عقود B.O.T
المفهوم والخصائص وبعض مشكلات التطبيق
بقلم المحامي الدكتور محمد أديب الحسيني (أمين سر نقابة المحامين في الجمهورية العربية السورية)
أولاً: مقـدمــة
تعتبر مشروعات البنية الأساسية ومنشآتها عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف دول العالم ، فبدون بنية أساسية جيدة لا يمكن السير في عملية التنمية المطلوبة، فتحديث البنى التحتية هو ركن أساسي في عملية التنمية وبخاصة في مجالات النقل والاتصالات والخدمات.
ونظراً لما ينجم من أضرار بسبب تأخير تنفيذ مشروعات البنية الأساسية لضخامة تمويلها وعدم توفر التمويل اللازم في موازنات الدول بصفة عامة والدول النامية بصفة خاصة ، لما تتطلبه هذه المشروعات من عناية خاصة في الإنشاء والإدارة والتشغيل والصيانة ورفع الكفاءة باعتبارها ثروة قوية ، لذلك فقد اتجه العالم ، بمختلف دوله المتقدمة منها وتلك التي تسير في طريق النمو ، إلى تنفيذ هذه المشروعات بنظام عقود B.O.T ، هذا النظام العقدي الذي يحقق هدفين في نفس الوقت هما :
تنفيذ المشروعات الكبرى بالكفاءة المطلوبة وفي الوقت المحدد من جهة ، والاعتماد في التمويل على القطاع الخاص المحلي والأجنبي من جهة أخرى . ومن هنا تبرز أهمية هذه العقود.
ونظراً لحداثة تطبيق عقود B.O.T في سورية فإنه يتعين توسيع المعرفة بهذا النوع من العقود وتحديد مفهومه وخصائصه وتسليط الضوء على أهم مشكلات التطبيق .
ثانياً: أصل ونشأة اصطلاح B.O.T وتطوره وانتشاره
إن اصطلاح B.O.T هو اختصار من الأحرف الأولى لكلمات ثلاث هي:
Build – Operate – Transfer
وهو ليس اصطلاحاً قانونياً وإنما هو اصطلاح أفرزه واقع عملي نجم عن تطور أساليب الاستثمار ونظم تمويل المشروعات الكبرى وتنوع أنماط التنمية الاقتصادية.
وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو رئيس الوزراء التركي تورغوت أوزال([1]) في أوائل الثمانينات من القرن العشرين([2]).
وإذا كان العمل قد بدأ بهذا النظام تحت اسم B.O.T في منتصف الثمانينات من القرن العشرين تقريباً إلا أن لجوء مختلف دول العالم إلى تبني سياسة الاعتماد على القطاع الخاص في إقامة مشروعات البنية الأساسية قد ظهر منذ القديم.
ويرى البعض أن فرنسة كانت رائدة في هذا المجال حيث ابتكرت نظام امتياز المرافق العامة Le Concession des Services Publics الذي هو في مفهومه وفي طبيعته القانونية ليس إلا تطبيقاً من تطبيقات عقود B.O.T، ففي عام 1782 منحت الحكومة الفرنسية امتياز توزيع المياه في مدينة باريس إلى شركة خاصة هي شركة « الأخوة بيرييه » التي توسعت أعمالها بشكل سريع إلا أن الأحداث السياسية في حينه قد سيطرت على الاتفاقية فعملت مدينة باريس على إلغاء الامتياز بعد الثورة الفرنسية ثم أخذ نظام الامتيازات ينتشر بشكل ملحوظ بعد عام 1830 في فرنسة كما امتد ليشمل اسبانيا وإيطاليا وألمانيا([3]).
ولعل أول وأشهر مشروعات B.O.T في العالم هو مشروع قناة السويس الذي تم بموجب عقد أبرم سنة 1854 بين الحكومة المصرية من جهة والشركة العالمية لقناة السويس البحرية التي يرأسها الفرنسي «فرديناند ديليسبس» من جهة أخرى ، وقد تم افتتاح القناة في 17 تشرين الثاني سنة 1869 ، وكانت مدة الامتياز /99/ سنة إلا أنه تم إنهاء امتياز شركة قناة السويس قبل انتهاء مدة الامتياز بنحو ثلاثة عشر سنة وذلك في عام 1956 وهو ما أطلق عليه تأميم قناة السويس([4]).
وقد عرفت الولايات المتحدة الأمريكية نظام B.O.T منذ قيام الثورة الصناعية حيث كان يتم بناء الطرق وتشغيلها من قبل القطاع الخاص مقابل الرسوم التي يدفعها مستخدمو هذه الطرق كما عملت الحكومة على تشجيع الاستثمار عن طريق القطاع الخاص في مجال تشييد الطرق والجسور وذلك بموجب القانون الفيدرالي الخاص بالنقل الصادر في 18/12/1991.
وقد تأكد هذا الاتجاه في ظل حكم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون من خلال إصداره للقرار رقم /12893/ في 28 كانون أول سنة 1994 لتشجيع الاستثمار بنظام B.O.T.
وقد طبقت الدول النامية هذا النظام أيضاً ، ففي الفلبين تـم وضع القانون رقـم /7718/ لعام 1994 وهو «قانون الاستثمار الأجنبي في الفلبين » والذي عدل بعض أقسام القانون السابق رقم /6957/ لعام 1990 واسمه «قانون يسمح بتمويل وبناء وتشغيل وصيانة مشاريع البنية التحتية عن طريق القطاع الخاص». وقد أنشأت الدولة في الفلبين في عام 1989 وفق نظام B.O.T محطة غاز توربينية لتوليد الطاقة.
كما ظهر نظام B.O.T في هونغ كونغ عندما أنشأت مؤسسة هويوبل للطاقة محطة للغاز وبدأت العمل في نفق هونغ كونغ عام 1986 بكلفة بلغت /442/ مليون دولار أمريكي.
