بحث في حرمة التأمين التجاري
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد :فيعتبر التأمين من القضايا الفقهية المعاصرة التي ظهرت في عصرنا الحاضر في القرن الرابع عشر الهجري والخامس عشر الهجري ،و قد دخل التأمين في جميع نواحي الحياة من تأمين على النفس وتأمين على المواهب والجمال وتأمين على الأموال وتأمين على الأولاد وتأمين على الزوجة وغير ذلك و هذه القضية من القضايا الوافدة من بلاد الغرب فقد بدأ أول عقد تأمين في نطاق عمليات التجارة البحرية بتأمين على السفينة والبضاعة والقرض في بلاد الغرب في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي ثم بدأ التأمين البحري في الانتشار ، ولأن التأمين من النوازل فهو يحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيه كأي حادثة أو نازلة ،
وقد سئل العلامة محمد أمين الحنفي 1252هـ عن هذا النوع من التأمين ،فقال بحرمته ،ورأي جمهور العلماء المعاصرين بحرمة التامين التجاري ،ولكن بعض العلماء قال بالجواز ،والقول بالجواز يخالف ما دل عليه الكتاب والسنة من حرمة هذا النوع من التأمين فهو يشتمل على الغرر والقمار و بيع الدين بالدين و يشتمل على الربا ،
وفيه ضرر ومخاطر عظيمة وأكل لأموال الناس بالباطل وهي أمور يحرمهاالشرع المطهر وينهى عنها أشد النهي فكيفيجوز هذا النوع من التأمين ،وحتى لا ينخدع الناس بحجج من أباح التأمين التجاري عزمت على كتابة بحث فيه ،وأسميته : (( إعلام القاصي والداني بحرمة التأمين التجاري )) لكي أفند هذه الشبه فما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فالله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه والصلام عليكم و رحمة الله .
فصل 1: التأمين تعريفه أركانه أنواعه نشأته :
المطلب الأول : تعريف التأمين : من المعروف لدى العلماء أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ،ولذلك نبدأ بتعريف التأمين ،و التأمين لغة هو السلامة والاطمئنان من أمن ، إذا وثق من دفع الخطر ،وهو نقيض الخوف[1]. أما التأمين اصطلاحا فهو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه،
مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن وأطلق عليه ابن عابدين سوكرة[2] والتأمين من الناحية القانونية كما قال المقنن المصري هو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيراد مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد ،وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن ،
وعاب الدكتور محمد نزيه هذا التعريف وقال أنه تعرض فقط للجانب القانوني لعملية التأمين وهو علاقة المستأمن بالمؤمن ،ولم يتعرض للجانب الفني وهو الأسس الفنية التي يستند إليها المؤمن في تغطية الخطر المؤمن منه فشركة التأمين تقوم بالتعاقد مع عدد كبير من المستأمنيين تتقاضى من كل منهم قسطا معينا بحيث أنه عند وقوع الخطر لأحدهم تقوم الشركة بتعويضه من مجموع الأقساط التي تقاضتها من سائر المستأمنيين ،
وتقوم الشركة عند تحديد سعر قسط التأمين بالاستعانة بقوانين الإحصاء الدقيقة بحيث يمكن تحديده التحديد الدقيق الذي لا يعرض الشركة للخسارة أو للخطر الجسيم ،وفضل الدكتور محمد نزيه تعريف التأمين بأنه عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين ،وهو المستأمن ،نظير دفع مبلغ معين ،وهو القسط ،على تعهد لصالحه أو للغير في حالة تحقق خطر معين .
من الطرف الآخر ،وهو المؤمن الذي يتحمل هعلى عاتقه مجموعة من المخاطر بحذى المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء ،و هذا التعريف ينطبق على كافة أنواع التأمين سواء التأمين على الأشخاص أو التأمين من الأضرار ،وقد أبرزالعناصر القانونية لعقد التأمين ،وهي طرفاه ،والخطر المؤمن منه ،والقسط الذي يدفعه المستأمن والمقابل الذي يدفعه المؤمن عند وقوع الخطر ،وذكر التعريف الأسس الفنية التي تقوم عليها عملية التأمين من جمع المخاطر الفنية للمستأمنين ،وإجراء المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء [3] .
