بحث ودراسه عن الزواج المبكر – الخطر الكبير منه
تباينت الآراء حول فكرة الزواج المبكر ما بين مؤيد ومعارض وتظل هذه القضية شاغلنا نبحث فيها بعرض معظم الآراء المختلفة وخاصة بعد زيادة حالات العنوسة وحالات الوفاة الكثيرة من جراء هذا الزواج المبكر، ويرى البعض أن الحكمة الفرعونية تقول: خذ لنفسك زوجة وأنت فى العشرين والتوجه الإسلامى فى عمومه يحبذ تعفف الشبان والشابات بالزواج عندما تبدو الظروف مواتية. ولكن هل يعنى ذلك أن نشجع الزواج المبكر فى جميع الأحوال؟ وما عواقب الزواج المبكر جداً قبل سن العشرين؟ وما عواقب أيضا الزواج المتأخر؟
ـ خبراء هيئة الأمم المتحدة يرون أن الزواج المبكر مغامرة غير مأمونة، فزواج الفتاة قبل بلوغها سن العشرين قد يعرضها لخطر الإصابة بالعقم، كما أن أصحاب السن المبكرة فى الزواج أكثر تعرضاً للإحساس بفتور العلاقة الزوجية فيما بعد، وتزيد لديهم مخاطر الانفصال التام بالطلاق، كما تزيد فرصة تعرض أطفالهم حديثى الولادة للوفاة.
ورغم جدية هذه التحذيرات إلا أن الكثيرين قد انتقدوها مشيرين إلى أنها دعاو غربية، ومبادئ علمانية لا تناسب مجتمعاتنا الشرقية التى تقدس الحياة الزوجية، وتدفع الشبان والفتيات نحو الزواج فى أسرع فرصة، ضماناً للعفاف والاستقرار، وربما يتراءى لنا من أول وهلة أن القضية ليست جدلية إلى هذه الدرجة، وأن ما أثير حولها من خصومات وتراشقات بالأقلام كان فيه شيء من التسرع والعجلة، فحرص الإسلام الحنيف على التعجيل بالزواج وتسهيل إجراءاته ضماناً لعفاف واستقرار الشبان والشابات لا يتعارض بالضرورة مع الدعوات العقلانية للتريث والتمهيل فى أخذ قرار الزواج وخلوه من المشاحنات، فضلا عن الوقاية من الأمراض العضوية والنفسية هذا ما نراه لأول وهلة، ولكننا هنا ليس مشغولنا بعرضنا لتصوراتنا الشخصية بقدر ما نريد توضيح وجهتى النظر المتضادتين كما هما، وبتعبير أدق فنحن نستعرض دراسات الأمم المتحدة وغيرها من الدراسات التى حذرت من خطورة الزواج المبكر أولاً، ثم نستعرض بعد ذلك بعضاً من الردود على هذه الدراسات، فالقضية لم تكن لتتفجر فى الأساس ـ بهذه الصورة ـ لولا ذيوع هذه التقارير والدراسات عبر وكالات الأنباء والفضائيات وشبكة الإنترنت، وسنعتمد على هذه الأخيرة فى معظم مادتنا الموثقة.
والحجر الذى أحدث الدوامة المائية فى البداية هو تقرير صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة الذى دعا إلى وضع حد للزواج المبكر لا سيما بالنسبة إلى الفتيات مسلطاً الضوء على النتائج السلبية لهذا الزواج الذى لا يزال يستند إلى التقاليد القديمة، وذكر التقرير أن من أسباب الزواج المبكر الفقر وحماية الفتيات من التحرش الجنسي، بالإضافة إلى التهميش الاجتماعى واستعباد الفتيات بدرجات متفاوتة.
وفى جميع الأحوال تبقى هذه الممارسات انتهاكا لمجموعة من النصوص والبيانات والمعاهدات التى تعنى بحماية حقوق الإنسان، خصوصاً تلك المنبثقة عن تأسيس الأمم المتحدة ومعاهدة حماية حقوق الطفل. وأشارت الدراسة التى تضمنها التقرير إلى أن الزواج المبكر ينطوى على آثار عميقة على الصعيد الجسدى والفكرى والنفسى والعاطفي، كما أنه يحول دون استكمال الدراسة التعليمية والتطور الشخصي، وأضافت أن الزواج المبكر معناه فى غالبية الأحوال بالنسبة إلى الفتيات الحمل والولادة قبل الأوان، بالإضافة إلى الخضوع الجنسى والمنزلي.