كما استخدمت فيتنام الجنوبية نظام B.O.T عندما أنشأت نفقاً تحت الماء في نهر سايجون بمدينة «هوتش منه».
ولم تكن الدول العربية بمنأى عن نظام B.O.T، فقد جرى تطبيقه على نطاق واسع في مصر وكان أول تعامل جاد مع تنفيذ المشروعات بنظام B.O.T هو ما قامت به وزارة الكهرباء المصرية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي حيث تضافرت عوامل عدة دفعت الحكومة المصرية إلى تنفيذ مشروعات الكهرباء بنظام B.O.T. ومن ذلك زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية من مختلف قطاعات الدولة وبخاصة منها الصناعية والعمرانية والحاجة إلى إضافة محطات توليد جديدة قدرتها /3ر9/ مليون كيلووات حتى عام 2010 بكلفة تقدر بحوالي /2ر7/ مليار دولار أمريكي، إضافة إلى ارتفاع مديونية الدولة من الجهات الخارجية حيث بلغت ديون هيئة كهرباء مصر وشركاتها /2ر14/ مليار جنيه مصري ، إلى جانب إحجام بعض جهات الإقراض الأجنبية عن منح قروض للدولة لتمويل تنفيذ مشروعات الكهرباء وطلب هذه الجهات إشراك القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشروعات ، إضافة إلى توفر سيولة في العملات الأجنبية بالبنوك المصرية التي أبدت رغبتها في المساهمة في تمويل مشاريع الكهرباء المنفذة عن طريق القطاع الخاص.
وكانت الدولة وبغية خلق المناخ القانوني المناسب قد لجأت إلى التدخل وتعديل بعض القوانين وصدر القانون رقم /100/ لعام 1996 بتعديل القانون رقم /12/ لعام 1976 والذي أنشأت بموجبه هيئة كهرباء مصر ثم أصدر مجلس الوزراء القرار رقم /4/ لسنة 1998 بشأن محطة كهرباء سيدي كرير البخارية.
كما نهجت وزارات أخرى في مصر النهج ذاته بتنفيذ مشروعاتها بنظام B.O.T، ومنها وزارة النقل ، وكان قد صدر القانون رقم /269/ لعام 1996 بتعديل بعض أحكام القانون رقم /84/ لعام 1968 بشأن الطرق العامة والقانون رقم /3/ لعام 1997 بشأن امتياز المرافق العامة لإنشاء واستغلال المطارات، كما صدر القانون رقم /22/ لعام 1998 بإضافة مادة جديدة إلى القانون رقم /1/ لعام 1996 بشأن الموانئ المتخصصة.
كما كان لقطاع النقل البحري في مصر تجارب مهمة في الاستثمار بنظام B.O.T، وكذلك اتجهت كل من الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري والهيئة القومية للأنفاق في مصر([5]).
كما سار لبنــان على طريق اعتماد نظــام B.O.T في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الكبرى. فبتاريخ 3/8/1994 تم توقيع عقد B.O.T بين الدولة اللبنانية وشركة: (France Télécom International) FTMI الفرنسية، لتنفيذ وتشغيل مشروع الهاتف النقال (الخليوي) لمدة عشر سنوات.
كما قامت الدولة اللبنانية ممثلة بالمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان بتاريخ 7/2/1996 بإبرام عقد B.O.T مع شركة محمد عبد المحسن الخرافي وأولاده كويتية الجنسية لتمويل إنشاء مواقف للسيارات في مطار بيروت الدولي وتشغيله لمدة خمسة عشر سنة ثم إعادته بحالة جيدة إلى الدولة اللبنانية(6).
كذلك فقد عرفت دولة الكويت نظام B.O.T في العديد من المشروعات ولعلّ أبرزها عقد تطوير المطار الدولي في الكويت. وعقد بناء وتشغيل محطة معالجة الصرف الصحي في منطقة الصليبية المبرم عام 2001(7).
وفي سورية فقد بدأ العمل يجرى على اللجوء إلى التعاقد بنظام B.O.T لتنفيذ بعض المشروعات الكبرى. فبتاريخ 12/2/2001 جرى توقيع عقد بين المؤسسة العامة للاتصالات في سورية وشركة انفستكوم كلوبال ليمتد ( Investcom Global LTD.) لإنشاء نظام هاتف خلوي GSM على مبدأ B.O.T.
كما قامت وزارة النقل بطرح عدد كبير من المشروعات على مبدأ B.O.T ومن ذلك مرفأ المنطقة الحرة على الساحل السوري بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد وإنشاء أرصفة جديدة في مرفأ طرطوس ومرفأ اللاذقية واستثمار أرصفة وساحات قائمة وفق نظام العقود B.O.T.
كذلك فقد طرحت الشركة العامة لمرفأ طرطوس بتاريخ 8/9/2005 مشروع إنشاء رصيف في مرفأ طرطوس وفق نظام B.O.T، كما أعلنت الشركة المذكورة أيضاً بتاريخ 25/1/2006 عن طلب عروض أسعار لمشروع إنشاء واستثمار عدد من الأرصفة بمواصفات فنية في مرفأ طرطوس وفق نظام B.O.T. كذلك فقد قامت محافظة دمشق في كانون ثاني 2008 بإبرام عقد B.O.T مع شركة سورية القابضة لإشادة مشروع متكامل في مركز المدينة يضم مركزاً للمؤتمرات وأبنية مكتبية إدارية مجهزة بأحدث التقنيات وفندق من فئة خمس نجوم ومراكز تسوق ودور سينما ومواقف سيارات(8) غير ذلك من المشروعات والعقود(9).
ثالثاً: الترجمة العربية لاصطلاح B.O.T
سبق وبيّنا أن اصطلاح B.O.T هو اختصار من الأحرف الأولى لكلمات ثلاث هي Build وتعني يبني أو ينشئ، و Operate وتعني يشغِّل أو يدير ، وTransfer وتعني ينقل أو يحول أو يتنازل.