المطلب الثاني : أركان التأمين : من خلال تعريف التأمين يمكن أن نعرف أركانه ؛لأن الركن جزء من حقيقة الشيء [4] وبمعرفة الشيء تعرف أركانه ،وعقد التأمين كأي عقد مكون من عاقد ومعقود عليه و صيغة عقد فالعاقد هو المؤمن ( شركة التأمين )والمؤمن له (المستأمن ) ،والمعقود عليه ثلاثة :
الأول : مبلغ التأمين الذي يأخذه المؤمن له في حالة وقوع الخطر ، ومبلغ التأمين الذي تلتزم به الشركة يراعى فيه الأضرار الناجمة عن الخطر للمؤمن عليه ،
والثاني : الخطر الذي قد يحدث فهو غير محقق الوقوع فلا يعلم الغيب إلا الله ،
والثالث : قسط التأمين وهو المبلغ المالي الذي يدفعه المستأمن للمؤمن ( الشركة ) مقابل التعويض عن الخطر ،وصيغة العقد ،وهي الإيجاب والمقبول .
المطلب الثالث : أنواع التأمين : للتأمين ثلاثة أنواع :
النوع الأول : التأمين التبادلي ( التعاوني ): وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات ،وهم لا يهدفون لربح بل لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم فكل واحد منهم يعتبر مؤمنا ومؤمن عليه ،وقد أفتت اللجنة الدائمة بحله والشيخ أبو بكر الجزائري[5] .
النوع الثاني : التأمين الاجتماعي : وهو عقد تلتزم به الدولة تجاه فئة معينة من الناس – كالعمال مثلا – بتقديم المساعدة لهم حين العجز عن العمل، أو حين حدوث إصابات بسبب العمل، مما تجبيه منهم ومن أرباب العمل ومما تساهم هي به .
وقد قال د. رمضان حافظ عبد الرحمن أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بحرمته[6] .
النوع الثالث : التأمين التجاري : وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض من أجل الحصول على ربح ،و هو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن ،وأكثر أهل العلم على حرمته ،وهو محل دراستنا في هذا البحث .
المطلب الرابع : نشأة التأمين :
يعتبر التأمين البحري أول نوع ظهر من التأمين ،وكان في القرن الرابع عشر الميلادي في بلاد الغرب ، وكان يتعهد شخص فيه( المقرض )بإقراض صاحب السفينة ( المقترض )مبلغا من المال لتجهيز السفينة وشحن البضاعة بحيث إذا غرقت السفينة لا يستوف الدائن دينه ،وضاع قرضه أما إذا وصلت البضاعة سالممة فإن المدين (المقترض ) يرد المبلغ بالإضافة إلى فوائد مرتفعة السعر مقابل مخاطرة الدائن في هذا العقد ،وصدر قرار من الكنيسة بتحريم عقد القرض على السفينة 1334م ،
وحرمة اشتراط الفائدة ثم ظهر التأمين البري في إنجلترا في القرن السابع عشر الميلادي في صورة التأمين من الحريق عقب حريق هائل نشب في لندن ،وانتشر التأمين من الحريق في خلال القرن الثامن عشر الميلادي غير انجلترا خاصة في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ثم انتشر التأمين ،وتنوعحتى تطور للتأمين على الحياة ثم التأمين على الولاء (عدم الخيانة )ثم التأمين على المواهب والجمال [7].
فصل 2: النظر لحقيقة التأمين يبين حرمته :
من المعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ،وعند النظر لحقيقة التامين نجده يشتمل على الكثير من المحرمات ،ويستدل على حرمة التأمين باشتماله على الربا والقمار والغرر وبيع الدين بالدين وأكل المال بالباطل ،والإلزام بما لم يلزم به الشرع ،وكل واحدة منهما تكفي لتحريم التأمين فعند النظر لحقيقة التأمين ،وهي أن تلتزم شركة التأمين بمقتضى عقد التأمين أن تؤدي إلى المستأمن،
أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن فنجد في التأمين المستأمن يدفع مال للشركة والشركة عند وقوع الخطر تعطيه مبلغ من المال تعويضا عن الخطر الذي بسببه التأمين إذا تحقق هذا الخطر ، ولو أخذ المستأمن مثل ما دفعه كان ربا نسيئة ؛ لأن المستأمن يدفع نقد في مقابل نقد دون التقابض في المجلس ،
والنقود يشترط في بيعها التقابض في المجلس والتماثل فهي من الأموال الربوية التي يشترط فيها التماثل والقبض في المجلس فقد قالا البراء بن عازب وزيد بن أرقم : كنا تاجرين على عهد رسول الله rفسألنا رسول الله r عن الصرف فقال : « إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح»[8]و الصرف هو بيع النقد بعضه ببعض كالذهب بالذهب أو بالفضة ومثله بيع العملات الورقية كذلك وقوله r : ( يدا بيد ) أي يشترط أن يقبض كل من المتعاقدين البدل من الآخر في المجلس وقوله r : (نساء ) أي متأخرا دون التقابض في المجلس ،وقال : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم »[9]
