مذكرة تخرج بعنوان دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
مذكرة تخرخ احد الطالبات القاضيات تتناول موضوع مهم يتعلق بدور المؤسسات العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
مقدمة:
تعد العقوبة هي الجزاء الذي يتبع تجريم سلوك معين يمنع الأفراد من إتيانه، وهي بذلك جزء هام من نظام قانوني متكامل ينطلق من الرغبة الجماعية في إضفاء الحماية للأفراد بمنع سلوكات معينة وترتيب جزاءات للأفراد الذين يخالفون هذا المنع، هذه العقوبة التي تختلف باختلاف نوع الجريمة التي ارتكبت، وقد كانت العقوبة في العصور القديمة تقتصر فقط على العقوبات البدنية تأتي في مقدمتها عقوبة الإعدام، أو الشنق، او بتر أحد الأعضاء، إلا انه وبتطور المجتمعات ظهرت إلى الوجود العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية كالغرامة والمصادرة وغيرها من العقوبات الأخرى، وكان الهدف من تطبيق العقوبة السالبة للحرية هو تحقيق الإيلام او بالأحرى الإنتقام من المجرم، إلاّ أنه تم استبعاد فكرة الإنتقام و التي تعد وليدة للسلوك الإنساني البدائي الجاهل متمثلة في عدة صور كالرمي في النهر أو الشنق او الضرب حتى الموت، حيث اتسمت بالطابع الوحشي، ثم تطورت العقوبة لتصبح وسيلة لتهذيب المجرم وإصلاحه و تأهيله، ومن أجل التنفيذ العقابي للعقوبات السالبة للحرية بمفهومها الجديد، يجب توافر عدة متطلبات، وهي من المتطلبات الضرورية لتحقيق تلك الغاية، ومن اهم هذه الضروريات وجوب توافر أماكن للتنفيذ بمعنى تأهيل السجون باعتبارها أماكن لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وقد تطور مفهوم السجن ووظيفته حيث مر بعدة مراحل، فكانت وظيفته عند الرومان تقتصر على أنه مكان يأوي المجرمين قبل و بعد المحاكمة لتأدية العقوبة فقط،، أما بالنسبة لمعاملة المحبوسين فكانت متفاوتة بتفاوت القدرات المالية لهم، وبالتالي لم يكن هناك نظام موحد لمعاملة المحبوسين.
أما عند الفراعنة فكانت السجون عندهم تتميز بزنزانتها المظلمة تحت الأرض أو في حفر خاصة أو أقفاص يصعب الخروج منها، وفي العصور الوسطى خضع تسيير السجون لإدارة ذوي النفوذ وكان كلما إرتفع عدد المساجين كلما ساءت معاملتهم، وفي هذه المرحلة كثرت الجرائم الأخلاقية وانتشرت الأمراض داخل السجون مما دفع بالكنيسة إلى التدخل معتبرة أن المجرم مخطئ وليس منبوذ من المجتمع بل عليه أن يسترد مكانته في المجتمع عن طريق التوبة، ويقتضي من أجل ذلك إعداد مكان صالح يخصص للمحبوس ليطلب فيه التوبة، وهنا ظهرت فكرة السجن الإنفرادي حيث يستعين في ذلك المحبوس بمساعدة دينية يقدمها له رجل دين، وذلك بهدف إصلاحه وتهذيبه.
في أوائل القرن السابع عشر زاد الإهتمام بأمر السجون فظهرت السجون الحديثة في إنجلترا وهولندا، حيث كانت تنظم السجون في إنجلترا أنواعا متعددة من الأعمال يكلف المحبوسين بالقيام بها مقابل إعطائهم أجور عن ذلك العمل بالإضافة إلى اهتمامها بالتكوين المهني، وفي سنة 1595 أنشأ في أمستردام سجن حديث للرجال وآخر خاص بالنساء سنة 1597، وآخر خاص بالأحداث في إيطاليا وفي هذه المرحلة عرفت السجون حركة اهتمام واسعة ساعدت على تبني سياسة الإصلاح في العديد من الدول و المجتمعات للقضاء على مظاهر التعسف والقسوة والفساد داخل السجون.
ومع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر شهدت السجون ثورة عارمة في كلّ أنحاء العالم بغية تحسين ظروف السجن و العناية بالمساجين، و بالتالي بدأ التفكير في شخصية المحبوس
و أساليب حمايته من جهة و عمله داخل السجن من جهة أخرى، و من ثمة تم التخلي عن فكرة أن المحبوس هو إنسان من الدرجة الثانية.
وعليه اتجهت معظم النظم العقابية إلى الإهتمام بطرق وأساليب المعاملة العقابية لاسيما فيما يتعلق بالتربية والتأهيل بالإستناد على علم النفس والإجتماع، من أجل ضمان فعالية طرق العلاج داخل السجون.
وقد تغير مصطلح السجن بتغير الأهداف والصلاحيات المنوطة به، فاصبح مؤسسة عقابية باعتبارها مدرسة للتأهيل والإصلاح الاجتماعي بدل إنزال العقاب دون جدوى.
وفي القرن العشرين انتقل علماء العقاب والباحثون من بحث فكرة تعدد أنواع السجون ونظمها إلى تعدد أساليب المعاملة العقابية، أي البحث في فلسفة الإصلاح وهذا ما تطرق إليه المفكر اديمونرو اوليفيرا بقوله:” إن اصلاح السجون يستدعي توجه جديد يقضي أن يقوم على قاعدة، في الوقت الذي يعاقب فيه المخطئ على خطيئته يتم تربيته من اجل ان يكون مواطنا صالحا “.
وبصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية ولاسيما المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية التي نصت على ضرورة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في إطار الكرامة الإنسانية بمعنى الحث على أنسنة السجون، وهذا ما جاءت به قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين في 30/ 08/1955 وهي القواعد التي صادق عليها المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة في الدورة المنعقدة في جونيف بتاريخ: 31/ 07/1957.
وفي سنة 1988 تم وضع مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الاشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإحتجاز أو السجن، أما في سنة 1990 وبالتحديد في: 14/ 12/1990 وضعت المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، وهي مجموع المبادئ والقواعد التي استند إليها المشرع الجزائري في سنّه لقانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين بموجب الأمر رقم 72/ 02 الصادر في 10/ 02/1972.
لكن ونظرا للتطورات التي عرفتها المنظومة التشريعية في إطار إصلاح العدالة، و باعتبار قطاع السجون إحدى أهم المرافق التي تعتمد عليها الدولة في حماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية، لذلك فقد تبنى المشرع منهجا جديدا يتمثل في تحقيق إعادة إدماج المحبوس و إصلاحه وتحضيره إلى مرحلة ما بعد الإفراج عنه.
لذلك صدر قانون 05/ 04 في 06 فيفري 2005 ليتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين، حيث جاء بسياسة عقابية جديدة تتضمن العديد من الضمانات والحقوق التي يتمتع بها المحبوس داخل المؤسسة العقابية.
بالإضافة إلى تدعيم الدور الفعال الذي تقوم به المؤسسات العقابية، باعتبارها الأداة أو الجهاز الذي تتجسد بواسطته الأهداف الجديدة للسياسة العقابية.
هذه المؤسسات العقابية التي نص على تنظيمها وسيرها بالفصل الأول من هذا القانون، حيث يندرج منه الباب الثالث تحت عنوان المؤسسات العقابية وأوضاع المحبوسين، فعرف لنا المؤسسة العقابية بموجب نص المادة 25 منه على أنها: ” مكان للحبس تنفذ فيه وفقا للقانون العقوبات السالبة للحرية والأوامر الصادرة عن الجهات القضائية والإكراه البدني عند الإقتضاء”.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
وتأخذ المؤسسة العقابية شكلين إما شكل البيئة المغلقة أوشكل البيئة المفتوحة، وهي الأشكال التي سوف نأتي إلى تفصيلها في الفصل الثاني عند التطرق إلى دور المؤسسة العقابية في إعادة إدماج المحبوس.
كما نص المشرع الجزائري في المادة 28 من قانون تنظيم السجون على تصنيف مؤسسات البيئة المغلقة إلى مؤسسات ومراكز متخصصة كما يلي:
أولا: المؤسسات:
1 – مؤسسة الوقاية: وهي المؤسسة التي نجدها بدائرة اختصاص كل محكمة و تخصص لاستقبال المحبوسين مؤقتا، و المحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية لمدة تساوي أو تقل عن سنتين، كما تخصص لاستقبال المحبوسين الذين بقي لانقضاء مدة عقوبتهم سنتان أو أقل، والمحبوسين لإكراه بدني.
2 – مؤسسة إعادة التربية: وهي التي نجدها بدائرة اختصاص كل مجلس قضائي، وتخصص لاستقبال المحبوسين مؤقتا، والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية تساوي أو تقل عن خمس سنوات، ومن بقي منهم لانقضاء عقوبته خمس سنوات أو أقل وكذلك المحبوسين لإكراه بدني.
3 – مؤسسة إعادة التأهيل: وهي مخصصة لحبس المحكوم عليهم نهائيا بعقوبة الحبس لمدة تفوق خمس سنوات وبعقوبة السجن، وكذلك المحكوم عليهم معتادي الإجرام والخطرين، مهما تكن مدة العقوبة المحكوم بها عليهم وكذلك المحكوم عليهم بالإعدام.
ثانيا: المراكز المتخصصة: وتنقسم إلى قسمين:
1 – مراكز متخصصة للنساء: وهي مخصصة لاستقبال النساء المحبوسات مؤقتا، والمحكوم عليهن نهائيا بعقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها، وكذلك المحبوسات لإكراه بدني.
2 – مراكز متخصصة للأحداث: وهي متخصصة لاستقبال الأحداث الذين تقل أعمارهم عن ثماني عشر 18 سنة المحبوسين مؤقتا، والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية مهما كانت مدتها.
ونظرا لأهمية الموضوع لاسيما في إطار التوجهات الجديدة للمشرع في تحقيق إعادة الإدماج الاجتماعي كهدف إصلاحي للمحبوس الذي عرف إهتماما واسعا بداية بتدعيم حقوقه داخل المؤسسة العقابية، وتحسين ظروف احتباسه وتطوير أنظمة الإحتباس.
بالإضافة إلى تدعيم النشاطات التربوية التي يستفيد منها المحبوس أثناء الفترة التي يتواجد فيها بالمؤسسة إلى حين إنقضاء مدة العقوبة، بغرض تأهيله إلى مرحلة ما بعد الإفراج عنه، كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع جاء بميكانيزمات جديدة هدفها إعادة الادماج الإجتماعي للمحبوسين، وعليه سوف نجيب في هذا البحث على أهم الإشكاليات و هي:
– ما هي أبعاد وقواعد السياسة العقابية الجديدة؟
– وما هي أهم التعديلات التي جاء بها قانون تنظيم السجون 05/ 04؟
– وفي ماذا تتجسد ميكانيزمات إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين؟
– هل تعتبر المؤسسة العقابية فعلا أداة لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن التعديلات الجديدة؟
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
– هل للمؤسسة العقابية دور في إعادة إدماج المحبوس في المجتمع؟
كل هذه الإشكاليات سوف نتطرق للإجابة عليها وفقا للخطة التالية:
الخطة المتبعة:
مقدمة
الفصل الأول: السياسة العقابية الجديدة في ضوء قانون تنظيم السجون05/ 04.
المبحث الأول: سياسة إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
المطلب الأول: قواعد إعادة التربية والإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
المطلب الثاني: أنظمة إعادة الإدماج.
المطلب الثالث: أهمية إعادة التربية والإدماج الإجتماعي
المبحث الثاني: ميكانيزمات إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين
المطلب الأول: لجنة تطبيق العقوبات.
المطلب الثاني: لجنة تكييف العقوبات.
المطلب الثالث: اللجنة الوزارية المشتركة.
الفصل الثاني: دور المؤسسة العقابية كأداة لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن السياسة العقابية الجديدة.
المبحث الأول: دور المؤسسة العقابية في إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
المطلب الأول: دور البيئة المغلقة في إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
المطلب الثاني: دور البيئة المفتوحة في إعادة الإدماج.
المطلب الثالث: دور الورشات الخارجية في مدى إعادة الإدماج.
المبحث الثاني: دور المؤسسة العقابية في إصلاح المحبوسين
المطلب الأول: النشاطات التربوية بالمؤسسة العقابية.
المطلب الثاني: تدعيم حقوق المحبوسين و طرق كفالتها.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
الفصل الأول: السياسة العقابية الجديدة في ضوء قانون تنظيم السجون 05/ 04
إن أسلوب تطبيق الجزاء الجنائي في المؤسسات العقابية يمثل نظاما قائما بذاته له فلسفة خاصة وشروط مقننة وأسس محددة وأهداف مرجوة، وهذا ما يؤكد أن نظام العقاب هو منظومة بحجم المنظومات الأخرى التي تحتاج بدورها إلى الكثير من العناية وتتطلب الإصلاح.
ولعل تاريخ الفكر الجنائي شهد الكثير من الإنجازات التي ساهم بها مفكرون وباحثون و مشرعون في مجال تطوير أساليب رد الفعل الإجتماعي اتجاه المحكوم عليهم، وطريقة إعادة تربيتهم وإعادة إدماجهم اجتماعيا، وكما نعلم أن الجزائر أعلنت دائما تمسكها بالحريات الفردية ومبدأ المساواة في العقوبات التي تخضع في تطبيقها والمحافظة عليها للسلطة القضائية، وهي ترى أن تنفيذ العقوبة يهدف أساسا إلى إصلاح المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم الإجتماعي مستوحية ذلك من توصيات منظمة الأمم المتحدة الخاصة بالقواعد المطبقة في معاملة المساجين.
ومن هنا بات لزاما على الدولة رسم سياسة عقابية جديدة واضحة المعالم للتكفل الأمثل بالمحبوسين متبنية في ذلك مبدأ الإصلاح والإدماج الاجتماعي للمحبوسين على أسس علمية حديثة وفق ما تصبوا أن ترتقي إليه البشرية، لذلك فإن الأحكام الجديدة الواردة في قانون تنظيم السجون وإعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين 05/ 04 هي تجسيدا لسياسة الإصلاح، فما هي أهم القواعد والأنظمة المنتهجة وفقا للتعديلات الجديدة؟
وما هي الآليات المسخرة لتنفيذها؟
تلك هي الأسئلة التي سنجيب عليها من خلال المبحث الأول وكذلك المبحث الثاني كما يلي:
المبحث الأول: سياسة إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين
بالرجوع إلى نص المادة الأولى من قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين نجدها تنص على أنه:
” يهدف هذا القانون إلى تكريس مبادئ وقواعد لإرساء سياسة عقابية قائمة على فكرة الدفاع الإجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية
والإدماج الإجتماعي للمحبوسين”.
نستخلص أن المشرع وضع سياسة عقابية جديدة، لها أسس وتقوم على قواعد وفق أنظمة جديدة، نظرا لما لها من أهمية في إعادة الإدماج الاجتماعي الفعلي للمحبوسين، وفيما يلي سوف نتطرق إلى هذه القواعد وتبيان أهم أنظمة إعادة الإدماج، وتقييم ما مدى أهميتها.
المطلب الأول: قواعد إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي
لقد اعتمد المشرع الجزائري اتجاها وسطيا في سن قانون العقوبات وكان ما بين الاتجاه الشخصي الذي يعتمد على مبدأ المسؤولية الأخلاقية وبين الاتجاه الموضوعي الذي يرتكز على المسؤولية الإجتماعية، وذلك فيما يتعلق بتقرير المسؤولية الجنائية وتحديد الجرائم
وتوقيع الجزاء وتبيان وظيفته والاهتمام بشخص الجاني.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
أما عن السياسة العقابية الحديثة فقد تمسك بوضوح وبصفة صريحة بمبادئ الدفاع الاجتماعي (1).
حيث اعتمد على أهم أساليبها وأحدثها ضمن قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين، بالأمر 72/ 02 الصادر في 10 فيفري 1972.
إذ جعل تنفيذ الأحكام الجزائية وسيلة للدفاع الإجتماعي، والعلاج العقابي وتشخيص المعاملة العقابية هي الأسس التي يرتكز عليها نظام تنفيذ العقوبات، لذلك يكون قد رسم لتنفيذ الجزاءات الجنائية هدفا أساسيا يتمثل في تحقيق إعادة التأهيل الإجتماعي للمحكوم عليه.
وبالتالي فإن إعادة التأهيل الإجتماعي للمحبوس كان هو هدف المشرع سابقا.
أما حاليا وبناء على التوجهات الجديدة لبرنامج إصلاح السجون الذي احتل حيزا كبيرا في برنامج إصلاح العدالة فقد عرف تطورا ملحوظا في الأسس الجديدة لإعادة التربية والإدماج الاجتماعي والتي تتجلى أساسا فيما يلي:
الفرع الأول: في مجال إعادة تكييف المنظومة التشريعية و التنظيمية:
لعل القاعدة الأولى التي تقوم عليها السياسة العقابية الجديدة هي تلك المتعلقة بصدور قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين في 06/ 02/2005 والذي كان مجرد مشروع قانون، فإنه أصبح ساري المفعول والذي نص على أهم الأسس وتتمثل في:
– توسيع صلاحيات إدارة السجون للتحكم اكثر في أمن المؤسسات وعصرنة تسييرها. (2)
– رد الإعتبار لوظيفة قاضي تطبيق العقوبات وتوسيع صلاحياته في البت في عدة مواضيع.
– دعم التدابير المنظمة لأنسنة شروط الحبس ومعاملة المحبوسين.
– ترقية آليات إعادة التربية وإعادة الإدماج وذلك عن طريق إدخال المرونة في الإجراءات الخاصة بالاستفادة من أنظمة إعادة التربية، وإحداث مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون تتولى متابعة المفرج عنهم ومساعدتهم في إعادة الإدماج.
– تفتح المؤسسات العقابية على المجتمع المدني والجمعيات و هيئات البحث العلمي والجمعيات الخيرية (3).
(1) أ- طاشور عبد الحفيظ، دور قاضي تطبيق الأحكام القضائية الجزائية، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 2001، ص 87.
(2) عن المداخلة التي ألقاها السيد مختار فليون المدير العام لإدارة السجون و إعادة الإدماج، في إطار الندوة الوطنية حول إصلاح العدالة المنعقدة يومي 28 و29 مارس 2005 بقصر الأمم، نادي الصنوبر، الجزائر.
(3) حيث تم إبرام اتفاقية مع الجمعية الجزائرية لمحو الأمية “إقرأ” بتاريخ 19/ 02/2001.
و اتفاقية مع الكشافة الإسلامية بتاريخ 09/ 07/2003.
و بتاريخ 02/ 10/2003 تم إبرام اتفاقية مع جمعية ” أمل ” لمساعدة المساجين.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
الفرع الثاني: تحسين وأنسنة ظروف الحبس:
وفي هذا المجال تمّ:
– فتح 8 مؤسسات عقابية جديدة لتخفيض الضغط على بعض المؤسسات بطاقة استعاب تقدر بـ 4400 مكان احتباس.
– رفع كلفة الوجبة الغذائية للمحبوس.
– تجهيز المؤسسات بأفرشة وأغطية غير قابلة للإشتعال لتفادي الحرائق داخل المؤسسات العقابية.
– دعم المؤسسات بسيارات إسعاف و حافلات مهيأة لنقل المحبوسين.
– اقتناء تجهيزات طبية ورفع الاعتمادات المخصصة لاقتناء الأدوية.
– تعزيز صلاحيات مدراء وضباط إدارة السجون من أجل اتخاذ التدابير الملائمة (1).
– تشجيع زيارات المنظمات غيرا لحكومية ووسائل الإعلام للإطلاع على أوضاع المؤسسات العقابية.
وفي هذا الإطار تم تنظيم سلسلة من 19 زيارة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على مستوى عدد معتبر من المؤسسات العقابية (2).
بالإضافة إلى ذلك فإن إدارة المؤسسات العقابية هي الأخرى عرفت اهتماما و تطورا ملحوظا لاسيما من خلال اعتماد تكنولوجيات الإتصال والإعلام في أعمالها وذلك بغرض تثمين تسيير الجمهور العقابي، وتحقيق النجاعة والفعالية في تسيير مصالحها الإدارية والمالية، بما يسهم في تجسيد مهامها الرئيسية المتمثلة في تحقيق هدف إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين ضمن إستراتيجية مكافحة الجريمة وتقليص حالات العود.
وفي إطار سياسة إعادة الإدماج تم تعبئة التعاون الدولي، بإبرام عدة إتفاقيات دولية مع هيئات مختلفة حيث تمت الإستفادة من خدمات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي ساهم في إنجاز مؤسسة نموذجية لإعادة إدماج المحكوم عليهم على مستوى مدينة بسكرة، التي تعد مكسبا لقطاع السجون في الجزائر، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته اللجنة الأوروبية في مجال تنظيم دورات تكوينية لفائدة موظفي السجون واقتناء تجهيزات تربوية لفائدة المحبوسين (3).
كما تم اعتماد نظام الزيارة المقربة للأحداث والنساء، وتخصيص ظروف احتباس أكثر ملائمة للنساء الحوامل والمرضعات من حيث التغذية، الرعاية الصحية، بالإضافة إلى إعادة تكييف الأحكام المتعلقة بمعاملة الأحداث المحبوسين.
(1). بالرجوع إلى نص المادة 171 من قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، فقد خولت لمديري ضباط إدارة السجون صلاحيات ضباط الشرطة القضائية أثناء ممارستهم لمهامهم عند وقوع جرائم ترتكب داخل المؤسسة العقابية أو خارجها.
(2) – نشرة القضاة، العدد 61، الجزء الأول، نشرة قانونية تصدرها مديرية الدراسات القانونية و الوثائق، وزارة العدل، ص 37.
(3) – مقطع من الكلمة التي ألقاها السيد وزير العدل حافظ الأختام بمناسبة افتتاح الملتقى الدولي حول عصرنة قطاع السجون، الذي انعقد بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية يومي 19 و 20 جانفي 2004 بالجزائر.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
المطلب الثاني: أنظمة إعادة الإدماج
جاء قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين بأحكام جديدة تهدف إلى إعادة إدماج المحبوس في المجتمع، ولعل أهم هذه الأنظمة هي نظام الإفراج المشروط، ونظام الحرية النصفية وكذا إجازة الخروج وهو ما سنتطرق إليه بالتفصيل في عدة فروع.
الفرع الأول: نظام الإفراج المشروط
هو ذلك النظام الذي يسمح من خلاله بإطلاق سراح المحكوم عليه الموقوف قبل انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها عليه مقابل الموافقة على شروط، وقد ظهر هذا النظام قديما حيث عرف في الإمبراطورية النمساوية، ثم انتشر ليشمل معظم التشريعات في العالم.
حيث قام الدكتور”غابريال ميرابو” في نهاية القرن 18 بدراسة حول نظام الإفراج المشروط و تقدم بها إلى الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1847، طبق أول مرة في فرنسا في 15/ 08/1885، و قد سبقتها إنجلترا في تطبيقه سن 1803 لينتقل بعد ذلك إلى البرتغال و ألمانيا (1).
و أخذ به المشرع الجزائري من خلال قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج للمحبوسين في الفصل الثالث من الباب السادس في المواد من 134 إلى 150، وبالتالي فهو يعد منحة اجازها المشرع، وجعلها مكافأة يجازى بها المحبوس الذي تتوفر فيه شروط شكلية وأخرى موضوعية.
أولا: الشروط الشكلية
فتتمثل في وجوب تقديم طلب من المحبوس شخصيا أو ممثله القانوني، أو في شكل اقتراح من قاضي تطبيق العقوبات أو مدير المؤسسة العقابية وهو ما نصت عليه المادة 137 من قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، ليقوم بعد ذلك قاضي تطبيق العقوبات بإحالة الطلب والاقتراح على لجنة تطبيق العقوبات للبت فيه (2).
أما المادة 139 تنص على تلك الضمانة التي منحها المشرع للحدث المحبوس إذا قدم طلب الإفراج المشروط وهي المتمثلة في وجوب عضوية قاضي الأحداث عند تشكيل لجنة تطبيق العقوبات.
(1) – د. علي عبد القادر القهوجي، علم الإجرام و علم العقاب، الدار الجامعية بالإسكندرية و بيروت العربية، 1995، ص 340.
(2) – ارجع نص المادة 138 من القانون 05/ 04 المؤرخ في 27 ذي الحجة عام 1425 الموافق ل 6 فيفري 2005 المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
وذلك بصفته رئيس لجنة إعادة التربية وكذا مدير مركز إعادة تربية وإدماج الأحداث،
وشترطت المادة 140 من قانون تنظيم السجون على أن يتكون ملف الإفراج المشروط وجوبا على تقرير مسبب لمدير المؤسسة أو مدير المركز (1).
حسب الحالة حول السيرة والسلوك والمعطيات الجدية لضمان استقامته.
ويصدر قاضي تطبيق العقوبات إذا كان باقي العقوبة يساوي أو يقل عن 24 شهرا (2).
كما يمكن لوزير العدل أن يصدر مقرر الإفراج المشروط إذا كان باقي العقوبة أكثر من سنتين طبقا لنص المادة 142 من قانون تنظيم السجون بالقانون 05/ 04.
ثانيا: الشروط الموضوعية
ونصت عليها المادة 134 وهي تتعلق في مجملها بصفة المستفيد، ومدة العقوبة التي قضاها والمحكوم بها عليه وهي:
– أن يكون محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية.
– حسن السيرة و السلوك مع إظهار ضمانات إصلاح حقيقية.
– المحبوس المبتدئ تحدد فترة الإختبار بنصف العقوبة.
– المحبوس المعتاد تحدد فترة الإختبار بثلثي العقوبة المحكوم بها عليه على أن لا تقل عن سنة واحدة.
– وتكون فترة الإختبار للمحبوس المحكوم عليه بعقوبة السجن المؤبد بـ 15 سنة.
– ويمكن أن يستفيد من نظام الإفراج المشروط دون شرط فترة الإختبار، وذلك لأسباب صحية إذا كان المحبوس مصابا بمرض خطير أو إعاقة دائمة تتنافى مع بقائه في المؤسسة العقابية طبقا لنص المادة 148 قانون تنظيم السجون.
و لعل من أهم أهداف نظام الإفراج المشروط وفق التعديلات الجديدة في قانون تنظيم السجون هو إطلاق سراح المحكوم عليه الذي استوفت فيه الشروط السالفة الذكر، وذلك بإعفائه من قضاء العقوبة المتبقية له، والغاية من ذلك هي مساعدة المحبوس على إعادة إدماجه إجتماعيا.
(1) – يقصد بالمركز هنا هو مركز إعادة التربية و إدماج الأحداث.
2) – وما هذا إلا توسيعا لسلطات قاصي تطبيق العقوبات، الذي لم تكن له صلاحية النظر في هذه الطلبات، بل كانت سلطة اتخاذ قرار الإفراج المشروط تقتصر فقط على وزير العدل دون سواه و ذلك في ظل قانون تنظيم السجون لسنة 1972.
الفرع الثاني: نظام الحرية النصفية
حسب نص المادة 104 فإن نظام الحرية النصفية يقصد به وضع المحبوس المحكوم عليه نهائيا خارج المؤسسة العقابية خلال النهار منفردا دون حراسة أو رقابة الإدارة ليعود إليها مساء كل يوم.
وتتجلى الغاية من الإستفادة من نظام الحرية النصفية للمحبوس في تمكينه من تأدية عمل أو مزاولة دروس في التعليم العام أو التقني أو متابعة دراسات عليا أو تكوين مهني، حسب ما نصت عليه المادة 105 من نفس القانون.
ويستفيد من هذا النظام:
– كل محبوس المحكوم عليه المبتدئ الذي بقي على انقضاء عقوبته 24 شهرا.
– المحكوم عليه الذي سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية وقضى نصف العقوبة وبقي على انقضائها مدة لا تزيد عن 24 شهرا.
حيث يوضع المحبوس في نظام الحرية النصفية بموجب مقرر يصدره قاضي تطبيق العقوبات بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات مع إشعار المصالح المختصة بوزارة العدل (1).
ويلتزم المحبوس المستفيد من نظام الحرية النصفية بمجموعة من الالتزامات أهمها:
إمضاء تعهد كتابي وفقا لنص المادة 107 يلتزم بموجبه باحترام الشروط المنصوص عليها في مقرر الإستفادة، خاصة فيما يتعلق بسلوكاته خارج المؤسسة وحضوره الحقيقي في أماكن العمل أو الدراسة أو التكوين ومواظبته واجتهاده، وكذا تحديد أوقات الدخول والخروج بالإضافة إلى التزامه بالرجوع إلى المؤسسة في كل مساء طبقا لنص المادة 104 من قانون تنظيم السجون، وقد يؤذن في هذا الإطار المحبوس المستفيد من نظام الحرية النصفية بحمل مبالغ من المال تدفع له بكتابة ضبط المحاسبة لأداء مصاريف النقل مثلا أو عند العودة
وإعادة الباقي منها عند اللزوم (2).
ويمكن القول أن نظام الحرية النصفية يعتبر من بين أهم الأنظمة وأفضلها لكونه يساهم في عملية ادماج المحبوسين خصوصا إذا طبق هذا الأخير في مجال المهين والتكوين المهنيين، وبالأخص المحبوسين الذين لهم مستوى دراسي معين ومتعادي الإجرام، الأمر الذي يسمح لهم باكتساب مهن وحرف تساهم على إبعادهم على عالم الإجرام، بشرط أن تتناسب هذه المهن والحرف مع مؤهلاتهم وإمكانياتهم المادية ومتطلبات سوق العمل.
كما نجد لهذا النظام فائدة عملية قصوى تتجلى في التغير التدريجي لنمط حياة المحبوس نهارا خارج المؤسسة مع الشغل أو الدراسة أو التكوين والمبيت ليلا داخلها.
(1) – ارجع إلى نص المادة 106 من قانون تنظيم السجون
(2) -مقرر قانون تنظيم السجون، يتضمن المحاضرات التي ألقيت على طلبة المدرسة الوطنية لإدارة السجون بسور الغزلان، سنة 2006/ 2007.
الفرع الثالث: نظام إجازة الخروج
ويقصد بهذا النظام منح مكافأة للمحبوس حسن السيرة والسلوك أقصاها 10 أيام دون حراسة حيث تنص المادة 129 على أنه: ” يجوز للقاضي تطبيق العقوبات، بعد أخذ رأي لجنة تطبيق العقوبات مكافأة المحبوس حسن السيرة والسلوك المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية تساوي 3 سنوات أو تقل عنها بمنحه إجازة الخروج من دون حراسة لمدة أقصاها 10 أيام،
و يمكن أن يتضمن مقرر منح إجازة الخروج شروط خاصة، تحدد بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام “.
و ما يمكننا قوله في هذا الصدد أن نظام إجازة الخروج جاء به قانون 05/ 04 لأول مرة ولم يكن منصوص عليه من قبل في قانون تنظيم السجون الصادر في سنة 1972.
و يمكننا ان نعبر هذا النظام بمثابة عطلة تمنح للمحبوس مدتها 10 أيام دون أي حراسة، يغادر بمناسبتها المحبوس المؤسسة العقابية للإتجاه إلى مكان محدود ومعلوم يقيد في مقرر إجازة الخروج (1).
و يشترط في المستفيد من هذا النظام أن يكون:
– محكوم عليه نهائيا وحسن السيرة والسلوك
– محكوم عليه بعقوبة تساوي أو تقل عن 3 سنوات
و تمنح الإجازة بموجب مقرر صادر عن قاضي تطبيق العقوبات بعد أخذ رأي لجنة تطبيق العقوبات، مع الملاحظة أنه يمكن الطعن في هذا المقررولا إلغاؤه إلا في حالة إخطار وزير العدل لجنة تكييف العقوبات التي تفصل في هذا الإخطار في مدة لا تتجاوز 30 يوما.
وعليه نخلص إلى القول أن أنظمة إعادة الإدماج السالفة الذكر ليست مجرد حبر على ورق جاء بها المشرع الجزائري، وإنما هي سياسة انتهجها المشرع وتم تنفيذها على ارض الواقع والتي أعطت نتائج إيجابية في الوسط العقابي، لا سيما وأن حصيلة نشاط تطبيق مختلف هذه الأنظمة من سنة 2005 إلى غاية سنة 2006 أثبتت أنه تم تسجيل إستفادة:
– 4557 مستفيد من نظام الإفراج المشروط
– 891 مستفيد من نظام الحرية النصفية
– 4016 مستفيد من نظام إجازة الخروج
– وبلغ عدد المفرج عنهم المدمجين في إطار الأنشطة ذات المنفعة العامة 510 مستفيد.
(1) محاضرة بعنوان ” نظام السجون في الجزائر ” ألقيت من المدير الفرعي لمديرية البحث وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوس، للأستاذ بن عيسى علي، على طلبة مدرسة الشرطة بعنابة، جوان 2007.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
المطلب الثالث: أهمية إعادة التربية و الإدماج الإجتماعي
تكتسي السياسة العقابية المنتهجة في ظل قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين أهمية قصوى، وذلك بالنظر إليها من عدة زوايا فبالنسبة للهيكلة البشرية للمؤسسة العقابية فإنه يجدر بالقائمين عليها القيام بمهامهم على أكمل وجه من أجل تحقيق إعادة الإدماج هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن المشرع وفقا للتعديلات الجديدة فقد وسع من صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات حيث خول له الإشراف على العديد من أنظمة إعادة الإدماج مقارنة مع مهامه قبل التعديل (1).
كما تتجلى أهمية إعادة التربية والإدماج الاجتماعي بالنسبة للمحبوسين أنفسهم باعتبارهم محل تنفيذ هذه السياسة، وبذلك فالمحبوس يعد طرفا أصليا في العملية العلاجية، حيث ينتظر من ورائها الخروج من دائرة الجريمة، والإنضمام إلى دائرة الإصلاح من أجل الحصول على مكانة داخل المجتمع دون أن ينبذ او يهمش بعد الإفراج عنه، وذلك بتشبعه بالقيم الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فإن سياسة إعادة الإدماج تعد وسيلة فعالة لمكافحة ظاهرة العود إلى الجريمة في نفس الوقت وسيلة يحتمي بها المجتمع ضد المجرمين، وفي هذا السياق فإن إصلاح قطاع السجون يهدف إلى جعل المؤسسات العقابية فضاءات للتربية والتأهيل
والإصلاح تؤدي وظيفة تحضير المحبوس لإعادة إدماجه في المجتمع بعد قضاء العقوبة السالبة لحرية و العمل على أن لا تكون مدرسة لتعليم الإجرام والإنحراف، وهي ضاهرة التي لاحظناها لدى بعض المحبوسين، وذلك نظرا لإحتكاك المحبوس مع المجرمين المحترفين، لاسيما ما يقع من تجاوزات وأفعال لا أخلاقية كالشذوذ الجنسي لبعض المحبوسين.
وعليه فإن العقوبة في ظل التعديلات الجديدة هي وسيلة لحماية المجتمع عن طريق إعادة التربية والإدماج وليست مجرد إنتقام من المجرم المحبوس، والغاية في ذلك هي تفادي عودة المحبوس المفرج عنه وحمايته من العودة إلى ارتكاب جريمة أخرى وانتكاسه في عالم الإجرام، حتى لا يكون العود والانتكاس عائق أو حاجز يتسبب في فشل سياسة الإدماج (2).
—————————————————————————
(1) – كان يسمى قاضي تطبيق العقوبات وفقا لقانون تنظيم السجون لسنة 1972 قاضي تطبيق الأحكام الجزائية، الذي كانت سلطاته تقتصر على مراقبة عملية إعادة التأهيل الإجتماعي مع إمكانية تقديم بعض الإقتراحات حولها، لتضيق سلطته في إتخاذ القرار نظرا لعدة اعتبارات.
(2) – محاضرات حول ظاهرة العود بعنوان هل العود فشل لإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين؟،ألقيت من طرف الأستاذ أحمد غاي، خلال المنتدى الوطني الأول حول دور المجتمع المدني في إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين، بفندق الرياض، الجزائر، يومي 12 و 13 نوفمبر 2005.
