الحقوق الزوجية في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي
الفرع الأول: الحقوق الزوجية في الفقه الإسلامي.
رتب الشارع الحكيم على عقد الزواج حقوقا مشتركة بين الزوجين وحقوقا للزوجة على زوجها وحقوقا للزوج على زوجته، وبمراعاة هذه الحقوق والقيام بتلك الواجبات من طرف الزوجين تسير الحياة الزوجية سيرا حسنا وتقوى الرابطة ويستقر أمرها وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” (*) أي للنساء حقوقا يقوم بها الأزواج وللرجال حقوقا تقوم بها النساء بمقتضى عقد الزواج. وهذه الحقوق والواجبات كثيرة ومتنوعة سنتعرض لأهمها باختصار شديد.
المطلب الأول: حقوق الزوجة على زوجها.
للزوجة على زوجها حقوق مالية كالصداق والنفقة وحقوق غير مالية كالعدل بين الزوجات والمساواة بينهن إذا كان الزوج متزوجا بأكثر من واحدة، وكالإحسان في المعاملة وعدم الإضرار بها وغيرها من الأمور غير المادية.
أولا: حقوق الزوجة المالية.
1- حق الصداق. لغة: الصداق بفتح الصاد وكسرها والصدقة بفتح الصاد والدال والصدقة بفتح الصاد وضم الدال والصدق بضم الصاد وفتح الدال وهو مهر المرأة وجمعها في أدنى العدد أصدقة والكثير صدق وأصدق المرأة جعل لها صداقا والصدقات جمع صدقة وفي حديث عمر (ض): “لا تغالوا في الصدقات” وفي رواية: “لا تغالوا في صدق النساء” .
واصطلاحا: عرفه الزرقاني: بأنه مأخوذ من الصدق ضد الكذب لأن دخوله بينهما دليل على صدقهما وسمي مهرا وطولا ونفقة ونحلة أي الصداق في مقابل البضع.
وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه “المال الذي يجب للمرأة على الرجل في مقابل ملكه الاستمتاع بها بسبب عقد الزواج” فالصداق في نظر هؤلاء شرع عوضا عن ملك الزوج الاستمتاع بزوجته شرعا ودليلهم على ذلك قوله تعالى: “وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين”.
ويعرفه فريق آخر بأنه ما يقدمه الزوج لزوجته على أنه هدية لازمة وعطاء مقرر وليس عوضا عن ملك الزوج الاستمتاع بزوجته بدليل ما ورد في القرآن من تسميته صدقة ونحلة يقول تعالى: “وآتوا النساء صدقاتهن نحلة”
أي عطاء والصداق شرع هدية لازمة لتقريب القلوب لذا منع النبي عليا بن أبي طالب من الدخول على فاطمة حتى يعطيها شيئا من المهر وبما أن التكليفات المالية على الرجل فإنه من المناسب أن تكون هدايا الزواج المالية على الرجل أيضا لتكون دليلا على المودة والعطف ورعاية الزوجة رعاية حسنة. وإذا كانت الزوجة تدخل في طاعة الزوج بعقد الزواج وتخضع لقوامته وتنتقل لبيته، ويحل له منها ما لم يكن له من قبل كان عليه أن يقدم ما يطيب نفسها ويشعرها برغبته فيها. ويعتبر الصداق واجب على الزوج نحو زوجته بأدلة شرعية منها:
الكتاب: “وآتوا النساء صدقاتهن نحلة” (*). “فآتوهن أجورهن فريضة” (*) “وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” (*).
السنة: عن أبي هريرة (ض) قال: “جاء رجل إلى رسول الله فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار فقال رسول الله : على كم تزوجتها قال علي أربع أواق فقال أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى ان نبعثك في بعث تصيب منه”.
2-حق النفقة: النفقة لغة: الصرف يقال أنفق ماله أي صرفه وأنفق الرجل إذا افتقر ومنه قوله تعالى: “إذا لا مسكتم خشية إنفاق” (*) أي خشية النفاذ والفناء والنفقة ما انفق جمع نفاق ( ).
وفي الاصطلاح الفقهي: ما يصرفه الإنسان على زوجته وعياله وأقاربه من طعام وكسوة وخدمة وكل ما يلزم من فرش وغطاء وأدوات منزلية حسبما يقتضيه العرف. ونفقة الزوجة واجبة على زوجها فهي من حقوق عقد الزواج الصحيح، سواء كانت الزوجة غنية أو فقيرة، مسلمة أو كتابية. وعرف ابن عرفة النفقة بأنها ما به قوام معتاد في حال آدمي دون سرف ( ) وقد دلت نصوص شرعية على وجوب نفقة الزوجة.
من الكتاب يقول تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” وهذا في شأن الزوجات من الأمهات. ونجده تعالى يقول في شأن المطلقات “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم” (*) فالله سبحانه وتعالى أمر الأزواج بأن يسكنوا المطلقات أثناء عدتهن وإن كانت النفقة واجبة للمطلقة، فإنها تكون واجبة للزوجة التي في الزوجية من باب الأولى. ويقول تعالى: “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله”.
ومن السنة: عن جابر رضي الله عنه عن النبي في حديث الحج بطوله:”… لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.
ويروى ان رجلا جاء النبي r فقال: ما حق المرأة على زوجها؟ فقال r: أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا كسى.
وروى أن هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي ولدي إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فقال لها r “خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي ولدك”.
الإجماع: واتفق المجتهدون من عصر الرسول الله r إلى يومنا على وجوه نفقة الزوجة على زوجها وإذا امتنع الزوج على أدائها حق للزوجة أن ترفع أمرها إلى القاضي واختلفوا في تقديرها .
القياس: من القواعد المقررة فقها أن من حبس لحق غيره فنفقته واجبة على ذلك الغير فالمفتي والوالي والقاضي وغيرهم من العاملين في الدولة لمنفعة المجتمع تجب نفقاتهم على بيت المال، وإذا كانت الزوجة حبست نفسها للقيام على البيت ورعاية شؤونه وفرغت نفسها لمنفعة زوجها فتكون نفقتها واجبة عليه.
أ- وقت استحقاق الزوجة للنفقة: لا تستحق الزوجة النفقة بمجرد العقد لأن عقد الزواج ليس السبب المباشر في هذا الحق كما هو الشأن في المهر، فاحتباس الزوج لزوجته وإدخالها إلى بيته واستفائه كل حقوقه منها هو السبب المباشر والحقيقي لاستحقاق المرأة للنفقة، فحق الزوجة في النفقة، يبتدئ من يوم الدخول أما قبل الدخول فلا يجب على الزوج نحو زوجته إلا إذا دعته أو وليها إلى الدخول وكان هو بالغا والزوجة مطيقة للوطء، ولا يكون أحد منهما مشرفا على الموت.
إذا كان العقد فاسدا لا يوجب نفقة فإذا قدم الرجل للمرأة نفقة ثم تبين أن العقد فاسدا رجع عليها بما أنفق. والاحتباس يتحقق بتسليم الزوجة نفسها حقيقة أو حكما بأن تكون مستعدة للدخول في طاعة الزوج غير ممتنعة من الانتقال إليه ومن دخوله بها بدون مبرر شرعي على هذا فإن المرأة الناشز لا تستحق النفقة.
مشمولات النفقة الضرورية: تشمل النفقة: المسكن، المأكل، الملبس كما تشمل نفقة الخادم وثمن الدواء.
1- المسكن : انطلاقا من قوله تعالى : “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.
فقد أوجب الشارع تهييئ السكن المناسب للزوجين من طرف الزوج ويكون هذا السكن يشمل جميع الضروريات من فرش ومتاع وغيره على قدر يساره وإمكانيته المالية.
فالزوجة لا يمكنها الاستغناء عن المسكن: للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع و الإحساس بحرية التصرف داخله، وهذا يعني أنه ليس للزوج أن يسكن زوجته في مكان تفقد فيه هذه المزايا وتحس فيه بعدم الاستقرار أو عدم حرية التصرف كإجبارها على السكن في منزل يسكن فيه غيرهما.
2- المأكل: على الزوج ان يوفر لزوجته الطعام والقوت الضروري لها كالخبز والدهن أما اللحم مثلا فينظر إلى حالة الزوج ففي حق القادر ثلاث مرات يوم بعد يوم والمتوسط مرتان والمحط مرة واحدة في الأسبوع وقد تصل إلى مرة واحدة في الشهر كما ينظر في المأكل إلى حال البلد إذا كان يعيش أهلها في رخاء أم العكس، إذا كانوا أهل بادية أو حاضرة كما يأخذ بعين الاعتبار إذا كانت الزوجة ترضع أم لا، فإن كانت ترضع فنفقتها زائدة فيما يخص الطعام.
3- الملبس: وتشمل نفقة الزوجة أيضا الملبس قال أبو محمد الظاهري: “ويكسو الرجل امرأته على قدر ماله فالموسر يكسوها الحرير والمتوسط الكتان والقطن والذي أقل منه على قدره” قال تعالى: “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها” عن ابن مالك بن فضالة الجشني قال: “دخل أبي على النبي r وعليه ثياب أسمال فقال له r “أمالك من مال؟ ” فقال: “بل من كل المال قد أتاني الله من الإبل والبقر والغنم فقال له r: “فليس عليك مما أتاك الله” (*) ففي هذا حديث أن يلبس الإنسان على حسب ماله ونعمة الله عليه ( ). كذلك على الزوج أن يكسي زوجته على قدر يسره أو عسره ولو طلبت الزوجة أزيد من عادة أمثالها أو طلب هو أنقص مما جرت العادة عند النزاع فلا يلتفت إلى ذلك.
واعتبار حال الزوجين لابد منه سواء تساويا في الفقر أو في الغنى، أما عند اختلافهما فاللازم حالة وسطى بين الحالتين، ونفقة الفقير على الغنية أزيد من نفقته على الفقير ونفقة الغني على الفقير اقل من نفقته على الغنية ( ).
نفقة الخادم: يعد الخادم من مشمولات النفقة أيضا.
فإذا كانت المرأة ممن لا يخدم نفسها لكونها من ذوات الأقدار أو مريضة وجب لها خادم لقوله تعالى: “وعاشروهن بالمعروف” ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها خادم ولأنه مما تحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة، وهذا قول مالك والشافعي، وأضاف مالك أنه إذا كان لا يصلح للمرأة إلا أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من واحد وهو ما قاله أبو ثور، ويرى ابن قدامة أن الواحد فيه الكفاية.
أما ابن حزم الظاهري فيرى أنه عليه أن يقوم لها بمن يأتيها بالطعام والماء وبمن يكفيها جميع العمل من الكنس والفرش دون أن يتكلف بنفقة الخادم .
ثمن الدواء: لم تتعرض النصوص الشرعية لثمن الدواء والعلاج بل تعرضت لما يفيد المأكل والملبس والمسكن كما في قوله تعالى: وعلى المولود له رزقهن…”. كما لم ينقل على أغلب الفقهاء حكم ذلك ونقل عن الحنفية أن الدواء لا يجب على الزوج في حالة تنازع كما نقل عن الأماميين أن الزوجة لا تستحق على زوجها الدواء للمريض ولا أجرة الحجامة ولا الحمام.
إلا أن ثمن الدواء يجب أن يراعى فيه العرف وأهل العرف كما نعلم يذمون الزوج القادر وينكرون عليه إذا أهمل زوجته المحتاجة إلى العلاج وتركها بدون تطبيب. كما يجب على الزوج نفقة النفاس وأجرة التوليد إذا دعت الضرورة .
ثانيا: حقوق الزوجة غير المالية.
1- عدم الإضرار بالزوجة.
من حق الزوجة على زوجها أن لا يضر بها سواء بالفعل أو بالقول، يقول تعالى “فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه”.
فالرجل إذا أضر بزوجته وأذاها بأقواله وأفعاله حق لها أن تطلب الطلاق من زوجها في الفقه المالكي فالضرر يعد سببا من أسباب التطليق وهذا ما ذهبت إليه مدونة الأحوال الشخصية المغربية في فصلها 56 الفقرة الأولى منه.
أما المذهب الحنفي فلا يعطي للمرأة حق طلب التطليق بسبب الضرر ولكن ترفع أمرها للقاضي ليزجره ويعزره ليرتدع عن الإضرار بها. جاء عند ابن عابدين: أنها لو قالت أنه يضربني ويؤدبني فمره أن يسكنني بين جيران صالحين فإذا علم القاضي ذلك زجره ومنعه من التعدي في حقها، ثم ذكر ما يفهم منه أنها لو طلبت تعزيره وعزره بما يردعه.
وبما أن أحكام مذهب الحنفية ليس فيها ما يرفع الضرر عن المرأة ويخلصها من شقاء الزوجية أخذت المحاكم الشرعية في مصر بمذهب الإمام مالك دفعا للضرر فسمح للمرأة أن تطلب تطليقها منه عند القضاء .
ويعتبر من الضرر بالزوجة الإعسار عنها بالنفقة مع قدرة الزوج على أدائها وغيبة الزوج عن زوجته غيبة تزيد عن سنة بلا عذر أو حبسه في السجن أو وجود عيب أو داء مستحكم به فهذه الأسباب كلها تجيز للمرأة أن تطلب تطليقها لدفع الضرر عنها وفي هذا تفصيل في موضوع الطلاق.
2- العدل: ورد بشأن العدل في هذا الموضوع عند الفقهاء معنيين: فمن الفقهاء من تحدث عن العدل واعتبره الذي يجب أن يتوفر حين يكون للزوج أكثر من زوجة فذهب العديد من الفقهاء إلى أن من حق الزوجات على زوجهن أن يعدل بينهن لأن الله تعالى أمر بإقتصار على زوجة واحدة عند خوف الجور وهذا يقضي وجوب العدل بينهن إذا تعددن يقول تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”.
وقد سبق لنا أن بيننا هذه النقطة في موضوع تعدد الزوجات ومن الفقهاء من اعتبر أن العدل يمكن أن يكون حتى مع الزوجة الوحيدة والمقصود بالعدل في هذه الحالة أن يعامل الزوج زوجته معاملة حسنة ويعدل في كل تصرفاته معها فلا يظلمها بأن يوفر لها كل ما تحتاج إليه من ضروريات وكماليات قدر المستطاع فمن المعلوم أن العدل يتصور ويتحقق بين فردين أو أكثر وقد نتساءل فنقول أين يمكن أن نلمس العدل في حالة الزوجة الوحيدة؟ العدل في هذه الصورة يكون بينها وبين زوجها: يحب الرجل لزوجته ما يحب لنفسه فيكرمها ويحسن إليها ويوفر لها الوسائل التي تدخل السرور إلى قلبها وتساعدها على الاستقرار النفسي والفعلي.
ويعتبر حسن المعاشرة صورة من صور العدل، فإن أهم ما ينمي في الزوجة حب العطاء والبذل والتضحية من اجل إسعاد أسرتها: حسن معاشرتها ونبل معاملتها وعدم الإضرار بها فعلى الزوج أن يحسن معاملة زوجته وملاطفتها انطلاقا من قوله تعالى: “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا فيجعل الله فيه خيرا كثيرا” (*).
ويقول الرسول r فيما رواه ابن ماجة والحاكم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” (*).
3- حق زيارة الأهل واستزارتهم.
جاء في كتابه العزيز: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا(*).
فصلة الرحم من الأمور التي وصى بها عز وجل ونهى عن قطعها وخص بصلة الرحم الوالدين واعتبر عقوقهما من الكبائر قال : “الكبائر الإشراك بالله و قتل النفس وعقوق الوالدين، واليمين الغموس” ويرى بعض الفقهاء أن الزوجة إذا كانت تريد زيارة ذي رحم محرم منها فإن كان أحد أبويها فلها زيارته ولو لم يأذن زوجها كل أسبوع أو يكون أحدهما في حالة مرض فلها أن تعوده من غير قيد لأن صلة الرحم، ومنعها قطع الرحم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإذا كان غير أبويها فلها أن تزورهم كل سنة وقيل كل شهر وروي عن أبي يوسف أن لها تخرج لزيارة أبويها ومحارمها في المواعيد السابقة بغير إذن زوجها إن كانوا يعجزون عن زيارتها أما إذا كانوا لا يعجزون فليس لها أن تخرج إلا بإذن زوجها والمشهور الرواية الأولى وهي عدم الحاجة إلى الإذن في الحدود السابقة وجاء في إرشاد الساري أنه للزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتيهما وإذا خالفته أي زوجها فتعتبر في حكم الناشز .
المطلب الثاني: حقوق الزوج على زوجته.
1- حق الطاعة: يجب على الزوجة أن تطيع زوجها وتحفظه في نفسها وماله حال حضرته وغيبته لأن الزوج رئيس البيت يدير أمره ويصرف شؤونه فهو القائم على أمره والدليل على أن الرجل له القوامة قوله تعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” (*).
وقد وضح الله تعالى السبب في تحميل الرجال مسؤولية القوامة بما أودع فيهم من قوة البدن والقدرة عن الكفالة وتحصيل المال وبقوله أيضا: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال علهن درجة (*)… .
والدرجة المذكورة في الآية ليست درجة السلطان والقهر والتعالي بل هي درجة الرئاسة المنزلية والقوامة التي ألقيت على عاتقه وفي هذا العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على طاعة الزوجة لزوجها نذكر منها ما جاء عن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي r فقال له ما هذا يا معاذ؟ قال يا رسول الله أتيت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها” .
وطاعة الزوج لا يجب أن تكون عمياء تضيع فيه شخصية الزوجة وتنقص كرامتها. على الزوجة بدورها أن تحاول جاهدة على كسب ثقة زوجها بها فيرتاح لآرائها ويشاركها قراراته، ويعتمد عليها في العديد من أمور حياتهما المشتركة. والله تعالى طلب من الزوج أن يستشير زوجته في شؤونهما ويتقاسما مهام بيتهما. يقول تعالى: “فإن أرادا فصالا عن تراض…”
2- حق التأديب: يقول تعالى:” واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا”.
فإذا خالفت الزوجة فيما تجب عليها الطاعة فيه فلزوجها أن يؤدبها أولا بالموعظة الحسنة ثم بالهجر بأن لا يبيت معها في فراش واحد ثم بالضرب غير المبرح، فلو ضربها ضربا أليما لأي سبب عن ذلك إضرارا بها يستحق عليه التعزير على مذهب الحنفية . وقد حدد الشارع ثلاث طرق مشروعة في تأديب الناشز حسب طبيعتها وحالتها.
أ- الوعظ: قال تعالى: “فعظوهن”.
والوعظ يختلف باختلاف حال المرأة فمنها من يؤثر في نفسها التخويف من الله عز وجل وعقابه على النشوز كان يقول لها اتق الله في الحق الواجب الذي لي عليك واحذري من العقوبة عن ابن عباس قال قال النبي : “رأيت النار فإن اكثر أهلها النساء يكفرن قيل أيكفرن الله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت خير قط ” ومنهن من يؤثر في نفسها التهديد والتحذير من سوء العاقبة في الدنيا كشماتة العداء أو تهديدها بمنعها من بعض ما ترغب فيه كاللباس والحلي وغير ذلك. وإن لم تتعظ ينتقل الزوج إلى الهجر وهو التدبير الثاني.
ب- الهجر: يقول عز وجل: “واهجروهن في المضاجع” : يقول السيد قطب في الحكمة من اختيار هجر المضجع كوسيلة لعلاج نشوز المرأة: إن المضجع موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيه الناشز المتعالية قمة سلطانها فإن استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يدي زوجته أمضى أسلحتها التي تعتز بها كانت أميل إلى التراجع والملاينة أمام هذا الصمود من زوجها وقد هجر نساءه لمدة شهر وفي ذلك ورد عن أنس قال: “آلى الرسول من نسائه شهرا وقعد في مشربة له فنزل لتسع وعشرين فقيل يا رسول الله إنك آليت شهرا قال الشهر تسع وعشرون”.
ويرى القسطلاني أن هذا الحديث يقتضي جواز الهجر كما هو أورد في الآية الكريمة: “واهجروهن” وقد اختلف في المراد بالهجر فقيل لا يدخل عليهن وقيل لا يضاجعهن أو يضاجعهن ويولهن ظهره أو يمتنع عن جماعهن أو يجامعهن ولا يكلمهن. عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا كسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت”.
يقول القسطلاني: إن الهجر يجوز أن يكون في البيوت وغيرها وإن الحصر المذكور في حديث معاوية المعلق هنا غير معمول به بل يجوز في غير البيوت كما فعل الرسول ويقول المهلب إن الهجر في غير البيوت فيه رفق بالنساء إذ هو معهن في البيوت ألم لقلوبهن ويرى القسطلاني العكس: فالهجر في غير البيوت أشق وهو يختلف لاختلاف الأحوال ( ) وإن لم ينفع كالوعظ وللهجر واستمرت الزوجة في عصيانها ونشوزها جاز للزوج أن يستعمل الوسيلة التالية وهي:
3- الضرب: انطلاقا من قوله عز وجل: “واضربوهن” وهذه الآية نزلت في سعد بن عمرو وزوجته حبيبة بنت زيد: إذ نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي : لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال الرسولصلى الله عليه وسلم: ارجعا هذا جبريل أتاني: فانزل الله عز وجل الآية وفيها دليل على جواز تأديب الناشز بالضرب غير المبرح.
روي عن ابن عباس (ض) أن المقصود بالضرب: الضرب الخفيف كالضرب باليد أو قصبة صغيرة .
وقد وردت عدة أحاديث في السنة النبوية تنهي الزوج عن ضرب زوجته ضربا شديدا يضربها ويسيء إلى إنسانيتها.
عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال: “فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة من الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح .
ويقول عبد الحليم أبو شقة: الضرب في بعض الأحيان يكون الوسيلة الناجحة في تأديب الزوجة الناشز، خصوصا إذا كانت قد تربت في بيته بسيطة، مستواها الفكري محدود، وكان هنالك تفاوت في السن بينها وبين زوجها، ففي هذا الحالة تكون الزوجة أقرب إلى مستوى ابنة الزوج وتلميذته، فيكون الضرب أشبه بتأديب يصدر من الوالد او المعلم أو المربي.
وعن عبد الله بن زمعة قال : قال رسول الله r: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم. وفي رواية عن عائشة: أما يستحي أحدكم أن تضرب امرأته كما يضرب العبد ـ يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره .
الإشراف على البيت وتنظيم شؤونه.
اختلف الفقهاء في حق الزوج على زوجته في خدمة البيت والقيام بشؤونه وفي خدمة الزوج والقيام بحاجاته.
ـ يقول ابن حزم: لا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شيء أصلا، لا في عجن ولا طبخ ولا فرش ولا كنس ولا غزل ولا غير ذلك، ولو أنها فعلت لكان أفضل لها وعلى الزوج أن يأتيها بكسوتها مخيطة تامة وبالطعام مطبوخا تاما وإنما عليها أن تحسن عشرته ولا تصوم تطوعا وهو حاضر إلا بإذنه وألا تدخل بيته من يكره.
ـ ويقول أبو ثور: على المرأة أن تخدم زوجها في كل شيء ويحتج لذلك بالأثر الثابت عن علي ابن أبي طالب قال: شكت فاطمة مجل يدها من الطحن…
وبالخبر الثابت من طريق أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أخدم الزبير البيت وكان له فرس كنت أسوسه وأحتش له وأقوم عليه.
قال أبو محمد الظاهري: لا حجة لأهل هذا القول في شيء من هذه الأخبار لأنه ليس في شيء منها ولا من غيرها، لأنه عليه الصلاة والسلام أمرهما بذلك، إنما كانتا متبرعتين بذلك وهما أهل الفضل والمبرة رضي الله عنهما ونحن لا نمنع من ذلك إن تطوعت المرأة به وإنما نتكلم على سر الحق الذي تجب به البيت والقضاء بإلزامه .
وجاء في الشرح الكبير للدردير: ويجب عليه إخدام أهله بأن يكون الزوج ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأنها الخدمة أو هو ذا قدر تزري خدمة زوجته به فإنها أهل للإخدام بهذا المعنى فيجب عليه أن يأتي لها بخادم .
حق إرضاع الأولاد.
من المقرر أن الأم أقرب الناس إلى ولدها وان لبنها هو أفضل غذاء له من غيره ملاءمته حال الطفل في مراحل تطوره ونموه، كما إنها أكثر الناس شفقة على وليدها وأعظمهم حنانا وعطفا عليه ومن هنا نطقت النصوص الشرعية بأمر الوالدات بإرضاع أولادهن، فقال تعالى: الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.
وقد اتفق فقهاء الإسلام على ذلك فقالوا بوجوب الرضاع على الأم ديانة سواء كانت متزوجة بأبي الرضيع أم كانت مطلقة منه وانتهت عدتها، فإن امتنعت عنه مع قدرتها كانت مسؤولة أمام الله لكنهم اختلفوا في وجوب الإرضاع عليها قضاء .
يقول ابن العربي في قوله تعالى: ” والوالدات يرضعن…” اختلف الناس هل هو حق لها أم حق عليها فاللفظ محتمل، لأنه تعالى لو أراد التصريح بقوله عليها لقال: وعلى الوالدات إرضاع… كما قال تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن… لكن هو عليها في حالة الزوجية وهو عليها إن لم يقبل غيرها وهو عليها إن عدم الأب لاختصاصه به” .
يقول ابن عابدين: ليس للزوج إجبار زوجته على الإرضاع إلا في حالة عدم قبول الصغير ثدي غيرها أو لم يكن للأب ولا للصغير مال .
ويرى مالك أن كل أم يلزمها إرضاع ولدها بما أخبر الله من حكم الشريعة فيها واستثنى الحسيبة، فقال: لا يلزمه إرضاعه فأخرجها من الآية وخصها فيها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالمصلحة.
المطلب الثالث: الحقوق المشتركة بينهما.
سنتناول هذا النوع الثالث من الحقوق والواجبات الزوجية، ويتعلق الأمر بالحقوق المشتركة.
أولا: المساكنة الشرعية.
وتشمل أمرين أساسيين: اجتماع الزوجين في مسكن واحد واستمتاع كل واحد منهما بالآخر ما لم يوجد مانع شرعي يمنع ذلك.
1- اجتماع الزوجين في مسكن واحد.
لضمان استقرار الأسرة لا بد لها من مسكن يجتمع فيه كلا الزوجين مع ما يقتضيه هذا الاجتماع الشرعي من أداء واجبات الحياة الزوجية المألوفة وقد سبق الحديث عن المسكن كأحد مشمولات النفقة التي يلتزم الزوج بتوفيرها للزوجة مع مراعاة حالته المادية ذلك فإن تم عقد الزواج صحيحا واستوفت الزوجة عاجل صداقها وجب عليها ان تنتقل إلى المنزل الذي اختاره الزوج ولا تمتنع من مساكنته فيه. وإذا كان الزوج متزوجا بأكثر من واحدة يجوز له الجمع بينهم في سكن واحد برضاهن وإلا لم يجز .
ثانيا: حق استمتاع كل واحد منهما بالآخر.
لكل من الزوجين حق الاستمتاع بصاحبه استجابة لداعي الفطرة والنسل والذي هو المقصود الأسمى لهذه العلاقة بقوله تعالى: “والذين هم لفروجهن حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين”.
فهذا حق مشترك بين الزوجين إذ يحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه فحرم على أحدهما أن يحرم صاحبه هذا الحق قال تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”.
ويشترط لحل الاستمتاع بعد صحة العقد ما يلي: عدم وجود مانع شرعي أو طبيعي يحرم الجماع فلا يحل للزوج أن يستمتع بزوجته وهما محرمان بالحج أو العمرة أو صائمان صياما واجبا أو إذا كانت حائضا أو نفساء.
فللمباشرة الجنسية بين الزوجين آداب يجب الالتزام بها كي تمارس في إطار من المودة والاحترام المتبادلين وتحافظ على الصورة الطاهرة المقدسة للرابطة التي تجتمع بينه وزوجته وترقى بهما إلى ما هو أسمى من الغريزة أو قضاء الشهوة.
حرمة المصاهرة: المصاهرة مانع من الموانع المؤبدة في الزواج وهي نفس الوقت حق مشترك بين الزوجين بمجرد العقد.
يقول تعالى: “أمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم” .
يقول ابن عرفة: “زوجه أصله وفرعه ومن لها على زوجه ولادة وفرع زوجه منها وإن لم تكن في حجره” والمحرمات بالمصاهرة أربعة أصناف:
ـ زوجة الأب أو الجد وإن علا.
ـ زوجة الابن وابن الابن وإن سفل.
ـ أصول الزوجة.
ـ فروع الزوجة المدخول بها.
التوارث: يترتب على عقد الزواج حق التوارث بين الزوجين فإذا مات أحد الزوجين، والزوجية قائمة ورث أحدهما الآخر. ويشترط لميراث كل منهما الآخر مجموعة من الشروط جمعت في عبارة: عش لك رزق. واتفق الفقهاء على إرث الزوجة لزوجها إذا طلقها في حالة مرض أثناء العدة سواء كان في الطلاق الرجعي أو البائن لما في ذلك من المظنة فيعامل بنقيض قصده، وتورث الزوجة وهذا ما يعرف بطلاق الفار .
المطلب الرابع: حق تصرف المرأة في مالها.
تملك الزوجة حق آخر هو حق تصرفها في مالها دون تدخل من الزوج فلها الأهلية الكاملة لمباشرة أعمالها وممارسة تجارتها ولها أن تتصرف في مالها كيفما تشاء بالبيع والهبة إلا فيما زاد على الثلث في عقود التبرعات فيمنعه الإمام مالك.
وقد اعتبرته مدونة الأحوال الشخصية حقا من حقوق المرأة فذكرته مع باقي حقوق الزوجة على زوجها، ولكن في الحقيقة هذا الحق لم ينتج عن عقد الزواج فهو كان متوفرا قبل عقد الزواج لأن الشخص يملك أهلية التصرف في ماله عند بلوغه سن الرشد أما عقد الزواج في هذه الحالة فإنه لا يسقط هذا الحق عن المرأة كما هو الشأن عند المرأة الغربية وهذا ما سنراه حين نتعرض للحقوق والواجبات الزوجية في القانون الغربي وسنتعرض لهذا الحق بصفة منفردة لأنه لم يرد في الفقه الإسلامي ضمن الحقوق الناتجة عن عقد الزواج فهو حق تستحقه المرأة عندما تبلغ سن الرشد كالرجل تماما.
سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في التصرفات المالية وجعل لكل منها ذمة مالية وأهلية لكسب الحقوق والالتزام بالواجبات وجعل لكل منهما الحق في تسلم أمواله بمجرد رشده قال تعالى: “وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم” (ويقول أيضا للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن” .
وهذا الأمر يتعلق بالذكور والإناث إذ يجب أن يدفع إلى كل من الرجل والمرأة ماله إذا بلغ وتبين رشده فإن احتلم الرجل أو حاضت المرأة ولم يؤنس فيه الرشد فإنه لا يدفع إليه ماله .
والتصرفات المالية التي تقوم بها المرأة الرشيدة كلها صحيحة لا تحتاج إلى إذن زوجها في ذلك لأن لا ولاية له عليها. أما تصرفاتها بغير عوض كالهبة والصدقة فيرى أبو حنفية أنها صحيحة نافذة أيضا ولو استغرقت كل مالها ولا كلام للزوج في ذلك ويرى المالكية والحنابلة أن تصرفات المرأة المتزوجة بغير عوض تكون صحيحة نافذة ما لم تتجاوز ثلث مالها أما إن تجاوزته فإنها تكون باطلة .
وبصفة عامة فإن الزواج لا يؤثر على مال الزوجين سواء كان عقارا أو منقولا سواء اكتسب المال قبل الزواج أو بعده فكل زوج يحتفظ بذمته المالية مستقلة عن الآخر فلا يحق للزوج أن يأخذ شيئا من مال زوجته قليلا أو كثيرا يقول تعالى: “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا…” وإذا كان لا يحل للزوج أن يأخذ شيئا مما سبق أن أتاه لزوجته فإنه لا يحل له من باب أولى أن يأخذ شيئا من ملكها الخاص إلا أن يكون ذلك بإذنها ورضاها وفي هذا الصدد يقول مصطفى بن أحمد العلوي “… وفي الميدان الاقتصادي فالإسلام عكس جميع الأنظمة الوضعية التي قيدت المرأة في هذا الصدد أنه لا يوجد نظام أعطى حرية التصرف في مال المرأة كالإسلام فلا يجوز لأحد أن يقيدها في هذه”
الفرع الثاني: الحقوق والواجبات الزوجية في القانون الوضعي.
نختار من هذه القوانين نموذجين الأول يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية ويتمثل في قانون الأحوال الشخصية المغربي والثاني يمثل أصدق نموذج للقوانين الغربية فنختار القانون الفرنسي.
أولا: الحقوق والواجبات الزوجية في مدونة الأحوال الشخصية.
بينت المدونة هذه الحقوق في الفصول : 34- 35- 36.
فبدأت بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.
فـ 34 الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين:
1- المساكنة الشرعية.
2- حسن المعاشرة وتبادل الاحترام والعطف والمحافظة على خير الأسرة.
3- حق التوارث بين الزوجين.
4- حقوق الأسرة كنسب الأولاد ـ وحرمة المصاهرة.
حقوق الأسرة: وهي الحقوق المتبادلة التي تنشأ من عقد الزواج مثل الدين: أجمع العلماء على أن الولد الذي ينشأ عن الزواج الشرعي يتبع أباه في الدين بحيث يعتبر مسلما منذ ولادته ولو كانت أمه كتابية فلا يجب أن يعتبر هذا الحق متبادلا لأنه يستفيد به الزوج فقط، والزواج الشرعي يجعل الابن يتبع أباه في الدين ولا يتبع أمه إذا كانت كتابية.
والنسب : (*) الولد يتبع أباه في النسب وما يمكن أن يقال في الدين يقال في النسب أيضا .
حقوق الزوجة على زوجها.
بين الفصل الخامس والثلاثون هذه الحقوق فقال:
حقوق المرأة على الزوج:
1- النفقة الشرعية من طعام كسوة وتمريض وإسكان.
2- العدل والتسوية إذا كان الرجل متزوجا بأكثر من واحدة.
3- السماح للزوجة بزيارة أهلها واستزارتهم.
4- للمرأة حريتها الكاملة في التصرف في مالها دون رقابة الزوج إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته.
لم تذكر مدونة أ. ش. المغربية الصداق مع باقي حقوق الزوجة على زوجها بل اعتبرته أحد الشروط التي يجب أن يتضمنه عقد الزواج دون النص على إسقاطه وقد سبق أن تعرفنا على الصداق كحق من حقوق الزوجة تجاه زوجها نتيجة العقد المبرم بينهما.
وقد اعتبرت النفقة الشرعية أول حقوق الزوجة على زوجها وقد سبق تبيانها ونفس الشيء بالنسبة للحق الثاني المذكور في المدونة ألا وهو العدل.
حق المرأة في التصرف في مالها.
لقد ذكرنا هذا العنصر منفردا إلا أنه ورغم الإقرار بالأهلية الكاملة للمرأة في التصرفات المالية في مدونة الأحوال الشخصية فقد ورد تقييد لهذا الجانب خصوصا في أهلية الأداء في القوانين الأخرى فللزوج تأثير على أهلية الأداء للمرأة المتزوجة ولقد كان الفصل السادس من القانون التجاري الملغى ينص على انه لا يجوز للمرأة المتزوجة أن تكون تاجرة في المغرب بدون رضى زوجها مهما كانت مقتضيات قانونها للأحوال الشخصية بهذا الصدد.
ولقد كانت مقتضيات هذا الفصل تتناقض صراحة مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعطي للمرأة عند اكتمال أهليتها، وسواء كانت المرأة متزوجة أو غير متزوجة مطلق الحرية في إدارة أموالها بما فيها ممارسة التجارة بدون قيد أو شرط، كما أنها تتناقض مع ما تنص عليه الفقرة الرابعة من الفصل 35، إلا أنه بالرغم من هذا التناقض فإن الأولوية في التطبيق في المجال التجاري كانت لنص الفصل السادس من القانون التجاري باعتباره نصا خاصا.
ويرجع السبب في التناقض المشار إليه سابقا إلى أن القانون التجاري المغربي ل 12 غشت 1913 كان قد وضع في الأصل لينطبق على الأجانب في المغرب بما فيهم الفرنسيين، لذلك فهو قد اقتبس من مدونة نابليون لسنة 1807 مبدأ ضرورة حصول المرأة المتزوجة على إذن زوجها لممارسة التجارة انطلاقا من كون أن الأصل في ظل القانون وغيره من القوانين الغربية المسيحية هو نظام وحدة الأموال بين الزوجين إذ لم يتفق على خلاف ذلك فإن كلا من الزوجين يتمتع بسلطة قانونية على أموال الأخر. فتدخل في ذمته المالية لضمان ديونه. أما المرأة المتزوجة المسلمة فقد كانت لا تخضع لهذا القانون وإنما تخضع لقواعد الفقه الإسلامي المشار إليها سابقا.
إلا أنه بصدور قانون توحيد التشريع في 31 ماي 1958 وقانون توحيد المحاكم في 26 يناير 1965 أصبح ذلك القانون بما فيه الفصل السادس المذكور يطبق على كافة النساء المتزوجات في المغرب سواء كن مسلمات أو غير مسلمات، وسواء كن مواطنات أو أجانب.
وعلى كل فإن هذا المبدأ واجه انتقادا من جانب كبير من الفقه المغربي ولاقى معارضة الحركات الحقوقية النسائية التي نادت بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي توافق ما ينص عليه الفصل 35 من م.ح.ش على المرأة المتزوجة التي تريد ممارسة التجارة.
وقد اقتنع المشرع المغربي بذلك ونص في المادة 17 من مدونة التجارة الجديدة على أنه: “يحق للمرأة المتزوجة أن تتاجر دون أن يتوقف على إذن من زوجها “فيكون لمشرع بذلك قد فضل أن يتخذ موقفا صريحا من هذه المسألة ويقرر حرية المرأة في التصرف بأموالها دون إذن الزوج.
ثانيا: الحقوق والواجبات الزوجية في القانون الفرنسي.
1- الحقوق الزوجية في القانون الفرنسي.
نص القانون الفرنسي على مجموعة من الحقوق الناتجة عن عقد الزاوج وهي:
أولا: حفظ الحكم المدني والجنائي الذي يمكن أن يصل في حق المرأة إلى سنتين سجنا وحكم الرجل الزاني يختلف عن امرأته إذا زنت فيشترط في زنى الرجل أن يتكرر زناه في بيت الزوجية ويحكم عليه بغرامة فقط. أما المرأة فهي معاقبة أنى كانت وقت ارتكاب الجريمة وقد يصل سجنها إلى سنتين لأن زنا المرأة قد يخلط الأنساب بخلاف الرجل وهذا تعليل غريب.
ثانيا: واجب المساعدة في واجبات الحياة المعيشية ويظهر هذا في:
أ ـ عند انفصال الزوجين عن بعضهما اتفاقيا أو قضائيا، فالزوج الذي هو في حاجة للنفقة يرفع للقضاء طالبا تقدير نفقة شهرية يدفعها له الآخر متى كان في سعه.
ب ـ الزوج الباقي بعد وفاة الآخر يمكنه طلب نفقة من التركة المتوفى عنها في مدة سنة شرط أن يكون محتاجا وان تكون العصمة باقية للوفاة حتى ولو كانت بالتفريق فقط دون الطلاق ويقسم فرض النفقة بين الورثة كل حسب نصيبه في الميراث ويكون فرض النفقة خاضعا للظروف المعيشية غلاء ورخصا.
ثالثا: العناية والعون الأدبي: وينحصر الواجب في هذا على العناية الشخصية بالزوج المريض أو العاجز عن العمل وعلى المساعدة الأدبية بأن يكون عضدا له في مختلف مخاطر الحياة فإذا أهمل الزوج الصحيح هذا الواجب كان تحقيرا شديدا للمريض وكان سببا للطلاق أو التفريق الجسماني( ).
رابعا: المساكنة والمعاشرة: وهي وجوب سكنى الزوجة مع زوجها في أي محل يجده ويرى فيه مصلحته ويجب عليها قبوله معه وتوفير واجبات الحياة لها حسب طاقته.
وطريق تنفيذ هذا الواجب هو:
أ- حفظ أو حجز إيراداتها والحكم عليها بغرامة يومية ما دامت بعيدة عن بيت الزوجية.
ب- الحكم على الزوج بفرض نفقة لها أو الحكم عليه بتعويض عند رفضه عشرة زوجته.
وينقطع واجب المساكنة والمعاشرة متى صدر قرار قضائي بالتفرقة الجسمانية أو كان الزوج يعامل زوجته معاملة سيئة وكان يجعل إقامتها معه غير ممكنة من شكل حياته معها.
المطلب الثاني: السلطة الزوجية وعدم أهلية المرأة المتزوجة.
في القانون الفرنسي مقارنا بما جاء في الشريعة الإسلامية.
السلطة الزوجية.
القانون الفرنسي: السلطة الزوجية تتحقق في الزواج بأن يكون الزوج رئيسا للعائلة وتكون المرأة خاضعة لزوجها في شخصها ومالها وتنحصر في:
1- عدم أهلية المرأة المتزوجة للتعاقد بدون إذن ومساعدة زوجها.
2- تملك المرأة جنسية زوجها بالزواج.
3- وحدة محل إقامة الزوجية فمحل إقامة الزوج القانوني هو منزل الزوجية.
4- حق الزوج في ملاحظة علاقات امرأته وما يرد إليها وما ترسله من
الخطابات للغير.
5- تسلط الزوج على إدارة أموالها العامة وأملاك الزوجة في غالب أقسام
الزواج.
وليس من حق الزوج تأديب زوجته مطلقا حيث أنه يملك طلب التفريق أو الطلاق إذا كان عنده من الأسباب ما يبرر ذلك ولا يجوز البيع بين الزوجين، وليس لأحدهما الرجوع فيما وهبه للآخر ولا عقد شركة أيا كان نوعها بعد عقد الزواج وتسجيل عقد ترتيب أملاكها.
أما في التشريع الإسلامي: فإن السلطة الزوجية تتحقق في الزواج بأن يكون الزوج رئيسا للعائلة وأن تكون الزوجة خاضعة لزوجها في شخصها فقط ولا شأن له في ماله إطلاقا عند أبي حنيفة أو فيما قل عن الثلث في التبرع في مذهب الإمام مالك كما سبق.
ـ والمرأة المتزوجة لها الأهلية الشرعية في جميع أنواع التصرفات والعقود ما دامت غير محجور عليها وبالغة عاقلة رشيدة ويصح أن يكون محلها الشرعي هو محل إقامة الزوج متى كانت معه فإن اشترطت عدم نقلها من بلدها أو بقيت بالفعل فمحل إقامتها هو محل وجودها بالفعل لأن لها اشتراط مثل هذا الشرط لأنه لا يتعارض مع المراد من الزواج.
وللزوج ملاحظة زوجته في كل شيء له علاقة بشخصها وله منعها من الخروج للزيارات والاختلاط والمراسلات لمن لا يجب. ويجب على الزوجة عدم السماح لأحد بالدخول لمنزل الزوجية مادام زوجها غائبا كما سبق ولا يملك الزوج بالزواج أي شيء من أملاك زوجته حتى ولا إرادتها ولها أن توكل غيره في جميع شؤونها ما دام لم يمس عرضها ولا حق لزوجها بشيء كمحرم أو شيخ الخ…
وللزوج حق التأديب كما سبق. ويجوز البيع بين الزوجين فهما كالأجنبيين في الأملاك ولهما عقد شركة بينهما بما يريان فيه مصلحة لهما من أي نوع من أنواع الشركات وليس لأحد الزوجين الرجوع في هبته للزوج الآخر متى وقعت الهبة صحيحة لازمة إلا إذا اشترطت ذلك عليه لأنها للصلة والحنان ( ).
اترك تعليقاً