مذكرة حول الدفاع الشرعي
المقدمة.
الفصل التمهيدي: مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل نشأته
- المبحث الأول: مفهوم الدفاع الشرعي
- المطلب الأول: تعريف الدفاع الشرعي
- المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي
- المبحث الثاني: مراحل نشأة وتطور الدفاع الشرعي
- المطلب الأول: الدفاع الشرعي عند الرومان والفكر الكنيسي
- المطلب الثاني: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية و الفكر الفرنسي..
الفصل الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في ق ع الجزائري
- المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي
- المطلب الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية
- المطلب الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق
- المبحث الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في ق ع الجزائري
- المطلب الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي ق ع الجزائري م 39/2
- المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي الواردة في م 40 ق ع ج
الفصل الثاني: الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع الجزائي الجزائري
- المبحث الأول: الشروط المتعلقة بفعل العدوان
- المطلب الأول: أن يكون الخطر حالا وغير مشروع
- المطلب الثاني: أن يهدد الخطر النفس آو المال
- المبحث الثاني: الشروط المتعلقة بفعل الدفاع
- المطلب الأول: اللزوم
- المطلب الثاني: التناسب
الفصل الثالث: تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته
- المبحث الأول: تجاوز حدود حالة الدفاع الشرعي وإثباته
- المطلب الأول: معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي
- المطلب الثاني: الحكم القانوني لعذر التجاوز وفقا للقانون ع الجزائري
- المبحث الثاني: إثبات حالة الدفاع الشرعي
- المطلب الأول: إثبات الدفاع الشرعي في الحالة العادية م 39/02
- المطلب الثاني: إثبات الدفاع الشرعي في الحالة الممتازة م 40
الفصل الرابع: أثار الدفاع الشرعي
- المبحث الأول: الآثار المترتبة على فعل الدفاع
- المطلب الأول: حالة إصابة الغير دون عمد
- المطلب الثاني: حالة إصابة حق الغير عمدا
- المبحث الثاني: انتفاء المسؤوليتان المدنية والجزائية
- المطلب الأول: انتفاء المسؤولية المدنية
- المطلب الثاني: انتفاء المسؤولية الجزائية
الخاتمة
المراجع
مقدمــــة
بما أن المجتمع هو الإطار الذي يجب أن يعيش فيه الإنسان فان من حقه ومن واجبه مواجهة الأفعال غير المشروعة التي تهدد كيانه وتمس حسن سير مؤسساته.
وقد كان سائدا في مختلف القوانين والتشريعات أن الجرائم يهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية وتمس مصالح الناس اينما ارتكبت وكيفما وقعت لذا وجب مقاومتها ضد أي مصلحة كانت وهذه الجرائم وإما أن تكون جرائم اعتداء على النفس أو العرض وإما أن تكون جرائم اعتداء على المال فتعد بذلك أفعال مجرمة لأنها تحمل في طياتها معنى الاعتداء على حق يحميه القانون.
أما إذا تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان كانت أفعال مباحة ومشروعة كحق الدفاع الشرعي الذي يعتبره المشرع العقابي الجزائري من أهم تطبيقات نظرية الإباحة في المادتين 39/ف 1 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
وأسباب الإباحة هي في الحقيقة قيود ترد على نص التجريم فتجمد وتبطل مفعوله إذ تخرج الواقعة من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة.
ولموضوع الدفاع الشرعي أهمية بالغة وهو من أهم تطبيقات نظرية الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور ومن بينها القانون الجنائي الجزائري حيث انه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية تجعل المعتدي عليه يتصدى لكل اعتداء يواجهه من الغير هذا من جهة ومن جهة.
ومن جهة أخرى فهو مجال المفاضلة بين مصلحتين متعارضتين مصلحة المعتدي ومصلحة المعتدي عليه حيث تكون مصلحة المعتدي عليه أولى بالاعتبار ان المعتدي بفعله يشكل خطر على المصلحة الفردية والجماعية.
ومن ثم اعتبرت الأفعال المرتكبة في حالة دفاع شرعي أفعال غير معاقب عليها نتيجة لذلك فالدفاع الشرعي حق يعترف به القانون لأنه يحقق أهداف النظام القانوني كله ويتفق مع غايات المجتمع والدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري تفرضه متطلبات نظرية وأخرى عملية.
فمن الناحية النظرية تبرز قيمة هذا الموضوع من خلال الأهمية التي يتمتع بها وهذا ناتج عن قدم وتشعب الدراسات بشأنه لدى الفقهاء الوضعيين وكذلك عن فقهاء المسلمين الذين عرفوا الدفاع الشرعي بمصطلح “دفع الصائل” أما من الناحية العملية فتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع فيما يلي:
– توعية وتحسيس الأشخاص بالشروط والأحكام القانونية لقيام حالة الدفاع الشرعي، سواء كان دفاعا عن النفس أو المال أو العرض أو نفس الغير أو ماله.
التوضيح أو الإشارة إلى الحالات الممتازة التي تقوم فيها حالة الدفاع الشرعي( الحالات الخاصة كما يسميها البعض).
التعريف بحدود و شروط قيام حالات الدفاع الشرعي وأثارها وتحديد موقف المشرع الجزائي الجزائري من هذه المسائل.
وإذا كان الدفاع الشرعي من المواضيع التي عولجت من قبل فإننا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان كيفية معالجة المشرع الجزائري لمبدأ الدفاع الشرعي من خلال تحديد مفهومه وأساسه وبيان شروطه الجوهرية الواجب توفرها في فعل العدوان من جهة وفي فعل الدفاع من جهة أخرى ومن حيث تجاوز حدوده وإثباته وإبراز الآثار القانونية المترتبة عنه.
ولمعالجة هذه الإشكالية سوف نتطرق للإجابة عليها من خلال فصل تمهيدي وأربعة فصول.
نتناول في الفصل التمهيدي مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل نشأته وتطوره خلال مبحثين، خصصنا المبحث الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي، وصولا الى ذلك قسمنا هذا المبحث الى مطلبين تناولنا في المطلب الأول تعريف الدفاع الشرعي، وفي المطلب الثاني تعرضنا إلى الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المواضيع.
وأما المبحث الثاني فقد خصصناه لعرض أهم المراحل التاريخية التي مرت عليها فكرة الدفاع الشرعي خلال تطورها قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحاضر من خلال مطلبين خصصنا المطلب الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي عند الحضارة الرومانية وعند الحضارة الأوروبية في وقت سيطرت الكنيسة أما المطلب الثاني فقد خصصناه من ناحية لتوضيح رأي الشريعة الإسلامية في مبدأ الدفاع الشرعي ومن ناحية أخرى لتوضيح محتوى القانون الفرنسي فيما يتعلق بحالة الدفاع الشرعي على اعتبار ان القانون الفرنسي من القوانين التي أولت عناية خاصة بهذا الموضوع.
أما الفصل الأول فسنتناول في أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري وذلك في صورة مبحثين.نتعرض في البحث الأول إلى أساس الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين، المطلب الأول حددنا من خلاله كيف تم تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي العقد الاجتماعي و المنفعة الاجتماعية، وننتقل بعدها في المطلب الثاني إلى تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي الإكراه وتنازع الحقوق.
وفي المبحث الثاني نتناول أي أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري ونميز بين الحالات العادية للدفاع الشرعي التي تشكل المطلب الأول والحالات الممتازة للدفاع الشرعي والتي تمثل المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد كان من الضروري بناء على ما تقدم أن نتعرض فيه إلى الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع الجنائي الجزائري من خلال مبحثين خصصنا المبحث الأول لبيان الشروط المتعلقة بفعل العدوان وذلك في مطلبين الأول أن يكون الخطر حالا وغير مشروع والثاني ان يهدد الخطر النفس آو المال.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الشروط المتعلقة بفعل الدفاع في مطلبين تناولنا في المطلب الأول شرط التناسب وفي المطلب الثاني شرط اللزوم.
أما الفصل الثالث فيتضمن تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته في مبحثين تعرضنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين تناولنا في المطلب الأول معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
وفي المطلب الثاني الحكم القانوني لعذر التجاوز وفقا لقانون العقوبات الجزائري أما المبحث الثاني فيتضمن إثبات حالة الدفاع الشرعي وصولا إلى معرفة ذلك قسمنا المبحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية وفي المطلب الثاني إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة.
وأخيرا نتطرق في الفصل الرابع إلى أثار الدفاع الشرعي في صورة مبحثين وضمنا في المبحث الأول الآثار المترتبة على فعل الدفاع في شكل مطلبين تضمن المطلب الأول حالة إصابة حق الغير دون عمد.
وفي المطلب الثاني حالة إصابة حق الغير عمدا.
إما المبحث الثاني خصصناه لبيان الأثر الثاني المتمثل في انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجزائي وذلك في مطلبين الأول يتضمن معنى انتفاء المسؤولية المدنية والثاني يتضمن معنى انتفاء المسؤولية الجزائية.
الفصل الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري:
بعد أن تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى مفهوم الدفاع الشرعي والى التطور التاريخي الذي مرت به هذه الفكرة قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحالي.
سوف نخصص هذا الفصل الأول لتوضيح الأساس التي يستند عليه الدفاع الشرعي لتبرير مشروعية فعل المعتدي عليه واعتباره فعلا مباحا غير معاقب عليه قانونا.
كما سنبين أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات في قانون العقوبات الجزائري حيث أن المشرع الجزائري قد عدد حالات الدفاع الشرعي في المادتين 39/ف 1 و40 من قانون العقوبات الجزائري، واعتبر كل فعل من شانه درء الخطر المحدق بالمدافع نفسه أو ماله أو مال الغير فعلا مباحا ولكن بشرط توافر شروط معينة في الخطر وأخرى في فعل الدفاع على النحو الذي سوف نبينه لاحقا في الفصل الثاني وأطلق عليها اسم الحالات العادية للدفاع الشرعي وهذا في المادة39/02 ق ع ج غير انه أجاز في بعض الحالات التي تعد من قبيل الضرورة الحالة التخلي عن بعض الشروط من بينها لزوم فعل الدفاع أو تناسب مع درجة الاعتداء وأطلق عليها اسم الحالات الممتازة لدفاع الشرعي، وقد نظمت أحكام هذه الحالات وشروطها في المادة 40 ق ع ج سواء تعلق الأمر بتحديد أساس أو أحكام الدفاع الشرعي ووصولا إلى تحليل كل هذه المواضيع.
وسنتناول بالدراسة في المبحث الأول تحديد أساس الدفاع الشرعي على ضوء النظريات المنظرة لمبدأ الدفاع الشرعي خلال مطلبين.
المطلب الأول نخصصه لبيان تعريف أصحاب نظرية العقد الاجتماعي وأصحاب المنفعة الاجتماعية أما المطلب الثاني فنخصصه لتوضيح الكيفية التي عرف بها الدفاع الشرعي في نظر أصحاب نظرية الإكراه من ناحية وأصحاب نظرية تنازع الحقوق من ناحية أخرى.
المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي:
إذا كان الاعتراف بحق الدفاع الشرعي لا يثير جدلا في التشريعات الحديثة فان أساس هذا الحق يعتبر محل خلاف بين الفقهاء.
فمنهم من يرده إلى فكرة العقد الاجتماعي ومنهم من يرده إلى فكرة المنفعة الاجتماعية وجانب أخر يرده إلى فكرة الإكراه بينما يعتبر البعض الأخر فكرة تنازع الحقوق أساس الدفاع الشرعي وفيما يلي سوف نوضح ذلك من خلال مطلبين نتناول في المطلب الأول نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة العامة وفي المطلب الثاني نظرية الإكراه وتنازع الحقوق.
المطلب الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا دراسة نظرية العقد الاجتماعي وتبين النقد الموجه لهذه النظرية ثم نتناول ثانيا نظرية المنفعة الاجتماعية وموقفها بالنسبة للدفاع الشرعي والنقد الموجه إليها في هذا الشأن.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي:
يرى أصحاب هذه النظرية ومن بينهم “توماس هوبس”(1) و ” جون جاك روسو”(2) و ” جون لوك”(3) أن الاعتداء الحاصل من شخص على آخر ويبرر حق هذا الأخير في الرد عليه، دفاعا عن النفس، لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه دفاعا عن النفس لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه وبين المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن من شروط هذا الارتباط تخلي الفرد للجماعة الممثلة بالسلطة القائمة عن حق وحماية نفسه وسلامته وحقوقه وأمواله على أن تتولى هذه السلطة الحلول محله في تامين الحماية اللازمة والمناسبة لرد الاعتداء عليه(4).
ومنه فان من يتهدده خطر جسيم في ظرف يستحيل معه على السلطة أن تتحرك فيه لسبب من الأسباب لغيابها أو عجزها أو عدم تمكنها من الإسراع في حمايته يكون قد استعاد حقه في حماية نفسه، كما لا يفترض فيه تحمل الاعتداء من قتل أو جرح أو ضرب أو سرقة…الخ.