وأظهرت الدراسة أن 56% من النساء فى ولاية راجستان الهند فى عام 2002 تزوجن قبل سن الخامسة عشرة و17% قبل العاشرة، والأسوأ من ذلك أن هذه الولاية لا تزال تطبق التقليد القائم على تقديم أطفال فى سن الثانية أو الثالثة للزواج.
وأضاف مركز الأبحاث التابع للمنظمة أن هذه الممارسات وسيلة لضمان انتقال الملكية والأموال ضمن العائلات.
وفى النيجر فإن 44% من النساء اللواتى تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عاماً تزوجن قبل سن الخامسة عشرة، أما تبرير ذلك فهو بالدرجة الأولى لتعزيز العلاقات داخل أو بين المجتمعات وتفادى حالات الحمل خارج الزواج.
وتابعت الدراسة أن الزواج المبكر أكثر انتشاراً فى وسط أفريقيا 40% : 49% من الفتيات تزوجن قبل التاسعة عشرة عما هو عليه فى غرب أفريقيا 27% وشمالها وجنوبها 20% وغالباً ما تكون الفتاة الزوجة الثانية أو الثالثة فى حالات الزواج المتعدد، وتواجه بالتالى خطراً متزايدا بالتعرض للاستعباد الجنسي.
أما فى الدول الصناعية فنادرا ما تتزوج النساء قبل الثامنة عشرة 4% فى الولايات المتحدة، 10% فى ألمانيا باستثناء بعض دول أوروبا الشرقية ذات الاقتصاد الضعيف البانيا ومقدونيا أو ضمن فئة الغجر.
الأضرار الصحية
مع ازدياد حالات الزواج المبكر بين الفتيات، تزداد نسبة الوفيات من الأمهات صغيرات السن بسبب المشاكل التي ترافق الحمل المبكر والولادة والنفاس. إذ يحدث الحمل وينمو الجنين داخل الرحم، فلذلك يعتمد الحمل على قدرة الرحم وعلى اكتمال نمو الأعضاء أعضاء الجسم بشكل عام، والأعضاء التناسلية بشكل خاص. فمن المثبت علميا أن الأعضاء التناسلية عند الفتاة لا يكتمل نموها إلا بعد بلوغها سن ال18 سنة. فبعد هذا العمر تكون الأم مهيأة جسميا ونفسيا لتحمل الولادة والرضاعة، لأن السن المناسبة للحمل هي ما بين 20-35 عاما. وفي هذا السياق تقول الدكتورة ماريان ميلاد طبيبة في مستشفى عام في مصر:” إن أكثر حالات الوفيات التي تحدث أثناء الولادة هي بين النساء صغيرات السن اللواتي تزوجن في سن مبكرة، مما يؤثر على عملية الحمل وعلى المرأة نفسها والجنين، وفي اغلب الأحيان يتوفى الطفل أيضا”. وهناك علاقة بين صحة الأم وصحة جنينها حتى ينمو بشكل طبيعي وتكتمل أشهر الحمل ويولد صحيح الجسم. وهناك العديد من المخاطر الصحية التي قد تترتب على الحمل المبكر الذي هو نتيجة للزواج المبكر منها تعرض الأم لارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، ثم تسمم الحمل، مما يؤثر بشكل كبير على صحة الام والجنين، لأن ارتفاع ضغط الدم يسبب اختلال في جميع أعضاء الجسم، منها الكلى والكبد والدم، ونقص بالصفائح الدموية، ومنها يحدث اختلال في الجهاز العصبي. وبسبب صغر سن الأم هناك احتمال أن يحدث حمل عنقودي، وهو يحتاج إلى متابعة مستمرة ومراقبة بشكل صحيح حتى لا تحدث أية مضاعفات. وفي حال ساءت الحالة هناك احتمال كبير أن يتم إجراء عملية قيصرية، مما يؤثر أيضا على الحالة النفسية للأم. وتضيف الدكتورة ميلاد:”بالرغم من انتشار ظاهرة الزواج المبكر، إلا أنني لم أكن أتوقع هذه النسبة العالية من الوفيات بين الأمهات صغيرات السن”.
** زواج الأطفال
وقد حذر التقرير من زواج الأطفال مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تقضى على ملايين الفتيات الصغيرات بالبؤس والألم، وقال إن ظاهرة الزواج المبكر لصغيرات السن تتسبب لهن فى آلام بدنية ونفسية رهيبة.
وأوضح التقرير أيضا أن نحو نصف عدد الفتيات فى بعض الدول يتم تزويجهن دون سن الثامنة عشرة نتيجة لضغوط الحاجة والفقر والتقاليد العائلية، أما الزوجات الصغيرات فيجرى تسريبهن من المدارس وحرمانهن من حق رئيسى آخر هو حق التعليم، كما أن الزواج فى سن صغيرة ينطوى على احتمال الحمل المبكر الذى يتسبب بدوره فى متاعب صحية إضافية.
ويؤكد التقرير أن إجبار الأطفال خاصة الفتيات منهم على الزواج المبكر يمكن أن يكون ضاراً على المستويين البدنى والعاطفي، فهذه الممارسة تعتبر انتهاكاً لحقوق هؤلاء الأطفال فى الحرية الشخصية. وتعتبر ظاهرة زواج الأطفال أكثر انتشاراً فى الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، حيث ينتشر الفقر وتسود المحرمات الخاصة بالعلاقات الجنسية قبل الزواج والخوف من الإيدز، ويعتقد الآباء فى تلك المناطق أن تزويج الفتاة فى سن مبكرة قد يساعدها اقتصاديا ويجنبها مخاطر العلاقات الجنسية غير المرغوبة. ويشير التقرير إلى وجود اعتقاد خاطئ فى بعض المناطق مفاده أن الرجل المصاب بالإيدز قد يشفى إذا مارس الجنس مع فتاة عذراء وتعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وبنجلاديش من أبرز النماذج على الزواج المبكر، حيث يتم تزويج غالبية الفتيات قبل بلوغهن الثامنة عشرة.
وتشير بعض الإحصاءات الواردة فى التقرير إلى أن سبعة فى المائة من الفتيات فى نيبال يتزوجن قبل سن العاشرة، وأربعين فى المائة قبل سن الخامسة عشرة.
أما فى مصر فيقول التقرير إن نحو 29% من الزوجات الصغيرات يتعرضن للضرب على أيدى الأزواج والأقارب ويتسبب العنف المنزلى فى فرار كثير من الفتيات، وهو الأمر الذى يقود أحيانا إلى ما يعرف بالقتل دفاعاً عن الشرف للمرأة على أيدى أحد الذكور من أقاربها، ويعد الموت الناجم عن الحمل المبكر السبب الرئيسى لوفيات الفتيات فى سن ما بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة فى جميع أنحاء العالم.
والجدير بالذكر أن معظم المربين وعلماء النفس والاجتماع المعاصرين يقفون ضد الزواج المبكر على اعتبار أنه سرقة لعمر الطفولة عند الفتاة، وحرمان لها من النمو الطبيعى لشخصيتها فصاحبة الخمسة عشر عاماً ـ وإن بدت هيئتها كامرأة ـ إلا أنها مازالت مسكونة بطفولة متأخرة كما يطلق عليها علماء النفس، ولا يمكن تحويل هذه الفتاة أو تلك إلى أم فى الوقت الذى تتطلب فيه مزيداً من الرعاية والاحتضان.
** الزواج المبكر ظاهرة قديمة..
وترى دراسة اجتماعية حديثة أن الزواج المبكر إذا وضعناه فى دائرة الضوء ليس ظاهرة اجتماعية طرأت على حين غرة، بل هى موجودة منذ القدم.. ويمكن القول بأن الهدف الأول منه قديماً كان زيادة النسل البشرى والحفاظ عليه من الانقراض، كما أن قوة الجسم وفحولته ووعى الإنسان بدوره جيدا فى ظل الإمكانات المحدودة كانت السمة المميزة فى هيكل تلك الحقب الزمنية المنصرمة، فلا عجب أن تتزوج فتاة وهى لم تكمل عقدها الأول، لأن الصحراء قد تولت المهمة وأكملت أنوثتها بجرعات من التكيف، وهرمونات من القدرة على تحمل المسئولية والقيام بأعباء هذه الحياة الجديدة.
