بحث قانوني مميز عن حجية الامر المقضي به
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث بعنوان
مدى تعلق الدفع بحجية الامر المقضي به بالنظام العام و مدى جوازية اثارته من قبل المحكمة من تلقاء نفسها
اعداد الطالب محمد الحوامدة
مقدمة
“يقصد بحجية الامر المقضي به ان الاحكام الصادرة عن القضاء تكون حجة بما فصلت فيه”(1) ، حيث نصت المادة 41 من قانون البينات الاردني على
” 1. الاحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة بمافصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة … ” ، ذلك انه اذا صدر حكم في قضية فان هذا الحكم يعتبره القانون عنوانا للحقيقة ، و لهذا لا يجوز للخصوم اعادة طرح هذا النزاع فيما بينهم من جديد أي لا يجوز ان يجددوا النزاع فيما بينهم باقامة دعوى جديدة ، فان حصل ذلك فانها تعتبر غير مقبولة و ترد لسبق الفصل فيها و يتحقق هذا الامر او هذا الفصل لكافة الخصوم في ذات الدعوى و في ذات السبب ، ان كان خاسرا لدعوى ام كاسبا لها على حد سواء ، لكن هذا لا يمنع الطعن في هذه الدعوى بكافة الطرق القانونية عادية كانت ام غير عادية .
و يتمثل اعمال قاعده حجية الامر المقضي به في الدفع بهذه الحجية فيدفع بحجية الامر المقضي به بقصد عدم قبول الدعوى او عدم سماعها لسبق الفصل فيها ، “و كما يجوز الدفع بحجية الامر المقضي يجوز ايضا التمسك بهذه الحجية عن طريق دعوى ، مثال ذلك ؛ حجية الحكم الجزائي بالنسبة للحكم المدني و مدى الزاميته و اللجوء للتعويض المدني بناءا على ما وقع على المجني عليه من ضرر”. (2)
______________________________________________
(1) عادل حسن علي ، الاثبات في المواد المدنية ، مكتبة زهراء الشرق 1996، ص 259 و مابعدها
(2) عادل حسن علي ، الاثبات في المواد المدنية ، مكتبة زهراء الشرق 1996، ص 259 و مابعدها
ولقد راعى المشرع الاردني في هذه الحجية اعتبارات تتعلق بالصالح العام ، اذ يهدف المشرع بتقرير هذه القاعدة حد للخصومات اذ لو اجيز لكل خصم ان يجدد النزاع بدعوى جديدة لما انتهت الإشكالات و لتأبدت الخصومات ، الامر الذي يضر بمصلحة المجتمع و يقعد القضاء عن أداء مهمته ، ” كما انه لو سمح لخصوم تجديد النزاع عن طريق دعوى مبتدأة و قام كل منهم بذلك لكان احتمال التعارض بين الأحكام التي يحصل عليها كل منهم ممكنا فيصعب تنفيذ هذه الأحكام و هذا من شانه ان يقلل من احترام القضاء و قدسيته في نضر المتقاضين كما انه يؤدي الى الفوضى” .(1)
فالحجية اذن هي : “الصفة غير القابلة للمنازعة و الثابتة بواسطة القانون لمضمون الحكم ، و عليه فان الشئ الذي نوزع فيه و صدر به حكم لايكون قبلا للمنازعة فيه فيما بعد “.(2)
(1) محمد حسن قاسم ، اصول الاثبات في المواد المدنية و التجارية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت 2002 ، ص256
(2) مفلح عواد القضاة ، البينات في المواد المدنية و التجارية ، عمان 1990 ، ص 203
و عليه سوف نقوم بتقسيم بحثنا الى :
المبحث الاول : مدى تعلق حجية الامر المقضي بالنظام العام .
المبحث الثاني : مدى الزامية المادة 41/2 من قانون البينات الاردني للمحكمة في ان تقضي بها من تلقاء نفسها
الخلاصة وراي الكاتب .
* قائمة المراجع .
