المقدمة:
لقد حدث أخذ ورد في اعتبار الإندماج وسيلة قانونية
وبين اعتباره تقنية اقتصادية ، وبفضل هذا الأخذ والرد بين الاقتصاديين والقانونيين أفرز لنا تعريفا لإندماج الشركات المالية على أن الإندماج بحسب غايته هو وسيلة اقتصادية لتركيز الذمة المالية وتوحيد أصول الشركات التي قررت ان تضم رأسمالها في ظل شخصة معنوية واحدة ، اما بحسب قيامه وتحقيقه فهو وسيلة قانونية لا يتم الإ إذا احترم الإجراءات الإلزامية والصارمة المدروسة بعناية لحماية جميع اطراف العلاقة سواء الأطراف الداخلية للشركة او الأغيار ، وبهذه المكونات نجد أن المفهوم الإقتصادي يستغرق المفهوم المادي القانوني إذ أنه يستوجب لتركيز الإقتصاد تحقيق الإندماج بالمفهوم القانوني وأن بهذا الأخير تلقائيا يتحقق المفهوم الإقتصادي ، غير أن نقطة الإنطلاقة والترابط وهذا الإستغراق الحاصل بين الشقين القانوني والإقتصادي لا يتوقف عند هذه المرحلة بل أنهم يتكاملان في سبيل إنقاذ شركة المساهمة المتعثرة وإرجاعها إلى المسار الصحيح دون أن يلقى بها في مهب التصفية .
فما هي الغاية من توجه شركات المساهمة الى سياسة الإندماج ؟
وكيف يمكن لنا تصور الإنقاذ المادي لشركة المساهمة عن طريق الإندماج ؟
وهل يتوافق مفهوم التركيز الإقتصادي مع الإنقاذ المادي في عملية الإندماج ؟
إن محاولة التطرق بشكل دقيق لهذه المحاور يستوجب دراسة الإشكاليات العملية للمقاولات في علم الإقتصاد بشكل دقيق وللنظام القانوني الذي يخضع له الإندماج في مختلف الأنظمة التشريعية ، لذلك سنقتصر في هذا البحث المتواضع على الجانب القانوني المغربي الصرف ومقارنته معى بعض الأنظمة التشريعية الملائمة في هذا الصدد ، وذلك على الشكل الآتي :
المبحث الأول : إندماج شركة المساهمة كوسيلة لتركيز الإقتصاد .
المبحث الثاني : إندماج شركة المساهمة كوسيلة للإنقاذ المادي .
المبحث الأول : إندماج شركة المساهمة كوسيلة لتركيز الإقتصاد .
لن أتطرق لأي تقسيم في هذا المبحث لهذا المحور لكونه ذو طبيعة إقتصادية أكثر من أنها قانونية بحيث تدخل في نطاقمعقد يصعب تناولها في مجرد مقالة موجزة ، ولن نضيف شيئا جديدا بالقدر الذي يجعلنا نتطرق لوسيلة الإندماج كآلية إقتصادية أكثر من اعتبارها مجموعة من الإجراءات القانونية إذا ما نظرنا إلى الغاية والهدف ، في نطاق لن يخرج عن تبيان هذه الغاية وهذا الهدف لا أكثر .
يعتبر إندماج شركات المساهمة من أهم الوسائل وأكثرها شيوعا لما يترتب عليه من مزايا بحيث تسعى الشركات ذات النشاط المتشابه أو المتكامل إلى هذه الوسيلة بهدف تحقيق معدلات انتاجية أعلى وتحقيق نوع من الإحتكار في مباشرة النشاط الذي تزاوله ، وكذلك لوضع حد للمنافسة بينها أو لتخفيف النفقات المتعلقة بتكاليف النشاط الذي تقوم به وتوحيد سياسة الإنتاج وزيادة الإئتمان ودعم القوة الإقتصادية للشركات الداخلة في الإندماج ، وهذا لا يجعل من الإندماج يحقق غاية تتمثل في ما ذكر فقط، اذ أن الاندماج بين الشركات يكتسي طابع قانوني محض يتجلى في توحيد سياسات الشركات الكبرى على مستوى الإدارة والتسيير وله طابع محاسبي يتداخل مع ما هو ضريبي واقتصادي يجعل منا في موقف صعب للحكم على أنه تقنية لتركيز الإقتصاد وفقط ، بحيث أن الدول الإقتصادية الكبرى بدأت تنتبه لأهمية هذه التقنية لتضخيم نسبة المنافسة الدولية على صعيد الإقتصاد العالمي والمضاربة على تبوء مراكز متقدمة بفضل تجميع وسائل الإنتاج والرفع من حجم رقم المعاملات الوطني لهذه الشركات ، اضافة الى ذلك إذا أخذنا بأن تركيز تركيز اقتصاد هذه الشركات هو نتاج عملية الإندماج فإن للتركيز الإقتصادي آثار لا يمكننا إغفال ذكرها إذا ما ارتأينا تقييم التقنية في مجملها وحاولنا ربط الإجراء بالغاية فنحن سنكون أمام وظيفة يقوم بها تركيز وتوحيد الذمة المالية وتوحيد المشروعات الإقتصادية بشكل تلقائي فور تحقيقه قانونيا إذ نتحدث عن الحد الكبير من التنافس الإنتحاري الذي اعتبره علماء الإقتصاد معضلة القرن في ظل تداخل عوامل العولمة في وتيرة الإنتاج وسرعة تضخيم النشاطات التي يحتاجها العالم ، إذ أنه في الغالب ما تكون المنافسة الشرسة بين المقاولات الصغرى سببا لإنتحارها معلنة بذلك إفلاسها المترتب عن الإنخفاظ المهول في الأسعار نتيجة هذا التنافس ويكون بذلك إندماجها هو إنقاذ من موت حتمي لا هروب منه للحد من هذه المعضلة أولا وللنهوض مجددا لمجابهة النشاطات الكبرى التي هي في حاجة لإندماج هذه الشركات ، بالتالي تركيز إقتصادها عن طريق اندماجها ثانيا سواء بتلاحمها أو بانحلالها لتأسيس شركة جديدة ، وهنا تتجلى العلاقة بين تركيز الإقتصاد والإنقاذ المادي للمقاولة المتعثرة كما سنرى لاحقا .
وقد إعتبر النص القانوني عملية اندماج الشركات في حكم نوع من أشكال التركيز الإقتصادي بنص المادة 11 من قانون 104.12 والمتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ، وباعتبار أن هذه المادة مدرجة في القسم الرابع من القانون المذكور بحيث نظم هذا القسم عمليات التركيز الإقتصادي إذ نصت المادة على : ” تنجز عمليات التركيز :
– حينما تندمج منشأتان أو عدة منشآت كانت مستقلة سابقا …”
والعبرة في اخضاع عملية الإندماج لهذا القانون هي لغاية رقابة مجلس المنافسة لهذه العملية متى اقتضى الأمر ذلك ومتى نص القانون صراحة على الزامية هذا الإجراء ، بحيث تأتي أحيانا بعض الإندماجات بشكل ينتج عنه قيام احتكارات في بعض المجالات أو القطاعات الاقتصادية ، مما من شأنه التأثير المباشر على المنافسة المشروعة ، ولهذه الغاية تدخل قانون حرية الأسعار والمنافسة من الأساس أي من أجل تنظيم عمليات التركيز الإقتصادي الناتجة عن الاندماج بين الشركات وذلك متى توفرت الشروط الثلاثة التي نصت عليها المادة 12 من قانون حرية الأسعار والمنافسة أو إحداها بحيث يستوجب في هذه الحالة عرض مشروع الاندماج على مجلس المنافسة متى توفرت طبقا للمادة أعلاه
المبحث الثاني:إندماج شركة المساهمة كوسيلة للإنقاذ المادي .