أي يشترط التماثل إذا كانا من نفس النوع ،وهناك شرط آخر ،وهو التقابض في المجلس ،فإن قيل إنه ليس بيعا يقال البيع هو تمليك المال بمال بإيحاب وقبول عن تراض منهما[10] أليس قسط التأمين الذي تأخذهالشركة يكون ملكا لها ،ومبلغ التأمين الذي قد يأخذه المستأمن يكون ملكا له ؟ وقد يقول قائل أنا اشتري الطمأنينة أنا اشتري راحة بالي فالتأمين يجلب الأمن والطمأنينة والراحة والهدوء للجميع ؛ فأصحاب المصانعمطمئنون إلى سير مصانعهم ونجاحها، وأصحاب الأموال واثقون من سلامة أموالهم،
وأصحاب البيع والشراء والتعامل مع البضائع مطمئنون إلى سلامةبضائعهم، وكذلك رجال الأعمال والموظفون والعمال، وغيرهم ممن يتعامل معالتأمين جميعهم يتاجر ويعمل بهدوء نفس وأمن واستقرار. و( يقال )الشيء المعنوي لا يشترى فمن شروط المبيع (المُثمن ) أن يكون مباحا طاهرا مقدورا على تسلميه معلوما لدى المشتري ،
ولو بوصفه[11] ،وليست الطمأنينة محل العقد ،وإنما محل العقد الأقساط ومبلغ التأمين ،والمستأمن ما أمن إلا للحصول على مال من شركة التأمين عند التعرض للخطر الذي بسببه التأمين فيكون قد دفع مالا من الأموال الربوية في مقابلة مال من الأموال الربوية دون التقابض في المجلس ،وهذا هو ربا النسيئة ،
وإن أخذ المستأمنأكثر مما دفعه يكون ربا فضل فربا الفضل هو بيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر ،وقد أفتت كل المجامع الفقهية بأن النقود الورقية لها ما للذهب والفضة من الأحكام[12] ،والخلاصة أن التأمين يتضمن الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة ، لأن حقيقته بيع نقدٍ بنقد ،ولم يحصل فيه التساوي ،ولا التقابض.
ننظر مرة أخرى لحقيقة التأمين ،وهي أن تلتزم شركة التأمين بمقتضى عقد التأمين أن تؤدي إلى المستأمن، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر البين في العقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن فنجد المستأمن يدفع مبلغ من المال من أجل الحصول على مبلغ التأمين فقد يأخذ مبلغ التأمين إن حدث له الحادث الذي بسببه التأمين ،ولا يأخذه إذا لم يحدث له الحادث ، إذن العوض قد يحصل ،
وقد لايحصل ،وهذا بيع الغرر ، وبيع الغرر هو الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا ؟[13] وقال الجرجاني : ( هو البيع الذي فيه خطر انفساخه بهلاك المبيع )[14] وقال ابن رشد : ( والغرر ينتفي عن الشيء بأن يكون معلوم الوجود معلوم الصفة معلوم القدر مقدورا على تسليمه وذلك في الطرفين الثمن والمثمون معلوم الأجل أيضا إن كان بيعا مؤجلا )[15]ومعنى هذا التعريف أن الغرر هو الجهل بوجود الشيء أو بمقداره أو عدم القدرة على تسليمه[16]، وقد نهى رسول الله عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر [17] قال النووي : ( الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث،
والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أثني، وكامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن، ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع ونقل العلماء الإجماع أيضاً في أشياء غررها حقير منها أن الأمة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة، وإن لم ير حشوها ولو باع حشوها منفرداً لم يصح وأجمعوا على جواز الدار وغيرها شهراً،
مع أنه قد يكون ثلاثين يوماً، وقد يكون تسعة وعشرين وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر و لا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة ، أو كان الغرر حقيراً جاز البيع، وإلا فلا، وقد تختلف العلماء في بعض المسائل كبيع العين الغائبة، وبيع الحنطة في سنبلها، ويكون اختلافهم مبنياً على هذه القاعدة، فبعضهم يرى الغرر يسيراً لا يؤثر، وبعضهم يراه مؤثراً )[18].
والتأمين من عقود المعاوضات ؛ لأن كل طرف يأخذ مقابل ما يعطي فالمؤمن له يعطي القسط ويأخذ مقابل ذلك ما التزم به المؤمن من أداء معين كما أن المؤمن يعطي ما التزم به للمؤمن له ويأخذ مقابل ذلك القسط الذي التزم بأدائه له المؤمن لهفعقد التأمين عقد معاوضة فيه ثمن (هو رسوم التأمين) ومثمن (هو التعويض الذي يدفع عندوقوع المكروه) وبائع (هو الشركة) ومشترٍ (وهو المستأمن).