لا سيما وأن انتكاس المحبوس والعودة مرة أخرى إلى عالم الجريمة يدل على أنه ذو خطورة إجرامية في لم تفلح برامج الإصلاح والتربية في إصلاحه، وقد يدل على أن درجة الخطورة في نفسه بلغت الحد الذي أصبح فيه غير قابل للإصلاح.
بل ينبغي معاملته معاملة خاصة بإخضاعه لتدابير خاصة بإيداعه في مراكز متخصصة إصلاحية أو علاجية، وقد يعود سبب انتكاس المحبوس وعودته إلى الأجرام إلى عدم ملائمة البرامج الإصلاحية والتأهيلية التي كانت منتهجة من قبل، لذلك نجد المشرع ولهذه الأسباب ولغيرها لجأ إلى سياسة عقابية جديدة تهدف أساسا إلى إعادة إدماج المحبوس في مجتمعه لذلك تم تفعيل آليات تطبيق هذه السياسة، من خلال منح صلاحيات واسعة لعدة لجان سوف نأتي إلى تفصيلها في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: ميكانيزمات اعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين
إن السياسة العقابية الجديدة التي تبناها المشرع الجزائري بموجب قانون تنظيم السجون 05/ 04 وبهدف تحقيق الأهداف المسطرة بإعادة إدماج المحبوسين إجتماعيا للقضاء على الظاهرة الإجرامية أو على الأقل مكافحتها، لذلك ومن أجل تفعيل هذه السياسة التي تعتمد على مساهمة عدة هيئات وجهات، جاء القانون بالنص على آليات تتمثل في:
– لجنة تطبيق العقوبات
– لجنة تكييف العقوبات
– اللجنة الوزارية المشتركة
– لجنة إعادة التربية
– المصالح الخارجية لإدارة السجون المكلفة بإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
و فيما يلي سوف نأتي إلى تفصيل صلاحيات هذه اللجان كما يلي:
المطلب الأول: لجنة تطبيق العقوبات
تعد لجنة تطبيق العقوبات إحدى الآليات الفعالة المحدثة بالقانون 05/ 04، نظرا للدور الفعال الذي تلعبه في تطبيق سياسة إعادة الإدماج، ونظرا لأهميتها سوف نتطرق إلى التعريف بها و تشكيلتها وكذلك التطرق إلى صلاحياتها المنوطة بها.
الفرع الأول: تعريف لجنة تطبيق العقوبات
بالرجوع إلى قانون تنظيم السجون 05/ 04 نجد المشرع أورد لجنة تطبيق العقوبات في الفصل الثالث من الباب الثاني تحت عنوان مؤسسات الدفاع الاجتماعي، وبذلك تكون هذه اللجنة إحدى مؤسسات الدفاع الإجتماعي، وفقا للتعديلات الجديدة حيث تنص المادة 24 من هذا القانون على أنه: ” تحدث لدى كل مؤسسة وقاية وكل مؤسسة إعادة التربية، وكل مؤسسة إعادة التأهيل، وفي المراكز المخصصة للنساء، لجنة تطبيق العقوبات”.
هذه اللجنة التي يرأسها قاضي تطبيق العقوبات، أوجب المشرع إنشاؤها على مستوى كل مؤسسة عقابية مهما كان نوعها وذلك نظرا للصلاحيات التي خولت لها، وفي سبيل تجسيد هذه اللجنة على أرض الواقع تم إصدار مرسوم تنفيذي رقم 05/ 180في 17 ماي 2005 ليحدد تشكيلها وكيفيات سيرها، حيث تتشكل هذه اللجنة من: (1).
– قاضي تطبيق العقوبات رئيسا
– مدير المؤسسة العقابية أو المركز المتخصص للنساء حسب الحالة
– المسؤول المكلف بإعادة التربية
– رئيس الإحتباس
– مسؤول كتابة الضبط القضائية بالمؤسسة العقابية
– طبيب المؤسسة العقابية
– الأخصائي في علم النفس بالمؤسسة العقابية
– مرب من المؤسسة العقابية
– مساعدة اجتماعية من المؤسسة العقابية
و يعين الطبيب والأخصائي النفساني والمربي والمساعدة الاجتماعية بموجب مقرر من المدير العام لإدارة السجون لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد.
وتتوسع اللجنة إلى عضوية قاضي الأحداث عندما يتعلق الأمر بالبت في طلبات الإفراج المشروط للمحبوس من الأحداث، وذلك بصفته رئيس لجنة إعادة تربية الأحداث وكذا بصفته مدير مركز إعادة تربية و إدماج الأحداث.
كما يعين النائب العام لدى المجلس القضائي كاتب ضبط يتولى تسيير أمانة اللجنة تحت سلطة قاضي تطبيق العقوبات، حيث يتولى حضور اجتماعات اللجنة ويقوم بتحرير محاضرها وتسجيل مقرراتها وتبليغها، بالإضافة إلى تسجيل البريد والملفات، وتلقي الطعون وطلبات المحبوسين.
و تنفيذا للصلاحيات التي خولها لها المشرع فإنها تجتمع مرة كل شهر، كما يمكنها أن تجتمع كلما دعت الضرورة إلى ذلك بناء على استدعاء من رئيسها أو بطلب من مدير المؤسسة العقابية.
وبذلك تتخذ اللجنة مقرراتها بأغلبية الأصوات، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس.
وبعد تعريفنا للّجنة سوف نتطرق إلى المهام الموكلة لها في إطار الدور الإصلاحي المخول لها بموجب قانون 05/ 04 فيما يلي:
(1) – ارجع إلى نص المادة 2 من المرسوم التنفيذي 05/ 180، المحدد لتشكيلة لجنة تطبيق العقوبات و كيفيات سيرها الصادر في 17 ماي 2005،الجريدة الرسمية لسنة 2005، العدد 35.
الفرع الثاني: صلاحيات لجنة تطبيق العقوبات
بالرجوع إلى الفقرة الثانية من نص المادة 24 من قانون تنظيم السجون، نجد المشرع ينص على الصلاحيات المخولة للجنة تطبيق العقوبات، حيث تختص بترتيب وتوزيع المحبوسين حسب وضعيتهم الجزائية وخطورة الجريمة المحبوسين من أجلها، وجنسهم
وسنهم و شخصيتهم، ودرجة استعدادهم للإصلاح، وتكمن أهمية هذا الترتيب والتوزيع في اعتبارها الوسيلة المثلى لتحديد فئات المحبوسين حسب معايير علمية وتوزيعهم على أنواع المؤسسات العقابية من أجل تنفيذ برامج إعادة الإدماج التي تختلف باختلاف الفئة المخصصة لها، كما يعتبر التصنيف أداة لتفريد تنفيذ العقوبة الذي يقتضي الملائمة بين الشخصية
والمعاملة العقابية، وبذلك يهدف إلى رسم برنامج للمعاملة سيتمد من عناصر هذه الشخصية إنطلاقا من المعطيات التي كشف عنها الفحص النفسي والطبي الذي يجرى على المحبوس (1).
كما يسهل هذا التصنيف على المؤسسة العقابية تحقيق الأهداف المسطرة الرامية إلى إعادة إدماج المحبوس وإصلاحه وبالتالي تحضيره إلى ما بعد الإفراج.
حيث يتم فصل المحبوسين مؤقتا عن المحبوسين المحكوم عليهم، وفصل النساء عن الرجال بوضعهم في جناح خاص بهن، وكذلك فصل البالغين عن الأحداث، والعائدين عن المبتدئين، وفي هذا الصدد فإنه يتم هذا التصنيف عمليا وفقا لعدة معايير مع مراعاة الطاقة الإستعابية للمحبوسين لكل مؤسسة.
كما تختص لجنة تطبيق العقوبات بمتابعة تطبيق العقوبات السالبة للحرية و البديلة عند الإقتضاء (2).
كما تختص اللجنة بدراسة طلبات إجازات الخروج التي سبق التطرق إليها وكذا طلبات الإفراج المشروط أو الإفراج المشروط لأسباب صحية، بالإضافة إلى طلبات التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة، وهي تلك الطلبات التي تقدم إلى قاضي تطبيق العقوبات من أجل توقيف العقوبة السالبة للحرية لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، إذا كان باقي العقوبة المحكوم بها على المحبوس تقل عن سنة واحدة أو يساويها وإذا ما توافرت إحدى الحالات التالية:
(1) – محاضرات الأستاذ: سالم الكسواني بعنوان تصنيف السجناء في قانون تنظيم السجون و إعادة التربية الجزائري، ملقاة على طلبة كلية الحقوق، الأردن، 1993.
(2) – انظر نص المادة 23 من قانون تنظيم السجون.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
– إذا توفى أحد أفراد عائلة المحبوس
– إذا أصيب أحد أفراد عائلة المحبوس بمرض خطير وأثبت المحبوس أنه المتكفل الوحيد بالعائلة.
– إذا كان زوجه محبوسا أيضا وكان من شأن بقائه في الحبس إلحاق ضرر بالأولاد القصر، أو بأفراد العائلة الاخرين المرضى منهم أو العجزة
– إذا كان المحبوس خاضعا لعلاج طبي خاص
وما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد أن التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة ما هو إلا حكم من بين الأحكام الجديدة التي جاءت بها السياسة العقابية الجديدة في قانون 05/ 04 الغاية منه تحقيق إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين (1).
وتختص اللجنة بدراسة طلبات الحرية النصفية التي سبق وأن تطرقنا إليها أعلاه، بالإضافة إلى دراسة طلبات الوضع في الوسط المفتوح والورشات الخارجية، والتي سوف نأتي بتفصيلها ودراستها من خلال التطرق إلى دور المؤسسة العقابية كأداة لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن السياسة الجديدة وذلك في الفصل الثاني.
ولعل من أهم الصلاحيات التي تتولاها لجنة تطبيق العقوبات هي متابعة تطبيق برامج إعادة التربية من جهة، والسعي إلى تفعيل آلياتها من جهة أخرى.
المطلب الثاني: لجنة تكييف العقوبات
ونتناول في هذا المطلب تعريف اللجنة وتبيان أهم الصلاحيات المخولة لها.
الفرع الأول: تعريف لجنة تكييف العقوبات
وهي لجنة تتواجد على مستوى وزارة العدل يتولى رئاستها قاضي من المحكمة العليا، حيث تنص المادة 143 من القانون 05/ 04 على أنه:” تحدث لدى وزير العدل حافظ الأختام لجنة تكييف العقوبات تتولى عدة مهام “.
حيث صدر المرسوم التنفيذي رقم 05/ 181 المؤرخ 17/ 05/2005 ليحدد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها وتتشكل هذه اللجنة من:
– قاضي من قضاة المحكمة العليا رئيسا
– ممثل عن المديرية المكلفة بإدارة السجون برتبة نائب مدير على الأقل
– ممثل عن المديرية المكلفة بالشؤون الجزائية
– مدير مؤسسة عقابية
– طبيب يمارس بإحدى المؤسسات العقابية
– عضوين يختارهما وزير العدل من بين الكفاءات و الشخصيات التي لها معرفة بالمهام المسندة إلى اللجنة.
(1) – انظر المواد 130، 131، 132، من قانون تنظيم السجون.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
ويعين أعضاء اللجنة بقرار من وزير العدل لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
ويكون مقر اللجنة بالمديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أما عن اجتماعها فإن اللجنة تجتمع مرة كل شهر كما يمكنها أن تجتمع بناءاعلى استدعاء من رئيسها كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وتزود اللجنة بأمانة يتولى تسييرها موظف يعينه المدير العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، تتولى هذه الأمانة القيام بتحضير اجتماعات اللجنة واستدعاء أعضائها وتحرير محاضر اجتماعاتها، مع تسجيل مقررات اللجنة وتبليغها، كما تتلقى الأمانة البريد وملفات الطعون المرفوعة ضد مقررات لجنة تطبيق العقوبات.
بالإضافة إلى تلقيها لطلبات الإفراج المشروط التي يؤول الإختصاص فيها إلى وزير العدل.
وبعد تعريفنا باللجنة وتبيان تشكيلتها وطرق اجتماعها، سوف نتطرق إلى المهام الموكلة لها بموجب نص المادة 143 من قانون تنظيم السجون.
وما تجدر الإشارة إليه أن مقررات اللجنة تعد نهائية و غير قابلة لأي طعن (1).
الفرع الثاني: … صلاحيات لجنة تكييف العقوبات
طبقا لنص المادة 143 من قانون تنظيم السجون:
– تتولى لجنة تكييف العقوبات البت في الطعن المقدم لها من المحبوس أو النائب العام، المتعلق بمقرر التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة، وكذلك الطعن في مقرر رفض التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة طبقا لنص المادة 133 من نفس القانون.
– كما تتولى اللجنة البت في الطعون المتعلقة بمقرارات الإفراج المشروط، والتي يقدمها النائب العام بعد تبليغه عن طريق كتابة ضبط المؤسسة بصدور مقرر الإفراج المشروط،
و له أجل 8 أيام من تاريخ التبليغ، بأن يطعن في هذا المقرر (2).
و تبت لجنة تكييف العقوبات وجوبا في الطعن المرفوع أمامها من النائب العام خلال مهلة 45 يوما ابتداءا من تاريخ الطعن ويعد عدم البت خلالها رفضا للطعن.
– وتفصل اللجنة في الطعون المذكورة في المادة 161 من قانون تنظيم السجون والتي تنص على أنه:” إذا وصل إلى علم وزير العدل أن مقرر قاضي تطبيق العقوبات المتعلق بإجازة الخروج أو بالتوقيف المؤقت لتطبيق العقوبات أو بالإفراج المشروط يؤثر سلبا على الأمن أو النظام العام، فله أن يعرض الأمر على لجنة تكييف العقوبات في أجل أقصاه 30 يوما، و في حالة إلغاء المقرر يعاد المحكوم عليه المستفيد إلى نفس المؤسسة العقابية لقضاء باقي عقوبته.
(1) – ارجع نص المادة 16 من المرسوم 05/ 181 المؤرخ في 8 ربيع الثاني عام 1426 الموافق لـ 17 ماي 2005، يحدد تشكيلة لجنة تكييف العقوبات و تنظيمها وسيرها، الجريدة الرسمية لسنة 2005، العدد 35.
(2) -انظر نص المادة 141 من قانون تنظيم السجون
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
كما تختص لجنة تكييف العقوبات في دراسة طلبات الإفراج المشروط التي يعود اختصاص البت فيها لوزير العدل، حيث تقوم بإبداء رأيها فيها بعد دراستها، وقبل إصداره مقررات بشأنها (1).
كما يمكن للجنة أيضا أن تبدي رأيها في الملفات التي يعرضها عليها وزير العدل طبقا لنص المادة 159 من القانون 05/ 04 وهي تلك المتعلقة بإعفاء المحبوس من بعض أو من كل الشروط الواجب توافرها للإستفادة من أحد أنظمة إعادة التربية والإدماج الاجتماعي، المنصوص عليها في قانون تنظيم السجون، كطلب الإعفاء من شرط فترة الإختبار التي اشترطها القانون في الإستفادة من نظام الإفراج المشروط.
ما يمكن قوله في هذا الصدد فإن لجنة تكييف العقوبات تعتبر بمثابة درجة ثانية أو درجة مراقبة بالنسبة للمقررات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات، ومن خلال الصلاحيات المخولة لهذه اللجنة فإننا نستشف التوجه الجديد للمشرع الجزائري في ضمان تحقيق سياسة إعادة الإدماج وبذلك تعد آلية فعالة في تنفيذ برنامج إعادة التربية وإدماج المحبوس اجتماعيا.
المطلب الثالث: … اللجنة الوزارية المشتركة
ونظرا لأهمية هذه اللجنة سوف نتطرق إلى التعريف بها، ثم تبيان أهم الصلاحيات المنوط بها كما يلي:
الفرع الأول: تعريف اللجنة الوزارية المشتركة:
بصدور قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين 05/ 04 فإن الباب الثاني منه جاء تحت عنوان مؤسسات الدفاع الاجتماعي، ليندرج منه الفصل الأول تحت عنوان اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة تربية المحبوسين وإدماجهم اجتماعيا، حيث نصت المادة 21على أنه:” تحدث لجنة وزارية مشتركة لتنسيق نشاطات إعادة تربية المحبوسين وإعادة إدماجهم الاجتماعي، هدفها مكافحة الجنوح وتنظيم الدفاع الاجتماعي”، ليصدر في نفس السنة المرسوم التنفيذي رقم 05/ 429 في 8 نوفمبر 2005 يحدد تنظيم اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة تربية المحبوسين وإعادة إدماجهم الاجتماعي ومهامها وسيرها، ليتم فيما بعد تنصيب هذه اللجنة من طرف السيد وزير العدل حافظ الأختام بتاريخ 30/ 01/2006.
(1) – ارجع إلى نص المادة10من مرسوم التنفيذي 05/ 181
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
يرأس هذه اللجنة وزير العدل حافظ الأختام أو ممثله وتتشكل من ممثلي القطاعات الوزارية الآتية:
– وزارة الدفاع الوطني
– وزارة الداخلية والجماعات المحلية
– وزارة المالية
– وزارة المساهمات وترقية الاستثمارات
– وزارة الشؤون الدينية والأوقاف
– وزارة التهيئة العمرانية والبيئة
– وزارة التربية الوطنية
– وزارة الفلاحة والتنمية الريفية
– وزارة الأشغال العمومية
– وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات
– وزارة الإتصال
– وزارة الثقافة
– وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التقليدية
– وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
– وزارة التكوين والتعليم المهنيين
– وزارة السكن والعمران
– وزارة العمل والضمان الاجتماعي
– وزارة التشغيل والتضامن الوطني
– وزارة الشباب والرياضة
– وزارة السياحة
– الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة (1).
يمكن للجنة الوزارية أن تستعين في أعمالها بممثلي الجمعيات والهيئات المحددة على سبيل الحصر في نص المادة 2 من المرسوم 05/ 429 وهي:
– اللجنة الوطنية الإستشارية لترقية حقوق الإنسان و حمايتها
– الهلال الأحمر الجزائري
– الجمعيات الوطنية الفاعلة في مجال الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
(1) – انظر المادة 2 من المرسوم التنفيذي 05/ 429 المؤرخ في 6 شوال عام 1426 الموافق لـ 8 نوفمبر 2005،يحدد تنظيم اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة تربية المحبوسين وإعادة إدماجهم الإجتماعي ومهامها وسيرها، الجريدة الرسمية لسنة 2005، العدد74.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
كما يمكنها أن تستعين بخبراء أو مستشارين لتوضيح المواضيع التي تدخل في إطار مهمتها، ويعين أعضاء اللجنة بقرار من وزير العدل لمدة 4 سنوات بناءا على اقتراح من السلطات التي ينتمون إليها، ومن أجل ممارسة صلاحياتها المخولة لها فإنها تجتمع في دورة عادية مرة كل ستة أشهر، ويمكنها أن تجتمع في دورة غير عادية بمبادرة من رئيسها أو يطلب من ثلثي أعضائها، كما يمكن أن تعقد اجتماعات مصغرة تخص ممثلي القطاعات الوزارية المعنية.
الفرع الثاني: صلاحيات اللجنة الوزارية المشتركة
نص قانون تنظيم السجون على إحداث اللجنة الوزارية المشتركة و حدد هدفها الذي أنشئت من أجله هو مكافحة الجنوح وتنظيم الدفاع الاجتماعي، ولعل التشكيلة الوزارية لهذه اللجنة تدل على أهميتها كونها تضم أهم القطاعات الوزارية في الدولة حيث يتم التنسيق بينها من أجل تحقيق هدف الإدماج الاجتماعيي للمحبوسين، لذلك وفي إطار الوقاية من الجنوح
ومكافحته تكلف اللجنة بتنسيق برنامج إعادة التربية وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وتنشيطها ومتابعتها.
حيث نصت المادة 4 من المرسوم التنفيذي 05/ 429 على الصلاحيات والمهام المنوطة بهذه اللجنة التي تتمثل في:
– تقوم بتنسيق نشاط القطاعات الوزارية والهيئات الأخرى التي تساهم في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
– إقتراح أي تدبير من شأنه تحسين مناهج إعادة تربية المحبوسين وإعادة إدماجهم إجتماعيا.
– تشارك في إعداد برامج الرعاية اللاحقة للمحبوسين بعد الإفراج عنهم.
– التقييم الدوري للأعمال المباشرة في مجال التشغيل في الورشات الخارجية والحرية النصفية.
– تقييم وضعية مؤسسات البيئة المفتوحة ونظام الإفراج المشروط وتقدم كل إقتراح في هذا المجال.
– إقتراح كل عمل والتشجيع عليه في مجال البحث العلمي بهدف محاربة الجريمة.
– اقتراح كل النشاطات الثقافية والأعمال الإعلامية الرامية إلى الوقاية من الجنوح
ومكافحته.
– إتخاذ كل التدابير التي من شأنها تحسين ظروف الحبس في المؤسسات العقابية.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
بالإضافة إلى اللجان الثلاثة السالفة الذكر فإن المشرع وفي إطار ضمان حماية ومعاملة خاصة بالأحداث فإنه أحدث لجنة إعادة التربية هذه الأخيرة التي تعد بدورها إحدى الآليات أو الميكانيزمات التي تعتمد عليها السياسة العقابية الجديدة، في تحقيق هدف إعادة إدماج المحبوسين لاسيما بالنسبة لفئة الأحداث، وبهدف تأطير نشاطات إعادة تربية الأحداث وإعادة إدماجهم اجتماعيا تم إحداث لدى كل مركز لإعادة التربية وإدماج الأحداث
والمؤسسات العقابية المهيأة بجناح لإستقبال الأحداث، هذه اللجنة التي يرأسها قاضي الأحداث (1).
حيث تتشكل هذه اللجنة من:
– مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث أو مدير المؤسسة العقابية.
– الطبيب
– المختص في علم النفس
– المربي
– ممثل الوالي
– رئيس المجلس الشعبي البلدي أو ممثله.
يمكن أن تستعين لجنة إعادة التربية بأي شخص من شأنه أن يفيدها في أداء مهامها.
و يعين رئيس اللجنة بقرار من وزير العدل لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد بناءا على إقتراح من رئيس المجلس القضائي المختص.
تختص لجنة إعادة التربية طبقا لنص المادة 128من قانون تنظيم السجون بما يلي:
– إعداد برامج التعليم وفقا للبرامج الوطنية المعتمدة.
– إعداد البرامج السنوية لمحو الأمية والتكوين المهني.
– دراسة واقتراح كل التدبير الرامية إلى تكييف وتفريد العقوبة المنصوص عليها في قانون تنظيم السجون
– تقييم مدى تنفيذ برنامج إعادة التربية وإعادة الإدماج الاجتماعي.
كما تجدر الإشارة إلى أن قانون تنظيم السجون نص على إنشاء مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون تكلف بالتعاون مع المصالح المختصة للدولة والجماعات المحلية بتطبيق برنامج إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين (2).
وتطبيقا لنص المادة 113 من قانون تنظيم السجون صدر المرسوم التنفيذي رقم 07/ 67 في 19 فيفري 2007 ليحدد كيفيات تنظيم وسير المصالح الخارجية لإدارة السجون المكلفة بإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، حيث تنشأ هذه المصلحة بدائرة اختصاص كل مجلس قضائي ويمكن عند الاقتضاء إحداث فروع لها بموجب قرار من وزير العدل.
(1) – ارجع إلى نص المادة 126 من قانون تنظيم السجون 05/ 04.
(2) – ارجع إلى نص المادة 113 قانون تنظيم السجون.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
باعتبار أن المصلحة تكلف بتطبيق البرامج المعتمدة في مجال إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين فإنها تقوم بعدة مهام نذكر من بينها:
– متابعة وضعية الأشخاص الخاضعين لمختلف الأنظمة، لاسيما الإفراج المشروط أو الحرية النصفية أو التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة.
– تسهر على إستمرارية برنامج إعادة الإدماج الاجتماعي بالنسبة للأشخاص المفرج عنهم بناء على طلبهم.
– كما تقوم بإتخاذ الإجراءات الخاصة لتسهيل عملية إعادة الإدماج الاجتماعي للأشخاص الذين تتولى التكفل بهم وتزويد القاضي المختص بناء على طلبه أو تلقائيا بكل المعلومات التي تمكنه من اتخاذ التدابير الملائمة لوضعية كل محبوس (1).
– يقوم مستخدمي المصلحة بزيارة المحبوسين الذين بقي عن تاريخ الإفراج عنهم 6 أشهر على الأكثر قصد تحضيرهم لمرحلة ما بعد الإفراج (2).
– ويمكن للمصلحة أن تقوم بإجراء التحقيقات الاجتماعية الخاصة بالمحكوم عليهم أو المتهمين وكذا بمتابعة وضعية الأشخاص الموضوعين تحت نظام الرقابة القضائية ومدى امتثالهم للالتزامات المفروضة عليهم، وذلك بناء على تكليف من السلطة القضائية
المختصة (3).
(1) -ارجع إلى نص المادة 3 من المرسوم التنفيذي 07/ 67 المؤرخ في أول صفر عام 1428 الموافق لـ 19 فيفري 2007، يحدد كيفيات تنظيم وسير المصالح الخارجية لإدارة السجون المكلفة بإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، الجريدة الرسمية لسنة 2007، العدد13.
(2) – كما يمكن لكل محبوس بناء على طلبه أن يستفيد من زيارة مستخدمي المصلحة.
(3) – ارجع إلى نص المادة 9 من نفس المرسوم.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
الفصل الثاني: دور المؤسسة العقابية كأداة لتحقيق الأهداف المسطرة ضمن السياسة العقابية الجديدة
جاء المشرع في قانون تنظيم السجون 05/ 04 بعدة أهداف تتعلق أساسا بإصلاح المحبوس، وإعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف نص على أهم القواعد المتعلقة بإعادة الإدماج، حيث حدد أنظمة إعادة الإدماج من جهة، ومن جهة أخرى نص على الآليات المسخرة والمكلفة بتنفيذ هذه الأنظمة.
لكن هذه الأهداف المسطرة والأحكام الجديدة المتعلقة بإعادة الإدماج لا تتحقق بأرض الواقع إلا بوجود أجهزة ووسائل تسعى فعلا إلى تطبيق هذه السياسة، وهنا يبرز دور المؤسسة العقابية بجميع أنواعها ليس بإعتبارها أداة لتحقيق الأمن داخل المؤسسة فحسب وإنما وسيلة للتكفل بالمحبوس وتحضيره لمرحلة ما بعد الإفراج عنه، سواء كان المحبوس مستفيدا من نظام البيئة المفتوحة أو كان في إطار البيئة المغلقة.
ولذلك سوف نتطرق في المبحث الأول إلى تبيان دور المؤسسة العقابية في إعادة إدماج المحبوسين، أما في المبحث الثاني سوف نتطرق إلى الدور الذي تلعبه نفس المؤسسة في إصلاح المحبوس.
المبحث الأول: … دور المؤسسة العقابية في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
من خلال المبحث الأول سوف نتطرق إلى دور المؤسسة العقابية بجميع أشكالها في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، لاسيما بالنسبة لإعادة الإدماج داخل البيئة المغلقة وكذلك خارجها بمعنى ضمن البيئة المفتوحة بجميع أبعادها، بالإضافة إلى دور الورشات الخارجية.
المطلب الأول: … دور البيئة المغلقة في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
يعد نظام البيئة المغلقة أسلوب من أساليب المعاملة العقابية ويهدف أساسا إلى إعادة الإدماج للمحبوسين، وذلك بإخضاعهم إلى طرق علاجية داخل المؤسسات العقابية، وقد تبنى المشرع الجزائري هذا النظام كإطار لتحقيق سياسة إعادة التأهيل الاجتماعي سابقا في ظل قانون تنظيم السجون لسنة 1972، وسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين حاليا، لذلك سوف نتناول هذا النظام من عدة جوانب ابتداءا بماهيته وطرق الوضع فيه بالإضافة إلى أنظمة الحبس المنتهجة في هذا الإطار.
الفرع الأول: تعريف البيئة المغلقة
يقصد بنظام البيئة المغلقة خضوع كل فئات المحبوسين للحضور الشخصي تحت المراقبة الدائمة والمستمرة مع الالتزام التام بقواعد وأسس الإنضباط والطاعة المفروضة في المؤسسات العقابية، و عليه فهو نظام يتسم بالشدة فيما يتعلق بالشروط المفروضة على المحبوسين وتواجدهم المستمر بالمؤسسة العقابية وبذلك يكون أكثر الأنظمة العقابية استعمالا في الجزائر، باعتباره طريقة من طرق العلاج من جهة ومرحلة من مراحل النظام التدريجي من جهة أخرى (1).
ويطبق هذا النظام داخل مؤسسات الوقاية ومؤسسات إعادة التربية، كما يطبق كجزء من النظام التدريجي العام في مراكز إعادة التأهيل والمراكز المخصصة النساء وكذا تلك المختصة بالأحداث.
تنص المادة 25 في فقرتها الثالثة على أنه: ” يتميز نظام البيئة المغلقة بفرض الإنضباط
وبإخضاع المحبوسين للحضور والمراقبة الدائمة”.
إذن من خلال قراءة هذا النص يتبين لنا مدى شدة هذا النظام وصرامته، حيث لايمكن في أي حال من الأحوال وضع أي شخص داخل هذه المؤسسة إلا إذا كان من بين الأشخاص الذين تضمنتهم المادة 7 من قانون تنظيم السجون وهو كل شخص تم إيداعه بمؤسسة عقابية تنفيذا لأمر أو حكم أو قرار قضائي، و عليه يجب أن يكون هناك سند قضائي للحبس الذي قد يكون إحدى السندات التالية:
أولا: … أمر الإيداع
هو ذلك الأمر الذي يصدره القاضي إلى المشرف على المؤسسة العقابية باستلام وحبس المتهم، وقد يصدره إما وكيل الجمهورية إذا ما رأى أن مرتكب الجنحة المتلبس بها لم يقدم ضمانات كافية للحضور، وبالتالي يصدر وكيل الجمهورية أمرا بحبس المتهم بعد استجوابه عن هويته وعن الأفعال المنسوبة إليه وذلك طبقا لنص المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية.
كذلك يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر الإيداع إذا ما كانت الوقائع المتابع بها الشخص تكتسي خطورة، وذلك بطلب من وكيل الجمهورية بحبس المتهم ويشترط فقط أن يكون مؤشرا عليه بالموافقة من طرف النيابة العامة وفي نفس اليوم إلى جانب ذكر كل البيانات الشخصية.
(1) – د. اسحاق ابراهيم منصور، الموجز في علم الإجرام والعقاب، الطبعة الثالثة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1989.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
ثانيا: … الأمر بالقبض
حسب نص المادة 119 من قانون الإجراءات الجزائية، أن الأمر القبض هو ذلك الأمر الذي يصدر إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم وسوقه إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجرى تسليمه وحبسه، وبالتالي يساق المتهم المقبوض عليه بمقتضى أمر قبض بدون تمهل إلى المؤسسة العقابية المبينة في أمر القبض (1).
وهنا يجب استجوابه خلال 48 ساعة من لحظة اعتقاله وإلا اعتبر حبسا تعسفيا طبقا لنص المادة 121في فقرتها 1 و 2 من قانون الاجراءات الجزائية.
ثالثا: … صورة حكم أو مستخلص قرار
يمكن حبس شخص محكوم عليه وإيداعه السجن بناءاعلى صورة حكم أو مستخلص قرار صادرين عن وكيل الجمهورية أو النائب العام، حيث تنص المادة 12 من قانون تنظيم السجون أنه: ” تنفذ العقوبة السالبة للحرية بمستخرج حكم أو قرار جزائي يعده النائب العام أو وكيل الجمهورية، يوضع بموجبه المحكوم عليه في المؤسسة العقابية “
رابعا: الإكراه البدني
حيث يتحقق تنفيذ الإكراه البدني بحبس المحكوم عليه المدين ونصت عليه المواد 597 إلى 611 من قانون الإجراءات الجزائية يصدره ممثل النيابة ويؤشر عليه ويوضع فيه مدة الإكراه البدني.
خامسا: … الأمر بالقبض والأمر بالإيداع بالجلسة
حيث يجوز للمحكمة أثناء المحاكمة أن تصدر أمر بالقبض أو أمر بإيداع المتهم بالجلسة إذا تعلق الأمر بجنحة من جنح القانون العام شرط أ تكون العقوبة المحكوم بها لا تقل عن سنة حبس، وذلك طبقا لما نصت عليه المادة 358 من قانون الإجراءات الجزائية.
وعليه بمجرد إطلاع المؤسسة العقابية على هذه الأوامر والأحكام والقرارات فإنه يجب عليها أن تسجل وتدون في سجل الحبس الموجود بكل مؤسسة كل المعلومات الخاصة بالشخص المحبوس المتعلقة بهويته والقضية المتابع من أجلها والتغيرات التي تطرأ عليها. … إلا أنه لنظام البيئة المغلقة وعملا بالحفاظ على الأمن والإستقرار وضع المشرع الجزائري عدة أنظمة الحبس داخل هذه المؤسسات و التي نتناولها كما يلي:
(1) – ارجع إلى نص المادة 120من قانون الإجراءات الجزائية.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
الفرع الثاني: … أنظمة الإحتباس داخل البيئة المغلقة
لقد سلك المشرع الجزائري عدة مسالك فيما يتعلق بأنظمة الإحتباس فيطبق النظام الجماعي والنظام الانفرادي وكذا النظام المختلط، وتختلف أسباب اللجوء إلى كل نظام وذلك لعدة اعتبارات أهمها تطور حالة المحبوس ومدى استجابته لطرق العلاج العقابي وكذا مدة العقوبة.
وكضمانة للمحبوس فإن المشرع نص في المادة 44 من قانون تنظيم السجون على أنه:
” يجب إخبار كل محبوس بمجرد دخوله إلى المؤسسة العقابية بالنظم المقررة لمعاملة المحبوسين من فئته، والقواعد التأديبية المعمول بها في المؤسسة”.
أولا: … نظام الإحتباس الجماعي
وهو يطبق بصفة دائمة ومستمرة حيث يعد الأسلوب الأكثر إستعمالا مقارنة مع أنظمة الإحتباس الأخرى، إذ تخصص قاعات تضم من 25 إلى 40 محبوس، وذلك حسب طاقة استعاب القاعة يتواجدون بها ليلا و نهارا ويتم ترقيم هذه القاعات التي تختلف مساحتها بإختلاف مساحة المؤسسة العقابية فتتراوح بين 20 و 40 متر، تكون مزودة بالإنارة والتهوئة يكون سقفها بعلو يفوق البنايات العادية، وذلك تطبيقا للمعايير الدولية المعمول بها (1)
تنص المادة 45 في فقرتها الأولى على أنه: ” يطبق نظام الإحتباس الجماعي في المؤسسات العقابية، وهو نظام يعيش فيه المحبوسين جماعيا “.
غير أنه هذا لا يعني عدم الفصل بين الرجال والنساء وبين البالغين والأحداث، وبين المتهمين والمحكوم عليهم، فهذا النظام يعتبر أبسط الأنظمة لقلة تكاليفه ومرافقه، كما يحفظ للسجين صحته العقلية والنفسية ولا يتعرض لما قد يصيبه من الشعور بالوحدة والأزمات والإضطرابات العقلية.
وبالرغم من مزايا هذا النظام إلا أنه له عيوب وآثار خطيرة فهو يحول المؤسسة إلى مدرسة لتلقين المجرمين المبتدئين الإجرام على أيدي أخطر المجرمين الأمر الذي يساعد ويساهم في إنشاء عصابات إجرامية بعد إنتهاء فترة العقوبة، الأمر الذي تم معالجته في إطار الأهداف الجديدة للسياسة العقابية حسب تعديل قانون05/ 04.
(1) – BETTAHEAR TOUATI, organisation et système pénitentiaire en droit Algérien, 1er édition, office national des travaux éducatifs, 2004, p 29.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
ثانيا: نظام الاحتباس الإنفرادي
يقصد بهذا النظام خضوع المحبوس للعزلة عن باقي المحبوسين ليلا ونهارا فلا تكن له أي صلة بباقي المحبوسين، ومن أهم مزايا هذا النظام بدلا من أن يجتمع المحبوس بمجتمع فاسد مع غيره من المحبوسين، فإنه يهيئ له وسطا صالحا وحياة مستقلة إذ يتيح له هذا النظام فرصة مراجعة الذات والندم على الجريمة، وبالتالي تتحقق الغاية المرجوة ألا وهي إصلاحه من أجل إعادة إدماجه في المجتمع (1).
ويطبق هذا النظام على الفئات التالية:
– المحكوم عليهم بالإعدام:
بمراعاة أحكام المادة 155 من هذا القانون، حيث يخضع المحكوم عليه بالإعدام إلى نظام الإحتباس الإنفرادي ليلا ونهارا، غير أنه بعد قضاء المحكوم عليه بالإعدام مدة 5 سنوات في هذا النظام، يمكن أن يطبق عليه نظام الحبس الجماعي نهارا مع المحبوسين من نفس الفئة لا يقل عددهم عن ثلاثة و لا يزيد عن خمسة (2).
– المحكوم عليهم بالسجن المؤبد: على أن لا تتجاوز مدة العزلة 3 سنوات.
– المحبوس الخطير: بناء على مقرر يصدره قاضي تطبيق العقوبات كتدبير وقائي بالوضع في العزلة لمدة محددة.
– المحبوس المريض أو المسن: ويطبق عليه كتدبير صحي بناء على رأي طبيب المؤسسة العقابية (3).
ثالثا: … نظام الإحتباس المختلط
يتميز هذا النظام بأنه يجمع بين كثير من مزايا النظامين الجماعي والإنفرادي معا بتجنب أغلب عيوبهما، فيطبق النظام الجماعي على المحكوم عليهم نهارا، أما ليلا فيطبق نظام العزلة، حيث يجمع المحبوسين نهارا في الساحات وقاعات العمل والمطاعم والأماكن المخصصة بالتعليم، ثم يبيت كل واحد منهم في زنزانته منفردا، وقد ظهر هذا النظام أول مرة بمدينة ” أوبرن” الأمريكية قرب نيويورك سنة 1823 لذلك يسمى النظام الأوبرني
حيث تم تطبيق نظام إحتباس جديد في سجن أوبرن يقوم على تقسيم المحبوسين إلى 3 طوائف و هي:
((1) – ويسمى النظام البنسلفاني أو الفيلادلفي حيث ظهر أول مرة في عهد السجون الكنيسية في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1829 أين كان يتميز بالعزلة التامة ليل نهار، ثم ظهر في فرنسا سنة 1879 حيث صدر قانون قرر تطبيقه بالنسبة … للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدى.
(2) – ارجع إلى نص المادة 153 من قانون تنظيم السجون.
(3) – طبقا لنص المادة 47 من قانون تنظيم السجون، يمكن وضع المحبوس في نظام الاحتباس الإنفرادي بناءا على طلبه … أو بأمر من قاضي التحقيق وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية.
– أخطر الجرمين و تفرض عليهم العزلة ليلا و نهارا
– أوسطهم خطرا وتفرض عليهم العزلة أساسا و لكن يسمح لهم بالإجتماع خلال أوقات محددة
– أقلهم خطورة وتفرض عليهم العزلة في الليل دون النهار (1).
و قد أخذ المشرع الجزائري بهذا النوع من الأنظمة في نص المادة 45 من قانون تنظيم السجون، حيث تنص: ” يمكن اللجوء إلى نظام الإحتباس الإنفرادي ليلا، عندما يسمح به توزيع الأماكن، ويكون ملائما لشخصية المحبوس، و مفيدا في عملية إعادة تربيته ” (2).
الفرع الثالث: … مظاهر إعادة إدماج المحبوس إجتماعيا داخل البيئة المغلقة
يعد الهدف من تنفيذ الأحكام الجزائية هو إعادة تربية المحبوس وتأهيله اجتماعيا، لذلك فإن المشرع ركز خلال التعديلات الجديدة على ضرورة تصنيف المحبوسين داخل المؤسسة العقابية، و ذلك حسب عدة معطيات نذكر من بينها:
أولا: … حسب الجنس
حيث يتم ترتيب المحبوسات النساء دون غيرهن من المحبوسين الرجال بجناح خاص منعزل عن جناح الرجال، ولا يمكن لأي كان الدخول إلى هذا الأخير مهما كان الأمر إلا للضرورة القصوى أو القوة القاهرة.
ثانيا: … حسب السن
يتم ترتيب المحبوسين حسب سنهم كما يلي:
– جناح الأحداث (3).
– جناح الجانحين البالغين من 18 إلى 27 سنة.
– جناح الكهول.
ثالثا: حسب الوضعية الجزائية
و نميز في هذا الصدد بين فئتين:
– الفئة الأولى: تتمثل في المتهمون حيث يخصص في كل مؤسسة جناح خاص بالمحبوسين المتهمين و هم:
– المتلبسون بالجنح.
– فئة التحقيق.
– المحالون أمام محكمة الجنايات و لم يحاكموا بعد.
– المستأنفون
– الطاعنون بالنقض
(1) – د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، الطبعة الرابعة، دار الفكر العربي،1979، ص 834.
(2) – كما يمكن تطبيق نظام الإحتباس المختلط أو المزدوج بالنسبة لكل محبوس خاضع لنظام الإحتباس الإنفرادي، وذلك في فترة تسمى” فترة إعادة التأهيل وسط حياة إجتماعية”.
(3) – من أجل ضمان إعادة تربية الأحداث نص القانون على المراكز المتخصصة للأحداث تخصص لاستقبال الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، المحبوسين مؤقتا والمحكوم عليهم نهائيا بغقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
– الفئة الثانية: المحكوم عليهم وهم المحبوسين الذين صدرت في حقهم عقوبات سالبة للحرية نهائيا لا مجال فيها للاستئناف والطعن بالنقض، وهم ملزمون بارتداء اللباس العقابي دون غيرهم من المتهمين.
رابعا: … حسب خطورة الجريمة
حيث يمكن أن تخصص بمؤسسات إعادة التربية وكذلك مؤسسات إعادة التأهيل أجنحة مدعمة أمنيا لإستقبال المحبوسين الخطرين الذين لم تجد معهم طرق إعادة التربية المعتادة
ووسائل الأمن العادية، وذلك وفقا لنص المادة 28 فقرة 4 من قانون تنظيم السجون.
فالمنطق يقتضي عدم الجمع بين المحبوسين الذين ارتكبو الجرائم الماسة بأمن الدولة أو جرائم القتل أو الجرائم المتعلقة بالمخدرات مثلا، مع غيرهم من المحبوسين الذين ارتكبوا جرائم السرقة أو الضرب والجرح، و ذلك لتفادي العواقب التي قد تترتب عن هذا الجمع من جهة، وتسهيلا لعملية إعادة التربية من جهة أخرى (1).
خامسا: … حسب قدرة تحسين حالتهم
يتم تصنيف المحبوسين حسب قابلية كل محبوس للتحسن والإستجابة لبرنامج إعادة الإدماج، وذلك من خلال سوابقه القضائية، فالمبتدئون الذين ارتكبوا جريمة للمرة الأولى نظرا لكونهم أكثر مرونة وتقبلا للتأثير الإيجابي المتمثل في إعادة إدماجهم، لذلك توجه إليهم معاملة خاصة بحيث يتم وضعهم في أجنحة خاصة بهم، أما الإنتكاسيون فيوضعون أيضا في جناح خاص بهم وهو ما نصت عليه المادة 49 من قانون تنظيم السجون بنصها:
” يفصل المحبوس المبتدئ عن باقي المحبوسين، ويتم إيواؤه وفق شروط ملائمة “.
وبالتالي فإن هذه التصنيفات لها أهمية قصوى في تسهيل تنفيذ برنامج إعادة التربية من جهة
ومن جهة أخرى فإن الهدف من تطبيق العقوبة داخل المؤسسات ذات البيئة المغلقة هو تربية المحبوس وتنمية قدراته ومؤهلاته الشخصية والرفع المستمر من مستواه الفكري والأخلاقي وكذلك إحساسه بالمسؤولية وبعث الرغبة فيه للعيش في المجتمع في ظل احترام القانون،
وهو الهدف الذي نصت عليه المادة 88 من قانون تنظيم السجون.
ولأجل تحقيق هذا الهدف ألزم قانون تنظيم السجون بضرورة توفر كل مؤسسة عقابية سيما ذات البيئة المغلقة على مربون وأساتذة ومختصون في علم النفس ومساعدات ومساعدون اجتماعيون يوضعون تحت سلطة المدير ويباشرون مهامهم تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبات (2).
(1) – د. عبد الله خليل و د- أمير سالم، قوانين ولوائح السجون في مصر، الطبعة الأولى، مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، القاهرة، مصر،1990.
(2) – ارجع إلى نص المادة 89 من قانون تنظيم السجون.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
حيث يكلف المختصون في علم النفس والمربون العاملون في المؤسسة العقابية بالتعرف على شخصية المحبوس، ورفع مستوى تكوينه العام ومساعدته على حل مشاكله الشخصية
والعائلية، و تنظيم أنشطته الثقافية والتربوية والرياضية، وعليه توكل لهم مهمة إعادة إدماج المحبوسين وفقا لبرامج عامة معدة سلفا، طبقا لنص المادة 91 من قانون تنظيم السجون.
ومن أجل تدعيم عملية إعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا ضمن نظام البيئة المغلقة، فقد نصت المادة 90 من نفس القانون على أنه:” تحدث في كل مؤسسة عقابية مصلحة متخصصة مهمتها ضمان المساعدة الاجتماعية للمحبوسين، والمساهمة في تهيئة وتسيير إعادة إدماجهم اجتماعيا”.
المطلب الثاني: … دور البيئة المفتوحة في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
في الواقع تعد مؤسسات البيئة المفتوحة عكس مؤسسات البيئة المغلقة فهي عبارة عن مؤسسات عقابية حديثة، فالمحبوس الخاضع لنظام مؤسسات البيئة المفتوحة إنما يتمتع بحرية الحركة والدخول والخروج في حدود نطاق المكان المتواجد به في المؤسسة المفتوحة، وأساس تطبيق هذا النظام هو مقدار ما يتمتع به المحكوم عليه من الثقة والإحترام والأهلية لتحمل المسؤولية اتجاه الإدارة العقابية والمجتمع بوجه عام، وعليه إقناع المحبوس بأن وجوده في المؤسسة المفتوحة هو ضرورة لإصلاحه وتأهيله وإعادة إدماجه اجتماعيا.
الفرع الأول: … تعريف البيئة المفتوحة
حيث تنص المادة 109 قانون تنظيم السجون: ” تتخذ مؤسسات البيئة المفتوحة شكل مراكز ذات طابع فلاحي أو صناعي أو حرفي أو خدماتي، أو ذات منفعة عامة، والتي تتميز بتشغيل و إيواء المحبوسين بعين المكان” (1).
من خلال نص المادة يتضح لنا أن مؤسسات البيئة المفتوحة تأخذ شكل مراكز ذات طابع فاحي أو صناعي أو حرفي أو خدمات أو ذات منفعة عامة، وهي مراكز تابعة للمؤسسة العقابية، كما أن تشغيل وإيواء المحبوسين يكون بعين المكان.
فتخرج عن نطاق الحراسة والبيئة المغلقة المعهودة و عليه تكون الحراسة مخففة، كما تعتمد أساسا على الثقة الموضوعة في الشخص المحكوم عليه من خلال قبوله للطاعة وشعوره بالمسؤولية.
(1) – عرف المؤتمر الجنائي والعقابي الدولي الثاني عشر الذي عقد في لاهاي سنة 1950 المؤسسة المفتوحة بأنها مؤسسة تتميز بعدم وجود عوائق مادية تحول دون المحكوم عليه كالقضبان والأقفال وزيادة الحراسة، ويتجه المحبوسين فيها إلى احترام النظام من تلقاء نفسه، فلا يحاول الهرب نظرا لإقتناعه بالبرامج الإصلاحية التي تنمي فيه الثقة في النفس
وفي من يتعامل معه كما تنمي فيه الشعور بالمسؤولية الذاتية.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
الفرع الثاني: شروط الإستفادة من نظام البيئة المفتوحة
حيث تنص المادة 110: ” يمكن أن يوضع في نظام البيئة المفتوحة للمحبوس الذي يستوفى شروط الوضع في نظام الورشات الخارجية”.