وقد شاع هذا الاصطلاح الإنكليزي في العالم واستخدم في جميع الدول التي أخذت بهذا النظام . وعلى الرغم من سهولة ترجمة اصطلاح B.O.T إلى اللغة الفرنسية فإن غالبية الفقه الفرنسي قد استعمل الاصطلاح الإنكليزي ولم يستبدل به مصطلحاً فرنسياً وذلك نزولاً عند شيوع الاصطلاح الإنكليزي.
وقد ذهب رجال القانون العرب في غالبيتهم العظمى إلى ترجمة اصطلاح B.O.T بعبارة «البناء والتشغيل ونقل الملكية » ، وهي ترجمة حرفية للكلمات الإنكليزية الثلاث آنفة الذكر.
غير أن لنا مآخذ أساسية لغوية وأخرى قانونية على الترجمة العربية التي اتجه إليها الغالب من الفقه كما سنبين فيما يلي.
رابعاً: المآخذ التي نراها على الترجمة العربية للاصطلاح
لنا مأخذان على هذه الترجمة العربية:
1- يتجلى المأخذ الأول في قصور المعنى اللغوي ، فكلمة «البناء» قاصرة في الدلالة على التعبير عن الدور الذي تقوم به شركة المشروع في هذه المرحلة من العقد، فالأمر ليس قاصراً في هذه المرحلة على بناء المشروع، بل إن شركة المشروع تقوم بأعمال أساسية تسبق عملية البناء، فهناك دراسات الجدوى الاقتصادية بجميع أنواعها: المالية والتسويقية والفنية ، وهناك دراسة المخاطر الخاصة بهذه المرحلة من العقد ودراسة بيئة المشروع وتخطيط الموقع وتجهيزه والقيام بالتصميمات الهندسية اللازمة لإنشاء المشروع، ومن ثم إنشاء المشروع بكل ما يتطلبه ذلك من عمليات البناء والتجهيز إلى أن يصبح مرفقاً عاماً جاهزاً لتقديم الخدمة العامة للجمهور. ونرى أن كلمة «الإنشاء» أكثر وأدق دلالة من كلمة «البناء» وأكثر اتفاقاً مع دور شركة المشروع في هذه المرحلة.
كذلك فإن كلمة «التشغيل» تفتقد للدقة في التعبير والدلالة على دور شركة المشروع في هذه المرحلة من العقد. حيث لا يقتصر دور شركة المشروع بعد إنشائه على تشغيل المرفق بل إنها تقوم بتشغيله واستثماره والحصول على المقابل من المنتفعين بخدمات المرفق ، لذلك فإننا نرى أن كلمة «إدارة» أدق في الدلالة على ما تقوم به شركة المشروع في هذه المرحلة.
أما عبارة «نقل الملكية» فإضافة إلى الإشكالية القانونية التي تحملها كما سنبين لاحقاً، فهي قاصرة في الدلالة على التعبير عن هذه المرحلة الهامة والأخيرة من العقد، فشركة المشروع لا تقوم بنقل ملكية المشروع إلى الجهة الإدارية المتعاقدة وإنما تقوم بتسليمها المشروع جاهزاً للعمل وهو ما لا يفي بالتعبير عنه عبارة «نقل الملكية» ونرى أن كلمة «التسليم» تنصب بشكل واضح على المعنى المقصود.
2- أما المأخذ الثاني لنا على الترجمة العربية فهو مأخذ قانوني. فعبارة « نقل الملكية » تحمل معنى قانونياً لا وجود له في العلاقة القائمة بين الإدارة المتعاقدة وشركة المشروع، فملكية المشروع تبقى للجهة الإدارية المتعاقدة طيلة مراحل عقد B.O.T، ولا تنتقل إلى شركة المشروع في أية مرحلة من مراحل العقد، ذلك أن شركة المشروع يكون لها حق الانتفاع بالمشروع أو المرفق بما يخولها حق تشغيله وإدارته لقاء الحصول على المقابل من المنتفعين من خدمات المرفق ، لذلك فإنه في ضوء ثبوت ملكية الجهة الإدارية المتعاقدة للمشروع أو المرفق في جميع مراحل العقد وعدم انتقال هذه الملكية إلى شركة المشروع في أي وقت من الأوقات لا يمكن القول بقيام شركة المشروع بنقل ملكية المشروع أو المرفق في نهاية مدة العقد إلى الجهة الإدارية المتعاقدة ولكنها تقوم فقط بتسليم المشروع ونقل حيازته إلى الدولة عند انتهاء مدة العقد.
وإننا تلافياً للمآخذ اللغوية والقانونية على الترجمة العربية للاصطلاح، وتعبيراً عن حقيقة عقود B.O.T واقعياً وقانونياً فإننا نؤثر ترجمة اصطلاح B.O.T بعبارة « عقد الإنشاء والإدارة والتسليم».
خامساً: التعريف بعقود B.O.T
يعد نظام عقود B.O.T نظاماً حديث العهد ، وقد أدى انتشاره السريع في مختلف دول العالم المتقدمة منها والنامية وبشتى أنظمتها القانونية إلى عدم وجود تعريف واحد جامع مانع له . فهناك من يعرّف مشروعات B.O.T بأنها المشروعات التي تعهد بها الحكومة إلى إحدى الشركات وطنية كانت أم أجنبية وسواء كانت شركة من شركات القطاع العام أم القطاع الخاص ، وتسمى شركة المشروع ، وذلك لإنشاء مرفق عام وتشغيله لحسابها مدة من الزمن ثم نقل ملكيته إلى الدولة أو الجهة الإدارية(10).