ولكن لو سلطنا الضوء على وقتنا الحاضر للمسنا جهلاً مدقعاً يستبد بعقول كثير من أولياء الأمور، فعقولهم متحجرة تتشبث بأفكار متخلفة، وتعتريهم من قمة رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم جاهلية بالية، ولك أن تتخيل كيف يبدو أحدهم عندما يتقدم لطفلته عريس لقطة .. لأنها حقا لا تعرف عن الزواج إلا الملابس والمظهر وأشياء تخجل من التفوه بها صراحة.. تجده كالليث الجريح يحوم هنا وهناك لينزع هذه البتلة الصغيرة من أصيص بيته ويرمى بها نحو مستقبل مجهول، ومسئولية ليست هينة على الإطلاق، إنها مسئولية إنجاب الحياة، وتربية الأجيال، ورعاية البشرية جمعاء فهل تقدر هذه الفتاة على أداء هذه المهمة؟ هذه الفتاة التى تفرح بفستان جديد ترتديه، ودمية صغيرة تلهو بها ليلاً؟ هل تستطيع ذلك؟! وتستطرد الدراسة: إن حالات الطلاق خير شاهد على انعدام التفاهم بين الطرفين نتيجة الجهل بالمسئولية وعواقب ما أقدم عليه مثل هذا الأب. وجدير بالذكر أن دراسة حكومية أمريكية قد أظهرت مؤخراً أن الفتيات اللاتى يتزوجن فى سن مبكرة، تزيد لديهن مخاطر الانفصال، مقارنة بالفتيات اللاتى يتزوجن فى سن مناسبة وذكرت الدراسة أن نصف الزيجات فى أمريكا التى تقل فيها سن العروس عن 18 عاماً تنتهى بالانفصال أو الطلاق فى خلال عشرة أعوام وبالنسبة للفتيات اللاتى يتزوجن فى سن 25 عاماً وأكثر، فإن ربع الزيجات فقط تنتهى بالانفصال فى الفترة ذاتها.
** الزواج المبكر فى مصر
وتشير دراسة علمية أخرى حول الزواج المبكر فى مصر أعدتها الدكتورة إقبال الأمير السمالوطى إلى ضرورة وضع استراتيجية لمواجهة ظاهرة الزواج المبكر فى المجتمع المصري، موضحة أن الزواج المبكر من الظواهر الاجتماعية التى تنتشر فى مصر خاصة فى المناطق الشعبية والريفية.
واستندت الدراسة إلى إحصاءات رسمية تشير إلى أن نسبة 2.18% من الفتيات فى الفترة من 2000 ـ 2002 تزوجن فى سن مبكرة فى حين بلغت النسبة 3.40% فى الفترة من 1980 وحتى 1985 وقالت الباحثة إن نسبة الزواج المبكر فى الحضر تصل إلى 5.9% فى حين تمثل فى الريف 3.26% وتصل النسبة فى الوجه القبلى إلى 9.28% بينما تصل إلى 9.16% فى الوجه البحري.
ودعت الباحثة إلى ضرورة أن تراعى الحكومة المصرية فى استراتيجية مواجهة هذه الظروف طبيعة وخصوصية المجتمع المصرى مع الحرص على زيادة الوعى لدى المواطنين بالآثار السلبية للزواج المبكر والاهتمام بالتوعية الدينية للفتيات المقبلات على الزواج المبكر وتغليظ عقوبات التلاعب فى عقود الزواج.
ومضت الدراسة فى تعديد أضرار الزواج المبكر مشيرة إلى أنه قد يؤدى إلى ارتفاع حالات الطلاق نتيجة لعدم التوافق الزواجي، وحرمان الفتيات من حقوقهن فى اختيار أزواجهن ووضع الفتاة فى موقف المسئولية الاجتماعية قبل بلوغ مرحلة النضج، كما يؤدى إلى متاعب صحية للأم نتيجة الحمل والولادة المتكررة. وقالت الدراسة إن هذا الزواج يعتبر سمة من سمات المجتمعات الريفية، إذ إن 36% من إجمالى عدد الزوجات فى الأسر الريفية تزوجن فى سن أقل من 16 سنة فى حين تبلغ نسبة الإناث اللاتى تزوجن دون السن القانونية فى الحضر 1.9%.
وترجع الباحثة أيضا تزايد النسبة فى الريف إلى رغبة الريفيين فى الإكثار من الأولاد وقصر الفاصل الزمنى بين الآباء والأبناء والخوف على الشرف والعرض ودعم الروابط الأسرية ورغبة الآباء فى تزويج أولادهم مبكراً لإثبات الرجولة وتأكيد السيطرة.
وقالت الدراسة أيضا إن العوامل الدينية تعد من أهم العوامل فى شيوع الزواج المبكر فى البلاد العربية والإسلامية هذا بجانب أن بعض الأسر تزوج فتياتها الصغيرات اللاتى لم يبلغن السن القانونية من أزواج أثرياء مصريين أو عرب لديهم القدرة على تلبية الشروط التى تضعها أسرة الفتاة على الزوج، وتخلص الباحثة إلى القول بأنه رغم السلبيات فإن الزواج المبكر يؤدى إلى تدعيم الروابط والعلاقات الأسرية وسيادة روح التكافل خاصة فى المجتمعات الريفية، حيث يترتب على هذا الزواج نشأة حقوق وواجبات بين ذوى القربي، وتعاون فى المجالات المختلفة من خلال علاقة المصاهرة. ** خطورة الزواج المتأخر!
وفى مقابل وجهة النظر السابقة فإن هناك باحثين ومنظرين فى مجال العمل الأهلى والاجتماعى يستعرضون مجموعة من الآثار الضارة للزواج المتأخر فى عصر شهد ثورة جنسية عن طريق الأطباق الفضائية والإنترنت بما تحويه هذه الوسائل من ثقافة جنسية غير منضبطة وبصورة متاحة للجميع. وهى العوامل التى أدت إلى تورط العديد من الشباب فى ممارسة قبل الزواج، ويقول هؤلاء الباحثون إن الدعوة إلى الحد من الزواج المبكر لا يمكن أن تكون دعوة صحيحة فى وقت تعانى فيه أعداد كبيرة من الفتيات العربيات من العنوسة لأسباب اقتصادية واجتماعية.
وفى هذا الصدد يقول الداعية الدكتور مازن مطبقاتى المشرف على مركز المدينة المنورة لبحوث الاستشراق بخصوص إشكالية الزواج المبكر: يمكننا أن نشير إلى رأى الدكتور مصطفى السباعى الذى نحتفى به فى هذا المجال، ويمكن تلخيصه كما يلي: إننى من أنصار الزواج المبكر نسبيا، فالزواج المبكر أحفظ لأخلاق الشباب وأدعى إلى شعورهم بالمسئولية وهو أفضل لصحة الزوجين وللزوجة بصفة خاصة.
وإذا قلنا ـ يضيف مطبقاتى ـ إن الإسلام يدعو إلى الزواج المبكر، فليس هناك دليل أصدق من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء . والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: ما معنى الزواج المبكر؟ هل هو بالنسبة للرجل قبل سن العشرين وللمرأة قبل سن الثامنة عشرة؟ ولكن كيف يمكن ذلك والنظام الدراسى عندنا لا يتيح الفرصة للمرأة للزواج قبل سن الثانية والعشرين أى بعد التخرج من الجامعة، وبالنسبة للشاب قبل سن الخامسة والعشرين أى بعد التخرج بعدد من السنوات، ليتمكن من توفير المبلغ الكافى لذلك، فماذا يفعل كل منهما بغرائزه وشهواته فى هذه الفترة الطويلة؟ وأين الاستقرار النفسى الذى يهيئه الزواج، وفى هذه الفترة الطويلة يقضى الفتى أو الفتاة نحو عشر سنوات معطل الطاقات معطلاً لغريزته.
أما مقولة إن الزواج المبكر يعنى الحرمان من حق الاختيار فهى مقولة مغلوطة، لأن الإسلام يرفض أن يكون هناك حرمان من هذا الحق سواء للفتى أو الفتاة، ولنا عبرة فى قصة المرأة التى زوجها أبوها وهى كارهة فجاءت إلى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبرته بأن أباها يريد إكراهها على الزواج، فخيرها بين إمضاء الزواج أو إلغائه، وهنا قالت المرأة: قبلت اختيار أبى ولكنى أردت تعليم النساء حقهن فى الاختيار.