المبحث الاول : مدى تعلق حجية الامر المقضي بالنظام العام .
تنص المادة 111 من قانون اصول المحاكمات المدنية على :
“1. الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها او بسبب نوع الدعوى او قيمتها او بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها او باي دفع اخر متصل بالنظام العام يجوز اثارته في أي حالة تكون عليها الدعوى و تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها
2. اذا اثير دفع متصل بالنظام العام او باي دفع شكلي اخر يترتب على ثبوته اصدار الحكم برد الدعوى يجب على المحكمة ان تفصل فيه فورا من تلقاء نفسها او بناءا على طلب احد الخصوم و يكون القرار الصادر برد هذا الدفع قابلا للاستئناف مع موضوع الدعوى “.
كما نصت المادة 41 من قانون البينات الاردني على :
” 1. الاحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق و لا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ، و لكن تكون لتلك الأحكام هذه القوة إلا في نزاع قم بين الخصوم انفسهم دون ان تتغير صفاتهم و تعلق النزاع بالحق ذاته محلا و سببا .
2. و يجوز للمحكمة ان تاخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها .”
يترتب على تعليق حجية الامر المقضي به بالنظام العام انه لايجوز للخصوم التنازل عن التمسك بها ، “و ان للقاضي ان يثيرها من تلقاء نفسه و يكون للخصوم ان يتمسكوا بها لاول مرة امام محكمة النقض ، و يترتب عكس هذه النتائج اذا قيل انها لا تتعلق بالنظام العام .” (1) ، الا ان هناك جانبا من الفقه رأى بعدم تعلقها بالنظام العام و عدم جوازية اثارتها من قبل المحكمة من تلقاء نفسها (2) ، و يتضح مما سبق ووفقا لمادة 111 من قانون اصول المحاكمات المدنية و المادة 41 من قانون البينات ان الدفع بحجية الامر المقضي يعتبر من الدفوع المتعلقة بالنظام العام و يترتب على هذه القاعدة مايلي :
1. تملك المحكمة من تلقاء نفسها الحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها .
2. يجوز للخصوم اثارة الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى و لو امام محكمة التمييز .(3)
3. لايجوز للخصوم الاتفاق على التنازل عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها .
(1) عادل حسن علي ، الاثبات في المواد المدنية ، المرجع السابق ، ص 263 .
(2) رزق الله انطاكي ، اصول المحاكمات في المواد المدنية والتجارية ، مطبعة جامعة دمشق ، الطبعة الخامسة 1962 ص 584 و 585 .
(3) صلاح الدين شوشاري ، الوافي في شرح قانون اصول المحاكمات المدنية ، دار المناهج للنشر ، عمان ، الطبعة الاولى ، 2002 ، ص 225
و تطبيقا لما تقدم فقد قضت محكمة التمييز بهيئتها العامة على :
” ان القواعد المتعلقة بالاحتجاج بالقضية المقضية هي من قواعد الاصول و
الاجراءات و ان هذه القواعد و الاحكام هي احكام اصولية خاصة و من
مرتبة تشريعية واحدة سواء اوردت في قانون البينات ام في قانون اصول المحاكمات المدنية يعدل فيها حكم النص اللاحق حكم النص السابق ، و عليه فيطبق نص المادة 112 من قانون اصول المحاكمات المدنية الذي يعتبر ان الدفع بالقضية المقضية من حق المحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها لانه نص لاحق على نص المادة 41/2 من قانون البينات بصرف النظر عن أي اجتهاد سابق “.(1)
و من الجدير بالذكر ان نص المادة 112 من قانون اصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 قد تم تعديله بالقانون المعدل رقم 14 لسنة 2001 ليصبح نص المادة 112 هو ذاته الان نص المادة 111/2 .
و تبدو الحكمة من جعل المشرع الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من النظام العام في ان المشرع اراد وضع حد للمنازعات و تجنب تناقض الاحكام و ذلك مراعاة لمصلحة الافراد و الجماعة واحتراما لما صدر من احكام قضائية .