تتلخص شروط الإستفادة من هذا النظام فيما يلي:
– أن يكون المحكوم عليه نهائيا بعقوبة سالبة للحرية
– المحبوس المبتدئ يجب أن يكون قد قضى ثلث العقوبة المحكوم بها
– المحبوس الإنتكاسي يجب أن يكون قد قضى نصف العقوبة المحكوم بها
– أن يكون المحبوس يتمتع بحسن السيرة والسلوك وأن يقدم ضمانات إصلاح حقيقية
– يجب مراعاة القدرات الشخصية الصحية واستعداده البدني والنفسي والحرفي
ومدى احترام قواعد النظام و الأمن.
ويتم الوضع في نظام البيئة المفتوحة بناءا على مقرر يتخذه قاضي تطبيق العقوبات بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات وإشعار المصالح المختصة بوزارة العدل، وهو ما نصت عليه المادة 111 في فقرتها الأولى من قانون تنظيم السجون.
الفرع الثالث: كيفية إعادة إدماج المحبوس داخل البيئة المفتوحة
تعد مراكز البيئة المفتوحة عبارة عن شكل مخيمات يقيم بها المحبوسين ويعملون تحت إشراف موظفي إدارة السجون، يكون المحبوس فيها ملزم باحترام القواعد العامة المحددة في مقرر الوضع في نظام البيئة المفتوحة، لاسيما فيما يتعلق بشروط حسن السيرة والسلوك والمواظبة على العمل والإجتهاد فيه.
ويلتزم باحترام القواعد المطبقة والمرتبطة بالتدابير المتخذة في هذا المركز، وفي حالة إخلاله بها فإنه يعاد وضعه في نظام البيئة المغلقة، وعليه تكون كيفية إعادة إدماجه في المجتمع من خلال تطبيق هذا النظام بصفة أكثر مرونة، كون أن مراكز البيئة المفتوحة يسودها جو قريب من جو الحياة العادية في المجتمع بصفة عامة، فيصبح المحبوس في مركز أو وضع لا يحس فيه بالإذلال أو النقص أو التهميش أو حتى الإنفعالات العصبية والتوترات النفسية التي قد تحدث في البيئة المغلقة، فيحس وكأنه فرد في المجتمع.
وبذلك يتحقق التوازن البدني والنفسي للمحبوس، كما يمنحه ثقة بنفسه وهذا هو العنصر الفعال في مساعدته على إصلاحه وتأهيله مما يؤدي إلى إنجاح الإصلاح والإدماج الاجتماعي له (1).
بالإضافة إلى ذلك فإن الإستفادة من نظام البيئة المفتوحة يسهل على المحبوس بعد الإفراج عنه وجود عمل في الوقت المناسب، إذ أن الظروف المحيطة بالعمل الذي يزاوله داخل تلك المؤسسة لا تختلف عن طبيعتها عن ظروف العمل خارج المؤسسة مما يكسبه خبرة خاصة ويجعله أكثر استعداد ومقدرة على أداء عمله على الوجه المطلوب.
(1) – أ- محمد صبحي نجم، المدخل إلى علم الإجرام وعلم العقاب، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1988، ص 78.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
كما تجدر الإشارة إلى أن المشاكل الأساسية التي تواجه المفرج عنه ناجمة عن اختلاف نظرة أفراد المجتمع إليه، إذ يراودهم الشك في مدى تأهيله خاصة بعد أن أمضى فترة طويلة بعيدا كلية عن المجتمع، و اقتصرت علاقته مع المحبوسين فقط.
لذلك يؤكد علماء العقاب أن نظام البيئة المفتوحة يربط بين المحبوس و المجتمع، ويجنبه المشاكل التي قد تقع في إطار البيئة المغلقة.
وعليه يكون نظام البيئة المفتوحة أحسن النظم وأصلحها للمحبوس كونها تضمن تغيير نظرة أفراد المجتمع اتجاه المحبوس المفرج عنه، وبالتالي تسهل عليه هذه النظرة، إعادة إدماجه في المجتمع دون تحفظات.
المطلب الثالث: … دور الورشات الخارجية في مدى إعادة الإدماج
يعد نظام الورشات الخارجية إحدى طرق استعمال اليد العاملة العقابية خارج المؤسسات، على أساس أن العمل هو إحدى الطرق التقليدية الناجعة في إنجاح سياسة إعادة الإدماج،
فهو نظام يعطي فرصة للمحبوس العمل في الوسط الخارجي ضمن ظروف تختلف عن نظيرتها في الوسط المغلق.
الفرع الأول: … تعريف الورشات الخارجية
تنص المادة 100 من قانون تنظيم السجون: ” يقصد بنظام الورشات الخارجية، قيام المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعمل ضمن فرق خارج المؤسسة العقابية، تحت مراقبة إدارة السجون لحساب الهيئات والمؤسسات العمومية، يمكن تخصيص اليد العاملة من المحبوسين ضمن نفس الشروط، للعمل في المؤسسات الخاصة التي تساهم في إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة “.
الفرع الثاني: … شروط الإستفادة من نظام الورشات الخارجية
بالرجوع إلى نص المادة 101 من قانون تنظيم السجون فإنه يوضع في الورشات الخارجية كل محبوس تتوفر فيه الشروط التالية:
– المحبوس المبتدئ الذي قضى ثلث العقوبة المحكوم بها عليه.
– المحبوس الذي سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية وقضى نصف العقوبة المحكوم بها عليه.
– يجب أن يتمتع المحبوس بحسن السيرة والسلوك.
– يجب أن يصدر مقرر عن قاضي تطبيق العقوبات يتضمن الوضع في الورشات الخارجية، الذي يشعر به المصالح المختصة بوزارة العدل.
وتنص المادة 103 من نفس القانون على أنه يتم تخصيص اليد العاملة العقابية في الورشات الخارجية بناءا على طلب الهيئة التي تريد الإستفادة منها، حيث توجه الطلبات إلى قاضي تطبيق العقوبات الذي يحيلها بدوره على لجنة تطبيق العقوبات لإبداء الرأي.
وفي حالة الموافقة تبرم مع الهيئة الطالبة إتفاقية تحدد فيها الشروط العامة والخاصة لاستخدام اليد العاملة من المحبوسين، ويوقع على الاتفاقية كل من مدير المؤسسة العقابية
وممثل الهيئة الطالبة.
وتقوم المؤسسة العقابية دون سواها حسب نص المادة 97 من قانون تنظيم السجون، بتحصيل المقابل المالي لصالح المحبوس عن عمله الفردي (1).
الفرع الثالث: … مدى تأثير الورشات الخارجية في إدماج المحبوس
يعتبر عمل المحبوسين في الورشات الخارجية هبة منحها المشرع لهم، من أجل تفادي قضاء كل العقوبة في وسط مغلق، فهذا النظام يعد من بين أهم أنظمة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، بل يعد أحد أساليب تأهيلهم وإصلاحهم فالتزام المحبوس بالعمل العقابي داخل هذه الورشات وفقا لما تضمنته الإتفاقية يعد دعامة له تساعده على إعادة إدماجه لاسيما وأن المادة 99 تنص على أنه: ” تسلم للمحبوس الذي اكتسب كفاءة مهنية من خلال عمله أثناء قضائه لعقوبته، شهادة عمل يوم الإفراج عنه ”
ومن ثمة نخلص إلى القول أن العمل في الورشات الخارجية يخلق روح المسؤولية لدى المحبوس، خاصة أنه يكون ملزم بالحفاظ على النظام والآداب داخل هذه الورشات وذلك طيلة المدةالمحددة بالإتفاقية من جهة، وخضوعه للتعليمات المتعلقة بقواعد الأمن والنظام من جهة أخرى، مقابل تلقيه لمكسب مالي لقاء جهده وعمله فهذا دفع آخر وضمانة مكتسبة في تحقيق سياسة الإدماج.
وعليه فتشغيل اليد العاملة العقابية أصبحت تشكل الإهتمامات الأساسية لوزارة العدل، واعتبارا للطابع التربوي والإدماجي الذي تكتسيه المؤسسات العقابية ودورها الفعال في تخفيف الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات فإنها في حاجة ماسة لدعم قطاعات الدولة الأخرى كالفلاحة والغابات والصناعة وغيرها من القطاعات بما فيها القطاع الخاص، هذا ما يساعد على تحويل المحبوس وهو الشخص الذي أصبح بفعل تواجده في المؤسسة طاقة معطلة وعالة على المجتمع إلى عنصر يساهم عن طريق عمله بصورة فعالة وإيجابية في خدمة الوطن وتطويره كغيره من المواطنين (2).
(1) -ويتكون المكسب المالي له من مجموع المبالغ التي يمتلكها والمنح التي يتحصل عليها مقابل عمله المؤدى و ذلك وفقا لنص المادة 98 من قانون تنظيم السجون.
(2) – رسالة الإدماج، مجلة دورية، تصدر عن المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، العدد الأول، مارس 2005، ص34.
دور المؤسسة العقابية في ظل السياسة العقابية الجديدة
المبحث الثاني: … دور المؤسسة العقابية في إصلاح المحبوس
تنص المادة 88 من قانون تنظيم السجون على أنه: ” تهدف عملية إعادة تربية المحبوس إلى تنمية قدراته ومؤهلاته الشخصية، والرفع المستمر من مستواه الفكري والأخلاقي
وإحساسه بالمسؤولية، وبعث الرغبة فيه للعيش في المجتمع في ضل احترام القانون “. … وحتى يتحقق هذا الهدف الإصلاحي للمحبوسين فإنه يتطلب وسائل وإمكانيات مادية
و بشرية من أجل تدعيم النشاطات التربوية بالمؤسسة العقابية وتنفيذ برامج التعليم
والتكوين.
(لكن هذه الأهداف لا تتحقق إلا بقيام جهاز مؤهل ومتخصص في هذا الإطار دائما في ظل إحترام حق المحبوس بصفته إنسان قبل أن يكون محبوس، وعليه فمجموع هذه العناصر يشكل حلقة أو سلسة مترابط وكل حلقة منها تكمل الأخرى، والحفاظ على هذه الحلقة يكفل التنفيذ الفعلي لسياسة إصلاح السجون الجديدة المنتهجة في ظل قانون تنظيم السجون 05/ 04.
المطلب الأول: … النشاطات التربوية بالمؤسسة العقابية
حيث يستفيد المحبوس من برنامج إعادة التربية بهدف تحضيره لمرحلة ما بعد الإفراج وذلك بأن نضمن له داخل المؤسسة العقابية أو خارجها تعليما وتكوينا مهنيا متناسبا
وقدراته، بالإضافة إلى إشراكه في نشاطات تربوية وثقافية ورياضية أو ذات النفع العام مما يمكنه من استرجاع ثقته بنفسه لتطلعه على مستقبل أفضل بعد الإفراج عنه.
فالنشاطات التربوية بالمؤسسة تساعد على تحقيق إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، ونظرا للأهمية التي تتمتع بها هذه النشاطات سوف نتطرق إليها في الفروع التالية:
الفرع الأول: … التعليم
يعد التعليم أحد أهم مطالب الحياة الاجتماعية لاسيما وأنه يكسب الفرد القيم الأخلاقية
والاجتماعية، بل هو وسيلة لمواجهة التطورات الحاصلة في المجتمع، حيث يوسع التعليم المدارك وينمي القدرات ويساعد على التفكير الهادئ السليم في الحكم على الأشياء وتقدير الأمور، مما يحمل المحبوسين على تغيير نظرتهم إلى السلوك الإجرامي فيدفعهم إلى العدول عنه في المستقبل، كما يساعد على ملئ أوقات الفراغ داخل المؤسسة العقابية، مما يصرف المحبوس عن التفكير في الإجرام، كما يساعد التعليم على إمكانية الحصول على العمل بعد الإفراج.
كل ذلك يؤثر على شخصية المحبوس سواء من حيث إعادة تأقلمه مع المجتمع أكان داخل المؤسسة أو خارجها، أو من حيث الإحاطة بالمشاكل الاجتماعية والأساليب الصحيحة لحلها والتغلب عليها دون اللجوء إلى الطريق الإجرامي (1).
اترك تعليقاً