وعقد التأمين عقد معاوضة يتوقف حصولها على أمر احتمالي ،وهو وقوع الخطر ، فإن وقع الخطر حصل المؤمن له على عوض أقساطه ، وهو مبلغ التأمين ، وإن لم يقع لم يحصل على شيء ، وضاع عليه ما دفعه من أقساط ،فالمؤمن له في حالة شك وعدم ثقة من حصوله على مبلغ التأمين الذي تعاقد عليه ، والفقهاء يبطلون أي معاوضة بوجود الغرر فيها ،و الشأن في عقود الغرر جهالة كل طرف ما يأخذ وما يعطي وهذا ظاهر في عقد التأمين فالمؤمن له لا يعرف هل سيأخذ ما التزم به المؤمن أو لا ؟ والمؤمن سيأخذ الأقساط ولكن لا يعلم هل سيدفع ما التزم به أو لا ؟ لأن ما التزم به معلق على حدوث الخطر (الحدث) المنصوص به في التأمين وهو آية الغرر في العقود.
وإن قيللا يوجد غرر في عقد التأمين لأن غايته حصول الأمان وقد حصل بمجرد العقد سواء وقع الخطر أو لا والثاني أنّه على فرض حصوله فهو غرر يسير لا يؤثر في العقد[19].والحكم الشرعي في عقود المعاوضات إنما يكون لمحلها لا إلى غاياتها فالغاية غير منضبطة ولكلٍّ أن يجعل غاية عقده بما يراه فيصح لنا أن نقول إن غايته عقد التأمين أكل المال بالباطل . ويمكن لمن يبيح الفوائد الربويّة أن يتذرع بأن غايتها تحريك المال وتنميته واستثماره .
وعليه فلا تعلق توصيف الأحكام بالمقاصد والحكم منها دون النظر لمحلها . ومحل عقد التأمين هو قسط التأمين وعوضه وهذا العِوَض مجهول الحصول والمقدار والأجل .الأمان إذا كان هو محل عقد التأمين فإنه ينبغي أن يكون منحه للمستأمن كافياً عن بذل عوض التأمين . وإذا قيل إن الأمان لا يحصل إلا ببذل عوض التأمين علمنا أن محل العقد هو المال وأن الأمان هو الباعث عليه أو الغاية منه .
وبما أن التأمين عقد معاوضة فالغرر يفسد عقود المعاوضات فجميع شركات التأمين ، وكل من يبيع التأمين يمنع منعا باتا التأمين ضد أي خطر غير احتمالي ، أي أن الخطر لا بد أن يكون محتمل الوقوع وعدم الوقوع حتى يكون قابلا للتأمين ، وكذلك يمنع العلم بوقت الوقوع ومقداره ، ويترتب على هذا نزاع ومشاكل بين المستأمن وشركات التأمين في صحة وقوع الخطر المؤمن عنه ، وعدم وقوعه ، وهل هو متعمد إيقاعه ، أم لا ؟ والكثرة الكاثرةمن المستأمنين هم الجماعة الخاسرة في عملية التأمين، والقلة النادرة من المستأمنين هي الفئة الرابحة أولئك الذين يقع لهم الحادث المـؤمن ضـده ممن تـدفع لهم شركات التأمين التعويضات، ولا فائدة لهم فيذلك إلا إذا جاوزت تـكاليف الحادث ما دفعوه من أقساط مع اعتبار زمن استثمار هذهالأقساط لو لم يدفعوها ، واستثمروها بأنـفـسهم حتى ذلك الحين.
و ترغب شركاتالتأمين في عدم حلول المصائب والأحداث في الأمور المؤمَّن ضدها حتى لا تضطر إلىدفع مبلغ التأمين الذي تعهدت به، ولذا فهي تضغط على المؤمَّن لهم وتشدد عليهمليجتنبوا الأخطار ويبذلوا الجهد في المحافظة على الأموال المؤمن عليها ،ومن هذا يتبين أن المستأمن في الغالب لا يحصل على عوض ،وهذا غرر فاحش والخلاصة أن التأمين يشتمل على الجهل بوقت أخذ العوض فقد يأخذه وقد لايأخذه وهذا غرر فاحش والغرر الفاحش حرام بالإجماع كما قال النووي ،
ننظر مرة أخرى لعقد التأمين ،وهو أن المستأمن قد يدفع قسطاً واحدا للتأمين ،ويقع الخطر فيأخذ مبلغ التأمين وقد يدفع قسط التأمين كله ،ولا يقع له خطر فيخسر ماله ،وهذا قمار فشركة التأمين تقول للمؤمن له : ادفع كذا ، فإن أصابك كذا ، دفعت لك كذا ، وإن لم يصبك خسرت ما دفعت ، والمقامر يقول للآخر : افعل كذا ، فإن أصبت كذا ، دفعت لك كذا ، وإن لم تصبه خسرت ما دفعت ، فكل منهما يخاطر معتمداً على الحظ اعتماداً مطلقا ، فالذي يدفع الأقساط ولا يقع له الحادث يخسر مبلغ التأمين ، والذي يقامر ولا يصيب الرقم الرابح يخسر المقامرة ، وليس لواحد منهما قدرة على تحقيق ما عاقد عليه ،
وإنما ينتظر كل منهما حظه الساقط أو الصاعد ،قال الجصاص : ( ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار ،وأن المخاطرة من القمار)[20] فاستحقاق المال بالخطر قمار[21] قال الجصاص : ( وحقيقته تمليك المال على المخاطرة ،وهو أصل في بطلان عقود التمليكات الواقعة على الأخطار كالهبات والصدقات وعقود البياعات ونحوها إذا علقت على الأخطار بأن يقول قد بعتك إذا قدم زيد ووهبته لك إذا خرج عمرو )[22] ،وقال النفراوي المالكي : ( ومن أنواع الباطل القمار ،وهو ما يأخذه الشخص من غيره بسبب المغالبة ثم اللعب بنحو الطاب أو المسابقة )[23]
وقمار اللعب كقمار العقود فلا يخلو أحد المتعاقدين من غُرم أو غُنم فالشركة قد تغنم إذا لم يحدث الخطر الذي بسببه التأمين وعندئذ يخسر المستأمن ،وقد يغنم المستأمن بحصول الخطر الذي بسببه التأمين فتخسر الشركة ،ولا يقال الشركة لا تخسر فهي تأخذ من المستأمنين وتعطي الذي حدث له الخطر نقول لو لم يحدث الخطر أليست الشركة تكون غانمة قسط التأمين ،وبالعكس إذا خسرت تكون غارمة مبلغ التأمين الذي تدفعه عوضا عن الخطر ،
والقمار محرم قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[24]والميسر هو القمار ،والخلاصة أن التأمين التجاري قائم على المقامرة فلا يتصور قيام تأمين إلا بوجود عنصري الخطر والاحتمال ، وهما العنصران المؤثران المقومان لكل قمار ومن هذا يتبين حرمة التامين ، ننظر مرة أخرى لعقد التأمين نجده بيع دينٍ بدين ، فالأقساطٌ دينٌ في الذمة ومبلغ التأمين كذلك ، وبيع الدين بالدين محرم لأنه إشغال للذمتين بلا فائدة ،وقد أجمع العلماء على حرمة بيع الدين بالدين قال الشافعي : ( كيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة ؟ هذا تمليك الدين بالدين ،والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين )[25]
و قال ابن المنذر : ( أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز وقال أحمد : إنما هو إجماع )[26] ،ومن هنا يتبين حرمة التأمين فهو بيع دين بدين ،وفي التأمين الرهان في غير ما نصت الشريعة على الرهان فيه فقد قال r: ” لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل”[27]والرهان متحقق في عقد التأمين باعتراف رجال القانون وذلك لأن الشخص الذي يأخذ على عاتقه ضمان الخطر يراهن على تحقق الخطر فإذا لم يتحقق كسب المبلغ الذي دُفع له , وإذا تحقق دَفع مبلغاً يزيد كثيراً عما قبضه وهذا هو الرهان [28].
وبالنظر لحقيقة عقد التأمي نجد الإلزام بما لم يلزم به الشرع فإن شركة التأمين لم يحدث الخطر منها، ولم تتسبب في حدوثه، وإنما كان منها مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، و الشركة لم تبذل عملاً للمستأمن فكان حرام ،وبالنظر لعقد التأمين نجد أن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل ، فشركة الأمين تأخذ قسط التأمين من المستأمن دون أن تقوم له بأي عمل أو تقدم له أي خدمة .
فلو كان لها عمل إيجابي تبرهن به على أن لها عيوناً تلاحظ ما يدخل تحت ضمانها لتبعد عنه الخطر لقلنا إن ما تأخذه من المال نظير ما قدمت به من عمل فيكون بمنزلة الأجرة لكن لايوجد عمل فعلي ،والطمأنينة للمستأمن ليست محل العقد ،وأخذ مال الغير بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾[29].
وكل هذه الأدلة واضحة جلية في حرمة التأمين التجاري ،ولذا كان أكثر أهل العلم على حرمته فقد أفتى كثير من أهل العلم بحرمة التأمين التجاري ،
وأولهم ابن عابدين الحنفي 1252هـ ،ومن شيوخ الأزهر السابقين : الشيخ محمد الأحمدي والشيخ سليم مطر والشيخ حسونة النواوي ،ومن مفتي الديارالمصرية السابقين : الشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمد بخيت المطيعي والشيخ بكري عاشور والشيخ عبد الرحمن محمود ،ومن أساتذة الجامعات الشيخ أحمد إبراهيم أستاذ الفقه بحقوق القاهرة و د. الصديق محمد الأمين الضرير رئيس قسم الشريعة بجامعة الخرطوم و من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية : الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمد على السايس والشيخ طه الديناري والشيخ عبد اللطيف السبكي [30]
وأيضا الأستاذ الدكتور رمضان حافظ عبد الرحمن [31] والشيخ عبد الله ناصح علوان[32] ،وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي – في دورته الأولى في 10 شعبان 1392هـ بمكة – تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه [33] ،وقد ذهب قلة من أهل العلم إلى جواز التأمين كالشيخ مصطفى الزرقا و الشيخ على خفيف والشيخ عبد الوهاب خلاف [34] .
فصل 3: دحض حجج مبيحي التأمين التجاري : استدل مبيحي البيع التأمين التجاري بالعديد من القياسات فقد قاسوا التأمين التجاري على : عقد الولاء ،وعلى الوعد الملزم وعلى ضمان خطر الطريق وعلى نظام التقاعد والمعاش وعلى عقد الحراسة وعلى نظام العاقلة وعلى الإيداع وعلى التأمين التعاوني ،وعلى ضمان المجهول ،واستدلوا أيضا بأن الأصل في المعاملات الإباحة واستدلوا بأن عقد التأمين من قبيل المضاربة واستدلوا بأن عقد التأمين من المصالح المرسلة لأن فيه مصلحة للمستأمن في حصول الطمأنينة في مزاولة التجارة فهو لا يأمن الأخطار ؛ لأن شركة التأمين سوف تعطيه مبلغ تعويضا عن الخطر إن حدث ،واستدلوا بالعرف فقد أصبح التأمين شيئاً مألوفاً معتاداً ،والعرف من أدلة الأحكام ،
واستدلوا بأن التأمين أصبح ضرورة ملحة ،والضرورات تبيح المحظورات والجواب على هذه الحجج أما الاستدلال بالقياس فلا يصح لأن القياس هو إعطاء الفرع الذي لم يرد فيه نص الحكم الشرعي للأصل الذي ورد فيه نص إذا كان بينهما تشابه في الوصف الذي شرع الأصل بسببه[35] أو هو إلحاق ما لم يرد فيه نص على حكمه بما ورد فيه نص على حكمه في الحكم لاشتراكهما في علة ذلك الحكم[36] والتأمين وردت نصوص بحرمته ، ولا قياس مع النص فلا يصح الاستدلال بالقياس ،ولو سلمنا بالأخذ بالقياس فلا يوجد قياس يسلم من معارض صحيح فقياس التأمين على عقد الولاء ،لا يصح ،وعقد المولاة هو أن يقول شخص مجهول النسب للعربي : أنت وليي تعقل[37]
عني إذا جنيت ،وترثني إذا أنا مت ووجه الشبه كما يقولون الاشتراك في تحمل المسئولية ،وهذا قياس مع الفارق بين المقيس والمقيس عليه فعقد المولاة عند القائل به يجعل غير العربي في أسرة عربية ينتمي إليها ،ويكون واحدا منها ،وهدفه التآخي والتناصر في الإسلام أما عقد التأمين فالهدف منه الربح ،ولا يكون المستأمن واحد من الشركة ،وقياس عقد التأمين على نظام العاقلة لا يصح لأن في عقد التأمين ونظام العاقلة تخفيفٌ لأثر المصيبة ،وهذا قياس مع الفارق لأن نظام العاقلة ،وهو أن دية القاتل الخطأ توزع على أفراد عاقلته تعاونا منهم في دفع الدية لأولياء المقتول ،والقرابة يربطها الدم وصلة الرحم و التعاون في تحمل الغرم والاشترك في كسب الغنم أما التأمين فتتحمل الشركة حادث محتمل الوقوع
وليس وقع ،والهدف من التأمين الربح فتعويض شركة التأمين يكون نظير قسط التأمين وهو تعويض بمقابل ،أما في العاقلة فليس في نظير مقابل ،وقياس عقد التأمين على الوعد الملزم بأن يعد شخص غيره بشيء إعارة أو تحمل خسارة ونحو ذلك مما ليس بواجب عليه لا يصح فالوعد بقرض ، أو إعارة ، أو تحمل خسارة مثلاً من باب المعروف المحض ، والوفاء به مشروع بخلاف عقود التأمين ، فإنها معاوضة تجاريةباعثها الربح ،وقياس عقد التأمين على ضمان خطر الطريق الذي أجازه الأحناف كما في حاشية ابن عابدين 4/170 وذلك بأن يقول : اسلك هذا الطريق وإن أصابك شيء فأنا ضامن. فهذا قياس مع الفارق بين المقيس والمقيس عليه ؛لأن ضمان خطر الطريق من طرفٍ واحد في حين أن الالتزام في عقد التأمين من الطرفين .