دون رد فعل منه بحجة الخضوع للقانون الذي يمنعه من رد العدوان عن نفسه بنفس(5).
ما يمكن توجيهه لهذه النظرية أن هذه الفكرة وان كانت تصلح للدفاع عن الحقوق الشخصية فأنها لا تصلح للدفاع عن حقوق الغير(1).
يضاف إلى ذلك أن تبرير الدفاع الشرعي اعتمادا على نظرية العقد الاجتماعي يجعل الدفاع الشرعي أجراء ثانويا مكملا لأعمال الدولة مما يبعده عن طبيعته القانونية كحق شخصي ذي طبيعة خاصة يمكن الفرد اللجوء إليه لرد العدوان الذي يتعرض له، كما أنها تعجز عن تبرير مشروعية فعل التصدي للعدوان الذي يتناول نفس أو مال الغير أو الأموال العامة(2).
ثانيا: نظرية المنفعة الاجتماعية:
يرى أصحاب هذه النظرية من بينهم ” إرمابنتم(3) و “جون ستيورات ميل”(4) أن من يد اعتداء يؤدي خدمة إنسانية عليا وعامة مثل حراسة الأمن وجندي الحقوق وحامي الحريات، واذ انه من جهة أخرى يقوم بتخليص المجتمع من مجرم أثم وعدو غادر ويشكل وجوده في الحياة خطر على الكيانات البشرية، ومن جهة أخرى يؤمن انقاد مواطن صالح وعضو نافع في المجتمع يتعرض للهلاك والفناء معنى ذلك انه لا يجوز لمن كان في خطر أن يمتنع عن ممارسة حق الدفاع فلا يمكن له التنازل عن حياته أو سلامته لان هذه المقدسات الأساسية ليست ملكا له يتخلى عنها وانما تعود للمجتمع ولا يجوز المساس بها ولو من قبل صاحبها لان زوالها مرتبط بزوال الجماعات البشرية نفسها (3)
أن هذه النظرية لم تسلم من النقد، اذ في غالب الأحيان ما يدل على أن شخصية المعتدي عليه فاعل الجريمة دفاعا قد لا يقل خطورة إجرامية عن شخص المعتدي الأول وان المصلحة الاجتماعية قد تتعدى القضاء على الاثنين معا، فمن الثابث عمليا أن حالات الدفاع عن النفس لا تقتصر كلها على معتدي مجرم ومعتدى عليه شريف بل أن هذه الحالات تقع بين اشقياء معروفين بين الفريقين تصفية حسابات أو إبراز عضلات أو الانتقام وقد تكتب الغلبة لمن هو أكثر بطشا أو الأمهر في إطلاق النار(1).
المطلب الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا نظرية الإكراه ثم نتناول ثانيا نظرية تنازع الحقوق ونبين في كل مرة النقد الذي وجه إلى كل نظرية فيما يتعلق بالدفاع الشرعي ونحاول أخيرا إبراز موقف المشرع العقابي الجزائري من هذه النظريات محددين النظرية التي اعتمد عليها في تحديد أساس الدفاع الشرعي.
أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).
ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .
أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.
المبحث الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري:
أن توافر الاعتداء أو خطر الاعتداء وحده لا يعطي للمعتدي عليه الحق في الدفاع الشرعي، ذلك أن المشرع الجزائري لم يبح الدفاع الشرعي الا لرد خطر جرائم معينة وردت على سبيل الحصر كما أن المشرع وبالنظر لجسامة القتل منع الالتجاء إليه إلا في أحوال معينة وهذا ما اتفق على تسميته بالحالات العادية للدفاع الشرعي وهو ما يمثل المطلب الأول من هذه الدراسة كما أضاف المشرع حالات اخرى للدفاع الشرعي اتفق على تسميتها الحالات الممتازة للدفاع الشرعي وهذا ما يمثل المطلب الثاني.
المطلب الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي الواردة في المادة39/2 من قانون العقوبات الجزائري:
اعتبر المشرع الجزائري أن الخطر الذي يقوم به الدفاع الشرعي قد يكون على النفس وقد يكون على المال، حيث نصت المادة 39/2 ق ع ج على ما يلي:” لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير”(1) .
يتضح من نص هذه المادة أن رد الفعل يجب أن يكون لصد هجوم جعل حياة المدافع في خطر.
أولا: حالة الدفاع الشرعي عن النفس:
والمقصود بالنفس ليس فقط حياة الإنسان بل أيضا مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب وصفات وشرف وكرامة ومكانة اجتماعية وعائلية،ى كما يشمل مفهوم النفس جسد الإنسان وأعضاءه وطالما أن النفس الإنسانية لا تقتصر على الروح أو الحياة فقط فان كل ما يمس مقوماته يستوجب الدفاع عنه.
ويعاقب الفاعل عليه ولكن هل يمكن اعتبار الخطر المقصود هو ذلك الذي تنتج عنه الموت؟
الاجابة بالنفي تفرض نفسها اذ أن القول بصيرورة الحياة في خطر لا يعني بالضرورة الموت والمقصود بالخطر هو اختلال التوازن العادي بالنسبة للشخص محل موضوع المجرم وكل ما من شانه أن يخل بذلك التوازن يعتبر خطرا على حياته(2).
ويقصد بجرائم النفس التي تبيح الدفاع الشرعي تلك الجرائم اعتداء على مصلحة تتعلق بشخصية المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناتها المادية والمعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل والضرب والجرح المشار اليه في المواد من 254 إلى 274 من ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 201 إلى 216 من ق ع ج، ونص المادة 274 ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 392 إلى 404 من ق ع ج ويستوي أن يكون ذلك بسيطا أو مقترنا بظرف مشدد كسبق الإصرار والترصد ويلحق هذه الطائفة جرائم الاعتداء أو الحرية كالقبض أو الحبس دون وجه حق وارتكاب أمر مخل بالحياء مع امرأة في غير علانية أما جرائم الاعتداء على الحرية الجنسية كهتك العرض سواء بالقوة أو بغير القوة فقد أقرتها التشريعات العقابية ومن بينها المشرع الجزائري في نص المادة 336 ق ع ج التي تبيح القتل ضد فعل الاغتصاب.
اما بخصوص الاعتداءات الحاصلة بالقول والتي يعب عنها بالجرائم الماسة بشرف الإنسان كالسب والقدف، فانه يذهب رأي اغلب الفقه على اعتبار أن مثل هذا الصنف من الجرائم لا يبيح الدفاع الشرعي عن النفس ذلك لأنه لابد من الاعتداء الذي عنه هذا الحق من أن يستخدم في ارتكاب القوة المادية، وان القوة التي تستخدم لدفع مثل هذا الصنف من الجرائم لا تأتي عادة الا بعد وقوع الجريمة فعلا ومن ثم فإنها تاخد صورة الانتقام لا صورة الدفاع الشرعي ومثال ذلك: حالة اذا ما اعتلى شخص مكانا في الطريق العام وبدا في التفوه بشتائم مما يعتبر قذفا أو شيئا موجه ضد شخص أخر معين فيسارع هذا الأخير إلى إمساكه محاولا إسكاته أو حجزه في مكان مغلق بالقوة مما ينجر عنه بعض الجروح.
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن نفس الغير:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 39/02 ق ع ج على ما يلي:” لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو الغير”.(1)
ومن نص هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري أجاز الدفاع الشرعي عن نفس الغير واعتبره في نفس مرتبة الدفاع الشرعي عن نفس المدافع وبالتالي فكل ما يتعرض اليه بخصوص الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي عن نفس المدافع تنطبق أيضا على نفس الغير، أي أن الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق بشخص المجني عليه كانسان وتتعلق بحياته وسلامة جسمه كالقتل والجرح والضرب وتلك التي تعتبر من مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب و شرف ومكانة اجتماعية وكذلك جرائم الاعتداء على حرية الغير كالقبض والحبس دون وجه حق وارتكاب فعل مخل بالحياء مع امراة في غير علانية وجرائم السب والقدف وجميع الجرائم التي حمى المشرع العقابي بمقتضاها الفرد(1).
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن المال:
اعتمادا على نص المادة 39/02 ق ع ج نستنتج أن أن المشرع الجزائري انزل المال منزلة النفس فأباح الدفاع الشرعي ضد أي اعتداء يتهدده وتبعا لذلك يعتبر التشريع الجزائري في هذا المجال من التشريعات الحديثة التي كرست بصورة صريحة الدفاع الشرعي عن المال.
والمقصود بجرائم المال تلك الجرائم التي تتناول بالاعتداء حقا يحميه القانون وذا قيمة اقتصادية، وأما الجرائم التي تتناول الأموال فهي متعددة فمنها من يصيب الأموال وحدها ومنها ما يصيب النفس والمال معا، فمن الجرائم التي تصيب الأموال جرائم السرقة والاغتصاب وجرائم التخريب اما الجرائم التي تصيب المال والنفس معا فمنها الجرائم التي يكون سببها حريق أو استعمال المفرقعات مثلا والتي من شانها تعريض الأنفس والأموال للخطر.
كما يتبين من نص المادة 39/02 ق ع ج أن المشرع الجزائري قد أورد الدفاع الشرعي عن المال سواء أكان مملوك للشخص أو الغير على إطلاقه اما التشريعات الأخرى من بينها التشريع التونسي فقد لزمت الصمت بخصوص هذه المسالة(1) .
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي الواردة في المادة 40 قانون العقوبات الجزائري:
تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من ق ع ج على مايلي:” يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة شخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها اثناء الليل”.
أن هذه الفقرة الاولى من نص المادة يتيح استعمال جميع الطرق لمقاومة المعتدي كالضرب والجرح أو حتى القتل أن اقتضى الأمر ذلك ويكون حق الدفاع وارد في هذه الحالة سواء تعلق الأمر بالجرائم المرتكبة على النفس أو المال لكن هذه الاباحة ليست مطلقة بل مقرونة بشروط.
فما هي هذه الشروط؟
الشروط الواجب توفرها لتكون أمام حالة من الحالات الممتازة وهي:
- 1- لابد أن يكون أولا أن يكون الخطر مهددا بالاعتداء على حياة المدافع نفسه كاعطاءه مواد ضارة أو على سلامة جسمه كالضرب الجسيم(1). بمجرد أن يقع خطر من شانه المساس بسلامة الجسم كان يعتدي على المدافع بالضرب المبرح الذي يؤدي إلى إحداث جراح بليغة يترتب عليها عاهات وتشوهات أو مرض يفضي إلى عجز من مزاولة الحياة العملية والعادية مدة طويلة فيقوم الحق في الدفاع الشرعي بالطرق المشروعة(2)
كما أن الاعتداء على حياة الإنسان كإجباره على تناول السم مثلا أو كمية من المخدرات وغيرها من المواد الضارة التي تؤثر على حياته فتهلكه بمنح الحق الحق في الدفاع الشرعي.
- 2- ويضاف إلى هذه الجرائم الوقعة على النفس، هتك العرض، الاعتداء على امرأة أو إتيانها كرها وتدنيس شرفها بالقوة أو التهديد هي كلها جرائم أباح فيها القانون استعمال كل الوسائل للدفاع بل وحتى القتل(1).
- 3- أن يكون الاعتداء متمثلا في تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو كسر شيء منها أثناء الليل، ويستوي في ذلك دخول المنزل أو ملحقاته أن يكون قد تم فعلا أو مازال في مرحلة الشروع ولا اهمبة بعد ذلك أن يكون الدخول من الباب المخصص لذلك أو بتسلق جدار المنازل ليقوم الحق في الدفاع الشرعي(2).
ويوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الاحواش أو حضائر الدواجن أو اية ابنية أو حدائق وذلك بطرق تسلق الحيطان أو الابواب أو السقوف، ولا يكفي أن يتم الدخول إلى الاماكن بالطرق المذكورة في م 40 ق ع ج لاباحة فعل الدفاع اذ لابد من توفر شرطين أساسين:
- 1- أن يكون المكان مسكونا فعلا وليس معدا لسكن.
- 2- أن يكون الدخول تم فعلا في الليل.
أولا: أن يكون المكان مسكون فعلا وليس معدا للسكن فلا يكفي أن يكون معدا للسكن فقط، ولكن لم يسكنه احد بعد ولكن القانون لا يتطلب وجود سكان وقت دخول المعتدي فقد يقع الاعتداء عند مغادرته ويصدر الدفاع من احد الجيران أو الحارس وهنا يكون الفعل مباحا لان الدفاع من الغير يعد مشروعا(3).
ويعد سكن كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة متى كان الشخص يسكنه على سبيل الدوام والاستقرار، فلا يدخل في هذا الإطار الفنادق و غيرها من أماكن السكن الخاصة.(1)
اما الواقع هي أماكن غير مسكونة ولا مأهولة بالسكان لكنها متصلة به كالحديقة والمخازن الاحواش وجراج السيارة أو اصطبل المواشي(2).
