنصوص المنظمة لرقابةالدستورية. د( قيدت محكمة القضاء الإداري إعمال رقابة الامتناع بوجود مخالفة دستوريةواضحة. وبساطة صياغة هذا الضابط لا تعكس سهولة تطبيقه، فالوضوح مسألة نسبية، فقد ترى المحكمة المطروح عليها النزاع المخالفة الدستورية واضحة، وتعود ذات المحكمة أو محكمة أخرى في نزاع مماثل وتتبنىموقفاًمغايراً. ونتيجة لذلك قد نطالع مفارقات تتأذى لها ومنها العدالة القضائية. فالقاضي الذي رأى وضوح المخالفة سيمتنع عن تطبيق النص، أما في الفرض العكسي حيث تلوح للمحكمة أن هناك شبهات مخالفة يحتاج حسمها الرجوع إلى المحكمة الدستورية العليا، فإن القاضي سيحيل الأمر للقاضي الدستوري الذي قد يخلصلدستوريةالقانون. وهكذا من المحتمل أن تقودنا فكرة الوضوح إلى عدم تطبيق نص قد يعلن القاضي المختص )المحكمة الدستورية العليا( اتفاقه وأحكام النصوص الدستورية! ه( خطورة الحكم موضع التحليل أنه لا يتبدى كمجرد تعبير عن حنين لرقابة الامتناع في نوع بعينهمن المنازعات، وإنما يبدو وكأنه يرسي قاعدة عامة يسمح بمقتضاها للقاضي بالتصدي للمسألة الدستورية وترتيب نتائجها على النزاعات المعروضة دون الرجوع للمحكمة الدستورية العليا. ويكفي لإعمال هذه المكنة توافر الاستعجال على غزارة إشكاله وتعدد أنواعه، وسواء تعلق بالقرارات الإدارية أم بغير ذلك من خصومات، بل من المتصور أن يتجاوز هذا القضاء المحاكم الإدارية إلى المحاكم العادية، فجوهر الاستعجال في المجالين واحد، كل ذلك رغمجليّ التعارضمع النصوصالدستورية. كلمة أخيرة: لم تكن غاية السطور السالفة إدانة الأحكام التي عرضنا لها، وإنما بيان تداخل المبادئ التي أتت بها مع دور المحكمة الدستوريةالعليا. ومهما كانت مبررات هذا الوضع، فإن تصادمه مع الدستور يكفي للتحذير من مغبته والتنبيه لعواقبه. وإذا وجدت صعوبات أمام بلوغ عدالة أدنى للمثالية، فإن التغلب على المعوقات لا يكون بخرق النصوص السارية، وإنما بالدعوة إلى تعديلها من خلال القنوات الرسمية،فالحلول التي تخرج من رحم مخالفة قانونية تولد مشوهة لا مستقبل لها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً