شرط الحوز في عقود التبرع
من إعداد : محمد عماد الدين أغربي
باحث في العلوم القانونية
تقديم :
تعتبر العقود التبرعية من العقود التي تختص بالعديد من الخصائص والقواعد والأحكام التي قد لا نجدها في باقي العقود، وقد حظيت باهتمام كبير وتنظيم مستفيض من قبل الشريعة الإسلامية، نظرا للآثار الطيبة التي تحققها تلك العقود داخل المجتمعات، وقد اقتبس المشرع المغربي تلك الأحكام والضوابط الشرعية والفقهية المؤطرة للتبرعات ووظفها في القوانين والنصوص التنظيمية ذات الصلة، ومن أبرزها مدونة الحقوق العينية[1]، ومدونة الأوقاف[2].
ولا بأس أن نقف في البداية على مدلول التبرع، فحسب بعض الفقه[3] هو تمليك شخص لآخر شيئا متمولاً أو منفعته بدون عوض، ويتضح من خلال هذا التعريف أن الغاية التي يقوم عليها التبرع هي تمليك الشيء المتبرع به أو الاستفادة من منافعه، ولن يتأتى ذلك إلا بحيازة المتبرع عليه للشيء المتبرع به أو ما يطلق عليه فقها “بالحوز أو القبض” .
والقبض يفيد لغة[4] “يقال قبضت الدار من فلان أي حزتها، فمعنى القبض يدور حول الجمع والحيازة”، أما بخصوص التعريف الاصطلاحي للحوز فإننا نجد المشرع المغربي قد عرفه في الفقرة الأولى من المادة 26 من مدونة الأوقاف جاء فيها : “الحوز هو رفع يد الواقف عن المال الموقوف، ووضعه تحت يد الموقوف عليه”، ولم تبتعد كثيرا التعاريف الفقهية لشرط الحوز عن التعريف الذي أورده المشرع المغربي بحيث نجد الفقيه ابن عرفة يعتبر الحوز حقيقته رفع خاصية تصرف الملك فيه عنه بصرف التمكن منه للمعطى أو نائبه[5].
ويكتسي شرط الحوز أهمية كبيرة في عقود التبرع، نظرا لأثره المباشر عليها، فإما أن يكون سببا في صحة تلك العقود، أو يجعلها عرضة للبطلان، وتتجلى أهمية شرط الحوز أيضا في كون أكثر النزاعات المتعلقة بعقود التبرع المعروضة على القضاء تنصب بنسبة كبيرة منها على حوز المتبرع عليه للمال المتبرع به قبل حصول المانع، من أجل ذلك ارتأينا أن نعالج في مقالنا شرط الحوز، وأن نسلط عليه الضوء بالدراسة والتحليل، وقبل ذلك تجب الإشارة إلى أن عقود التبرع كثيرة ومتنوعة، لذلك فإننا سنقف فقط على أهم عقود التبرع ويتعلق الأمر بالهبة، والصدقة، والوقف .
وسنتناول موضوعنا في مبحثين :
ـ المبحث الأول : الإطار العام لشرط الحوز في عقود التبرع
ـ المبحث الثاني : آثار شرط الحوز على عقود التبرع
المبحث الأول : الإطار العام لشرط الحوز في عقود التبرع
لقد أثار شرط الحوز العديد من الإشكالات، مما جعل كل من الفقه والقضاء يخلصان إلى آراء متباينة حول هذا الشرط، لذلك فإننا سنقف في هذا المبحث على طبيعة شرط الحوز من الناحيتين الفقهية والقانونية (المطلب الأول)، لنتطرق فيما بعد لأنواع الحوز (المطلب الثاني).
المطلب الأول : طبيعة شرط الحوز من الناحيتين الفقهية والقانونية
سبق وأن أشرنا في تقديمنا بأن الشريعة الإسلامية أولت عناية كبيرة بعقود التبرع، مما يتطلب منا تقديم الأساس الشرعي لشرط الحوز، فقد روي عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت : “إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان نحلها جذاذ عشرين وسقا من مال الغابة فلما حضرته الوفاة قال : والله يا بنية ما من الناس أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث”، ولم يقف الأساس الشرعي لشرط الحوز على ذلك الحديث، بل روى مالك عن عمر رضي الله عنهما أنه قال : “ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم قال : مالي بيدي لم أعطه أحدا وإن مات قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه، فمن نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها للمنحول له وأبقاها حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة” [6].
وبرجوعنا إلى الفقه الإسلامي نجده بدوره تطرق لشرط الحوز، إلا أنه قد اختلف في تحديد طبيعته (الفقرة الأولى)، كما سنقف أيضا على الاتجاه الذي سار عليه المشرع المغربي في تحديد طبيعة شرط الحوز (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الاتجاهات الفقهية حول طبيعة شرط الحوز
انقسم الفقه في تحديد طبيعة شرط الحوز إلى ثلاث اتجاهات، فمنهم من اعتبره شرط صحة في عقود التبرع، ومنهم من اعتبره شرط تمام ونفاذ لعقد التبرع، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يعتبر لا شرط صحة ولا شرط تمام، وقبل ذلك لا بأس أن نبرز الفرق بين شرط صحة وشرط تمام، فحينما نقول شرط صحة، فإن عقد التبرع المبرم لا يكون صحيحا ومنعقدا إلا بتوفر شرط القبض أو الحوز، أما شرط تمام، فعقد التبرع يكون منعقدا بالإيجاب والقبول، لكن نفاذه يبقى معلقا على حصول الحوز .
ـ الاتجاه الأول : الذي يعتبر الحوز شرط صحة
ذهب في هذا الاتجاه كل من الأئمة رضوان الله عليهم أبو حنيفة، والشافعي، والثوري، بحيث اعتبروا أن الحوز أو القبض هو شرط من شروط صحة الهبة[7]، وأنه إذا لم يقبض الموهوب له لم يلزم الواهب، ويستفاد من ذلك أن انتفاء الحوز يجعل التبرع باطلا ولا أثر له، وسندهم في ذلك هما الحديثين السالفين الذكر لعائشة رضي الله عنها، وحديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، كما أن العديد من الفقهاء ذهبوا إلى أن سبب اعتبار الحوز الركن الركين في التبرعات إنما كان إعمالا لأصل سد الذرائع، إذ لو أجيزت دون حوز لكان ذلك ذريعة إلى أن ينتفع الإنسان بماله قيد حياته ثم يعمد إلى إخراجه عن ورثته بعد مماته وهو أمر منهي عنه [8].
ـ الاتجاه الثاني : الذي يعتبر الحوز شرط تمام
ذهب في هذا الاتجاه الإمام مالك رضي الله عنه، فنجده قد جمع بين القياس وما روي عن الصحابة، وجمع بينهما فمن حيث أن الهبة عقد من العقود لم يكن عنده شرط من شروط صحتها القبض، ومن حيث شرطت الصحابة فيه القبض لسد الذريعة التي ذكرها عمر رضي الله عنه جعل القبض فيها من شرط تمام، فالإمام مالك عقد الهبة عنده ينعقد بالإيجاب والقبول ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من القبض كالبيع سواء، فإن تأتى الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة، والأكثر من ذلك فإن الإمام مالك رضي الله عنه أورد أحكاما تخص بيع الواهب للمال الموهوب قبل القبض، وفصل فيها على الشكل التالي : إن علم الموهوب له فتوانى لم يكن له إلا الثمن، وإن قام في الفور كان له الموهوب [9].
هذا وقد اعتمد الفقه المالكي في اعتبار الحوز شرط تمام وليس شرط صحة، ما أورده الشيخ خليل في مختصره “وحيز وإن بلا إذن وأجبر عليه”، ويستفاد من هذا المتن قاعدتين الأولى حيازة المتبرع عليه بدون إذن المتبرع، والقاعدة الثانية إجبار المتبرع على تمكين المتبرع عليه من حيازة المتبرع به [10].
ـ الاتجاه الثالث : الذي يعتبر الحوز لا هو شرط صحة ولا هو شرط تمام
ذهب في هذا الاتجاه كل من الإمام أحمد وأبو ثور وأهل الظاهر، بحيث يرون أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا لأن الأصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع، وفي حالة وفاة الواهب أو الموهوب له قبل التسليم فإن الهبة لا تبطل[11]، وعليه فحسب هذا الاتجاه فإن الحوز أو القبض ليس شرط صحة الهبة ولا شرط تمامها .
الفقرة الثانية : موقف المشرع المغربي من طبيعة شرط الحوز
سنسلط الضوء في هذه الفقرة على عقود التبرع التي أشرنا إليها في التقديم، ويتعلق الأمر بالهبة ـ والصدقة ـ والوقف، وبما أن أحكام الهبة هي نفسها تطبق على الصدقة باستثناء عدم جواز الاعتصار في الصدقة، واسترجاع الصدقة فقط عن طريق الإرث حسب المادة 291 من مدونة الحقوق العينية، فإننا سنتناولهما معا على أن نعالج بشكل مستقل عقد الوقف.
ـ طبيعة شرط الحوز في عقدي الهبة والصدقة
لقد ذهب المشرع المغربي في الاتجاه الذي سار عليه الفقه المالكي وهو الاتجاه الوسط، حيث اعتبر الحوز شرط تمام في عقدي الهبة والصدقة، ويتضح ذلك بالرجوع إلى النصوص المنظمة لهما في مدونة الحقوق العينية، حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة 274 “تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول”، توضح هذه الفقرة بشكل جلي توجه المشرع المغربي إلى اعتبار عقد الهبة ينعقد بإيجاب من الواهب أو الموهوب له وقبول من الطرف الآخر، ولا يوجد ضمنها ما يفيد ضرورة توفر شرط الحوز في انعقاد العقد، وقد حدد المشرع المغربي شروط صحة عقد الهبة في المادة 275 ولا يوجد ضمنها ما يفيد شرط الحوز جاء في المادة المذكورة “يشترط لصحة الهبة أن يكون الواهب كامل الأهلية مالكا للعقار الموهوب وقت الهبة”.
وما يؤكد طرحنا هو ما ذهب إليه المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا في العديد من القرارات الصادرة عنه إلى أن الحوز هو شرط تمام وليس شرط صحة، حيث جاء في إحدى قراراته[12] : “لكن، حيث من المقرر فقها أن الحيازة شرط تمام الصدقة قبل حصول المانع وتثبت بمعاينة أو ما يقوم مقامها وفقا لما هو جار على سائر التبرعات”، وبهذا يكون كل من التشريع والقضاء ذهبا في نفس الاتجاه فيما يخص تحديد طبيعة شرط الحوز في عقدي الهبة والصدقة.
ـ طبيعة شرط الحوز في عقد الوقف[13]
يكتسي الوقف أهمية كبيرة جعلته في طليعة عقود التبرع نظرا لدوره الفعال داخل المجتمع، وما يدل على مكانته السامية هو أن المشرع المغربي خصص له مدونة الأوقاف بكاملها تنظم أحكامه وقواعده المستنبطة من الفقه الإسلامي سيما المذهب المالكي.
وعليه فإننا نتساءل عن طبيعة شرط الحوز في ظل عقد الوقف، فبعد استقرائنا لمقتضيات مدونة الأوقاف، يتضح لنا أن المشرع المغربي ظل وفيا للمذهب المالكي حيث اعتبر الحوز شرط تمام وليس شرط صحة ويتضح ذلك في العديد من المواد من بينها المادة 24، وقد يقول قائل بأن المشرع استهل هذه المادة بالعبارة التالية “يشترط لصحة الوقف شرطان : ـ الإشهاد على الوقف ـ حوز المال الموقوف قبل حصول المانع مع مراعاة أحكام المادة 10 أعلاه…”، ولو تمعنا قليلا في الشرط الثاني المتعلق بالحوز ستتضح لنا الصورة، فلو كان الحوز شرط صحة لما نص المشرع على حوز المال قبل حصول المانع الذي هو موت الواقف أو إفلاسه، وما يعزز طرحنا أيضا هو أن المشرع المغربي كرس في المادة 26 متن الشيخ خليل المذكور سابقا، جاء في المادة المذكورة “لا يتوقف الحوز على إذن الواقف، ويجبر عليه إن امتنع عنه”، أضف إلى ذلك أن المشرع أورد أربع حالات يستغنى فيها عن شرط الحوز وذلك في المادة 27 من مدونة الأوقاف، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل اعتبر المشرع أن وفاة الواقف قبل الحوز تبطل الوقف ما لم يطالب به الموقوف عليه قيد حياة الواقف المادة 33.
وينبغي التذكير إلى قول ابن عاصم في التحفة :
“والحوز شرط صحة التحبيس قبل حصول موت أو تفليس“، فحسب البعض[14] فإنه رغم استعمال هذا التعبير في المتن فإن كافة الشروح المنصبة عليه تسير مع تكييف الحوز شرط تمام، وبالتالي فصاحب النظم لم يقصد بالوصف المذكور شرط صحة.
وبناء على ما تقدم في هذا المطلب نخلص إلى أن المشرع المغربي اتخذ الحل الوسط فيما يخص تحديد طبيعة شرط الحوز في عقود التبرع، وذلك بجعله شرط تمام، مطابقا لما ذهب إليه الفقه المالكي.
المطلب الثاني : أنواع الحوز
الأصل في شرط الحوز أن له صورة واحدة ومعنى واحد يتمثل في رفع يد المتبرع عن المال المتبرع به ووضعه تحت يد المتبرع عليه أو نائبه، لكن مع الأحداث التي عرفها المغرب سيما في فترة الحماية، التي اتسمت بإصدار زمرة من النصوص التنظيمية والظهائر الشريفة، فكان من بينها ظهير شريف بشأن التحفيظ العقاري الصادر سنة 1913، فأصبحنا بذلك أمام ازدواجية الأنظمة العقارية، عقار محفظ، وعقار غير محفظ، ولكل واحد منهما صورته الخاصة في الحوز، ففي العقار غير المحفظ يستلزم الحوز المادي (الفقرة الأولى)، أما في العقار المحفظ أو في طور التحفيظ فيتطلب الحوز القانوني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الحوز المادي
نقصد بالحوز المادي الحوز الفعلي الملموس الذي يقوم به المتبرع عليه على المال المتبرع به، وقد أوجب المشرع المغربي توفر الحوز المادي لنفاذ عقدي الهبة والصدقة، كلما تعلق الأمر بعقار غير محفظ، ما عدا تقديم مطلب التحفيظ سواء من قبل المتبرع أو المتبرع عليه أو نائبه، حسب المادة 274 من مدونة الحقوق العينية، أما فيما يخص عقد الوقف نلاحظ أن المشرع المغربي كان أكثر وضوحا وتفسيرا في الحوز المادي للعقار الموقوف “غير المحفظ”، حيث جاء في المادة 26 من مدونة الأوقاف، على أنه يحق للموقوف عليه أن يحوز حوزا ماديا بدون إذن الواقف، كما اعتبر أن كل تصرف يقوم به الموقوف عليه في المال الموقوف يعتبر حوزا ماديا، ولا ننسى أيضا الحالات الواردة في المادة 27 التي تغني عن الحيازة المادية في عقد الوقف وتتمثل هذه الحالات في ما يلي :
ـ إذا تعذر الحوز لأسباب لا يد للموقوف عليه فيها.
ـ إذا صرح الواقف بإخراج المال الموقوف من ماله عاش أو مات.
ـ إذا كان الواقف في حالة مرض الموت.
ـ إذا كان الوقف معلقا على عمل ينجزه الموقوف عليه.
وقد أكد المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا ضرورة الحيازة المادية لنفاذ التبرع جاء في إحدى قراراته[15]: “لكن حيث إن الحيازة المادية شرط في نفاذ الصدقة قبل حصول المانع بمعاينة البينة للمتصدق عليه وهو يحوز الشيء المتصدق به”.
وتجب الإشارة إلى أن الحيازة المادية يمكن أن تتم إما من قبل المتبرع عليه أو النائب الشرعي أو الغير الذي قد يعينه المتبرع ليحوز للمتبرع عليه سواء لفقدان أهليته أو انعدامها أو لسبب آخر :
ـ حيازة المتبرع عليه : الأصل في الحيازة أنها تتم من قبل المتبرع عليه، بحيث يحوز لنفسه المال المتبرع عليه به، والمتبرع عليه إما أن يكون كامل الأهلية بالغ سن الرشد المحدد في 18 سنة شمسية كاملة ولم يعتريه أي سبب من أسباب نقصان أو انعدام أهليته، وفي هذه الحالة يتولى الحوز بنفسه، وقد يكون المتبرع عليه ناقص الأهلية بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، أو بسبب السفه أو العته، فهل يحق لناقص الأهلية أن يحوز بنفسه ؟ وهل يعتبر حوزه صحيحا ؟ فيما يخص عقدي الهبة والصدقة نجد المشرع المغربي في المادة 276 من مدونة الحقوق العينية اعتبر قبول الهبة من ناقص الأهلية يقع صحيحا ولو مع وجود النائب الشرعي، لكن من الملاحظ أنه ثمة فرق بين القبول والحوز، فالقبول ركن لانعقاد العقد والحوز شرط نفاذ العقد، فهل كان المشرع يقصد بذلك ضم الحوز إلى القبول ؟ أم أن النص واضح ولا يحتمل أكثر من معنى ؟ وأمام هذا الوضع ينبغي علينا الرجوع إلى مدونة الأسرة سيما المادة 225 التي أوردت الأحكام المطبقة على تصرفات ناقص الأهلية، ومنها : “ـ تكون نافذة إذا كانت نافعة له نفعا محضا…”، وحيث إن الهبة أو الصدقة من عقود التبرع على ناقص الأهلية فيكون بذلك حوز المال الموهوب نافعا له نفعا محضا، وبالتالي يمكننا القول بأن حوز ناقص الأهلية في عقدي الهبة والصدقة يقع صحيحا، أما فيما يتعلق بحوز الموقوف عليه ناقص الأهلية، فكما العادة كان المشرع واضحا في مدونة الأوقاف حيث اعتبر في الفقرة الأخيرة من المادة 28 : “ويصح حوز ناقص الأهلية إذا تولاه بنفسه” .
ـ حوز النائب الشرعي : عندما يكون المتبرع عليه ناقص أو عديم الأهلية فنائبه الشرعي يقوم مقامه سواء كان أبا أو أما أو وصيا أو مقدما، فيقبل التبرع عنه ويحزها له إلى أن تكتمل أهليته، سواء كان النائب الشرعي هو المتبرع أم لا، ويجد هذا المقتضى أساسه في الفقه الإسلامي، فقد روي عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه أنه قال “من نحل ابناً له صغيراً لم يبلغ أن يحوز نحلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي حيازة وإن وليها”، لذلك ذهب جمهور فقهاء الأمصار على أن الأب يحوز لابنه الصغير الذي في ولاية نظره، وللكبير السفيه ما وهبه له كما يحوز لهما ما وهبه غيره لهما، وأنه يكفي في الحيازة له إشهاده بالهبة، والإعلان بذلك[16]، وقد سار المشرع المغربي في نفس الاتجاه في ما يخص عقد الوقف حيث نص في المادة 28 من مدونة الأوقاف “يتولى الحوز من عينه الواقف لذلك، وإلا فالموقوف عليه إذا كان راشدا، أو نائبه الشرعي إذا كان فاقد الأهلية أو ناقصها…”، أما عقدي الهبة والصدقة فقد نص المشرع في المادة 276 من مدونة الحقوق العينية، على قبول النائب الشرعي للهبة إذا كان الموهوب له فاقد الأهلية أو ناقصها، ولم ينص على حوزه للموهوب، لكن لا يتصور في هذه الحالة القبول المجرد من الحوز، أضف إلى ذلك أن المذهب المالكي أجاز ذلك.
وتجب الإشارة إلى أن الفقه الإسلامي استثنى بعض الحالات من حوز النائب الشرعي لمحجوره وذلك راجع إلى طبيعة المال المتبرع به، من بينها :
ـ إذا كان المتصدق به لا يعرف بعينه، فإذا تصدق الولي على محجوره بمثلي فلابد أن يخرجه من حوزه ويضعه عند أمين ليحوزه للمحجور بالمعاينة، أو بيعه ويشتري بثمنه شيئا معينا فيبقى في حوزه لمحجوره.
ـ وأضاف الفقه حالة أخرى وهي تصدق الولي على محجوره مع رشيد (أي الصدقة المشتركة بينهما) فلا يحوز الولي مع الرشيد لمحجوره، بل يحوز الصدقة إما الرشيد وحده سواء وكله الولي على الحوز أم لم يوكله عليه، وإما الرشيد مع الغير بوكالة من الولي، وإما المحجور مع الرشيد إن كان المحجور غير مقيم مع حاجره[17]، وقد كرس المشرع المغربي هذا التوجه في مدونة الأوقاف حيث نص في المادة 30 على أنه إذا وقف النائب الشرعي مالا مملوكا له على محجوره وعلى الراشد مشاركة بينهما، وجب أن يحوز الراشد الجميع لفائدته ولفائدة المحجور، وإلا بطل الوقف بالنسبة للراشد، ويستثنى من ذلك إذا حدد الواقف من يحوز، أو كان الرشيد محجر عليه.
ـ وقد استثنى المذهب المالكي بعض الأموال من حوز الولي لمحجوره، ويتعلق الأمر بالفضة، والملبوس الذي بمجرد لبسه من النائب الشرعي يبطل التبرع، وفيما لا يتعين، أما الذهب والأموال النقدية فاختلفت فيهما الرواية عن الإمام مالك رضي الله عنه، فروي عنه أنه لا يجوز إلا أن يخرجه الأب من يده إلى يد غيره، وروي عنه أنه يجوز إذا جعلها في ظرف أو إناء وختم عليها بخاتم وأشهد على ذلك [18].
الفقرة الثانية : الحوز القانوني
عمد المستعمر الفرنسي في عهد الحماية إلى خلق العديد من الآليات الحمائية لمواطنيه ورعاياه من الدول الأجنبية، فكان من بينها إحداث نظام يدعى نظام التحفيظ العقاري، الذي ينشئ الرسم العقاري للعقار بعد سلوك المسطرة المتبعة، ويترتب عنه تطهيره من أي حق عيني عليه، مع ضرورة تقييد كل تصرف يرد عليه في رسمه العقاري سواء كان بعوض أو تبرعا، فقد جاء في الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري[19] “يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرارية أو تغييره أو إسقاطه…”، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل نص الفصل 66 من الظهير المذكور، على أن كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا من يوم تقييده بالرسم العقاري من طرف المحافظ، أما الفصل 67 من نفس الظهير، جعل الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية، التي تهدف إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري .
يستفاد من الفصول أعلاه، ضرورة تقييد عقد التبرع الذي انصب على عقار محفظ في رسمه العقاري، حتى يكون له أثر بين أطراف العقد، ويعتبر موجودا بالنسبة للغير، وأمام هذا الإجراء الشكلي المتمثل في تقييد التبرع بالرسم العقاري، وشرط الحوز المتطلب فقها في عقود التبرع، عرف المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا فترة لم يستقر فيها على اجتهاد قضائي واحد، وذلك راجع إلى اختلاف فهم مقتضيات الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، فهناك اتجاه قضائي وقف على حرفية النص الذي ظاهره لا يحتمل إلا معنى واحد وهو ضرورة التسجيل ليحصل الحوز القانوني الذي لا يعتد بغيره سواء حصل الحوز الفعلي أو لم يقع لأنه أصبح تحصيل حاصل، في حين ميز اتجاه آخر بين الحوز القانوني والحوز الواقعي، وقال بأن الأول لا يغني عن الثاني إذ لكل واحد غاية وضعه وتقريره، ذلك أن التسجيل يعطي سند التبرع القوة الإثباتية اللازمة للاعتداد به قانونا، لكنه لا يضيف لمضمونه شيئا، واستمر هذا الاختلاف القضائي، إلى حين اجتماع رؤساء غرف المجلس الأعلى في 20 شتنبر 1995، حيث فض الخلاف بعد استقراء وتتبع لعلل الحوز وإعمال للغايات والمقاصد من اشتراطه، فانتهوا إلى أن علة الحوز هي عند الفقهاء سد الذريعة ومنع التحايل، تتحقق وقواعد التحفيظ ومبادئه، وتفصيل ذلك أن تسجيل التبرع في الرسم العقاري يخرج العقار المتبرع به من ملكية المتبرع ويتم إشهار ذلك، وليس للمتبرع أن يقول بعد وفاة المتبرع عليه مثل ما قال عمر رضي الله عنه، ورتب عليه شرط الحوز من أن المال بيده لم يعطه لأحد، لأنه أعطاه فعلا عندما تم تسجيل التبرع بالرسم العقاري وتم إشهار ذلك، فأغنى الحوز القانوني عن الحوز الفعلي[20].
وتأكيدا لذلك فقد صدر قرار رقم 555 عن المجلس الأعلى بجميع غرفه حسم بذلك الخلاف القضائي جاء فيه : ” لما كان الثابت من أوراق الملف وبالأخص شهادة المحافظ العقاري بالمحمدية زناتة، أن المطلوبين في النقض قد تمكنا من تسجيل عقد الصدقة بالرسم العقاري عدد37140 للفيلا المتصدق بها عليهما في حياة المتصدق …، وبالتالي فإن هذا التسجيل يعتبر في حد ذاته حيازة قانونية تغني عن إشهاد العدلين بمعاينة الحيازة وإخلاء الفيلا موضوع الصدقة وإثباتها بوسائل أخرى، مادام التسجيل يخرج الملكية والحيازة من يد المتصدق إلى يد المتصدق عليهما بشكل قانوني لا جدال فيه، ويمكنهما التصرف في العين المتصدق بها عليهما بجميع أنواع التصرفات دون منازع…”.
وقد كرس المشرع المغربي هذا الاجتهاد القضائي معتبرا تقييد عقد الهبة أو الصدقة في الرسم العقاري إذا كان العقار محفظا، يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب، وعن إخلائه من طرف الواهب، وإذا كان العقار في طور التحفيظ، فالقيام بالخلاصة الإصلاحية أو الإيداع لعقد الهبة أو الصدقة يغني أيضا عن الحوز الفعلي وعن إخلائه، أما إذا كان غير محفظ فتقديم المتبرع عليه مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه، وذلك حسب الفقرة الثالثة من المادة 274 من مدونة الحقوق العينية، أما بخصوص عقد الوقف فنجد المشرع قد ذهب في نفس الاتجاه حيث نص في الفقرة الثانية من المادة 26 من مدونة الأوقاف جاء فيها يصح الحوز بمعاينة البينة، أو بتسجيل الوقف في الرسم العقاري.
وحري بالذكر أن اجتهاد المجلس الأعلى بجعل الحوز القانوني يقوم مقام الحوز المادي، لو يمر بردا وسلاما، حيث قوبل بزمرة من الانتقادات، فقد ذهب بعض الفقه[21] إلى أن عبارة الحوز القانوني لا أساس لها في ظهير التحفيظ العقاري، فالأمر يتعلق فقط بتقييد عقد التبرع في الصك العقاري ولا يعطي له حصانة مطلقة، فهو قابل للتشطيب عليه كلما كانت هناك أسباب تبرر ذلك سواء بعقد أو بحكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به حسب الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري نفسه، كما أن التقييد لن يؤثر على عقد التبرع لا إيجابا ولا سلبا لأنه لن يضيف شيئا لعقد التبرع إذا كان يفتقد لركن أو شرط، معتبرا أن المجلس الأعلى تجاوز اختصاصاته وامتد إلى مجال التشريع حينما استبدل قاعدة فقهية واضحة وصريحة بأخرى، كما أن الإقرار بالحوز القانوني سيمكن العديد من التحايل على أحكام الشريعة الإسلامية، بحيث سيتبرع المتبرع بعقاره ويقيده في الرسم العقاري، ويظل مستغلا له إلى حين وفاته، لتكون بذلك وصيته المغلفة بالتبرع صحيحة من منطلق اجتهاد المجلس الأعلى، لذلك خلص إلى عدم إعطاء التسجيل بالرسم العقاري أكثر مما يتحمله .