(1) تمييز حقوق رقم (1630/1993) ه.ع ص 835 لسنة 1994 من مجلة نقابة المحامين .
المبحث الثاني : مدى الزامية المادة 41/2 من قانون البينات الاردني للمحكمة في ان تقضي بها من تلقاء نفسها .
نصت المادة 41/2 من قانون البينات الاردني على
“2. و يجوز للمحكمة ان تاخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها”
ذهب اغلب الشراح الى جوازية ان تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بحجية الامر المقضي (1) ذلك انهم قد اعتبروها من الاثار المترتبة على اعتبارها من النظام العام ، ذلك انه للمحكمة ان تقضي بها ما دام قد علمت ان القضية قد سبق الفصل بها و اكتسب الحكم الدرجة القطعية ، الا ان هناك جانبا اخر من الفقه قد رأى بعدم جوازية ان تاخذ المحكمة بهذه القرينة من تلقاء نفسها(2) ، معتبرين ذلك تدخلا في ارادة الخصوم و بالطلبات الي يتوجب عليهم التقدم بها ، و هذا ما جاء عليه قرار محكمة التمييز اللاردنية السابق ذكره رقم 1630/1993 حيث اشارت المحكمة الموقرة بان القانون المعدل لقانون البينات هو نص لاحق على نص قانون اصول المحاكمات المدنية و بالتالي اللاحق ينسخ السابق و بالتالي فان الحكم بهذه الحالة يكون بجواز تدخل المحكمة بان تحكم بحجة القضية المقضية من تلقاء نفسها كونه دفع يتعلق بالنظام العام .
(1) محمد قاسم ، اصول الاثبات في المواد المدنية ، المرجع السابق ص257 و 258 ؛ صلاح شيشتاوي ، الوافي في شرح قانون اصول المحاكمات المدنية . المرجع السابق ، ص 225 ؛ عادل حسن علي ، الاثبات في المواد المدنية ، المرجع السابق ص 263 .
(2) رزق الله انطاكي ، اصول المحاكمات في المواد المدنية و التجارية ، المرجع السابق ص 585 .
و قد قضت محكمة النقض المصرية :
” ان حجية الاحكام يجب لاعتبارها ان يتمسك بها ذوي الشأن ، فان كان الثابت بالحكم ان النزاع في صحة عقد الايجار قد اثير امام المحكمة ، فكان ردها في خصوصه ردا موضوعيا مبنيا على ان العقد صحيح ملزم دون أي اشارة الى حصول تمسك من الخصوم سابق قضى بصحة هذا العقد فان استناد المطعون عليه الى هذا الحكم السابق في طلب ابرام الحكم المطعون فيه لا يكون له محل ” (1) .
الا انا المشرع الاردني لم ياخذ براي هذا الجانب من الفقه اذ نص صراحة على جوازية اخذ المحكمة بهذه القرينة من تلقاء نفسها وفقا للمادة 41/2 من قانون البينات الاردني واضعا حدا لخلاف نشأ بين شراح القانون و ذلك بالقانون المعدل لقانون البينات الاردني رقم 14 لسنة 2001 .
و قد جاءت قرارات محكمة التمييز الحقوقية الموقرة مؤيدة لذلك :
” يصبح الحكم الحقوقي في حالة انبرامه حجة في حق أطرافه وذلك وفق نص المادة 41 من قانون البينات التي جاء نصها (الأحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقص هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه القوة إلاّ في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلاً وسبباً). ويجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها.”
(1) قرار 20 شباط 1947 مجموعة عمر جزء 5 ص 354 .
(2) تمييز حقوق رقم 2261/2007 تاريخ 22/1/2008 .
الخلاصة و راي الباحث
ان الدفع بقوة القضية المقضية وفق القانون الاردني ينقسم الى شقين بناءا على تمسك صاحب الحق به على النحو التالي :
1. اذا تم التمسك به بصفته دفع شكلي و بطلب مستقل قبل الدخول بموضوع الدعوى ، فانه بذلك لا يعتبر من النظام العام و انما يعتبر من الطلبات التي نصت عليها المادة 109 من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني ، و تفصل به المحكمة بشكل مستقل و على حده و يكون قرارها قابل للاستئناف .