والضمان نوع من التبرع من باب المعروف المحض أما التامين فإنها معاوضة تجاريةباعثها الربح ،وقياس التأمين على ضمان المجهول لايصح فالضمان نوع من التبرع من باب المعروف المحضص وليس من أجل الربح ،وهذا من طرف واحد ،وليس من طرفين ،وقياس التأمين على نظام التقاعد والمعاش ،هو اقتطاع الدولة جزء يسير من مرتب الموظف الشهري في أعمال الدولة حتي إذا أنهى خدمته أخذ راتبا شهريا يبلغ أضعاف مضاعفة من المبلغ الذي كان يقتطع من راتبه الشهري
و بعض العلماء قال بحرمته لاشتماله على الغرر والمقامرة فالتأمين لعب بالحظوظ ، يقولون لك ادفع هذا المبلغ الضئيل فإن أنهيت خدمتك وقعدت أعطيناك ،ومع التسليم بجوازه فما يعطى من التقاعد حق التزمت به الدولة مراعاة لما قام به الموظف من خدمة الدولة،وهي نوع من التعاون الاجتماعي ،وقياس التأمين على عقد الحراسة ( يقولون ) المستأمن يستريح باله ،ويشترك التأمين مع الحراسة في حدوث الطمانينة ،وهذا لا يصح لأنه قياس مع الفارق المقيس والمقيس عليهفالأمان ليس محلاً للعقدفي التأمين و ليس محلاً للعقد في الحراسة ، ومحل العقد في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين ، و محل العقد في الحراسةالأجرةوعمل الحارس ، أما الأمان فغاية ونتيجة.
وقياس التأمين على الإيداع لايصح فالوديعة أمانة تحفظ عند المستودع ،وإذا هلكت فإنما تهلك على صاحبها لآن الملكية لا تنقل للمستودع ،وليس له الانتفاع بها ؛ولذلك فهو غير ضامن لها أما قسط التأمين فيكون ملكا لشركة ،وتستثمره ،و الأجرةفي الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلاف التأمين ، فإن مايدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن ، ويعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمانالأمن والطمأنينة ، وشرط العوض عن الضمان لا يصح ، بل هو مفسد للعقد وإن جعل مبلغالتأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جعل فيها مبلغ التأمين، أو زمنه ،فاختلف في عقد الإيداع بأجر, .
قياس التأمين على التأمين التعاوني لا يصح فشركة التأمين فكرتها: تجارية .
و تمارس كافة أنواع التأمين ، وهناك فصل بين المؤمن صاحب الشركة وبين المستأمن الذي يشتري بوليصة التأمين أما التأمين التعاوني ففكرته : التعاون على البر و الدخول بنية التبرع ،وهو تعاون محض ،و يمارس بهدف تحقيق التعاون بين المشتركين ويعاد توزيع الفائض عليهم .
يعتبر المشترك مؤمنًا ومؤمنًا له .والاحتجاج بالاستصحاب في حلية التأمين التجاري لا يصح فالاستصحاب هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل حتى يقوم دليل على تغير ذلك الحال[38] ،ومنه أن الأصل في المعاملات الإباحة ومادامت النصوص قد وردت بحرمة التأمين فلا يصح الاحتجاج بالاستصحاب ،والقول بأن التأمين ضرورة تبيح ما فيه من محظورات لايصح فالضرورة هي بلوغ الإنسان حدا إذا لم يتناول المحظور هلك أو قارب [39] وليس كل من يدعي أنه مضطر إلى ارتكاب المحظور يقبل منه فلابد من توافر شروط كأن لا تكون هناك وسيلة أخرى من المباحات لدفع الاضطرار [40] ،و ما أباحه من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافاً مضاعفة مما حرمه عليهم فليس هناك ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين .
وقد قامت شركات التأمين الإسلامي ولله الحمد ،واستدلالهم بأن التأمين أصبح من أعراف الناس لا يصح فشرط العمل بما اعتاد عليه الناس وألفوه ألا يكون هذا العرف مخالفا لنص شرعي من كل وجه [41] كيف يجوز التأمين وهو قائم على المقامرة ، و على الربا بنوعيه الفضل والنسيئة فشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل ، والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة من العقد ، فيكون ربا نسأ ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط ، وعقد التأمين فيه أكل مال الناس بالباطل فماذا قدمت الشركة للمستأمن حتى تأخذ منه هذا المال ؟!!