حتى وان كانت محاطة بسياج خاص أو سور عام.
والمشرع استعمل عبارة “أو كسر شيء منها اثناء الليل” نية المعتدي كسر شيء بعد التسلق جازت تسمية الموقف بحالة دفاع شرعي ويكون مثلا بفتح أي أجهزة من أجهزة الإقفال أو بكسره بأية طريقة.
أن الدخول إلى منزل مسكون أو إحدى ملحقاته بتلك الطريقة المذكورة في م 40ق ع ج لا يبيح وحده الدفاع الشرعي اذ لابد ن يتم ذلك ليلا.
ثانيا: يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يقع الاعتداء ليلا، وفي حالة وقوعه نهارا يفقد الامتياز الممنوح له بالمادة40 ق ع ج وبهذا جعل المشرع الجزائري من ميزة الدخول ليلا قرينة على سوء القصد والتهديد بخطر جسيم يبرر نعه بالقوة التي تصل إلى حد القتل، فمن يدخل سكن الغير ليلا دون رضاه ودون أن يكون في وسع حائز المنزل العلم بغرضه، اذ من المتصور أن يكون يريد شرا قد يكون بالغ الخطورة كالقتل أو السرقة أو اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة يكون لصاحب المنزل الحق في مقاومته بكل الطرق المشروعة المذكورة في المادة 40ق ع ج .
ويقصد بالليل الفترة الزمنية بعد شروق الشمس وقبل غروبها والمغزى من اشتراط الدخول ليلا لنكون أمام حالة من حالات الممتازة لدفاع الشرعي ما يحدثه الدخول المفاجيء في حلكة الليل من هلع في نفس المدافع والسبب في ذلك كون الليل ظرفا موحشا يتسم الكون فيه بالهدوء بالإضافة إلى صعوبة الاستعانة بالآخرين ليلا. وهو يعطي للجاني فرصة اكبر لإتمام فعلته(1).
والسؤال المطروح هو مجرد الدخول ليلا حسب نص المادة 40 ق ع ج يحمل بذاته فعلا قرينة الإجرام بحيث يصح لصاحب الدار أن يعتبره اعتداء على ماله أو نفسه.
فالمنطق يدعونا لتطبيق الأحكام العامة لنظرية الدفاع الشرعي هذه الحالة يكون المدافع في هذه الحالة مسؤولا عن جريمته على أساس العمد.
الحالة الثانية المنصوص عليها في م 40 ق ع ج .
تنص م /0240 ق ع ج على مايلي: ” يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
الفعل الذي يرتكب لدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكب السرقات أو النهب بالقوة”.
وشرط قيام هذه الحالة:
على أن يهدد الخطر النفس أو المال ويستوي فيها أن يكون الخطر موجها إلى المدافع أو الغير وهذا خلافا للحالة الاولى التي لابد أن يهدد الخطر المدافع نفسه.
ثانيا ان يقع التهديد من أشخاص يرتكبون السرقات أو النهب بالقوة سواء أكان التهديد أو الخطر ليلا، أو نهارا وهذا خلاف الحالة الاولى(2).
أن المشرع اباح حق الدفاع ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة واعتبره أمرا خطيرا جعل المجتمع تحت رحمة سلطة الأشرار أو قطاع الطرق وشعارهم البقاء للأقوى، لذلك فقد أباح المشرع الدفاع الشرعي في هذه الأفعال حاثا الناس على الدفاع عن حقوقهم ضد السرقات التي ترتكب بالقوة والإكراه ودون التقييد بالشروط التي جاءت بها النظرية العامة للدفاع الشرعي.
وتعالج هذه الحالة جميع أنواع السرقات بالإكراه التي ترتكب في الطرق العمومية(1).
وبهذا فقد أجاز المشرع للفرد أن يدافع عن ملكه أو ملك الغير وعن نفسه وعن نفس الغير ضد مرتكبي جرائم السرقة والنهب سواء حدث ذلك ليلا أو نهارا.
نلاحظ أن المشرع الجزائي قد اباح حق استعمال القتل اذا تعلق الامر بحالة من حالات الممتازة وهو اشد أفعال الدفاع جسامة، وهذا ما لم يسمح به في المادة 39/02 ق ع ج الا بعد توافر كل الشروط منها ضرورة أن يكون الفعل متناسبا مع جسامة الخطر فاذا وجدت وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده كانت اقل جسامة من القتل بتحطيم السلاح الذي يستعمله أو تمزيق ملابسه أو حبسه الوقت اللازم للاستعانة بالسلطات، أو ضربه حتى يغمى عليه لكنه مع هذا لجا إلى القتل اعتبر هذا تجاوز لحق الدفاع ويكون مرتكبه مسؤولا جنائيا.
أما اذا كان المدافع أمام حالة من الحالات الممتازة فله أن الجرح أو يضرب أو يقتل اذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي الخطر الذي يهدد حياته أو سلامة جسمه، أو للدفاع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة(2)
الفصل الثاني: الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع الجزائي الجزائري:
أن الدفاع الشرعي يفترض وجود فعل اعتداء من ناحية وفعل دفاع من ناحية أخرى ومن الضروري توفر شروط معينة في كلا الفعلين حتى يرتب فعل الدفاع الشرعي أثره في إباحة فعل الدفاع، وتحديد هذه الشروط ومدى توافرها ضروري لتمكين المحكمة من مراقبة توافر الدفاع الشرعي(1).
أما فيما يتعلق بموقف المشرع الجزائري من هذه المسالة فقد بينت المادة 39/02 و 40 من ق ع ج أن ثبت شروط ينبغي توافرها حتى تقوم حالة الدفاع الشرعي، وهذه الشروط ترجع أما إلى فعل الاعتداء الذي يبرر الدفاع ( شروط الاعتداء) وأما ما يقع على المعتدي عليه دفاع لتعدي ( شروط الدفاع).
ووصولا لتوضيح الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب رأي المشرع الجزائري قسمنا هذا الفصل الثاني إلى مبحثين.
تعرضنا في المبحث الأول إلى الشروط الواجب توفرها في فعل العدوان وذلك في مطلبين نتناول في المطلب الأول الشرط الأول وهو أن يكون الخطر حال وغير مشروع وفي المطلب الثاني الشرط الثاني المتعلق بفعل العدوان هو أن يهدد الخطر النفس أو المال.
أما المبحث الثاني تعرضنا من خلاله إلى الشروط الجوهرية التي استوجب المشرع الجزائري توفرها في فعل الدفاع في مطلبين، وضحنا في المطلب الأول الشرط الأول والمتمثل في شرط التناسب أما المطلب الثاني خصصناه لدراسة الشرط الثاني والمتمثل في شرط اللزوم.
المبحث الأول: الشروط المتعلقة بفعل العدوان:
أن العدوان باعتباره إهدارا لحق أو تهديد له من توافره على بعض الصفات لكى يثبت حق المعتدي عليه في استعمال القوة لرده ولفظ الاعتداء لا يتعلق بالفعل في حد ذاته وإنما الخطر الذي يهدد المعتدى عليه، ذلك أن فعل الدفاع يتجه إلى الخطر لصده قبل أن يتحول إلى اعتداء فعلي والخطر الواجب مواجهته وصده بفعل الدفاع هو اعتداء حال على حق يحميه القانون(1).
ويتوسع القانون في تحديد الخطر الذي يقوم به الدفاع الشرعي فيستوي خطر المدافع نفسه والخطر الذي يهدد غيره بمعنى أن المشرع يبيح لكل شخص أن يدافع عن حقوقه كما يبيح له أن يدافع عن حقوق غيره ولا يتطلب ذلك وجود صلة تربط بين من يصدر عنه فعل الدفاع وصاحب الحق المعتدي عليه والدفاع جائز عن النفس وعن المال والدفاع جائز سواء كان الخطر جسيما أو غير جسيم(2).
وبناء على المادة 39/02 ق ع ج يمكننا أن نقسم الشروط المتعلقة بفعل الاعتداء إلى قسمين: أن يكون الخطر حالا غير مشروع، وان يهدد الخطر النفس أو المال، ولتوضيح ما تم تقديمه قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين: تناولنا في المطلب الأول معنى الخطر الحال غير المشروع، وفي المطلب الثاني بيان مضمون أن يهدد الخطر المال أو النفس باعتبارها شرط لقيام فعل العدوان وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: أن يكون الخطر حالا وغير مشروع:
حق الدفاع الشرعي يوجد إذا واجه المدافع خطر حال يتعذر معه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب وهذا الخطر الحال يكون ناتج عن فعل غير مشروع أي أن هذا الفعل يهدد بوقوع جريمة أو استمرارها(1) وسوف نبين ذلك وفق الترتيب التالي:
الشرط الأول: أن يكون الخطر حالا:
يشترط باعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون الاعتداء الذي يرمي إلى دفعه حالا أو وشيك الحلول وهو ما يعبر عنه نص المادة 39/02 ق ع ج بلفظ الضرورة الحالة للدفاع الشرعي أو المشروع فإذا زال الخطر أو تحقق الاعتداء فلا محل للدفاع ويسال المعتدي عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد المعتدي بعد وقوع الاعتداء لان استعمال العنف في هذه الحالة يكون من قبيل الانتقام الفردي الذي يعاقب عليه ومع ذلك فان المعتدي عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة بسبب الاعتداء الذي وقع عليه، ويكون الخطر حالا في إحدى الصورتين:
- 1- أن يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك أن يبدأ.
- 2- أن يكون الاعتداء قد بدا فعلا لكنه لم ينته بعد.
ففي الصورة الاولى يتجه الدفاع إلى المعتدي لمنعه من البدا في عدوانه وفي الصورة الثانية يتجه لمنع المعتدي من إكمال عدوانه(2).
الصورة الاولى:
حيث يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك أن يبدأ أي أن الخطر وشيك وذلك بصدور أفعال من المعتدي يجعل من المنتظر أن يبدأ بالاعتداء فورا كمن يخرج مسدسه للاعتداء على شخص أخر و يبدأ في تعبئته بالطلقات فالمهدد بهذا الخطر يجوز له الدفاع على الرغم من أن الاعتداء لم يبدأ إذ أن الخطر الذي يهدده حالا والقانون لا يلزم المهدد بخطر الاعتداء أن ينتظر وقوع الاعتداء حتى يبيح له الدفاع بل يجيز له الدفاع بمجرد أن يتهدده خطر وشيك الوقوع، ولتحديد ما إذا كان الخطر وشيكا أو مستقبلا يتعين افتراض وجود شخص معتاد احاطة به ظروف المهدد بالخطر ونتساءل عن كيفية تقرير هذا الشخص لخطر فهل يراه وشيكا ام مستقبلا.
فالمعيار الموضوعي قوامه الشخص المعتاد ولكنه يطبق بالنظر إلى الظروف واقعة معينة، فهو موضوعي حتى نتجنب التقرير المنحرف للمهدد بالخطر وهو واقعي لأنه يجوز إغفال الظروف التي أثرت على تفكير المهدد بالخطر(1).
الصورة الثانية:
حيث يكون الاعتداء قد يبدا فعلا لكنه لم ينته بعد وتفترض هذه الصورة للخطر الحال فالمعتدي قد ضرب المعتدي عليه مرة ويستعد لان يوجه اليه ضربات تالية أو استولى على بعض ما يملك ويستعد للاستيلاء على ما تبقى لديه.
فالدفاع جائز بغير شك لتفادي الاعتداء الذي يوشك أن يتحقق أما إذا انتهى الاعتداء تنتفي عن الخطر صفة الحلول فلا محل للدفاع اذ انه لن يدرا خطر حالا وكل عنف يقع من المعتدي عليه يعتبر فعلا غير مشروع وتطبيقا لذلك فاذا اعتدى شخص على اخر بالضرب ثم فر فتبعه المجني عليه حتى لحق به فضربه فلا يمكنه الاحتجاج بالدفاع الشرعي فلم يكن هناك محل للدفاع بعد هرب المعتدي، كذلك إذا استطاع المعتدي عليه انتزاع السلاح من يد المعتدي فصار اعزل لا يصدر عنه خطر فلا محل للدفاع(1).
وان اشتراط حلول الخطر كشرط لتبرير استعمال القوة اللازمة لدرئه يثير التساؤل حول الموقف من الخطر الوهمي والخطر المستقبلي:
أ- الخطر الوهمي:
قد تحيط بالشخص ظروف من شانها إيهامه بان تمت خطر حال يهدده فيقوم تحت تأثير الاضطراب والانفعال إلى إتيان أفعال مادية تتميز بالعنف والقوة على سبيل الدفاع توصلا لحماية نفسه أو ماله ثم تتبين النتيجة بعد استنفاد تلك الأعمال وأحيانا بعد وقوع الآثار الضارة المترتبة عنها ومن الواضح أن مثل هذه الحالة تثير الكثير من التساؤلات والجدل القانوني حول ما إذا كان يجوز للفاعل أن يتدرع بحق الدفاع الشرعي كسبب إباحة أو تبرير وما إذا كان وضع الفاعل يتعادل أو يتساوى مع وضع من تعرض إلى خطر حال كان يبصر المتهم شخصا مقبل نحوه في الظلام يحمل شيء غثير واضح فيعتقده خصما له يحمل سلاحا يقصد الفتك به فيعاجله باطلاق النار عليه ويجرحه أو يقتله ثم يتبين بعد ذلك أن أن المجني عليه شخص عابر وينقل غرض عادي (2).