هذا ولم يخلوا الحوز القانوني من الإشكالات، من أبرزها أن يرد التبرع على عقار محفظ وتم الحوز الفعلي دون القانوني، فهل يعتبر التبرع نافذا صحيحا أم لا بد من الحوز القانوني لصحته ؟
كانت هذه النقطة من بين النقط القانونية المدرجة بجدول أعمال الاجتماع الثاني لمجلس رؤساء الغرف بالمجلس الأعلى يوم 19 أبريل 1995 بحيث من بين ما تضمنه تقرير الاجتماع : “1ـ إنه بمقتضى الفصلين 66 و67 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بنظام التحفيظ العقاري يتعين لاعتبار وجود التبرع، تسجيل سنده على الرسم العقاري للملك المتبرع به، فإذا لم يقع تسجيل السند فإنه لا يعتد به، ولا يعتبر موجودا وجودا قانونيا وهذه النقطة كانت موضوع اتفاق جميع الآراء، ويترتب على هذا أن المتبرع عليه الذي يحوز الملك المتبرع به حيازة فعلية دون تسجيل سند التبرع على الرسم العقاري، لا يعتد بحيازته، ولا تكسبه أي حق على الملك طالما أن سند التبرع لم يسجل على الصك العقاري للملك المتبرع به” [22].
وقد أكد المجلس الأعلى في إحدى قراراته[23] ما خلص إليه اجتماع رؤساء غرفه جاء فيه : “بالرجوع إلى وثائق الملف يتبين أن العقار محل النزاع محفظ وبقي في اسم مالكته إلى ما بعد وفاتها، وبالتالي فإن الحيازة القانونية لم تنتقل عن المالكة وإنما عند وفاتها ينتقل الحق إلى ورثتها والموصى لهم، أما إدعاء الحيازة المادية فمعلوم أن لا حيازة على العقار المحفظ”، يستشف بوضوح قصد الهيأة المصدرة للقرار في عدم الاعتداد بالحوز المادي في العقار المحفظ، لكن ما يلاحظ هو أن الهيأة المذكورة أعلاه خلطت بين الحيازة كسبب من أسباب الملكية، وبين شرط الحوز المتطلب لنفاذ عقود التبرع.
وسبب توجه المجلس الأعلى في هذا الاتجاه، كونه يعتبر أن القانون الواجب التطبيق في النزاعات التي تروم إبطال التبرع لعدم حصول الحوز هو ظهير التحفيظ العقاري وليس أحكام الفقه الإسلامي كما هو الشأن في قراره[24] : “إن ظهير التحفيظ هو الواجب التطبيق في النازلة مادام المتصدق به محفظا بدل القواعد الفقهية بخصوص نقل الملكية”.
ومن وجهة نظرنا، فإن أول نقطة ينبغي أن ننطلق منها هي أن شرط الحوز أوجبه الفقه الإسلامي لسد الذريعة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، كما أن أي نزاع يثار حول عقود التبرع فإن القانون المطبق هو قانون الموضوع المتمثل في مدونة الأوقاف، ومدونة الحقوق العينية، والفقه المالكي، وليس ظهير التحفيظ العقاري الذي ينظم أثار التقييد في الصك العقاري بين الأطراف أو الغير، كما أن مصطلح الحوز يحتمل معنى واحد سواء في الفقه الإسلامي أو النصوص القانونية الذي هو “وضع المتبرع عليه يده على المال المتبرع به”، وأن إحداث صورة ثانية للحوز، تنقل بها الملكية بتقييد التبرع في الرسم العقاري، لا ينبغي أن تكون على حساب الصورة الأصلية والمتجدرة للحوز ـ المادي ـ، أضف إلى ذلك أنه بحكم الثقة القائمة بين المتبرع والمتبرع عليه، تكون غايتهم الرئيسية وضع اليد على العقار دون التفكير في تقييد العقد في الرسم العقاري قبل حصول المانع، وتجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، تتمثل في كون نفقات عقدي الهبة والصدقة ومصروفات تسليم الملك الموهوب ونقل ملكيته تكون على الموهوب له أو المتصدق عليه حسب المادة 282 من مدونة الحقوق العينية، ويستفاد من ذلك أن تعريفة تقييد عقد الصدقة أو الهبة في الرسم العقاري للملك الموهوب يتحملها الموهوب له ما لم يتفق على خلاف ذلك، والمحددة في 1.5 % من قيمة الملك موضوع التبرع، أضف إلى ذلك الواجب الثابت المحدد في 100 درهم لاستخراج شهادة الملكية في اسم الموهوب له، وعليه فإننا نتساءل، ألا يعد تعسفا إجبار الموهوب له على تحمل تلك المصاريف خصوصا إذا كانت حالته المادية متواضعة، وهل من المنطقي ترتيب البطلان على عقد التبرع في حالة حوزه حوزا ماديا وعدم تقييده بالرسم العقاري قبل حصول المانع ؟
جوابا على سؤالنا، نرى أن هناك تشدد مبالغ فيه في تطبيق الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، لدرجة جعلت البعض يتصور أن الفصلين المذكورين ينظمان موضوع التبرع، وليس إشهار للحقوق العينية المكتسبة بموجب عقود التبرع بتقييدها في الرسم العقاري، فالحيازة المادية المتطلبة شرعا كافية للقول بتوفر شرط الحوز ونفاذ عقد التبرع، ولا داعي للتمسك ببطلان التبرع لعدم تقييده بالرسم العقاري في حياة المتبرع، مادام عقد التبرع نشأ مستوفيا لأركانه وشروطه، هذا هو رأينا الشخصي المتواضع .
وما يعزز طرحنا هو ما ذهب إليه المشرع المغربي في مدونة الأوقاف حيث نص في المادة 38 “ينتج الوقف آثاره بين الطرفين بمجرد انعقاد العقد المتعلق به والإشهاد عليه” وضح المشرع في هذه المادة أن عقد الوقف ينتج آثاره بمجرد انعقاده بين طرفيه ولم يشترط تقييده في الرسم العقاري عكس ما هو وارد في الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري، كما أن غرفة الأحوال الشخصية والميراث بالمجلس الأعلى ذهبت في نفس المنحى الذي ذهبنا إليه في العديد من قراراتها من بينها القرار[25] التالي : “حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أن الحيازة شرط صحة في التبرعات وثبت بمعاينة البينة الشاهدة بالتبرع بحصولها سواء كان العقار محفظا أو غير محفظ، وعقد الصدقة المستدل به من لدن الطالبة عاين شاهداه حيازتها للمتصدق به فارغا من شواغل المتصدقة وعدم تسجيله بالرسم العقاري في حياة المتصدقة لا أثر له على صحته ولا يؤدي إلى بطلانه مادام قد نشأ صحيحا، والقرار المطعون فيه لما اعتبره باطلا لعدم تسجيله في الرسم العقاري قبل حصول المانع للمتصدقة جاء غير مرتكز على أساس وتعرض للنقض” .
المبحث الثاني : آثار شرط الحوز على عقود التبرع
لا تنتج عقود التبرع أثارها إلا بتوفر شرط الحوز، وهذا الأخير يجب أن يثبت بمختلف الوسائل المقررة من قبل الفقه والقضاء والقانون (المطلب الأول)، وذلك قبل حدوث إحدى موانع الحوز (المطلب الثاني).
المطلب الأول : إثبات الحوز
لا يثبت الحوز بصورة واحدة، بل تعددت صور إثباته بغية نفاذ عقود التبرع، وعليه فالإثبات إما أن يكون عن طريق معاينة الحوز (الفقرة الأولى)، أو عن طريق الشهادة (الفقرة الثانية)، أو عن طريق القرائن (الفقرة الثالثة)، على أن نتطرق بعد ذلك إلى مدى الاعتداد بالإقرار في إثبات الحوز (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى : إثبات الحوز بالمعاينة
يتم إثبات الحوز بالمعاينة بواسطة من لهم “صلاحية” تحرير عقدي الهبة والصدقة ويتعلق الأمر بالعدول والموثقون، بحكم أن الفقرة الثانية من المادة 274 من مدونة الحقوق العينية جاء فيها “يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي”، ويتضح من الفقرة السابقة أن المشرع استثنى المحرر العرفي الثابت التاريخ المحرر من قبل محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وجعله باطلا إذا انصب على عقدي الهبة والصدقة، أما بخصوص عقد الوقف، فالعدول وحدهم الذين لهم صلاحية تلقي الإشهاد على الوقف حسب الفقرة الأولى من المادة 25 من مدونة الأوقاف، وحري بالذكر أن معاينة الحوز يمكن أن تتم حتى من المفوض القضائي، الذي أعطى له المشرع في المادة 15 من القانون[26] رقم 81.03 الحق في القيام بالمعاينة المادية المحضة المجردة من أي رأي، سواء انتدب من قبل القضاء أو بطلب من الأطراف مباشرة، لكن الواقع العملي أسفر على أن جل عقود التبرع تحرر من قبول العدول نظرا للحمولة الدينية للتبرعات، وهم من يقومون بمعاينة البينة في الحوز .
ويأتي إثبات الحوز بالمعاينة على رأس وسائل الإثبات المقررة، ويتضح ذلك جليا في كون المشرع جعل المعاينة قبل أي صورة أخرى، حيث نص في الفقرة الثانية من المادة 26 من مدونة الأوقاف جاء فيها : “يصح الحوز بمعاينة البينة…”، والمراد بمعاينة البينة توجه العدلين أو من لهم صلاحية المعاينة السالفين الذكر، رفقة المتبرع عليه يعاينون حوزه للمتبرع به، بحيث يتم التطوف بالعقار الذي وقع عليه التبرع من سائر جهاته بحضور المتبرع عليه[27]، وتتم الإشارة إلى هذه المعاينة إما في عقد التبرع نفسه أو في وثيقة مستقلة عنه.