ويرى البعض أن مشروعات B.O.T هي تلك المشروعات التي يقوم القطاع الخاص بتمويلها على أن تظل ملكية الحكومة أو إحدى هيئاتها للمشروع قائمة، ويقوم القطاع الخاص بتصميم وبناء وإدارة المشروع خلال فترة محددة يرتبط فيها راعي المشروع Project Sponsor مع الحكومة بعقد امتياز Concession يخوله الحصول على عائد المشروع طوال فترة الامتياز على أن يقوم برد ذلك المشروع عند انتهاء تلك المدة في حالة جيدة بدون مقابل(11).
ويعرّف البعض مشاريع B.O.T بأنها شكل من أشكال تمويل المشروعات تمنح بموجبه دولة ما مستثمراً أو مجموعة من المستثمرين امتيازاً لتمويل وتنفيذ مشروع معين ثم تشغيله واستغلاله تجارياً لمدة زمنية معينة يصار عند نهايتها إلى رد المشروع إلى الدولة(12).
وهناك من يرى أن مفهوم عقد B.O.T في أبسط أشكاله يقوم على منح امتياز من الدولة أو إحدى هيئاتها إلى شركة أو أكثر لبناء مشروع ما واستثماره لفترة من الزمن تسمح باسترداد قيمة الاستثمار وتحقيق ربح معين وإعادة حق الاستثمار إلى الدولة عند انتهاء الامتياز(13).
ويذهب البعض إلى تعريف نظام B.O.T بأنه إحدى آليات تمويل مشروعات البنية الأساسية والتي بواسطتها تعهد الدولة أو إحدى مؤسساتها أو هيئاتها العامة بواسطة عقد يسمى عقد الامتياز إلى اتحاد مشروعات يسمى كونسورتيومConsortium ببناء واستغلال مشروع محدد يكون في الغالب ذا طابع عام بمساعدة مؤسسات تمويل نظامية أو تجارية وتضع الدولة المستضيفة للمشروع ومؤسسات التمويل تحت تصرف الشركة صاحبة الامتياز الأموال اللازمة للتمويل على أن يتم تسديد هذه الأموال فقط بواسطة التدفقات المالية للمشروع ، وفي مقابل قيام الشركة ببناء المشروع فإنها تستغل المشروع وتحصل من الجمهور مباشرة مقابل شراء أو استغلال منتجات أو خدمات المشروع وذلك طوال مدة الامتياز التي تتناسب عكسياً مع حجم عائدات المشروع المالية حتى تتمكن الشركة صاحبة الامتياز من استرداد أموالها المستثمرة والحصول على نسبة معقولة وعادلة من الأرباح ، وعند نهاية مدة الالتزام تلتزم الشركة بنقل ملكية أصول المشروع إلى الدولة مانحة الالتزام(14).
كما يعرّف بعض الاقتصاديين نظام B.O.T بأنه نوع من الاستثمار يتولى فيه القطاع الخاص إقامة Build وتشغيل Operate مشروع بنية تحتية كان من المعتاد أن يتولى بناءه وإدارته القطاع العام أو الحكومة على أن يتم تحويله Transfer مرة أخرى للحكومة بعد فترة كافية يتم فيها استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق عائدٍ معقول(15).
ومن الواضح أن تعريفات فقهاء القانون الخاص والاقتصاديين تركِّز على الجانب التمويلي لنظام B.O.T .
وقد عرّفت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية « يونيدو » UNIDO عقد B.O.T بأنه اتفاق تعاقدي تقوم بموجبه جهة من القطاع الخاص بإنشاء منشأة معينة تكون من المرافق العامة الأساسية في الدولة بما في ذلك تصميمها وتمويلها ومن ثم القيام بتشغيلها وصيانتها ، وتقوم هذه الجهة بإدارة وتشغيل هذه المنشأة خلال فترة زمنية محددة يسمح لها خلالها بفرض رسوم مناسبة على المستفيدين من خدماتها وأية رسوم أخرى شرط ألا تتجاوز ما هو منصوص عليه في دفتر الشروط أو العقد المبرم ، وذلك لتمكين جهة القطاع الخاص من استرجاع الأموال التي استثمرتها ومصاريف التشغيل والصيانة بالإضافة إلى عائد مناسب ، وفي نهاية مدة العقد تقوم جهة القطاع الخاص بنقل ملكية المنشأة إلى الدولة أو إلى جهة خاصة جديدة مختارة من خلال طرح عطاء جديد (16).
كما عرّفت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عقد B.O.T بأنه شكل من أشكال تمويل المشروعات تمنح بمقتضاه حكومة ما مجموعة من المستثمرين يشار إليهم بالاتحاد المالي للمشروع ، امتيازاً لإقامة مشروع معين وتشغيله وإدارته واستغلاله تجارياً ويتولى الاتحاد المالي للمشروع أو شركة يقوم الاتحاد المالي بإنشائها إقامة المشروع وتنفيذ الالتزام وفقاً للاتفاق المبرم بين الحكومة وصاحب الامتياز(17).
وقد عرّفت لجنة الاونسيترال (18) عقد B.O.T بأنه شكل من أشكال تمويل المشروعات تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة محددة من الزمن أحد الاتحادات المالية الخاصة ويدعى شركة المشروع امتيازاً لتنفيذ مشروع معين وتقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله واستغلاله تجارياً وفي نهاية مدة الامتياز تنقل ملكية المشروع إلى الحكومة .
والخلاصـة:
نخلص مما سبق إلى أنه بالنظر إلى هذه التعريفات المختلفة لنظام عقود B.O.T وسواها من التعريفات نجد أن بعضها يركز على الجانب التمويلي وبعضها يركز على الجانب التعاقدي وبعضها يتوسع في تناول تفصيلات وجزئيات العقد.
وإن ما يهمنا من ذلك كله هو التأكيد في التعريف على أن نظام B.O.T هو علاقة عقدية مع بيان خصائص نظام عقود B.O.T التي تميزه عن غيره.
سادساً: خصائص عقود B.O.T
ثمة خصائص جوهرية تتسم بها عقود B.O.T، وهي:
– إن نظام B.O.T هو علاقة تعاقدية بين الدولة أو أحد أشخاص القانون العام من جهة وإحدى جهات القطاع الخاص من جهة أخرى.