2. اما اذا تم التمسك بهذا الدفع كونه دفعا موضوعيا ، وفقا للمادة 41 من قانون البينات الاردني ووفقا للمادة 111 من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني بذلك يكون دفعا متعلقا بالنظام العام و بالتالي لا يجوز للخصوم التنازل عن التمسك به ، كما انه لهم التمسك بها في أي مرحلة من مراحل الدعوى و لو لاول مرة امام محكمة التمييز ، كما و يجوز للمحكمة ان تحكم بها من تلقاء نفسها و هذا ما قضت به محكمة التمييز الموقرة فقد جاء فيه :
” 1. يزول الدفع ببطلان تبليغ لائحة الدعوى ومذكرات الدعوى الناشئة عن عيب في التبليغ أو إجراءاته أو في تاريخ الجلسة يزول بحضور المطلوب تبليغه في الجلسة المحددة أو بإيداع مذكرة بدفاعه وفقاً لأحكام المادة 110/2 من قانون أصول المحاكمات. وحيث أن وكيل المستأنفين قد حضر أمام محكمة الاستئناف وانها اعتبرت غياب موكليه عن الحضور أمام محكمة الدرجة الأولى مبرراً وسمحت له بتقديم بيناته ودفوعه تكون الغاية من تقديم هذا الدفع قد تحققت وهذا السبب أمام ذلك يكون متعيناً الرد.
2. يستفاد من المادة 111/2 من قانون اصول المحاكمات المدنية أن الدفوع المتعلقة بالنظام العام أو بأي دفع شكلي آخر يترتب على ثبوته إصدار الحكم برد الدعوى فيجب على المحكمة أن تفصل فيه فوراً من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم ويكون القرار الصادر برد الدفع قابلاً للاستئناف مع موضوع الدعوى. وحيث أن محكمة الاستئناف وعندما ردت هذين الدفعين فقد استندت بذلك على انهما من الدفوع الموضوعية التي يتم إثارتها من خلال رؤية الدعوى ولا يترتب عليها استئخار النظر بالدعوى. وحيث أن يد محكمة الاستئناف لم ترتفع في هذه الحالة عن الدعوى ولم تفصل فيها ولم تنته بها الخصومة فيكون قرار محكمة الاستئناف غير قابل للطعن منفرداً بهذين الدفعين وانما مع الحكم الفاصل في الدعوى وهذه الأسباب تكون متعينة الرد. “(1)
(1) قرار تمييز حقوق رقم 2368/2008 تاريخ 23/10/2008
قائمة المراجع
1. قانون اصول المحاكمات المدنية و تعديلاته رقم 24 لسنة 1988 .
2. قانون البينات و تعديلاته رقم 30 لسنة 1952 .
3. موسوعة السعيد القانونية ، مجلة قرارات محكمة التمييز الاردنية الالكترونية .
4. محمد حسن قاسم ، اصول الاثبات في المواد المدنية و التجارية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ،2002 .
5. مفلح عواد القضاة ، البينات في المواد المدنية والتجارية ، عمان 1990 .
6. عادل حسن علي ، الاثبات في المواد المدنية ، مكتبة زهراء الشرق 1996 .
7. رزق الله انطاكي ، اصول المحاكمات في المواد المدنية و التجارية ، مطبعة جامعة دمشق ، الطبعة الخامسة 1962 .
8. عباس العبودي ، شرح احكام قانون البينات ، عمان، دار الثقافة للنشر ، 2006 ، الطبعة الاولى الاصدار الثالث .
9. صلاح الدين شوشاري ، الوافي في شرح قانون اصول المحاكمات المدنية ، عمان ، دار المناهج للنشر ، 2002 ، الطبعة الاولى .
تم بحمد الله و رعايته ،،،
اترك تعليقاً