وتجب الإشارة إلى أن هناك بعض الحالات المتعلقة بمعاينة البينة في الحوز ينبغي الوقوف عليها، منها :
ـ حيازة دار للسكنى : قد يكون عقد التبرع منصب على دار للسكنى، وهنا لم يقتصر المشرع على الحوز المادي، بل أوجب خروج المتبرع منه وإخلائه من شواغله، فقد نص في المادة 31 من مدونة الأوقاف “يشترط لصحة وقف شخص محل سكناه إفراغه، إما بمعاينة البينة لذلك، أو بكل ما يفيد الإفراغ حكما”، ونفس الشيء أورده في مدونة الحقوق العينية في المادة 274 “يغني التقييد بالسجلات العقارية عن الحيازة الفعلية وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ…”، يستفاد مما سبق أنه كلما تعلق الأمر بعقار غير محفظ ولم يقدم أي مطلب لتحفيظه، ضرورة إفراغه من قبل المتبرع وإخلائه من شواغله معاينة من قبل العدلين حتى يكون التبرع صحيحا، وقد أضاف الفقه شرطا آخر هو عدم رجوع المتبرع إلى دار السكنى قبل مضي عام ولو بكراء فإن رجع قبل ذلك بطل التبرع، لكن السؤال الذي يطرح هنا، هل هذا الحكم ينطبق حتى على تبرع الأب أو الأم على الأبناء بدار السكنى أم أن هناك استثناءات في هذا الصدد ؟
لم يجعل الإمام مالك استثناء لتلك القاعدة، حيث قال لا بد من الحيازة في المسكون، فإن كانت دارا سكن فيها خرج منها[28]، أما بعض الفقه[29] فقد ميز بين أن يبقى الأب ساكنا مستغلا لجميع دار السكنى التي تصدق بها على ابنه فهنا الصدقة باطلة، فإن سكن الأب نصفها وأكرى النصف الآخر للغير بطل ما سكنه فقط، وإذا سكن الثلث منها فأقل وأكرى الباقي للغير أو أفرغه من أمتعته وشواغله وقفله بمفتاح فالصدقة كلها صحيحة ونافذة، وهو نفس القول عند فقهاء المذهب المالكي، في حين ذهب أكثر من واحد من شراح خليل وشراح التحفة إلى استثناء تبرع الأب على أبنائه من شرط الإخلاء من الشواغل والخروج من الدار وعدم الرجوع إليها داخل عام، بحيث إذا سكن الأب مع أبنائه في الدار المتبرع بها عليهم، فإن التبرع لا يبطل بهبة كان أو صدقة، وهو ما جاء في حاشية الرهوني “قال أبين لبيب يجوز للأب أن يسكن مع أولاده الكبار والصغار وأمهاتهم حياتهم فيما تصدق به عليهم، ولا يبطل ذلك صدقاتهم”[30].
وتجرنا هذه النقطة إلى ظاهرة بدأت تنتشر، ألا وهي التبرع بالرقبة والاحتفاظ بالمنفعة، خاصة في حالة تبرع الأب أو الأم على أبنائهما الصغار أو الرشداء، من وجهة نظرنا يجب التمييز في هذه الحالة بين العقار المحفظ، والعقار في طور التحفيظ من جهة، وبين العقار غير المحفظ من جهة أخرى، سبق وأن أشرنا إلى أن المجلس الأعلى أحدث الحوز القانوني وجعله يقوم مقام الحوز المادي كلما تعلق الأمر بعقار محفظ، واعتبر أن الملكية تنتقل بمجرد تقييد العقد في الرسم العقاري، ويترتب على ذلك أن المتبرع يمكنه تقييد تبرعه في الرسم العقاري إذا كان العقار محفظ، أو إيداعه أو القيام بالخلاصة الإصلاحية إذا كان العقار في طور التحفيظ، ويظل منتفعا بالعقار الذي تبرع به، ويكون بذلك تبرعه صحيحا والحوز القانوني تاما حسب المادة 274 من مدونة الحقوق العينية، التي نصت على أن تقييد عقد الهبة في السجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا، أو في طور التحفيظ، وحري بالذكر أن المحافظ العام نص على إمكانية التبرع بالرقبة والاحتفاظ بالمنفعة قبل صدور مدونة الحقوق العينية، وذلك في دورية[31] رقم 341 الصادرة في سنة 2004 “…ولهذا، واستنادا على الاجتهاد القضائي المذكور، فقد أصبح بإمكان المالك المقيد بالرسم العقاري أن يتصدق برقبة ملكه ويحتفظ لنفسه بحق الانتفاع، دون أن يكون تصرفه مختلا لغياب عنصر الحيازة الفعلية، حيث أصبح التقييد يقوم مقامها وينتج أثرها بين الأطراف واتجاه الغير…”.
أما بالنسبة للتبرع بالرقبة والاحتفاظ بالمنفعة في العقار غير المحفظ، جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 274 من مدونة الحقوق العينية “فإذا كان غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه”، يستفاد من هذه الفقرة أن العقار غير المحفظ يمكن أن يرد عليه التبرع بالرقبة والاحتفاظ بالمنفعة، شريطة تقديم مطلب التحفيظ من قبل المتبرع عليه، لأن الاستغناء عن الحيازة الفعلية وعن الإخلاء، يقتضي بقاء المتبرع في العقار المتبرع به واستغلاله وانتفاعه به، فتقديم مطلب التحفيظ في العقار غير المحفظ ينقلنا من الحيازة المادية إلى الحيازة القانونية وبالتالي ينطبق عليه نفس الحكم المطبق على العقار المحفظ .
لكن الإشكال الذي قد يطرح هو في حالة عدم تقديم مطلب التحفيظ وكان التبرع منصب على الرقبة فقط دون المنفعة، لقد تطرق الفقه الإسلامي إلى هذه النقطة، فمن وهب دارا أو أرضا واستثنى غلة ذلك مدة من السنين وتمت حيازة الرقبة، وبعد ذلك مات الواهب فإن الهبة لا تبطل، وقد تم الأخذ بهذا الحكم قياسا على صحة حوز الرهن رغم بقاء ثمرته للراهن، وكذلك الأمر في الهبة التي يصح حوزها رغم بقاء غلتها للواهب، وقد أشار صاحب العمل المطلق إلى نازلة بهذا الخصوص وقعت بتونس بقوله [32]:
وكان في تونس شخص وهبا ملكا وأبقى ما يغل حقبا
له ومات بعد حوز الرقبة فوقع الحكم بصحة الهبة
وقد يتساءل البعض عن كيفية حوز الرقبة دون المنفعة، من وجهة نظرنا فإنه يمكن إثبات حوز الرقبة بالعديد من الطرق، من بينها إدخال تغييرات على العقار كتسييج الأرض، وتسجيل ضريبة السكن والخدمات الجماعية أو ضريبة الأراضي غير المبنية إذا كانت الأرض خاضعة لها في اسم المتبرع عليه بالرقبة، أضف إلى ذلك تعاقد المتبرع عليه مع الشركات المزودة بالماء والكهرباء لأنه أصبح مالكا للدار ولم تعد في ملكية المتبرع، ويمكن أن يثبت حوز الرقبة أيضا بإقامة بناية إذا كان الاحتفاظ بالمنفعة جزئيا ولا يشمل العقار ككل، إمكانية رهن المتبرع عليه للرقبة أو تفويتها، كل ذلك يدل على أن الرقبة انتقلت إلى المتبرع عليه ولم تعد في ملك المتبرع، وتجب الإشارة إلى أن هذه القاعدة ليست مطلقة، ذلك أنه إذا ثبت وجود غرر في عقد الهبة فإن ذلك من شأنه أن يحد من إطلاقها، فقد سئل الإمام مالك أن رجلا وهب نخلا لرجل واشترط لنفسه ثمرتها عشر سنين أيجوز ذلك أم لا ؟ قال إن كان سلم النخل للموهوب له يسقيها بماء نفسه وللواهب ثمرتها، فإن هذا لا يصلح، كأنه قال له اسقها إلى عشر سنين ثم هي لك، وهو لا يدري أتسلم النخل إلى ذلك الوقت أم لا[33] .
ـ معاينة الحوز في المال المشاع غير المقسوم : إن هبة المال المشاع تعد من النقط التي عرفت آراء فقهية مختلفة، فالأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا، بصحة هبة المال المشاع غير المقسوم، وعمدتهم أن القبض فيها يصح كالقبض في البيع، كما أن عمر رضي الله عنه وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة[34]، في حين قال أبو حنيفة أنها لا تصح، وعمدته أن القبض فيها لا يصح إلا مفردة كالرهن[35] .
وبخصوص موقف المشرع المغربي من جواز التبرع بالمال المشاع، برجوعنا إلى مدونة الأوقاف نجد المشرع حدد في المادة 15 الشروط الواجب توفرها في المال الموقوف تحت طائلة البطلان : أن يكون ذا قيمة ومنتفع به شرعا، وأن يكون مملوكا للواقف ملكا صحيحا، من خلال هذه الشروط يتضح أن المال المشاع يمكن وقفه، أما في مدونة الحقوق العينية فلم ينص المشرع على هذه الحالة مما يتطلب منا الرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود فحسب الفصل 973 : “لكل مالك على الشياع حصة شائعة في ملكية الشيء المشاع وفي غلته، وله أن يبيع هذه الحصة، وأن يتنازل عنها وأن يرهنها، وأن يحل غيره محله في الانتفاع بها، وأن يتصرف فيها بأي وجه آخر سواء أكان تصرفه هذا بمقابل أم تبرعا وذلك كله ما لم يكن الحق متعلقا بشخصه فقط”، يجيز هذا الفصل بشكل واضح التبرع بالحصة المشاعة، ليبق التساؤل عن كيفية معاينة الحوز في هذه الحالة، من خلال الواقع العملي نجد السادة العدول يضمنون العبارة التالية في عقودهم كلما تعلق الأمر بهبة المال المشاع “وحازها بما يحاز به المال المشاع”، لأن معاينة وضع اليد تتعذر بحكم الحصة لازالت مشاعة وغير مفرزة .