– الغاية من نظام عقود B.O.T إنشاء مرفق عام وتقديم خدمة عامة للجمهور.
– التمويل الخاص للمشروع هو أحد أهم العناصر في نظام عقود B.O.T.
– للإدارة المتعاقدة الحق في الإشراف والرقابة طيلة مدة العقد.
– إن ملكية المرفق تبقى ثابتة للإدارة المتعاقدة وحدها خلال جميع مراحل العقد.
وفيما يلي تفصيل ذلك:
1- إن نظام B.O.T هو علاقة تعاقدية بين الدولة أو أحد أشخاص القانون العام من جهة ، وإحدى جهات القطاع الخاص من جهة أخرى:
فنظام B.O.T هو نظام تعاقدي وهو في صورته الأساسية اتفاق إرادتين أو أكثر على إنشاء مشروع معين من مشاريع البنية الأساسية ، وتتولى الشركة المتعاقدة إدارته بتشغيله واستغلاله خلال المدة المتفق عليها بما يحقق استرداد ما أنفق من رأس المال وتحقيق أرباح مناسبة ، ثم تقوم الشركة بتسليمه إلى الإدارة المتعاقدة المالكة له أصلاً.
وإذا كان من الممكن قانوناً أن ينهج القطاع الخاص أسلوب B.O.T لتنفيذ مشروعاته وهو ما كشف عنه الواقع العملي مؤخراً(19)، إلا أنه من الثابت أن عقود B.O.T قد وجدت ابتداء كحل لمسألة تمويل المشروعات العامة التي تكون الدولة الطرف الرئيسي فيها ، وإن المفهوم الثابت والمستقر على الصعيدين الداخلي والدولي أن لعقد B.O.T طرفان أساسيان هما الدولة أو أحد أشخاص القانون العام من جهة والقطاع الخاص أو شركة المشروع من جهة أخرى.
وتعد الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الطرف الأساسي في عقد B.O.T فهي المالكة الحقيقية للمشروع ، وهي التي تحدد أصلاً المشروعات التي يمكن تنفيذها بنظام B.O.T وهي التي تقوم بمنح الالتزام لإقامة المشروع.
وهناك من يرى أن نظام B.O.T ليس عقداً وإنما هو تنظيم أو مفهوم اقتصادي يتطلب إبرام العديد من الاتفاقات والعقود بين أطراف مختلفة ، ومن ذلك الامتياز الذي تبرمه الدولة مع الشركة ، ثم هناك اتفاقات التمويل والاتفاقات بين المساهمين والاتفاقات بين شركة المشروع وشركات المقاولات وشركات التشغيل والصيانة وغير ذلك(20).
ويرى هذا الاتجاه أن عقد B.O.T هو مشروعٌ متكامل وليس عقداً وأنه في حقيقته مجموعة من العقود المركبة حيث يتضمن العقد في داخله حزمة من التعاقدات المختلفة والمتعددة الأطراف ، فشركة المشروع وهي الطرف الرئيسي الثاني في عقد B.O.T ، والتي تلتزم بإنشاء المشروع وإدارته واستغلاله ثم تسليمه بحالة جيدة إلى الدولة في نهاية مدة العقد ، هذه الشركة تقوم بالتزاماتها عبر شبكة من العقود التي تبرم في إطار عقد B.O.T الرئيسي وبين متعاقدين مختلفين ، ويذهب هذا الاتجاه إلى أن عقد الامتياز يعد أهم عنصر في حزمة عقود B.O.T التي تهدف إلى إنشاء بنية تحتية في دولة ما ولكن لا يمكن اختصار مشروع B.O.T بأحد عقوده وإن كان أكثرها أهمية(21).
والحقيقة أنه يتعين عدم الخلط بين مجموعة العقود المؤلفة من عقد B.O.T نفسه والعقود التي يتطلبها إبرامه وتنفيذه والعقود التي تتفرع عنه بحجة وحدة هدفها النهائي.
وإن عقد B.O.T لا يخرج في صورته الأساسية عن كونه عقد يقوم على توافق شخصين أو أكثر على إنشاء مشروع محدد تتولى شركة المشروع إنشاءه وتشغيله وإدارته فترة من الزمن تسترد خلالها ما أنفقته من أموال وتحقق أرباحاً مقبولة ثم تسلمه بحالة جيدة إلى جهة الإدارة المالكة له أصلاً.
ولئن كان عقد B.O.T يتفرع عنه العديد من العقود وأن إبرامه وتنفيذه يتطلب مجموعة من العقود والاتفاقات بما يجعلنا أمام عائلة عقدية ، فإن ذلك لا يُفقد عقد B.O.T وكل عقد في هذه العائلة العقدية ذاتيته بصفته عقداً قائماً بذاته ، ذلك لأن جميع هذه العقود والاتفاقات تتم باتفاق أطرافها وبتوافق إراداتهم العقدية ، وإن عقد B.O.T يقع في قلب هذه الاتفاقات والعقود المتفرعة عنه وهو العقد الأساسي فيها.
ومما لا شك فيه أن نجاح عقد B.O.T يعتمد على ترابط هذه العقود وانسجامها وعدم تعارضها فلكل عقد دور يؤديه ومتعاقد يقوم بهذا الدور حسبما نص عليه العقد.
فهناك عقد الاستشاريين الذين يقدمون دراسات الجدوى وهناك عقد أو عقود شركات المقاولات التي تتولى التصميم وإنشاء الأعمال وهناك عقود مهندسي الإشراف على إنشاء الأعمال وعقود الموردين الذين يقومون بتوريد المعدات ومستلزمات المشروع، وهناك المقرضين وعقود التمويل مع البنوك والجهات المقرضة وهناك عقود الصيانة وغير ذلك.
وقد تتعارض مصالح هذه الأطراف إلا أنه يتعين أن تعمل هذه العقود الجانبية نحو تحقيق الهدف المناط بعقد B.O.T الذي هو مدار تلك العقود جميعها ذلك الهدف الذي يتمثل بإنشاء المرفق العام وإدارته إلى حين تسليمه إلى الجهة الإدارية المتعاقدة .
كذلك فإن من السمات الرئيسية لعقد B.O.T أنه عقد طويل المدة، فهو يمر بمراحل متعددة وطويلة بدءاً من المرحلة التحضيرية والإعداد للمشروع وإعداد دراسات الجدوى ، ثم مرحلة تكوين شركة المشروع وإبرام اتفاق الترخيص وعقود التمويل والمقاولة والضمان ثم مرحلة الإنشاء وتشييد المشروع ثم مرحلة إدارة المشروع واستغلاله وتقديم الخدمة للجمهور وهي المرحلة التي تعوّل عليها شركة المشروع كي تسترد رأس المال وتحقق ربحاً مناسباً.
كل ذلك مما يجعل من عقد B.O.T عقداً طويل المدة بطبيعته ، وإن كانت هذه المدة تختلف باختلاف أهمية المشروع والوقت اللازم لإنجازه والمدة اللازمة لتغطية التكاليف والحصول على الربح المنتظر.
2- الغاية من عقد B.O.T إنشاء مرفق عام وتقديم خدمة عامة للجمهور:
إن المدقق في عقود B.O.T يرى أن المجال الرئيسي الذي طبقت فيه هذه العقود هو إنشاء مرافق عامة اقتصادية هامة وتقديم خدمات عامة تتسم بالأهمية يحتاجها الجمهور كمرافق الطرق والمواصلات والمطارات والموانئ والكهرباء والغاز ومياه الشرب والاتصالات وغير ذلك.
وإن جميع هذه المرافق كانت حتى الأمس القريب تنشأ وتدار من قبل الدولة حصراً، إلى أن بدأ اللجوء إلى القطاع الخاص في منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي لإقامة مشروعات البنية الأساسية وإنشاء المرافق العامة وتقديم الخدمات العامة للجمهور .
فعقود B.O.T قد نشأت وانتشرت بصفتها إحدى وسائل إدارة المرافق العامة وهي الوسيلة التي يأمل منها أن تحقق التوازن المنشود بين نقل مخاطر ومسؤوليات إنشاء وإدارة المشروع الاقتصادي الخدمي إلى القطاع الخاص من جهة وتوفير الخدمة للجمهور بالسعر المناسب.
3- التمويل الخاص للمشروع هو أحد أهم العناصر في نظام عقود B.O.T :
يشكل التمويل العنصر المهم في عقود B.O.T فهو السبب الرئيسي والدافع في لجوء الدولة إلى التعاقد بنظام B.O.T ، حيث يقوم هذا النظام أصلاً على استخدام التمويل من القطاع الخاص لإنشاء المشروعات الكبرى ومشروعات البنية الأساسية ، وبذلك فإن نظام B.O.T يحقق ميزة كبرى تتلخص في عدم تحمل ميزانية الدولة لأية تكاليف لتمويل المشروع ولسداد القروض .
ويختلف نظام تمويل عقود B.O.T عن الطرق التقليدية في التمويل ، ذلك أن هذه الأخيرة تستند في ضمان سداد أصل الدين وفوائده إلى كفالة الدولة أو إلى كفالة مؤسسات خاصة ، في حين أن الميزة الرئيسية لعملية تمويل أحد مشروعات B.O.T هي ارتكاز هذه العملية على المردود الناتج عن تشغيل واستثمار هذا المشروع من أجل استرداد الديون والحصول على الربح المأمول.
وعلى ذلك فإن نظام تمويل عقود B.O.T يعتمد على التمويل بضمان السداد من عائد المشروع Project Finance حيث يتم استرداد ما تم إنفاقه على المشروع من الدخل الذي يحققه هذا المشروع وليس أمام الجهات المقرضة إلا الاعتماد على التدفقات النقدية Cash Flow والإيرادات الناشئة عن استغلال المشروع.
وإن أهم الموجودات ، وهو الأصل الذي يبنى عليه التمويل بصورة رئيسية في عقود B.O.T ، هو عادة حق شركة المشروع التعاقدي في تدفق موارد اعتبرت كافية لتسديد التمويل، لذلك فإنه ينبغي أن يكون المقرضون مقتنعين بأن تدفق موارد المشروع سيكون كبيراً بشكل يضمن تسديد الدين في الوقت المناسب.
لذلك فإن الأمر معقود في ضمان سداد القروض على حسن أداء المشروع من النواحي الفنية والاقتصادية باعتبار أنه في حالة عدم كفاية التدفقات النقدية الناتجة عن تشغيل المشروع فإن المساهمين Sponsors لا يكون عليهم التزام قانوناً بسداد القرض وفوائده.
4- للإدارة المتعاقدة حق ثابت في الرقابة والإشراف طيلة مدة العقد:
لا تنتهي مهمة الجهة الإدارية المتعاقدة البتة بالتوقيع على عقد B.O.T، فما دام عقد B.O.T يتعلق بمرفق عام وبالخدمة العامة التي يقدمها للجمهور، فإن حق الإدارة المتعاقدة ثابت في الرقابة Control والإشراف Surveillance على تنفيذ العقد. وعلى ذلك تقوم الجهة الإدارية المتعاقدة بمتابعة أعمال شركة المشروع والتأكد من جديتها والتزامها بالتنفيذ وفق شروط العقد، كما تقوم الإدارة المتعاقدة بمتابعة عمليات الإنشاء والتأكد من جودة التنفيذ ومطابقة المواد المستخدمة للمواصفات القياسية وفق النسب المعيارية المنصوص عليها في الجودة وعدم وجود أي تلاعب أو قصور، والمتابعة الدورية ومراقبة حسن سير المشروع بعد إنشائه وحسن إدارته وحسن صيانته واحتفاظه بصلاحيته إلى أن يتم استلامه في نهاية مدة العقد.