ولا يعنى حق الاختيار أن تمضى المرأة وقتها فى الأسواق أو المغازلات لا تبالى بالحياء أو الشرف بحجة أنها تريد اختيار شريك حياتها، فالاختيار يجب أن يكون مبنياً على الأسس التى وضعها الإسلام إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه وكما يرى الرجل المرأة، فللمرأة أن تراه ولها الحق فى الموافقة أو عدمها.
أما الدعوة إلى تأخير سن الزواج، فهى مناقضة لما قاله الغربيون أنفسهم من قبل، ففى الستينيات أورد الغربيون تصريحاً للبروفيسور هاردن ـ أستاذ علم النفس فى جامعة هارفارد ـ قال فيه: إن الزواج المبكر لا يضر كما يعتقد البعض وخاصة بين طلاب وطالبات الجامعة، إن الظاهرة التى يشاهدها الناس فى الجامعات هى ظاهرة طبيعية ومفيدة، فالطالب المتزوج يدرك قيمة مستقبله فلماذا تخلى الغربيون عن أفكارهم، وناقضوا موقفهم إذن فى دراستهم الحديثة؟! ومن ناحيته يقول الدكتور أحمد ماضى أبو العزايم فى دراسة له حول الإسلام وتعاليم الزواج :
يزخر القرآن الكريم بالعديد من الإشارات إلى التعاليم الأخلاقية الإسلامية النفسية ودورها فى حماية الفرد والمجتمع، توصى تعاليم الإسلام الأخلاقية بالزواج المبكر، وإذا تعذر ذلك فإنها توصى بالصبر والتحمل.
** الزواج فى نظر الإسلام
أما الباحث عبدالكريم رشيد فيرى أن الزواج فى نظر الإسلام قربة وشريعة وسنة، وربما وصلت إلى الفريضة فى بعض الأحيان.وشرع الله الزواج ولم يشرع الرهبانية، فلا رهبانية فى هذا الدين ليس فى الدين اعتزال للحياة، وليس فيه انصراف عن المرأة واعتبارها وسيلة للشيطان كما فى أديان أخري، حيث كان الرجل يعتبر المرأة شيئاً نجساً ويفر منها حتى ولو كانت أخته أو أمه كما كان يصنع الرهبان فى أوروبا فى العصور الوسطى ولقد تزوج رسول الله وتزوج أصحابه حتى قال من قال فيهم: لو لم يبق من عمرى إلا عشرة أيام لتزوجت فيها حتى لا ألقى الله عزباً.
ولقد استجاب المسلمون الأوائل فيسروا وسهلوا أمور الزواج ولكن الناس بعد ذلك وفى عصرنا خاصة عسروا ما يسر الله وضيقوا ما وسع الله، شددوا على أنفسهم ولم يشدد الله عليهم، حتى رأينا العزوبة عند الشباب والعنوسة عند الفتيات. نرى شابا بلغ الثلاثين من عمره ولم يتزوج ونرى فتاة بلغت الثلاثين ولم تتزوج ولعلها لا تتزوج بعد ذلك وعندها يقول الناس: فاتها القطار وإذا تقدمت الفتاة فى السن ذهبت نضارتها وعزف عنها من يريدها، فيرغب عنها الرجال وعندها تندم وتتمنى وهى ترى الأطفال يمشون مع أمهاتهم أن يكون لها أطفال مثلهن.
وهذه الحالة التى تصل إليها هذه الفتاة هى بسبب انخداعها عن طريق الغزو الفكرى الموجه ضد عقيدة المسلمين وأخلاقهم، والذى نتلقاه فى الصحف الهابطة والمجلات الخليعة، والاختراعات الخارجية عبر البث المباشر من أفلام ومسلسلات وقصص، يبثها أعداء الأمة بقصد الوقيعة بكيانها ويحذرون المرأة من الزواج المبكر ويزعمون أنها لا تتحمل تبعات الزواج قبل سن العشرين!ومازال ملف الزواج المبكر مفتوحا
اترك تعليقاً