وقد اتجهت محكمة النقض الفرنسية في هذا المجال إلى التفرقة بين حالتين:
وهما الخطر المشابه للخطر الحال فإذا كان الخطر معقولا في حدوثه بان كانت هناك دلائل ملموسة مستخلصة من سلوك المعتدي حركاته أو كلامه تجعل الشخص يعتقد أن خطرا يهدده فان الدفاع يكون جائزا وفي هذا الصدد قضت باباحة فعل الأب الذي أطلق عيارا ناريا على شخص كان يوجه مسدسه إلى ابنه معتقدا انه يريد قتله ولكنه كان في حقيقة الامر يداعبه.
أما إذا كان الخطر في حقيقته خياليا لا تدعمه ظاهرة ملموسةبحقيقة وبإمكانية وقوع عدوان لا يكون الدفاع الشرعي جائزا(2)
أما القضاء المصري فيرى أن الاعتداء الوهمي يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي فإذا كان المدافع قد توهم وجود خطر أي خطر حقيقي يحدق به وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة فان الفعل الذي يأتيه ردا لهذا الاعتداء الوهمي يعد شرعيا ويقدر موقف المدافع وفقا لموقف الشخص المعتاد الذي وجد في مثل ظروفه القول بمعقولية أسباب الاعتقاد وعلى ذلك فمن وجه إلى أخر سلاحا خاليا من الطلقات وممسكا بزناده فان ذلك يبرر قيام حالة الدفاع الشرعي وقد ساير المشرع المصري هذا الاتجاه حيث أورد في المادة 249 من قانون العقوبات عبارة ” … التخوف ويشترط أن يكون هذا التخوف مبنيا على أسباب معقولة…”(1).
إذا كان هذا هو الحال في مصر فان الأمر مختلف في الجزائر حيث أن المشرع الجزائري نص في المادة 39/02 ق ع ج على أن يكون العدوان حالا وهذا الشرط مستخلص من عبارة “الضرورة الحالة” ولذلك يمكن القول بان سبب الإباحة لا يتوافر في فعل الشخص الواهم وذلك لان أسباب الإباحة موضوعية لا شخصية يجب البحث عنها في الظروف المحاطة بالسلوك المادي للشخص فالخطر الذي يبرر الدفاع الشرعي هو اذن الخطر الحقيقي لا الخطر الوهمي لأنه دفاع غير مشروع (2).
ب- الخطر المستقبلي:
تنتفي عن الاعتداء صفة الحلول إذا كان الخطر الذي يهدد به مستقبلي فاذا هدد شخص شخصا أخر بأنه سيقتله بعد يوم أو بعد أسبوع فان الخطر لا يكون وشيكا انما مستقبلا أو محتملا يمكن تداركه بالالتجاء إلى السلطات العامة في الوقت المناسب وتنتفي بذلك شروط الدفاع الشرعي(1).
ويثور التساؤل عن حكم وضع وسائل الدفاع الميكانيكية عن النفس أو المال كمن يضع فخا لحماية نفسه أو بيته ثم جاء لص واقتحم المنزل و السيارة فأصابه الفخ، ففي هذا الغرض لا يمكن القول أن الخطر مستقبل أو محتمل لان العبرة في وصف الخطر لا يكون بوقت وضع الفخ وإنما بالوقت الذي أحدث فيه هذا الفخ الإصابة أو القتل ففي هذا الوقت كان الخطر حالا وتوافرت شروطه وبقى بعد ذلك التأكد من توافر باقي شروط الدفاع حتى يتمكن الاستناد إليه لتبرير الإصابات أو القتل الذي أحدثه الفخ(2).
الشرط الثاني أن يكون الخطر غير مشروع:
ويوصف الخطر انه غير مشروع إذا كان من شانه أن يحقق اعتداء محتملا على مصلحة يحميها القانون بمعنى أن يهدد وتتحقق نتيجة إجرامية معينة فمن يهدد شخصا بسلاح في يده ينشا بفعله خطر يهدد حق المعتدي عليه في الحياة وهو حق يحميه القانون الجنائي ويهدد بتحقيق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي ويعد الخطر الذي ينشا عن هذا الفعل غير مشروع(3).
والمعيار في اعتبار الخطر غير مشروع يقتضي البحث عن النتيجة التي يحتمل أن يحققها هذا الخطر والتأكد من أنها تمثل اعتداء على حق يحميه القانون وهذا يعني أن المعيار في اعتبار الخطر غير مشروع هو معيار موضوعي.
اذ لا يقتضي غير دخول الاعتداء المحتمل نطاق احد نصوص التجريم، على ذلك فان المعتدي عليه لا ينتظر تحقق نتيجة الخطر الذي يتهدده بل له الحق في الدفاع بمجرد قيام الخطر غير انه يشترط أن يكون الاعتداء بفعل يعد في القانون جريمة سواء كانت تامة أو بتصور الشروع فيها سواء كانت جريمة ايجابية ام سلبية ويستوي أن يكون الاعتداء محققا بالفعل وان يكون هناك خطر أو اعتداء وشيك الوقوع محتملا تحققه(1) .
وهذا اعتبار الصفة غير المشروعة للخطر شرطا من شروط الدفاع الشرعي يتير التساؤل حول مدى الاحتجاج بالدفاع الشرعي ازاء بعض أنواع العدوان وسوف نتناول منها الدفاع الشرعي ضد فعل مباح وأخيرا إذا كان المعتدي مستفيدا من عذر أو غير مسؤولا جنائيا.
ا- الدفاع الشرعي ضد فعل مباح:
إذا كان الاعتداء مشروع فلا قيام للدفاع الشرعي ويكون كذلك إذا كان خاضعا لسبب إباحة فتوافر احد أسباب الإباحة يحول الفعل غير المشروع إلى فعل مشروع لا يجوز للابن أن يدافع عن نفسه ضد تأديب الأب أما إذا جاوز هذا الاخير الحد المقرر قانونا فان الفعل المتجاوز غير مشروع(2).
ولا قيام للدفاع الشرعي إذا كان الاعتداء تنفيذا الأمر الصادر عن الرئيس أو تأمر به القوانين، فالموظف الذي ينفذ أمر القانون أو أمر الرئيس ويرتكب أفعالا تنطوي على خطر يصيب الأشخاص و الأموال أو يلحق بهم ضررا لا يجوز مقاومتها بحجة الدفاع الشرعي لان هذه الأفعال تعتبر مشروعة لأنها مقترنة بسبب يبررها وهو تنفيذ القانون أو أمر الرئيس وتنطبقا لذلك لا يجوز لمن يقبض عليه بناء على أمر قبض تتوافر فيه كل الشروط المتطلبة قانونا أن يقاوم رجل الشرطة الذي ينفذ الأمر من ممثل السلطة العامة فعلا غير مشروع إذ انه يدخل في نطاق تجريم نص من نصوص قانون العقوبات ويترتب على ذلك أن من وقع عليه هذا الاعتداء يستطيع الاحتجاج بالدفاع الشرعي إذا قاوم بالعنف ممثل السلطة العامة الذي انتهك حرمة منزله بغير رضاه وفي غير الحالات المقررة في القانون وبغير الإجراءات المنصوص عليها فيه.
ومن أمثلة ذلك الني ينتفي فيها الدفاع الشرعي إذا توافر سبب من أسباب الإباحة، من صدر منه اعتداء على شخص أخر واستعمل هذا الأخير حقه في الدفاع الشرعي لا يجوز للمعتدي أن يحتج بدوره بالدفاع الشرعي ردا على العنف الذي استعمله المعتدي عليه دفاعا عن النفس، فلا دفاع ضد دفاع على أن الدفاع لا يعتبر مشروطا الا إذا التزم المدافع بشروط الإباحة وقيودها فإذا جاوز الإباحة حدودها فيعتبر فعل الدفاع غير مشروع، ويجوز الدفاع ضد هذا القدر من التجاوز الذي يوصف فيه الخطر خطر فعل غير مشروع(1).
الفقرة ب: الدفاع الشرعي إذا كان المعتدي غير مسؤولا جنائيا:
إذا كان معيار وصف الخطر بأنه غير مشروع هو معيار موضوعي لا يقتصر على غير التحقق من أن الاعتداء على حق يحميه القانون، وإذا اعتبر الخطر انه غير شرعي فالعبرة بان يكون من ارتكب الفعل المنشئ لهذا الخطر قد توافر لديه مانع من موانع المسؤولية الجنائية وتطبيقا لذلك من يتعرض لاعتداء صادر من مجنون أو صغير لم يبلغ السابعة أو شخص واقع تحت إكراه يجوز له الدفاع عن نفسه وهناك رأي يقول أن فعل الدفاع الذي يقوم به من يتعرض لاعتداء شخص غير مسؤول، فلا يمكن أن يوصف بأنه خطر غير مشروع ولذلك يمكن تشبيه اعتداء مجنون فعلا كاعتداء الحيوان وللمعتدي عليه أن يحتج في حادث مقومته لحيوان بحالة الضرورة وهو ما ذهب اليه الفقه الفرنسي، ويرى هذا الرأي بأنه إذا كان المعتدي غير مسؤول جنائيا فان ذلك لا ينفي عن فعله الصفة غير المشروعة(1).
بالقبض علبه ولا يجوز لمن ينفد فيه حكم الإعدام الواجب النفاد فيه مقاومة الموظف الذي يتولى إعدامه ولا يجوز كذلك الدفاع الشرعي في مواجهة الموظف الذي يرتكب عملا مخالفا للقانون بحسن نية بعد التحري والتثبت فان كانت حقيقة هذا الفعل لا تقوم به جريمة عمدية لانتفاء القصد الجنائي.
وبمقتضى تطبيق القواعد السابقة أن مأمور الضبط الذي يخرج عن حدود وظيفته اثناء عمله وكان هذا الخروج يعد جريمة غير عمدية أو غير مشروع أن يباح الدفاع الشرعي ضده نظرا لان هذا الوضع يؤدي إلى عرقلة هذه الفئة من الموظفين العمومين عن اداء واجبها المنوط بها القيام به.
تعرض المشرع المصري لهذه المشكلة في م 248 ق ع التي جاء فيها: ” لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة احد مأموري الضبط القضائي أثناء قيامه بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تعطى لمأمور حدود وظيفته الا إذا خيف أن ينشا عن أفعاله موت أو جراح بالغة وكان لهذا التخوف أسباب معقولة”.
ويشترط لقيام الدفاع الشرعي طبقا لنص هذه المادة الشروط التالية:
– أن يكون الموظف المعتدي من مأموري الضبط.
– أن يكون العمل الذي يصدر من مأمور الضبط داخلا في نطاق اختصاصه الوظيفي.
– أن يكون مأمور الضبط حسن النية.
– أن لا يكون ثمت تخوف من أن يترتب على فعل مأمور الضبط موت أو جراح بالغة.(1)
أما بالنسبة للتشريع الجزائري فان المشرع اعتبر دخول رجال السلطة إلى مساكن الأفراد في غير الحالات المحددة قانونا جريمة تعاقب المادة 135 من ق ع ج الموظف في هذه الحالة، أما بالنسبة للتشريع الجزائري نصت المادة 135 ق ع ج على أن : ” كل موظف في السلك الإداري أو القضائي وكل ضابط شرطة وكل قائد أو احد رجال القوة العمومية دخل بالصفة المذكورة منزل احد المواطنين بغير رضاه وفي غير الحالات المقررة في القانون وبغير الإجراءات المنصوص عليها فيه، يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من 500 إلى 2000 د ج ” ومن هذه المادة يعتبر الفعل الصادر.
الفقرة جـ : الدفاع الشرعي إذا كان المعتدي يستفيد من عذر قانوني:
إذا كان المعتدي يستفيد من عذر قانوني فمعنى ذلك أن فعله غير مشروع، وان القانون يعاقبه واذا كان يلتمس له سببا للتخفيف فالزوج إذا ما فاجأ زوجته متلبسة بالزنا وحاول قتلها في الحال هي ومن يزني بها كان فعله غير مشروع وكان معاقبا من اجله ونتيجة لذلك كان لزوجة وشريكها الاحتجاج بالدفاع إذا قاوما الزوج(2).
أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائي في هذه الصورة فقد نصت المادة 279 ق ع ج على انه:” يستفيد مرتكب القتل أو الجرح أو الضرب من الاعدار إذا ما ارتكبها احد الزوجين على الأخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئها فيها في حالة تلبس بالزنا” من هذا النص نستخلص أن المشرع يستلزم توفر ثلاثة شروط هي:
- 1 – مفاجأة احد الزوجين الأخر متلبسا بالزنا.
- 2- أن بقع الاعتداء في الحال على احد الزوجين وعلى شريكه.
- 3- وقوع الاعتداء من احد الزوجين.(1).
المطلب الثاني: أن يهدد الخطر النفس أو المال:
توسع المشرع الجزائري في تحيد الخطر الذي يقوم به الدفاع الشرعي فتنص المادة 39/02 ق ع ج على جواز الدفاع عن الغير و عن مال الغير كما يجوز كذلك للشخص أن يدافع عن ماله وعن نفسه ولم يتطلب النص أي صلة تربط بين صاحب الحق والمعتدي عليه وهذا النص حاء عاما وشاملا وسوف نبين ذلك وفق الحالتين التاليتن:
أ- جرائم النفس:
هي الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق بشخص المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناته المادية أو المعنوية، سواء كان الاعتداء على المدافع أو غيره، ومثال ذلك الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي جرائم العرض كلها سواء كان هذا الهتك بغير قوة أو بقوة فيستوي أن يكون الاعتداء في صورة جنائية أو جنحة بل أن الاعتداء لو وقع في صورة مخالفة قد يبيح حق الدفاع الشرعي ومن ذلك الإمساك بشخص على شخص على غير إرادته أو إخراجه من مكان بالقوة بشدة أو بدفعه بلا جرح أو ضرب حسب قانون العقوبات الجزائري.
جرائم الاعتداء على الحرية الشخصية كجرائم التصنت وإفشاء الأسرار م 296، 297، 298 من ق ع ج وجرائم الاعتداء على الحرية الجنسية كهتك العرض والاغتصاب م 336 ( تعديل الأمر رقم 47/1975) وجميع هذه الجرائم ضد النفس أو الغير تجيز الدفاع الشرعي بغض النظر عن درجة جسامتها، فطالما كان الخطر غير مشروع ضد النفس كان للمعتدي عليه ان يدافع عن نفسه أو غيره دفاعا شرعيا(1).
ب: جرائم الأموال:
وهي الجنايات والجنح ضد الأموال كما سماها المشرع في الفصل الثالث المواد 350، 351، 352، إلى 362 ق ع ج وهي جرائم السرقات جنايات كانت ام جنح والإتلاف والحريق العمدي وهي مذكورة في قانون العقوبات الجزائري.
فمثلا جرائم السرقة والاغتصاب ح 350وما بعدها وجرائم انتهاك حرمة الغير م 355 وما بعدها وجرائم الكسر والتخريب والتعذيب م 356 ق ع ج فكل هذه الجرائم تبيح فعل الدفاع الشرعي بالإضافة إلى الدفاع عن الشرف. وعلى حق الولاية والعاطفة الدينية والأدبية إلى غير ذلك من المشاعر المتعلقة بالشخص المدافع.(1)
المبحث الثاني: الشروط المتعلقة بفعل الدفاع:
إذا توافرت في المعتدي الشروط المذكورة سابقا وجد المعتدي عليه نفسه في خطر داهم أو خطر قائم حق له استعمال القوة اللازمة لدفع هذا الخطر.
واستعمال القوة اللازمة لصد العدوان يفيد أن القانون أباح للمعتدي عليه القيام بأفعال هي أصلا من قبيل الجرائم المنصوص غليها بالقانون ولذا وجب على المدافع أن يعي بأنه ليس له أن يؤثر على الاعتداء كيف ما يشاء(1)
المطلب الأول: اللزوم:
يعني هذا الشرط أن يكون فعل الدفاع لازما أي ضروريا لرد الاعتداء فإذا كان بامكان المدافع رد الاعتداء بفعل لا يعد جريمة فليسه الالتجاء إلى أفعال مجرمة للدفاع الشرعي ومثال ذلك أن يكون باستطاعة المدافع أن يجرد خصمه من سلاحه الذي يهدده به دون تعريض نفسه للخطر، ففي هذه الحالة لا يجوز له استعمال الدفاع الشرعي بقتل خصمه أو إيذاءه، فهذا بعد من قبيل الانتقام لا درء خطر(1).
وشرط اللزوم مستمد من نص المادة 39 التي تقضي بان يكون الفعل لازما لدرء الخطر ويكون فعل الدفاع لازما لدرء العدوان إذا توافرت الشروط التالية:
الشرط الأول: وجود العدوان وقت الدفاع:
معنى ذلك أن يكون هناك خطر يهدد إلحاق سواء كان وقع ولم ينته أو وشيك الوقوع ومن ثم فان الخطر المستقبلي لا يبيح الدفاع الشرعي لان الخطر لا يتصف بالحلول والجدية، حيث يجب على المهدد بخطر مستقبلي الاحتماء بالسلطة واللجوء إلى غير الجريمة لمنع التهديد وبانتهاء الاعتداء لا يحق الدفاع الشرعي وتحديد الاعتداء يتم بالرجوع إلى النتيجة الإجرامية التي تحقق النتيجة جبرا أو اختيارا(2) .
الشرط الثاني: أن يكون الدفاع هو الوسيلة الوحيد لصد العدوان:
ومن ثم فان السؤال يطرح عن مدى لزوم ارتكاب جريمة للدفاع يلاحظ انه إذا تعد الدفاع بغير فعل الدفاع فن الدفاع الشرعي يتحقق أما إذا أمكن درء العدوان بفعل لا يعد جريمة فان الدفاع الشرعي ينتفي فعليه فإذا أمكن لرجل الشرطة إيقاف اللصوص بإطلاق النار في الهواء فلا يجوز اللجوء إطلاق النار عليهم طالما كانت هناك وسيلة أخرى لإيقافهم وعبارة الضرورة الحالة التي استعملها المشرع تفيد استحالة إيقاف العدوان بغير فعل الدفاع، أما إذا لم تكن هناك استحالة إيقاف العدوان بغير فعل الدفاع أما إذا لم تكن هناك استحالة فلا يحق الدفاع الشرعي ويثير البحث في هذا الشرط مشكلتين الأولى: هل باستطاعة اللجوء إلى الاحتماء بالسلطات العامة يحول دون الاحتجاج بالدفاع الشرعي؟ والثانية هل استطاعة الهرب من المعتدي تحول دون إباحة فعل الدفاع؟
بالنسبة للمشكلة الأولى استقر الفقه على أن الدفاع الشرعي هو صفة احتياطية بحيث لا يلجا إليه إلا عند عجز السلطة العامة من حماية المعتدي عليه، حيث انه إذا كان اللجوء إليها ممكنا فلا محل للدفاع الشرعي غير أن الفقه اشترط هذه الحالة أن يكون اللجوء إلى السلطة مجديا ويستفاد هذا من عبارة الضرورة الحالة (1).
أما بالنسبة للمشكلة الثانية فقد ثار تساؤل بشان الهروب إذا كان هو الوسيلة المتاحة لتفادي الاعتداء غير استخدام القوة فهل يتعين على المعتدي عليه الهروب من وجه المعتدي لان فعل الدفاع في هذه الفرض لا يكون لازما.
والراي السائد في الفقه والقضاء يرفض اعتبار الهرب وسيلة يمكن بها صد الاعتداء لان الهروب في اغلب الحالات يعرض صاحبه للسخرية والاستهزاء نظرا لما ينطوي عليه من مظاهر الضعف والجبن ولا يحق بالقانون أن يجبر إنسان أن يكون جبانا يفر امام المخاطر ولا يدافع عن نقسه ضد العدوان يضاف إلى ذلك أن الدفاع حق والهرب مشين ولا يجبر صاحب الحق على النزول عنه واللجوء إلى مسلك مشين(2) .
الشرط الثالث: أن يتجه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر:
أن الدفاع قد تقرر لمواجهة الخطر الذي يهدد الحق ومن ثم لكي يتحقق الدفاع الشرعي لابد أن يتجه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر وعليه فإذا ترك المعتدي عليه مصدر الخطر وصوب فعله اتجاه شخص أخر فان الدفاع لا يكون الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء فمن يهاجمه شخص لا يحق له توجيه فعله إلى الغير، هذا ولا يشترط اتجاه فعل الدفاع إلى جسم المعتدي يكفي أن ينصب على حق من حقوقه كإتلاف سلاحه أو قتل كلبه وعلة ذلك أن الدفاع ليس حقا مطلقا يقوم في مواجهة الكافة فاذا وجه المعتدي عليه فعله إلى شخص أخر فان فعله يجري عليه أحكام القواعد العامة بما يترتب على ذلك من عقاب الشخص أو امتناع عقابه(1).
المطلب الثاني: التناسب:
إذا أباح القانون فعل الدفاع فهو يبيحه في القدر الضروري لدرء الخطر ومازاد عن ذلك فلا ضرورة له ولا مبرر لإباحته ويعني ذلك انه إذا كان في وسع المعتدي عليه أن يدرء الخطر بفعل معين فلا يباح له أن يدرءه بفعل اشد والصعوبة التي تثيرها دراسة تناسب الدفاع مع جسامة الخطر تتعلق بتحديد معيار التناسب إذ أن تحديده لا يخلو من الدقة بالنظر إلى تنوع الاعتبارات التي تتعين مراعاتها للقول بالتناسب من عدمه على سبيل المثال نشير إلى أن المعتدي عليه قد لا تكون لديه اداة تماثل ما عند المعتدي كما أنهما قد يتفاوتان في القوة البدنية تفاوتا كبيرا ثم أن المعتدي عليه قد يفزعه الاعتداء فلا يحسن التصرف ولا يصيب في تقدير جسامة الخطر أو جسامة الفعل الذي يدفعه(1).ممارسة حق الدفاع الشرعي مرهون بالتزام حدوده والا خرج المدافع عن دائرة المباح ويسقط في المحظور، وقد نص المشرع المصري على هذا الشرط وبذلك اسند الفقه إلى المشرع انه أراد باستعماله عبارة القوة اللازمة لرد العدوان اشتراط التناسب بين الدفاع والاعتداء.
أما المشرع الجزائري فقد نص على هذا الشرط في المادة 39/02 بقوله ” يشترط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الخطر”(2).
وبالتالي يتطلب التناسب توفر أمرين:
- الأول: أن يكون فعل الدفاع اقل ضررا من الأفعال الأخرى التي كانت ممكنة لصد الاعتداء.
- الثاني: أن يكون الفعل متناسبا والخطر الذي تعرض له المدافع.
ويفترض الأمر الأول أن المدافع وقد نشا له الحق في استخدام القوة لصد الاعتداء وكانت توجد أمامه أكثر من وسيلة يلجا إليها فاستخدام اقلها إحداثا للضرر فإذا تبين أن المدافع كان في وسعه دفع الاعتداء بأقل ضرر من ذلك الذي تحقق بالفعل فلا تكون فعل الدفاع متناسبا ام يكون هناك تجاوز للدفاع الشرعي وعلى العكس يكون التناسب قائما إذا اثبت أن الوسيلة التي استخدمها المدافع في ظروف استعمالها كان الانسب لرد الاعتداء وكانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المدافع فاذا كان في تصور المعتدى عليه أن يرد الاعتداء بلكمة فلا يحق له دفعه بالسلاح، ومن كان قادرا على انقاد نفسه بالجرح فلا يحق له القتل.
ويفترض الأمر الثاني أن الوسيلة التي استخدمها المدافع فعلا نشا عنها ضرر على درجة متفاوتة فإذا كان الضرر الذي نشا عن استخدام نلك الوسيلة يتناسب مع الخطر الذي تعرض المدافع يحقق شرط التناسب، أما إذا نجم عنها أضرار تفوق في الجسامة الخطر الذي تعرض له المعتدي عليه يكون هناك تجاوز لحدود الدفاع الشرعي، فمن لا يجد أمامه سوى استخدام السلاح لمقاومة هجوم المعتدي وكان يكفيه مجرد تصويب السلاح وإطلاق أعيرة نارية منه في الهواء أو باتجاه الإقدام يكون متجاوزا حقه في الدفاع إذا أصاب المعتدي في مقتل(1).
معيار التناسب:
المعيار الذي يستعان به في تحديد التناسب بالمعنى السابق معيار موضوعي و شخصي في نفس الوقت.
فهو موضوعي يقوم على أساس الرجل العادي الذي يوجد في ظروف المعتدي عليه.
وشخصي لا يهمل الظروف الشخصية لهذا الأخير، فعلى القاضي عند تحديد التناسب بين فعل الدفاع وفعل الاعتداء أن يتصور الرجل معتاد يضعه موضع المدافع مع احاطة بنفس الظروف الشخصية التي احاطة به كقوته البدنية وسنه وجنسه ومكان وزمان فعل الاعتداء ويتساءل عما إذا كان سيصدر فعل الاعتداء بذات الفعل الذي لجا اليه المدافع أو بفعل اقل منه جسامة أو ضررا وتطبيقا لذلك يكفي في الدفاع الشرعي أن يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء الذي استوجب عنده الدفاع مبنيا على أسباب جائزة ومقبولة ومن شانها أن تبرر ما وقع منه من أفعال التي رأى أنها وقت العدوان الذي قدره أنها لازمة لدرءه فإذا جاء تقدير المحكمة مخالفا لتقديره هو فان ذلك لا يسوغ العقاب، اذ التقدير هنا لا يتصور أبدا على أن يكون اعتبارا بالنسبة لشخص الذي فوجئ بفعل الاعتداء في ظروف حرجة وملابساته الدقيقة الذي كان هو وحده دون غيره المحيط بها والمطلوب منه تقديرها والتفكير في كيفية الخروج من مؤزقها.
مما لا يصح معها محاسبته على مقتضى التفكير الهاديء والمطمئن الذي كان يستحيل عليه وقت إذا وهو في الحالة التي كان عليها.
فالتناسب يكون قائما إذا كان الرجل المعتاد يلجا إلى ذات الفعل الذي لجا اليه المدافع إذا وجد في نفس الظروف وتوافر شروط الدفاع الشرعي وعلى العكس ينتفي التناسب إذا كان الرجل المعتاد يلجا إلى فعل اقل جسامة أو اقل ضرر إذا ما وجد في نفس الظروف التي وجد فيها المدافع(1).
الفصل الثالث: تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته:
بعد أن تعرضنا في الفصل الثاني إلى الشروط الواجب توفرها في فعل الاعتداء من حيث حلول خطره وعدم مشروعيته وتهديده للنفس أو المال وشروط الدفاع من حيث لزومه لدرء خطر العدوان وتناسبه مع هذا الخطر، الامر الذي يجعل الافعال التي يؤيدها المدافع مشروعة وينفي عنه المسؤولية المدنية والجنائية على حد السواء وهذا ما سوف نتطرق إليه لاحقا من خلال الفصل الرابع.
ولكن الإشكال يطرح في حالة ما إذا انتفى التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطر الذي هدد المعتدى عليه وهو ما يعرف بتجاوز حدود الدفاع الشرعي وذلك من حيث تحديد ماهيته وأركانه وحكمه القانوني وفقا لأحكام قانون العقوبات الجزائري.
كما يثار الإشكال حول بيان الأدلة التي يقبلها القضاء لإثبات توافر شروط الدفاع الشرعي من جهة وعلى من يقع عبء الإثبات من جهة أخرى، ووصولا إلى بيان كل ذلك نتناول الإجابة على هذه التساؤلات في صورة مبحثين، تطرقنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي ووصولا إلى ذلك قسمنا هذا البحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول ماهية تجاوز حدود الدفاع الشرعي ومن خلال المطلب الثاني وضحنا الموقف القانوني الذي اتخذه المشرع الجزائري فيما يتعلق بتجاوز حدود الدفاع الشرعي.
أما المبحث الثاني خصصناه لإبراز الطريقة التي يتم بها إثبات حالة الدفاع الشرعي بحالته العادية والممتازة في مطلبين تعرضنا في المطلب الأول إلى الكيفية التي يتم بها إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية المنصوص عليها في المادة 39 ق2 ق العقوبات الجزائري وأما المطلب الثاني فقد خصصنا له بيان إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة المنصوص عليها في المادة 40 ق العقوبات الجزائري.
المبحث الأول: تجاوز حدود الدفاع الشرعي:
كما تمت الإشارة إذا توفر عنصري التناسب واللزوم في فعل الدفاع الشرعي عن النفس أو العين أو عن مال مملوك للشخص أو عن مال مملوك للغير نشأ الحق فيه، ولكن إذا تجاوز المدافع وأخل بمعيار التناسب أو اللزوم أو كليهما ففي هذه الحالة لا يفلت المدافع من العقاب كلية بل يخضع للمساءلة رغم أنه يخطئ بالظروف المخففة وهذا ما يعبر عنه بعدم تناسب فعل الدفاع مع قوة الاعتداء.(1)
وقد وردت في قانون العقوبات الجزائري الظروف المخففة في المادتين 277 و278 (ق العقوبات الجزائري) والتي جاء فيها ما يلي:
المادة 277 من قانون العقوبات الجزائري “يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص”(2)
المادة 278 من قانون العقوبات الجزائري: “يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار”(3)
وقد قسمنا هذا المبحث الأول بدوره إلى مطلبين:
المطلب الأول: تجاوز حدود الدفاع الشرعي:
قبل التطرق إلى معرفة معنى التجاوز يجب أن نفرق أولا بين شروط الخطر وشروط الدفاع وشروط التناسب بصفة وجيزة وحكم تخلفها وسوف نكتفي ببيان حكم تخلفها لأن تعريفها قد تم التطرق إليه سابقا من خلال الفصل الثاني(3).
فإذا تخلف شرط من شروط الخطر ينتفي وجود الدفاع الشرعي قانونا ولا يقوم الدفاع الشرعي في واقع الحال، وإذا لم يكن الدفاع لازما ولم يكن موجها لمصدر الخطر ينتفي سبب الإباحة قانونا، وشرط التناسب هو الإطار الذي يجب أن يباشر الدفاع الشرعي في نطاقه لذلك إذا تخلف معيار التناسب بين جسامة الخطر والدفاع اللازم لرده ففي هذه الحالة نكون في حالة تجاوز لحدود الدفاع الشرعي فمثلا إذا اعتدى شخص على آخر بقبضة يده عمد المدافع إلى قتله بمسدسه فمن غير المعقول أن نقول بأننا في حالة دفاع شرعي بل أن المعتدي تجاوز حدوده(1)
والمقصود بتجاوز حدود الدفاع الشرعي انتفاء التناسب بين جسامة الفعل الدافع والخطر الذي يهدد المعتدي وذلك على الرغم من توفر سائر شروط الدفاع الشرعي، أي استعمال قدر من القوة يزيد على ما كان كافيا لرد الخطر) 2 (
هذا ويقوم التجاوز قانونا على عنصرين: عنصر مادي وعنصر معنوي (نفسي):
أولاً: العنصر المادي:
يتمثل في الإضرار بمصلحة المعتدي بقدر يفوق الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه بفعل الاعتداء ولذلك فالتجاوز هو خروج عن الحدود المقررة قانونا لجسامة الدفاع ومن أجل ذلك كان غير مشروع من الناحية الموضوعية(3)
ثانياً: العنصر النفسي (المعنوي):
يتمثل في حسن النية ومقتضى النية السليمة في عدم تجاوز حدود الدفاع الشرعي هو أن لا يكون المدافع قد تعمد إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع أن يكون المدافع معتقد أنه لا يزال متناسبا مع القدر اللازم من القوة لدفع الاعتداء أو خطر الاعتداء وهده المسألة موضوعية لا تثير صعوبة عملية ولا تقتضي هده النية السليمة توافر قصد إزهاق روح المعتدي لدى المدافع فهذا القصد كما لا ينفي قيامه توافر حالة الدفاع الشرعي فإنه لا ينفي كذلك إمكان الاستفادة من عذر التجاوز. وهذه الحالة إذا كانت جريمة المعتدي لا تسمح بدفعها عن طريق القتل العمدي أما إذا كانت الجريمة الأخيرة من الجسامة بحيث تسمح بدفعها بالقتل العمدي فإن الإباحة التامة تكون متوفرة.(4)
في حالة ما إذا كان يعلم بأن دفاعه يجاوز قدر التناسب المطلوب قانونا ورغم ذلك فإنه أراد تحقيقه فإن الأمر لا يكون بصدد التجاوز في استعمال حق الدفاع الشرعي وإنما بصدد جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز.(1)
وحسن النية بالتحديد السابق يختلف عن حسن النية الناشئ عن الجهل بأحكام القانون المتعلقة بسبب الإباحة فالذي يقتل من دخل إلى بيت مسكون ليلا دون مبرر مستفيد من درجة خطورة الاعتداء معتقدا أن القانون يبيح القتل في هذه الحالة دون اشتراط التناسب لا يستفيد من عذر التجاوز، ويتعين أن يكون لهذا الاعتقاد لدى المدافع مبرر من الظروف المحيطة بارتكاب الفعل فإن لم يكن له مبرر وإنما كان نتيجة وهم أصابه في تقدير جسامة الخطر فإنه لا يستفيد من العذر استفادة كاملة.(2)
المشرع الجزائري ذكر في قانون العقوبات المادتين 277 و278 كعذر قانوني لتجاوز الدفاع الشرعي وهذا ما سوف نتطرق إليه على ضوء المطلب الثاني.
المطلب الثاني: الحكم القانوني لعدر التجاوز وفقا لقانون العقوبات الجزائري:
نظم المشرع الجزائري الأعذار القانونية في نص المادة 52 من قانون العقوبات والتي عرفتها كالتالي:” حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها -مع قيام الجريمة والمسؤوليةـ إما مدم عقاب المتهم إذا كانت أعذار معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة “.
وتطبيقا لهذا النص ظهرت المادتين 277 و278 (ق العقوبات الجزائري) متضمنة في نصوصها حالات من الأعذار القانونية المخففة للعقوبة في حالة تجاوز حدود الدفاع الشرعي وسوف نتناول مضمون هاتين المادتين كالتالي:
أولاً: العذر القانوني الوارد في المادة 277 (ق العقوبات الجزائري):
تقضي هذه المادة بأنه:” يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص “.
ويتضح من هذا النص أن مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب يستفيد من العذر المخفف إذا دفعها إلى ارتكاب أحد الأشخاص وهو ليس بطبيعة الحال المجني عليه في جرائم القتل والضرب والجرح.
فالنص واضح في أن الضرب الشديد لو كان وقع من المجني عليه في الجرائم التي يعددها النص لكنا أمام دفاع شرعي عن النفس يبرر أفعال القتل والجرح والضرب وأصبحت هذه الأفعال مباحة لا تقوم بها جريمة ولا مسؤولية لمرتكبها ولما خضع مرتكبها لغدر قانوني.(1)
ولا ريب أننا أمام حالة من حالات تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن المدافع لم يوجه دفاعه إلى مصدر الخطر بل إلى شخص آخر كان يصاحب المعتدي فقتله أو جرحه أو ضربه بعد أن وقع عليه ضرب شديد من أحد الأشخاص ولا يشترط لتطبيق هذا النص والاستفادة من العذر القانوني نفس الشروط المطلوبة للدفاع الشرعي أو بعضها.
فالنص عام يقدر العذر القانوني في كل حالة ارتكب الشخص فيها جرائم القتل أو الجرح أو الضرب بعد أن وقع عليه ضرب شديد من أحد الأشخاص بحيث لا تتوفر جميع شروط الدفاع الشرعي لهذا الشخص مما يمكنه الاحتجاج بقيام حالة الدفاع الشرعي.
وإما أن فعله لم يوجه تماما إلى مصدر الخطر بل وقع على شخص آخر لم يقع عليه وكان ذلك بسبب رغبة من وقع عليه الصرب الشديد في الانتقام من الضارب، وإما أن من وقع عليه الضرب قد تجاوز بفعله جسامة الخطر الذي كان يهدده فنص المادة 277 ينظم حالات تجاوز حدود الدفاع الشرعي المنصوص عليها في المادة 39/ف2 من قانون العقوبات الجزائري.(2)
ثانياً: العذر القانوني الوارد في المادة 278 لـ : ق العقوبات الجزائري:
تنص المادة 278 من قانون العقوبات على ما يلي: ” سيتفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار، وإذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق عليه أحكام الفقرة الأولى من المادة 40 “
يتضح من هذا النص بالرجوع إلى المادة 40 من قانون العقوبات أن الأفعال المذكورة في هذه المادة هي نفسها التي تبر الحالات الممتازة للدفاع الشرعي بشرط ان يقع الاعتداء أثناء الليل أما إذا وقع الاعتداء المنصوص عليه بنص المادة 278 ق ا ج في النهار فان فعل الدفاع الذي يترتب عليه القتل والجرح و الضرب يدخل ضمن الأفعال التي ترتب لها القانون عذرا مخففا للعقاب.(1)
إن العذر الذي نص عليه المشرع في المادة 278 هو عذر لمن تجاوز حدود الدفاع الشرعي الممتاز المنصوص عليها في الفترة الأولى من المادة 40 من ق العقوبات وتجاوز حدود الدفاع الشرعي الممتاز ينحصر في هده الحالة فى عدم توفر الشرط الليل المنصوص عليه في الفترة الأولى من المادة 40 من ق العقوبات.
أما العقوبات المخففة نتيجة أعمال الأعذار القانونية فقد نضمها المشرع في نص المادة 283 ق العقوبات والتي جاء فيها ما يلي:
” إذا أثبت قيام العذر تخفض العقوبة على الوجه الآتي: الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤقت.
الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بجناية أخرى
الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق بجنحة “(2)
المبحث الثاني: إثبات (الدفاع) حالة الدفاع الشرعي:
تعتبر حالة الدفاع الشرعي وسيلة دفاع يتدرع بها المدعى عليه لدفع المسؤولية الجنائية عليه بسبب جرم نسب إليه فيعد سببا مبررا إذا وضع دفاعا عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله أو يستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي، فقد يعترف المدعى عليه بما أسند إليه ويدفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي وللتمسك بالدفع أن يرد بصريح لفظه وعندئذ يجب على محكمة الموضوع أن تبين عناصره، تبيينا للمحكمة التمييز من إجراء رقابها على حسن تطبيق القانون والتذرع بحق الدفاع الشرعي من الدفوع الجوهرية التي على المحكمة الرد عليها في الحكم تحت طائلة اعتباره مشوبا بالقصور والتعليل وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه على من يقع عبء إثبات الدفاع الشرعي ؟
فبالرجوع إلى التقنين الجزائري لا بد من أن نميز بين حالتين:
- الحالة الأولى: الدفاع الشرعي في الحالات العادية
- الحالة الثانية: الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة.
المطلب الأول: إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية:
مبدئيا انه من يتمسك بالدفاع الشرعي عليه أن يقيم الدليل على ادعاءه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: على من يقع عبء الإثبات؟ هل يقع على المتهم انه من واجب جهة الاتهام إثبات عدم توافره؟
القاعدة انه يقع على جهة الاتهام لتثبت عدم توافر أي عنصر من العناصر التي تبيح الفعل سواء تعلق الأمر بشروط الاعتداء أو بشروط الدفاع، وانه يقع على المتهم إثبات توافرها بشتى الوسائل من إقرار الشهود واستحضار الأدلة والبراهين، فمن يتمسك بالدفع يجب عليه إقامة الدليل على توافره وفي هذه الصور ظهر رأيان:
الرأي الأول:
يستند إلى قرينة البراءة استنادا إلى القاعدة العامة: المتهم بريء حتى تثبت إدانته وبهذا يقع عبء إثبات الجريمة على جهة الاتهام (1)
الرأي الثاني:
يستند إلى أن واجب النيابة العامة يقف عند حد إثبات الجريمة بأركانها وشروطها ويقع على المتهم إثبات الوقائع التي تنفي وجودها، وعليه فالدفاع الشرعي يعد من قبيل الدفوع الموضوعية يجب إثارتها خلال سير الدعوى أو نظر الحكم أو في المذكرات المقدمة، كما يجب التمسك به لدى محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا، إلا إذا كانت وقائع الدعوى كما ثبت لدى محكمة الموضوع ترشح لقيام الدفاع الشرعي ومدى تناسب القوة اللازمة لرد الاعتداء تعتبر من الأمور المتعلقة بموضوع الدعوى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بحسب ما يتبين لها ويجب الفصل فيها اذا تمسك بها المتهم أو كانت وقائع القضية ناطقة بها(2) .
وتقوم محكمة الموضوع ببحث الدفع المقدم باعتباره دفعا موضوعيا يتطلب التحري والتحقيق من تصور الواقعة وتقديم الأدلة فإذا توافرت كافة أركان الدفاع الشرعي كان من واجبها الحكم بالبراءة للتحقيق سبب الإباحة، أو بتخفيف العقوبة إذا تجاوز المدافع حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة(2).
ولا يتمسك المتهم بالدفاع الشرعي مستعملا اسمه القانوني بل يكفي اية عبارة يفهم منها ان المتهم في هذه الحالة كان يقول:” انه لم يكون معتديا بل انه كان يرد اعتداء وقع عليه من المجني عليه”، وهذا يشترط ان يكون المتهم جادا في تمسكه بدفعه بصفة أصلية لا على سبيل الاحتياط أو لمجرد الافتراض.
ويجب ان يثار الدفع لأول مرة أمام الجهة القضائية المختصة، لأنه من شانه إنشاء قرينة قانونية على توافر أركان الدفاع الشرعي ودليلنا في ذلك ما جاء في القرار رقم 197/23 الصادر من الغرفة الجنائية الثانية القسم الأول من المجلس الأعلى الذي حث على إثارة هذا الدفع في أوانه أمام الجهات القضائية المختصة بالنظر في اصل الموضوع مع إثبات ذلك، وفي حالة ما إذا كانت واقعة الدعوى مرشحة بذاتها قيام الدفاع الشرعي.
يتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تعمد من تلقاء نفسها للبحث في حالة الدفاع الشرعي لتقول كلمتها فيها نفيا أو اثباتا وذلك لمل تقتضيه الواقعة الدعوى من إباحة الفعل المسند إلى المتهم أو من توافر تجاوز حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة ولو اعترف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه فيكون على المحكمة أن تتعرض لبحث هذه الحالة دون إرغام المتهم على اعتراف مادام منكرا للواقعة والا كان حكمها معيبا وحتى لو أنكر محاميه لاعتقاده بوجود مصلحة لموكله، لان دور المحامي لا يكون إلا من قبيل الافتراض والاحتياط(1).
وعليه فليس لها فيما بعد الاحتجاج بعدم إثارة المحامي لهذا الدفع لأنه حر في اختيار كل السبل التي تؤدي إلى تبرئة موكله حتى ولو كان من واجبها إصدار الحكم ما دامت مقتنعة بذلك وفقا لواقعة الدعوى دون الحاجة لاعتراف المتهم أو دفاع محاميه(2)
المطلب الثاني: إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة:
ان المشرع الجزائري في هذه الحالة أعفى المتهم من الإثبات وبالتالي جعل المدافع يمتاز بمركز أقوى ومن موقف المعتدي الذي يخضع للشروط العامة في الحالات الممتازة الذي نضمها المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري من شانها. إنشاء قرينة قانونية على توافر شروط الدفاع ومما سنتطرق له الآن هو ما نوع القرينة: هل هي قرينة مطلقة لا تقبل إثبات العكس أم أنها بسيطة يمكن نفيها واثبات عكسها.
من خلال النص فانه يفيد بأنها قرينة قاطعة إذ يكفي أن يستعمل المدافع ضمن الشرعي والأحوال المنصوص عليها وبعد ذلك يبقى ويتخلص من كل مسالة قانونية، فهو قد قام بفعل اقره القانون، وليس عليه أن يبين توافر شروط ذلك الفعل الذي أصبح مباحا فيما يتعلق بشرطي التناسب واللزوم.
لكن القول أنها قرينة مطلقة يؤدي بالسلطات إلى عدم الاستمرار في الإجراءات إجراءات التحقيق وحفظ الملف نهائيا لعدم وجود جريمة أصلا وانتفاء الركن الشرعي لها وبهذا يتخلص من كل مساءلة لان الفعل الذي قام به من الأفعال المباحة، وبهذا هل القرينة التي جاءت في المادة40 ق ع ج مقارنة بالمادة 329 في النص الفرنسي أهي مطلقة لأتقبل إثبات عكسها أم هي بسيطة يمكن نفيها وبالأخص عندما يتبين ان المتهم كان على علم يقيني بعدم وجود خطر يتهدده وندرس حالتين معا في الفقه الفرنسي ثم ندرج موقف المشرع الجزائري من هذه القرينة(1).
الحالة الاولى: اعتبار القرينة قاطعة
أن القضاء الفرنسي يعتبر هذه القرينة قاطعة الدليل على ذلك هو صدور الأحكام التي تدل على اعتبار هذه القرينة قاطعة لا تقبل العكس.
بعض الأحكام:
قضية مدام (جوفوس) التي قتلت احد جيرانها الذي يحضر أثناء الليل بعد تسلقه صور حديقة قصرها لوضع خطاب – رسالة- غرام أسفل شباك ابنتها(1)
قضية (بوشرون) اتهم هو وابنه بقتل عشيق ابنته الذي كان يعلم مسبقا بوجود تلك العلاقة وانتظره في منزله وعند تسلقه سور الحديقة في الظلام قتله وقد أقرت ابنته انه كان يعلم بذلك وانه دخل لمقابلتها(2)
وقد صدر حكم محكمة الجنايات ببراءة كل من السيدة ” جوفوس” والسيد “بوشرون” وذلك استنادا إلى المادة 329 من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة للمادة 40 من ق ع ج وهي الحالات الممتازة للدفاع الشرعي، وقد علق الفقه على هذه الأحكام بان ظروف ارتكاب الأفعال هي التي أملت تلك الأحكام، وتعتبر هذه إذن دليلا على ان القضاء الفرنسي بأخذ بفكرة القرينة القانونية القاضية(3).
الحالة الثانية: اعتبار القرينة بسيطة
لقد عاد القضاء الفرنسي مرة أخرى لتغير طبيعة القرينة القانونية من قاطعة إلى بسيطة يمكن نفيها واثبات عكسها وهذا بعد إدانة محكمة الجنايات بباريس لأحد الأشخاص لأنه جرح شخصا فاجأه في مكتبه ليلا وكان هذا الأخير على موعد مع الجاني ومن الواضح من خلال هذا الحكم ان محكمة الجنايات أقرت بان القرينة التي تنشئها المادة 40 ليست قاطعة وإنما تقبل إثبات العكس، ولكن يوجد اتجاه آخر يرى بصورة إعطاء هذه القرينة صفة الإطلاق بحيث لا تقبل إتيان العكس وذلك حتى يؤدي هدف المشرع وهو حماية المساكن ليلا، لأنه لو علم كافة الناس بان صاحب المسكن قد منحه القانون حقا مطلقا في إطلاق النار دفاعا عن مسكنه دون أن يسال فان ذلك يؤدي إلى احترام الناس لحرية مساكن الغير وعدم التجرا على دخولها بدون إذن صاحبها(1) .
الحالة الثالثة: موقف المشرع الجزائري.
بالنسبة للمشرع الجزائري فالواقع أن هذه القرينة تعتبر قاطعة إذا تمت وفق الشروط المنصوص عليها في المادة40 ق ع ج ، وتعتبر بسيطة من جهة أخرى بالنسبة للقضاء حيث انه يمكن لجهة الاتهام تقديم الدليل على عدم توفر الحالات الممتازة كعدم توفر ظرف الليل أو انعدام فعل التسلق.
وتعتبر قرينة بسيطة فيمكن نفيها واثبات عكسها حيث يكون الاعتداء بالنسبة بنية الجاني وشخصيته وإرادته أكثر من اعتداءه بالفعل المرتكب.
فالمشرع الجزائري أعفى المهتم في حالة الدفاع الشرعي بالنسبة للحالات الممتازة، وهذا يدل على انه في غير الحالات الممتازة يجب على المتهم الذي يتمسك بالدفاع الشرعي ان يقيم الدليل على توافر شروطه (2).
والملاحظ في المادة 40 ق ع ج أن ظاهر النص يفيد بأنها قرينة قاطعة، ولكن الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير مقبولة.
وذلك انه من غير العدل أن يستغل المدافع هذا النص ليقوم بفعل الدفاع بدون قيد اذ تبث انه على علم مسبق بفعل الغير، كما تبينه الأحكام الواردة من القضاء الفرنسي(1).
هذا بالنسبة للفقرة الاولى التي تتكلم عن أي اعتداء موجه ضد أي شخص أو حرمه أو مسكنه ولكن الأمر واضح بالنسبة للفقرة الثانية حيث أن القرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس.
الفصل الرابع: أثار الدفاع الشرعي:
قد تعرضنا من خلال الفصل الثالث إلى انه إذا حدث تجاوز في حدود الدفاع الشرعي وذلك بانتفاء التناسب بين جسامة فعل الاعتداء والخطر الذي يهدد المعتدي لا يكون للإباحة محل ويعد فعل الدفاع غير مشروع تتحد معه مسؤولية المتجاوز طبق للقواعد العامة حتى وان كان يستفيد من بعض الأعذار القانونية المحددة قانونا.
وفيما عدا هذه الحالة فإذا توافرت شروط الدفاع الشرعي على النحو الذي سبقت الإشارة إليه سابقا من خلال الفصل الثاني من هذه الدراسة فان الأثر المباشر الدى يرتبه القانون هو جعل فعل المدافع أو المعتدى عليه فعلا مباحا لا تترتب عليه أي مسؤولية جنائية كانت آم مدنية.
فإذا كان من المفترض أن توجه القوة في حالة الدفاع الشرعي إلى مصدر الخطر فقد يحث أحيانا أن يصيب المدافع ( المعتدي عليه) بفعله حق الغير ( حق غير المعتدي) فما هو الأثر الذي يترتب عن الدفاع الشرعي في حالة هذه الفرضية.
– بناء على ما تقدم ذكره رئينا انه لابد من التطرق إلى الآثار القانونية المترتبة على حالة الدفاع الشرعي ومن اجل الإلمام بهذه المسالة تناولنا هذا الفصل الرابع في شكل مبحثين.
تناولنا في البحث الأول الآثار التي يرتبها الدفاع الشرعي والمتعلقة بفعل الدفاع وهي الحالة التي يصيب فيها فعل الدفاع حق الغير عمدا وهذا موضوع المطلب الأول الحالة التي يصيب فيها فعل الدفاع حق غير المعتدي ( الغير) عمدا هذا موضوع المطلب الثاني.
أما المبحث الثاني تعرضنا فيه إلى بيان كيفية انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجنائي عن فعل المدافع من خلال مطلبين، حددنا في المطلب الأول الأسباب التي يستند عليها لإعفاء المدافع في حالة الدفاع الشرعي من اية مسؤولية مدنية وفي المطلب الثاني إلى المبررات التي تعطي المدافع في وضعية الدفاع الشرعي حتى لا يسال عن فعله جنائيا.
المبحث الأول: الآثار المترتبة على فعل الدفاع:
يمكن لفعل الدفاع أن يصيب حق غير المعتدي وفي هذه الحالة وجب التفرقة بين الحالتين وهي حالة إصابة حق الغير دون عمد وحالة إصابة الغير عمدا.
المطلب الأول: حالة إصابة حق الغير ( حق غير المعتدي) دون عمد:
الغرض هنا هو أن توجه القوة في حالة الدفاع الشرعي إلى مصدر الاعتداء بقصد رده إلا أنها تصيب غير المعتدي عن غير قصد أما نتيجة للغلط في الشخص وإنما لعدم إصابة الهدف(1) .
ومثال الغلط في الشخص هذا هو أن يستيقظ المدافع ليلا على صوت حركة في منزله ثم يشاهد شخصا ينتقل داخل المنزل فيعتقد انه لص، فيحضر مسدسه ويطلق عليه عيارا ناريا ويصيبه و يتضح بعد ذلك انه أصاب خادمه الذي كان بدوره قد استيقظ على حركة غير عادية في المنزل واتجه إلى مصدرها ليتحرى الامر(2).
ومثال عدم إصابة الهدف أن يفجأ المدافع في الحالة المذكورة شخصا في منزله ليلا ويطلق عليه النار من مسدسه لكنه يخطئه فيصيب خادما أو قريبا يكون قد قدم بدوره ليتحرى صوت الحركة غير عادية في المنزل، ففي مثل هذه الحالات لا محل بداهة لإثارة فكرة إساءة استعمال الحق ما دام المدافع قد باشر حقه بحسن نية وحقيقة الوقف هي أن للمدافع في مثل هذه الحالات أن يحتج بحق الدفاع الشرعي بالنسبة لما أتاه من أفعال بقصد دفع الاعتداء الذي كان يتهدده، ولو ان القوة المادية إصابة غير المعتدي في نشوء الحق في الدفاع الشرعي لتوفر شرط حلول الخطر وشرط لزوم القوة لدفعه.
ومتى نشا الحق فكل قوة مناسبة تستعمل بحسن نية لرد الاعتداء تكون مشروعة، وليس من شان الغلط في الشخص أو عدم إصابة الهدف نفي الحق الذي نشا ولا تنفي الإباحة المترتبة على مباشرته بحسن نية والحكم واحد في الحالتين وهو إباحة الفعل طالما لم يصدر عن المعتدي عليه خطا عمدي فإذا اثبت ان المعتدي عليه بذل كل العناية اللازمة لإصابة المعتدي وحده ولكن حدوث إصابة الغير كان لأسباب لا سيطرة لارادته عليها فالفعل مباح.(1)
ومن المتصور كذلك أن يصدر المدافع بحسن نية خطا مصدره التهور ام عدم اتخاذ الحيطة الأزمة وهو يستخدم القوة دفعا للاعتداء معا ينشا عنه ضرر يعاقب عليه القانون في صورة جريمة غير عمدية ومثال ذلك أن يفاجأ المدافع بحركة في منزله أثناء الليل فيطلق عياره الناري صوب مصدر الحركة فورا و بدون تحري أو استفسار فيصيب خادمه أو حتى زوجته ويقتلها خطا ففي مثارتكب استعمالا له إلا انه لا يمكن أن يمنع من حيث الإباحة الخطأ أو التهور الذي يثبت اقترافه بمباشرة الحق المذكور، أما عن التثبت من وجود هذا الخطأ أو مقداره فالأمر مل هذه الحالة لا مفر من محاسبة المدافع عن خطئه مدنيا وجنائيا ويسال من هذه الناحية الأخيرة عن القتل الخطأ بحسب الأحوال وذلك عملا بالقواعد العامة في المسؤولية الجنائية عن الخطأ، وذلك لان الحق المقدر قانونا وان كان يبيح الفعل الذي تروك بطبيعة الحال لقاضي الموضوع يفصل في شانه وبحسب ما تكشفه وقائع الدعوى، فالقاعدة هنا تختلف عن القاعدة في الحالتين الغلط في الشخص وعدم إصابة الهدف.(2)
المطلب الثاني: حالة إصابة حق الغير عمدا:
يحدث ان يجد المدافع نفسه مضطرا إلى الاعتداء على حق الغير لكي يستطيع رد الخطر المحدق به والقيام بأعمال المدافع أو الدفاع(1).
ومثال ذلك أن يتسلق المعتدي عليه شجرة مملوكة للغير ليحصل منها على عصا يستعملها في الدفاع أو يستولي على سلاح مملوك للغير لدفاع عن نفسه، والحكم في هذه الأحوال أن المعتدي عليه ( المدافع) لا يستطيع الاحتجاج بالدفاع في مواجهة الغير إذ أن فعل الدفاع قد أصاب شخصا آخر غير المعتدي وهو شخص لا شان له بالخطر الذي هدد به المعتدي عليه.
ولكن يستطيع المدافع أن يحتج بحالة الضرورة إذ انه قد التجأ تحت الضغط إلى إتيان هذا الفعل وبتعبير أخر فان المدافع إذا لم يجد أمامه وسيلة تخول له الدفاع عن نفسه أو ماله غير الاعتداء على حق غيره فانه يكون في هذه الحالة مضطرا إلى القيام بهذا الفعل وبالتالي يمكن له الاحتجاج بحالة الضرورة حيث انه تحت الضغط التجأ إلى القيام بهذا الفعل ومثال على ذلك إذا نشبت النار في مبنى واندفع شخص يريد الفرار وأثناء هربه دفع شخص أخر أو حاول المرور قبله ومثال ذلك أيضا حالة من يشاهد بناء حاصرته النيران فيحطم باب مسكن مجاور له للحصول على الماء المملوك لحائزه واستعماله في إطفاء الحريق، وواضح من هذين المثالين أن المدافع قد تعدى بفعله هذا حقا مملوكا لغيره وعدم مؤاخذته على فعله هذا راجع إلى كونه أقدم عليه بحكم الضرورة حيث انه لم يجد أي وسيلة أخرى يدلا بها بواسطتها الخطر المحقق به دفاعا عن نفسه أو ماله أو نفس غيره سوى الإضرار بحق غيره عمدا وبالتالي فانه لا يستطيع الاحتجاج بالدافع في مواجهة الغير وإنما يمكنه من الاحتجاج بحالة الضرورة(1).
إلا انه في كلتا الحالتين وعند إباحة الفعل يصبح مشروعا رغم انه في الواقع ليس كذلك ومن نتيجة هذه الإباحة انتفاء أي مسؤولية عن هذا الفعل سواء كانت مدنية أو جنائية(2).
المبحث الثاني: انتفاء المسؤولية المدنية والجنائية:
كما سبق القول بأنه إذا توفرت كل عناصر الدفاع الشرعي فان الأثر المباشر الذي يرتبه القانون هو جعل فعل المدافع فعلا مباحا أي مشروعا لا تترتب عليه أي مسؤولية مدنية أو جنائية وهذا ما سوف نتناوله تباعا على الوجه التالي:
المطلب الأول: انتفاء المسؤولية المدنية:
تنعدم المسؤولية المدنية في حالة توفر جميع عناصر الدفاع الشرعي حيث انه لا يمكن مسالة الشخص مدنيا عنا ارتكبه من أفعال عند دفاعه عن نفسه أو نفس الغير أو ماله أو مال الغير لأنه في جميع هذه الحالات يعد فعله مشروعا ولا يمكن بالتالي أن ينتج عن هذه الأفعال أدنى مسؤولية مدنية بالتعويض على عاتق مرتكبها وبتعبير أخر فان فعل صادر عن مدافع وفي حدود استعماله لحقه في الدفاع الشرعي يعد فعلا مباحا وتنجر عنه مسؤولية شخصية ويبرز هذا خصوصا في انعدام المسؤولية المدنية على مستوى الفعل الشخصي أيضا على مستوى المسؤولية عن فعل الأشياء(1).
المطلب الثاني: انتفاء المسؤولية الجنائية:
تنعدم المسؤولية الجنائية مادام الفعل قد أصبح مشروعا أي تزول عنه الصفة الجرمية، وهذا يعني انه كلما كان الفعل مشروعا كلما كانت مؤاخذته غير مشروعة حيث انه لا يمكن مساءلة المدافع جنائيا عن فعل مشروع صادر عنه في حدود حقه في الدفاع الشرعي، وبالتالي لا عقوبة مطلقا على من قتل غيره أو ضربه أو أصابه بجروح أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي ودون تجاوز لهذا الحق والأثر المباشر هنا هو انه لا يترتب على هذه الأفعال أية مسؤولية ولا يعاقب عليه المدافع مادام الفعل مشروعا وبتعبير أخر فان فعل المدافع بقتله أو جرحه أو ضربه للمعتدي يكون فعلا مشروعا ومباحا حيث أن من أسباب الإباحة هنا أسباب مادية ملموسة ذات طبيعة موضوعية، ويشترط توفرها في الواقع الملموس التي ترتب أثارها بإزالة الصفة الإجرامية عن الفعل واعتباره فعلا مشروعا وما يستتبع ذلك من عدم قيام المسؤولية الجنائية فلا توقع عقوبة أو أية أثار جنائية أخرى على من يستفيد منها، وبتعبير أدق فانه تزول الصفة الإجرامية عن الأفعال السبق أن حرمتها قواعد التجريم و بالتالي يصبح الفعل المجرم بعد أن كان غير مشروع مبررا ومثال ذلك أفعال القتل أو الجرح او الضرب للدفاع عن النفس او الغير او المال او مال الغير كذلك كل افعال القتل والجرح والضرب المرتكب لدفع اي اعتداء على حياة الشخص او سلامة جسمه او لمنع تسلق الحواجز او الحيطان او مداخل المنازل….الخ.
وكذلك الفعل المرتكب للدفاع عن النفس او الغير ضد مرتكبي السرقات او الذهب بالقوة.
أي أن هذه الأفعال تعد مشروعة ومباحة ولا يمكن مساءلة الشخص القائم بها(1).
ولكن في المقابل يمكن مسالة الفاعل جنائيا وذلك في صورة الأفعال التي تصدر من المعتدي عليه بعد انتهاء الاعتداء حيث انه في مثل هذه الظروف لا نكون بصدد تجاوز حق الدفاع الشرعي وإنما بصفة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، اذ ان المعتدي ليس في حالة تجاوز لحدود الدفاع الشرعي وإنما فعله ذلك يعد انتقاما يستحق عليه العقاب كمالا وبالتالي يسال جنائيا عن فعله ومثال ذلك أن يتجاوز المدافع حدود حقه بسوء النية إذ لم يعد للمعتدي عليه هدف هو الداع عن النفس او المال بل تحقيق نتيجة إجرامية أي ان يكون في حالة الأخذ بالثأر بحيث ينتهز المدافع فرصة نشوء حق الدفاع الشرعي له فيتمادى ويبالغ في استعمال حقه ومبتغيا التخلص من المعتدي أو إتلاف أمواله لخصومة سابقة بينهما أو ثار قديم (2)
أعتذر لعدم وردود خاتمة للمذكرة
قائمة المراجع:
1- مصطفى العوجي، القانون العام، الجزء الثاني، المسؤولية الجنائية، مؤسسة نوفل، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1985.
2- محمد نجيب الحسيني، شرح قانون العقوبات ( القسم العام)، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة1977.
3- رضا فرج، شرح قانون العقوبات الجزائري ( القسم العام) الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، سنة 1976.
4- اكرم نشات ابراهيم القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن، الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت، بدون سنة.
5- ابراهيم الشبابي، الوجيز في شرح القانون العقوبات الجزائري ( القسم العام)، الطبعة الاولى، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، السنة
6- فريد الزغبي، الموسوعة الجنائية والحقوق الجزائية العامة، اسباب التبرير، دار الصادر، بدون سنة.
7- عز الدين الديناصوري وعبد الحميد الشواربي، الموسوعة الجنائية في قانون العقوبات والجراءات الجزائية، الطبعة الثانية، الغنية للطباعة والنشر، سنة1993.
8- فتوح عبد الله الشادلي وعبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، النظرية العامة للجريمة، دار الهدى للمطبوعات، سنة 1998.
9- عبد المالك جندي
اترك تعليقاً