إن شركة المشروع في عقد B.O.T تنوب عن الدولة أو الجهة الإدارية في إدارة المرفق العام موضوع العقد وتقديم خدماته للجمهور، لذلك فإن من واجب الإدارة المتعاقدة أن تمارس حقها في الرقابة والإشراف على تنفيذ العقد وعلى أداء الشركات طوال مدة التعاقد صوناً للمصلحة العامة ونظراً لالتزام شركة المشروع بتسليم المشروع لجهة الإدارة صالحاً للاستثمار في نهاية مدة العقد.
وقد يقصد بالرقابة الإدارية أيضاً اشتراك الجهة الإدارية في إدارة المنشأة محل التعاقد(22) وهذه مسائل يحددها العقد الناظم للعلاقة.
5- ملكية جهة الإدارة المتعاقدة وحدها للمرفق والمشروع موضوع العقد خلال جميع مراحل العقد:
من المؤكد أن ملكية المرفق العام والمشروع موضوع عقد B.O.T تبقى ثابتة للجهة الإدارية المتعاقدة خلال جميع مراحل العقد . ومن المعتاد في عقود B.O.T أنه عند تحديد أطراف العقد في مقدمة العقد وبعد أن يُذكر اسم الجهة الإدارية المتعاقدة تدوَّن عبارة « ويعبَّر عنها فيما بعد بالمالك » وذلك تصريحاً بملكية الجهة الإدارية للمشروع(23).
وعلى ذلك فالملكية في عقد B.O.T تكون ثابتة للدولة أو الجهة الإدارية المتعاقدة باعتبار أن المشروع يبنى لحسابها وإن كان تمويله يتم من القطاع الخاص ، وإن ما يتم نقله للدولة أو الجهة الإدارية المتعاقدة عند انتهاء مدة العقد هو حيازة المشروع وليس ملكيته(24)لذلك فإنه من الخطأ القول بأن عقد B.O.Tيشكِّل خصخصة مؤقتة.
ومن هنا فقد كان لنا المأخذ القانوني على عبارة « نقل الملكية » في الترجمة العربية لاصطلاح B.O.T وما ذهب إليه أغلب رجال القانون العرب من ترجمة الاصطلاح بعبارة « البناء والتشغيل ونقل الملكية » باعتبار أن عبارة « نقل الملكية » تحمل معنى قانونياً لا وجود له مطلقاً في العلاقة القائمة بين الإدارة المتعاقدة وشركة المشروع كما سبق وبيّنا.
من هنا ، فإنه يتعين القول أن عقد B.O.T ليس خصخصة للمرفق العام وليس أحد أشكال الخصخصة ، فالخصخصة هي نقل ملكية المرفق العام إلى القطاع الخاص بشكل تام ونهائي . وهذا يعني أن المرفق العام محل الخصخصة سينتقل إلى الطرف المشتري حيازةً وملكيةً ليتصرف به تصرف المالك في المال الذي يملكه مع كل ما ينطوي على ذلك من استعمال واستغلال وتصرف.
لذلك فإن عقد B.O.T يشكل أحد بدائل الخصخصة حيث تنتقل إدارة المرفق العام فقط إلى القطاع الخاص وتبقى ملكيته بيد الإدارة العامة(25).
ويذهب الاتجاه الغالب بين رجال القانون إلى أنه في بعض صور عقود B.O.T فإن شركة المشروع تتملك المشروع خلال مراحل العقد وقبل أن تقوم بتسليمه إلى الجهة الإدارية المتعاقدة كما في العقود المرموز لها بـ «B.O.O.T »Build – Ownership – Operate – Transfer والتي يجمع الفقه على ترجمتها بعبارة «عقود البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية »، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه في هذه الصورة العقدية فإن المستثمر يتملك المشروع بكافة أصوله لفترة معينة، فملكية الأصول خلال مدة المشروع تكون خالصة للقطاع الخاص(26).
ونحن نعتقد بعدم صحة هذا الاتجاه ، ونرى أن شركة المشروع لا تتملك البتة المرفق أو المشروع بأية صيغة من الصيغ وذلك سواء في عقد B.O.T . أو في عقد B.O.O.T.
وعلى أية حال ، فإننا نوصي بعدم اللجوء إلى صيغة عقد B.O.O.T في سورية باعتبار أن الاتجاه الغالب في الفقه العربي يذهب إلى تفسير صيغة عقد B.O.O.T بأن ملكية المشروع تنتقل إلى المستثمر خلال مدة العقد ، وهو ما ينطوي على خصخصة للمرفق العام طيلة مدة العقد وهو ما يخالف النظام العام في سورية لأن العقد في هذه الحالة لا ينطوي على نقل إدارة المرفق العام لشركة المشروع وإنما على نقل ملكيته أيضاً وهو ما يفتقد للأساس الدستوري، وبحسب علمنا فإنه لم يتم إبرام عقد وفق الصيغة العقدية B.O.O.T في سورية .
سابعاً: بعض مشكلات التطبيق
أسفر تطبيق بعض العقود المبرمة بنظام B.O.T عن الكشف عن مشكلات هامة منها:
1- قيام بعض الشركات الاستثمارية الأجنبية بالحصول على التمويل اللازم لاستيراد الآلات والمعدات والأجهزة وإنشاء المشروعات محل التعاقد عن طريق الاقتراض من البنوك المحلية وعدم جلب هذه الأموال من الخارج . وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية وارتفاع أسعارها مقابل العملة المحلية. وهذا ما حصل في مصر عند قيام الشركة الأجنبية الموكل إليها إنشاء محطتي كهرباء سيدي كرير بموجب عقد B.O.T بالحصول على التمويل باقتراض مبلغ /400/ مليون دولار أمريكي من البنوك المصرية وعدم جلب هذه الأموال من الخارج . وهو ما شكل عبئاً حقيقياً على سيولة النقد الأجنبي في السوق المصرفي المصري(27).
