دراسة وبحث عن التنظيم القانوني للماء
يعتبر الماء عنصرا فعالا في مجال التنمية، فمشكلة ندرة المياه أضحت عائقا أساسيا للتنمية القروية خصوصا، والتنمية الوطنية عموما، كما أن العائق الأكبر هو تبذير الماء وعدم تقنين استهلاكه، وسوف نحاول في هذا المقال أن نرصد كيفية تنظيم المياه بالمغرب وإلقاء نظرة موجزة عن تنظيم المياه في الفقد الإسلامي، قبل ذلك يجدر بنا تحديد طبيعة المياه هل تعتبر عقارا أم منقولا؟
طبيعة المياه:الأرض هي أصل كل العقارات، وهي تشمل ما فوقها وما تحتها، ومن ثم فالمياه الموجودة بباطن الأٍرض وتلك المنسابة على السطح تعتبر عقارات بطبيعتها مادامت يد الإنسان لم تمتد إليها وتعزلها عن مكمنها الطبيعي، فتتحول نتيجة لذلك إلى منقولات بطبيعتها مثلها في ذلك مثل المقالع والمناجم.وهذه القاعدة تستفاد ضمنيا من مقتضيات الفصل 11 من ظهير 2 يونيو 1915 بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة والذي ينص على أنه: إن ملكية العقار تعطي حق الملك لكل ما ينتجه، وما يضم إليه وما يدمج فيه بالالتصاق إما طبيعيا أو اصطناعيا.يضاف إلى ذلك أن المياه الخاصة تخضع لنظام نزع الملكية، ونزع الملكية في التشريع المغربي يمس العقارات وحدها دون المنقولات، ويتأكد ذلك بصورة جلية من أحكام الفصل الأول من قانون نزع الملكية لسنة 1982 الذي ينص بكيفية صريحة على أن إجراءات نزع الملكية تمس العقارات كلا أو بعضا وكذلك ملكية الحقوق العينية العقارية، وللتأكيد على الطبيعة العقارية للحقوق المالية الخاصة نص الفصل 41 من قانون نزع الملكية على أنه إذا كان الاستعجال يقضي أن تضم لفائدة الدولة بعض الموارد المائية قصد القيام بإعداد شامل نص مقرر إعلان المنفعة على هذا الاستعجال وعين في نفس الوقت الحقوق المائية التي يقضى التخلي عنها..”
المبحث الاول:تنظيم المياه في الفقه الإسلامي:
هناك تضارب حول طبيعة الشرعية للمياه، وكذا حول مدى إمكانية أو عدم إمكانية امتلاك تلك المياه ملكية خاصة. فهناك فريق فقهي أول ينبني على بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تقيد منع التصرف في المياه ولاسيما ما روي عن النبي (ص) أن المسلمين شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار، كما روي عنه (ص) أنه نهى عن بيع الماء. وهناك فريق ثاني نهى عن بيع فضل الماء لأنه نقل عنه (ص)أنه نهى عن بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ (صحيح البخاري). وانطلاقا من هذا الحديث فهذا الفريق يقر بأحقية الشخص في ملكية الماء، غير أن له أن يستعمل هذه المياه في حدود حاجته فقط، ويترك ما زاد عن تلك الحاجة للمحتاج لأنه لا يمنع فضل الماء وهناك فريق ثالث وهو الغالب والمشهور والذي اعتبر الرأيان السابقان معارضان للأصول، تلك الأصول التي تفيد كقاعدة عامة أنه لا يحل أخذ مال امرئ مسلم إلا عن طيب خاطره، لما روي عن الرسول (ص) وانعقد بصدده إجماع الصحابة والعلماء، ولذلك أقر هذا الفريق الأخير قاعدة تملك المياه ملكية خاصة والتصرف فيها بجميع التصرفات القانونية، كما أقر أن قاعدة انتقالها بسبب الموت والوصية وعن طريق الإرث، ويعتنق الفقه المالكي هذا الرأي الأخير.