ـ معاينة الحوز في الأرض الزراعية : قد ينصب التبرع على الأرض، ومن أبرز صور حوزها، معاينة العدلين لزرع أو غرس أو حرث المتبرع عليه للأرض، لكن السؤال الذي يثار هنا، هو مدى وجود استثناءات على هذه القاعدة خصوصا وأن التبرع قد يكون في غير الفترة المحددة للحرث، فحسب بعض الفقه[36] فإن معاينة الحوز تكفي بالتطوف على العقار من سائر جهاته بحضور المتبرع عليه ولو لم يعاين العدلين حرثه له، أما الفقه الإسلامي فقد فصل القول في هذه النقطة، فإذا كان التبرع أبرم في غير وقت الزراعة فإنه يتعين على المتبرع عليه حينما يأتي إبان ذلك القيام بحوز الأرض والاستغلال أو التصرف حتى تصبح العطية محوزة وبالتالي تامة، وفي حالة ما إذا لم يفعل شيئا من ذلك حتى مات المتبرع بعد إبان العمل فلا صدقة له باعتبارها أصبحت باطلة، ولا يشمل البطلان الحالة التي يتأخر فيها المتبرع عليه من شغل الأرض لعذر، والعذر هنا لا يشمل حسب الفقه عدم القدرة الجسمية أو المادية، لأن المتبرع عليه بوسعه إبرام عقد المساقاة أو الكراء للأرض أو القيام بباقي التصرفات، فإذا لم يقم بذلك وحصل المانع بطل التبرع، ما لم يعرض الأرض للكراء أو المساقاة فلم يجد من يقبل منه ذلك، فيجوز اعتبار الحوز هنا قائما بالإشهاد والإعلان والاجتهاد في عرض الأرض على الكراء وما شابه ذلك[37] .
الفقرة الثانية : إثبات الحوز بالشهادة
سبق وأن أشرنا إلى أن إثبات الحوز بالمعاينة يأتي على رأس وسائل الإثبات سواء بالنسبة للفقه أو القضاء أو القانون، لكن في بعض الأحيان يتعذر إجراء معاينة الحوز من قبل العدلين أو ممن لهم صلاحية المعاينة السالفين الذكر، وبغية الحفاظ على صحة التبرع، يمكن اللجوء إلى صورة ثانية يثبت بها الحوز تتمثل في “الشهادة”، التي عرفها ابن عرفة الذي يعد من فقهاء المالكية، “بأنها قول هو بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقتضاه إن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه”[38]، وقد اشترط الفقهاء العديد من الشروط الواجب توفرها في الشاهد للاعتداد بشهادته[39]، من بينها : أن يكون الشاهد مسلما، عاقلا، بالغا، حرا، أن يكون متيقظا ضابطا لما يشهد به، أن يكون عدلا، أن تكون الشهادة عن علم ويقين، اشتراط الجمهور للعدد في الشهادة ولا تقبل شهادة الواحد إلا في حالات استثنائية .
لكن قد يتعذر توفر هذه الشروط في أناس توجد عندهم الشهادة، لذلك إما أن تقبل هذه الشهادة على علتها، وتقام الأحكام فتحفظ الحقوق والأموال والأعراض، وإما أن يتمسك بالشروط غير المتوفرة خاصة شرطي العدالة والانتصاب، فتتعطل الأحكام وتضيع الحقوق، ولا شك أن المصلحة العامة تقتضي قبول هذه الشهادة، إذ أن إعمالها خير من إهمالها، لذلك ذهب الفقهاء إلى العمل بشهادة غير العدول في أحوال معينة وبضوابط خاصة، ونصوا على الأخذ بها والحكم بموجبها، واستمر العمل بها إلى اليوم، وقد اصطلح علماء المذهب المغاربة والأندلسيين على تسميتها “بشهادة اللفيف”، وقد عرفها بعض الفقه[40] بأنها : “شهادة اثني عشر رجلا مسلما، غير منتصبين للإشهاد يتحملونها عن طريق الصدفة غالبا ويؤدونها عند الحاجة إليها في حالات خاصة، وبشروط محددة يتلقاها منهم نيابة عن القاضي عدل أو عدلان منتصبان للشهادة طبقا للأوضاع التوثيقية الجاري بها العمل”.
وبناء على ما تقدم، يمكننا القول بأنه يمكن إثبات الحوز في التبرعات عن طريق شهادة اللفيف، يشهد اثني عشر رجلا بحوز المتبرع عليه للمال المتبرع به، ووضع يده عليه، واستغلاله وانتفاعه به، وتصرفه فيه تصرف المالك في ملكه هذه مدة من كذا، ويتلقى الشهادة عنهم عدلين منتصبين للإشهاد، وتحرر في رسم إثبات الحوز، ليتم الإدلاء بها أمام القضاء، لأنه في الغالب لا يتم اللجوء إلى شهادة اللفيف في إثبات الحوز إلا بعد الطعن في صحة التبرع لعدم حوزه من قبله المتبرع عليه .
هذا ويمكن أن يثبت الحوز بالشهادة التي يدلي بها الشهود مباشرة أمام القضاء، فقد نص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية “يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق”، وهذا الإجراء يصدر بشأنه حكم تمهيدي يتضمن الأمر بإجراء البحث وبيان الوقائع التي سينصب عليها وكذا تاريخ إجرائه، أما مكانه فقد يكون مكتب القاضي أو بقاعة الجلسة أو حتى بعين المكان، والبحث المشار إليه في الفصل المذكور هو سماع الشهود حول وقائع لها فائدة في تحقيق الدعوى، وليس هناك ما يمنع من أن يكون موضوع البحث معاينة حيازة المتبرع عليه للمال المتبرع به [41].
الفقرة الثالثة : إثبات الحوز بالقرائن
لا بأس أن نقف على مفهوم القرائن لغة واصطلاحا، القرائن في اللغة جمع قرينة، وهي الأمر الدال على الشيء من غير الاستعمال فيه بل بمجرد المقارنة والمصاحبة، أو هي أمر يشير إلى المقصود، أما اصطلاحا فقد أعطى الفقهاء العديد من التعاريف للقرائن من أبرزها “القرينة كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه، وهي مأخوذة من المقارنة” [42].
لقد كان الفقه الإسلامي حكيما حينما رعى ظروف جميع الناس، فمنهم من له القدرة على الحوز واستغلال العطية بنفسه، وزرعها وغرسها وحرثها إن كانت أرضا، أو سكناها إذا كانت دارا، ومنهم من لا يقدر على ذلك لأسباب تختلف من شخص لآخر، وحماية للتبرع الممنوح لهذه الفئة، خول الفقهاء للمتبرع عليه القيام بالعديد من التصرفات التي تعد قرائن تقوم مقام معاينة الحوز.
وقال صاحب العمل[43] :
وعن معاينة حوز يكفي عقد كراء أو نحوه في الوقف
وعلى هذا الاتجاه ذهب المشرع المغربي في مدونة الأوقاف، حيث نص في المادة 26 : “يصح الحوز بمعاينة البينة، أو بتسجيل الوقف في الرسم العقاري، أو بكل تصرف يجريه الموقوف عليه في المال الموقوف، ولا يتوقف الحوز على إذن الواقف ويجبر عليه إن امتنع عنه”، يستفاد من هذه المادة أن المشرع جعل تصرفات الموقوف عليه في المال الموقوف من وسائل إثبات الحوز، وهذه التصرفات لها صور متعددة من بينها : إبرام المتبرع عليه لعقد كراء للمحل المتبرع به، أو إبرام عقد عارية الاستعمال، أو المساقاة إذا كانت أرضا، أو تقديمه حصة عينية في شركة، ومن بين القرائن الدالة على الحوز، وقد سار المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا في نفس المنحى في القرار[44] الصادر عنه، الذي نقض فيه القرار الإستئنافي القاضي بإبطال الصدقة في نازلة تتعلق بمحلات كانت مكتراة للغير وتم التصدق بها عن طريق تخلي المتصدق للمتصدق عليها عن مقابل الكراء الذي تولت تسلمه مباشرة من المكترين لمدة ثمان سنوات خلت عن تاريخ الصدقة، لكن محكمة الاستئناف اعتبرت أن رسم الصدقة فيه اعتراف المتصدق عليها بالحيازة ولا يتضمن معاينة العدلين للحيازة وإفراغ المتصدق للواجب المتصدق به من شواغله، لكن المجلس الأعلى اعتبر تسلم المتصدق عليها بمقابل الكراء هو في حد ذاته حيازة وبالتالي فإن الصدقة صحيحة .
الفقرة الرابعة : مدى الاعتداد بالإقرار في إثبات الحوز
الإقرار في اللغة يفيد الاعتراف، وهو إظهار الحق لفظا أو كتابة أو إشارة، أما اصطلاحا فقد تعددت التعاريف الفقهية، بحيث عرفته المالكية بأنه “خبر يوجب حكمَ صِدقِه على قائله بلفظه أو بلفظ نائبه”[45].