وفي التأمين بيع الدين بالدين وفي التأمين الإلزام بما لم يلزم به الشرع وفي التأمين الرهان في غير ما نصت الشريعة جواز الرهان فيه وكل واحدة منهما تكفي لتحريم التأمين أما الاستدل بالمصلحة المرسلة على جواز التامين فلا يصح لأن المصلحة المرسلة عند القائلين بها هي الوصف الذي يلائم تصرفات الشرع ومقاصده ،ولكن لم يشهد له دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء ،ويحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مفسدة عن الناس[42]
والتأمين مصلحة ألغاها الشرع بالنصوص الدالة على حرمته من الغرر والقمار والرهن وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك ،والاستدلال على جواز التأمين بأنه من عقود المضاربة فعقد المضاربة هو أن يشترك اثنان أحدهما بماله والآخر ببدنه وعمله فيدفع صاحب المال ماله إلى آخر ليعمل له في ماله مقابل نسبة معينة من الربح[43] ورأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه أما في التأمين فسط التأمين الذي يدفعه المستأمن يصبح ملكا لشركة التأمين ،وربح المضاربة يقسم بين المضارب وصاحب المال بنسبة مئوية معينة أما في التأمين فالشركة تستثمر المال ،ولا تعطي المستأمن إذا وقع له الخطر إلا مبلغ التأمين ،ومن هنا لا يوجد لدى مبيحي التأمين التجاري دليل صحيح ،
ومن هنا يترجح رأي جمهور العلماء القائلين بحرمة التأمين التجاري ففي التأمين معنى القمار والرهان والميسر، لتعلقه على خطر قد يقع وقد لا يقع ،وفي التأمين غرر فاحش وجهالة فلا يدري أي من المستأمن والشركة التأمين عند إنشاء العقد من سيأخذ ومن سيعطي.وفي التأمين إعطاء مال للحصول على مال عند التعرض للخطر وفي هذا ربا النسيئة إذا كان ما سيأخذه المستأمن مثل ما دفع ،وربا فضل إذا أخذ المستأمن أكثر مما دفع إلى غير ذلك من المحرمات .
فصل 4: البديل عن التأمين التجاري : في الحلال قطعا ما يغني عن الحرام ، وقد صدرالعديد من فتاوى مجامع الفقه الإسلامي بعدم جواز التأمين التجاري لاشتماله على الكثير من المحرمات كالربا والغرر والقمار ،وقرر هيئة مجلس كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بجواز التأمين التعاوني[44]
والتأمين التعاوني هو اتفاق جماعة من الأشخاص الذين يكتسبون ربحهم من عمل معين يتفقون فيما بينهم على ربح معين شهري أو لعدة شهور في صندوق واحد ويتفقون على أن من يصاب منهم بضرر فإنه يعوض من هذا الصندوق وفق نظام معين كأن يعوض عن الكل أو النصف أقل أو أكثر نظراً إلى موجودات هذا الصندوق ،
وفي هذا التأمين التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.
والتأمين التعاوني خال من الغرر والربح فالمشتركين فيه يعتبرون مؤمنين ومستأمنين في هذا الأمر فليس هناك أجنبي كما في عقود شركات التأمين التجارية ،و ما يقدمه كل واحد من المشتركين يكون على سبيل التبرع المحض وكذا ما يناله المتضرر من هذا الصندوق ، فكأن الآخرين يتبرعون من أموالهم وأقساطهم التي قدموها لهذا الصندوق ،والتأمين التعاوني خال من الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسا.
فليس عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.و لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليه من النفع لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر، ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية. ،ولا مانع من استثمار أموال التأمين التعاوني فيما أحل الشرع ،وشركات التأمين التعاوني الإسلامي تقوم عقودها على التعاون وعلى التبرع ،
كما أنها تلتزم بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في كافة معاملاتها وتخضع للرقابة الشرعية ، كما أنها لا تهدف إلى تحقيق الربح ويصبح فيها كل مشترك مؤمن ومؤمن له ، وتأسيسًا على ذلك فإن عقودها خالية من أي شروط أو بنود تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
الخاتمة : التأمين التجاري حرام شرعا لشموله على العديد من المحرمات ،ولا يكون التأمين مشروعا إلا إذا كان قائماً على صيغة التعاون والتكافل بأن يدفع كل واحد من المشتركين قدراً من المال على سبيل التبرع لمواجهة ما يطرأ على أحدهم من الحوادث أو يصيبه من الجوائح، ولا مانع من استثمار تلك المبالغ في باب من أبواب المباح ـ اتجاراً أو صناعة أو غير ذلك وهو داخل في عموم النصوص الآمرة بالتعاون على البر والتقوى والسعي في تفريج الكربات،
وهو ما يعرف بالتأمين التعاوني الذي تقوم به شركات التأمين الإسلامي هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكتب ربيع أحمد سيد طب عين شمس الأحد 30 شعبان 1428هـ 12 سبتمبر2007 م
اترك تعليقاً