2- قيام الدولة في بعض الأحيان بشراء المنتج أو الخدمة المنتجة من الشركة المستثمرة بنظام B.O.T بالعملة الأجنبية لتقوم هي بدورها ببيعها لجمهور المنتفعين بسعر أقل وبالعملة المحلية طبعاً ، بحيث تتحمل هي فرق السعر ، وذلك لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سواها. وهذا ما حدث بمصر في اتفاقية شراء الطاقة الكهربائية بمحطة سيدي كرير حيث التزمت الدولة بشراء حد أدنى من الطاقة المنتجة بالدولار الأمريكي لتقوم ببيعها بعد ذلك للجمهور بسعر أقل(28).
وهذا ما يشكل عبئاً على الاقتصاد إضافة إلى أنه يخالف الغاية من التعاقد بنظام B.O.T حيث لا يحقق العقد في هذه الحالة التمويل الذاتي للمشروع ، وإذا كان من الممكن أن تلجأ الإدارة المتعاقدة إلى ذلك الأسلوب في حالات استثنائية تقررها ، فإن الإدارة العقدية الرشيدة يتعين أن تستبعد مثل هذا الإجراء كأسلوب عادي للتعاقد وفق نظام B.O.T راجع (29).
3- عدم تقيُّد بعض الشركات الاستثمارية بالمواصفات المعيارية والفنية عند إنشاء المشروع موضوع عقد B.O.T. فقد لوحظ أن بعض الشركات الاستثمارية الدولية في عدد غير قليل من عقود B.O.T وبغية تحقيق أكبر قدر من الربح تقوم بتشييد المرفق بشكل مخالف للمواصفات المعيارية والفنية المتعارف عليها دولياً في إنشاء المرافق المماثلة. ثم تستعين هذه الشركات بمؤسسة أو خبير يقدم لها شهادة صلاحية تفيد التزامها بالمواصفات وذلك خلافاً للحقيقة والواقع. مثال ذلك ما حدث في مصر في تشييد محطتي كهرباء سيدي كرير وفقاً للعقد المبرم بين هيئة كهرباء مصر وشركة انترجن لتوليد الكهرباء، حيث إن كمية الخرسانة التي استخدمت في إنشاء هاتين المحطتين تساوي 50 % فقط من نسبة كميات الخرسانة التي استخدمت في إنشاء محطتين مماثلتين أقامتهما الحكومة المصرية قبل ذلك.
ولعل من المفارقات الكبيرة في هذا الأمر أن استشاريي إنشاء المحطات الأربع المذكورة هي شركة أمريكية واحدة ، ورغم ذلك قررت أن المحطتين الأخيرتين مطابقتين في إنشائهما للمواصفات المعيارية الدولية ، في حين أنها هي نفسها التي حددت كميات الخرسانة المستخدمة في إنشاء المحطتين اللتين أقامتهما الحكومة المصرية ، وقد كانت هذه الكميات تساوي ضعف ما تم استخدامه في محطتي سيدي كرير.
وقد ينتج عن ذلك أن يكون العمر الافتراضي للمشروع يكفي بالكاد أو يزيد قليلاً عن المدة المحددة في عقد B.O.T وهذا يعني أن المشروع سيتم تسليمه للإدارة عند انتهاء هذه المدة في حالة لا تصلح لاستمرار تشغيله بالشكل المطلوب . ومن ثم لا يتحقق الهدف من إنشاء المشروعات المتعلقة بالبنية الأساسية وفقاً لنظام التعاقد B.O.T.
4- منح الشركات الاستثمارية مزايا إضافية مرتبطة بالعقد قد تفوق في قيمتها الإجمالية تكلفة تمويل المشروع موضوع العقد .
فالعديد من عقود B.O.T التي أبرمتها الحكومة المصرية مثلاً تضمنت بنوداً تقضي بمنح الشركات المتعاقدة مزايا ضخمة ، ومن ذلك ما تضمنته المادة /12/ مكرر /د/ من القانون /229/ لسنة 1996 من أن « يكون للملتزم في خصوص ما أنشأه من طرق .. الحق في استغلال مساحات واقعة على جانبي الطريق وفي بدايته ونهايته بإقامة الفنادق والاستراحات والمطاعم ونقاط الإسعاف ومحطات وورش الصيانة السريعة للسيارات وغير ذلك من المنشآت والأنشطة الزراعية والصناعية والسياحية التي تخدم الطريق والمارة .. ».
وقد شكلت هذه المساحات في الواقع مساحات شاسعة وإن ما تجنيه تلك الشركات من أرباح مقابل استغلال تلك المساحات يتجاوز بكثير حجم تمويل المشروع وتكلفة إنشاء هذه الطرق.
إن هذه المشكلات وسواها التي أسفر عنها التطبيق العملي لبعض عقود B.O.T تؤكد أهمية الصياغة العقدية لهذه العقود بتضمين العقد عنصر الإشراف بالطريقة التي تناسب المشروع موضوع العقد بما يحقق الإشراف على إنشاء المشروع وضمان وضع مواصفات موضوعية تحقق الجودة اللازمة وسلامة الإنشاءات . كما تؤكد أهمية دراسات الجدوى التي تسبق العقد . وضرورة النص في العقد على ما يلزم المستثمر الأجنبي بتوفير التمويل اللازم بالنقد الأجنبي من مصادر خارجية وليس من السوق المحلية.
كذلك فقد أظهرت تلك المشكلات التي أسفر عنها تطبيق عقود B.O.T أهمية عنصر التفاوض الذي يسبق التعاقد. ذلك التفاوض الذي يتعين أن يؤدي إلى عدم تمكين المستثمر الخاص من الحصول على مكاسب إضافية لا تتناسب مع شروط العقد.
المحامي الدكتور
محمد أديب الحسيني
اترك تعليقاً