يظهر من خلال عنوان هذا المحور أن الإنقاذ المادي لشركة المساهمة هو إجراء يقابل عملية التركيز الاقتصادي من خلال الاندماج ، والواقع أنه عكس ذلك ، بحيث أننا لن نتحدث عن أي مخطط لمعالجة صعوبات المقاولة كوسيلة للإنقاذ بل حديثنا سيكون بديلا لهذا الأخير أي عن اندماج الشركات كوسيلة بديلة للإنقاذ وكبديل لإفلاس المقاولات وواقعة تكامل التركيز مع الإنقاذ تكمن في أن إنقاذ الشركة المتعثرة يكون بتركيز الإقتصاد والتركيز يحققه الإندماج الذي يكون قانونيا متى تحدثنا عن الإجراءات و اقتصاديا كلما تحدثنا عن تضخيم الرأسمال وتضخيم النشاطات لتقوية الإنتاج والقدرة على المنافسة من جديد ، ولتوضيح مكونات هذا الموضوع أكثر سنبين معنى التعثر ثم نعالج سبل إنقاذ الشركة من هذا التعثر في نطاق إندماج الشركة المتعثرة .
يعد موضوع التعثر من العوائق التي قد تتعرض لها الشركة والمشروعات التجارية خلال مسيرتها ، والتي تعود إلى المتغيرات الاقتصادية والمالية وكذلك الإدارية التي تطرأ على أحوال الشركات بشكل خاص والدول بشكل عام ، لذلك تسعى الدول من خلال تشريعاتها والنصوص القانونية إلى وضع الحلول الناجعة لإنقاذ الشركة من عثرتها وإعادة الطاقة التشغيلية لهاسواء كان هذا التعثر مالي أم إقتصادي ، فاندماج الشركات هو إعادة هيكلة التقويم الاقتصادي بمخالفة مفهوم التعثر وليس بمفهوم النص القانوني بل وحتى النص القانوني نسجل له حضور ولو أنه غير واضح المعالم بعودتنا الى نطاق تطبيق عملية الإندماج في نصوص القانون رقم 17.95 المتعلق بتنظيم شركات المساهمة بالضبط في مادته 222 بحيث أتاح للشركات التي في طور التصفية إمكانية اللجوء الى عمليات الاندماج ما لم يتم الشروع في تصفية أصولها ، ولا يمكننا أن نفهم من هذه الفقرة من المادة غير فسح المجال لفرصة أخرى للشركة المتعثرة للوقوف مجددا وذلك طبعا عن طريق اعادة هيكلة الإقتصاد وانتقال الديون وتوحيد الانتاج والبدأ من جديد بفضل اندماج الشركة المتعثرة أو التي هي في طور التصفية بسبب هذا التعثر بل و أن السنديك في مرحلة إعداد الحل في مخطط الإستمرارية يمكن له اقتراح الإندماج لإنقاذ المقاولة وفق ما تقتضيهالمواد 579 إلى 602 من مدونة التجارة آذا ما وجد ما يضمن إستمرارية المقاولة عن طريقة إندماجها مع شركة أخرى
خاتمة
ان اندماج شركات المساهمة لما له من طابع قانوني واقتصادي جعل منا نتطرق للحديث عن هذا الطابع المزدوج في فقرتين بشكل موجز أملا في تدخل الباحثين لتوسيع دائرة البحث عن سبل إنقاذ الشركة بشكل يجعل منها أقوى مما كانت عليه حتى وقبل تعثرها عن طريق الإندماج عوض التصفية وكبديل للمساطر المرهقة الأخرى وأملا في تدخل المشرع هو الآخر لتضمين النقاط التي يمكن من خلالها أن يعتمد السنديك مخطط الاستمرارية عن طريق الاندماج بشكل يحث على الأولوية في اعداد الحل ، ليحمل المقاولة من الغاية الى الهدف أي من الانقاذ الى تركيز الاقتصاد هنا يتجلى تكامل المفهومين اللذان يستغرق احدهم الآخر خلال عملية الإندماج .