يعد تعريف المالكية للإقرار، مدخلا للجواب على سؤالنا، المتعلق بمدى الاعتداد بالإقرار في إثبات الحوز ؟ فالإقرار يعد حجة كاملة مقتصرة على المقر دون أن تمتد إلى غيره، فلو أقر المقر بحق في جسمه أو ماله لزمه إقراره، وإذا أقر على آخر فلا عبرة لإقراره[46]، لقد سئل الإمام مالك عن رجل يتصدق على أولاده الرشداء وكتب لهم كتابا كتب فيه أنه قد دفعه إليهم وقبضوه، ولما توفي الأب قال بقية الورثة لم تقبضوا وقال المتصدق عليهم قد قبضنا واحتجوا عليهم بشهادة الشهود وإقرار المتصدق بالذي في الكتاب فسئل الشهود أعلمتم أنهم حازوا قالوا لا علم لنا إلا ما في هذا الكتاب من الإقرار ولا ندري أحازوا أم لم يحوزا، فقال الإمام مالك إن لم تكن لهم بينة أنهم قد حازوا في صحة منه فهي موروثة على فرائض الله[47].
وقد طبق المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا جواب الإمام مالك أعلاه في العديد من القرارات الصادرة عنه من بينها القرار[48] التالي : “لكن، حيث إن ما أثارته الطاعنة قد أجابت عنه المحكمة بقولها إن الإقرار بالحيازة في التبرعات لا يكفي بل لا بد من معاينة البينة، ومن جهة أخرى فقد ثبت للمحكمة عدم صحة هذا الاعتراف لأن المتصدق سجل ثلاثة رهون رسمية على نفس العقار بعد تاريخ عقد الصدقة…”، والسبب الرئيسي في عدم الاعتداد بإقرار المتبرع بحوز المتبرع عليه، هو مخالفته للأحكام الفقهية التي تجعل الإقرار على الغير لا أثر له، ولو سلمنا بقبول الإقرار لأوجب الحكم وفْقهُ، وهذا ما يتعارض مع خصوصية النزاعات المنصبة على عقود التبرع، خصوصا وأن الطعن في صحة التبرع إما أن يقدم من الوارث أو دائن المتبرع، ونفس الحكم ينطبق على اعتراف المتبرع عليه بالحوز بدون معاينة البينة وبدون قرائن تدل على حوزه .
المطلب الثاني : موانع الحوز
نقصد بموانع الحوز، الأسباب المحددة فقها وقانونا التي تحول دون حوز المتبرع عليه للعطية إذا وقعت تلك الأسباب قبل الحوز، ويتعلق الأمر بسببين رئيسيين : الوفاة (الفقرة الأولى)، وإفلاس المتبرع (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : الوفاة
قد يحصل في بعض الحالات وفاة المتبرع قبل حوز المتبرع عليه للعطية، وهذه الحالة نظمها الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، بالنسبة لعقد الوقف لقد نص المشرع في المادة 24 من مدونة الأوقاف على حوز المال الموقوف قبل حصول المانع المتمثل في موت الواقف أو إفلاسه، ليفصل بعد ذلك وبشكل دقيق في أحكام موت كل من الواقف والموقوف عليه :
1 ـ حالة وفاة الواقف : جاء في الفقرة الأولى من المادة 33 من مدونة الأوقاف : “إذا توفي الواقف قبل أن يحوز الموقوف عليه المال الموقوف حوزا صحيحا، بطل الوقف ما لم يطالب به في حياة الواقف”، لقد كان المشرع واضحا في جعل الوقف باطلا إذا لم يتم حوز الموقوف عليه في حياة الواقف، واستثنى الحالة التي يطالب فيها الموقوف عليه عن طريق دعوى قضائية بتمكينه من حوز المال الموقوف، مكرسا بذلك المذهب المالكي في إجبار الواقف على الحوز، وتجب الإشارة إلى أن وفاة الواقف قبل حوز الموقوف عليه لا تبطل الوقف، إذا كان الواقف نائبا شرعيا للموقوف عليه، حسب المادة 32 من مدونة الأوقاف، ولم يقف تفصيل مدونة الأوقاف لشرط الحوز على هذا الحد، بل امتد إلى تبيان الحالات التي يستغنى فيها عن شرط الحوز في المادة 27 من بينها : “ـ إذا صرح الواقف بإخراج المال الموقوف من ماله عاش أو مات”، يستفاد من هذه الحالة أنه قد يبرم الواقف عقد الوقف ويصرح على إخراج المال الذي أوقفه من ماله سواء في حياته أو بعد مماته، فحصول المانع المتمثل في موت الواقف لا يبطل الوقف حسب هذه الحالة .
2 ـ حالة وفاة الموقوف عليه : فقد نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة 33 من مدونة الأوقاف : “وإذا توفي الموقوف عليه قبل أن يحوز المال الموقوف حوزا صحيحا انتقل الاستحقاق إلى من يليه إن وجد…”، يستفاد من هذه المادة أن المشرع المغربي لم يرتب بطلان الوقف في حالة وفاة الموقوف عليه قبل الحوز، ونص على انتقال حقه في الحوز إلى ورثته الذي يخلفونه، وفي حالة عدم وجودهم يعود الوقف إلى الأوقاف العامة.
أما بالنسبة لعقدي الهبة والصدقة، نص المشرع في المادة 279 من مدونة الحقوق العينية على أنه : “إذا توفي الواهب قبل أن يقبل الموهوب له الملك الموهوب بطلت الهبة، لا يعتد إلا بتاريخ تقييد إراثة الواهب إذا تعلق الأمر بعقار محفظ، إذا توفي الموهوب له قبل أن يقبل الملك الموهوب بطلت الهبة كذلك، ولا حق لورثة الموهوب له في المطالبة به”.
باستقرائنا للمادة 279 نسجل العديد من الملاحظات حولها، منها أن المشرع المغربي لم يكن دقيقا في صياغته للمادة المذكورة، حيث كان عليه اختيار المصطلحات المناسبة، فعبارة “يقبل الموهوب له الملك الموهوب”، فعبارة يقبل تفيد تعبير عن إرادة الموهوب له في قبول الملك الموهوب، في حين أننا أمام حوز العطية التي يجبر عليها الواهب وأصبحت حقا للموهوب له بمجرد انعقاد عقد الهبة، وعليه فالقبول شيء والحوز شيء آخر ولا داعي للخلط بينهما، ومن بين الملاحظات التي سجلناها أن المشرع ميز بين ما إذا كان الموهوب عقار محفظ وهنا تاريخ الوفاة يحدد ابتداء من تاريخ تقييد إراثة الواهب في الرسم العقاري للعقار موضوع الهبة، أما إذا كان العقار غير محفظ فإنه من تاريخ وفاة الواهب يبطل التبرع إن لم يكن الموهوب له قد حازه في حياته .
وحري بالذكر أن التبرع في مرض الموت لا يعد مانعا من الحوز، ويطبق عليه أحكام الوصية، ينفذ في حدود الثلث من مال المتبرع، وإذا كان المتبرع عليه وارثا يبقى نفاذ التبرع معلقا على إجازة باقي الورثة، وعليه فإذا قام المتبرع بإبرام عقد تبرعه في مرض موته فلا يشترط حوز المتبرع عليه في حياته ليصح تبرعه لأنه سينفذ بعد موته، لذلك أعطى الفقه الإسلامي ومعه المشرع المغربي للتبرع في مرض الموت نفس حكم الوصية حسب المادة 280 من مدونة الحقوق العينية، والمادة 6 و 27 من مدونة الأوقاف.
المطلب الثاني : إفلاس المتبرع
إن من بين الأسباب التي تحول دون حوز المتبرع عليه للمال المتبرع به، إفلاس المتبرع، وحري بالذكر أن هناك العديد من المصطلحات التي تطلق على الإفلاس، إلا أن القاسم المشترك بينها هو وحدة المعنى[49]، فالفقه الإسلامي يطلق عليه الفلس، وقانون الالتزامات والعقود الإعسار، ومدونة التجارة التوقف عن الدفع في صعوبات المقاولة، والإحاطة الدين بالمال في مدونة الحقوق العينية، والإفلاس واستغراق الدين جميع مال الواقف في مدونة الأوقاف .
لذا فإذا أحاط الدين بمال المتبرع سواء قبل إبرام عقد التبرع، أو بعد إبرامه وقبل حوز العطية، يبطل التبرع وبالتالي لا مجال للحديث عن الحوز، والسبب في ذلك أن المتبرع محجر عليه للدائنين في التبرع[50]، لذا كان المشرع المغربي واضحا حينما نص على عدم صحة الهبة والصدقة ممن كان الدين محيطا بماله حسب ما هو وارد في المادة 278 من مدونة الحقوق العينية، ونفس الحكم أورده المشرع في عقد الوقف، حيث نص في المادة 10 إذا استغرق الدين جميع مال الواقف وقت التحبيس أو قبل حوز المال الموقوف .
لكن السؤال الذي يطرح هو مدى صحة التبرع في حالة عدم معرفة هل الدين سبق التبرع أم العكس ؟ لقد عالج الفقه المالكي هذه النقطة وميز بين المتبرع عليه المحجور، والكبير الرشيد، بالنسبة للمحجور، أعطى فقهاء المالكية الأولوية للدين، واعتبروا الوقف باطلا إذ حاز الأب المتبرع لمحجوره، أما لو حاز الوقف أجنبي لفائدة المحجور بإذن من أبيه يكون الوقف صحيحا، بالنسبة للكبير الرشيد، تعطى الأولوية للتبرع مادام لم يثبت الدائنون ببينة أن التبرع بعد الدين[51].