المبحث الثاني: تنظيم المياه في التشريع المغربي:
لقد تم إقرار مبدأ الملكية العامة للمياه بظهيري 1914 و 1919 وتم تأكيده بالقانون رقم 95-10 المتعلق بالمياه، وحسب هذا المبدأ فإن كل المياه تشكل جزءا من الأملاك العامة باستثناء الحقوق المكتسبة على هذه المياه والمعترف بها والقانون الجديد 95-10 خص بابه الأول للتعريف بالملك العامي المائي وتحديده والقواعد والأحكام القانونية التي تضبطه.
بعد بسط الحماية الفرنسية على المغرب تبين أن إعلان مبدأ الملكية العامة للمياه بصورة قسرية ومفاجئة قد يثير غضب وثورة الأهالي أصحاب الأرض، وخاصة أن الماء يمثل المصدر الرئيسي للحياة بالنسبة لهم جميعا وبالنسبة لزرعهم وماشيتهم لهذا تقرر استثناء هام على مبدأ الملكية العامة للمياه وهو الاعتراف بالحقوق المكتسبة. وإذا كان التشريع المائي آنذاك قد حافظ على الحقوق التي سبق أن اكتسبها الخواص في المجالات المائية العامة، فإنه قد أضعف من شأن تلك المحافظة عندما قرر إمكانية نزع هذه الحقوق للمنفعة العامة.
والقانون الجديد أخذ هو كذلك بعين الاعتبار الحفاظ على الحقوق المكتسبة إلا أن الملاحظ هو أن هذا القانون يحد من ملكية هذه الحقوق بحيث أنه لا يحق لمالكي الحقوق على المياه وحدها أو على مياه لا يستعملونها إلا جزئيا تفويتها لأي كان ما عدا مالكي العقارات الفلاحية . إن أول أثر قانوني يترتب على إدراج المياه بالمغرب ضمن المجال الذي يدخل في إطار الملك العام للدولة إخضاعها لمبادئ القانون العام وبالخصوص مقتضيات القانون الإداري وليس مقتضيات القانون الخاص، وبالإضافة إلى ذلك ينتج عن هذا الإخضاع ما يلي:
-عدم إمكانية التصرف بالمياه العامة،
-عدم إمكانية تملك المياه العامة عن طريق وضع اليد أي التقادم المكسب،
-عدم إمكانية الحجز على المياه العامة،
-عدم إمكانية نزع ملكية المياه العامة.
وقد أقر المشرع لاستعمال المياه أو استغلالها سواء لأغراض فلاحية أو اقتصادية من طرف الخواص طريقتين متميزتين عن بعضهما: طريقة الرخصة وطريقة الامتياز.
+نظام الرخصة وهي تمنح بواسطة قرار إداري من وزير الأشغال العمومية باعتباره السلطة الوصية على الملك العام في الحالة التي لا تتجاوز فيها عملية أخذ المياه العامة أو استخراجها 100 لتر في الثانية بعد إجراء دراسة في الموضوع من طرف لجنة فنية مختصة، وقد فوضت في الوقت الحالي مسألة منح الرخص الخاصة باستعمال المياه العمومية إلى مديري مكاتب الاستثمارات الفلاحية.
+نظام الامتياز:ويمنح في الأصل بواسطة ظهير شريف يتخذ باقتراح من وزير الأشغال العمومية في كل حالة تتجاوز فيها عملية أخذ المياه أو استخراجها 100 لتر في الثانية.
وبخلاف نظام الرخصة فإن منح الامتياز الخاص باستعمال المياه العامة يتم بالخصوص في حالة الاستعمالات الصناعية الكبيرة أو الاستغلالات الفلاحية الضخمة، واستعمال المياه العمومية سواء تم بواسطة رخصة إدارية أو بواسطة عقد امتياز فإنه يتم دائما مقابل وجيبة نقدية تدفع إلى الخزينة العامة.
ويهدف تدخل الدولة لتنظيم المياه إلى تحقيق الأمن المائي وذلك من خلال تدارك الفوارق بين المدن والبوادي في إطار برامج تهدف إلى تحقيق الأمن المائي على مستوى مجموع تراب المملكة، وإقرار سياسة فعالة تحافظ على هذه الثروة الحيوية من التبذير وسوء الاستعمال.
اترك تعليقاً