ولا خلاف في الفقه الإسلامي حول نفاذ التبرع الواقع قبل إحاطة الدين بمال المتبرع، وتم حوز العطية من المتبرع عليه قبل إحاطة الدين بالمال، وبخصوص توجه المشرع المغربي في هذه الحالة نجده اتخذ مواقف متباينة، بالنسبة لعقد الوقف ذهب المشرع في نفس اتجاه الفقه (المادة 10 من مدونة الأوقاف)، واعتبر الوقف نافذا إذا استغرق الدين جميع مال الواقف بعد إبرام عقد الوقف وبعد حوز المال الموقوف، أما في عقدي الهبة والصدقة لم يكن المشرع واضحا في هذه النقطة بحيث أورد مقتضى عام يتمثل في عدم صحة الهبة إذا كان الدين محيطا بمال الواهب (المادة 278 من مدونة الحقوق العينية)، لكن بالرجوع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي المحال عليه في المادة الأولى من المدونة المذكورة، نجد نفاذ التبرع هو الرأي المجمع عليه في هذه الحالة، لكن ما يلاحظ على المشرع المغربي أنه خرج على هذه القاعدة الفقهية المجمع عليه في مساطر صعوبات المقاولة[52] حيث نص في الفقرة الثانية من المادة 714 من مدونة التجارة “يمكن كذلك للمحكمة أن تبطل العقود بدون مقابل المبرمة في ستة أشهر السابقة لتاريخ التوقف عن الدفع” .
وتجب الإشارة إلى أن إحاطة الدين بمال المتبرع وقت التبرع أو قبل حوز العطية لا تأثير له إذا أجاز الدائنين التبرع، وهذا ما أكده المشرع في المادة 10 من مدونة الأوقاف التي جاء فيها “إذا استغرق الدين جميع مال الواقف وقت التحبيس أو قبل حوز المال الموقوف، بطل الوقف ما لم يجزه الدائنون” .
وقبل أن نختم مقالنا المتواضع، لا بأس من أن ندلي بدلونا حول نقطة ترتب عنها أراء متباينة بين المهتمين بخصوص شرط الحوز في عقود التبرع، تتمثل في مدى قيام مسؤولية العدلين أو الموثق في حالة عدم تضمين معاينة الحوز في عقد التبرع، وأدى ذلك إلى بطلان التبرع لحصول المانع قبل الحوز ؟ من وجهة نظرنا المتواضعة نرى أن مسؤوليتهما غير قائمة وذلك لاعتبارات عديدة من أهمها : 1ـ أن معاينة الحوز يمكن أن تتضمن في عقد التبرع نفسه أو في عقد مستقل عنه 2ـ إن إثبات الحوز بالمعاينة ما هي إلا وسيلة فقط من بين وسائل إثبات الحوز، الذي قد ينفذ ويصح التبرع بوسائل إثبات أخرى كالقرائن والشهادة كما سبقت الإشارة إلى ذلك 3ـ العدلين أو الموثق يكمن دورهما في توثيق العقود، وليس إجبار الأطراف على الحوز والإخلاء من الشواغل، سيما وأن الفقه المالكي ومعه المشرع المغربي خول للمتبرع عليه الحوز بدون إذن المتبرع ويجبر عليه .
خاتمة :
بناء على ما تقدم في مقالنا، نخلص إلى أن المشرع المغربي كان موفقا حينما جعل شرط الحوز من شروط تمام عقود التبرع وليس من شروط صحتها، مكرسا بذلك توجه المذهب المالكي الذي اتخذ موقف الوسط مقارنة بباقي الاتجاهات الفقهية، لكن ما يلاحظ عليه عدم توفقه في تنظيم شرط الحوز في مدونة الحقوق العينية، لدرجة أنه لم يكلف نفسه حتى التنصيص عليه بشكل صريح، بحيث يستشف ضمنيا من المادة 274، كما أنه في بعض الأحيان لم يوظف العبارات والصياغة المناسبة، فعوض عن يستخدم عبارة الحوز استعمل قبول الموهوب له للملك الموهوب! فكان من الأفضل أن يحيل المشرع المغربي بشكل صريح ومباشر على أحكام الفقه المالكي عوض هذا التنظيم الفقير لشرط الحوز في عقدي الهبة والصدقة، وعلى العكس من ذلك، نجده قد نظم شرط الحوز تنظيما مستفيضا أحاط فيه من جل جوانبه في مدونة الأوقاف، موضحا طبيعته، وأحكامه، والحالات التي يستغنى فيها عنه، كما نأمل توحيد العمل القضائي بخصوص شرط الحوز، وجعل الأحكام الفقهية هي الواجبة التطبيق كلما تعلق الأمر بنزاع حول شرط الحوز في عقود التبرع، سواء كان العقار محفظا أو غير محفظ، لكون شرط الحوز أوجبه الفقه الإسلامي وليس ظهير التحفيظ العقاري، الذي يتمسك بعض قضاء الموضوع بحرفية فصوله، ولا يكتفون بالحوز المادي الذي هو الأصل .
[1] القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذي الحجة (24 نوفمبر 2011) ص 5587.
[2] ظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) يتعلق بمدونة الأوقاف، الجريدة الرسمية عدد 5847 فاتح راجب 1431 (14 يونيو 2010) ص 3154.
[3] أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، التدريب على تحرير الوثائق العدلية وثيقة وشرح، الجزء الثاني، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الثانية 1995، ص 163.
[4] احمد بن عبد العزيز العميرة، نوازل العقار، مطبعة دار الميمان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2011، ص 257.
[5] أورده عمر الأبيض، شرط الحوز في التبرعات، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الأولى 2011، ص 15.
[6] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد المجلد الثاني، المكتبة العصرية طبعة 2015، ص 314 و 315.
[7] السيد سابق، فقه السنة، المجلد الثالث، المكتبة العصرية، طبعة 2014، ص 280.
[8] عادل حاميدي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2013، ص 625.
[9] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، مرجع سابق، ص 315 و 316.
[10] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 31.
[11] السيد سابق، مرجع سابق، ص 380.
[12] قرار رقم 581 الصادر بتاريخ 25/07/2002 في الملف رقم 307/1/00، أورده عمر الأبيض مرجع سابق ص 37.
[13] عرف المشرع المغربي الوقف في المادة الأولى من مدونة الأوقاف “الوقف هو كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة، ويتم إنشاؤه بعقد، أو بوصية، أو بقوة القانون” .
[14] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 37.
[15] قرار رقم 684 الصادر بتاريخ 3/10/2002 في الملف رقم 295/2/1/2001، أورده عمر الأبيض مرجع سابق ص 35.
[16] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، مرجع سابق، ص 316.
[17] أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 168.
[18] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، مرجع سابق، ص 316.
[19] تم تعديله وتتميمه القانون رقم 14.07 صادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.11.177 بتاريخ 22 نونبر 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011 ص 5575.
[20] عادل حاميدي، مرجع سابق، ص 629 .
[21] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 245 وما يليها.
[22] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 237.
[23] قرار رقم 756 بتاريخ 90/6/5 في الملف العقاري رقم 7342/88.
[24] قرار رقم 420 صدر بتاريخ 18/4/2001 في الملف العقاري عدد 146/2/1/98 أورده عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 249.
[25] قرار رقم 565 صدر بتاريخ 24/11/2004 في الملف عدد 261/2/1/01 أورده عمر الأبيض مرجع سابق ص 268.
[26] القانون رقم 81.03 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.06.23 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006)، الجريدة الرسمية عدد 5400 بتاريخ فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006) ص 559.
[27] عادل حاميدي، مرجع سابق، ص 626.
[28] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، مرجع سابق، ص 316.
[29] أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 168.
[30] عادل حاميدي، مرجع سابق، ص 627.
[31] أورد تلك الدورية، عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 265.
[32] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 122.
[33] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 123.
[34] السيد السابق، مرجع سابق، ص 273.
[35] أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، مرجع سابق، ص 315.
[36] عادل حاميدي، مرجع سابق، ص 626.
[37] عمر الأبيض، مرجع سابق، 119.
[38] محمد مصطفى الزحيلي، وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية والأحوال الشخصية، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى 1982، ص 102.
[39] محمد مصطفى الزحيلي، مرجع سابق، ص 128.
[40] العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الأسرة، الجزء الأول، مكتبة دار السلام، طبعة 2009، ص 471.
[41] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 86.
[42] محمد مصطفى الزحيلي، مرجع سابق، ص 489.
[43] عادل حاميدي، مرجع سابق، ص 626.
[44] قرار رقم 4511/1 صادر بتاريخ 3/10/2002 في الملف رقم 7928/2001، أورده عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 88.
[45] محمد مصطفى الزحيلي، مرجع سابق، ص 234 .
[46] محمد مصطفى الزحيلي، مرجع سابق، ص 255.
[47] عمر الأبيض، مرجع سابق، 80.
[48] قرار 2069 صدر بتاريخ 21/11/1995 ملف عقاري 6734/91، أورده عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 225.
[49] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 54.
[50] أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 167.
[51] عمر الأبيض، مرجع سابق، ص 62.
[52] تم نسخ الكتاب الخامس من مدونة التجارة وتعويضه بالقانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، الصادر بتنفيذه ظهير شريف 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018) الجريدة الرسمية عدد 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 (23 أبريل 2018) ص 2345.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً